Uncategorized

د.محمد حبش-ويجلدون تارك الصلاة

شاهد السوريون عبر وسائل التواصل الاجتماعي شريطاً يظهر جلادين من الريف الحلبي يجلدون رجلاً على ظهره أمام الناس لأنه لم يحضر صلاة الجمعة….
كان الشريط استفزازاً رهيباً لكل من يؤمن بأن لا إكراه في الدين وهو ما يقضي بداهة أنه لا إكراه في الصلاة ولا إكراه في الصيام ولا إكراه في العبادة ولا إكراه في الحج، والإكراه لا ينتج إيماناً بل ينتج نفاقاً، ولا يهدي إلى خير…..
وفي تطبيق مخبري نشرت الفيديو … وأمضيت ليلة كاملة وأنا أتابع تعليقات قاسية لسوريين انفعاليين يؤيدون هذا اللون من القسوة في معاملة المقصر في صلاته، ويشنون أشد الغضب على كل من رفض هذه العقوبة، ويتهمونه بالعلمانية والزندقة والانحراف في الدين…. في موقف يذكرك بموقف الكهنة من الهراطقة والدعوة لعقابهم وسحلهم وحرمهم بصنوف عذابات العصور الوسطى البابوية الرهيبة… ويخلق ما لا تعلمون…..
كانت ليلة قاسية مريرة… واستمعت لما لا يشتهي أحد أن يسمعه، ولكنها في الواقع ليست إلا أسلوباً لكشف العنف المستتر في جوانحنا، وثقافة القسوة التي تلقيناها على مقاعد الدرس وتمجيد البطش والسلطان والقوة…
إنهم يطبقون ما تعلموه في معاهد لا رقيب عليها ولا حسيب، ولا أحد يقر مناهجها ويتوالى عليها معلمون يجزمون بأن أي تعديل في جوهر هذا التعليم فهو ازدراء للفقهاء وتكذيب للروايات وتشكيك في الدين واستهانة بالصلاة واتباع لأمريكا وعملاءها في هذا الشرق المنكوب.
جلد تارك الصلاة…. واحدة من أظهر المسائل التي تفرض علينا المواجهة الفكرية والاحتماعية، حيث يقدمها المشايخ مسألة اتفاقية لا جدل فيها، ويطالبون بتطبيق هذا الحكم الشرعي القاسي ليعلم الناس أهمية الصلاة!! ….
هناك الآن نحو عشرين ألف سوري على الأقل في المعاهد الشرعية وكليات الشريعة في سوريا وأكثر منهم في معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم يتلقون هذا اللون من التعليم في سوريا…..
بل إنه يمكنني القول إن جلد تارك الصلاة الذي شاهدناه ليس إلا موقفاً رحيماً جداً أمام ما يطالبونك بتنفيذه من العقوبات وفق ما تدرسه كلية الشريعة في سوريا المراقبة في توجهها الوطني عبر فرع جامعة دمشق لحزب البعث العربي الاشتراكي.
وحتى لا نتهم بالمبالغة أو التهويل فهذا نص محدد مما يتم تعليمه حتى اليوم في المعاهد الدينية التي تشرف عليها مباشرة وزارة الأوقاف السورية….. والنص بتمامه كما هو في كفاية الأخيار وهو الكتاب المقرر حتى هذه اللحظة في عدد من المدارس الشرعية ، وهو مطابق تماما لما درسناه في كلية الشريعة بجامعة دمشق، حيث بتم الحكم على تارك الصلاة بأنه واحد من اثنين: جاحد لها فهذا يقتل كفراً!!! ومتكاسل في أدائها فهذا يقتل حداً بعد استتابة!!!!
وأنقل هذا النص هنا تحديداً من مقررات معهد الشام العالي الذي تشرف عليه مباشرة وزارة الأوقاف:
حكم تارك الصلاة: …وتارك الصلاة إن تركها غير معتقد لوجوبها فحكمه حكم المرتد، وإن تركها معتقداً لوجوبها فيستتاب، فإن تاب وإلا قتل حداً، وحكمه حكم المسلمين، إذا امتنع شخص من فعل الصلاة منكراً لوجوبها وهو غير معذور لعدم إسلامه ومخالطة المسلمين كفر لأنه جحد أصلاً مقطوعاً به، ولا عذر له فيه فتضمن جحده تكذيب الله تعالى ورسوله، ومن كذبهما فقد كفر، ويقتل لقوله عليه الصلاة والسلام {من بدل دينه فاقتلوه} رواه البخاري وحكمه حكم المرتد فيما تقدم…. (أي حكمه القتل كفراً)
وإن تركها وهو يعتقد وجوبها إلا أنه تركها تكاسلاً حتى خرج الوقت فهل يكفر؟ قيل نعم لقوله عليه الصلاة والسلام {بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة}…..
وتارك الوضوء والغسل يقتل على الصحيح، ولو ترك الجمعة وقال: أنا أصلي الظهر ولا عذر له قال الغزالي: لا يقتل لأن لها بدلاً وتسقط بالأعذار…. المصدر كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار كتاب الحدود ج2 ص 204
إنه محض مثال واحد من ألف مثال للثقافة التي لا زالت تدرس في دمشق بإشراف نظام البعث العربي الاشتراكي… ولمن لا يعلم فإنني كتبت للرئيس نفسه وللمؤسسات المتخحصصة في الحكومة والتعليم العالي أكثر من عشرين مرة وبطرق مختلفة بوجوب القيام بمراجعات حقيقية في المناهج بإشراف هيئة من علماء الشريعة المنفتحين والمتنورين وهم كثير، ولكن الجواب كان دوماً التأخير والتهاون والتقاعس… وكانوا يقولون دوما: الدين كرة نار… لا تقتربوا منها… وهو يعكس قناعة عتيقة لديهم أن الدين تراث زائف وأنه لا يمكن إصلاحه وأن علينا أن نتعامل معه كما هو بأقل ضرر وشر!!!
ولكن هذا الموقف السلبي الذي اختاره النظام على مدى عقود طويلة لا يمكن تبريره ببراءة على الإطلاق، بل هو جانب هام من الاستبداد والقهر، فنحن نعلمكم ثقافة سوداء ثم نسجنكم في سجون البعث العظيم إذا قمتم بتطبيق شيء منها، وفي السجون كثير من الخطباء والأئمة دخلوا السجن لأنهم أفتوا بمثل هذا على المنابر، مع أنهم درسوا ذلك على مقعد الدرس.
لقد اكتفى النظام للأسف بالأسلوب الأمني المخابراتي، وزج الناس في السجون حين تحدثوا بهذه القناعات، على الرغم من أننا لم نفعل شيئاً لإقناعهم ثقافياً ببطلان هذا اللون من التفكير، وفي حين عزز النظام ازدهار هذا اللون من التفكير فإنه ذهب إلى مركز الدراسات الإسلامية بدمشق الذي كان يمثل حالة من التفكير الحر في الإسلام وتم إغلاقه بالشمع الأحمر بضراوة عبر قرارات أمنية غير معللة، وهيك ارتأت القيادة وبس…….
على كل حال فلن يدفعني الانفعال لتحميل المسؤولية كلها للنظام الظالم، بل إننا نحن الذين نكتب في الشأن الإسلامي مسؤولون أيضاً عن هذه الخطايا، حيث نؤثر السلامة ونكتب ما يطلبه المستمعون، ونطبطب على تعصبهم وقسوتهم رجاء أن لا نفقد حظوتنا في الدهماء، فتكون النتائج بالمعنى الكارثي الذي نشاهده اليوم في القضاء الشرعي وعجائبه.
ولكن أطرف ما قرأته على صفحتي نعليق لأحد الأساتذة الشرعيين يدافع عن جلد تارك الصلاة بقوله: إن تارك الصلاة يجب جلده لأنه مسؤول بشكل مباشر عن إضعاف الشعور الديني للناس وتوهين نفسية الأمة!!

Related posts

هل اكتمل الإسلام؟

drmohammad

د.محمد حبش-من موسكو إلى جنيف….

drmohammad

محمد بن سلمان وصحيح والبخاري

drmohammad

Leave a Comment