في قرار همجي أعلنت طالبان منع النساء من التعليم، وإغلاق جامعات النساء، ونشرت قرار فقهائها الذي ينصُّ على منع المرأة من الخروج من المنازل إلا لضرورة وبصحبة محرم! ومنع اختلاط النساء بالرجال، ووجوب عودة النساء إلى البيوت، وفي استباق استفزازي أعلن وزير التعليم الأفغاني أن طالبان لن تتراجع عن قراراها حتى ولو تعرضت لقنبلة نووية! لست أدري لماذ سيقصفونك بالنووي! فلو كانوا بجد أعداء بلادك فإنهم سيفرحون بقرارك هذا؛ لأنه أكبر خدمة لهم في تجهيل شعبك ونشر الظلام والتخلف!
ولمن لا يعلم فإن أفغانستان دولة عظيمة عريقة يمتلئ تاريخها بالشعر والحب والجمال، وقد كانت مرات عدَّة في التاريخ إمبراطورية تحكم الهند والسند وإيران والعراق، وهي أكبر من سوريا والعراق ولبنان وفلسطين مجتمعين، قدر هذا البلد المنكوب أن تروج فيه ثقافة متعصبة لا تقيم شأناً لتجارب العالم وتختصر التاريخ والمستقبل كله في فتاوى السلف، ولا شك أنها تشكل ضربة قاصمة للإسلام في العالم؛ إذ يتم تقديمه بمصادره الأولى ديناً معادياً للنساء والتقدم وحقوق الإنسان، لا يؤمن بالحاضر ولا بالمستقبل، ويعيش في كهوف الماضي بكل شروره وأمراضه.
ولكن ما الجديد في ذلك كله؟ فهذا هو موقف طالبان قبل أن تصل أمريكا، وهو موقفها بعد أن وصلت أمريكا وأنفقت على حدِّ قول الرئيس الأمريكي نفسه تريليون دولار؟ ما تريد هذه المقالة أن تشير إليه هو أن طالبان ليست ظاهرة أفغانية تزدهر في قندهار، في حمى المقاومة للاحتلال؛ بل هي ثقافة تروج بيننا ولها روادها ومروجوها ومبشروها، وفي أعقاب قرار طالبان نشرت إحسان الفقيه وهي كاتبة أردنية مقالا خاصاً بعنوان شكراً طالبان! تحدثت فيه بوضوح عن إعجابها بقرار طالبان وأنه يمثل الإسلام الحقيقي! وأن الإسلام يؤخذ كله أو يترك كله!
هذا المقال ليس نصَّاً تكتبه مريضة نفسية عابرة، مسكونة بتقاليد العصور الوسطى؛ بل هي كاتبة شهيرة وقد حظي مقالها هذا على تويتر بمتابعة 700 ألف شخص، وتداوله آلاف من الناس باعتبار أنه موقف لا يخشى في الله لومة لائم، وأنه يقف ضدَّ مشاريع أمريكا في تغريب المسلمين ونشر الدعارة في مجتمعاتهم! في الواقع ليس هذا المقال إلا مثالاً من ثقافة مظلمة لا تزال تعيش في مجتمعاتنا المنكوبة بالخيبة، ولكن أشد معاني الظاهرة بؤساً أنها تنسب نفسها إلى الإسلام وهو الدين الذي يحظى بأعظم احترام في مجتمعاتنا في الشرق.
وحتى لا نكون هلاميين فيما نطرح، وللاقتراب أكثر من مصدر هذه الثقافة فإن علينا أن نعترف أن الأصول المؤسسة لهذه الثقافة دخلت الوعي الجمعي منذ قرون طويلة عبر سلسلة أحاديث نسبت إلى الرسول الكريم وتم وضعها في كتب الحديث الأساسية:
المتعطرة زانية، والنامصة ملعونة، والواشمة ملعونة، والمتنمصة ملعونة، والمستوشمة ملعونة، والمراة تلبس البنطال ملعونة، والمرأة تخالط الرجال ملعونة، والمرأة يدعوها زوجها لحاجته فلا تستجيب فيلعنها الله والملائكة حتى تصبح! وخير أحوال المراة ألَّا ترى الرجال ولا يراها الرجال، وهكذا يصبح بديهياً أن نقرأ النهايات الأليمة لثقافة كهذه، وهي أن المرآة الصالحة لا تخرج من بيتها إلا مرتين مرة من بيت أهلها إلى بيت الزوج وأخرى من بيت الزوج إلى القبر!
من المؤسف ان هذه الروايات الاتهامية لجنس النساء التي تجعلهن أكثر أهل النار، هي أكثر النصوص التي يروج لها الخطباء على المنابر والقنوات الفضائية الدينية وتنشرها بوسائل متعددة مؤسسات التعليم الديني، ويكفي أن تختار أي كلمة من هذا الذي سقناه وتطلبها صورة على غوغل لتجدها منشورة بمئات الصيغ وبألوان شتى، ومن مراكز لا تحصى ومضافاً إليها مقاطع يوتيوبية وتيكتوكية وانستغرامية وكلها تحذر من المرأة وتعدها بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا فكرت أن تعيش طرفاً من حريتها وجمالها وفطرتها التي خلق الله الناس عليها، ولكن، كيف تجرؤ أن ترد هذه اللعنات المتراصفة في النامصة والواشمة والمخالطة للرجال، وهي أحاديث نبوية رواها المحدثون بأسانيد قوية؟
لقد كتبت في ذلك دراسات كثيرة وأصدرت كتابي المرأة بين الشريعة والحياة قبل ثلاثة وعشرين عاماً في هذه المسائل، وثار جدل كبير آنذاك، وأعلن بعضهم أنها ردة عن الدين أن تنكر هذه الأحاديث القوية، ودفعت ثمناً غالياً آنذاك في الدفاع عن قناعتي وموقفي، هذا بالضبط ما يطالبك به الخطاب التقليدي: قف على ما وقف عليه الأولون فإنهم عن علم وقفوا، وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في اتباع من خلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه!
لن أقف على ما وقف عليه الأولون، ولن أعيش في جلباب أبي، ولن أقبل للحظة واحدة أن الله الذي خلق الرجال والنساء انحاز للرجال وحكم على النساء بنقص العقل والدين وحكم أنهن أكثر أهل النار، وأنهن مصدر الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولن أكرر المفهوم التوراتي للمرأة الذي يجعلها سبب الغواية والخطيئة والسقوط؛ بل سأنظر وفق المنظور القرآني بالضبط الذي يعزز المساواة التامة بين الرجل والمرأة في المسؤولية المدنية والجزائية والأخلاقية: ﴿والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله﴾.
- كل حديث يناقض صريح العقل مردود.
- كل حديث يناقض مقاصد القرآن في الحرية والعدالة مردود.
- كل حديث يناقض ما هو أوثق منه فهو مردود.
- كل حديث يرتب ثواباً عظيماً على أمر يسير أو عقابا عظيماً على عمل صغير فهو باطل.
- كل حديث يسيء للذات الإليهة فيصور الله باطشاً أو غاشماً أو ظالماً أو لا مبالياً فهو حديث باطل مردود.
- كل حديث يناقض قيم العدالة والحرية والمساواة التي أكدها القرآن الكريم فهو باطل ومردود.
سيكون جواب أصدقائنا إذن أنت تنكر نصف الإسلام! ويا له من جواب مرٍّ! يظنون بالله غير الحقِّ ظن الجاهلية، وكأنه يقول لك إن الإسلام دين غير عقلاني، وأنه غير معني بهذه القيم والفضائل والأخلاقيات وأنه محض سلوكيات وممارسات تعبدية لا يتعقل معناها فمن أخذ بها فهو المسلم ومن أنكرها فهو غير المسلم.
سأكتب في رد هذه الأوهام فهذا هو الجهاد المقدس؛ لأنه لا شيء أرضى عند الله تعالى من كلمة حق في وجه تراث جائر.