مقالات

د.محمد حبش العلمانية والإسلام…. قراءة من أفق آخر 8/6/2007

لماذا تصرون على أن يرتدي هذا المؤتمر عمامة أزهرية!!

هكذا كان اعتراض الفريق العلماني المشارك في المؤتمر عقب الكلمة التي ألقيتها في مؤتمر الإصلاح والديمقراطية في قطر الأسبوع الماضي، وهو الاعتراض نفسه الذي واجهته في مؤتمر العلمانية في العالم العربي الذي عقدته دار بترا ودار أطلس بالتعاون مع المعهد الثقافي الدنمركي في دمشق.
هذه المخاوف التي نواجهها كلما حاولنا التحدث عن المشترك بين الديمقراطي والإسلامي وهو ما يثير حفيظة المتشددين من العلمانيين الذين لا زالوا يصرون على أن تكون العلمانية دين الديمقراطية ، ويمضون إلى حد إطلاق ما أسميه ثيوقراطيا الديمقراطية.

قدم مؤتمر قطر دليلاً واضحاً أن العلمانيين الذين يرتبطون تقليدياً بتمثال الحرية في نيويورك يختصرون كفاحهم العربي في وجوب القطيعة بين ما هو إسلامي وبين ما هو ديمقراطي، على أساس تناقض المرجعية في كل من الخيارين فالديمقراطية احتكام إلى الشعب والإسلام احتكام إلى الكهنوت!!

وهذه المخاوف هي بعينها ما سمعناه هنا في دمشق في مؤتمر العلمانية في العالم العربي حين تحدث الدكتور عزيز عظمة عن خطورة الردة على العلمانية التي يشهدها العالم العربي، وذهب في تحذيره إلى خطورة ذلك مستشهداً بمشهد قراءة القرآن الكريم في حفل تأبين محمد الماغوط، كونه كان من رموز العلمانيين العرب، وكذلك وجه محذراً من خطورة وصول عبد الله غول إلى قصر يلدز مع امرأته المحجبة!! وفي إشارات مماثلة تأكد لدى الباحث العلماني الشهير أن الخطر الإسلامي قادم وأن علينا أن نوقف هذا المد الرجعي الهائج الذي يهدم ما بناه دعاة التقدمية العربية!!

قلت لهم: من المؤلم أن العلمانيين العرب الذين يفترض أنهم دائماً مع الخيار الديمقراطي، يقفون اليوم مباشرة مع العسكر ضد الخيار الديمقراطي للناس، ويطالبون بصحوة ثورية للعسكر في أنقرة لوقف تسلل ( المرأة المحجبة) إلى قصر يلدز، وباستغاثة حزينة يذكرك مشهد الخوف من وصول المحجبة إلى القصر الرئاسي بالسلوك الهمشري الذي سلكه النواب الأتراك لمنع السيدة مروة قاوقجي من أداء القسم الدستوري بعد أن انتخبها الشعب التركي وفق أصول اللعبة الديمقراطية وطقوسها!!
هل جاء عبد الله غول بامرأته من المريخ أم استوردها من جزر الواق واق أمن أنها ابنة الأرض التركية نشأت ودرجت وتعلمت على تراب أرض الأناضول التاريخية؟
فهل كان هذا المشهد مناسباً ليباهي به العلمانيون دليلاً على ضمان العلمانية للحريات والمساواة؟؟؟

هذا التناقض الحتمي الذي ترسمه العلمانية العربية في مصر خصوصاً هو من وجهة نظري المكافئ الموضوعي لما قدمه قبل نصف قرن رواد الإسلام السياسي حين افترضوا التناقض الحتمي بين الإسلام والديمقراطية وأطلقوا على الأولى اسم شريعة الله وعلى الثانية اسم شريعة الطاغوت!!

قلت لهم أيها الأصدقاء ربما كانت آمالنا الإصلاحية في العالم العربي كله لا تتعدى الأحلام الوردية، فالديمقراطية هنا لا تزال محض آمال تتناولها أقلام التنظير والفلسفة من دون أن يكون لها ظلال على الواقع، ولكن دعونا نقترب قليلاً من أكثر التجارب الديمقراطية في العالم الإسلامي نجاحاً ونضجاً.
تشهد ماليزيا دون أي نقاش حالة من أهم حالات الصحوة الوطنية في العالم ، فهذا البلد الذي يعيش تقليدياً في أجواء آسيا الحقيقية، ويعتز بزهو بروح الشرق الآسرة، ويعيش في المسلمون والبوذيون على السواء استطاع أن يقدم نموذجاً حضاريا لافتاً للعالم وتمكن مهاتير محمد من إنجاز المعجزة الماليزية في العالم حين التحقت ماليزيا بجدارة بالدول الصناعية الكبرى في العالم وقفزت من خانة نمور آسيان إلى منصة أسود العالم الجديد وكسبت احترام العالم في نجاحها الصناعي والتجار والتقني وهو نجاح لافت أثار إعجاب العالم.

ولكن نجاح ماليزيا لم يكن أبداً بسبب تنكرها لقيم الإسلام، لقد أنجز الماليزيون مشروعهم الحضاري وهم أكثر تمسكاً بقيم الإسلام العالية في الأرض، ومع أن البلد يشهد صحوة إسلامية واضحة ولكنه لم ينجرف صوب أي من التيارات المتطرفة، وظل خطابه معتدلاً واضحاً .

في الوقت الذي قامت فيه الحكومة الطالبانية بتفجير تماثيل بوذا في باميان على عين العالم فإن ماليزيا كانت تقوم بترميم أكبر تمثال لبوذا في العالم، لقد زرت ذلك التمثال العجيب وهو بارتفاع مبنى من اثني عشر طابقاً سيكلف ترميمه ملايين الدولارات، ولم يطالب الفقهاء الماليزيون بتدمير التمثال أو قصفه أو تفجيره، ورسم الماليزيون صورة واضحة للتعايش السلمي والأهلي بين أبناء الأمة الواحدة على الرغم من التناقض الصارخ بين البوذية والإسلام وهو تناقض يعكس ببساطة التناقض بين دين التوحيد وبين ديانة وثنية!!

السياحة بكل أدواتها تتوفر في الشارع الماليزي ويتكسب بها البوذيون بشكل خاص من أبناء ماليزيا، وهي تشهد ازدهاراً غير عادي في ظل دولة إسلامية ناجحة لا تزال ترفع في قبة برلمانها سورة الرحمن باللغة العربية، في إشارة إلى اعتزاز ماليزيا بالقيم الإسلامية وإن تكن في وعيها الفقهي قد تجاوزت كثيراً من الشروط المتشددة.
كان أول قرار اتخذه عبد الله بدوي حين تم له النجاح في الانتخابات الماليزية أنه ذهب من فوره رفقة أسرته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة العمرة، وكانت الكاميرات تلاحقه هناك بالمناشف البيضاء حول الكعبة المشرفة، وهو يصل آمال بلاده بأشواق روحه، ويعود إلى الشرق البعيد محملاً بأذواق الحرم الشريف ليستأنف مشواره يفي نهضة بلاده.
لقد تمكن هذا البلد الآسيوي من إنجاز كافة الشروط الحضارية لتقدم بلاده من دون أن يتنكر لقيم الإسلام أو يتخلى عن ثوابته، فلماذا يشترط علينا بعض العلمانيين العرب أن نتنكر لقيم الإسلام قبل أن نمسك خيط الطريق نحو النهضة لنحظى بموقع بين الأمم؟؟

إن الإسلام ليس هنا محض قطعة من الثقافة، إنه هوية الوطن وتاريخه، وملح أرضه، ومن واجب التيار العلماني أن يدرك هذه الحقيقة، وعلينا أن نحقق المواءمة الصحيحة بين القيم الإسلامية والشرط الديمقراطي، وبالتالي أن نناضل لبناء حياة ديمقراطية عادلة في ضياء القيم الإسلامية النبيلة ، التي هي في النهاية أنجح مشوار كفاح خاضته البشرية من أجل العدالة والحب والخير.

Related posts

التجنيد المتوحش… إعدام أمة

drmohammad

د.محمد حبش- العيد على معبر رفح!! 12/12/2008

drmohammad

ألمانيا من عصر هتلر إلى عصر ميركل

drmohammad

Leave a Comment