شرف الكلمة
قراءة في رسالة الإعلام الإسلامي
الإعلام في صدر الرسالة
الإسلام رسالة إعلامية، ومنذ أمر النبي الأكرم بالأذان خمس مرات كل يوم فإن رسالة الإعلام تحولت إلى نسك ديني، وقيم الإسلام كاملة تم اختصارها في سبع كلمات يؤديها الأندى صوتاً في كل مكان في الأرض وتصل إلى مسامع الناس، وهي بكل تأكيد إجمال لرسالة الإسلام في نشر الفضيلة والهدى في العالم.
والإعلام في الإسلام مهنة ورسالة ولا يمكن أبداً أن تنفك رسالته عن وسائله، وباختصار فإن ثقافة الأدب والإعلام التي كانت سائدة قبل الإسلام: أعذب الشعر أكذبه، تم إصلاحها إسلامياً على حد قول حسان بن ثابت: وإن أشعر بيت أنت قائله بيت يقال إذا أنشدته صدقا.
ومع أن الإعلام كان في صلب الرسالة الأولى التي قدمها الرسول الكريم، ولكن العالم لم يبن احترامه للنبي الكريم على أساس أن لديه خطابا إعلاميا احترافياً، وإنما سجل احترامه للرسول الكريم حين قدم للعالم مشروع إنقاذ حقيقي، أنجز على الأرض أمة موحدة تسير أمورها بكفاءة واقتدار.
كانت مهمة الرسول الكريم محددة في بيان القرآن الكريم: إن عليك إلا البلاغ، وما على الرسول إلا البلاغ والله يعلم ما تبدون وما تكتمون.
وفي آية أخرى جاء البلاغ مقيداً بقيد ضروري وهو البيان، فقال ما على الرسول إلا البلاغ المبين.
ولكن ما البلاغ المبين؟ هل هو نصوص محكمة الإعداد طافحة بالمحسنات اللغوية والبلاغية من سجع وإطناب وإسهاب واستعارة وكناية؟ هل هو نصوص زرق تحملها خيول بلق على مراكب الملوك يغنيها حداة ملهمون؟ وهل المطلوب أبلغ الخطب العصماء يزجها في مسامع الناس خطباء موهوبون لتقوم على الناس الحجة؟ وبعد ذك يتعين أن يقول العالم إن هذا هو البلاغ المبين وهل معيار البلاغ المبين هو شهادات علماء اللغة والأدب العربي بأن هذا الكلام يحلق في أعلى درج الأدب العربي وان لا مزيد عليه؟
إن المسألة يا صديقي ليست بهذه البساطة ولو كان ذلك كذلك لكان أولى الناس بإقناع الجمهور هم الخطباء العرب الذين يملكون اليوم في مفرداتهم وقواميسهم ما يحسدهم عليه سحبان وائل وقس بن ساعدة الإيادي.
ولكن الحقيقة غير ذلك، في معرض حديثه عن المدينة الفاضلة كتب أفلاطون ما الفائدة من الخطباء إنهم كالقدور النحاسية الفارغة ما إن تطرق واحدة منها حتى تملأ الجو بالصخب وتردد الأصوات، ولن تهدأ بعد ذلك حتى نضع أيدينا عليها.
البلاغ المبين الذي قامت به الحجة يا سيدي كان إنجازاً حققه الرسول الكريم على الأرض العربية حين قدم للعالم صورة المجتمع العربي الجديد، وأثار ذلك دهشة العالم، إن الرسالة التي كتبها للملوك لم تكن شيئاً سحريا في بلاغته وبيانه، ولم تكن لها قوة التمائم التي تحرك خاتم سليمان، ولا قوة الفتيل في مصباح علاء الدين، لقد كانت خطاباً عادياً تم اختيار كلماته من المألوف العربي، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين وإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، وهذا كلام لا يغير بالضرورة وجه العالم، وبإمكان الملوك أن يستأجروا لهم من يكتب مثله أو أبلغ منه، ولكن ما الذي أقنعهم أن يستجيبوا لدعوته أو على الأقل أن ترتعد فرائصهم لإنذاره ووعيده؟
بالمناسبة فالاريسيون من وجهة نطري ليسوا الفلاحين كما شرح الكلمة بذلك عدد من المفسرين، وحتى الآن لم أفهم سر اشتقاق كلمة الفلاح من الأريسي، وأنا هنا أميل لرأي ابن منظور صاحب لسان العرب في أن الأريسيين هم أتباع آريوس الكاهن المسيحي التوحيدي الذي حرمت الكنائس عقيدته فكمان أتباعه يشردون ويطاردون، وكان من مهمة الفتح الإسلامي أن يحمي حرية الاعتقاد ويدافع عن الموحدين.
الجهاد بالكلمة
إن الجهاد الذي تتم ترجمته عادة بالحرب المقدسة، والمقصود هنا بالطبع جهاد الطلب لا جهاد الدفع، هو أمر لم يعد له مبرر في عالم الاتصالات الرهيب هذا، بعد أن كان الفكر الجهادي قد طرحه ضرورة من أجل إتاحة الحرية الدينية ونشر الدين في وجه أولئك الذين يقمعون الحريات ويحولون بين الإنسان وبين اعتقاد ما يشاء.
لقد ظلت بعض الجماعات المتطرفة تتبنى تفسيراً راديكالياً للجهاد، ووجد هذا التفسير مكاناً له حتى في الكتب المحترمة في الفقه الإسلامي، وعلى سبيل المثال نقل عن ابن قدامة المقدسي أن الجهاد هو قتال الناس لإدخالهم في الدين الحق، وهو موقف لا يجوز أن يمر مرور الكرام، بل ينبغي أن يدرك هؤلاء أنهم بهذا يبررون مباشرة الإكراه في الدين وهو ما نهى عنه القرآن الكريم بصريح العبارة: لا إكراه في الدين، وهم بذلك أيضاً يؤكدون ما دأب المستشرقون على اتهام الإسلام به أنه دين العنف والسيف وأنه نشر أفكاره بالسيف إلى آخر الاسطوانة المكرورة التي يعرفها كل أحد.
القتال لنشر دين الله ، والجهاد لإدخال الناس في الدين الحق، والجهاد في سبيل الله لنشر الإيمان في الأرض وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، كلها عناوين نستخدمها في غمرة الحماس في خطابنا الديني ولكننا نقع من حيث نريد أو لا نريد في تشويه متعمد للإسلام، نؤكد به الفكرة الآثمة التي تقتضي أن يتم تحويل الناس عن أديانهم بالإكراه والعنف والقهر.
ربما كان من المفيد أن تقرأ هذه الأبيات التي تحظى بشهرة كبيرة في بيان شجاعة المقاتلين من الصحابة في معارك الجهاد، وهنا يقوم الشاعر بوصف مشهد الإقدام الذي يحمله المجاهدون، وهو غير عابئ على الإطلاق بالانعكاس السلبي الذي يقدمه العنف في عالم أصبحت تتصدر كل دساتيره عبارات الحرية الدينية وعدم جواز الإكراه في الدين:
كأنَّهم إذ غَزَوا فيهم أسودُ شَرَى أقامت الغارةَ الشَّعواءَ في الغَنَمِ
أُسْدٌ جياعٌ ولكنْ ليسَ يشبعُهَا إلا لحومُ العدَى مأدومـــــــــةً بِدَمِ
والناظمونَ عِداهُمْ كلَّ ما طَعَنوا في السُّمر نظْم الطُهاةِ اللَّحْمَ في الوَضَم
يشوونَهم في جحيمِ الحَـربِ توطِئــةً لِشَيِّ آخر أقوى منهُ في الجُحُــــــمِ
من المؤسف أن تكون أبيات كهذه محل إعجاب وثناء وهي تكرس حقيقة الإكراه الذي يعصف بكل أشكال الحوار تحت سنابك الخيل!!
وختى لا نتهم في المبالغة في ذلك فإن واحداً من أ÷م البلاد العربية لا يزال يرفع في صدر العلم صورة السيف على أنه رمز وطني وإسلامي، في حين لا يزال عرب اليمن وعمان يتباهون أمام الشاشات الفضائيات بمشهد الخنجر المعقوف، ويبالغون في إظهار حجمه وضخامته كما لو كان شعاراًَ أو دثاراً أو لوحة من القرآن.
أتصور –محض تصور- لو أن بلداً أوروبياً يرفع في صدر علمه صورة مسدس أو رشاش!! سيكون أمراً مفزعاً ولن نتردد في وصمه بالإرهاب، ولو أن رئيساً أو وزيراً أو برلمانياً غربياً يظهر بشكل دائم حاملاً ساطوراً أو سكين مطبخ ويذهب بها إلى البرلمان أو إلى الوزارة ويباهي بحجمها وشحوذها ولمعانها لكان هذا المشهد مذهلاً بكل المقاييس!! ولتسابقنا خينئذ في وصمه بالبغي والاستبداد والقهر، إنني أقول ببساطة إن هذا الانطباع هو نفسه ما يبعثه لدى العالم المتحضر منظر السيف في صدر العلم، أو مشهد الخنجر المزركش الجاهز للغضب والانتقام..
السيف والمصحف
كان السيف يسير بجوار المصحف ليس لفرض الإيمان على الناس، ولكن لتعلم الملوك أن من حق كل أحد أن يعتقد بما يؤمن، بعد أن بطش المستبدون برجال الدعوة كما في عضل والقارة ويوم الرجيع ورسول النبي إلى غسان، ولو ظلت الرسالة بيد الداعية الأعزل لطوت رمال الصحراء كل إرادة تغيير، ولأصبح الدعاة شواهد مقابر في عصر من الاستبداد كان لا يتردد في البطش بالناس الذين يجرؤون على مقاومة القاعدة السائدة الناس على دين ملوكها.
والسؤال الآن: من هم الذين يجب أن نجاهدهم من أجل هذا الهدف النبيل؟ إن العالم يفتح ذراعيه للفكر الجديد من أي مصدر كان، وأصبحت القاعدة القديمة التي تقضي بإلزام الناس بدين ملوكها مرفوضة عبر كل مؤسسات الدنيا ومجامع الأرض، وأصبح السطر الأول في دستور كل أمة في العالم هو لا إكراه في الدين، وأصبح بإمكانك نشر رسالتك بوسائل لم يحلم بها الأولون في الصحافة والأنترنت والفضاء ووسائل الاتصال المختلفة.
كان مشوار الكلمة من مكة إلى المدينة يستغرق بضعة أيام أما مشوارها إلى الشام أو إلى مصر فقد كان يحسب بالأسابيع، وكان مشوارها إلى أوروبا يحسب بالشهور أما مشوار الكلمة إلى الأرجنتين أو البرازيل أو اليابان فقد كان في عالم الوهم قبل أن تبدأ رحلات السفن التي كانت تستغرق شهوراً طوالاً، ولكن ذلك كله اليوم قد أصبح ذكرى من الماضي وأصبحت سرعة الكلمة تحسب بأجزاء من الثانية، فقد تمكنت تكنولوجيا نقل المعلومات من نقل الكلمة والصوت والصورة والفيديو حول العالم كله في أقل من عشر ثانية!!
كان نقل الفكرة محفوفاً بالمخاطر، وربما أدى إلى مصرع الرسول قبل أن يتمكن من إبلاغ رسالته، ورب صحابي أرسله الرسول الكريم فأكلته في الأرض عوادي السباع والطير قبل أن يبلغ برسالته مبلغها، وكانت الملوك تغضب لسماع كلمة الدعوة وتقوم بقمعها بشتى الوسائل وربما قاموا بقتل الرسل دون أن تطالهم محاسبة أو محاكمة، وحين أرسل النبي الكريم رجاله إلى عضل والقارة قتلوا عن بكرة أبيهم مع أن عددهم كان ثمانية وثلاثين صحابياً كريماً وفي يوم الرجيع أرسل النبي ثمانية من خيار الأصحاب قتلوا جميعاً، وكان بطش المستبد يتربص الدوائر بكلمة الحكمة ويورد أصحابها موارد الجحيم.
ولكن الفكرة اليوم تطوف من أرض إلى أرض وتنتقل من أفق إلى أفق بالصوت والصورة، دون أن تخاف من أحد، أو يتهددها أحد في البر والبحر، ولا تخشى لومة لائم ولا بغي باغ ولا حتى الذئب السارح.
هل يحول بيننا وبين التبليغ أحد؟ لا أعتقد ذلك، بالمقارنة مع الظروف التي كانت تعيشها الدعوة الإسلامية في صدر الإسلام الأول فإن بإمكاننا القول إننا نعيش في العصر الذهبي للتعريف بالإسلام.
مات الرسول الكريم وليس بين يدي المسلمين إلا أوراق متناثرة من المصحف لم تصبح نسخة كاملة متاحة للناس إلا بعد رحيله بأكثر من عشرين عاماً، ومضى أكثر من نصف قرن من عمر الإسلام ولا يوجد في العالم الإسلامي كله إلا سبعة مصاحف فرقها عثمان بن عفان في الأمصار، وكان الوصول إلى القارئ المتقن يتطلب السفر من خراسان إلى الشام، ولكن ذلك كله تغير اليوم ففي مطبعة المدينة للقرآن الكريم تمت طباعة أكثر من مائتي مليون نسخة من القرآن بأكمل الطبعات وأدق الشروحات وأجمل الزخارف وأرخص الأسعار، في صورة لا تقارن أبداً بما اعتاده الناس أيام الإسلام الأولى..
نحن نعيش في العصر الذهبي لطباعة المصحف الشريف، في العصر الذهبي لإذاعات القرآن الكريم وبرامج القرآن الكريم ومحطات القرآن الكريم، في العصر الذهبي لقراء القرآن الكريم وشراحه ومفسريه، في العصر الذهبي لمعاهد القرآن الكريم ومعاهد العلوم الشرعية ولكن ذلك كله لم يغير من الحقيقة شيئاً، وها نحن حتى الآن لا نزال عاجزين عن إقناع العالم بعدالة قضايانا، فلماذا تكون النتائج على هذه الصورة المحزنة؟
الانفتاح للكلمة في العالم المعاصر
إن العالم اليوم ينفتح للأفكار الجديدة بغض النظر عن مصادرها وغاياتها، وهذا من وجهة نظري هو العصر الذهبي للتعريف بالإسلام، وإزالة الحواجز التي نصبها أعداء الإسلام بين الإسلام والعالم وهي الحواجز التي نقوم بوعي أو بدون وعي بالترويج لها وتأكيدها.
إن تطور العالم بهذا الشكل المذهل وإمكانية التواصل والحوار يطرح علينا أسئلة جدية وصارمة، ويدعونا لمراجعة أفكارنا من جديد.
إن الانفتاح الذي يبديه العالم للفكر الجديد لا تخطئه العين في أي مرفق من مرافق المعرفة، فهو متاح في الجامعات والمدارس والمعاهد العلمية وبرامج الإعلام، مع التأكيد بأن التعريف بالإسلام متاح بقدر ما هو متاح أيضاً مهاجمة الإسلام والرد عليه، وينبغي أن ندرك أن هذا ليس نقضاً لشرط الحرية بل هو تحقيق لمضارعة الحق والباطل الذي أكده القرآن الكريم بقول الله تعالى: بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون.
أنا لا أعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من الفضاء الإعلامي فالفضاء المتاح أكثر من المطلوب ولكننا نحتاج إلى إصلاح أنفسنا وتقديم صورة صالحة عن الإسلام، فمن المستحيل إقناع الناس بأن الإسلام رسالة رحمة فيما يقاتل المسلمون بعضهم بعضاً باسم الإسلام على هذا الشكل الوحشي الذي نراه في العراق أو في أفغانستان أو في الجزائر، ومن المستحيل إقناع الناس بأن الإسلام تقدم ونحن لا نزال نستعير أصغر تفاصيل التكنولوجيا، ومن المستحيل إقناع العالم بأن الإسلام رسالة حب ونحن لا نزال نمارس احتكار الخلاص والجنة والحقيقة.
الإعلام الإسلامي اليوم
كنت أتصور أن بإمكاننا أن نغير العالم لو كان لدينا محطة فضائية ناطقة بالإنكليزية نبثها للعالم، إنها بكل تأكيد أحلام وردية ولكنني اليوم لم أعد متحمساً لها، ولا اعتقد أن بإمكاننا أن نغير شيئا بمجرد توفر الأداة الإعلامية، فالمسالة أكبر من هذا بكل تأكيد، وحين نقر اليوم بتأثير الإعلام فيجب أن لا يغيب عن البال أن الإعلام اليوم لا يحترم إلا إذا كان صادقا، وحين نتولى بناء مؤسسة إعلامية كبرى للعالم فما الذي سنقوله للعالم؟ إن نقلنا الحقيقة كما هي في العالم الإسلامي فلن نقنع أحداً، وإن كتبنا شيئاَ آخر غير الحقيقة فلن يحترمنا العالم وسيقول لنا العقلاء في الأرض لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.
لقد كان الخطاب الذي قدمه الرسول الكريم للعالم هو الإنجاز الذي حققه على الأرض قبل أن يكون شيئاً آخر، وكانت أدلة الخطاب الإعلامي الأول من واقع الإنجاز وليس من سطور الإعجاز، وهذا بالضبط ما يكابده الإعلام العربي لتقديمه للعالم.
إننا اليوم في العصر الذهبي للخطابة العربية، وفي العصر الذهبي للدراما العربية، وفي العصر الذهبي للمهرجانات العربية الفنية والشعرية والبلاغية، ولكن ذلك كله لم يرفعنا من وهدة السقوط ولم يمنحنا موقعاً بين الأمم يتناسب مع ما نتغنى به من ماض مجيد.
إقبال كان أوضح من صرح بذلك في رائعته شكوى وجواب شكوى كتب يقول:
منائركم علت في كل ارض ومسجدكم من العباد خالي
وجلجلة الأذن بكل أرض ولكن أين صوت من بلال
وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي
إنه في الواقع عناء شديد ذلك الذي يحمله الخطاب الإعلامي العربي على كتفيه اليوم، خاصة عندما نعجز عن تقديم ما يكافئ الخطاب العربي من العمل العربي، وما يكافؤ الإعلام العربي من البرامج التنموية العربية، وهكذا سيتحول الإعلام العربي ببساطة إلى فن تشيكيلي سوريالي يرسم آماله في الأحلام، ويطالب أن ينتجها إخباريا وهي محض دراما حالمة!!
الإعلام الإسلامي ورسالة البلاغ المبين
قبل سنوات كنت في مسجد الزهراء بالمزة الذي أخطب فيه منذ أكثر من خمس وعشرين سنة وتحدثت عن رسالتنا في البلاغ المبين وواجبنا الديني في تقديم خطاب إعلامي متطور يعرف بالإسلام ويقيم الحجة على العباد، وكنت حذراً وأنا أقول إن مصطلح أهل الفترة ليس مجرد دلالة زمانية تتصل بالفترة بين النبي عيسى والنبي محمد إنه أمر يتصل بالظروف المعرفية والإعلامية، وتماماً كما قال الله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً فإن نجاة أهل الفترة من الحساب مؤكدة بسبب أنهم لم تصلهم رسالة واضحة من خطاب الإيمان، وأنهم معذورون من الحساب كله لأنهم لم يصلهم خطاب إعلامي مقنع يلزمهم الحجة والاستجابة.
كنت أتلفت في حذر صوب الشيخ الثائر جودت سعيد الذي كان يستمع إلي، وتلفت في حذر وبدأت أقول إنني أعتقد أيضاً أن بعض سكان العالم اليوم هم أيضاً من أهل الفترة، ولا يمكن أن نقول إنهم قد وصلهم البلاغ المبين وهم خارج التكليف الشرعي بالإيمان والأحكام، وذهبت أضرب الأمثلة على ذلك بقبائل الخمير الحمر وسكان غابات الأمازون وسكان استراليا الأصليين فهؤلاء جميعاً لم يسمعوا بالإسلام ولا يمكن القول بأن الله سيحاسبهم يوم القيامة، بل هم مشمولون بما شمل به أهل الفترة.
كان جودت سعيد واحدأً من الذين استمعوا لكلمتي تلك، وحين طلب الكلام راح ذلك الثائر الغفاري يشير بدهشة واندفاع للفكرة التي تبنيتها حول أهل الفترة بقوله: إن الشيخ حبش يذكر في أهل الفترة أهل غابات الأمازون وريف ملبورن وقبائل التوتسي والهاوسا، والحقيقة أن أهل الفترة اليوم اسم للملايين من سكان الأرض الذين يسكنون المدن الكبرى ويتابعون أخبارنا بالوسائل المعرفية جميعاً، بل إن أهل الفترة اليوم يسكنون في مدننا وقرانا وبجوار مساجدنا ولكنهم يعرفون الإسلام من خلال سلوكنا وخصامنا وشتاتنا، ويقرؤون عن الإسلام والمسلمين ما يقدمه الإعلام العالمي الذي نعيش اليوم في شتاته وضياعه، فكيف يسلم البريطاني وهو يرى كل يوم أجيالاً جديدة من المهاجرين الذين يعيشون على السوشل الخيري، وبعد ذلك يتنكرون لمجتمعاتهم ولا يحترمون قوانينها ولا معارفها ولا نظمها، ويتعاملون مع البلاد التي حضنتهم وأحسنت إليهم على أنها بلاد كفر ودار حرب، وهنا لا أريد أن أكرر العبارات التي سمعها العالم من أبو حمزة المصري صاحب الشنكل، وهو يتحدث عن عيوب الغرب وخطاياه، وهو خطاب لا يبعد كثيراً عما يحترفه بعض الدعاة الإسلاميين اليوم الذين يتحدثون بأناقة باهرة في قاعات مترفة مكرسين حديثهم لبيان فساد الأمم وهوان الحضارة وظلمة الغرب الكافر، ووجوب انهيار حضارته ودمارها وحتمية حلول الخراب والبؤس بها، ويعتقدون ببواطنهم أن الله أحل لهم ما وصلت أيديهم إليه؟
كيف يمكن للفرنسي أو الأسباني أن يعتنق الإسلام وهو يسمع الهمس في الخفاء بأن الآخر كله من قديسين وصعاليك، وأنبياء وأباليس، وما يعملونه من خير ومعروف هم حطب جهنم هم لها واردون، وأن كل ما قدموه من خير ومعروف للأمم الفقيرة سيقدم الله إليه فيجعله هباء منثوراً يوم القيامة؟
الإعلام بين الحقيقة والرسالة
رسالة الإعلامي العربي أن يقدم أمته بأحسن صورة، ولكن رسالته أيضاً أن يحترم شرف المهنة المنصوص عليه في القرآن الكريم: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين.
وكانوا يفخرون بأنه أخذ علينا العهد أن نقول الحق ولو كان مراً، قل الحق ولو على نفسك، وفي صورة صارمة المسؤولية يصارحك النبي الكريم بوصف الإعلامي المأجور المرتزق بقوله: الساكت عن الحق شيطان أخرس، وفي إشارة واضحة للإعلام المرتزق يقول الرسول الكريم: من مشى مع ظالم يعينه على ظلمه كان عليه من الوزر قيراط، وفي الوقت نفسه يثني على من يقوم برسالته في كلمة الحق بقوله: أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر.
إنها حقول ألغام يتحرك فيها الإعلامي العربي، فهو مطالب بتحسين صورة مجتمعه ومطالب بألا يخون ضميره، وبين عناء رسالتيه فإن الأيام وحدها هي التي تحاكم المسؤول والعابث، وذات يوم سيقول الدهر كلمته، ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً.
ولكن ما هي الحاجة لمزيد من المنابر الإعلامية بعد أن أصبحت الصحف العربية والفضائيات العربية في البر والبحر والجو، ووفرت فرص عمل لآلاف العاطلين والعاطلات، والموهوبين والمعوقين، والصديقين والدجالين، والمرتزقة والاحتياليين، والشرفاء والدنسين، وهي لا تزال تتكاثر كالفطر وتنمو كالعشب وتقول هل من مزبد.
هل لجدل كهذا مكان في مسمع الفضائيات العربية الصاخبة اليوم والتي حولت بيوتنا إلى مواخير عائمة تفعي فيها المومسات تحت هدف واحد بليد وغبي وهو استنزاف اللذة والشهوة وذبح الوقت بالتسلية والعبث، دون أن يكون لها أية رسالة.
ربما يبدو للبعض أن أفضل السبل للهروب من الكارثة هو في تلفزيون الواقع وهو اسم ذكي لإعلام عابث، وهو نمط من الإعلام العربي حول البيوت إلى كبريهات، وتعامل مع الإنسان العربي على أنه كتلة من الغرائز لا يزال يسيل لعابه لكل هز ولز، ولا أعتقد أننا نحتاج لنكرر السؤال: هل يمكن أن تقدم مصانع روتانا جيلاً مقاوماً؟ وبالطبع فليس لي طمع السؤال عن المقاومة الجهادية والفدائية!! فقط أنا أتساءل هنا عن المقاومة الفكرية والاجتماعية، عن موقف إنساني مسؤول لمواجهة تداعيات العولمة، وحماية الذات العربية التي حملت إلى العالم ذات يوم تراث الأنبياء.
هل يستطيع الإعلام الروتاني صناعة جيل مقاوم؟ هل تحتاج لمساعدة صديق أو لسؤال الجمهور حتى تسمع الجواب المر؟ يقول زبينيغو بريجنسكي: إن المجتمع المنغمس في الشهوات لا يستطيع أن يصنع مثلاً أخلاقية!!
تحديات إعلامية في المواجهة
ليس في دائرة الأسرار أن نقول إن الإعلام العربي اليوم لا يزال عالة على الإعلام العالمي، مع أنه ليس ثمة شيء يدعونا إلى الرضا بهذا المكان البائس، ولا يزال جزء كبير من الإعلام العربي إعلام خطابة وتصفيق، ينظر بعين واحدة ويؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، فإن جاءهم بما تهوى أنفسهم أجازوه، وإن جاءهم بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يجحدون.
يتولى الإعلام الغربي المدعوم صهيونياً إبراز عدد من الرموز المتشددة في الإسلام على أنها أهم رموز الدعوة الإسلامية في أوروبا، وحين يظهر على الشاشة هؤلاء المتشددون فإنهم يقدمون كدعاة قادة في حين أن مجتمعاتهم الإسلامية لا ترى فيهم أكثر من صيحات بائسة من التشدد والتطرف، ولكن الإعلام الغربي تمكن أن يصنع منهم نجوماً وأن يجعلهم الناطقين باسم الإسلام، مع أنهم لا يمتلكون من المؤهلات العلمية إلا لحية طويلة وعمامة ضخمة، وحين تفكر بتصحيح هذا السعي المسعور فإنك ستدرك أن من المستحيل أن تطارد المحطات التي نشرت مقابلات كهذه وبالتالي أن تتولى الرد عليها بعد أن طارت في الآفاق واستقرت في المسامع والمدارك.
إننا بالفعل في معركة إعلام، ولا نحتاج للأدلة لندرك سيطرة المؤسسات الصهيونية على وسائل الإعلام، ودورها في التأثير على الرأي العام وقلب الحقائق، وعلى سبيل المثال فإن مشهد محمد الدرة تم إخراجه على شكل طفل يهودي يلبس قبعة يهودية سوداء، يحضنه أب مسكين من المستوطنين الأشكناز ببرنيطة شمعدانية وهو يواجه الرصاص الفلسطيني (الغادر) من مقاتل فلسطيني من كتائب الأقصى متلثم بالغظاظة الفلسطينية !!
ولا يحتاج ذلك التزوير الفاضح ليصدقه العالم أكثر من خبرة تقنية على برامج الكومبيوتر بريمر وكورل وفوتوشوب، ليزرع رأس من شاء على جسد من شاء، ويضع سحنة أبو زيد على وجه أبو عبيد، ومنابر الإعلام الصهيوني جاهزة بعد ذلك لتسويق رؤية كهذه في الإعلام العالمي، وفي غياب القدرة الإعلامية لأصحاب الحق فإن الباطل سيقضي بما يشاء.
وتمكن الإعلام الصهيوني حين عرض ذلك في منابر إعلامية مؤثرة في الغرب ان يحرك شفاه النساء في الغرب اللهم فرج عن شعبك المسكين في ارض ميعاده، وخلصه من الأوباش الكنعانيين، وأيد عبادك المجاهدين في الجيش الأمريكي الواقفين في ثغورك في البر والبحر في حربهم على الإرهاب!!
إن مواجهة الإعلام الصهيوني لا يمكن أن تتم بالتنظير والرؤى إنها مسألة مشاريع جادة يتولاها رجال صادقون يحملون رسالتهم على كتفيهم وينقلون للناس الصورة والخبر يواجهون به مشروع التزوير المتعمد لهويتنا وتاريخنا وحاضرنا، بالحجة والبرهان.
ولكن ذلك بكل تأكيد ليس هو الرسالة، وعلينا ألا نبالغ في تأثير الإعلام، ويجب أن لا ننتظر منه تغيير وجه العالم فالإعلام مجرد مرآة لا بد أن تعكس الواقع بأمانة، ولن يكون مفيداً على الإطلاق أن نرسم صورة بيضاء لواقعنا الأسود، أو نبسط مائدة عسلية لواقعنا الحنظلي.
حجم الإعلام العربي في الإعلام العالمي
الإعلام العربي سابح في هذا الفضاء الذي خلقه الله، وهو مسموع مقروء هنا وهناك ولكن هل نستطيع القول أنه أصبح فاعلاً في معركة التفاعل الحضاري، هل أصبح مؤثراً بالفعل في الخطاب الإعلامي في العالم؟
تبدو لغة الأرقام في هذه الجانب حساسة وبليغة ومؤثرة ولا أعتقد أننا نستطيع تجاوزها هنا، وبإمكان الحاسوب أن يقدم لنا من الأرقام ما يكفي للحجة والبرهان، فالأرقام محايدة وبإمكانها أن تقدم الإجابات بشكل لا جدل فيه.
على الرغم من كل النجاحات التي تكللت بها المسيرة الإعلامية لعدد من المؤسسات الإعلامية العربية، ولكن من الغرور القول بأننا قد أصبحنا اليوم مؤثرين على مستوى الخطاب الإعلامي العالمي، وفي إطلالة سريعة لمعرفة حجمنا الإعلامي الحقيقي في العالم، فأنا أدعوك لقراءة هذه الأرقام:
قناة الجزيرة ربما كانت أبرز نجاح إعلامي عربي مرئي، وقد سجلت ظاهرة مثيرة على الواقع العربي وطرحت أكبر الأسئلة، وتوازيها في التأثير والمنزلة قناة العربية، وعلى الرغم من الإمكانات المادية الهائلة المرصودة لنجاح هاتين لمحطتين فمن حقنا اليوم بعد نحو عشر سنوات من المسيرة الإعلامية لقناة الجزيرة أن نتساءل عن الدور الإعلامي على مستوى العالم الذي حققته الجزيرة في الحقل الإعلامي على الأقل؟
يقدم محرك البحث الجبار غوغل إجابات حاسمة خلال ثوان قليلة لأكثر الأسئلة دقة وصعوبة، فبينما تجد أن قناة الجزيرة على سبيل المثال باسمها الانكليزي aljazeera ورد في موقع غوغل العالمي 2.8 مليون مرة فإن قناة cnn وردت في المحرك نفسه 82.8 مليون مرة، وكذلك فإن كلمة bbc وردت 145 مليون مرة، في حين أن اسم العربية al-arabiya قد ورد 337000 مرة.
ومعنى ذلك أن قناة السي إن إن لا تزال مصدر معلومات يروى عنها في العالم الأخضر أكثر من الجزيرة بنحو ثلاثين مرة وأن قناة البي بي سي لا تزال مصدراً للأخبار أقوى من الجزيرة بنحو خمسين مرة على الأقل.
وعلى صعيد أبرز الكتاب والصحفيين فأعتقد أنك لا تنازعني في دور عميد الصحافيين العرب حسنين هيكل، وهو واحد من أبرز شهود القرن على مهنة القلم والصحافة، ورائد تفاصيلها مهنة للمتاعب وصاحبة للجلالة، وله شهرة طاغية في البلاد العربية ولكن حين نتساءل عن رسالته ودوره في التأثير العالمي فيمكن القول أن اسم أشهر الصحفيين العرب حسنين هيكل تكرر في موقع غوغل في المواقع الانكليزية Hasaneen Haykal بكل احتمالاته نحو 300 مرة في حين أن اسم الكاتب الأمريكي صمويل هنتنغتون “Samuel P. Huntington” تكرر 365000 مرة.
أما على صعيد الصحافة فإن صحيفة الشرق الأوسط العربية أوسع الصحف انتشاراً وهي تطبع في عدد من العواصم العالمية في وقت واحد وتتلقى دعماً خيالياً لتحافظ على موقعها كأبرز صحيفة عربية وأشهرها، ولكن مع ذلك فإن تأثيرها في الثقافة الغربية والصحافة العالمية لا يزال جد محدود، وحتى الآن فإن اسم الشرق الأوسط بصيغته في الصحيفة alsharq al awsat تكرر في موقع غوغل 3540 مرة في حين يتكرر اسم الغارديان وهي صحيفة بريطانية هامة ليست الأكبر أو الأشهر بالطبع guardian ولكنها ذكرت في محرك غوغل نحو 88000 مرة.
ويتكرر اسم القاهرة Cairo في محرك البحث 28 مليون مرة في حين أن London تتكرر 602 مليون مرة، وتتكرر كلمة باريس Paris 597 مليون مرة، ويرد اسم سوريا Syria 102 مليون مرة، في حين يتكرر ذكر فنلندا Finland 217 مليون مرة، ويتكرر اسم فلوريدا Florida وهي ولاية واحدة في أمريكا نحو 633 مليون مرة.
إن متابعة سريعة لهذه الأرقام ستجعلنا ندرك أننا لا زلنا شاطئاً رمادياً في هذا العالم إن لم نقل إننا لا زلنا في الأرض المجهولة المنطفئة النور، ومن المؤلم القول بأن هذه المواقع تذكرنا عادة بالمعنى السلبي وليس بالمعنى الإيجابي، وبوسع كل أحد أن يراقب بالطبع هذه النتائج ويتأكد منها بل ويضيف عليها ويستخلص النتائج والعبر.
أمام حقائق كهذه فمن المؤكد أن واجبنا يقتضي بذل الجهود لإدراك حقيقة ما نعانيه اليوم من شتات معرفي وعلمي، ولنتأكد بعد ذلك أننا لا زلنا الرقم المجهول في هذا العالم.
إن الأمر ليس مجرد حديث عن دلالات تكرر الأسماء، إننا لا نبحث عن بورصة حاسمة للشهرة والمجد، إنها في الحقيقة اقتراب من السؤال الكبير هل قام الإعلام برسالته في تعريف الإنسان بأخيه الإنسان وشرح معاناة البؤساء في الأرض لأهل السطوة والقرار، وهل يقوم الإعلام بما يكفي لشرحنا للعالم كعرب ومسلمين كما بشر النبي الكريم محمد؟
إنها معاناة من داخل الذات ولكن الأمر مرتبط أيضاً بالقدرة على الوصول إلى المنابر الغربية للتصحيح والتصويب ورفع الشبهات ولكن إلى أي مدى تمكن الخطاب الإسلامي من الوصول إلى المنابر الغربية؟
حقق الشيخ القرضاوي على سبيل المثال أعلى شهرة بين الدعاة الإسلاميين، ونال عن كفاءة واقتدار موقع المرجعية الفقهية لمعظم أبناء الأمة الإسلامية، وأسهم في ذلك بالطبع حضوره المباشر على الفضائيات، ولكن الصورة ليست كذلك في حجم التأثير على المشاهد الغربي الذي لا يتقن العربية، ففي المواقع الإنكليزية التي يستخدمها اليوم أكثر من نصف سكان الأرض فإن اسم يوسف القرضاوي ” Qaradawi” يتكرر في محرك غوغل 283000 مرة في الحاسوب، أما شيخ الأزهر الشيخ سيد طنطاوي فقد تكرر اسمه في المواقع الانكليزية 212000 مرة، في حين أن جيري فالويل ” falwell” وهو واعظ أمريكي من مواليد 1933، وهو رائد المسيحيين المتصهينين، وأحد أبرز المبشرين بمشروع أرض الميعاد ومسؤولية أمريكا في حماية إسرائيل وتنفيذ نبوءات العهد القديم في إقامة إسرائيل ودعمها، يتكرر اسمه أكثر من 2430000 مرة.
أما البابا الألماني الجنسية بيندكت السادس عشر فعلى الرغم من أن عمره الإعلامي لا يزيد عن ثلاث سنوات فإن اسمه يتكرر في الويب 3.630.000 مرة أما البابا السابق فقد تكرر اسمه 11.200.000 مرة!!
وهكذا فإنه ببساطة يحضر البابا السابق على الأنترنت أكثر من شيخ الأزهر بخمس وخمسين مرة أما البابا الحالي فقد تجاوز شيخ الأزهر بثمان عشرة مرة!! أما الواعظ الأمريكي جيري فالويل فقد ورد أكثر من شيخ الأزهر بنحو اثنتي عشرة مرة!!
ليست هذه الأرقام مقدودة على نسق إحباطنا بل هي في الواقع نتيجة حتمية لبحث رقمي أصم لا مجال فيه للعاطفة البشرية وإنما هي معطيات وأرقام يجمعها الحاسوب دون أي خلفية دينية أو تبشيرية!!
إن هذه الأرقام التي يوفرها الحاسوب تدعونا لإعادة النظر في مشروعنا الإعلامي، فإلى أي مدى تمكنا من شرح أنفسنا للعالم؟ وهل عرفنا العالم كما ينبغي، وهل تمكن الإعلام من المواجهة في عصر العولمة؟
الرقم الآن يتجاوز خمسمائة محطة عربية على الفضاء وهناك عدد مماثل على المحطات الأرضية ولكن إلى أي مدى تقوم هذه المحطات بممارسة دور حواري وحضاري للتواصل مع العالم، يبدو أننا لن نبالغ في شيء إذا قلنا إننا لا نزال نخاطب أنفسنا، حتى تلك المحطات التي تتكلم الإنكليزية فإنها تزحم الفضاء بقضايا جدل الحجاز ونجد وصنعاء ولكن بلسان إنكليزي، وهذا يؤكد غيابنا عن المسرح الإعلامي الحقيقي الذي يرسم صورة العالم وشكله.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الأرقام لمحض الاستئناس وهي تتغير باستمرار، ولا يمكن الوثوق بهذه الأرقام ولكنها على كل حال كافية لإعطاء صورة عامة حول مدى اهتمام العالم بقضايانا وخطابنا الإعلامي، وكافية أيضاً لحفز الهمم في إرادة التغيير.
ويلزم التنويه أيضاً أن هذه الأرقام تم اختيارها من البحث باللفظة الإنكليزية التي هي لغة القسم الأكبر من مواقع الأنترنت في العالم، وللمواقع العربية حسابات أخرى كما إن الأسماء قد تواجه أكثر من احتمال في كتابتها ولكن ذلك كله لن يغير جوهر النتائج.
إنها محض إشارات حاسوبية ولكنها ستساعدنا في اكتشاف حجم الرسالة الإعلامية المطلوبة، وتكشف في الوقت نفسه حجم الغرور الذي نعيش فيه، نسمع الجعجعة ولا نرى الطحين، ولا نزال منذ عقود نخاطب أنفسنا ونغني في حماماتنا وندور في رحانا ونمجد ألقابنا، ونحن ننتظر أن يأتينا أباطرة الأرض ليعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
أمام حقائق كهذه فإنه يسوغ السؤال هل نمتلك بالفعل القوة والتأثير لإيصال رسالتنا للعالم؟ ومواجهة الإسلاموفوبيا التي تشوه حضارتنا وتاريخنا كل يوم؟
إنها معاناة من داخل الذات ولكن الأمر مرتبط أيضاً بالقدرة على الوصول إلى المنابر الغربية للتصحيح والتصويب ورفع الشبهات ولكن إلى أي مدى تمكن الخطاب الإسلامي من الوصول إلى المنابر الغربية؟
إن هذه الأرقام التي يوفرها الحاسوب تدعونا لإعادة النظر في مشروعنا الإعلامي، فإلى أي مدى تمكنا من شرح أنفسنا للعالم؟ وهل عرفنا العالم كما ينبغي، وهل تمكن الإعلام من المواجهة في عصر العولمة؟
إنها محض إشارات حاسوبية ولكنها ستساعدنا في اكتشاف حجم الرسالة الإعلامية المطلوبة وفي الوقت نفسه حجم الغرور الذي نعيش فيه، نسمع الجعجعة ولا نرى الطحين، ولا نزال منذ عقود نخاطب أنفسنا ونغني في حماماتنا وندور في رحانا ونمجد ألقابنا، ونحن ننتظر أن يأتينا أباطرة الأرض ليعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
تحميل الملف