هل انتهى عصر المقاومة بعد أن قامت الولايات المتحدة بتجميد عدد من الأرصدة في بنوكها تعود لعدد من المؤسسات الخيرية والإنسانية العربية التي تقوم برعاية الشعب الفلسطيني؟
وهل تستطيع قرارات أمريكية جائرة أن تغيب آمال الشعب الفلسطيني في تحقيق الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني المتنقل بين الأقدار القاسية؟
وماذا يتبقى من أوهام الديقراطية الموعودة عندما يطل رئيس أكبر دولة في العالم ليقول بالفم الملآن إن حماس والجهاد ممنوعان من الديمقراطية وعلى السلطة أن تشطب أسماءهم من قوائم الانتخابات القادمة إذا أرادت أن تحقق الديمقراطية؟
في ذكرى المعراج والإسراء يتجدد الحديث عن المقاومة بالحجر إلى جانب الصخرة العتيدة التي تلتهب ذكراها في ضمير المقاومين كلما أطلت ذكرى الإسراء، فهل لا تزال الصخرة تحمل معنى المقاومة المتجددة في ضمير الفتية الأحرار في الأرض المقدسة؟
إن فتى النقاومة الذي يحمل الحجر الفلسطيني لا يبدو آبهاً بشريط الأخبار الذي تمرر فيه القنوات العربية أسماء الشركات العربية المنكوبة بالقرارات الأمريكية الانتقائية.
على كتفه يحمل هموم وطنه وفي قبضته حجر غاضب لا تزيده جرائم الصهاينة في جباليا وطولكرم إلا استعاراً وناراً، وقوده في غضبه وثورته هو ما يؤمن به من قضية ويعمل لأجله.
مرة أخرى يتجدد الحديث عن اليهودي التائه الضحية في الإعلام الغربي خاصة بعد أن تمكن شارون أن ينجز في توقيت دقيق انسحابه من غزة ليذهب مباشرة إلى منبر الأمم المتحدة ويتحدث من فوق المنبر الدولي على أنه رجل السلام والمحبة في مواجهة التطرف والإرهاب (العربي) المتصاعد الذي تفرزه الإرادات المتحكمة بالشرق الأوسط.
مع اشتداد الضغوط الدولية لبناء الشرق الأوسط الكبير، وما يلوح في الأفق من استماتة الإدارة الأمريكية لفرض هذا المشروع الجديد في المنطقة على أساس أن العالم يجب أن يتشكل وفق إرادة السيد الأمريكي المتسلط، فإن من المفيد هنا أن نعود إلى بعض رحلات الأوهام التي صاحبت مجيء المشروع الصهيوني إلى المنطقة، ودفعت بالقوم إلى تصورات مختلفة.
القصة الكاملة يرويها لك ليوبولد فايس .
ولد ليوبولد فايس عام 1900 من أسرة يهودية متدينة وأتيح له أن يتلقى ثقافة واسعة حول العهد القديم ، وظهر نبوغه مبكراً الأمر الذي وفر له المشاركة في عدد من الرحلات حول العالم ، والزيارات المتكررة إلى الشرق الأوسط، وبسبب ميوله الدينية فقد تم إطلاعه على خفايا المشروع اليهودي في فلسطين ، وأن أرض الميعاد التي منحها الله لشعبه المختار جاهزة تماماً لاستقبال المهاجرين الأتقياء من أفراد الشعب اليهودي التائه ، وأن حضور اليهود إليها يشكل خدمة كبيرة للمنطقة وإحياء لأرض مهجورة تماماً لا يسكنها إلا قليل من الرعاة والبدو الرحل، وأن الأتقياء اليهود قد وفروا كل شيء لاستقبال إخوانهم المهاجرين، وأن سائر السكان المحليين قد حرثوا جبل الهيكل بشوق وهم ينتظرون ببالغ الشوق قيام الهيكل المزعوم على تلك التلة الخالية القفراء !
لقد كانت فكرة واضحة تلك التي قدمها مبشرو قيام أرض الميعاد، إنها تتلخص في : أرض بلا شعب لشعب بلا أرض!!
ولكن لم يطل الأمر بفابس حتى أدرك الحقيقة ، إن المشروع يرتكز على إبادة شعب كامل وتشريده في الأرض من اجل قيام أوهام توراتية ، وكانت عمليات شراء الأراضي أو اغتصابها تتم على نطاق واسع ، ولم يتردد الرجل في إعلان رأيه بصراحة إنها جريمة نكراء ترتكب باسم الرب وما أكثر الجرائم التي ترتكب باسمه أيضاً ، وطفق يطوف في الشرق يحذر من المشروع الصهيوني الذي رأى فيه إبادة للشعب الفلسطيني واليهودي معاً ، من خلال زجهما في رياح البغضاء .
لقد صرخ صرخته في البرية واعتنق الإسلام وتسمى باسم محمد أسد وكتب العديد من الكتب منها : الإسلام على مفترق الطرق ، والطريق إلى مكة ، وهو أول من نادى بتأسيس جمعيات العودة ، عودة اليهود من حيث جاؤوا من آفاق الأرض ، والاعتراف بأن ما جرى لم يكن إلا مؤامرة على الشعبين معاً ساقت إليه أوهام توراتية خرافية .
لقد كان المشروع اليهودي جاهزاً وكانت رياح البغضاء جاهزة لحشد قوى الشر في الأرض لاقتلاع الشعب الزائد في الشرق الأوسط ( الشعب الفلسطيني ) وتوطينه في أماكن أخرى في العالم، وكان يفترض أن يتم ذلك خلال خمسين عاماً من مؤتمر (بال) بسويسرا الذي دعا إليه هرتزل.
شيء واحد فقط كان خارج حسابات هؤلاء ، وهو الذي لا يزال يجعل من فلسطين محرقة لليهود تشتد عنفواناً كل يوم ، إنها ( الصخرة ) الصخرة التي جاء إليها محمد النبي الكريم ، والتي نقلت القضية مباشرة إلى الساحة العربية والإسلامية بدل كونها نزاعاً داخلياً بين طائفتين محليتين يفترض أن الحسم فيها ميسور للحليف الأمريكي وشريكه الأوروبي الذي تخلص بالمشروع الصهيوني من مؤونة
احتمال ملايين اليهود مواطنين أشرار على أرضهم أكّالين للسحت مصاصين للدم ، مقابل الشعب الفلسطيني الأعزل الخارج لتوه من عصور الاستعمار ، والذي لم يعرف طعم الاستقلال بعد .
إنها الصخرة التي جعلت أطماع جماعة الهيكل تواجه مقاومة أمة كاملة تمتد من الحيط إلى المحيط ، كلهم يرون في القدس والأقصى والصخرة ملهبة ملهمة في التضحية والفداء .
إنها الطريقة الوحيدة التي يشعر من خلالها اليهودي الجبان بأنه محكوم أن يعيش بالرعب والخوف حتى يرحل، وهي الطريقة الوحيدة التي يصدق بها اليهود نصيحة ليبولد فابس بالعودة وإيقاف شلال الدم العابث.
ليوبولد فايس ووليم بيكر ونعوم تشومسكي صيحات جريئة في عالم السياسة الصاخب تصرخ في البرية أعدوا طريق الرب، إن للباطل جولة، ولكن العاقبة للمتقين.
أليس من عجائب التقدير أن الصخرة حجر ، وسلاح الفلسطيني حجر ، وكلاهما فعل بالمستبد ما فعلته حجارة السجيل بأصحاب الفيل !!.