ليس في هذا المقال مزيد على المعلومات التي يتواردها الناس على الاعلام حول عزل أبرز رجلين في الاستخبارات السورية رستم غزالة ورفيق شحادة، وكلاهما من أشرس رجال الأمن وقد مارسا بحزم صارم أشد أنواع الاستبداد والاستعباد والقهر ضد الشعب السوري خلال السنوات الأربع الفائتة.
المعلومة الوحيدة المؤكدة حتى الآن أن الرجلين دخلا في صراع طاحن لا علاقة له أبدا بالمبادئ والأهداف الكبرى وإنما هو صراع زعرنة وقلة حياء بين رجلين نافذين يعتبران نموذجا للتربية الفاسدة التي تجعل المنصب وامتيازاته قطعة من تبادل الأنخاب في مملكة الكليبتوقراط التي تحكم سوريا هذه الأيام.
تمت معاقبة رستم على تصريحاته الهوجاء بشكل خاص ضد القرداحة، ومقارنتها بقرفة، وبالمقابل تمت محاسبة رفيق شحادة على جريمته النكراء في لطم زميل له ولبطه ورفسه مع شلة زعرانه وهو ما أدى به الى المستشفى، ويبدو انه لن يعود مرة اخرى الى المسؤولية السياسية.
كم تمنيت لو أن الرجلين قدما لمحاكمة وطنية حول الجرائم التي ارتكبت في أقبية سجونهما السوداء، والتي تكشف الصور المسربة بما يقطع أي شك أن أنها تجري يوميا وبشكل ممنهج في عنابر الموت التي يوفرها لهم النظام الكليبتوقراطي ويدفع تكاليفها دافع الضرائب السوري من أجل حماية أمن البلاد، الذي تحول بكل مرارة إلى حماية الفساد والاستبداد وتبرير كل جريمة قتل تتم في سبيل إسكات أي صوت رافض للظلم والقهر.
الضحايا الأحد عشر ألفاً الذين تم تسريب صورهم من سجن رفيق شحادة وسجن رستم الغزالي لا يشكلون الآن أي قلق للرجلين الهالكين، ولا ينتظر اي منهما أن يحاسبه النظام على تلك الأرواح البريئة التي سحقت سحقاً في معابر الموت في الأقبية السوداء تحت مكاتبهم حيث كان كل منهما يتخير أشد وحوش الأرض سادية وإجراماً ليعينهم في وظيفة الجلاد المجرم الذي يمارس القتل المتوحش دون أن تصيبه أي وخزة ضمير.
الحساب فقط على كلمة قد يكون قالها الرجل في غمار حقده على زميله المفترس من نوع: اعرف مع من تحكي، وأنا بعرف ربيك أنت ومعلمك، ورح اكسر راسك وراس الشادد على ظهرك…. إلى آخر قائمة الشتائم السوداء التي يعرفها كل أزعر ويمارسها في غمار ساديته وإجرامه.
أما الأرواح البريئة التي فاضت تحت جحيم التعذيب فهي ليست موضع بحث، ولن تنظر فيها اللجنة المكلقة بالتحقيق فيما جرى بدعوى عدم الاختصاص، وهي في النهاية ليست أكثر من أخطاء هامشية تحصل في إطار تنفيذ ثوري لأوامر صارمة صدرت عن قيادة الحرب بالضرب على أعداء الوطن بيد من حديد، تاركة تحديد أمر أعداء الوطن، وأمر الحديد الذي يضربون به لتقدير الضباط الأشاوس (الذين يشبهون الصحابة كما قال رحمه الله) والذين لا يتهمون أبداً في ولائهم وبعثيتهم وحقدهم على الشعب الثائر.
ليس من عادتي أن أكتب بهذه الشخصانية المباشرة، ولكن كيف يمكن لإنسان يشاهد هذه الصور القاتلة المريرة دون أن ينفجر، إنه الألم الذي يعصف بقلب كل سوري وهو يرى بلاده تذهب إلى هذا المصير الأسود دون أن يحاسب أحد من القتلة والمجرمين على جرائم اقترفها يندى لها جبين الإنسانية.
سنكون بلا ضمائر إذا شاهدنا جثث المعذبين والمقهورين دون أن نقول ما يفرضه الواجب والمسؤولية تجاه أهلنا وأبنائنا وإخوتنا الذين ذاقوا على يد القوات المسلحة في جيشنا العربي السوري هذه المشاهد من الهوان والقهر والموت، عيون تفقأ وأنوف تجدع وشفاه تقرض وأسنان تكسر ووجوه تشوه وكل ما يخطر ببال آلهة الشر من سادية وإجرام يتم تحت مكاتبهم.
تجلس الأمهات الثكلى والزوجات المترملات والأطفال اليتامى أمام الصور المسربة، ومعهم صور المنكوبين يوم كانوا يبتسمون للحياة، ويشاهدون اليوم ما صنعه النظام المقاوم الممانع بأحبابهم… إنه هو .. لا ليس هو؟؟ أنها عيناه…إنه أنفه… شامة في الوجه… سنه المكسور… مستحيل… الله أكبر… وفي النهاية يغسلون وجوههم بمدامع القهر، ويسألون سؤالاً واحداً: هل نستطيع استلام الجثة!!، والصلاة عليها، أم نكل الأمر إلى الله؟؟ يتساءلون ثم يرحلون صوب مآسيهم بدموع يذرفونها فرادى، تختنق فيها العبرة بالحسرة بمشاهد الموت.
يتكرر هذا كل يوم على الأرض السورية.. ويقولون من أين تأتي داعش؟؟؟ ويوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم….!!
هل سيقوم الضابطان الجديدان نزيه حسون ومحمد محلا بشيء ما لتغيير هذا الواقع المتوحش؟؟ أغلب الظن أن البرنامج مستمر، وأن حقوق الإنسان ستظل آخر ما يفكر فيه الضابط السوري في هذا العصر الرديء، فقد ثبت لديهم أن حقوق الإنسان مجرد مؤامرة أمريكية للنيل من صمود سوريا وثباتها ومقاومتها وممانعتها.
الجلادون الوحوش الذين مارسوا هذه الهمجية المتوحشة سيتابعون نضالهم القومي، ويحصدون مزيداً من الامتيازات والمكافآت، أما النظام المقاوم فسيستمر في مطاردة أولئك (الخونة) الذين سربوا هذه الصور العسكرية المحظورة، وتسببوا في وهن نفسية الأمة وإضعاف الشعور القومي!!…..