أبطال السلام..
قراءة في تاريخ صانعي السلام في التاريخ الإسلامي…
هذا هو عنوان كتابي الجديد الصادر عن المنتدى الإسلامي للوسطية، السلام بدل الحرب.
ستبدو هذه القراءة صادمة لكثير من المراقبين وكالعادة سيقال إنك تغرد خارج السرب، وتنسج أسطورة إسلام جديد لا نعرفه في تراث الآباء!!
وهو كذلك بالفعل… لقد حان الوقت لنتوقف عن تمجيد المحاربين واعتبارهم فخراً ومجداً، على الرغم من أن ما روي في تاريخ الحروب كله متشابه ومقيت، ومن المؤسف اننا نقرأ المجازر على الضفتين، ولكننا نلقي عليها الشؤم والعار إذا كانت من فعل خصومنا، ونلقي عليها المجد والفخر حين نكون نحن من ارتكب هذه الجرائم!!
الكتاب محاولة لتغيير شكل قراءتنا للتاريخ، وتقديم نماذج جديدة للأجيال من الأبطال الذين أنجزوا المصالحات وأوقفوا الحروب وزرعوا الزهور ونشروا المحبة، وتسمح بقدر كبير من الشك والاتهام لأولئك الذين جعلوا رزقهم من وراء رمحهم، وخاضوا غمار القتل والقتال والدم ومارسوا البغي والظلم تحت عناوين الإصلاح والهداية!
الكتاب بالفعل يعرف بأهم رجال التاريخ الإسلامي الذين وقفوا ضد الحرب، ورفضوا اندفاع المحاربين والغزاة، وأقاموا بدلاً من ذلك جسور الحوار والدبلوماسية، وإخاء الأديان وكرامة الإنسان.
الجهاد … الكلمة التي تدفع اليوم ألوف الشباب المتحمسين من بلدان بعيدة للسفر صوب المحارق الدموية المشتعلة، ابتغاء ثواب الآخرة، واقتداء بجيل الصحابة من المحاربين والمقاتلين والمجاهدين، وما ينتظرهم في الجهاد من نصر الدنيا وغنائمها وسبيها وفيئها إلى ما أعده الله في الآخرة للمجاهدين من الحور العين والولدان المخلدين ومجالس السندس والاستبرق والسرر المرفوعة والأكواب الموضوعة والزرابي المبثوثة……
هل كان الجهاد عبر الحرب الضارية هو بالفعل خيار النبي الكريم ورسالته؟ وهل كانت ظلال السيوف جنته؟ وهل كان يجد ريح الجنة دون سنابك الخيل؟
الكتاب يقدم رسول الله في صورة أخرى مناهضاً للحرب والعنف، وعبقرياُ نادر المثال قام في التاريخ بنزع فتيل الحرب، ونشر بساط الحب.
لقد توجهت الدراسة إلى ستة رجال اعتبرتهم أبطال السلام وأعداء الحرب في الإسلام، وهم على التوالي رسول الله محمد وعمر بن الخطاب والحسن بن علي وعمر بن عبد العزيز والحكم المستنصر الأموي والناصر لدين الله العباسي.
لقد وقف هؤلاء الرجال بشجاعة وبطولة ضد الحرب، واتهمهم الناس بأنهم جبارين في الجاهلية خوارين في الإسلام بسبب رأيهم في رفض الحروب ووقف الفتوح، وكان السلم هو الرسالة التي كرسوا أنفسهم لأجلها.
وقد ظهرت دراسات كثيرة في التعريف ببطولات الغزاة والفاتحين خلال التاريخ الإسلامي، والتعريف بالجيوش والقادة والمعارك التي خاضها المسلمون مع الأمم الأخرى.
ولكن لم تقم جهود علمية وافية بشرح الدور الدبلوماسي الذي حققه قادة مسلمون لوقف الحروب، والنتائج الهائلة التي حققتها الدبلوماسية لجهة بناء السلام ونشر الإسلام، وهو ما يعزز حقيقة أن الحرب ظرف طارئ يراد به مواجهة الشر وليس هدفاً عنيفاً يراد به نشر الخير.
وتهدف الدراسة إلى مواجهة الفكر المتطرف القائم على تقسيم العالم إلى فسطاطين متعاديين، على أساس دار إسلام ودار حرب، وتأكيد البديل الإسلامي الحضاري في بناء العلاقات الدولية الناجحة، العابرة للاختلاف الديني والمذهبي والعرقي والثقافي.
وتتخير الدراسة عدداً من البرامج الناجحة في الدبلوماسية التي كرسها قادة الحضارة الإسلامية، بدءاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الخلفاء الراشدين وأهم القادة التاريخيين في العصر الإسلامي الذهبي.
وتهدف الدراسة إلى تغيير الصورة النمطية السائدة عن العلاقات المتوترة بين الإسلام وبين الشعوب الأخرى، وتعزز بدلاً من ذلك نظرية تحالف الحضارات وتشاركها في بناء الحضارة الإنسانية الواحدة.
وتأتي هذه الدراسة على خلاف الصورة النمطية في تدوين التاريخ، حيث تروج الثقافة القائلة بأن التاريخ هو تدوين حياة المحاربين والمعارك الفاصلة، ويقوم كثير من المؤرخين بتدوين التاريخ على أساس أنه سلسلة من الحروب والمعارك، وأن الحرب لا السلم هي التي ترسم صورة التاريخ، وأن الذين يكتبون التاريخ هم أولئك الذين يملكون قرار الحرب ويندفعون بشجاعة للتغيير وينجحون في ذلك، وأن التاريخ هو سجل ما جرى فيه من حروب وكوارث.
ولم يكن المؤرخ الإسلامي استثناء من هذه القاعدة، فقد دون التاريخ دوماً بسرد الحروب والمعارك. وحتى في السيرة النبوية، فقد استهوى ذلك المؤرخين، فسطروا سيرة النبي الكريم من خلال المعارك والغزوات والحروب، واشتهرت كتب السيرة نفسها بأنها كتب المغازي، مغازي أبان بن عثمان، ومغازي موسى بن عقبة، والسير والمغازي لابن اسحاق، وإنارة الدجى في مغازي خير الورى للشنقيطي المالكي، ومغازي الواقدي، والدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر، والاكتفاء بمغازي رسول الله، ومن يقرأ السيرة النبوية في كثير من أعمال المتقدمين يصاب بالإحباط، حيث يبدو النبي الكريم محارباً لا يضع سيفه عن عاتقه ولا يغمد سيفه ولا ينزل عن حصانه.
ولكن الواقع خلاف ذلك، فقد كانت سيرته العظيمة سيرة سلم وحوار واحترام ومحبة، ومن أصل ثمانية وعشرين غزوة فرضت عليه تمكن أن يتجنب الحرب في ثلاثة وعشرين منها، وتمكن بقدرات دبلوماسية فائقة أن يحول كثيراُ من هذه الحروب إلى معاهدات ومفاوضات وصلح وسلام.
إن قيم العدالة والرحمة والمحبة والسلم هي القيم السائدة في تاريخ النبوة، وإن الحرب استثناء من ذلك، وكتب عليكم القتال وهو كره لكم، وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم، وأن الرسول الكريم لم يشعل حرباً قط، وإنما اجتهد في إطفاء ما أوقدوه من حروب، واختار رسالته الدائمة في السلم والرحمة، وفق ما أمر به القرآن الكريم: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم. (الأنفال 61)
بالتأكيد سيكون هذا الكتاب أيضاً هدفاً لسهام الناقدين وسيقولون لك انتظر حتى تنتهي الحرب واكتب في السلام بعد ذلك ما تشاء!!….
إن ما يدمي القلب هو إحساسك بأن هذه الحرب لن تنتهي أبدأً، وأن علينا الاستمرار في طاحونة الموت هذه حتى يسحق كل فريق خصمه، ودون ذلك خراب المدن وهلاك الناس ودمار الإنسان، فهل سنكتب في السلام إذن لأهل المقابر؟
أن تتحدث عن السلام في وقت الحرب، وعن الإخاء في وقت الكراهية، فهذا هو البطولة، وأما الحديث عن السلام بعد أ نيتم السلام فهو مجرد أغنية سمجة كاذبة.
قناعتي أن ثقافة السلام هي التي يجب أن يسمعها الأبناء، وعلينا أن نعترف أننا علَّمنا أجيالاً كامله فضل السيف والخنجر، حتى أصبح السيف عنواناً نرسمه على العلم الوطني للدول والأحزاب، وحتى أصبحت صيحات عنترة بن شداد إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب هي اللغة التي نقدسها بدلاً من منطق القرآن الكريم: يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلام كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين.