الجريمة والعقاب..
أمام قوس العدالة
أنجز القضاء الألماني موقفاً شجاعاً حين حكم على أحد الأشرار من الذين وصلوا إلى ألمانيا لاجئين بالسجن أربع سنوات، بعدما ثبت أنه مارس القمع والاعتقال والتعذيب في السجون السورية، ثم نزع رتبه العسكرية وركب في مراكب اللاجئين!!
ومع أنني لا أعرف شيئاً عن المدان، ولا أرغب كذلك بذكر اسمه أو نسبه، ولكنني أثق في القضاء الألماني، وآمل أن تكون بداية يدرك فيها كل من ينتهك حقوق الإنسان في أي بلد في العالم بأن العالم بات أكثر نضجاً وأنه لن يسمح للمظالم أن تمر بدون حساب.
الحكم القضائي بالطبع أثار غضب الفريق الإعلامي للمقاومة والممانعة، حيث انتهكت السيادة الوطنية وتمت محاكمة سوري في محكمة أجنبية، وهذا اعتداء على السيادة الوطنية السورية الأبية الحرة الشريفة المستقلة!!!
لم يتحدثوا عن السيادة الوطنية حين رحبوا بالجيوش الروسية والإيرانية والكتائب الطائفية الأوزبكية والأفغانية واللبنانية والعراقية والباكستانية، وهي ترفع رايات تلعن العروبة وتلعن المشروع الوطني، وتنادي بدولة الولي الفقيه نظاماً ينتمي إلى أشد العصور الوسطى قتامة وظلاماً، فقد بدا ذلك كله حال مقاومة وممانعة، والمسلحون الإيديولوجيين الذين جاؤوا في سياق هذه المشاريع الكهنوتية الظالمة فقد تم اعتبارهم جزءاً من النسيج الوطني الناعم لسوريا، وصاروا وفق وعد الرئيس نفسه هم السوريون الحقيقيون!! لأنهم دافعوا بشراسة عن أنظمة سوريا المتوحشة!!!
أما سجون الظلم التي تتسرب منها صور المعذبين بالألوف ويتعرف الناس فيها على أبنائهم من صور قيصر الرهيبة، فهذه كلها لا تمس السيادة الوطنية!! وهي من وجهة نظر النظام على بشاعة الإجرام فيها مجرد تفاصيل هامشية لا بد منها في مواجهة المؤامرة.
ولعل قائلاً يقول أين ما تكتبه في اللاعنف والسلام؟ أليس من الأفضل الدعوة للتسامح ورتق الجراح والمحبة؟
الدعوة للسلام والمحبة لا تعني أبداً أن نربت على كتف الظالم، ونبتسم له في جرائمه.
اللاعنف لا يعني ان نتحول إلى عاجزين نجلس القرفصاء على طرف الكوكب وننتظر الفرج والخلاص من السماء..
اللاعنف نضال إيجابي حقوقي واجتماعي وسياسي، يتفاعل فيه المكافح مع منصات العدالة في العالم لإنصاف المظلومين وحساب الظالمين.
يتحرك العالم اليوم، تحت تأثير النضال الحقوقي النبيل ويدرك انه يتحمل المسؤولية الأخلاقية في الانتصار للمظلوم وردع الظالم، خاصة عندما يكون جلاداً طليقاً ينزع رتبه العسكرية ثم يرتدي كنزات اللاجئين ويتفوق عليهم بصياحه في لعن الظلم والظالمين.
يجب ان نساهم جميعاً لجعل القضاء الألماني يفخر بما فعل، ويحس انه حقق جانباً من العدالة لملايين السوريين الذي يعانون باستمرار من المآثم والمظالم.
إن القانون الدولي قد انجز الكثير لصالح الشعوب المستضعفة، والصكوك التي صدرت عن الأمم المتحدة في حقوق الإنسان تفرض على كل دول العالم ان تتحمل مسؤولياتها في القضاء على الجريمة، ولكن لنعترف أن هذه المنصات المستعدة لمعارك العدالة لا يمكنها التصرف وحدها، ولا بد من كفاح حقوقي يقوم به الشرفاء في إدارة معركة العدالة، بحيث نضع على المنصات الصحيحة الوثائق التي تكفي لإدانة الجرائم واعتقال المجرمين.
الغضب والصياح والزمجرة لا ترفع الظلم عن مظلوم، ولا تسوق المجرم إلى قوس العدالة، ولكن النضال الحقوقي الطويل هو من يحقق النتائج.
ألف بيان وتصريح وفيلم ومقال عن معاناة السوريين لا تحرك المنصة القضائية للقيام بإدانة المجرمين، وحده النضال الحقوقي هو من يفعل ذلك، ووحدهم أولئك الرجال الذين يسهرون طويلاً وهم يدرسون القضايا ويتقنون فن الدخول على منابر القضاء العادل في العالم، ويدفعون رسول القضايا ويستطيعون أن يقرعوا أبواب القضاء بعزيمة وإصرار وثقة، وأن يضعوا أمام منصة القضاء أوراقهم المتينة التي نكفي لينطق القاضي بكلمة الحق.
نعم أنا أعتبر ذلك انتصاراً للعدالة، وأعتبره سعياً مباركاً موصولاً مأجوراً يؤجر فيه القاضي والمحامي والمدعي والشهود والناظرون إليه بإحسان.
وحين ينضج الوعي في الناس فلن تكون جريمة بلا عقاب، وبشر القاتل بالقتل والزاني بالفقر والمجرم بالعدالة..
ويسالونك عن الشهادة….
أما الشهادة على المجرم بما ارتكبه أمام القضاء فهي واجب شرعي يؤجر فيها المدعي والمحامي والشهود والقاضي والناظرون إليها بإحسان…
ومن لطائف السنة الشريفة أن الرسول الكريم ذكر نوعين من الشهادة: مذموماً وممدوحاً، فقال في معرض التحذير والإنكار: ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، وقال في معرض الثناء والشكر: خير الشهود الذي يشهد قبل ان يستشهد…..
والحقيقة أن الشهادة المحمودة هي ما كان فيه تحصيل لحق الناس، كالشهادة على السارق والقاتل والظالم…
أما الشهادة المذمومة فهي ما كانت في حقوق الله، كمن يشتكي على تارك الصلاة أو شارب الخمر أو على الزاني المستتر…. فهذه تلصص على الناس وشهادة سوء لا يؤجر فيها أحد…. وهي المقصودة بنهي رسول الله….
اشهدوا على كل ظالم بما فعل، ولا تخافوا في الحق لومة لائم، وقد قال الله تعالى:
ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه…..