مقالات

الصحوة الإسلامية…. قرار أنظمة أم خيار شعوب 6/10/2006

تمضي غونداليزا رايس هذه الأيام حمالة للحطب الأمريكي وفي جيدها حبل من المطالب اللئيمة أُوّلها القضاء على الصحوة الإسلامية التي تتبنى خيار المقاومة والممانعة للمشروع الأمريكي، وتجفيف ما تسميه منابع الإرهاب، وبالتأكيد فهي غير معنية بمظاهر الصحوة في الصلاة والصوم والعبادات والتمسك بالسنن الكريمة وإنما هدفها المباشر هو الصحوة الإسلامية المقاومة والرافضة للمشروع الأمريكي، وهو ما يعني ضرورة ضرب الحركة الإسلامية في المنطقة، وتحميل الأنظمة في سوريا والشرق الأوسط بشكل خاص حالة تنامي الصحوة الإسلامية والرفض للمشروع الأمريكي، كما لو أن الصحوة الإسلامية هي مجرد قرار اتخذه مجلس الوزراء السوري ويتعين عليه أن يتخذ قراراً معاكساً.

هكذا ترغم السيدة الأمريكية حكام المنطقة أن يجلسوا إلى مائدة عاتية في مواجهة شعوبهم لمطالبتهم بوضوح بمواجهة (الفاشيست) الإسلامي بكل تفاصيله، والذي يشتمل بالطبع على جامعات ومدارس ومصارف وجمعيات خيرية إسلامية، وبالتالي إرادات شعبية عارمة للعودة إلى الجذور ورفض منطق الهيمنة والاستعلاء.
وهنا فإن حكام المنطقة يقفون بوضوح أمام خيارين اثنين إما الانخراط في المشروع الأمريكي بما يعنيه ذلك من مواجهة حادة مع الشعوب، وإما الرفض الذي سيلحقهم مباشرة وفق المنطق الأمريكي بمحور العنف الممتد من طهران إلى غزة.
إن أدنى قراءة سياسية محايدة للمنطقة تجعلك تدرك أن الخيار الإسلامي هنا هو خيار شعوب وليس خيار حكومات، وأن الحكومات التي تقرر مواجهة الشعوب في خيارها الديني تقامر في الواقع بشكل غير محسوب، وتدفع ببلادها نحو كارثة اجتماعية قد تنفجر في أية لحظة مواجهة وعنفاً وصداماً.
نظرة واحدة إلى المشاعر الرمضانية التي يحييها المسلمون في كل العالم خلال الشهر الفضيل تحملك على الاعتقاد الجازم بأن المنطقة هنا تعيش على تاريخ الأنبياء، وتتلمس خطاهم ونورهم رجاء رضوان الله ورحمته، وهي تنهج خطاهم شوقاً لرغائب الجنة ونعيم ما بشر به الإسلام، وليس بسبب رغائب الحكام.
في سوريا مثلاً فإن رمضان يقدم أرقاماً واضحة تلزم كل مراقب بإعادة حساباته وفق الواقع على الأرض، فهناك نحو عشرة آلاف مسجد تحشد أسبوعياً ما لا يقل عن خمسة ملايين مواطن، يجتمعون في رمضان بشكل شبه يومي وتقوم المساجد بجباية ما لا يقل عن مائة مليون ليرة من الإعانات أسبوعياً حيث يتضاعف الرقم عدة مرات في رمضان، وتقوم نحو مائة ثانوية شرعية تعلم العلوم الإسلامية وفيها بالطبع درس الجهاد ضد المحتل، ونحو ألف معهد لتحفيظ القرآن الكريم وتقوم هذه المؤسسات بدورها بالكامل على المبادرات الأهلية الطوعية ويقتصر الدور الحكومي على المراقبة والمحاسبة والتوجيه في أحسن الأحوال.
وحين يقبل الناس على الصوم وهو مجاهدة حقيقية يرفض فيها الإنسان طوعاً سائر الملذات الجسدية، فإن ذلك كله لا يتم بقرار حكومي وإنما تحمل الناس عليه إرادتهم الواضحة في مرضاة الله والدار الآخرة.
وحين تتغير الروزنامة السورية بالكامل إلى البرنامج الرمضاني في الاستيقاظ والطعام والشراب والبرامج التلفزيونية والنشاطات التجارية والعلاقات الاجتماعية، حتى في فراغ الشوارع وازدحامها وحتى في زينة البيوت والشرفات فإن من الواضح أن ذلك كله لا يتم بقرارات الحكومة وإنما يفرضه الشعور الشعبي حتى على البرنامج الحكومي.

لا يريد الأمريكيون أن يصدقوا أن الشعب الفلسطيني منح أصواته لحركة المقاومة الإسلامية بكامل إرادته رغم معرفته التامة بفداحة الفاتورة الأمريكية المتربصة، ولا يريدون أن يصدقوا أن الانتماء إلى الإسلام هو ما يجعل الشعب يختار درب المقاومة عن بصيرة ويقين، وهم يقولون كالعادة إن انتصار حماس في الانتخابات هو قرار اتخذ في دمشق وأن الشعب الفلسطيني لو ترك حراً فسيختار نعيم الدولة العبرية وسيقبل رجاله العمل فيها كغجر في تل أبيب وسيختار نساؤه العمل كسريلانكيات في حيفا ويافا، حيث ينعمون إذن بالهدوء والاستقرار والرضا الأمريكي، وأن أوهام المقاومة هذه ما هي إلا مؤامرات سورية تقوم بها دمشق لحماية نفسها من لجنة التحقيق الدولي لبرامرتز، أو لمساعدة إيران على الخلاص من أزمة التخصيب.
ولا يريد الأمريكيون أن يصدقوا أن الشعب اللبناني قد اختار المقاومة رجاء رغائب الجنة وأنه مضى إلى خيار المقاومة راضياً مختاراً رجاء أن يقع في حضن أبي الشهداء الحسين، وأنه كان يردد هيهات منا الذلة، وكل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء رجاء مجد الآخرة، تحركه إرادة اليقين بأن الإسلام هو رسالة الحق والخير والنور، وبدلاً من ذلك يقول الأمريكيون إن المقاومين في جنوب لبنان هم مخابرات سورية وعملاء إيرانيون، ومافيات عنف محترفة يتقاضون أجوراً ضخمة من دمشق ليخوضوا حرباً بالنيابة عنها!!
فما هي دمشق هذه التي تتحكم في وقت واحد بالقرار السوري والعراقي واللبناني والفلسطيني وتحرك الشارع التركي والأفغاني والباكستاني والسوداني والأردني والجزائري، وتسبب المشاكل لواشنطن ولندن وباريس وروما؟؟

ومتى يدركون أن الإسلام هو خيار الشعوب وليس قرار الأنظمة ، وأن مصالح الدول الحقيقية ليس بالضرورة في الرقص على موسيقى البوب الأمريكي، بل إنه على المستوى البعيد الاستجابة لمطلب الشارع الحقيقي في المنطقة الذي ينعكس إرادة ومقاومة وبالتالي يمارس دوره في تعرية المشروع الأمريكي.

فبأي منطق يريد الأمريكيون للحكام العرب أن يركبوا عربتهم عكس حركة التاريخ وأن يراغموا شعوبهم على الانحياز للقيم الأمريكية التي عجزت حتى الآن أن تجلب للمنطقة إلا الدمار والفوضى، وهو أمر لم يعد الأمريكيون يجهلونه أبدا،ً ولكنهم مع ذلك يوافقون سياستهم لسبب واحد وهو أنهم مقتنعون كما يقول بوش بأننا تمكنا من نقل المعركة من الأراضي الأمريكية إلى الشرق الأوسط وبلغة لا تخلو من الشماتة والكيد بقول بوش إن أمريكا قد أصبحت أكثر أمناً بعد الحرب على العراق، وإن حروب الإرهاب نقلت بالكامل إلى أرض العرب.

إنها بكل أمانة ثقافة المقاومة التي يعلّمها الإسلام، وتظهر ملامحها بوضوح من خلال الدرس الرمضاني الكبير وما يتبعه من مجاهدة قاسية للنفس، وانتصار على الشهوات والملذات، وعلى رغم شرطه الصارم فإنه يفرض وجوده في سائر مدن العالم الإسلامي من المحيط إلى المحيط، ويعزز الحقيقة القائلة إن الصحوة الإسلامية هي خيار الشعوب وليست قرار الأنظمة.

Related posts

د.محمد حبش العلمانية والإسلام…. قراءة من أفق آخر 8/6/2007

drmohammad

د.محمد حبش- أنتم أعلم بأمور دنياكم 13/3/2009

drmohammad

البيت الأبيض – موعظة الخير والشر

drmohammad

Leave a Comment