مقالات

الدكتور محمد حبش- من ثقافة الكراهية إلى جرائم التكفير 14/7/2006

تتنامى اليوم كالفطر ثقافة التكفير في العواصم الإسلامية الملتهبة وفق ما نشاهده كل يوم في المأساة العراقيةالدامية، وأصبح الذين يتحدثون عن الحرب الأهلية المحتملة في العراق يغالطون أنفسهم لأن ما يجري هو في الواقع الحرب الأهلية بكل تفاصيلها، حيث يتم استهداف باصات كاملة متوجهة إلى أحياء بعينها على أنها مادة مشروعة للقتل، بناء على قرائن الاعتقاد التي يحملها الركاب (المعتّرون) ومع أننا نقذف التُهم عادة على المحتل وهو كذلك، والاحتلال لا يأتي بخير أبداً، ولكن يجب القول أيضاً إن ثقافة الكراهية هي التي أسلمتهم إلى خيار القتل هذا، حتى قاموا بممارسته بحماسة من دون أن تؤلمهم بعد ذلك وخزة ضمير.
الناس يتحدثون عن أساليب شيطانية للمحتل في تفجير السيارات بالريموت كوننترول وإظهارها على هيئة عمليات انتحارية، ومع أن ذلك ممكن ولكنني لا أصدق أبداً أن ما يجري من طاحونة الموت هو مجرد لعبة ميكادو يمارسها الأشرار عن بعد، بل أجزم بأنها لم تكن لتحصل لولا ركام من ثقافة الكراهية التي جهدت مؤسسات السوء على تكريسها في ثقافة الشعب المغلوب على أمره، لعقود وقرون طويلة والذي قصر فقهاؤه في حمل مسؤولياتهم في مواجهة ثقافة الكراهية واكتفوا بممارسة التأويل والتبرير والإعذار لفتاوى الأولين من دون خوض مواجهة صحيحة لثقافة الفتنة مهما أحاطت نفسها بثوب القداسة، وتعميد التاريخ.

قبل أيام تابعت عرضاً على قناة الرسالة يتحدث فيه المحاضر عن تفسير الآية ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، وتناول فيه أمر المواجهة مع أعداء الله من الملاحدة والزنادقة والكفرة، طرح على الشيخ السؤال التالي: أعيش في أستراليا ولا يوجد من حولنا من يحارب الله أو رسوله ونشعر بأن لدينا من التسامح والتراحم ما كفل لنا سائر حقوقنا ولا نشعر بالحاجة إلى مواجهة أحد فكيف يمكن تأويل هذه الآية ؟
كان الجواب صادماً بكل المقاييس إذ تحدث الشيخ بغضب عن هذا السؤال بافتراض التناقض فيه ، وقال: مستحيل أن يكون أعداء الله غير موجودين، إن الله يقول ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا، ومباشرة قال للسائل صدق الله وكذبت ظنونك، إن أعداء الله موجودون في كل مكان وعليك أن تعيد دراسة الناس من حولك بعين البصيرة وستجد أن أعداءك من حولك في كل مكان!!
فالمطلوب إذن أن تتخذ نظارة سوداء وتنظر من خلالها إلى الناس، وهكذا فالمرعوب سيرى في كل سواد ذئباً وفي كل بياض ضبعاً، وفي كل إنسان مشروع قاتل!!

خلال إعدادي لخطبة الجمعة وقع بين يدي كتاب مسولية الأب المسلم في تربية أبنائه، للشيخ با حارث وهو كتاب كما يبدو من غلافه حظي باهتمام كبير وتقاريظ متعددة وهو مطبوع طباعة أنيقة ومرتب وفق أفضل ما أبدعته التكنولوجيا الحديثة، ويقدم هدية في الأعراس والأفراح.
فيما كان المؤلف يتحدث عن مسؤولية الأب في تربية أبنائه راح يتحدث عن الحب في الله والبغض في الله، وبالطبع فإن الحديث عن الحب في الله تناول الحب مع المؤمنين، وتوقعت أن يكون الحديث عن البغض في الله متركزاً عن الموقف من الصهاينة والمجرمين من أعداء الدين، ولكن الحديث انصرف بشكل خاص إلى وجوب بغض المخالفين في الاعتقاد وأول من ينبغي بغضهم في الله هنا هم الرافضة والصوفية، ولكن مزيداً من المفاجأة في التفاصيل فقد مضى المؤلف إلى الحديث عن وجوب بغض تارك الصلاة وقال ما نصه: إن تارك الصلاة كافر إجماعاً إن تركها جحداً وحده القتل كفراً لا حداً، ومقتضى ذلك أنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولكن الحكم عنده فيمن تركها كسلاً أهون إذ يجب استتابته ثلاثا فإن لم يلتزم بها فإنه يتعين قتله حداً لا كفراً، ويستلزم ذلك أنه يغسل ويكفن ويدفن في مقابر المسلمين!! ولكن يتعين والكلام هنا للشيخ باحارث- أن نبغضه في الله، وهنا قال: إن الحكام للأسف لا يطبقون حد الله في هؤلاء وهو ضرب أعناقهم ولذلك يجب على الوالد أن ينهض بالمسؤولية الشرعية في تعليم أبنائه بغضهم في الله ، وهو (مكتور الخير) إذ لم يقل أنه يتعين على الأبناء تنفيذ الأحكام الشرعية فيهم باسم الرب نيابة عن الحاكم!!.
مستحيل أن تكون ثقافة كهذه تنتمي إلى الدين الذي نص فيه القرآن الكريم على تحريم الإكراه في الدين، لا إكراه في الدين، ولا إكراه في الصلاة ولا إكراه في العبادة، ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
مؤلم أن تكون ثقافة البغض في الله متوجهة إلى الجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب، وأن تبدأ بالصوفيين والقبوريين والمخالفين في الاعتقاد، ثم تبيح دم الرافضة والناصبة، ثم المفرطين في صلاتهم وصيامهم، وحين تأخذ ورقة وقلماً وتبدأ بإحصاء المواطنين الذين ينبغي أن نكرههم في الله ويتعين على الحاكم أن يقيم فيهم حد الله، حين ذلك ستهون أمامك كل محاكم التطهيرالعرقي والهولوكست وسربرينتسا والخمير الحمر!!

ليس الكلام هذه المرة من ثقافة العصور الوسطى ولا هو فتوى مدونة لابن تيمية يعاد نشرها وتسويقها، أو سؤالات نافع بن الأزرق لابن عباس، بل هو رسالة دكتوراه تناقش في جامعة عربية محترمة وتحظى بالتقاريظ المتعددة من مراجع عربية كبيرة.

متى سنمتلك الجرأة الكافية ونقول بملئ أفواهنا إن ثقافة الكراهية حرام في الإسلام، وأن النبي الكريم علم الناس الحب حتى مع المخالف في الدين، قال تعالى: ها أنتم هؤلاء تحبونهم ولا يحبونكم، وقال: إنك لا تهدي من أحببت، والكلام هنا عن وثنيين يعبدون الحجر من دون الله، وأن حربه مع المشركين كانت في إطار رد الظلم والعدوان ولم تكن أبداً بقصد التطهير العرقي أو الديني الذي رآه العالم في باميان بآلافها الأحد عشر الذين أعدموا يوم الفتح (الكبير) على خلفية موقفهم المذهبي والطائفي.

السؤال كيف نحمي وطننا من ثقافة الكراهية وتالياً من ثقافة التكفير، واضح أن ذلك لا يتم بمجاملة الثقافة الشائعة بل في مواجهتها ببسالة وشجاعة، والعودة إلى ضياء النص الحكيم الذي تم اغتياله في غمار رواج ثقافة الكراهية، والذي لا يزال نصه واضحاً لا يحتاج إلى أدنى تأويل: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر، فكيف يمكن أن نفهم نص القرآن الكريم في نفي سيطرة النبي على الناس إذا اختاروا ما يشاؤون من العقيدة ثم نقرر واجب الأمة في قتل المخالف أو المقصر في دينه؟ أو على الأقل وجوب كراهيته واحتقاره؟؟
مستحيل أن تكون ثقافة الكراهية هذه تنتمي إلى دين ينطق قرآنه: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً، وتختصر شريعته بقول الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

Related posts

المونديال… عيال الله

drmohammad

محمد حبش- الجولان وقاهرة المعز صفحة من تاريخ بني معروف 17/8/207

drmohammad

د.محمد حبش- حكاية المحاريب الخمسة 22/8/2008

drmohammad

Leave a Comment