قرة العين الطاهرة
هذا مقال دفعني للكتابة فيه الإنصاف والوفاء، حيث يتعين أن نعيد قراءتنا لتاريخ الأحرار الشرفاء الذين انتهوا على المشانق في ضوء ما حملوه من أفكار نبيلة بعيداً عن بطش السياسة ومكائدها.
وقرة العين امرأة هائلة من إيران عاشت في القرن التاسع عشر، وتم إعدامها على 1852م على يد القاجاريين في إيران، بعد أن خاضت حملة شجاعة ضد التخلف والجهل، وحملت رؤية متقدمة للمرأة المؤمنة وهي تخوض كفاحها ضد القمع والظلم والتقاليد البالية.
وفي الواقع فقد تلقت قرة العين أبشع الجحود في حياتها وبعد رحيلها، حيث يتم وصفها في مراجع السنة والشيعة على السواء بأنها امرأة مارقة، تتحدى كل القيم والأخلاق، وتعرض جسدها في مزادات السياسة، وأنها جمعت بين فساد العقيدة وعبادة الباب وفساد الأخلاق، وأنها تلقت عقاباً عادلاً مؤسساً على عقوبة الفحشاء، وأن ذلك كان قرار القضاة جميعاً ولم تجد من يتعاطف معها، بعد أن صارت رمزاً للإباحية والتحلل والبغاء!!!
وأول ما لفتني في مظلومية هذه السيدة
الكريمة هو موقف الفيلسوف الإسلامي الأشهر محمد إقبال المعاصر لقرة العين، الذي
تحدث بإنصاف عن هذه المرأة ووجه التحية والاحترام للحركة الإصلاحية المهمة الحركة
البابية، ووصفها بأنها كانت إصلاحاً دينياً عميقاً في المذهب الشيعي!!!
ولا شك أنك تشعر بالصدمة الآن فالبابية باتت في الضمير الإسلامي رمزاً لكل سقوط
وانحراف، ويكفي وصم رجل ما بالانتماء إليها حتى يتم إدراجه في الضالين المضلين
الكافرين.
فما الذي دفع مفكراً إسلامياً عملاقاً كمحمد إقبال أن يجدف ضد التيار ويصف قرة العين بالمجاهدة الإصلاحية الهائلة؟
اسمها الحقيقي فاطمة الباراغاني، وكذلك رزين تاج، وعرفت باسم قرة العين، والحرة، والطاهرة، والقزوينية.
ولدت قرة العين بين أبوين محافظين، وكان أبوها الشيخ الملا صالح القزويني، وكان الملا صالح معروفاً في قزوين وقد رحل إلى كربلاء وعرف بترجمته للقرآن ومطالبته المستمرة بتطبيق العقوبات الشرعية بدل القوانين الوضعية القاجارية، كما كان خالها إماماً لمسجد الصالح في قزوين.
أظهرت الفتاة نبوغاً لافتاً من أيامها الاولى، ورحلت مع والدها إلى كربلاء وبسرعة اشتهرت بحضورها وفصاحتها وقوة تأثيرها، حيث كانت تجيد بطلاقة العربية والفارسية، وصارت أيقونة للنساء حتى وصفت بانها قومة الزهراء، وإعادة بعث للسيدة الزهراء.
لا شك انها عانت طويلاً من صراع الفكر، فهي أيقونة ثورة وحرية، ولكنها محبوسة في أقفاص العصور الوسطى، وكانت التقاليد تفرض عليها الغياب عن مجالس الرجال.
تعرفت قرة العين الطاهرة على الشيخ محمد علي الشيرازي، لقد كان الشيرازي يعيش في جوفه غلياناً من الممارسات التي يمارسها المتعممون ولكنه كان يتذرع دوماً بالعجز عن التغيير، ويرى بأن الخروج عن المألوف فساد لا يطاق،
لا تقدم لنا الروايات السائدة شيئاً عن الملا علي الشيرازي الذي اختارته قرة العين إماماً ورائداً وربما صنعته إماماً ورائداً، غير أنه صاحب البدعة البابية.
كانت رسالة علي الشيرازي واضحة وهي التمهيد لنهاية الانتظار الكبير الذي مارسه الشيعة عشرة قرون منذ عام 270 هجرية حيث سيصادف عام 1853 مرور ألف عام على اختفائه في السرداب وهي العقيدة الشائعة لدى الشيعة وكان يرى أنه آن وقت الخروج، وكانت الفكرة السائدة لدى العامة: الدنيا تؤلف ولا تؤلفان.
والخروج الذي أرادته قرة العين هو خروج من ديوان الخرافات والجهل الذي خيم على العقل الشيعي ألف عام، وكان ذلك يتطلب حركة إصلاحية هائلة، فهذا الشرق لن ينحني إلا لمخلص من السماء، وبدا لها أن السيد علي