حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة
حول قرار المحكمة الأوربية بمنح اللجوء للسوري المطلوب للتجنيد
أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً تاريخياً من وجهة نظري حين اعتبرت ان رفض السوري الالتحاق بالجيش هو حق من حقوق الإنسان تتعين حمايته ويجب على القانون الدولي ان يحميه ويرعاه، ويجب على الدول الأوربية أن تمنحه حق اللجوء الإنساني باحترام وتقدير.
إنها خطوة عدالة وإنصاف، وهي ليست فقط إنصافاً لعذابات السوريين، بل هي خطوة كبيرة في الكفاح الإنساني، في سبيل العدالة والإنسانية، وفي تأكيد نجاح المشروع الإلهي في الأرض، والتقدم نحو إعلان الإنسان حراً كريماً لم يخلق ليكون قاتلاً ولا مقتولاً، بل خلق لينشر في الأرض العدل والإخاء.
لقد كتبت من قبل في هذا الحق الذي أهملته المواثيق الدولية، وغاب عن أساطين السياسة العالمية وهم يرسمون ملامح العالم الجديد، في ربيع السلام العالمي الذي تجلى في إعلان حقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر 1948 بعد الحرب العالمية الثانية التي كانت نهاية عصر الحروب بالنسبة للعالم المتحضر.
لقد كان إعلان حقوق الإنسان حدثاً عظيماً في تاريخ البشرية، ومن حقنا أن نسجل للعالم تلك اللحظات المجيدة التي شارك فيها رعماءالعالم بالتوقيع على وثيقته الأولى، وإن كان كثير من مضامين الإعلان قد ظل حبراً على ورق، وعاملته بلاد الاستبداد ومنها سوريا بأنه مؤامرة على الأمة العربية والنهضة القومية إلى آخر ديوان الدجل الذي لا ينتهي.
ولكن الميثاق حتى في آفاقه العالية لم يبلغ كثيراً من آمال العدالة التي كان ينشدها الناس، وكان من أهم ما سكت عنه: حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة.
حتى اليوم لا تعترف دول العالم المتحضر بهذا الحق الإنساني النبيل، وهو حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة، ولا تزال معظم قوانين العالم تفرض عقوبات شديدة تصل إلى الإعدام على من يتمرد على الأمر العسكري، وتفرض دول الاستبداد طوباوية ميتافيزيقية في ثقافة الخطاب العسكري، تخترع المجد والقداسة لسلوك رجال الجيش، وتحصنهم من المساءلة والمحاسبة، وقد كرس الاستبداد في سوريا لوناً جديداً من تمجيد القتال والحرب، لم يعرفه العالم كله، على هيئة ساحات عامة تقام فيها تماثيل للحذاء العسكري، وهو استخذاء قميء لا معنى له إلا الذل والتوحش، وكأن ليس للجندي جبين أو كتف أو رأس يرمز لصموده، ثم يمضي هؤلاء لخلع صفات الخيانة والدناسة والجبن والخور لأولئك الذين لا يؤمنون بالحرب ولا يرون في البندقية أي نوع من الشرف، ولا يرون في القتل أي نوع من المجد.
حتى في أمريكا فإن محمد علي كلاي تعرض لسحب اللقب العالمي منه وزج في السجون الأمريكية حين أعلن تمرده على الحرب الظالمة التي يشنها الجيش الأمريكي على فيتنام، ولم يستطع محاموه أن ينقذوه من سلسلة المحاسبات التي أودت به إلى السجن وجردته من كثير من الحقوق المدنية في عاصمة العالم الحر أمريكا.
ولكن لم يتساءل أحد عن المعنى الأخلاقي لخوض حرب لا يؤمن بها المقاتل، ولا يرى فيها أي لون من الكرامة والحقيقة.
في قراءتي لسيرة النبي الكريم أدهشني وعيه بهذا الحق، لقد رفض الحرب بكل ألوانها وأشكالها أكثر من أربعة عشر عاماً وهي تبلغ ثلثا عمر الرسالة، وفي الثلث الأخير أصبح الرسول صاحب دولة وكان لا بد له من جيش قوي يحمي دولته، ولكنه حين أراد الحرب لم يشأ أن يذهب إلا بموافقة صريحة من الجند، وفي يوم بدر ظل يقول أشيروا علي أيها الناس… أشيروا علي أيها الناس…
وحين قال المهاجرون إننا خلفك يا رسول الله ولو خضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ظل يقول أشيروا علي أيها الناس…
ولم يتقدم خطوة واحدة إلى الحرب إلا بعد أن قام زعيم الأنصار سعد بن معاذ وتحدث باسم الأوس والخزرج عن إيمانهم بعدالة هذه الحرب، وضرورة القتال دفاعا عن النفس وعن الرسول وعن المدينة.
لا يمكن اعتبار الفقه الإسلامي مؤسساً لنظرية حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة، فقد عاد الفقهاء ارتكاساً وقرروا أحكاماً لعينة قاسية في حق الفار من الزحف، واعتبروا القتال واجباً عينياً على الناس، ولكن من حقنا أن نمارس هذه الانتقائية لنؤكد أن هذا الحق الإنساني يمكن تطبيقه في غمارالحروب.
حين يعلم المقاتل أن حقه محفوظ في التمرد على الحرب الظالمة، وأن العالم يعترف بهذا الحق ويحميه من استبداد نظامه، فإن كل شيء سيتغير، ويتعين عليهم أن يقدروا تماماً عدد المؤمنين بهذه الحرب وليس عدد أفراد الجيش، وسيعلم المتمردون أن هناك من يحميهم من بطش الأنظمة، وأنهم سيعاملون في العالم وفي القضاء الوطني كشرفاء وإنسانيين.
حين يعلم المستبد أن جيشه لايؤمن بالحرب، وأن من حقه أن يتمرد فإنه سيعيد حساباته ألف مرة، ولن يتورط في الدخول إلى حروب مجنونة خائبة.
الديكتاتوريون فقط هم من سيغضب ويزبد ويرعد من قرار كهذا، وسيقولون إنهم يشجعون شبابنا على خيانة الوطن، وكأن الوطنية والرجولة تقضي ان يكون الإنسان برميلاً على أخيه الإنسان!!
الوطني الشريف هو ذلك الذي رفض ان يكون وقوداً في حرب الاستبداد ورفع الصوت بشجاعة وبسالة ضد كل حرب وضد كل عدوان.
إنه الوقت المناسب لإطلاق حملة عالمية تطالب المجتمع الدولي بتجريم التجنيد الإجباري، واعتباره عدواناً على الكرامة والحرية، خاصة حين يكون التجنيد لزج الإنسان في الحروب الأهلية وقتال الإنسان لأخيه الإنسان.
قال لي كامل الشريف رحمه الله حين عرضت هذه النظرية في المجلس الأعلى للدعوة والإغاثة ولكن يا صاحبي من سيقرر أن هذه الحرب عادلة أو ظاالمة؟ قلت له بالطبع الجندي الذي سيضع روحه على كفه هو من يقرر، قال لي: إذن سيقول الجنود دوماً إننا غير مقتنعين بهذه الحرب!!
قلت له وماذا يحصل إذن؟ قال: سترتبك الجيوش وتتوقف الحروب!! قلت له: وهل تريد نتيجة أروع من هذا؟؟!
كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله….