Uncategorized

فتاوى التكفير… د.محمد حبش 2016

ظهرت فتاوى التكفير منذ قرون، وكانت سيفا باطشا يستخدمه السلطان للبطش بأخصامه وأعدائه، وعلى مذبح الفتوى أريقت دماء الألوف من البشر مسلمين وغير مسلمين، وفي قلب مسجد الكوفة وقف الحاكم العرفي خالد بن عبد الله القسري والي العراق لهشام بن عبد الملك الأموي يوم الأضحى وقال أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم، وإني مضحٍ بالجعد بن درهم فإنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليما ولم يتخذ إبراهيم خليلا، وعند المحراب وفي صباح يوم العيد أضجعه وذبحه.
لم يكن في سجل الاتهام بحق الجعد بن درهم سرقة ولا اعتداء ولا عدوان، كان مجرد مفكر عقلاني، له تأويلات في القرآن لم يلتزم فيها رأي الدولة…ومن العجيب أن الذين أوردوا الرواية من المؤرخين وقفوا عند جانبها الإسنادي، وعند تحليل قول الجعد بن درهم وبيان فساد رأيه، ولم يتعرضوا بشيء للجريمة الأخلاقية التي أباحت ذبح الناس بهذه البشاعة وفي المساجد أيام العيد وعلى مرأى من الجمهور…

واليوم تنبت هذه الفتاوى كالفطر، وخلال الاسابيع الأخيرة سمعها العالم ورآها بالعين المجردة في حق اليزيديين والدروز والنصيرية والشيعة ونصارى الموصل الذين رفضوا الجزية ، ولم يتوقف الأمر عند الطوائف بل صدرت نفس الفتاوى وأشد منها في حق عشيرة الشعيطات والجيش الحر والصحوات والصوفية، إلى آخر القائمة التي لن تنتهي أبداً.

ومن المدهش أن المستهدفين بهذه الفتاوى لا يجمعهم مذهب ولا دين ولا طائفة، ولكن نزوة القتل تتصاعد اطرادا مع كل دم مسفوك ومع كل خبر تدمير وتفجير، والثمن مزيد من الدماء ومزيد من الأرواح البريئة.

وليس النظام مبرءاً من هذه الفتاوى أيضاً، ومع أن الانظمة العربية عموماً أنظمة علمانية لا تصدر اوامرها للجيش بناء على فتاوى المشايخ، ولكن المشايخ يتبرعون بالفتوى مجانا حسبة لوجه الله انما نقتلكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا، وهكذا شاهد الناس عمائم على التلفزيون السوري تناشد القيادة الحكيمة ضرب المتطاهرين بيد من حديد، وكأن المخابرات يضربون بيد من عسل ولبن، وكان ذلك قبل أن يدخل السلاح الى أيدي الثوار، وشاهدوهم مؤخراً يطالبون القيادة الأمينة بمطاردة السوريين النازحين في العالم والشماتة بهم، وضرب حواضنهم في الوطن لأنهم يحتضنون الكفر والزندقة والإرهاب، وقام هؤلاء من بعد بشكر البراميل العادلة بكل شماتة ووصفوها بأنها قطعت دابر التكفيريين وحواضنهم من المتعصبين والجاهلين!!

 

وأشعر بالحرج وأنا أقدم للقراء الكرام صيغة الفتوى التى أصدرها ابن تيمية في القرن الثامن الهجري ضد الطوائف وهي فتوى تتناقض تناقضا تاما مع آيات الله البينات: ولا تزر وازرة وزر أخرى، وكل امرء بما كسب رهين، وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين، حيث ينص ابن تيمية على هدر دماء طوائف بعينها النصيرية والاسماعيلية والدروز والتيامنة، ويعتبر ذلك اقتضاء للصراط المستقيم ومخالفة لأصحاب الجحيم.
ليس القصد هنا تحرير الفتوى وتوثيقها وإثبات تناقضها مع نصوص الشريعة الكبيرة الغراء، بل القصد أن نقول إن هذه الفتوى كانت وقودا ظالما في حرب السوريين تم به حرف الثورة عن هدفها ورسالتها ، وتحولت من مقاومة بادرة للدولة والحياة إلى لون من الاتجاه المعاند المعاكس لروح الحياة.

ولو كانت هذه الفتوى حبيسة الكتب الصفراء لكان من الخطأ أن نحللها أو نحاورها، ولكنها في الواقع لم تكن كذلك أبداً فقد كانت تدرس على الجانب السلفي التكفيري كوصية من شيخ الإسلام أراد يها وجه الله ودخل من أجلها السجون، وأن الأمة مطالبة بإحيائها وإقامة شرع الله في هذه الطوائف، فيما كانت تدرس أيضاً لدى طبقة مؤثرة من هذه الطوائف كدليل دامغ أن يوم الطائفية قادم وأن علينا الاستعداد له بما يتناسب من الشبيحة واللجان الشعبية والبراميل وصواريخ سكود، وهكذا كان…..

ونص فتوى ابن تيمية: هؤلاء ” الدرزية ” و ” النصيرية ” كفار باتفاق المسلمين لا يحل أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم؛ بل ولا يقرون بالجزية؛ فإنهم مرتدون عن دين الإسلام ليسوا مسلمين؛ ولا يهود ولا نصارى…..

وكفر هؤلاء مما لا يختلف فيه المسلمون، بل من شك في كفرهم فهو كافر مثلهم، لا هم بمنزلة أهل الكتاب ولا المشركين، بل هم الكفرة الضالون فلا يباح أكل طعامهم، وتسبي نساؤهم، وتؤخذ أموالهم . فإنهم زنادقة مرتدون لا تقبل توبتهم، بل يقتلون أينما ثقفوا، ويلعنون كما وصفوا، ولا يجوز استخدامهم للحراسة والبوابة والحفاظ ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم، ويحرم النوم معهم في بيوتهم، ورفقتهم، والمشي معهم، وتشييع جنائزهم إذا علم موتها . ويحرم علي ولاة أمور المسلمين إضاعة ما أمر الله من إقامة الحدود عليهم ….. والله المستعان وعليه التكلان.

ومن المؤلم أن يذهب إمام شهير إلى فتوى دموية حاقدة كهذه: ويجب قتل علمائهم وصلحائهم لئلا يضلوا غيرهم ….. وأن يتعبر قتالهم وقتلهم واجباً شرعياً على ولي الأمر لا يمكلك أن يهادن فيه أن أن يتخلى عنه.

وبموجب هذه الفتوى فإن الدروز والنصيرية لن يتمتعوا بما (أنعم به أمير المؤمنين) على نصارى الموصل من الجزية، فإنهم ليسوا أهل كتاب وليس أمامهم إلا الإسلام السلفي أو القتل!!!

ومن حق الإنسان أن يتساءل كيف ساغ لكثير من الذين يسمون أنفسهم علماء أن يؤمنوا بمثل هذا أو يقوموا بروايته وهم يقرؤون في القرآن الكريم قول الله تعالى: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر، وما أرسلناك عليهم وكيلاً، وما جعلناك عليهم حفيظاً، ويقرؤون قول الله تعالى: لا إكراه في الدين، ويقرؤون قول الله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد.

لقد مارسنا في سوريا لعقود طويلة سياسة النعامة في دفن الرأس بالرمال وأنكرنا أن يكون في ثقافتنا مثل هذه الفتاوى، وكانت سياسة البعص السوري الواضحة هو منع تداول أي فكرة كهذه، وقد يكون هذا مفهوماً على مستوى العامة، ولكنه غير مقبول أبداً على مستوى النخب الثقافية التي من واجبها ورسالتها مواجهة هذا الغلوالخطير.

ولكن الواقع كان اكبر من هذه الأوهام، وكانت ثقافة القطيع تنفخ في أوداج الريف السوري خصوصاً، وتنفخ من نار الكراهية في الفريقين، بانتظار يوم الحسم الموعود.

ومن حقي هنا أن أشيرأيضاً إلى سيل مقابل من فتاوى التكفير التي وردت على ألسنة أئمة كبار لهم شهرتهم في الوسط الشيعي وجاءت بنفس الصيغة الماحقة الساحقة في حق أهل السنة، ومنها هذه الفتوى:

أورد الشيخ الصدوق في علل الشرائع عن داود بن فرقد قال: قلتُ: لأبى عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ولكن اتقي عليك فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد عليك فافعل. وقال في الأنوار النعمانية: ولا جدال في أن المراد بالناصبة هم أهل السنة.

لست هنا في وارد تحليل الفتاوى من الجانب الفقهي، ولكنني أشاركك الغضب من طبقة الفقهاء التي تروي مثل هذه الفتاوى اللئيمة ثم لا تملك أن تواجه هذا الركام من الكراهية الذي يتم نشره باسم الدين وباسم القيم الروحية العظيمة التي جاءت رحمة للعالمين.

ولا شك أن سنان الداعشيين القساة، وسنان الفصائل الطائفية التي تقاتل مع النظام، ليس الا امتدادا للسان التكفيريين القساة من الطرفين الذين زخرفوا للسيف جرائمه، وقاموا اليوم يبتهلون إلى البندقية والبراميل والراجمات وسائل جهاد أمينة لتنفيذ شرع الله في الروافض، أو لقتال النواصب.

إنها مسؤولية كتبها التاريخ على أهل الحق في هذه الأيام الرديئة ليرفعوا الصوت عالياً ليس فقط ضد سلوكيات المتحاربين اليوم في سوريا بل ضد العقل التكفيري الحاقد الذي لا يمت إلى تسامح الإسلام ورحمته وعدالته بأي صلة.

 

 

 

 

 

 

Related posts

د.محمد حبش- التجنيد الإجباري..الإثم المقدس والإنتهاك الأبشع لحقوق الإنسان 2017/01/07

drmohammad

الدبلوماسية بدلا من الحرب

drmohammad

د.محمد حبش-قراءة سريعة في المشهد السياسي والعسكري للثورة السورية…18 أيلول 2013

drmohammad

Leave a Comment