أقسى تداعيات الكارثة السورية هو مشهد صور التعذيب حتى الموت التي تسربت من داخل معتقلات النظام الرهيبة ليشاهدها العالم في هذه الأيام التعيسة.
يمكن فهم كل شيء في هذه الحرب، انها ساحات معركة وقتال ضار تحكمها آلهة حرب شرسة قانونها اقتل أو تقتل….
ولكن ما لا يمكن فهمه أبداً هو مشهد التعذيب حتى الموت الذي يمارسه ساديون مجرمون أشرار على أكتافهم رتب عسكرية، يمارسون أحقر الجرائم، ويتصورون أمام الكاميرا وينقلون بشماتة صورة حقد أسود بعيون ذئاب ضارية تشبه كل شيء إلا الإنسان.
وعلى صفحات التواصل الاجتماعي قام السوريون بنشر صور مزدوجة لأحبائهم وهم يبتسمون للحياة والأمل، قبل أن يقعوا في قبضة النظام المقاوم والممانع الذي قام يتحويل حياتهم إلى جحيم وألقى مشاهد الموت والهول على الأرض التي يعملون تحت سقفها البائس.
هل هو؟ ليس هو؟ أنها عيناه، إنه أنفه، شامة في العنق…. يقارنون صورهم القديمة الطافحة بالأمل، بصور الجثث المنكوبة…. يصدقون أو يكذبون .. وفي النهاية يستسلمون ويقبلون النتيجة المريرة…
ولكن لا شيء يتغير في الكارثة السورية سوى أعداد القتلى…..
لم أتمالك عيني وانا أنظر في وجوههم وعيونهم بين عشرة آلاف صورة للمعذبين السوريين الذين دفعوا حياته م ثمناً لجنون هذا النظام….
ما هو مشهد الهول الذي كانوا يحدقون فيه حين كانت مسامير القهر تفقأ أعينهم عن عمد وحقد..
لست أدري كيف ينامون على وسائدهم وهم يغلقون بالحديد حجور القهر والقمع والظلم على أرواح كئيبة كتب لها القدر أن تكون في المكان الخطأ في عصر المآثم والمظالم والهزائم.
عجلة كاترين والاجاصة والحمار الاسباني والخازوق التتري…. والمقصلة وأشكال كثيرة من الموت نقرؤها في التاريخ ونحن نتحفظ على الرواية بأكثر العبارات حذراً حيث يصعب تصديق وقوع جرائم كهذه على يد الإنسان، ونقول هل كانت الانسانية محض جيوش من الوحوش والقتلة، وهل حصل ذلك بالفعل في الماضي؟
لم تقم حتى الآن أي هيئة قضائية مدنية أو عسكرية في سوريا باستدعاء أحد من هؤلاء المجرمين الساديين الذين مارسوا ألوان التعذيب الإجرامي على المعتقلين، وارتكبوا جرائم القتل والتعذيب بدم بارد، على الرغم من وصوح صورهم وتصريخاتهم في الأشرطة المسربة، في حين تم سوق المئات من صغار الموظفين البائسين للمحاسبة والمساءلة عن تسريب هذه الصور التي من شأنها إضعاف الشعور القومي وتوهين نفسية الأمة!!!
يؤلمني أن أمريكا حين واجهت مثل هذه الفضيحة في أبو غريب قامت بتشكيل هيئة وطنية وقدمت المسؤولين للمحاسبة والمحاكمة، في حين أن النظام السوري قدم للتعذيب والاعتقال من سرب الصور أو نشرها ولم يقم بفعل شيء تجاه المجرمين القتلة الذي يتحكمون اليوم في مقدرات سوريا الأمنية وسلوكيات ضباطها المشاركين في الجرائم.
لست أنسى كيف كتبت الصحافة السورية بغضب على مدى شهور طويلة من ممارسات الجيش الأمريكي القذرة في العراق في تعذيب السجناء وأنهم كانوا يقومون بصب الماء البارد على رءوس السجناء أو بإبقاء المصابيح عالية الإنارة فوق رؤوسهم ليل نهار، وكيف كتب فرسان النظام السوري وأنا منهم في احتقار الحضارة الغربية التي تسمح بهذ اللون من التعذيب!!.
لست أدري هل يسؤغ في الخطاب الإعلامي أن تتحدث كواعظ ومرشد أخلاقي، وهل يقع في مسامعهم من كلامك شيء مهما كانت طبيعة قصدك وعزوفك عن مزاحمتهم في جيفة المناصب الدامية، ولكن من يدري لعل هذه الكلمات تقرع مساقط القلوب المقدودة من حجر وإن من الحجارة لما يتفجر فيخرج منه الماء وما الله بغافل عما يعملون.
لا بقاء لظالم، ورستم غزالة ورفيق شحادة اللذين كانا يتصرفان قبل شهر كآلهة حرب، لا يسئل عما يفعل وهم يسألون، يعانيان الآن مخاوف التهميش والغضب والانتقام، ويواجهان نهايات قذرة لا تشرفهم ولا عوائلهم في شيء، ولست أدري كيف سيواجهون أبناءهم وأسرهم بهذا التاريخ المزري من العدوان على الإنسان والإنسانية.
إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، ولم يكن له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً.
يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم…….
يا دامي العينين والكفين إن الليل زائل…..
لا غرفة التوقيف باقية ولا زرد السلاسل….
نيرون مات ولم تمت روما… بعينيها تقاتل….
وحبوب سنبلة تجف …. تملأ الوادي سنابل