مقالات

لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود21/7/2007

سيقول لي الأصدقاء من البداية إن عدونا هو الصهيونية وليس اليهود، فاليهودية دين والصهيونية مفهوم سياسي، ولكن ليس سراً أن نقول إن القرآن الكريم لم يذكر شيئاً عن الصهيونية وإنما كان حديثه دوماً عن اليهود بوصفهم فريقاً يطفح بآثام الأمم وأمراضها، وهو بالضبط ما جعلهم في القرآن الكريم في معرض الذم بشكل شبه دائم.
والصهيونية في الواقع عصارة الآثام والانحرافات العقائدية التي تورط فيها اليهود عبر التاريخ فجعلت منهم أمة ملعونة على لسان الأنبياء وبالتالي على لسان الأمم، وقد استخدمها الفريق العلماني المؤسس بهدف الارتباط بجبل صهيون القائم قرب بيت المقدس.
ولن أنسى الإشارة إلى التحفظ القرآني على بعض اليهود أنهم كانوا أقرب إلى الإنصاف من سواهم، وحتى في معرض الذم فإن القرآن الكريم يتجنب التعميم ويتحدث عادة عن (طائفة من أهل الكتاب) ( وإن منهم لفريقاً) (فريقاُ من الذين أوتوا الكتاب)….
هل كان موقف الإسلام من اليهود على خلفية عنصرية؟؟ كان بالإمكان أن نبدأ في الإجابة على هذا السؤال بالأدلة المجردة التي يعرفها كل أحد، من دعوة الإسلام إلى المساواة والتراحم، والتذكير بما فعله الرسول الكريم مع جاره اليهودي، وزواجه من صفية بنت حيي اليهودية، وما أذن به من الرواية عن بني إسرائيل وهي أدلة كثيرة ترسم لك ملامح أن الإسلام لم يقف موقفاً عنصرياً من اليهود، بل اعتبرهم جزءاً من أهل الكتاب وخصهم بطائفة من الأحكام الشرعية المتميزة وأجاز النكاح من نسائهم، إلى آخر الأحكام المعروفة.
ولكن تتابع الأحداث التي رأيناها الأسبوع الماضي ومشهد البغي اليهودي كفيل بالإجابة الكاملة على هذا السؤال، فما الذي يبرر للصهيوني أن يقصف بكل طاقته التدميرية منازل في عكار وطرابلس وجونية ويقتل العشرات من الناس وعند كتابة هذه السطور فإن قتلى العمليات الإسرائيلية في لبنان قد تجاوزوا المائتين قتيل وطاحونة الموت مستمرة، وبالتأكيد فإن أحداً لن يصدق أن هذه البيوت في عكار وجونية تستخدم منصات لإطلاق الكاتيوشا، التي لم تنطلق أصلاً منذ نحو ستة أعوام، ولست أدري أي دم فاجر كان يجري في وجه الرئيس بوش وهو يقول إن إسرائيل تقوم بواجبها في الدفاع عن النفس، وهل سيقبل المستبد الأمريكي أن تقوم سوريا بالدفاع عن أسراها لدى سجون الاحتلال بهذه الطريقة، وهل تقبل أمريكا أن تقوم السعودية بفعل الشيء نفسه لإطلاق سراح معتقليها في غوانتانامو الذين يعانون هناك منذ ستة أعوام بدون محاكمة؟؟

أراد الإسرائيليون أن يقولوا للبنان كله إن إسرائيل لا يمكن أن تصنف إلا على أنها عدو!! نعم عدو لكل اللبنانيين حتى لأولئك الذين قالوا نحن لا نتبنى المقاومة ولا نؤمن بها، حتى لأولئك الذين راحوا يتغنون بإسرائيل واحة الديمقراطية في المنطقة، حتى أولئك الذين راحوا ينددون بالمقاومة ويتحدثون عن مغامراتها غير المحسوبة فإن مصالحهم وأعمالهم كانت هدفاً مباشراً لآلة الحرب الإسرائيلية التي قصفت بجنون ووحشية في الشيعة والسنة والمساجد والكنائس والمرافئ والمطارات وعربات الإسعاف ومدارس الأطفال وسيارات النازحين وطواقم الإعلام، فكل شيء مباح للثور اليهودي الهائج الذي أقامه الله ابناً مدللاً له وأعطاه له ولنسله كل أرض تطؤها قدماه من النيل إلى الفرات.
كيف يمكن تبرير ذلك كله من دون أن نتذكر نصوص التلمود التي تحملهم على سحق الغوييم من دون أي وخزة ضمير، وبدوافع عنصرية حاقدة مكبوتة.
ثقافة الوصايا العشر لا تكذب لا تسرق لا تزن لا ترابي موجهة كلها إلى داخل الكانتون اليهودي أما مع غير اليهودي فهذه المآثم تصبح لوناً من الشطارة التي يباركها الرب لأنها موجهة ضد الغوييم الذين خلقوا لخدمة إسرائيل، وهي الكلمة التي فضحها القرآن الكريم في مصطلح الأميين، إشارة إلى الأمم الأخرى غير اليهودية التي لا بأس في ممارسة كل أنواع الشرور فيها ومعها، وفي الآية الكريمة قولهم: ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون.
كنت أظن أن هذه الثقافة هي من دعايات المنهاج القومي الذي تضعه وزارة التربية في دولة البعث من أجل تعبئة الجماهير، ولكن هذا الوهم انزاح بالكامل عندما انعقد مجلس الأمن الأسبوع الماضي وكان اول مطالباته الحفاظ على سلامة الجنود الإسرائيليين الثلاثة وإطلاق سراحهم فوراً ولم يقل البيان شيئاً عن عشرة آلاف أسير فلسطيني ولا عن أربعة ملايين لاجئ يتيهون في الأرض منذ أكثر من نصف قرن، حتى ولا عن أكثر من نصف مليون نازح لبناني مذعور أخرجوا هذا الأسبوع من ديارهم وأموالهم بغير حق ولا ذنب بعد أن هدمت آلة الحرب الإسرائيلية المجنونة ما بناه لبنان خلال خمسة عشر عاماً.
لم أكن أظن أو أتخيل أن أشاهد في عام 2006 مطلع القرن الحادي والعشرين أن العالم المتحضر سيرضى بهذا الجنون من البغي والبطش أو يبرره كما نراه اليوم.
ليس المؤلم أن يجري ما ترى ولكن المؤلم أن يصعد مندوب الدولة العظمى في العالم التي يفترض أن ترعى الحق والعدالة ليقول على الملأ إن ما تفعله إسرائيل يندرج تماماً في إطار الدفاع عن النفس، مع أن أهون من ذلك بكثير كان كفيلاً لوصف المقاومة بالإرهاب، واعتبار الجهاد عملاً عدوانياً، وخرقاً لاتفاقيات جنيف يستلزم استدعاء الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
لم يكن موقف القرآن من الحالة اليهودية موقفاً عنصرياً، ولأجل ذلك فقد تكرر في القرن الكريم والسنة النبوية تحذير المسلمين من الأمراض التي ابتلي بها أهل الكتاب وعلى حد تعبير جودت سعيد فإن ثلاثة أمراض وقع فيها بنو إسرائيل وحذر منها القرآن أشد التحذير ولكننا وقعنا فيها بدون تحفظ الأولى: قوله: وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأخباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق، والثاني وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، والثالثة قولهم كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين.
من اللحظة التي اقتنع فيها اليهودي بان الله خلق الكون من أجله، راح ينهش بالمظالم جيرانه من الناس وأصبح من اليسير أن يصدق اليهودي أن الله ربه وليس رب الآخرين وأن الجنة خلقت له وليس للآخرين وأن عمله الصالح مقبول وأن عمل الآخرين زاهق وأن الله سيقدم إلى ما عمل المسيحيون والمسلمون وسواهم مهما كان عملاً صالحاً وخيراً وطيباً فيجعله هباء منثوراً.
من المؤلم أن تكون كثير من هذه الأمراض التي نتحدث عنها في البغي اليهودي هي أمراض المسلمين نفسها، وهو ما حذر منه النبي الكريم بقوله: لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاًَ بذراع حتى لو سلك أحدكم جحر ضب لسلكتموه.
هذه السطور بقدر ما هي فضيحة لليهودي التائه الذي يكرس يوماً بعد يوم قطيعته مع العالم ، فإنها أيضاً دعوة لمناقشة الذات والتأمل إلى أي مدى تغلغل فينا الفهم اليهودي عن الله ومشاهد الآخرة، وإلى أي مدى نقدم نسخة مكرورة من الفهم العنصري اليهودي في احتكار الخلاص والله والجنة، وكيف ذهب كثير من المسلمين في فهم الشفاعة إلى مستوى يقترب كثيراً من ثقافة نحن أبناء الله وأحباؤه، وإلى أي مدى تتقارب ثقافتنا في تفسير خير أمة أخرجت للناس من تفسير وإني فضلتكم على العالمين؟؟
إنها أسئلة جارحة بكل تأكيد لن تمر بدون عاصفة ولكنها على كل حال أسئلة، وجوابها في ضمير قادة الخطاب الديني، وهي على حد تعبير محمد الغزالي مواجهة مكشوفة مع حصاد الغرور.
بالتأكيد هذه اللغة الإقصائية المستكبرة ينسفها القرآن ألف مرة ومرتين أما المرة الأولى فهي في أول كلمة فيه وهي: الحمد لله رب العالمين، حيث لم يقل رب إسرائيل ولا رب اسماعيل، والثانية في آخر كلمة في القرآن الكريم رب الناس ملك الناس إله الناس فكرس منطق الإخاء الإنساني وأن الخلق كلهم عيال الله، أما الألف مرة فهي ما بين هذه وتلك ويمكنك إذن أن تقرأها في كل صفحة من الكتاب العزيز، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وما كنت بدعاً من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أنا إلا نذير وبشير، ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء، قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.
ليس للنبي نفسه حصانة من قانون السماء، ولم يكن يتصرف على أنه ابن الرب أو على أنه قائد جند الرب أو شعبه أو رسول الشعب المختار، لقد عاش ومات ليكرس حقيقة واحدة: الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفقعهم لعياله.

Related posts

د. محمد حبش- النصف من شعبان .. حدث من الغيب وظلال من الواقع 31/8/2007

drmohammad

داعش… أفول الفكرة لا يعني أفول التنظيم

drmohammad

د.محمد حبش- خارج السرب 10/2/2006

drmohammad

Leave a Comment