والقتل بالحرق ليس جديداً في الكارثة السورية، فقد مارسه النظام مئات المرات وأحرق قرى بحالها، وقصف سيارات الإطفاء التي كانت تحاول إطفاء الحريق، والصور المسربة تحمل مشاهد هول لا تقل عن الجريمة الأخيرة بشاعة وهولاً…
ولكن المؤلم في الجريمة الأخيرة هو النسبة إلى الله، فالإحراق هذه المرة جاء منسوباً إلى الرسول والصحابة، ويريد القاتلون أن نعتبره تطبيقا للشريعة.
ومع أن هذا ليس هو المكان المناسب لفتح جدل في تحقيق الروايات ودلالاتها، ولكن لا يمكنك تجاوز هذا اللون الجديد من تشويه كل ما هو جميل، وتحطيم إيمانك بعدالة الإسلام ومرجعية السنة الكريمة.
ومع أنني أمارس تدريس الشريعة في الجامعات منذ عشرين عاماً ولكنني لم أقرا هذه الرويات أو لم انتبه لها في غمار ما نتحدث عنه من صفاء الإسلام وروحانيته.
والنص الذي اختارته داعش لتنفيذ هذا القتل اللئيم منسوب لابن تيمية، قال ابن تيمية: فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنامن إقامة الحدود والجهاد المشروع…
والرواية التي استندت إليها ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وابن جرير في تاريخ الأمم والملوك أن أبا بكر الصديق حرق الفجاءة السلمي، مع أن الطبري أورد في نص روايته أن أبا بكر ندم على حرق الفجاءة، وكان الفجاءة قائد احد الألوية التي عقدها أبو بكر لقتال المرتدين، ولكنه استهان بقتل الناس وركب الفظائع فاعتقله أبو بكر ثم حرقه بالنار.
وفي فتح الباري أن معاذاً وأبا موسى كان يريان جواز التعذيب بالنار ، وإحراق الميت بالنار مبالغة في إهانته ، وترهيباً عن الإقتداء به.
وهكذا يمضي هؤلاء القتلة إلى ترك نصوص القرآن والسنة التي نرويها في البخاري و72 مصدرا آخر حول تحريم القتل بالنار ويختارون نصا منسوباً لابن تيمية يجيز التنكيل بالأسير وتعذيبه من أجل الدعوة الى الاسلام.
وأسأل هنا ما هي طبيعة هذه الدعوة الى الاسلام وأي أشخاص يستهدفون عبر مشاهد التنكيل هذه … ومن هم أولئك الذين يمكن أن يجدوا في مشهد وحشي كهذا سببا للخروج من أديانهم واعتناق دين داعش، يبدو أن المستهدفين بالعودة هنا هم الساديون والمجرمون الذين تروق لهم مشاهد الموت والعذاب والتنكيل.
لقد استشار الرسول الصحابة في أسرى بدر، وهم عتاة قساة جاؤوا على ظهور الخيل ثلاثمائة كيلومتر من مكة الى بدر ليطاردوا المهاجرين النازحين ويقتلونهم، ونظرا لبشاعة قصدهم وموقفهم الظالم ضد الحرية فقد اقترح عبد الله بن رواحة حرقهم بالنار وقال: أرى أن تجمع وادياً كثير الحطب فتلقيهم فيه جزاء وفاقا، ولكن الرسول الكريم رفض ذلك قطعاً واعتبره أسوأ أشكال قطع الرحم.
وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه لا يعذب بالنار إلا رب النار، وقد ورد هذا الحديث بنصه في اثنين وسبعين مرجعاً من كتب السنة الكريمة فهل يكفي هذا لإقناع هؤلاء المتوحشين أن الله ورسوله يحرمان الحرق بالنار.
ومن موقعي في خدمة الشريعة فإنني أقول… إن مثل هذه الوحشة السادية ونزعة الشر الانتقامية لا يجوز تبريرها لا بقرآن ولا سنة، ولو كان الإذن بمثل هذه الوحشية نصاً قرآنيا وإنجيلا وتوراتياً وزبورائياً لوجب رفضه كله، فهذه الكتب المقدسة وما يحيط بها من حواشي تفسيرية هي محل احترام، ولكن ما هو أقدس منها وأكثر احترامأً هو وجه الله نفسه، الذي خلق الإنسان ليكون خليفته في الأرض، وهو مصدر الكمال والحب والحياة والعطاء.