مقالات

د.محمد حبش- ابتكر معروفاً 5/7/2007

لا يمكن حصر عمل الخير في أن تمتد يد الغني إلى الفقير بالصدقة والإحسان، إنه أمر محمود بكل تأكيد ولكن الإحسان أيضاً مسألة إبداع، فقد أطلق الفقهاء القرائح للناس ليبتكروا وجوه الخيرات ويمكن هنا أن نعد من هذه الخيرات نظام الوقف الإسلامي، فقد أحدثوا أوقافاً للمدارس والمشافي والجامعات والمساجد والتكايا (المطاعم المجانية) والنزل (الفنادق المجانية) والخانات (الموتيلات المجانية) ثم التفتوا إلى جوانب جد دقيقة فابتكروا فيها بالخيرات، فأحدثوا وقفاً خاصاً لطلبة العلم يشتمل على رعاية كل ما يحتاجه طالب العلم، وأوقفوا أموالاً خاصة لإنفاقها على ثياب الطلبة وأقلامهم ودفاترهم حتى خصصوا وقفاً خاصاً للمكسرات من الموالح ذلك لأن طالب العلم ينبغي أن لا يصد عنه لون من الرفاهية حتى يتمكن من تحقيق أفضل النتائج، ومن الأوقاف أيضاً وقف الأواني وكان مخصصاً لمن انكسرت آنيته من الخدم أو الغلمان فكان يأتي إلى ناظر هذا الوقف فيستبدل ما انكسر بدون عوض، وأحدثوا وقفاً للنساء الغواضب اللاتي لم يكن لهن مأوى فإذا وقعت الخصومة في الدار فإن هذه المرأة الغاضبة ستتشرد ولكن دور النساء الغواضب كانت توفر لها الملجأ والمأوى زمناً حتى تلتئم جراحها وتستعيد عافيتها، وكان من الأوقاف التي أعدها أيضاً النظام التكافلي الاجتماعي في الإسلام وقف المصطبة (المهاجرين والميدان على سبيل المثال) وهو وقف خاص بمن توفي وعليه دين فكان يحمل إلى تلك المصطبة حيث يتبادر الأسخياء والأجواد لرد ديونه قبل دفنه، حتى تصفو القلوب ويشارك في أجره وعزائه دائنوه ومدينوه.

بل إنهم انطلقوا إلى ما هو أكثر من ذلك فقد أحدثوا أوقافاً خاصة لما يهرم من دواب المسلمين وكانت أرض مدينة المعرض القديم بدمشق وقفاً خاصاً بالدواب الهرمة التي تقاعدت عن العمل وتقاعس أصحابها عن العناية بها فكانت تجد هناك كل ما تحتاجه من عناية حتى يوافيها الأجل وفاء مع هذه النفس التي سخرها لنا الله في حوائجنا ولكم فيها منافع وعليها وعلى الفلك تحملون.
يمكن التماس فن إبداع المعروف والخيرات من النبي الكريم r فقد قال ذات يوم لأصحابه: أربعون خصلة أعلاهن منيحة العنز ما من مؤمن يعمل بواحدة منها رجاء ثوابها وابتغاء موعودها إلا أدخله الله الجنة، وراح الأصحاب الكرام يجتهدون في عد هذه الخصال الأربعين التي تقل تكلفتها وعناؤها عن منيحة العنز، ومنيحة العنز تكون في الرجل يحب أن يتصدق ولكنه لا يملك مالاً ولا ذهباً ولا فضة، ولكن لديه عنزة أوشاة فيعيرها لمن يحتلبها يوماً أو يومين يطعمها ويشرب لبنها، فهذه المنيحة من العنز توجب دخول الجنة لمن فعلها ابتغاء ثوابها وأجرها، وبدأ الصحابة الكرام يعدون أربعين باباً من الخير أعلاهن منيحة العنز فلم يحصوا ذلك، وعدوا من هذه الأشياء خمسة عشر مسألة، ومما عده الصحابة في الخيرات: إماطة الأذى عن الطريق وعيادة المريض وإعانة الأخرق وإعانة المغلوب ورد السلام واتباع الجنازة وإجابة الدعوة وتشميت العاطس والبدء بالسلام وتبسمك في وجه أخيك وإرشاد الضال والبصر لرديء البصر وإفراغك من دلوك في دلو أخيك وإسماع الأصم وهداية الأعمى ودلالة المستدل على حاجته وإعانة الرجل في دابته والتعبير عن الأرتّ وهو الذي لا يفصح الكلام ولا يبينه وإيناس الوحشان.
والآن أغمض عينيك وافتح قلبك، وابتكر معروفاً
أبني إن البر شيء هين وجه طليق وكلام لين

Related posts

د.محمد حبش- سلام هي حتى مطلع الفجر 26/9/2008

drmohammad

د.محمد حبش- عزيزتي اليزابيث 24/6/2007

drmohammad

تريليون دولار !!! طالبان – نهاية عصر الحروب

drmohammad

Leave a Comment