مقالات

د.محمد حبش- إن في الجنة باب يقال له باب الفرح 13/1/2006

أما أوضح مظاهر العيد في الواقع فهو فرح الأطفال ومرحهم وهو موقف يذكرك بقول النبي الكريم: إن في الجنة باباً يقال له باب الفرح لا يدخل منه إلا من أدخل السرور على أطفال المؤمنين.
والفرح مع الأطفال أدب من آداب الإسلام التي أمر بها الله سبحانه، وقد كان النبي  يفرح لفرح الأطفال، ويبتسم لابتسامتهم، وفي الخبر أنه  صلى إماماً بجماعة من أصحابه فأطال السجود حتى ظن الناس به شيئاً فلما انصرف من صلاته قال: لقد أطلت سجودي حتى ظننتم، وإن ولدي هذا ارتحلني فكرهت أن أهيجه، وفي خبر آخر أنه كان يلاعب الحسن والحسين حتى يرتحلا ظهره فيقول: نعم الجمل جملكما ونعم الراكب أنتما!!
ولم يجد غضاضة في نفسه أن نزل يوماً من منبره وقد رأى ولده يعثر في المسجد فحمله وصعد به المنبر واستأنف خطبته وهو موقف لا أظن أن أياً منا يملك الجرأة على فعل مثله أو نظيره مهما كان راغباً في التزام السنة المشرفة.
وكانت الأطفال ترقب طلعة وجهه كأنها قطعة قمر، يرجون حبه وابتسامته، وقد حملت لنا كتب السنة كثيراً من أدبه مع الأطفال وما كان بداره ص من ألعاب وعرائس لعبت بها عائشة طفلة، وفيها عرائس وخيل ذات أجنحة، ثم لعب بها الحسن والحسين وأمامة، وكان يرعاهم بنظره ودفئه وروحه الطيبة حتى تكتمل الطفولة فيهم إشراقاً وفرحاًً ومرحاً.
وفي يوم عيد اجتمعت نسوة من المدينة في داره الكريمة يغنين بالدف في مرح وحبور، وبينا كن كذلك دخل أبو بكر الصديق وفي رواية أخرى عمر بن الخطاب فسكت الجميع في ارتباك وجلست إحداهن على الدف كأن لم يكن دق ولا دف، وأدرك عمر ما حصل فقال مغضباً: يا عدوات أنفسكن أتهبنني ولا تهبن رسول الله؟؟ فقالت إحداهن ببراءة نعم!! نهابك ولا نهاب رسول الله أنت أفظ وأغلظ؟؟؟ كان موقفاً بريئاً ذا دلالة، اشتد منه غضب عمر بن الخطاب ولكن النبي الكريم أخذ المبادرة وقال: دعهن يا عمر فإنها أيام عيد وإن لكل قوم عيداً ، وإن الأنصار يعجبهن اللهو!!
ويتميز عيد الفطر بتجلي الجمال فيما يتميز عيد الأضحى بتجلي الجلال، فيأتي عيد الفطر بعد أجواء رمضان الروحية ولكنه بمثابة انتهاء لتلك الأجواء الروحية فبعد شهر كامل من الصوم يبدأ عيد الفطر يحمل البسمة للناس تماماً كما عبر النبي الكريم بقوله: للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، فيما يأتي عيد الأضحى في أجواء جلال تمتلئ بالمهابة، حيث جموع الحجاج في الأرض يجتمعون في صعيد عرفة من كل جنس ولون في تكبير وتهليل لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك، لبيك حقاً حقاً، لبيك تعبداً ورقاً، لبيك وسعديك، والخبر كله لديك، والشر ليس إليك، لبى لك عبدك وابن عبديك.
وفي نفحات الحج الأعظم تطوف بك الذاكرة إلى أيام كبيرة تصحب نداء إبراهيم وخطواته على صعيد البيت المعمور في واد غير ذي زرع عند البيت الحرام، حيث كل شيء ثمة يسبح لله ضراعة وإنابة وإقبالاً ورحمة، وفي ذلك الصعيد المقدس تلتقي أشواق المؤمنين من كافة أركان الأرض، من عرب وعجم وبيض وسود وسمر وصفر وأغنياء وفقراء، لا يحملهم إلى ذلك الوادي رغبة في سياحة أو راحة، أو رجاء مطمع من مال وتجارة، وإنما تحملهم أشواق من أفق أعلى، تعود بالإنسان إلى مجده الأول وتبعث في يقينه الذاكرة الأولى أنه قادم من فوق، وأن إشراقه الروحي لا يجوز أن يتبدد، وأنه مدعو أن يجدد ذاته وصفاءه كل يوم، وأن الحج الأعظم هو ذلك الوعد الذي تتلاقى فيه الأرواح للتذكر الأفق الأعلى، وتشتاق إلى عالم من السمو والروح، لا يشبه في شيء عالم المادة الصاخب الذي نتقلب فيه اليوم، في صخب تنافس مادي محموم، لم يبق في ركامه مكان للإنسان بما هو روح وإشراق وأذواق.
في مشهد الحج الأعظم يسعى الحجاج بين الصفا والمروة، وما بين الهضبتين الرابضتين يسجل مرور أكثر من ثلاثة ملايين حاج، يمشون على أقدامهم سبعة أشواط، مسافة ثلاثة كيلومترات، ولكن علينا أن نتذكر أن أهم ما يمكن دركه في هذا الجانب هو أن هذه العبادة من السعي بين الصفا والمروة، تخلد جانباً هاماً من عناية الإسلام بالمرأة واحترامه لرسالتها، ولا يمكن لأحد أن يطوف بين الصفا والمروة دون أن يطوف بخياله مشهد السيدة هاجر، تلك المرأة المكافحة التي كانت تركض من تل إلى تل وهي تسعى في رزق وليدها ووحيدها إسماعيل، ونحن نتبع خطاها مشياً وسعياً فنمشي حيث مشت ونركض حيث ركضت وننادي كما نادت رب اغفر وارحم واعف وتكرم واهدِ للسبيل الأقوم، وهكذا اختار الله سبحانه أن يجعل من كفاح المرأة نسكاً مقدساً يتعبد به الناس إلى يوم القيامة.
في الحرم الشريف تلتقي النساء والرجال في توحد ذي دلالة وتمنع المرأة من إسدال الخمار، وتصلي إلى جانب الرجل في براءة لا تشبه في شيء ما ألقته عليها عصور التقليد والتخلف والحريم، وهو مشهد يتناقض تناقضاً حاداً مع ثقافة: المرأة عورة، أو المرأة شيطان، أو المرأة فتنة، أو المرأة مصيبة، أو شر لا بد منه، وغير ذلك من كلمات لا ترى في المرأة إلا شراً وفساداً، هنا تصبح المرأة أماً وأختاً وقائداً ورمزاً نتعبد بسعيها وندعو بدعائها ونحترم كفاحها، ويتلاقى الناس رجالاً ونساء فيصلون في موقف واحد، ويصعدون إلى صعيد واحد، ويمشون إلى المناسك متشاركين، لا ينظر أحد إلى أحد نظرة غدر وهوى، وتذوب هناك الأماني وتستيقظ الروح الحق التي تجعل الإنسان عضواً في العالم الأسمى الذي يتصل فيه الخلق بالخالق.
إنها بعض دلالات هذه الأيام المقدسة في ضمير المؤمن وهي الروح التي نحتاج أن نبعثها كلما مرت بنا مواسم الأعياد، وكلما كررنا عبارة كل عام وأنتم بخير.

Related posts

د.محمد حبش- كيوتو… صخب في مؤتمر الأديان العالمي في اليابان 1/9/2006

drmohammad

د.محمد حبش- الإيمان والأمان وسياسة أمريكا 25/11/2006

drmohammad

مذهب الإنسانيَّة في الإسلام

drmohammad

Leave a Comment