Uncategorized

شهيدة القدس… دروس الرحيل المريرة

رحلت شيرين أبو عاقلة برصاص الظلم، لتبقى شاهدة حية على جرائم الاحتلال إلى الأبد. 

لماذا أكتب عن شيرين؟ 

لأنها شاهد حيٌّ على عدالة القضية الفلسطينية والتزامها جيلاً بعد جيل؛ إذ أمسكت هذه الفتاة العشرينية قبل خمسة وعشرين عاماً الكاميرا والمايك، وكرست رسالتها لفلسطين، ولم يتسع قلبها لحبيبين فاعتكفت في حب فلسطين، ولم تغادرها قطُّ، وباتت ذاكرة جيل كامل تربط مدن فلسطين القدس ونابلس وجنين ورام الله وأريحا باسم شيرين أبو عاقلة. 

لماذا أكتب عن شيرين؟ 

لأنها شاهد حيٌّ على إعلام الرسالة وشرف الكلمة في مواجهة إعلام العبث، بعد أن أصبحنا في عصر إعلام التفاهة، وحين تتابع وسائل الإعلام الجديدة فإن قائمة الملايين باتت محجوزة بالكامل لسخفاء الإعلام الجديد من الطبول الفارغة إلا ما رحم ربي، حيث انكفأ الفلاسفة والحكماء والعلماء إلى إطار ضيق لا يتجاوز معارفهم فيما انفتح أفق الإعلام المليوني لأصحاب البهلوانيات والسخريات والحماقات التي لا يحكمها عقل ولا منطق ولا دين. 

نحتاج بالفعل إلى مؤتمر دولي لتعريف الإعلام، بحيث نفصل بين الشكلين المتناقضين، بين أصحاب الفكرة والرسالة والقلم، الذين يطوفون بالكاميرا على مآسي الناس ليوقظوا الضمير العالمي ويبعثوا إرادة المسؤولية والتضامن والتكافل، وبين أولئك العابثين الذين يسخرون من مآسي الناس ويحولون عذاباتهم إلى مساخر! 

لماذا أكتب عن شيرين؟

لأن رحيلها يعدُّ قضيةً عظمى عند الأمم البصيرة، ويفرض تحولات سياسية كبرى، بعد أن وجه الاغتيال ضربة قاتلة لمشروع الواحة الديمقراطية المزعومة، التي قامت على إنكار فلسطين والشعب الفلسطيني، فكشف زيف الدعاوي ووجه رسالة للعالم إن المظالم التي تشهدها فلسطين لا ترتبط أبداً بدعاوي إسرائيل أنهم يواجهون الإرهاب الإسلامي! ومن الآن فصاعداً سيصبح أشهر شهيد في فلسطين امرأة حرة شجاعة لا يمكن أبداً تصنيفها في أي مشروع ظلامي تكفيري، وبات الادعاء الصهيوني بمواجهة الإرهاب مصفوعاً على سحنته كل لحظة بدماء شيرين ووجهها الفلسطيني، وسترتها الصحفية الواضحة وإيمانها بالحرية وشرف الكلمة. 

ولكن على الرغم من هذا المعنى الهائل الذي فجره دم الشهيدة فإن تيار الجنون والظلام ترك ذلك كله وراح يدخل بأقنعة متعددة إلى صفحات الشهيدة ليناقش اللاهوت في جدل بيزنطي عقيم لا يحترم روحاً طاهرة ولا مأساة حاضرة ولا منطقاً سليماً، ويطالب بإغلاق أبواب الجنة احترازياً لمنع دخول امرأة غير مسلمة، مزودين بقاذفات من الفتاوى السوداء الصادرة عن مشاهير (العلماء) يا للعار! من ذوي اللحى الطويلة المظلمة، وما طالت لحية رجل إلا نقص من عقله مثل طولها! وهم الكهنة المفصولون نهائياً عن الحياة والواقع، والمسجونون في أقفاص الماضي، يمنعون احترام الناس ويحتقرون إيمان الأمم، وعن مسألة الترحم على غير المسلم، في هجمة مجنونة شاركت فيها آلاف الحسابات الضارية، ويمكننا من دون أدنى شك أن نقرا هذه النتائج الكارثية لقتاوى الظلام المدمرة: 

1- إنهم يقتلون الفرصة الهائلة التي كتبتها دماء الشهيدة في مسمع العالم، ويطفئون الغضب الذي عصف بالعالم كله من سلوك إسرائيل الهمجي؛ إذ يدرك حكماء العالم أن الإسرائيلي يكذب ويخادع في دعواه الديمقراطية والسلم بعد أن تفجرت دماء الشهيدة تفضح جرائمه ومكره. 

2- إنهم يقدمون أوضح دليل أن الإسلام وليس اليهودية هو دين شعب الله المختار الذي يحتكر الخلاص والجنة ويلقي بالآخرين في دائرة الججيم. 

3- إنهم يقدمون أوضح دليل على أن الصراع إذاً هو محض نزاع ديني وأن إعلانات الحرية والكرامة والعدالة والمساواة التي يتضامن بها العالم مع الشعب الفلسطيني لا تعني شيئاً لهذا الشعب المقهور، وأن جمهور الانتفاضة الهائلة ليس إلا قطيعاً من الحريديم الداعشي الذي يسعى لإقامة الإمارة الإسلامية الداعشية التي لا تفهم المختلف إلا في إطار عقد الذمة والجزية والصغار 

4- إنهم يشوهون لقب الشهيد المقدس الذي وصفه القرآن بأنه من يقتل مظلوماً، ولكنهم حجبوه عن كل مظلوم وخصصوه فقط بالمقاتل الذي يبسط سيفه في أتباع الأديان الأخرى ويكسره على جماجمهم قبل أن يلقى حتفه! وهذا في الواقع اغتيال أسود لثقافة الشهيد والشهادة، وخلط بين الجريمة والشهادة. 

5- إنهم يكشفون عن الوجه القبيح لثقافة الكراهية التي تسكن مجتمعنا البائس، وحجم انتشار هذه الكراهية وخطرها وعواقبها، وتفسر فشلنا في صناعة الكرامة والحرية، وتنذر بأيام كالحة لا يلتم فيها قلب على قلب إلا بشروط اللاهوت القروسطية الكئيبة. 

ومع أن المشهد لا يحتمل، ولكنني لا أستطيع أن أؤجل الرد على هذا الكيد المسيء للإسلام الذي يقوم به المتعصبون الذين يقتلون كل فرصة رحمة ومحبة في الدين ويحولونه إلى رسالة إقصائية انقلابية غاشمة بلا قلب، ويهمني أن أقدم للمسلم الحائر ولأولئك الذين يحترمون قيم الإسلام هذه الطائفة من النصوص القرآنية الكريمة التي تكرس ثقافة الحب والرحمة، وجميعها تنتمي إلى النص الإسلامي الأول القرآن الكريم، مع علمي بوجود نصوص أخرى تناقض ذلك، ويجب القول إن المتشددين يعلمون ذلك أيضاً ولكنهم يأخذون بظاهر نصوص الحرب ويؤولون نصوص الرحمة، فيما تدعوك هذه المقالة إلى قبول نصوص الرحمة وتأويل نصوص الحرب. 

هذه عشر آيات من القرآن الكريم وهناك عشرات مثلها، تشير بوضوح لا لبس فيه أن المسلم يحب الناس جميعاً مهما كان دينهم، وأن الله يقبل العمل الصالح من الناس كلهم مهما كان دينهم…

وكل ما ورد في الكراهية فالمراد به المعتدون الأشرار المحاربون فقط.

1- قال تعالى في الوثنيين المسالمين: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين (البر والقسط أعلى من المحبة)

2- وقال في المسيحيين المسالمين: أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب.

3- وقال في المسيحيين المسالمين: وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين.

4- وقال في النصارى المسالمين: ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباًناً وأنهم لا يستكبرون

5- وقال في كل من يعمل صالحاً: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها

6- وقال في قبول إيمان كل سالك إلى الله مهما كان دينه: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله

7- وقال في قبول العمل الصالح من أهل الأديان: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

8- وكرر الآية نفسها بترتيب مختلف: إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

9- وقال في اليهود المسالمين: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون

10- وقال يدعونا لاحترام أديان كثيرة لا نعلمها: ورسلاً قد قصصناهم عليك ورسلاً لم نقصصهم عليك…

تكفيك عشر نصوص واضحة كالشمس، ومثلها كثير، وكل حديث خالف هذه النصوص الظاهرة فهو مردود، وكل آية وردت بغير هذا فهي منسوخة أو مخصوصة بالمحاربين والمعتدين.

باختصار: الدين لا يبذل الرحمة إلا لاتباعه ليس جديراً بالاحترام، ولا يشبه في شيء دين الله الذي قال بوضوح: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

Related posts

خطبة الحج الأعظم

drmohammad

الإسلام والحضارة الحديثة منهجان اثنان…. وغاية واحدة

drmohammad

د.محمد حبش- ناديا مراد صرخة من قبور داعش…

drmohammad