مقالات

د.محمد حبش- من أجل شام شريف 27/1/2006

يمكن أن نسجل هذا الشهر موقفين هامين للهجوم على الرذيلة في المجتمع، الأول ما قام به مجلس الشعب من التحرك لإلغاء شبكات البغاء على الهاتف، والثاني ما نشرته جريدة الثورة حول قيام عدد من الخطباء بمهاجمة تعليمات إدارية صدرت عن وزارة الداخلية تأمر بتسهيل إدخال النزلاء إلى الفنادق من نساء ورجال دون اشتراط وثائق دفتر العائلة.
وكان لي الشرف أنني شاركت في المسعى الأول لإيقاف نزيف الفحش الذي أصبح يتسلل من خلال الشبكة الذكية، وهي أرقام خاصة (ملعونة) تمنحها مؤسسة الاتصالات بأسعار عالية تطرحها الشركات للناس الراغبين بالحصول على استشارات قانونية أو نفسية، ولكنها تحولت إلى مصيدة من عسل للمراهقين حيث يتم ابتزاز أموالهم وأعراضهم بسخط من الله وغضب، وويلات كارثية على فاتورة الهاتف للرجل الغلبان، حيث تدخل هذه الصحف الإعلانية إلى بيوتنا في الشام الشريف قبل طلوع الشمس مجاناً وبلا مقابل، وفيها أبواب كثيرة مثل: دردش احكي فش خلقك، بنات ينتظرنك على الخط أربع وعشرين ساعة، ثم يذكر الإعلان أسماء البنات وأرقام هواتفهن!! وفي زاوية صغيرة لا تكاد تراها العين يذكر أن الدقيقة بخمسة وعشرين ليرة سورية بصيغة: د 25 وبالقياس إياه!!!
كيف يمكن لشركة تحترم نفسها أن تستغل هياج الخطيئة لدى المراهقين الذين لا يقدرون العواقب، فتدفعهم دفعاً إلى ركوب الخطيئة عن طريق الاتصال الذي سيقود بالتأكيد إلى تتمة المصيبة: نظرة فسلام فكلام فموعد فلقاء ففاحشة فحرام وبالتالي فاتورة ومصاب وخصام!!
لقد قلت في البرلمان إن هذه الشركات ليست مجرد شركات طق حنك، ترتزق من الاتصالات إنها أيضاً شقق مفروشة وتخوت وحجرات ودعارة، وبالتالي سيجري فيها كل ما يجري في تجارة الظلام من إثم وفجور وما أنتم به عالمين.
بالتأكيد لن تنتهي هذه الأطماع الفاجرة من طموحها الآثم حتى بعد صدور قرار مجلس الشعب وملاحقة وزارة الداخلية، بل ستعمد إلى أساليب أخرى تلف بها وتدور، ومنها على سبيل المثال الإعلان التالي: هل تريد عملا؟؟ الراتب لا يقل عن خمسة وعشرين ألف ليرة سورية!! الخبرة غير مطلوبة الشهادة غير مطلوبة!!!
وددت لو أعلم ما هو كنه هذا العمل الذي تدعونا إليه الشركة المحترمة والتي لا تحتاج إلى خبرة ولا شهادة ولكنها تمنحك راتباً أكبر من نائب في البرلمان يمثل بلاده في مجلس الشعب؟؟ ولا نحتاج هنا إلى تذكير بواقع البطالة في البلد وظروف الناس التي لم تعد تجد ما تأكله؟؟
على كل حال أرجو أن يكونوا صادقين وأعوذ بالله أن أظن ظن السوء وإن بعض الظن إثم!!
أما تعميم وزارة الداخلية والذي يعفي أصحاب الفنادق من وجوب سؤال النزلاء عن وثيقة العائلة، وهو ما يوفر للراغبين في سلعة الحرام ظرفاً آمناً يتم فيه قضاء النـزوة بدون إزعاج، بعيداً عن أعين الناس (الفضولية) فلست أدري سبباً لاعتباره ضرورة تستلزم خرق القوانين والآداب ودعوة الناس لمباركة الخطيئة والفاحشة بدون رقيب أو حسيب، على أساس أن هذه الشروط المعقدة تعرقل النمو السياحي وستصرف عنا القطع الأجنبي، وأن تشجيع السياحة يتطلب ظروفاً هادئة لا يعكرها شيء!!.
من المؤلم أن تكون وزارة الداخلية واعية بشروط الأمن في البلد، لا تأخذها في ذلك لومة لائم، لا من السياحة ولا ما يحزنون، وتقدم الشروط الضامنة لذلك يوماً بعد يوم، ويتم التفتيش والمراقبة والتنصت على الناس لضرورة الأمن، ثم تصر على التفريط بالأمن العائلي ورعاية الأسرة وبالتالي تتوفر الظروف المواتية لتسلل الأيدز والزهري والسفلس وغيرها من أمراض الفحشاء التي يعرفها كل من له أدنى بصيرة بالواقع والحال.
وهنا أود أن أسجل الشكر للشيخ أسامة الرفاعي الذي أثار هذه القضية واعتبرها مسألة رأي عام ونحن نؤيده في ذلك كله.
ليس هذا الحراك الاجتماعي في مقاومة الفحشاء ترفاً ننساق إليه فيشغلنا عن عدونا الخارجي، بل هو خندق دفاع أول يجب أن ننخرط فيه للدفاع عن قيم العائلة والأسرة التي هي أقدس ما نملك في المواجهة مع طوفان العولمة الجارف الذي لا يبقي ولا يذر.
وما يجب التذكير به هو أن هذه الجهود لمقاومة الفحشاء ليست شأناً دينياً فقط، بحيث ينادي به المشايخ وحدهم بل هي هم وطتي عام، وحين أثرنا ذلك في مجلس الشعب فقد تتابع على تأييد هذا المسعى عدد من النواب الكرام من مختلف التيارات حزبية وجبهوية ومستقلة وإسلاميون ومسيحيون وعلمانيون، وكذلك شاركت فيه منظمات نسائية من المجتمع المدني، وناشطون في حقوق المرأة والأسرة.
ليست لدينا بكل تأكيد ناطحات سحاب نضارع بها أوروبا وأمريكا، ولا صناعة ثقيلة نواجه بها المنتج الألماني والصيني، ولا سيارات باذخة نضاهي بها اليابان ولكننا نملك نظام الأسرة والعائلة الذي هو أقدس قيمنا وفي الشرق الإسلامي.
أعتقد أن هذا السعي الشريف الذي نهض به عدد من علماء دمشق يقع تماماً في الاتجاه الصحيح، ولكنني في الوقت نفسه أشعر بالحزن لما أشعله آخرون من حرب عابثة مع طواحين الهواء حين جعل معركته مع الناشطين في ميدان حقوق المرأة من منظمات نسائية أهلية، اللاتي تطالبن ببعض الحقوق الشرعية التي منحتهموها الشريعة وحرمتهم منها التقاليد، وكرسها الخطاب المتخلف في قانون العقوبات، وهكذا وجد هؤلاء أنفسهم في حالة حرب مع المؤسسات المحترمة التي لا تقل عنهم رغبة في حماية الأسرة والحفاظ على الطهارة والعفاف في البلد وإن كان بأساليب مختلفة بعض الشيء، وعلى عادة الخطاب العربي التعيس لم يجد هؤلاء ما يصفون به الفريق الآخر الناشط في حقل المرأة إلا الوصف المعتاد للاستبداد العربي بأن هؤلاء عملاء للصهيونية ينفذون مشروعاً صهيونياً يتآمر على الأسرة والإسلام جميعاً!!.
سبحان الله حتى الآن أشعر بأن بعض مشايخنا لا زالوا يحاربون (البوكيمون) ويطاردونه من كور إلى كور، في حين أن جيوش أمريكا تضرب بكل عنف وقسوة في القائم، ونحن لا يقوم لنا قائم ولا ما يحزنون!!!

Related posts

د.محمد الحبش- ‏من هو المسؤول عن ولادة التطرف في الشرق الأوسط 29/6/2007

drmohammad

د.محمد حبش- المسألة الطائفية وصناعة الأقليات في المشرق العربي سبتمبر 2014

drmohammad

الدكتور محمد حبش- أدب الاختلاف عند الدعاة إلى الله 7/7/2006

drmohammad

Leave a Comment