صباح الخير يا غزة! عيد سعيد يا أطفال غزة!!
غزة إيه وحصار إيه؟؟؟ حصار إيه وقرف إيه؟؟ إسرائيل عاملة حصار على غزة وإحنا مالنا؟؟
لم تكن هذه العبارات من كلام شعبولا وهو يحمل إلى مستشفى الجيزة بعد تناوله جرعة زائدة من المخدرات، فشعبولا حتى وهو محشش عنده كلام أحسن من كده، وكان يقول بحب عمرو موسى وبكره إسرائيل، أما فقيهنا المجرب فلم ير في عناء أهل غزة وحصارهم شيئاً يذكر أكثر من: وإحنا مالنا؟؟
هل أسأت إلى القارئ الكريم إذ أروي له على صحائف الثورة سطراً من تصريحات تم نشرها الأسبوع الماضي فقط في أكثر من خمسين صحيفة ومجلة عربية؟
ألم يذكر سماحته قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم؟ ألم يذكر قوله صلى الله عليه وسلم: ما آمن بي ساعة من نهار من أمسى شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم؟؟ ألم يذكر قوله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم؟؟ ألم يسمع سماحته بامرأة صرخت ذات يوم في عمورية وامعتصماه وحين بلغ صراخها مسمع المعتصم أقسم أن لا يأمل حاراً ولا يشرب بادراً حتى انتصر لها ووصلت خيله إلى عمورية، وقال إنا إذا نزلنا ساحة قوم فساء صباح المنذرين؟ والسيف أصدق إنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب؟
يقولون إن التطرف ثقافة تدرس في قندهار، ويتم التدرب عليها في تورا بورا!! ولكنني أعتقد أن التطرف نتيجة لازمة للعبث والعجز والاستهتار بعناء الشعوب، خاصة حين يصدر هذا الاستهتار عن رموز كبيرة على رؤوسها عمائم، يفترض أن رسالتها هي دعم المقاومة والدفاع عن قيم الأمة، وحماية ثوابتها.
أطفال غزة مر بهم العيد، العيد مر من هنا، ولكن الفرحة لم تكن في حواشيه والبسمة لم تكن مسكونة فيه، لقد كان مناسبة للبكاء على الأطلال، أطلال أمة كانت ذات يوم تفرض احترامها على العالمين، أمة سار ملوك العالمين نحوها طوعاً يؤدون الخراج!!
أطلال أمة بكت من قبل على الأندلس وتبكي اليوم على فلسطين، وقد فقدت ما هو أعز وأغلى، فقدت إيمانها بقدرتها على تحرير الأرض وتحولت إلى متسول على موائد الأمم
وكل ما سمعت عن حروبنا المظفرة
وكرّنا..
و فرّنا..
وأرضنا المحررة..
ليس سوى تلفيق..
هذا هو التاريخ, يا صديقتي
فنحن منذ أن توفى الرسول
سائرون في جنازة..
ونحن, منذ مصرع الحسين,
سائرون في جنازة..
ونحن, من يوم تخاصمنا
على البلدان..
والنسوان..
والغلمان..
في غرناطة
موتى, ولكن ما لهم جنازة !!
في غزة عاش أهلنا في فلسطين تحت الحصار العربي أياماً سوداء لم يتمكنوا فيها حتى من الحصول على رغيف الخبز في عالم تسوده المظالم ويدفع الإنسان ثمن غرور أخيه الإنسان، ويواجه بدمه وعنائه معنى السقوط الأخلاقي المريع.
وأقول الحصار العربي لأنه بالفعل لم يعد حصاراً إسرائيلياً بل هو حصار عربي بامتياز، يتم تنفيذه بإحكام وحزم يحسدنا عليه أعداؤنا الذين صنعوا الحصار وعلقوا وثيقته في جوف الكعبة!!
اتفاقية المعابر التي وقعتها مصر تفرض التزامات متقابلة، منها أن تعمل المعابر بشكل متواصل, وأن تسمح إسرائيل بتصدير جميع المنتجات الزراعية بالقطاع, وأن تضمن انسياب حركة مرور الأشخاص والبضائع والمنتجات عبر المعابر التي تصل الأراضي الفلسطينية ومنها أيضا النص علي تشغيل ميناء غزة مع تعهد إسرائيل بعدم التدخل في عمله. ولأن إسرائيل لم تف بشيء من تلك الالتزامات فإن من واجب مصر إما أن تنهي هذه الاتفاقات من جانب واحد أوأن توقف العمل بها, استنادا إلي المادة(60) من اتفاقية فيينا بشأن قانون المعاهدات.
في بلجيكا قام المحامي العربي مبارك المطاوع بالمرافعة والحصول على صك قضائي وثقته الأمم المتحدة ينص على أن الاتفاق الذي وقعته الرباعية بشأن المعابر لم يعد قائماً قانونياً، ووفق القانون الدولي، وليس وفق الشرع! ولا وفق الموقف القومي أو الالتزام العربي أو اتفاقية الدفاع المشترك! بل وفق القانون الدولي المنصوص عليه في الأمم المتحدة فإن اتفاقية المعابر أصبحت باطلة، خاصة بعد انسحاب الاتحاد الأوروبي منها! وفشل إسرائيل في الوفاء بالتزاماتها وانتهاء الظروف التي ألزمت بتوقيعها!!
نتحدث عن القانون الدولي وليس عن قوانين الشهامة والنخوة وإغاثة اللهفان ونصرة المظلوم وغوث الصريخ!! نتحدث عن القانون الدولي وليس عن الحلم العربي والثورة العربية والتضامن الإسلامي!!
القانون الدولي هو الذي يقول إن اتفاقية المعابر لم تعد قائمة، وإسرائيل ترفض تنفيذ التزاماتها، ولكن العرب وبالتزام لا يحسدون عليه ظلوا يمارسون القهر على المعابر وفاء لعقودهم التي قطعوها لإسرائيل، واحتراماً لشنباتهم وشواربهم التي مسحوا عليها أمام الناس بأن لا تفلت من رقابتهم نملة ولا دودة ولا فأر على معبر رفح!!
في حصار شعب أبي طالب قامت قريش بكتابة وثيقة المقاطعة وأشهدت عليها زبانية القهر وعلقتها في جوف الكعبة، وأحاطت بالشعب إحاطة السوار بالمعصم ومنعت الداخلين والخارجين من تقديم أي غوث أو نجدة إلى المحاصرين، ومع ذلك فإن عددا َمن الشرفاء من أبناء قريش منهم حكيم بن حزام، وكانوا لا زالوا يعبدون الأصنام، كانوا يتحركون بليل ويرسلون المؤن والطعام إلى الشعب، على الرغم من الوثيقة الفاجرة المقدسة التي كانت معلقة في جوف الكعبة، ولم يغمض لهم جفن حتى مزقوا بأيديهم وثيقة الظلم والقهر وقطيعة الرحم!
ألا يوجد مغيث لغزة من بني حكيم بن حزام في أرض الكنانة، يعانق الكنائس القديمة ويمسح الحزن عن المساجد، وينهي المقاطعة الفاجرة ضد أطفال أبرياء عاشوا أيام العيد بين مرابع الأسى وموائد الحرمان؟
لأن نزار قباني مات قبل أن يشهد هذا العصر العربي الرديء فإنني أستعير كلماته في جنوب لبنان فهي أصدق ما يمكن أن نقوله اليوم في جنوب فلسطين، قدر الجنوب واحد، في جنوب لبنان وفي جنوب فلسطين وفي جنوب غزة، وفي جنوب كوكب الأرض، الجنوب رمز المعاناة والقهر ورمز المقاومة والثورة:
سميتكَ الجنوب
يا لابساً عباءةَ الحسين
وشمسَ كربلاء
يا شجرَ الوردِ الذي يحترفُ الفداء
يا ثورةَ الأرضِ التقت بثورةِ السماء
يا جسداً يطلعُ من ترابهِ
قمحٌ وأنبياء
يا قمر الحزن الذي يطلع ليلا من عيون فاطمة
يا سفن الصيد التي تحترف المقاومة
ويا مآذن الله التي تدعو إلى المقاومة
يا لعلعة الرصاص في الأعراس
يا فصائل النمل التي
تهرب السلاح للمقاومة.
يا سيدي الجنوب:
في مدنِ الملحِ التي يسكنها الطاعونُ والغبار
في مدنِ الموتِ التي تخافُ أن تزورها الأمطار
لم يبق إلا أنت..
تزرع في حياتنا النخيلَ، والأعنابَ والأقمار
لم يبقَ إلا أنت.. إلا أنت.. إلا أنت
فافتح لنا بوابةَ النهار