تجد في هذا الكتاب سلسلة من المقالات المختلفة التي كتبتها في السنوات الأخيرة وتهدف إلى تعزيز حقيقة الإخاء الإنساني وتعالج مظاهر التصدع في صورة الإخاء سواء في السياسية أو في تفسير الموروث الديني.
وقد قمت بإجراء بعض التعديلات الضرورية على المقالات بحيث تغدو أكثر مساساً بعنوان الكتاب
جيران على كوكب واحد
مع أن هذه الحقيقة واضحة في كتاب الله وهدي الأنبياء، ولكنها لم تكن واضحة للعيان في أي مرحلة من مراحل التاريخ كما هي اليوم، بعد ثورة المعلومات والاتصالات التي عززت فكرة القرية الكونية، وأكدت إخاء الإنسان للإنسان على الرغم من إرادة الحرب الباطشة التي تتناوب على إشعالها في الأرض قوى متقابلة في الشر من الشرق والغرب والشمال والجنوب، ولكن أدنى قدر من الثقافة صار يدعو الإنسان إلى معرفة أخيه الإنسان شريكاً لا بد منه لبناء الأرض وتسخير خيراتها في منافع العباد والبلاد.
جيران على كوكب واحد حقيقة أكدها القرآن الكريم: يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير، وشرحها السيد المسيح بقوله الإنسان أخو الإنسان أحب أم كره، ودلت لها حقائق العلم الحديث التي درست طبائع الإنسان وحاجاته ومقاصده وأكدت الأصل القرآني الكبير الذي دلت له عشرات الآيات: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، وكل مولود يولد على الفطرة، أو كما تم التعبير عن هذه الحقيقة في مؤتمر الأديان الأخير بعنوان عريض: أسرة واحدة تحت الله!
الناس وفاقيون وفروقيون، منهم من يبحث عن المشترك ومنهم من يبحث عن المختلف، ومن عجائب القدر أن كلاً من الفريقين يجد بغيته وشواهده في العقل والنقل، ولا يخفي كاتب هذه السطور انحيازه إلى تيار الوفاقيين الذين يؤمنون بالإخاء الإنساني في الأرض، ويؤمنون بأن الله خلق العالم من أجل نهاية سعيدة، ويؤمنون بكلمة إقبال :
لم ألق في هذا الوجود سعادة كمحبة الإنسان للإنسان
لما سكرت بخمرها القدسي لم أحتج إلى تلك التي في الحان
وعلى الرغم من اختلاف الأعراق والأديان والثقافات ولكن الحقيقة التي تؤكدها تجارب التاريخ شرحها من قبل الشاعر العربي بقوله:
والناس للناس من عرب ومن عجم بعض لبعض وإن لم يشعروا خدم
وهذه الحقيقة هي التي شرحها الصوفي العارف بقوله: الناس للناس والكل بالله.
الجميل كاسمه، والمعروف كرسمه، والخير كطعمه، وهي حقائق شرحها نص نبوي كريم رفعه الرسول إلى ربه: ليس كل مصل يصلي وإنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي وكف شهواته عن محارمي وآوى الغريب ورحم المصاب وكسا العريان.
إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه، ولو أن تلقى الناس بوجه طلق، وغفر الله لبغي من بغايا بني إسرائيل رأت كلباً يلحس الثرى من العطش فنزلت بئراً فملأت خفها ماء فسقت الكلب فشكر الله لها فغفر لها.
وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى
جيران على كوكب واحد حقيقة شرحها النبي الكريم بقوله: ما من مسلم يغرس غرساً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة، وشرحتها نصوص القرآن الكبيرة الظاهرة فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
وحين مضى التعصب إلى غايته في منع الخير عن المختلف في المذهب أو الدين أو الطريقة راح النبي يضرب لهم أروع الأمثلة من الأفق الإنساني البعيد:
قال رجل لأتصدقن الليلة بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبح الناس يتحدثون: تصدق على زانية!! فقال : اللهم لك الحمد على زانية!! لأتصدقن الليلة بصدقة، فوضعها في يد غني فاصبحوا يتحدثون: تصدق على غني!! قال : اللهم لك الحمد على غني!! لأتصدقن الليلة، فخرج فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق الليلة على سارق!! فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق.
وهنا أخبر النبي الكريم أن الرجل أتي (أي أوحي إليه) فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت، وأما الزانية فلعلها أن تستعف بها عن زنا، ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق أن يستعف بها عن سرقته.
وهنا أختار لشرح هذه الحقيقة عند أهل الله كلام العارف الكبير أبي الحسن النوري حين سأله حيران بن الأضعف فقال: يا معلم: ما مراد الله من خلقه؟
أجاب فوراً: ما هم عليه!!
قال مندهشاً: أو يريد من الكفرة الكفر؟ قال أفيكفرون به وهو كاره؟
ثم قال: أخبرني ماذا أراد الله باختلاف الشيع وتفريق الملل؟
قال أراد إبلاغ قدرته وبيان حكمته وإيجاب لطفه وظهور عدله وإحسانه.
وكل قبيح إن نسبت لحسنه … أتتك معاني الحسن فيه تسارع
يكمل نقصان القبيح جماله …… فمـــا ثم نقصان ولا ثم باشع
في الحقيقة لم أكن أريد أن يكون تقديم هذه الدراسة على هذا النسق من كلام أهل الإشراق، حيث أن المقالات في غالبها تنطلق من قراءة سياسية معاصرة، ولكنني لا أكتمك أن إحساسي بإخاء الإنسان للإنسان لم يكن نتيجة قراءة سياسية، فأنا معك تماماً أن عصر الحروب الكولونيالية السابق والحروب الأمريكية اليوم لا يترك مجالاً لتفكير كهذا، ولكن ذلك في الحقيقة كان نتيجة التأمل في مشهد واحد لا يزال يرتسم في خاطري مذ عرفت الله، وهو يقيني بروحه سبحانه التي ينفحها كل يوم في روح الإنسان، ويمينه سبحانه التي مسحت جبين خلقه، ويوم حشد الملائكة في مشهد عظيم، وقدم للجمهور الكبير في الملأ الأعلى مشروعه في الأرض المسمى آدم، سراً من سره، ونوراً من نوره، وأمر الملائكة جميعاً أن يخروا له ساجدين، لم يكن آنذاك نبي ولا كتاب، ولا وحي ولا شريعة، ولكن الإنسان كان محلاً للتكريم، وعلى الإنسان أن يكتشف سره في ذاته، تماما كما عبر إقبال على لسان آدم:
إن سري.. يوم نــادى مهرجـــــــانـه
أمر الكل فخروا… فحباني صولجانه!
وحين يعتز الإنسان بماضيه المجيد في حضن الملأ الأعلى، لا يرى في هبوطه من السماء إلا استمراراً لرسالة شريفة خلق من أجلها، وهي أن يملأ العالم بالعبادة والحب، فيسأل في تمرد:
ما الذي تفعله العباد في قصر السماء؟
بين سجاد وريحــــان وبخور ومــاء؟
هم من الخلد سكــارى وأنا أحفر لحدي
أحمل الدنيا شريداً أعصر الصخر لوحدي
أنــــــــــا لما أعبد الله بحرماني وجوعي
لن ترى في الملأ الأعلى كمثلي في خصوعي
قل لمن يسـأل عني أنا شيخ الحضرتيــــــــن
إن عبداً لوعته الأرض عبد مرتيــــــــــــــــن
إن فكرة الجوار الإنساني على الكوكب ليست فكرة بلهاء تعفينا من التزام الحقوق، وتحولنا إلى مجرد دراويش على طرف الكوكب نرقص في الغسق، ونهز الرؤوس في الضحى لإرادة المستبد كعنزة الزمخشري ، بل هو تشارك ومسؤولية، وكفاح وجراح، ودمعة وابتسامة، وحين نتخلى عن مسؤوليتنا في القرية الكونية فنحن إذن من يخرق وثيقة الجوار، وربما كان أوضح شرح لمسؤولية الجوار ما عبر عنه الرسول الكريم: مثل القائم في حدود الله والراتع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أننا خرقنا في نصيبنا خرقاً فلم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا.
جيران في كوكب الأرض، عنوان كبير لحقائق في الأرض تتعزز كل يوم، ويكتشف الإنسان كل يوم أنه أحوج لأخيه الإنسان من ذي قبل، وأن فكرة صبغ البشرية بلون واحد، وأن الناس على دين ملوكهم هي فكرة استبداد وقهر تنتمي إلى عصر الأباطرة والقياصرة، وليس إلى عصر الأنبياء الذين بشروا في الأرض بقول الله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً، ونادوا في العالم بحقيقة عميقة بعيدة الغور: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعأً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟
جيران في القيم الإنسانية
الخلق كلهم عيال الله
المسلم صديق حبيب للناس والحياة، أليف ودود مع الناس والحياة، علاقته بهذا العالم الكبير من حوله ليست علاقة عدو بعدو، وليست علاقة حاسد بحاقد، وإنما هي علاقة الإنسان بالإنسان، نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم، والخلق كلهم عيال الله، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
إنها قاعدة واضحة صريحة، فالمسلم في الدنيا جزء من هذا العالم والمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، والمؤمن يألف ويؤلف، ولا خير في من لا يألف ولا يؤلف.
لماذا نصر على أن الأصل بين المسلم والعالم الشقاق والصدام، ولم لا نبحث عن المشترك الإنساني؟ أفإن لبسوا البنطال في الأرجل نلبسه في الرؤوس!! وإن لبسوا الإزار على الأكتاف لبسناه الأقدام!! رغبة في المخالفة!! أين هذا الفهم السقيم من موقف رسول الله الذي كان ينظر إلى الحياة بالأمل والعمل، ويثني على كل قوم بما عملوا ولا يبخسهم نصحه.
لم يتردد في استقبال قبلة أهل الكتاب على الرغم من تنكرهم لرسالته، وأمضى نصف عمر الرسالة يشاركهم قبلتهم، وأمضى كل عمر الرسالة يصلي على أنبيائهم، ويوصي باتباع ملة إبراهيم، لم يكن يرى أن رسالته تتمثل في هدم ما أنجزه الأول، بل كان يواصل ما صنعوه ويؤسس على ما أنجزوه، ويؤمن بالمشترك الإنساني، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها، ونصوص القرآن طافحة بهذه الحقيقة، ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك، والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك، كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم، وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا، إلى عشرات النصوص القرآنية التي تدعو الأمة إلى الاعتبار بما أنجزه الأوائل واقتفاء نجاحاتهم فيما وفقوا إليه وتجنب عثراتهم فيما سقطوا فيه.
إن الأمة الإسلامية مدعوة أن تشارك في بنيانها الحضاري سائر الأمم، وليس أن تهدم ما أنجزوه ولا أن تكفر بما حققوه، وإنما نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم.
حين وصل الفاتحون المسلمون إلى بلاد الشام إلى العراق كان يدركون أنهم قادمون على حضارة عريقة، وأن ما أنجزه الإنسان فيها هو محل اعتبار واهتمام وليس من شأن الأمة أن تتنكر لما أنجزه الأولون من خير، لقد كانوا يتعاملون بإيجابية واحترام مع كل منجز إنساني.
لقد سمعت عشرات المرات خطباءنا الأشاوس وهم يتحدثون في مجد الإسلام إن الإسلام حطم الحضارة الرومانية! وحطم الحضارة الفارسية! وحطم الحضارة اليونانية! إنني أعتقد أن هذا ليس مجداً يفاخر به دين ولا هو مجد تفاخر به حضارة، بل الإسلام أكملها وهذبها وأصلحها، الإسلام لم يحطم وإنما بنى وعمر، الإسلام لم يهدم، إنما هدم الفساد وبنى الصلاح، هدم المظالم ورفع شعار العدالة، بنى المنجز الحضاري في حياد، وعلمنا كيف نميز الوسائل من المقاصد، فالكأس التي تشرب بها البرتقال يشرب بها الخمر، وهي هنا حلال وهنا حرام! والكاميرا التي تنقل لنا صورة الحرم هي التي تنقل صورة العاريات، فهنا حلال وهنا حرام، وثقافة الإسلام ثقافة تؤمن بما أنجزه الإنسان وتبني عليه.
ربما كان أجمل اختصار لهذه الحقيقة ما أخرجه البخاري في الصحيح عن الرسول الكريم: مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها وأجملها إلا موضع لبنة، فكان الناس إذا مروا بهذه الدار يقولون ما أحسن هذه الدار، لولا موضع اللبنة، فكنت أنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين.
ليس من شأن المسلم أن يحارب ما أنجزه الناس لأنه لم يصدر عن جانبه، بل المسلم يؤمن بكل خير في الأرض ويعمل لكل صالح في الحياة والإنسان أخو الإنسان أحب أم كره، ولا شك أن مصطلح مصدقاً لما بين يديه المنصوص عليه أربع عشرة مرة في القرآن الكريم يشمل النبوة السابقة والحكمة اللاحقة وكل ما ينجزه الإنسان على صعيد المعرفة والهدى والخير.
قاعدة من ذهب شرحها المعلم جودت سعيد: نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم!!
جيران في هدى الأنبياء
المشتَرَك أكثر مما نعتقد
هذا هو عنوان الكتاب الذي قمت بترجمته للكاتب العزيز البروفسور وليم بيكر ، مؤسس منظمة الكامب (مسيحيون ومسلمون من أجل السلام) والاستاذ بكلية الحقوق في لوس أنجلوس ) (more in common than you think ، وهو الكتاب الثاني له الذي يهتم بشؤون الشرق الأوسط بعد كتابه الشهير ((the theft of a nation الذي تحدث فيه بالوثائق والأدلة عن الأطماع الصهيونية ، والتآمر الدولي الأمريكي خاصة على الشعب الفلسطيني والأمة العربية، مشيراً إلى الآثار السيئة التي يلحقها هذا الموقف المنحاز بمصداقية أمريكا كطليعة في العالم المتقدم ، وقد نشرت دار طلاس بدمشق هذا العمل منذ سنين بالعربية تحت عنوان (سرقة وطن).
إنها محاولة لقراءة مسالة الحوار الديني من زاوية أخرى، زاوية لا تتجه إلى المختلف بقدر ما تتجه إلى المشترك، وتبحث عن نقاط اللقاء أكثر مما تبحث عن مكامن الفراق، وهو لون قد نكون نسيناه في غمرة ما ننجر إليه عادة من اكتشاف مواطن الاختلاف والشقاق، حتى تصبح لغة الحوار المعتاد هي لغة البحث عن مزالق الآخر وأوجه الاختلاف معه ، وهو ما يرغب بارونات الإعلام إظهاره دوماً على أنه النموذج الأكثر نجاحاً في الحوار (الحقيقي).
الكتاب يطرح صيغة أخرى للحوار، صيغة تؤسس على المشترك وتدعو إلى تعزيزه والبناء عليه، ولكن إلى أي مدى يبدو هذا الخيار منطقياً من وجهة النظر الإسلامية ؟
إننا نطرح الحوار عادة على أساس الكشف عن مكامن الفراق المتصورة في العلاقات الاجتماعية، وهنا يبدو النمط (الديداتي السواغارتي) أبرز أشكال الحوار (الديماغوجي) وهو الحوار الذي يرمي إلى إهانة الخصم وإذلاله ، تلبية لمطالب الجمهور الهائج المتحفز أصلاً لسحق الآخر بغرض تحقيق استعلاء أيديولوجي مهما عاد ذلك برهق على المتحاورين والمستمعين جميعاً.
يقدم بيكر في دراسته قراءة سريعة لظاهرة المشترك في العقيدة المسيحية والعقيدة الإسلامية، وهنا أسمح لنفسي أن أستبق الأمور إذ سيبدو ذلك محل جدل غير قليل فيما يتصل بالحديث عن مشترك، ولكن جولة سريعة في نصوص الكتاب العزيز ستجعلك تدرك أن ما نتحدث عنه من المشترك هو في الواقع منهج القرآن الكريم والسنة النبوية.
في القرآن الكريم ترد صيغة: مصدقاً لما بين يديه أربع عشرة مرة، وواضح أن تكرار هذا التعبير يتصل مباشرة بالمقصد القرآني الهادف إلى تعزيز المشترك، ومع أن هذه الصيغة واضحة في التعبير عن ذلك ولكن من المؤكد أن أثرها ظل يتخافت تاريخياً في حمى الإرادات السياسية المتناقضة، حتى غلب على الخطاب التقليدي صيغة: ناسخاً لما بين يديه، أو ناسفاً لما بين يديه، أو مبطلاً لما بين يديه، أو ملغياً لما بين يديه، إلى آخر ما هنالك من صيغ أنانية لا تتفق ومقاصد القرآن كما أوضحته السنة النبوية في التعبير النبوي البليغ بقوله: مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأجملها إلا موضع لبنة ، فكان الناس إذا مروا بها يقولون: ما أحسن هذه الدار لولا موضع هذه اللبنة فكنت أتا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين !! وهو موقف تواضع رائع، يجعلك تؤمن بتكامل سعي الأنبياء، وتدرك أن الإسلام يعترف بثقافة الآخر ويؤمن بتكامل المعرفة، إنه لم يقل أنا البناء كله وإنما قال أنا لبنة في هذا البناء !!.
من البداية رأى النبي الكريم أن يتوجه بقبلته إلى قبلة أهل الكتاب نظراً للمشترك الذي يبدو بشكل ظاهر بين الديانتين ، الأمر الذي أثار قومه في مكة من الوثنيين ولكنه استمر على ذلك أكثر من نصف عمر الرسالة ولولا أن أهل الكتاب فهموا ذلك خطأ ، حين تحدثوا عن قصور في رسالة النبي الكريم وحاجة الرسالة إلى ظهير من مناسكهم لبقي الأمر في إطار الوحدة الفكرية والتشريعية، ثم تمت النعمة على النبي الكريم بتحول القبلة إلى الكعبة المشرفة في مكة.
يكشف المؤلف عن جانب من جوانب الدعاية المضادة للإسلام فيقول :لقد تلقينا على مقاعد الدرس في أمريكا أن الإسلام يكرّس لكراهية السيد المسيح من خلال إنكار صلب المسيح ، وقد كان هذا المعنى من البداهة بحيث لا يفكر أحد بتجاوزه مع أن التأمل البسيط يكشف لك أن إنكار حادثة الصلب لم يكن أبداً بدافع الكراهية أو التخالف بقدر ما كان بدافع زيادة الاحترام للسيد المسيح عليه السلام، والاعتقاد بعصمة الله تعالى له ومعونته بحيث لا يمسه السوء.
ثم يتجه الكاتب لإجراء مقارنات مقاربة بين الصلاة والصوم والزكاة في وعي كل من الديانتين ويظهر المشترك في كل من المنهجين التشريعيين ، ودور العبادة المشترك في دفع المؤمنين للعمل الصالح ، ثم يورد سياقاً متجاوراً للنص المقدس من القرآن والإنجيل ، مشيراً إلى المواضع الكثيرة التي تشترك فيها الآيات بالمقاصد العظيمة للرسالتين.
ويعقد بيكر فصلاً خاصاً للحديث عن المرأة في الإسلام ويستعرض الشبه التي تثار في الغرب عن اضطهاد المرأة في الإسلام ويقدم الأدلة المتضافرة على أن الإسلام أطلق المرأة من مظالم الجاهلية ومنحها أعظم أنواع الحريات ، ويستدل لذلك بالمشاركة الكبيرة للمرأة في عصر الرسالة ، ثم يستعرض مسالة العنف في فصل خاص تحت عنوان الإسلام والجهاد فيتناول الهجوم الغربي على الإسلام على أساس أنه دين العنف والسيف ويقدم الأدلة المتتابعة على أن الجهاد ما هو في الواقع إلا الدفاع المشروع الذي تقره شرائع الأرض كافة ، ويبين أن خطاب العنف الذي يغلب على الشارع الإسلامي ما هو إلا نتيجة طبيعية للقهر والغرور الثقافي الذي يمارسه الغرب كل يوم على البلاد النامية والضعيفة.
في الفصل الأخير يتحدث بيكر عن مستقبل العلاقة بين الغرب والإسلام ، ويكشف الستار عن التضليل الإعلامي الذي يمارس في الغرب على الجاليات الإسلامية حين يصورون على أنهم محض مهاجرين شاردين أو لاجئين سياسيين ليقدم الأدلة على أن الوجود الإسلامي في الغرب أصبح اليوم جزءاً من النسيج الاجتماعي الحقيقي للحياة العامة ، ويحدثك عن المسلمين في أمريكا هذه المرة بلسان الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الذي تحدث في يوم عيد الفطر 1419هجري خلال حفل خاص أقامه للجالية الإسلامية في أمريكا قائلاً : لقد أصبح من الواضح أن الإسلام هو أسرع الأديان نمواً في أمريكا، وقال: إن هذه الظاهرة مدعاة سرور للحكماء، إذ يمكنني أن أقرر هنا أن الأحياء التي يسكنها مسلمون في أمريكا تصبح مباشرة أنظف الأحياء من الكحول والمخدرات والعنف والجنس، بل إنه تحدث عن حياة المسلمين المتحضرة في مجال النظافة والطهارة.
إن منطق تعزيز المشترك الذي يطرحه المؤلف مؤهل أن يكون حاضراً في كل خطاب تحاوري ويمكنك التماس إرهاصاته في منهج الرسول الكريم الذي كان يطرح تعزيز المشترك على أساس من الوعي بخصوصيات الآخر : قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله ، وكذلك قوله : وقل آمنت بما انزل الله من كتاب ، وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير .
جيران في عالم الإشراق
الأوموتو Oomoto حركة روحية دينية يابانية، معناها المصدر أو النبع والحرف الأولo في اللغة اليابانية للتعظيم والتهويل فيكون المعنى النبع العظيم أو المصدر العظيم، وهي طائفة دينية أسستها امرأة يابانية اسمها ناو ديكوشي في نهاية القرن التاسع عشر ، واتبعها جمهور ياباني كبير ونشطت في عهد خليفتها أونيسابارو خلال مطلع القرن العشرين، واستمرت إلى اليوم حيث ينتمي إلى هذه الحركة نحو مائة وثمانين ألف من اليابانيين، ويتركز نشاطهم في إقليم كيوتو في مدينتي كوموكا وإيابي على بعد نحو أربعمائة كيلومتر إلى الغرب من العاصمة طوكيو.
وقد انطلقت الأوموتو من الديانة اليابانية التقليدية الشنتو حيث أعلنت ناو ديكوشي دعوتها لعبادة إله واحد اسمه كامو وهو الخالق العظيم لا شريك له، ورفضت تعدد الآلهة الذي اشتهرت به ديانة الشنتو، ودعت إلى الإيمان باليوم الآخر وإلى الصلاة مرتين كل يوم، والوضوء قبل الصلاة، وإلى التسامح بين الأديان وجواز التعبد بأي دين يدعو إلى وحدانية الخالق.
ومن طريف تقاليد هذه الطائفة أن مؤسسها امرأة، وأن الزعيمة الروحية للطائفة لا تكون إلا امرأة!! واليوم تنشط الطائفة تحت قيادة الزعيمة الروحية الخامسة السيدة كوري ناي، التي تظهر تفهماً كبيراً للعلاقة مع الإسلام.
بالتأكيد لا ينتظر القارئ الكريم هنا أن نقدم تحليلاً فلسفياً لهذه المجموعة الدينية وموقعها في مقارنة الأديان، ولكن المعنى الذي يتجه إليه هذا المقال هو التنبيه إلى نمط فريد من الحوار الديني يمكن أن يكون أساساً للحوار الحضاري البناء .
بدأت الحكاية يوم جاء وفد من زعاماتهم الدينية إلى دمشق وأقاموا ضيوفاً على الشيخ أحمد كفتارو خلال شهر رمضان 1991 وشاركوا المؤمنين في نفحات رمضان وأجواء ليلة القدر، وانتهى بهم الأمر إلى النطق بالشهادتين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وذلك في ليلة القدر على مشهد من نحو خمسة آلاف مستمع في مسجد أبي النور، وحظي هؤلاء بلقاء كريم مع السيد الرئيس الراحل حافظ الأسد خلال عيد الفطر هنأهم فيه على حصادهم الإيماني الروحي، ثم توجهوا إلى زيارة الحرمين الشريفين مع سماحة المفتي العام حيث أدوا مناسك العمرة الشريفة، وعادوا إلى بلادهم.
بالطبع الشارع هنا تحدث عن دخول الأوموتو في الإسلام وكان بالتأكيد حدثاً بهيجاً، وتتابعت الأخبار عن القوم وما نعموا به من نفحات رمضان الروحية وهو المعنى الذي أكده رئيس الوفد السيد كيتارو ديكوشي بقوله خلال زيارة المدينة المنورة: لقد رأيت عموداً من النور ينبعث من قبر النبي الكريم إلى السماء!!
واليوم بعد عشر سنوات من زيارة الأوموتو لدمشق أصبح بالإمكان الحكم بموضوعية عن ثمرات ذلك الحوار الديني الذي انطلق في دمشق عاصمة الحوار والثقافة، وبالفعل فإن الأوموتو في اليابان يتحدثون عن دمشق وزيارتهم لمكة المكرمة على أنها من أعظم مغانمهم الروحية خلال حياتهم ويقدمون طرحاً حضارياً للإسلام كدين عظيم يؤمن بالإنسان والحب والخير، ويعترف بالآخر وثقافته، لقد أغنوا تجربتهم الروحية والإيمانية وأصبحوا أكثر تفهماً لقضايانا، وعبارتهم التي تسمعها منهم دوماً: لقد ربحنا محمداً ولم نخسر ناو!!
في معبدهم الكبير في إيابي قرب كيوتو يمكنك أن تشاهد صورتين كبيرتين للكعبة المشرفة ولقبر النبي الكريم وتحتهما تعليق واضح حول أعظم غنائم الروحية التي جناها زعماؤهم خلال زيارتهم للإسلام، وفي مجلاتهم وأعمالهم التي يصدرونها ذكريات موثقة بالنص والصورة لذلك النعيم الروحي الذي شاركوا فيه خلال شهر رمضان المبارك.
والسؤال الآن هل كان هذا الحوار مع الأوموتو مثمراً؟ وهل حقق النتائج المرجوة بعد عشر سنين؟
من المؤسف أن كثيراً منا لا يعتبر الحوار ناجحاً إلا إذا أدى إلى انخلاع الآخر من ثقافته وتراثه واللحاق بنا، والتبرؤ من كل تراث كان ينتمي إليه، والتصريح بأنه كان في ضلال مبين، وهذا في الواقع هو المنطق الذي كان يسود العصور الوسطى، والذي لا يزال إلى اليوم يسود كثيراً من علاقاتنا وفهومنا، ولعل أقرب الأمثلة إلى ذلك هو إسلام المفكر الفرنسي روجيه غارودي، فحين نطق الرجل بالشهادتين هلل العالم الإسلامي كله ومنح الرجل أعلى الأوسمة من المؤسسات الكبرى في العالم الإسلامي، ولكن عندما أعلن الرجل أنه لم يتخل عن ثقافته الأولى، وأنه لا يفهم في الإسلام ضرورة التبرؤ من كل ثقافة أخرى، واجهه التيار المتعصب بالغضب والنـزق وتتالت الفتاوى بالتحذير منه ومن نشاطه واعتبر مارقاً، وفي أكثر مناسبة تحدث بعضهم عن مؤامرة قام بها الرجل على حدِّ: آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون!!، ولم يشفع له عند هؤلاء موقفه الصلب من قضايانا وجرأته في فضح الأساطير المؤسسة للدولة العبرية، وما لقيه في سبيل ذلك من اللوبي اليهودي الشرس في فرنسا!!
أنها مأساة أخرى من مآسينا حين نختصر موقفنا من الآخر على أساس (اكفر بحضارتك وتعال)، بدلاً من قولنا أضف بالإسلام مجداً إلى ما أنجزه آباؤك وأجدادك!!
إن الأوموتو اليوم يعيشون في اليابان رغدهم الروحي سعداء بتجربتهم الغنية بالتعرف على الإسلام، وهم يتفهمون قضايانا ويعتبرون عمقاً آخر للدفاع عن الإسلام والعرب، ولكنهم لم يفعلوا ما يرغبه بعض الأصدقاء من هدم معابدهم ونسخ تراثهم والوقوف عند خياراتنا الفكرية، لقد مروا بكل تأكيد عند النصوص التي تدعو إلى رفض الآخر وهي نصوص موجودة في كل دين كما يعلم كل باحث، ولكن يجب التأكيد أن سلخ النص من ظروف الزمان والمكان التي تنزل فيها يؤدي إلى إساءة حقيقية في فهم النص، وبالإمكان الوقوف عند نصوص أخرى لا تتردد أبداً في إيواء الآخر بجنة الرغد الروحي من دون أن تلزمه إتلاف حضارته، وهو ما علَّمه الرسول الكريم من خلال صلته بالنجاشي، وأوضح الأمثلة ما ذكره الإمام القرطبي وابن كثير أن النبي الكريم صلى على النجاشي يوم وفاته فاعترض على ذلك بعض الصحابة على أساس أن الرجل كان يصلي إلى بيت المقدس لا إلى الكعبة فأنزل الله تعالى: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم.
أليس من المناسب هنا أن نختتم المقال بالآية الكريمة: ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً!.
جيران…. مع حكماء اسكندنافيا
كان حدثاً سعيداً بالنسبة لي أن أتحدث مرة أخرى في قاعة جامعة هلسنكي العريقة، بعد أن سعدت بزيارتها قبل سبع سنوات بدعوة من العزيز آرنة تويفانين مؤسس المعهد الفنلندي لدراسات الشرق الأوسط وهكي بالفا مدير المعهد، وألقيت فيها عدداً من المحاضرات، حيث كنت أشعر بالفخر وأنا أنظر في كفاح الفيلسوف الفنلندي الكبير المستشرق أوغست فالين الذي ننظر إليه بإكبار في الشرق الإسلامي ونناديه بالاسم الذي اختاره حباً بالعرب والإسلام وهو الحاج عبد الولي، حيث اختارت جامعة هلسنكي العريقة أن تتصدر صورته بالكوفية والعقال العربي صدر قاعة عظيمة فيها سميت باسمه، ولا أشك أبداً أن فالين هو أحد الجسور العظيمة التي انتصبت بين الشرق والغرب تحمل روح الحضارتين ليكمل بعضها بعضاً، وهو يذكرني بكلمة الفيلسوف الكبير اسحق نيوتن الذي قال: إن الإنسان بنى كثيراً من الجدران وقليلاً من الجسور، وأرجو أن أكون هنا على خطى فالين في بناء الجسور بين الشرق والغرب.
أوغست فالين وتوماس كارليل ولامارتين وتولستوي وغوته وبرنارد شو وزيغريد هونكه وروجيه غارودي ومراد هوفمان والأمير تشارلز وغيرهم من أعلام الفكر الأوروبي، أنصفوا الإسلام وساهموا في شرح حقائقه للعالم من أجل تحقيق الإخاء الإنساني في الأرض.
لقد اخترت أن أتحدث تحت عنوان كبير أطلقته هنا قبل سبع سنوات وكتبت عنه فيما بعد عشرات المقالات والدراسات وهو باختصار: احتكار الخلاص.
وباختصار فإنني أعتقد أن احتكار الخلاص هو أكبر أمراض الأمم وأتباع الأديان عبر التاريخ، وهو بالتالي أحد الأسباب الهدامة التي تحول دون قيام تكامل حقيقي بين أبناء آدم في الأرض، وقد جاء الأنبياء ليحاربوا ذلك وهو ما ابتليت به الأمم حيث تم تكريسه كما لو كان أحد الثوابت التي لا تتخلف في كل دين.
لقد ذكر الإسلام مسألة احتكار الجنة واعتبرها مباشرة واحدة من الأخطاء الكبرى التي انجرف إليها أتباع الديانات وذلك في قوله تعالى: وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى، وأخبر القرآن الكريم بصيغة استنكار شديد: تلك أمانيهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.
وحين قالت طائفة من المسلمين مثل ذلك، واستخدمت نفس الأماني رد عليهم القرآن الكريم بقسوة في قول الله تعالى: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً، ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً.
ولا تحتاج هذه الآيات البينات إلى أي تأويل أو استدراك فهي واضحة وضوح الشمس وهي تدفع عن الإسلام أي تهمة في احتكار الخلاص قد يصمه بها أعداؤه.
إن الإسلام لم يتردد أبداً في النص على أن الله سبحانه هو رب العالمين، وأول آية في القرآن الكريم هي: الحمد لله رب العالمين، وآخر آية في القرآن هي أن الله رب الناس ملك الناس إله الناس، فلم يقل رب المسلمين ولا العرب ولا المؤمنين بل جعل سائر الخلق دون استثناء عيالاً له، تماماً كما قال الرسول الكريم: الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
إن الله واحد ولكن أسماءه كثيرة والحقيقة واحدة ولكن الطرق إليها كثيرة والإشراق واحد ولكن الأديان متعددة، والحب واحد ولكن القلوب كثيرة.
وفي القرآن الكريم تكرر مرتين قول الله تعالى: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
بل إن القرآن الكريم اشتمل على أربع عشرة مرة تكرر فيها قول الله تعالى: مصدقا لما بين يديه، فهو لم يقل: مبطلاً لما بين يديه أو ناسخاً لما بين يديه أو ناسفاً لما بين يديه، أو ملغياً لما بين يديه، بل قال مصدقاً لما بين يديه ومهيمناً عليه، وهذا المعنى يشمل التوراة والزبور والإنجيل من الكتب السابقة ويشمل الحكمة والعلم مما يتطابق مع المقاصد العظيمة للدين الحق.
ليس لدي أدنى شك في أن الإسلام لله هو دين الله للعالم، وأن التوحيد هو حق الله على العبيد، وقد شرحه القرآن بالآية: بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وكذلك قوله: ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً.
ومع أن احتكار الخلاص جدل يختص بالشأن الأخروي ويفصل فيه الله سبحانه ولكن دعني أصارحك بأن آثاره السيئة تفسد الأرض وتنشر فيها الفساد، وربما كانت معاناة العرب والمسلمين منذ نحو تسعين عاماً من الصراع مع الصهاينة نتيجة هذه الفكرة المجنونة التي جعلت اليهودي يعتقد أنه شعب الله المختار وأنه الوحيد المستحق للخلاص والجنة وأن شعوب الأرض غوييم خلقوا لخدمته والطبطبة على رغباته، ومن المؤلم أن هذا القدر من الشر الذي هو نتيجة انحراف ديني فاضح يتبناه اليوم تيار غير قليل من مسيحيي الغرب وفق تفسير ظاهري لأخبار العهد القديم، وإذا كان اعتناق اليهودي لفكرة احتكار الخلاص مفهوماً فإن ما يستعصي على الفهم هو اعتناق الأمريكيين المتصهينين لهذا اللون من التفكير الظالم ولحساب اليهود فقط، وبالتالي تجييش طاقات أمريكا الجبارة من أجل إنجاز رغبات الرب بالاهتمام بشعبه وهيكله وشمعدانه وخلاصه على حساب الشعوب الأخرى!!
ولا شك أن الحديث عن احتكار الخلاص في الجانب اللاهوتي هو بعينه ما قادهم اليوم من حيث يريدون أو لا يريدون إلى احتكار الحياة واحتكار الحضارة ذلك أن المرء عندما يوقن أن الله لا ينظر إلى عمل الآخر فما الذي يدعوني إذن إلى حبه واحترامه والإشفاق عليه، وعلينا أن نتذكر كيف انصرف اليهود إلى استباحة الربا والزنا مع غير أبناء دينهم، على الرغم من تحريم ذلك في دينهم والحجة كما هو معلوم أن الآخر هذا غير مؤمن وهو بالتالي غير جدير أن يدخل إلى الملكوت الإلهي.
وهنا أستعين بكلمة الصديق العزيز بول هاك صاحب كتاب التجديد الديني في سوريا خلال حوار مفتوح هنا: إن عقيدة احتكار الخلاص هي التي قادت الأمريكيين للتورط في احتكار الحياة والحضارة عن الشعوب الأخرى.
لست مضطراً هنا أن أذكر صيحات الفرسان الذين شاركوا في حروب الفرنجة على الشرق ودوافعهم الإقصائية التي كانت تحركهم تحت عنوان مواجهة الكافر الذي ليس أهلاً للخلاص الأبدي على يد المخلص، وهو ما رأيناه في الصيف الماضي عندما أمعنت أمريكا في منح إسرائيل حق قصف لبنان كله بسهله وجبله وبره وبحره ومسلميه ومسيحييه وسنته وشيعته تحت عنوان جلي: حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها!! وعنوان خفي: حق الشعب المختار أن يلهو بالأرواح والشعوب الأخرى!!
حين يصر الأمريكيون على الدفاع عن حق إسرائيل في الوجود ولا يستشهدون بأدنى كلمة عن حق الفلسطينيين في الوجود والحياة أليس هذا لوناً من احتكار الحياة؟ وحين يتحدثون بكل لؤم عن حق إسرائيل في تحرير أسيريها ولو جر ذلك إلى حرب كاملة وأنهار من دماء الأبرياء ولا يتحدثون أبداً عن حق عشرة آلاف فلسطيني أسير في الحرية والحياة فكيف يمكن أن تقنعني أنهم لا يؤمنون بأسطورة الشعب المختار؟ وحين يرفض بولتون (الآفل) حتى مجرد إدانة شكلية لجرائم إسرائيل في بيت حانون في مجلس الأمن فكيف يمكن تفسير ذلك؟؟
وأخيراً دعنا نتأمل في تصريح للبيت الأبيض: إن واشنطن تعتبر إقدام قطر على دفع رواتب القطاع الصحي وقطاع التعليم للفلسطينيين عملاً مخالفاً للاتفاقيات الدولية!!
وهكذا يصبح احتضان المشافي والجامعات لشعب فقير عملاً شائناً إرهابياً لسبب واحد وهو أنه يأتي خلاف إرادة الشعب المختار، فهل يمكن تسمية ذلك بأقل من احتكار الحياة؟.
جيران…. على شاطئي المتوسط
حين تدخل إلى مكتبها الصغير في واحد من أهم المواقع في العالم في ستراسبورغ حيث اختارت أوروبا أن تقيم شهر عسلها بعد إنجاز الاتحاد الأوروبي أرقى تجربة وحدوية في الأرض، تشعر بأن باتريك باتري النائبة الأوروبية البارزة ورئيسة لجنة العلاقات مع بلدان المشرق العربي تشع بعينيها الدافئتين لتقول حتى الثمالة أنا عربية!! كل شيء في مكتبها بالبرلمان الأوروبي يضج بالعروبة والإسلام، لا مكان على جدارها لأي ذكرى أمريكية أو كندية أو بريطانية فقد احتشد جدارها بالأيام العربية والصحراء العربية، وحين كنت أجول بعيني في مكتبها كنت أتذكر كفاح سناء محيدلي وحميدة الطاهر وسهى بشارة وراشيل كوري السيدة الأمريكية الجبارة التي قدمت صدرها تحت جنازير الجرافات الإسرائيلية من أجل أن تقول للعالم إن الشعب الفلسطيني يستحق الحياة!!
ما الذي يجعل تلك السيدة الوادعة القادمة من الريف الفرنسي الهادئ الأخضر، والتي اختارها الأوروبيون نائباً لهم في ستراسبورغ رمز القارة الأوروبية الموحدة، تختار عشقاً فريداًً للصحراء العربية وتملأ جدارها بلوحات ذات دلالة من الأرض العربية والصحراء العربية والتاريخ العربي؟
كثيرون يعتقدون أن وراء الأمر سراً وربما كانت هذه السيدة تعمل لحساب مشروع ما، وسألني صاحبي ما الذي يجعلنا نثق بهذه السيدة ولماذا لا تكون جزءاً من مؤامرة كبيرة لاستجلاب الثناء العربي ومن ثم لتطعن بنا في الظهر، وفي الواقع فإن سؤالاً كهذا على الرغم من وجاهته مخابراتياً، ولكنه سؤال محير يكشف لك عن شكوكنا في عدالة قضيتنا، وشكوكنا بالإنسان!! وكان ينبغي أن يكون الجواب: ولكن لماذا لم تكن كل سيدات العالم بهذا الاندفاع في نصرة قضايانا؟ أليس الإنسان نفحة من روح الله؟ ألسنا على الحق؟ أليس العدل والخير هما الهدف الأسمى الذي خلق من أجله الله الأرض والسموات؟؟
وإلى جانب صور مراكش والقاهرة ولبنان والأقصى فإن الصورة المحببة إليها هي دير مار موسى الحبشي في صحراء النبك على طريق القريتين حيث شهدت باتري واحدة من أكثر لقاءات الروح تأثيراً وأهمية في حياتها، حين تسلقت ذلك الجبل العالي إلى دير مار موسى في قلب الصحراء حيث لا يرتقي نحوه الطير ولا يهتدي إليه السحاب، لتلتقي هناك بعدد من علماء الشريعة الإسلامية ورجال الكهنوت المسيحيين ليتحدثوا في المشترك الإنساني الرائع الذي يلتقي عليه أبناء الأنبياء هنا في سوريا كما لم يلتقوا عليه في أي مكان آخر في العالم.
لست هنا من أحل أن أسجل دعاية مجانية لدير مار موسى الحبشي، ولكنني أريد أن ارسم ببساطة أن صورة الإخاء الديني التي ترتسم في سوريا تقدم نموذجاً فريداً للعالم حين يصبح الخطاب الديني وحداً من أبرز معالم التلاقي والتواصل والتراحم.
أتذكر جيداً لقاء باتريك باتري بالمشاركين في الدير الحبشي والرسالة التي حملتها لهم، نحن في أوربا اكتوينا بنار الحروب الدينية، لدينا حرب الثلاثين عاماً ولدينا حرب السبعين عاماً وحرب المائة عام، لقد جرى ذلك كله بمباركة من رجال الدين وتحميس منهم، لقد قتل الإنسان أخاه، والقى الكاثوليك بالبروتستانت من الشرفات العالية طالبين بشماتة أن تخلصهم العذراء إن كانوا على حق، وطار بطرس الناسك برسالة البابا أوربان الثاني إلى بلاد الوندال والبافار والسكسون والبروسيين والجرمان والفرنجة يحشدهم في حروب طاحنة لا معنى لها إلا الانتصار للأوهام، ولكنكم في الشرق العربي قدمتم نموذجاً متحضراً للإخاء الديني ومن اليوم الذي وصل فيه طلائع الفاتحين فإن معارككم لم تعرف البعد الديني، وظلت دفاعاً مشروعاً عن الأرض، وظهر التلاحم الإسلامي والمسيحي في رد هجمات الفرنجة حين كان الأوروبيون يدفعون الأثمان الباهظة لمطامع الفرسان الإلهيين الذين يحملون رسالة من الرب لإحراق الدنيا وقتل الحياة.
ولكن هذه الآمال الكبيرة ستصطدم بكل تأكيد بصخرة الواقع العربي المحبط الذي أفرزه الاحتلال اليوم في فلسطين والعراق والذي يؤسس لحرب قبلية عشائرية لاهوتية يحيط بها أعجب خليط من التناحر الذي لا يمكن تبريره إلا في خصام الوهم والجهل.
فهل يدرك هؤلاء المتطاحنون الهائجون في العراق وفلسطين أنهم بحروبهم العشائرية هذه يعصون الله ألف مرة ويسيئون لقيم الإسلام، وأنهم صاروا فتنة للناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط؟
قبل سنين بعيدة كان الشيخ أحمد كفتارو رحمه الله مدعواً إلى أمريكا حين اجتمع حوله إخوانه من الشيوخ يودعونه في مطار دمشق في رحلة مبكرة للدعاة الإسلاميين من سوريا إلى العالم الحديث حين قال لهم مفاجئاً: لقد أعددت لكل شيء عدته في سفري هذا، ولدي عدد من المحاضرات أعددتها بإتقان، ولدي مترجم ممتاز هو السيد فاروق آق بيق، وأعتقد أنه قادر على أن ينقل رسالتي للمستمعين، ولكن هناك سؤالاً واحداً يحيرني ولا أجد له جواباً؟؟ وحين سأله إخوانه ما هو هذا السؤال؟ ولماذا يقلقه ولم يجد له جواباً وقال له أحدهم بإمكاننا أن نساعدك في البحث في بطون الكتب عن جواب لتساؤلك؟؟ قال لهم بتأمل: لو كان الجواب في بطون الكتب لوجدته ولكن المشكلة أنه غير مكتوب في الكتب!! وحين اكتملت الحيرة في وجوه محدثيه قال لهم: إنني سأمضي إلى الأمريكيين وسأقول للعالم المتحضر إن الإسلام الذي ندعو إليه هو الرحمة والأخوة والإخاء وهو التقدم والحضارة والبناء، وهو الصناعة والرفاه والمساواة، ولكن ماذا لو سألني الناس، لماذا أنتم هكذا؟؟ إذا كان الإسلام كما تقول فإن واقعكم يكذب ذلك كله؟
أسمع كلامك يعجبني أشوف عمايلك أتكدر؟
وبالعودة إلى أصدقائنا في الغرب فإنني أعتقد أن هذا الغرب كما الشرق امتدت إليه يمين الرحمن فمسحت وجوه الناس إذ نفحتهم نعمة الحياة، وحكماؤهم كتبوا تراثهم وفلسفتهم على نهج الأنبياء، وهو جانب دقيق كشف عنه الفيلسوف المسلم نديم الجسر في كتابه قصة الإيمان الذي قدم ألف دليل أن ما كتبه الفلاسفة في العالم في معظمه لا يخرج عن مشكاة النبوة، وقد هداهم الله بالعقل إلى ما هدى إليه الأنبياء بالوحي، ولا يوجد وجه في الاعتقاد يجعلك تواجه الناس بالريبة تأسيسا على أعراقهم وأنسابهم، ولا على أساس أعمال مغامريهم من المحاربين والبلطجية الذين يوقدون الحرب في الأرض، وكلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يجب المفسدين.
متى نتمكن من فك شفرة الحوار بين البشر الذين يؤمنون بالله في السماء والإنسان في الأرض، وندرك أن قيم الإسلام في المرحمة لا تزال تحظى باحترام العالم، ولا تزال تثير الأشواق لدى ناشدي الحرية في كل مكان في الأرض، على الرغم من الجنون الذي نكابده كلما شاهدنا نشرة أخبار مصورة عن العواصم العربية المحترقة، من وجهة نظري فإن أكثر ما يؤلمني هو أن قيم الإسلام في الحب والرحمة والإخاء التي صارت اليوم مشتركاً إنسانياً غنياً يشترك فيه الحكماء، وهي تحظى باحترام العالم صارت غريبة في بلاد الإسلام، وخاصة في التيارات المتعصبة التي تركت كل تسامح الإسلام وراحت تتعقب صفحات هائمة من التراث الأصفر، وكاتباً هنا وكاتباً هناك من أجل أن تعثر على هفوة أو سهوة تحقق لها غريزتها في التكفير والتفسيق والزندقة، وبالتالي إنشاء حروب كافية جديدة تتأسس على الاتهامات بالكفر والزندقة!!
إنها شكوى مؤلمة أحرقت من قبل روح إقبال فضج بصراخه إلى الملأ الأعلى فملأه صخباً:
لما اشتكى لله إسرافيل من شكواي قال بحرقة وتنهد
هذا الفتى قبل الأوان يريد أن ينهي الحياة بشعره المتمرد
فاجابه صوت أليس أشد من هذي النهاية ما ترى يا سيدي
إحرام أهل الصين داخل سورها وهمود مكة في جوار محمد!!
جيران….. مسلمون وشيوعيون
يا عمال العالم … صلوا على النبي
قد يكون عنواناً صادماً أن تتحدث عن المشترك بين الإسلام والشيوعية، فهناك تاريخ من الصراع لا يمكن القفز فوقه، وهناك منطلقات نظرية ترسم صورة لتناقض حاد بين الفكرتين حتى النخاع.
هكذا كانت تراودني هذه الأفكار وأنا أستعد للذهاب إلى الحفل الذي تقيمه قيادة الحزب الشيوعي في سورية والتي استفقدني فيها العزيز حنين نمر بكلمة رئيسية.
كان حشداً هائلاً ذلك الذي احتضنته صالة الزهراء في دمشق، وحين صعدت المنصة كان هناك أكثر من استفهام على معنى وجود نائب إسلامي في ناد شيوعي، قلت لهم: لست أجهل معنى وجودي بينكم هذه الليلة، وقد رأيت من واجبي المشاركة وفق منطق القرآن الكريم وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها.
لقد جئت هنا لأؤكد أن الأحزاب التي تعادي الدين هي أحزاب غير موجودة في سورية، لا يمكن لأحد أن يكفر بتاريخه وهويته، قد لا نكون في سورية في مركز العالم التقني وقد لا نكون في مركز العالم المالي أو التجاري ولكننا بكل تأكيد في مركز العالم الروحي، سورية الأرض التي أنجبت الأنبياء للعالم، وهي تسمى في الشرق الإسلامي أرض الشام الشريف، وتسمى في الغرب المسيحي أرض سورية المقدسة، ومن ينابيعها الصافية يشرب اليوم ثلاثة أرباع سكان الكوكب رحيق الروح الصافي، وهو ما أكده من قبل شاعر الياسمين والحب ودمشق نزار قباني: إنها الأرض التي تنبت قمحاً وأنبياء.
لقد تبادلنا الريب طويلاً وكان كل منا ينظر إلى الآخر بعين التهمة، وكنا نصفكم في المساجد بالكفار المرتهنين للخارج، وكان خطابكم أيضاً يكرر وصف الظلاميين والرجعيين في إشارة غير بريئة، ولكن ذلك تغير مع زيادة الوعي، وأدركنا اليوم أننا مستهدفون بغول العولمة المتوحش، وأن المشروع الأمريكي المدمر يتطلب توحد الجهود للدفاع عن سورية في وجه الفوضى الخلاقة التي تحضر لها أمريكا، وكان لا بد أن يلتقي الشرفاء في خندق واحد وهو بالضبط خندق المقاومة الذي يلتف هلاله اليوم من طهران إلى غزة في تحد صارم لإرادة الشر المتوحشة التي تتربص بالعباد والبلاد.
لقد زالت تلك الحدود الدموية التي تعصف بالأفكار، إننا ننتمي لدين يقول قرآنه ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً، ولم يعد الخطاب الشيوعي هنا ينطلق من رؤية الدين أفيون الشعوب، ولولا ذلك ما كنت موجوداً بينكم الآن، وأدرك الناس القيم المشتركة بين الإسلام وثورة الكادحين، وأدركوا الفارق الواضح بين الإسلام المستنير وبين السلوك التكفيري الذي يشوه الإسلام.
لست هنا من أجل أن أبشر بإسلام أحمر، ولا أزعم أن الرفاق الشيوعيين قد تنسكوا وبدؤوا ينظمون أفواج الحج، ولكنني مصر على أن المشترك بيننا أكثر مما يظن أعداء هذه الأمة، وبدون تردد فإنني أقول إن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي شرط لدخول الجنة ولكنها ليست شرطاً لدخول الوطن، فالوطن لكل أبنائه، دعونا نشترك في بناء الأرض ونترك أمر الحساب لله سبحانه، قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
إنني لا أجهل التناقض الفكري بين مشروعينا، وعلي أن أكون صريحاً وواضحاً وأعلم أنه من العسير أن نتحدث عن المشترك بين الإسلام والشيوعية، وسيواجه تفكير كهذا بسلسلة من الذكريات الدامية التي طبعت علاقة الإسلام بالحركة الشيوعية، ولعل القارئ لهذا المقال سيواجهني بما دونته في كتابي: أشواق داغستان، والذي شرحت فيه فصلاً من الكفاح الإسلامي في الشيشان ضد الثورة البلشفية، وهو أمر لا يمكن نسيانه بجرة قلم، إرضاء لزيد أو عبيد.
ولكن بعيداً عن السياسة والإيديولوجيا معاً فإن جولة في مقاصد الإسلام الأولى تكشف لك كم كان الإسلام ملهماً للحركة الاشتراكية، ولن تخطئ العين مشهد الثائر أبي ذر يلهم الاشتراكيين في كل زمان، وهو يقرع رؤوس الخلفاء المترفين بخطاب القرآن الكريم والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله لهم عذاب أليم، ويصدع في وجوههم بقول النبي محمد: ما آمن بي ساعة من نهار من أمسى شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم!!
وحين واجهه خطاب الاستبداد بالديماغوجيا على أساس أن المال مال الله ونحن نحفظه بإرادة الله، صرخ أبو ذر: بل هو مال الأمة وقد استأمنكم عليه الله، لتردوه في عباده، وإن الله غني عن العالمين!!.
لم تكن مواقفه تلك بدعاً في تاريخ الأمة ينبغي الاعتذار منه بل كانت قراءة ثورية لمقاصد النص، قدمها أبو ذر للتاريخ، وتعلمنا منها الكثير حتى أفردها باحث إسلامي شهير هو الدكتور مصطفى السباعي في كتاب خاص بعنوان: اشتراكية الإسلام.
وحتى في إطار الفكر فإن الأنبياء الذين كانوا يبشرون بالحب والسلام كانوا أيضاً يمتلكون عزيمة الثورة حين تكون الثورة ضرورية لإيقاظ الإرادة الخاملة، حتى المسيح نفسه نبي الحب والسلام دخل الهيكل غاضباً على تجار الدين وقلب عليهم الموائد وقال لهم الويل لكم أيها الكتبة المراؤون يا أبناء الأفاعي، إن أبي جعل بيته داراً للرحمة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!!.
أما الإسلام فقد كانت رسالته في المقام الأول تحرير العقول من الوهم والخرافة، ولأجل ذلك فقد أطلق حملته الصارمة لكسر الأصنام في الأرض وتحطيم الأيقونات جميعاً، ويمكنني أن أقول بثقة وبرهان، إن الإسلام إذ ختم النبوة فإنه أعلن الانتقال بالإنسان من ضباب الخوارق إلى ضياء السنن ونور العقل.
والإسلام طرح رسالته في الأرض مشروع تحرر رائد التقت عليه آمال الشرفاء في الأرض وخطابه القرآني كان بليغاً واضحاً حين جعل الكفاح في سبيل المستضعفين في الأرض جزءا ًمن الجهاد في سبيل الله حتى قال: وما لكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين في الأرض.
بكل أمانة أشعر أن مقاومة الامبريالية العالمية وبرامجها في سحق الضعفاء والفقراء هي القراءة الدقيقة لجوهر الأمر القرآني بالكفاح في سبيل الله والمستضعفين في الأرض.
إنها ليست قراءة طوباوية لعلاقة مجاملة تفرضها مشاعر ضرورية من الوحدة الوطنية، بل هي اليوم جزء من برنامج حقيقي نحس بتشاركنا معاً فيه، وقد قدمت المقاومة في الداخل والخارج أوضح الأدلة على ذلك، وقبل قليل كنا نستمع للسيد خالد حدادين زعيم الحزب الشيوعي اللبناني وهو يدافع بشراسة عن سلاح المقاومة الإسلامية عن سلاح حزب الله عن سلاح الثورة الإسلامية، وهو بذلك يرسم عمق التشارك في الدفاع عن الوطن ضد المشروع الصهيوني بين الحركة الاشتراكية والتيار الإسلامي.
وعلى الرغم من أن الموقف جد وليس بالهزل، ولكنني أسمح لنفسي أن أختم كلمتي بموقف طريف سمعته من الأخ العزيز خالد مشعل حين تحدث عن ذكريات رجال حماس في السجون الإسرائيلية، فقد كانت إسرائيل تعتقل المناضلين في زنازنها وكان المعتقلون في الغالب شيوعيين وإسلاميين وكانوا يقطعون الوقت في الحوار والجدل في الفكر والتاريخ، وحين كان الجدل يحتدم بينهم وتحمر الحدق وتجحظ الأعناق كانت تجمعهم كلمة بيضاء محببة تزرع في وجوههم البسمة على الرغم من ظلمة الزنازين: يا عمال العالم…… صلوا على النبي…
جيران وحقوق…. مسلمون وكافرون
علي بن أبي طالب أول فدائي في الإسلام، وهو وسام حق ناله أسد الله الغالب يوم الهجرة العظيمة حين عهد إليه الرسول أن ينام على فراشه إلى الصباح من أجل أن يموه على المشركين أمر خروج النبي الكريم من داره، وهو ما سيساعد في تأجيل خروج المشركين في مطاردة النبي الكريم عدة ساعات وهي ضرورية ليكون المهاجر قد غادر مكة..
ولكن مهمة أخرى عهد بها إلى علي وهي بالغة الدلالة نمر علها عادة مرور الكرام وهي أنه كان مكلفاً من قبل الرسول الكريم بإعادة الأمانات إلى أصحابها، فقد كان النبي الكريم أوثق أهل مكة عند قريش وكان اسمه الصادق الأمين، وكانت قريش تضع عنده الودائع، وحين أراد الهجرة رأى من واجبه أن يرد الأمانات إلى أصحابها فعهد بذلك إلى علي بن أبي طالب، وقد كلفه ذلك عناء الخطر الأكيد في سبيل الأمانة.
قال ابن إسحاق : وأقام على بن أبى طالب بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدى عن رسول الله الودائع التى كانت عنده.
لم يكن النبي الكريم يجهل أن قريشاًَ ماضية إلى استباحة ماله ومال أصحابه فقد استباحت دمه قبل ذلك، وما إن خرج من مكة حتى وثبت قريش عبر أبي لهب ومن معه من بني هاشم فباعوا بيت الرسول ومتاعه وبيوت أصحابه وأملاكهم وراحوا يجهزون بها قوافل التجارة إلى الشام، واعتبروها غنيمة مشروعة!!
وحين عاد النبي الكريم بعد ثمانية أعوام يوم فتح مكة قالوا له يا رسول الله ألا تنزل في دارك قال لهم بمرارة: وهل أبقى لنا عقيل من دار؟؟؟
حين أقرأ هذا الموقف النبوي الكريم تأخذني الحيرة من فتاوى باستباحة مال الكافر ومتاعه، والكافر هنا كلمة مطاطة يمكن أن تشمل تسعين بالمائة من سكان الكوكب بدءاً من شارون وبوش إلى بوتين إلى شافيز إلى بانكي مون ثم إلى الشعوب الغربية بحالها، ثم تنسحب هذه الفتاوى على المخالف في العقيدة والمذهب ورأى العالم المشهد العراقي في استباحة الدم والعرض والمال في الحرب الطائفية المقيتة، وحتى لا نتهم بالتهويل فقد سمع العالم تلاوة سوداء لهذه الفتاوى عبر شاشات الإعلام الغربية حين بدأ يطل على الناس القرصان أبو حمزة صاحب اليد الشنكل الذي جعل منه الإعلام الغربي نجماً تلفزيونياً يملأ شاشات الفضاء الغربي ليمارس دوره في الدعوة إلى الله بالقنبلة والبندقية الحسنة، وحين سئل عن إقامته في الغرب بلاد المشركين لم يتردد في قوله: نحن نقيم هنا اضطراراً وهذه الأرض نجسة، ونحن ندخلها لقضاء الحاجة، وباختصار فإن أوروبا هي مرحاض المسلمين!!!
أشعر بالخجل وأنا أروي كلاماً ساقطاً كهذا، وكان من اللائق أن لا أذكر هذه الكلمة هنا لولا أن القرصان المذكور ذكرها في ثلاث محطات أوروبية وشاهدها نحو مائة مليون أوروبي وهو ما يعني تقريباً عشرة آلاف ضعف من سيقرؤون هذا الكتاب على أقل تقدير!!
هل يمكن أن تكون ثقافة لئيمة مسمومة كهذه تنتمي إلى ثقافة المهاجر الأول الصادق الأمين، الذي ترك علياً على فراشه يتعرض لخطر الموت من أجل أن يرد الودائع لأصحابها:
أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
إنها رسالة خالدة قرأها العالم في سلوك الرسول: لا يجوز أن يخرجك سلوك الجاهلية عن موقفك الرباني.
جيران….. مع الاتحاد الأوروبي
هل تتجه أوروبا إلى الإسلام؟ إذا كان المقصود إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت فبالتأكيد فإن الجواب لا، في الوقت الحاضر على الأقل، ولكن إذا كان المقصود بالإسلام هو قيم العدالة والوحدة والمساواة والعمل الصالح فإن الجواب نعم.
هذه القيم في الواقع يمكن قراءتها في بيئتها المخبرية من خلال تجربة الاتحاد الأوروبي، وهو ما وقفت عنده طويلاً في زيارتي الأخيرة لعاصمتي الاتحاد الأوروبي بروكسل وستراسبورغ، ومع أن زيارتي كانت ذات هدف سياسي يتصل بتوقيع اتفاقية الشراكة مع الأوروبيين، وهو ما يقتضي أن نمضي الوقت في التدقيق في كل أطراف الحوار التي نتحدث بها، وأن نتأكد من الترجمة الرسمية لكل كلمة تقال، ولكن أتحداك أن تتغلب على غريزة التأمل في مغزى النجاح الأوروبي الوحدوي والإخفاق المتتالي للتجارب الوحدوية بين البلاد العربية والإسلامية على السواء!!.
بروكسل العاصمة الخجولة الهادئة والتي عانت طويلاً من بطش الاحتلال النازي الجبار في ايام جنونه وبطشه لم تكن تحلم لا هي ولا ملكها ألبير الثاني أن تصبح عاصمة للاتحاد الأوروبي، أوضح تجارب الوحدة السلمية وأنجحها في العالم، وفي الوقت نفسه عاصمة لحلف الناتو الذي يحشر جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون!!
حين تجتاز القنطرة الجبارة الواصلة بين المبنى القديم للبرلمان الأوروبي والمبنى الجديد، فإنك تشعر كما لو كنت في قطار أينشتاين العابر لسرعة الضوء، والمصر على نقلك من عالم الكتلة إلى عالم الطاقة، أو بالتعبير المشائي الفلسفي من الفيزيق إلى الميتافيزيق، وكأن المهندس الأوروبي أراد أن يذكر الناس بالمآسي التي عاشها الأوروبيون في الحروب الدينية والقومية التي أحرقت أوروبا عدة قرون، وكان يمكن أن تستمر قروناً كثيرة أخرى لولا أن أوروبا توقفت عند لحظة من العقل، وهناك كان عليها أن تختار بين أفق الخير وافق الشر، وبالتالي بين أفق الإيمان بالله والإنسان وبين الكفر بالقيم الروحية وتمجيد البطش والغلبة، بين الله الرحمن الرحيم وبين إله القوة والبطش التلمودي، ولكنها على الأقل في سياستها البينية اختارت الحياة ومضت في دربها.
أكثر ما يدهشك في القاعة الهائلة للبرلمان الأوروبي هو غرف الترجمة، فهناك اثنتان وعشرون غرفة ترجمة، وهو عدد اللغات الرسمية التي يتحدث بها النواب الأوروبيون، وببساطة ستدرك أن اللغة الأوروبية متشظية في أكثر من عشرين شكلاً متنافراً ولكن ذلك كله لن يكون مشكلة إذا تحققت إرادة التوحد والبناء، وأدرك الإنسان حاجته لأخيه الإنسان ومصلحته المشتركة في التعاون والوحدة، وأن الخلق كلهم عيال الله، وأن أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، وأقام إرادة الوحدة على أساس من المساواة والمنفعة المتبادلة، فلماذا نعجز اليوم ونحن ننتمي إلى الأمة الواحدة عبر التاريخ ولغتنا واحدة وربنا واحد وقبلتنا واحدة وقرآننا واحد أن نقيم شكلاً حقيقياً من الوحدة?
بالطبع لم يكن لأوروبا أن تنجز تسامحها اللغوي لو لم تنجز من قبل تسامحها الديني والسياسي وتتعامل مع التعددية على أساس من الرغبة في إثراء الحياة دينياً وسياسياً ولغوياً أيضاً، والإقرار بأنه لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، والموافقة على اعتبار ذلك الاختلاف كله لوناً من الإبداع يستحق الإشادة والثناء وليس الريبة والتشكيك.
حين قامت ألمانيا بكفاحها النازي الساحق كان هتلر يتحدث بالمجد الألماني التليد ويذكر عساكره الشجعان بأمجاد ألمانيا في التاريخ، ومراراً مضى يعدد لهم العوائل النبيلة التي تملك بريطانيا وبلجيكا والاسكندنافيا وهي عوائل ألمانية كانت تشرب من الراين العظيم، إذن أليس من حق ألمانيا ان تحكم أوروبا? لقد قدم على إن مجد العرق النازي الأزرق ألف دليل ودليل، كان يصرخ فيهم ببأس شديد ويرتل عليهم آيات زارا من رواية فيلسوف القوة والبطش فريدريك نيتشه كما قدمه فيخته فيلسوف نزعة الاستعلاء الالمانية، صارخاً في مسمع الألمان هبوا أيها الأبطال، أبناء الدم الأزرق المتعالي، إن آباءكم دفعوا ثمناً غالياً لأجل أن تنعموا أنتم بالمجد والشموخ، لا مكان في الأرض للضعفاء، سنقدم مواكب الشجعان للموت حتى تنتصر الإرادة الألمانية الإلهية المجيدة ويدرك العالم أن الرب يريد من أوروبا أن تسجد في خشوع للرايخ للجبار الذي ارتوى بالمجد من الراين العظيم.
هنا لا أعتقد أنه تنقصنا الخبرات الخطابية الألمانية ولكن ما نحتاجه هو أن نقرا نهاية الحكاية في نورمبورغ!!
كان الفوهرر مسكوناً حتى الثمالة بعشق المجد الألماني التليد، وكان يجرم النطق بغير الألمانية، ولا شك أنه ستصيبه الجلطة لو رأى اليوم أن اللغة الألمانية هي مجرد لغة زميلة مع أخواتها اللغات، وأنها تتساوى في الاحترام مع المالطية والبلجيكية، وأنها ليست في الحقيقة لغة الله ولا لغة السماء ولا لغة التاريخ!! إنها محض لغة بين اللغات!
وأنه لم يكن على صواب حين غضب من شكوك المثقفين في المجد الجرماني المقدس، وهو الذي ألقى إلى المحرقة كثيراً من الألمان الذين سمحوا لأنفسهم باعتقاد المساواة مع العالم، وشككوا في تفوق العرق الألماني الجبار، وكان يرى فيهم عفناً بائساً يسيء للنهضة الألمانية الجبارة، وكان يردد دائماً في الألمان أن الخيانة ليست وجهة نظر!!
فهل كان الفوهرر صائباً حين زج بأوروبا في محرقة الحرب الكونية وهو يحسب أنه يحسن صنعاً?
الجواب في ذمة التاريخ ولكن ما يعنينا هنا هو هل يمكن أن نتعلم من الدرس الأوروبي? وهل ندرك نحن المسلمين اليوم في غمار اختلافنا الذي لا ينتهي أن إرادة الوحدة لم تولد في ضمائرنا بعد وإن كنا قد كتبنا عنها المجلدات وسودنا فيها الصحائف المطولة، ونظمنا في هديها القصائد العصماء!!
ما هو السحر الذي وضعه فلاسفة ماستريخت على الوجع الأوروبي الممتد قروناً حتى برئ? وكيف يمكن أن نستورد منه اليوم للمأساة العراقية وللإخفاق العربي منذ أكثر من أربعين عاماً في إنجاز أي شكل من أشكال الوحدة ناهيك عن العالم الإسلامي، وهل هناك سحر ما في نهر الراين العظيم يشرب منه المتحاربون حتى يستبدلوا الحب بالحرب، وينجزوا رسالة الإخاء بعد أن أعمتهم ريح الكراهية?.
بالتأكيد أنا لا أتكلم هنا عن الحب بالمعنى الرومانسي فلست من السذاجة بحيث أتصور أن النعيم الأوروبي هو فورة من المشاعر الصادقة الدافئة، فأنا مسكون بسحر الشرق ولا زلت اعتقد كما يعتقد كثير من فلاسفة أوروبا بأن الروح ماتت هناك منذ زمن طويل وان الحب هرطقة عصفت بها طرطقة الصناعات الفولاذية الثقيلة التي تنتج للعالم بشكل متسارع السيارات القوية المصفحة ذات الدفع الرباعي، والتي لا مكان فيها للرومانس وأوهامه.
ولكن ما نتكلم عنه هنا هو المصالح الأوروبية، نعم ثقافة المصالح التي استيقظت في لحظة عقل وتمكنت من تحقيق اقتسام عادل للسلطة والثروة، وآمنت بحق الإنسان في الحياة والعدل، وحققت التكافل الاجتماعي لشعوبها، ووفرت الضمان الصحي، ووضعت ألف قيد على تحرك الجيوش إلى بلاد الآخرين، ودفعت بالجيش في البناء والتنمية، وجعلت الناس من مختلف أنحاء العالم يتوسلون إلى السيد الأوروبي، وبعد أن كان الشهداء يتزاحمون لقتال المحتل الأوروبي ويدفعون حياتهم بكل بسالة من أجل إبعاده وطرده، فهؤلاء أبناء الشهداء أنفسهم يتنافسون اليوم على السفارات الأوروبية لتحصيل فيزا دخول وإقامة تسمح لهم بالتمتع بالنعيم الأوروبي!!
ما الذي تغير؟ وفق جودت سعيد فإن الذي تغير هو ظرف المكان، فحين قال الفوهرر: ألمانيا فوق الجميع أحرق العالم!! لأن أحداً لا يريد ولا يرضى أن يكون تحت، وحين قال الألمان الجدد ألمانيا مثل الجميع!! توحدت أوروبا وأنتجت أقوى مثال للتعاون الحقيقي بين الأمم على أساس المساواة والعدالة والكلمة السواء.
إنها بوجه ما إحدى وجوه فهم النص القرآني الكريم: تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم (التساوي في الحقوق والواجبات) أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله (انتهاء الديكتاتوريات والدم الجرماني المقدس).
جيران …… غاندي وغيفارا
وجهاً لوجه: أحمد جبريل وجودت سعيد، نار الثأر وروح الغفران
من وجهة نظري فإن الجامع سمي جامعاً لأنه أولى محافل الأرض بجمع الناس على اختلاف مشاربها وطبائعها وثقافاتها وأديانها، وخطب الجمعة هي في الواقع مؤتمرات مجانية تنعقد كل يوم جمعة تحتشد فيها طاقات المجتمع بأسره ويتاح للناس أن تلتمس بوارق الحقائق من تصادم الأفكار.
كانت المفاجأة في جامع الزهراء بدمشق، فحين فرغنا من صلاة الجمعة كان يمين المحراب هذه المرة من نصيب أستاذين كبيرين هما الشيخ جودت سعيد والمناضل أحمد جبريل، رجل الحب ورجل الحرب، غاندي وغيفارا، فينوس ومارس!!، ومباشرة حملت إلي عيون الناس سؤالاً واحداً: كيف يمكن أن نجمع بين خيار الشيخ جودت سعيد وخيار أحمد جبريل وكل منهما كما هو واضح على طرفي نقيض، فجودت سعيد رجل اللاعنف في المنطقة ويحب أصدقاؤه أن ينادوه بغاندي العرب، وصورته المحببة إليه هي عناقه مع الدالاي لاما حمامة السلام في الهمالايا، ومع أنه يقيم على الشريط الشائك في بير عجم في الجولان فهو يصلي دائماً من أجل السلام، يؤمن بالحب ويكفر بالحرب، فيما يتذكر الناس أحمد جبريل ثائراً منتفضاً على خيار التسوية والمصالحة بكل أطيافها، وقد عصفت انتفاضته الغاضبة بالأيقونات جميعاً ومزقت كل وثائق كامب ديفيد ومشروع فاس وأوسلو وجنيف وشيفاردز تاون وشرم الشيخ، وخرائط السلطة وتفاهمات تنت وخطة الطريق ومبادرة بيروت، ورفعت شعار البندقية، وأطلقت الطيران الشراعي الاستشهادي في قلب كتائب العدو.
ومباشرة حملت السؤال إليهما بصورة صادمة: فينوس ومارس!! أهلاً بكما ، لقد جمعكما المحراب، رمز العنف ورمز اللاعنف، كيف ستتصرفان؟
كان كثير من المصلين الذين يعدون بالآلاف يعتقدون أن المشهد ماض إلى طوشة أكيدة في الاتجاه المعاكس، وأنهما لن يحتاجا فيصل قاسم ليلهب الخصام، وأن الرجلين على دربين متفارقين لا يمكن الجمع بينهما إلا عندما تلعن عقلك!! فهيهات أن يجتمع خطاب المرحمة بخطاب الملحمة، ولكن كيف كانت النتيجة؟
جودت وقف بفرح وحبور وقال بابتسامته المشهورة أهلاً بالمجاهد أحمد جبريل، نحن في درب واحدة، دعني أذكرك بكلمة الشيخ أحمد ياسين حين تم تسليمه من تل أبيب إلى عمان وكان مقيداً إلى نقالة محمولة، وحين سأله صحفي متوثب: كيف ستتصرفون حيال المقاومة؟ وبلغة سهلة بسيطة قال: المقاومة باقية ما بقي الاحتلال!!، وحين سأله الصحفي عن موقفه من الخلاف مع فتح وكيف ستواجهون أربعة عشر فرعاً أمنياً أسستها السلطة الفلسطينية من أجل مواجهة حماس، قال ببساطة: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين.
واضح إذن أن موقف التنوير الإسلامي الذي يقوده جودت سعيد ليس موقفاً أبله كما يتوهمون، وهو لا يفكر بإدارة خده الأيسر لمن لطمه على الأيمن، ولن يعطي إزاره لمن سرق منه رداءه، بل هو حريص أن لا يلطم ولا يلطم، ولا يظلم ولا يظلم، وهو يفرق بوضوح بين الجهاد وبين الفتنة، وهو ما منحه وضوحاً في الرؤية ومضاء في العزيمة.
جبريل بدوره لم يكن في جوابه يناطح الصخر أو يتحدث عن الوهم، لقد تحدث بعفويته وبساطته الودودة موجهاً كلامه بشكل خاص للتلفزيون الدانمركي الذي كان حاضراً يسجل المشهد إياه: ليس لدينا لعنة تاريخية نتوارثها مع اليهود، لدينا هدف واحد عادل وهو العودة إلى فلسطين، إن أمريكا تفهمت مبرر عودة اليهودي التائه الذي يزعم أن آباءه قبل ثلاثة آلاف عام مروا من هنا!! ولكنها لم تتمكن حتى الآن من فهم حق الفلسطيني الذي ولد هو وأبوه وجده على تراب فلسطين والذي لازال يملك أوراق الطابو ومفتاح الدار والغربال والكوفية والماعون والشيشة التي رافقته في رحلة العناء والهرب من مطحنة الموت التي كان يبثها الاحتلال في كل وجه.
سأل الدانمركي بذهول: أحمد جبريل!! ألا تريد أن تلقي باليهود في البحر؟؟ قال أحمد جبريل بعفوية وصدق: كل ما أريده هو العودة إلى أرضي ووطني، وبإمكان كل أهل فلسطين العيش فيها بأمان، هل ترى في هذا أدنى مبالغة أو مكابرة بالمحسوس؟ إنها محض رجاء! لا يختلف عن رجاء كل طائر أن يؤوب إلى عشه وكل مسافر أن يحط عصاه ويستقر به الرحى.
كم هو رائع أن تصغي إلى صوت العقل وعند ذاك لن يكون الاختلاف إلا توسعة على الأمة وربما تكاملاً في إدراك الأدوار من أجل هدف واحد هو تحرير الأرض والإنسان نتناوب فيه الأثر والتأثير.
إن إسرائيل تتصرف مع العرب في براغماتية متناوبة بتناسق أدوار رهيب يخدم في النهاية مصلحة إسرائيلية واحدة، إنهم يحاوروننا ببيريز ويهددوننا بليبرمان ويلعنوننا بشاس ويحقدون علينا بكاخ، ويبتسمون لنا بميرتس ويقصفوننا بأولمرت ويخاتلوننا بمجلي وهبة، ولكنهم في النهاية جميعاً إسرائيليون، فهل تعلمنا منهم؟؟
هنا أتساءل بجد أينا أولى بقول الله تعالى: بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى!!
كان بالإمكان أن نستفيد تماماً من اختلافنا وأن ندرك أنه سيساعدنا كثيراً في تحقيق ما نريد، فاختلاف أمتي رحمة، وأعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس، وهو معنى نظمه زهير ظاظا:
رب قوم في اختلاف حول ذي حسن يدق
يتجلى في اختلاف وهو في الجوهر حق
حين أكتب هذه الكلمات فإن مصارع الفلسطينيين هذا الأسبوع كانت في غاية المرارة فالقتل هذه المرة ليس بيد العدو التاريخي ولكنه بيد رفاق الدرب وإخوة السلاح، ولا يوجد في تاريخ الغدر أبشع من قتل أطفال أبرياء مع سائقهم عن عمد وتصميم، أعرف أطفالاً قتلوا في الحروب في تفجيرات كثيرة ولكنني لا أعرف في تاريخ الغدر في العالم أن أطفالاً أشقاء ثلاثة قتلوا بتصويب مباشر على رؤوسهم في طريقهم إلى المدرسة وهم يحلمون بروح العصافير وبراءة الطفولة، ولكن ما هو أسوأ من الجريمة أن ينتظر فاعلوها الأجر والثناء على أساس أنها نضال تحرري!!
ألا لعنة الله على الظالمين، من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس حميعاً.
فهل يصغي المتقاتلون إلى صوت العقل ويدركون أننا نطبخ كفاحاً ثورياً فارغاً حين نطمس إرادة الحوار، ونصر على ممارسة التكفير في الدين والتخوين في السياسة، وأننا إذ ذاك لا نلتفت على الإطلاق إلى ما بيننا من تشارك في الواقع والمصير، وهو ما سيعود بأفدح الأضرار على الكفاح الفلسطيني.
جيران في غابة!!!… قراءة من البنتاغون
جيران على كوكب واحد مشروع حضاري نادى به الأنبياء والشرفاء والحكماء عبر التاريخ، ولكن هذه الآمال البيضاء تتعرض بين حين وآخر لأشكال من التنكر لقيم الإخاء الإنساني ، ولعل من أبرز أشكال هذا الضلال ما يمارسه بعض المفكرين الغربيين من الإصرار على استعلاء الإنسان الغربي وحقه في التحكم بشعوب الأرض، وهي نظرة تكرست مع مرحلة الاستعمار، واتخذت شكلاً امبريالياً خلال الحرب الباردة، ولكنها مع مطلع القرن الجديد عادت مرة أخرى إلى أعذار العصر الاستعماري وأدواته، وأجازت بغطاء برلماني وديمقراطي تبرير شن حروب جديدة في العالم في العراق وأفغانستان والصومال وغيرها وهي حروب أثبتت بما يقطع الشك أن المستضعفين في الأرض هم فقط من يدفع أثمانها في حين يبقى المستبدون في أبراج من عاج.
فوكوياما مفكر أمريكي غير عادي أطلق رؤيته عام 1992 عبر كتابه الشهير نهاية التاريخ والإنسان الأخير، وتتلخص فكرة الكتاب في أن النمط الليبرالي الغربي الأمريكي هو نموذج المجتمع المثالي الذي كافح الإنسان لبلوغه عبر العصور، وقد اكتمل اليوم تماماً عبر النسخة الأمريكية ولم يبق للأمم إلا أن تدخل في جنته وبراحه.
وفق فوكوياما فإن الله خلق الإنسان ليبرالياً حراً، ديمقراطياً رأسمالياً امبريالياً، ثم لم تزل الأنبياء والحكماء والثوار والقديسون يفسدون مزاجه بدعوات المساواة والاشتراكية والبروليتاريا والعفو والتسامح والصدقة حتى ضمر لديه خيال الإبداع وتحول إلى نسخة مهزوزة لرجل ضعيف، ولا خلاص للإنسان إلا باعتناق الليبرالية من جديد ليعود إلى قوته الأولى يوم كان يطارد الديناصورات والوحوش ويؤمن بسياسة الأقوى.
ومع أن الكتاب من ورق وحبر ولكنه سرعان ما تحول إلى ملهم للجيوش الأمريكية التي تجول في البحار حين منحها بعداً أيديولوجياً ألقى على مهامها الاستعمارية هدفاً أخلاقياً يتمثل في إنقاذ العالم ومنحه الإرادة للدخول في جنة الليبرالية الجديدة التي من أجلها فقط خلق الله الإنسان وعندما تبلغ المجتمعات جنة الليبرالية واقتصاد السوق الحر فإنها تكون تماماً قد أنجزت الجنة الموعودة على الأرض.
المشهد المطلوب اليوم إذن هو تعميد الأمم بزيت العولمة الجديدة وفق القيم الأمريكية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وأنه ليس بعد المشهد الأمريكي مزيد.
إن الحضارة قد ألقت عصاها واستقر بها النوى في النموذج الأمريكي، وأنه الصورة الملائمة لنهاية التاريخ السعيد، وأن على العالم أن يرسم مجده المنشود على نسق اللوحة الأمريكية.
المخلص والمسيا وصاحب الزمان وولي العصر والمهدي المنتظر والمسيح الموعود وكل آمال الأمم في الخلاص، قدمت من واشنطن في مشروع بوش الديمقراطي، وتحققت إرهاصاتها عبر طلة السيدة غونداليزا رايس، وسبق إلى الإيمان بها وعاظ كثير من أهمهم دونالد رامسفيلد وكولن باول وديك تشيني.
من وجهة نظري لا يبتعد فوكوياما كثيراً عن نيتشة الفيلسوف الألماني الجبار الذي قد قلبه من حديد وصخر، وكتب رؤيته على لسان زارا معلناً أن السوبرمان الجديد قادم وأن علينا أن نكف عن إنتاج الضعفاء وأن نمنعهم من الإنجاب وأن نوفر للفقراء موتاً كريما سعيداً حيث لم يعد لهم مكان في هذا العالم، وأن الصدقات والإحسان والمعروف محض مكر من الكسالى والبائسين لسرقة ما جناه الأذكياء بنشاطهم وجدهم ومغامراتهم، وتماماً كمن كان يهيئ للحرب الكونية الجديدة سلم خلفه فيختة مشروعه الفلسفي الغاضب بعنوان ثوري هائج لا لبس فيه: اقهر الضعفاء، اسحقهم اصعد فوق جثثهم، لا مجد للحضارة إلا بعد الخلاص من هذه الطفيليات العابثة، وزوال الإنسان الضعيف ومجيء السوبرمان الموعود!!
ليست مبالغة في شيء أن هذه الأفكار كلها تطل من كتاب فوكوياما، ومع ذلك كله وجد فوكوياما نفسه مدعواً إلى منتدى الحوار الإسلامي الأمريكي، وحين بدأ يشرح نظريته بدا كما لو كان واعظاً محترفاً جاء للتو من التراجيديا المقدسة، بعد أن شاهد عجائب الدار الآخرة وهو يقول بمرارة يا ليت قومي يعلمون.
وفق فوكوياما فإن على الأمريكيين واجب حضاري يستوجب أخلاقياً الاستعلاء على العالم والقيام بمهمة إخراج البشرية من الظلمات إلى النور، وتحطيم النظم الإسلامية والاشتراكية والقومية التي لا تؤمن بالليبرالية والمنتشرة في العواصم الإسلامية السبع وخمسين من أندنوسيا إلى السنغال، وحين تشحن الجيوش الأمريكية آلاف الأحرار عبر فرقاطاتها إلى سجون غوانتانامو وأبو غريب يقول السيد فوكوياما: عجبت لأناس يقادون إلى الجنة بالسلاسل!!
قلت للسيد فوكوياما: إنها نفس النظرية التي قاتلت من أجلها الامبراطوريات في التاريخ ولم تنتصر امبراطورية إلا قالت إنها نهاية التاريخ، وهذا القدر من العقيدة هو عينه ما قاله خطباء الاسكندر وقسطنطين الكبير وجنكيز خان وتيمورلنك ونابليون وغورو، وهو نفسه ما أعلنته الثورة الحمراء في موسكو وتالياً في بكين وفيدل كاسترو في كوبا وبن غوريون، وهو نفس الخطاب الذي يعلنه اليوم أيمن الظواهري وبن لادن وحتى أبو مصعب الزرقاوي وأبو أيوب المصري وعنتر الزوابرة وحسان حطاب على رغم تفاوت الامبراطوريات أو الضيع التي يسيطرون عليها.
لغة أفصح عنها بوضوح الرئيس بوش بقوله: من ليس معنا فهو مع الإرهاب، وهو نقيض مباشر لقول المسيح من ليس ضدي فهو معي، ولكنكم تكررون كلام الاستبداد بعد أن تغلفوه بمصطلحات الحضارة.
اسمح لي أن أقول لك إن لدينا منطقاً آخر في الإسلام تكرر في القرآن الكريم أربع عشرة مرة بصيغة مصدقاً لما بين يديه، وهي الصيغة التي تحمل غاية الاعتزاز بقيم الإسلام وفي الوقت نفسه تكرس احترام عقيدة الآخر ومنطقه وتجربته الحضارية.
إنكم تتحدثون كما لو كانت أمريكاً آلهة بيضاء على شكل تمثال الحرية ولكن فلاسفتكم المجربين يقولون شيئاً آخر، كتب نعوم تشومسكي أحد أبرز الفلاسفة المعاصرين: لقد كتب تشومسكي: “أعتقد أنه لا أمل على الإطلاق في مستقبل أفضل للبشرية، وخاصة مع ازدياد اكتساح النموذج الأمريكي المادي الاستهلاكي على مستوى العالم” وأعاد شرح هذه الحقيقة في كتبه المتتالية “مثلث المقادير” و “قراصنة وقياصرة” و “ثقافة الإرهاب” و “أوهام ضرورية” و “الديمقراطية المعوَّقة”
وفي حزيران 2008 أعلنت المنظمة الدولية لحقوق الإنسان هيومن رايت ووتش أن أمريكا هي أكبر سجان في العالم حيث يبلغ عدد معتقليها أكثر من 2.3 مليون معتقل، ولا شك أن عدداً كبيراً من هؤلاء وجد نفسه في السجون لمجرد مواجهته المغامرات الأمريكية الطائشة التي تتأسس على أن حق أمريكا في سيادة العالم بعد أن وصل التاريخ إلى نهايته بالنموذج الأمريكي الليبرالي.
لا أظن أن شكل الأطماع الأمريكية سيختلف لو لم يأت فوكوياما، ولكن بكل تأكيد فإن عدداً غير قليل من قراصنة العولمة المتوحشة قاموا بارتكاب جرائمهم وهم مرتاحون، بعد أن قدم لهم فوكوياما الدليل المادي وفق تآويل خاصة للكتب المقدسة، جعلتهم يندفعون لارتكاب المزيد من الجرائم المبررة بالحفاظ على النسق الحضاري للأمة.
قلت لمارتن إنديك: كي يكون مؤتمركم متوازناً، فحين تدعون فوكوياما من الغرب، فيجب أن يدعى ابن لادن من الشرق!!
وبعد … فهذه تأملات على بيدر القرية الكونية التي خلق الله فيها الإنسان، إنها بكل تأكيد ليست كافية لرسم منهج الإخاء الإنساني، ولكنها مناسبة لإطلاق قرائح الروح لفهم ملامح الجوار الإنساني الذي نتقاسمه في القرية الكونية، وهي إشارات ستلهمنا البحث عن مزيد من التشارك والتعارف لبناء الحياة وتحقيق التصالح المأمول بين العقل والنقل، أو بين ما جاءت به الشرائع وما أنتجه الكفاح الإنساني من أجل عالم أكثر عدلاً.
للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة، وأرض الله واسعة، وقولوا للناس حسناً، ولا تعثوا في الأرض مفسدين.
تحميل الملف جيران على كوكب واحد