ليس من شأن الشهر الكريم أن يجعل الناس رهباناً يعكفون في الصوامع بكل تأكيد، ومن حق الناس في رمضان الفرح وقرة العين، لكن من غير المعقول أيضاً أن يتحول الشهر العظيم إلى موسم سياحي تنافسي متعطش جشع، يتبارى في الوصول إلى جيوب الناس على حساب قيم الشهر الكريم وفضائله.
خيمة رمضان صورة للفرح الذي ينشره رمضان، وقد كانت تنصب عند بساتين الأغنياء فيغشاها الناس من فقراء وأغنياء للطعام والشراب والفرح وتبادل الخبرات.
وقد سبق إلى بناء هذه الخيام عمرو بن العاص في فسطاطه الذي نصبه بمصر عند الفتح، وكذلك نور الدين الشهيد حاكم دمشق 549 – 569 هجرية، الذي بنى في الربوة سلسلة خيام ومستراحات للسيران في الصيف وقاعات للشتاء، وفيه يقول الشاعر:
إن نور الدين لما أن رأى في البساتين قصور الأغنياء
جعل الربوة قصراً شاهقاً نزهــــة مطلقــة للفقــــراء
هكذا كانت خيام رمضان تنتصب على طول الربوة على ضفاف النهر الجميل تملأ الحياة بالبساطة والفطرة، ويأنس فيها الأغنياء بالفقراء لا تميزهم مقاعد وثيرة أو حشم أو خدم، أو مناصب وتيجان، يفطرون فيها في رمضان ثم يسهرون على ضوء القمر وانسياب بردى.
ولكن هل حافظت الخيمة الرمضانية على ذلك الصفاء الروحي الغامر؟ وهل تحمل الخيمة الجديدة روحانية الصيام؟ إن الخيمة هي في الواقع عودة إلى الطبيعة، إلى الفطرة، إلى البساطة والرقة، تماماً كما هو شأن الوردة في الأفراح فغايتها وهدفها واضح وجلي، وهو تأمين تعبير عن المحبة يقدمه المرء لمن يحب، وذلك بقصد المساواة بين الغني والفقير، فالوردة في يده لسان حال معناه: أنني أحمل لك الحب الكبير ولكنني غير قادر على شراء أشياء ثمينة، وقد أعددت لك هذه الوردة وما فيها من عطر وجمال رمزاً للمحبة، ولكن الوردة الجديدة لم تعد بريئة ولا بسيطة لقد صارت ببساطة صورة للتباهي والتفاخر والتكبر، وصارت أطواق الورد أكثر صورة فاقعة للسرف والتبذير وتفريط المال.
خيمة رمضان في هدف مبدعيها دعوة للعودة إلى البساطة والفطرة، ودعوة إلى لم شمل الفقراء والأغنياء تحت قماش واحد، ودعوة للزهادة والتقشف وحياة البادية، فهل تحمل خيام رمضان اليوم شيئاً من ذلك؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليها الأغنياء ويكف عنها الفقراء، وبكل أسى أقول لو ذهبنا نطبق دلالة هذا الحديث الكريم فلن نجد أوضح من موائد الخيام الرمضانية التي يدعى إليها الأغنياء ويصد عنها الفقراء!
السؤال برسم فنادق الخمسة نجوم التي صارت متخصصة بهذا اللون من الخيام، والتي صارت طافحة بكل أنواع المتعة باستثناء نصيب الروح في رمضان.