Uncategorized

الحسبة حين تكون طاعة وبراً.. وحين تكون معصية وقهراً يوليو 27, 2016

مفهوم الحسبة-(2)

د. محمد حبش

حين يقرأ المؤمن كتاب الله سيجد نفسه أمام طائفتين من النصوص، تأمره الأولى بالمبادرة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأمره الثانية بالكف عن الناس والتزام شأنه وخاصته، فمن الأولى:

“الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور”.

“ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون”.

“لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون”.

وفي الحديث: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان”.

وهي واضحة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع الاسلامي، ومسؤولية المسلم في التغيير باليد واللسان والقلب.

ولكن في المقابل يقرأ المسلم نصوصاً صريحة في القرآن الكريم:

“يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم”

“فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم”

ويقرأ نصوصاً نبوية كريمة: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه”

ويجب أن لا يقع في الخاطر أن النصوص متناقضة، إنها باختصار مسألة زمان ومكان، وحيثما كانت مصلحة الأمة فثم شرع الله.

فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار النصيحة مستحب في كل حال، والمؤمن مأجور فيه، ولكن استخدام أدوات الجبر والإكراه هي ما نستنكره على المحتسب، فالمحتسب رجل يرجو ثوابه وأجره من الله، ولا يملك أدوات الجبر والقهر، وإنما يملك ما يملكه رسول الله من النصيحة والموعظة، فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر.

وأدوات الإكراه والجبر إنما يستخدمها ولي الأمر الذي انعقدت له بيعة صحيحة من المسلمين، وإنما يكون له استخدامها في تحصيل حقوق الناس، ووقف المنازعات ورد المظالم، ولا يستخدمها في إكراه الناس على الدين.

ولكن التعصب للدين الذي يفرض علينا سلوك الكنائس في العصور الوسطى من إجبار الناس على عقائد بعينها هو في الواقع تغول لم تأمر به الشريعة، التي جاء سياقها وبيانها واضحاً: “وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، وفي آية أخرى: “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”.

ومسؤولية المسلم أن يقدر الأمر بالمعروف بقدره فمن أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، وأيما أمر بمعروف أدى إلى تنفير الناس من الشريعة فهو منكر لا يرضاه الله، ولو بدا لك أنه طاعة والتزام، وأيما نهي عن منكر جاء بمنكر أشد منه فقد تنكب سبيل الشريعة، التي شرعت سد الذرائع التي يربو عليها الشر، وإغلاق أبواب من الخير حتى لا تكون مدخلاً للفتن والصدود عن دين الله.

في البخاري حديثان اثنان: الأول يثني على الشهود والثاني يذمهم، فالأول يقول فيه الرسول الكريم: “خير الشهداء من يشهد من قبل أن يستشهد”، والثاني يقول في معرض الحديث عن سقوط الأمة “ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون”، فهل تناقض النبي الكريم في طرحه؟ وهل نسي أنه أثنى على الشهود حتى مضى الى ذمهم والاستنكار عليهم؟

من المؤسف أن يعض الأصدقاء يذهب مباشرة لاتهام البخاري بالتخريف والتناقض، بل إن الموضة الجديدة الآن هي اتهام البخاري بالتآمر على الإسلام والماسونية العالمية ربيبة الصهيونية العالمية لتشويه الإسلام وغير ذلك من الدعاوى التي تروج هذه الأيام بشكل لافت، وتصدر عن مسلمين وناشطين في حقل التنوير الديني وهو ما يتناقض تماماً مع رسالة التنوير.

ولكن المسألة لا تتطلب أكثر من النظر قليلاً في مقاصد النصوص، فقد أثنى على الشاهد الذي يشهد في حقوق الناس، فمن رأى سارقاً أو قاتلاً فهو مأمور أن يشهد، ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، ولو سكت الشهود لبطلت الحقوق وضاعت مصالح الناس، أما من رأى معصية فيما يكون بين العبد وبين ربه، من زنا أو خمر فإن المطلوب هنا هو الستر والنصح وليس الفضيحة والتشهير، ونص الفقهاء على أنه لا يستحب الذهاب إلى القضاء للادعاء على الناس في سلوكياتها الشخصية التي هي شأن حرية الإنسان فيما يدع وحريته فيما يختار.

والحسبة في الأصل لون من التطوع في خدمة الناس ومطاردة اللصوص والعيارين والشطار، وقد يكون ذلك مقيدأً عندما تغيب سلطة القانون، ولكنه لا بد أن يكون تحت راية بصيرة وإدارة شرعية حظيت ببيعة صحيحة من الأمة وعندها من الله برهان، ولكن توجيه ذلك لمطاردة الناس في صلاتهم وصيامهم وطعامهم وشرابهم وذبائحهم إنما هو انحراف عن منهج الحسبة الأولى في الشريعة ودخول في دائرة الفوضى التي تصرف الناس عن مقاصد الشريعة الغراء.

فما هو هذا الإيمان الذي يأتي بالإكراه؟؟ إن القرآن صريح تماماً في هذه المسألة والآية المحورية التي اختارها الله تعالى لهذا المعنى هي قرينة آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله تعالى، “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”، ومقتضى لا إكراه في الدين أنه لا إكراه في الصلاة ولا إكراه في الصيام ولا إكراه في الحج، فالإكراه لا ينتج إيماناً بل نفاقاً، ولا ينتج أحراراً بل عبيداً، وإن الله غني عن صلاة أحدكم بظبى السيف، ولا يقبل الله إلا طيباً من طيب، وحاشا له أن يقبل راكعين أو ساجدين تحت السياط.

وللحديث بقية……

Related posts

د.محمد حبش- الصراع السني الشيعي… حلول ثورية…18/6/2016

drmohammad

الجهاد…. ضد القبور. الدكتور محمد حبش 2016

drmohammad

وكيبيديا… الإيمان بالإنسان

drmohammad

Leave a Comment