افتتحت في الدوحة مساء امس السبت اعمال منتدى الدوحة الدولي السادس عشر الذي يعتبر اكبر تجمع سياسي دولي في الشرق الأوسط ينعقد سنويا باستمرار منذ ستة عشر عاماً.
ومع ان مشاركتي في هذا المنتدى الدولي كانت بصفة خبير وليست في اطار اي تمثيل او مسؤولية لكنها كانت فرصة بالفعل لشرح عذابات أهلنا ومعاناتهم من سلوك السياسة المتوحشة التي ندخل بها هذ القرن الحادي والعشرين.
ضم منتدى الدوحة هذا العام نحو عشرين من رؤساء الجمهوريات والحكومات، وقد شارك الرئيس الافغاني واليمني والنيجري ونحو ثلاثين من وزراء الخارجية والاقتصاد في دول رئيسية في العالم كبريطانيا وايطاليا والارجنتين واسبانيا وكرواتيا ومولدافيا وصربيا وكرواتيا وآخرين، كما وجهت الدعوة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة وخصصت لرئيسه السيد أنس العبدة كلمة رئيسية تحدث فيها عن عناء السوريين وآثار الحرب المدمرة ومسؤولية المجتمع الدولي في الضغط على النظام المتوحش في قصفه للمدنيين واستهتاره بعملية السلام.
في كلمته في الافتتاح تحدث السيد بان كي مون الامين العام للامم المتحدة، وكان واضحا تماما في موقفه من رفض سلوك النظام السوري في قصف المشافي وقصف المدنيين بالبراميل وأكد أن هذا اللون من التوحش لا يوجد على الاطلاق ما يبرره تحت أي ذريعة أو عنوان، وكانت عبارته هذه المرة صريحة ومباشرة ولا تحتمل اي تأويل دبلوماسي.
لا أجهل أن هذه اللقاءات لا تملك قرارات ملزمة لوقف أي صراع ولكنها مناسبة مفيدة بكل تأكيد لتعزيز التواصل بين قيادات وخبرات سياسية ودولية لا يتيسر حضوره في كل وقت، وأنها منبر مفيد لتذكير العالم بما يجري في سوريا وتأكيد مسؤولية الدول الكبرى في وقف الحرب والوصول الى حلول لشعب يذبح كل يوم بين قهر النظام وتوحش الارهاب، فيما ظل صوت المعارضة تائهاً وعاجزاً عن التأثير في هذا الصراع المحنون الذي تحول الى عنف لا معنى له، ووصل الى حد قتال العشيرة والعشيرة والقرية والقرية والمذهب والمذهب وآخر الفصول حرب مسرابا ودوما التي حصدت كما يقول عارفون مئات القتلى في الغوطة المنكوبة بيد الاخوة الاعداء.
في مداخلتي وبحضور الخمسة المرشحين لمنصب الامين العام الحديد وهم وزراء أوربيون كما هو مقرر حاولت أن أقدم رؤيتي لمسؤولية الأمم المتحدة ودورها المامول في وقف الحروب، وقلت لهم:
أيها السادة…
قناعتي أن الأمم المتحدة هي أفضل ما حققه الإنسان في اطار التعاون الدولي وأنا مؤمن تماما بضرورة توفير فرص نجاحها وتحقيق أهدافها النبيلة وهي اليوم تقوم بدور كبير في الاغاثة والتنمية ولكنها لا تزال عاجزة بشكل كبير في القدرة على فض الحروب والمنازعات.
وقناعتي ان سبب عجزها في حل النزاعات الدولية هو اختلاف الكبار الذين لا زلوا يؤثرون مصالحهم الضيقة على قضايا الاستقرار الدولي، وانقسام مجلس الأمن هو في الواقع قدر لا يملك معه الامين العام شيئاً فهو في النهاية موظف كبير وصلاحياته لا تتعدى ترجمة ارادات الاعضاء الكبار في مجلس الأمن بلغة دبلوماسية توفيقية.
كانت مداخلتي تتصل باصلاح الامم المتحدة، وأعتقد ان الأمم المتحدة التي صمدت في عواصف التحولات العالمية نحو سبعبن عاما تحتاج اليوم الى مراجعات شاملة لتقويم ادائها وبالتالي لتحقيق افق جديد في رسالتها النبيلة في فض المنازعات وانهاء الحروب، وبتعبير أدق منع قيام الحروب.
قلت لهم سقطت تجربة عصبة الامم لانها لم تكن تملك حلولا لاختلاف الكبار وهكذا فان الكبار غادروها لدى أول قرار لا يحقق مصالحهم وانهار الحلم العالمي بقيام هيئة واحدة للأمم.
كان مشروع هيئة الأمم المتحدة واقعياً وبراغماتيا وأيد حق اكبار في الفيتو، وكان ذلك الحل الذرائعي وصفة براجماتية لولبية على حساب العدالة، ولكنه على كل حال نجح في تأمين استمرار المنطمة الدولية في اداء مهامها، ومنح الكبار الخمسة فرصة تحقيق ما يريدون، والكبار ها هم المنتصرون في الحرب العالمية الثانية وهكذا استقر حال الهيئة الدولية، بقدر كبير من البراجماتيه وقدر منقوص من العدالة، وتمكنت المنظمة الدولية من الصمود سبعة عقود في ظل الزلازل العالمية الكبرى.
واحتاطت الامم المتحدة للحفاظ على مكانتها بأنها احترمت سيادة الدول وقررت أن ليس من شانها التدخل في الشأن الداخلي للدول الاعضاء وقد اعطاها هذا الموقف السلبي وصفة جاهزة للتحلص من معاناة عصبة الامم التي انتهت بانهيارها التام، ووافق الجميع على الانتساب لهيئة أمم متحدة لا تتدخل في الشان الداخلي لشعوبهم تحت عنوان السيادة الوطنية.
ولكن عنوان السيادة الوطنية تعملق بشكل غير مقبول في دول الاستبداد ومنح الديكتاتوريات حصانات وضمانات تحول دن مساءلتهم ومحاسبتهم وبالتالي تفشل عمل الاسرة الدولية التي لا تملك التدخل في مراجعة الاستبداد والظلم على اساس ان هذا هو شأن السيادة الوطنية.
لقد طالبت بمراجعة هذه المبادئ، وقلت للمرشحين الجدد لن يكون لهذه الهيئة الدولية دور حقيقي في وقف الحرب طالما انها عاجزة عن وقف تغول الاستبداد، فالمستبد لديه قواعده وأساليبه وأدواته لإنجاز ما يريد من اجماع وطني ولحمة وطنية وتأييد جماهيري عريض لمشاريعة وحروبه، وبتم ذلك كله تحت عنوان السيادة الوطنية ويصبح أي تدخل دولي عملا استعماريا مرفوضا وعلى العالم فقط ان يتفرج على المستبد وهو يرتكب جرائمه على اساس ان هذا هو السيادة الوطنية المقدسة.
لا يملك المجتمع الدولي أي آليات لوقف تغول الاستبداد على الشعوب المنكوبة، ولا يملك آلية يقول فيها إن هذا الذي يجري لم يعد أبداً تعبيرا عن ارادة الناس وأنه في النهاية تغييب كامل لارادة الناس واستحمار لهم ودعم لارادة الاستبداد المتوحشة في فرض برامجه على الناس.
قناعتي ان الامم المتحدة مطالبة بان تتبنى معايير اكثر حزما وأن يكون اي قرار للشعب بحاجة الى تصديق من الامم المتحدة عبر أجهزة كبيرة من الخبراء واللجان المتحصصة التي تقرر في النهاية حجم ما قام به المستبد وهي وحدها التي ينبغي أن تقول هل ما جرى كان سيادة وطنية أم كان انتهاكا سافرا لحقوق الإنسان.
في حالة صدام فقد كان جاهزا ان يأتي بالاجماع التام من مجلس الشعب على حربه في ايران وحربه في الكويت وحربه في حلبجة وحربه في الدجيل وحربة في البصرة وسحقه لكل تمرد، وقد آتاه الدهر برلماناً لا يستعصي على ارداته في شيء.
اما في حالة القذافي فقد تم الغاء كل المصطلحات السياسية من شرشها ولم يعد في ليبيا كلها رئيس ولا مدير ولا وزير وصار كل شيء اسمه لجان الشعب وامانات الشعب واحكام الشعب، وكم كان سخرية في القدر ان قرارات الشعب كانت تنص على منع الشعب من كل حرية، وذات يوم اعلن (الشعب) قرار الحرب المقدسة ضد سويسرا لانها قامت بالتحقيق مع ابن حاكم (الشعب) في قضية ظلم خادمة.
ولكن هل كانت هذه بالفعل هي قرارات الشعب وسيادته المقدسة؟
وفي حالة النظام السوري فمؤسسات الديمقراطية جاهزة لتبرير تدمير حمص بيتا بيتا، وتدمير حلب بيتا بيتا، وتعذيب الآلاف في السجون حتى الموت، والمصائر السوداء التي نكبت بها الرقة ودير الزور وريف دمشق وريف حلب وكل الكوارث التي مارسها الطيران الحربي في توحشه وجدت من يبررها ويدافع عنها من المؤسسات الديمقراطية السورية ووجدت فتاوى جاهرة يقدمها رجال الدين، ويتم ذلك كله تحت عنوان السيادة الوطنية وعلى العالم فقط ان يتفرج على ما يقرره (السوريون)
وتحت عنوان السيادة الوطنية يتم استقدام جيوش ودول وطيران من مختلف دول الاستبداد العالمي لحماية النظام المتهالك، وتندلع حروب طاحنة يدفع ثمنها الشعب المنكوب، ويتم ذلك كله تحت عنوان السيادة الوطنية، ومواجهة المؤامرة.
فهل كانت هذه الممارسات سيادة وطنية تعكس ارادة الناس ام سيادة وثنية تعكس غرائز المستبد.
الاستبداد لا يؤتمن على الاوطان، وأنا أتطلع الى زمن يصبح فيه الحاكم محتاجا الى تصديق من الامم المتحدة على قراراته المصيرية بحق شعبه، وأن يكون توقيع الامم المتحدة ملزما ومانعا لانجراف الاستبداد في اشعال الحروب، واضطهاد الناس.
لا نتظر من الامم المتحدة ان تتحول الى شرطي العالم، ولا نريدها ان تنخرط في حروب جديدة، ولكنها أصبحت تملك المقومات الأدارية والدستورية والقانونية لوقف مشاريع الاستبداد في التغول على الناس عبر منع التعاون مع اي نظام ينتهك كرامة شعبه ويمارس دور الجلاد ضد الناس باسم السيادة الوطنية.
هل تجد أفكار كهذه طريقا الى النور؟ من يدري وهل كانت الامم المتحدة نفسها الا فكرة في خيال ناشط، قبل أن تصبح النادي الدولي الوحيد للأمم.