Uncategorized

د.محمد حبش-الحسبة(2)الحسبة حين تكون طاعة وبراً.. وحين تكون معصية وقهراً

ونستأنف حوارنا مع شباب الثورة الذين يتطوعون احتساباً لخدمة الناس، وينخرطون في برامج الحسبة يبتغون وجه الله ومصلحة الأمة.
إننا نقدر إخلاصهم وحماسهم ولكننا مأمورون أن نبين لهم طرفاً من هدي الرسول الكريم في ثقافة الاحتساب وخدمة الناس في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

حين يقرأ المؤمن كتاب الله سيجد نفسه أمام طائفتين من النصوص، تأمره الأولى بالمبادرة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتأمره الثانية بالكف عن الناس والتزام شأنه وخاصته، فمن الأولى:
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور
ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون
لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون.
وفي الحديث: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
وهي واضحة في وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع الاسلامي، ومسؤولية المسلم في التغيير باليد واللسان والقلب.
ولكن في المقابل يقرأ المسلم نصوصاً صريحة في القرآن الكريم:
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم
فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر الا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر ان إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم
ويقرأ نصوصاً نبوية كريمة: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
ويجب أن لا يقع في الخاطر أن النصوص متناقضة، إنها باختصار مسألة زمان ومكان، وحيثما كانت مصلحة الأمة فثم شرع الله.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إطار النصيحة مستحب في كل حال، والمؤمن مأجور فيه، ولكن استخدام أدوات الجبر والإكراه هي ما نستنكره على المحتسب، فالمحتسب رجل يرجو ثوابه وأجره من الله، ولا يملك أدوات الجبر والقهر، وإنما يملك ما يملكه رسول الله من النصيحة والموعظة، فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر.
وأدوات الاكراه والجبر انما يستخدمها ولي الامر الذي انعقدت له بيعة صحيحة من المسلمين، وإنما يكون له استخدامها في تحصيل حقوق الناس، ووقف المنازعات ورد المظالم، ولا يستخدمها في إكراه الناس على الدين.
ولكن التعصب للدين الذي يفرض علينا سلوك الكنائس في العصور الوسطى من إجبار الناس على عقائد بعينها هو في الواقع تغول لم تأمر به الشريعة، التي جاء سياقها وبيانها واضحاً: وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وفي آية أخرى: أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.
ومسؤولية المسلم أن يقدر الأمر بالمعروف بقدره فمن أمر بمعروف فليكن أمره بمعروف، وأيما أمر بمعروف أدى إلى تنفير الناس من الشريعة فهو منكر لا يرضاه الله، ولو بدا لك أنه طاعة والتزام، وأيما نهي عن منكر جاء بمنكر أشد منه فقد تنكب سبيل الشريعة، التي شرعت سد الذرائع التي يربوعليها الشر، وإغلاق أبواب من الخير حتى لا تكون مدخلاً للقتن والصدود عن دين الله.
في البخاري حديثان اثنان: الاول يثني على الشهود والثاني يذمهم، فالأول يقول فيه الرسول الكريم: خير الشهداء من يشهد من قبل ان يستشهد، والثاني يقول في معرض الحديث عن سقوط الأمة ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون!!!
فهل تناقض النبي الكريم في طرحه؟ وهل نسي أنه أثنى على الشهود حتى مضى الى ذمهم والاستنكار عليهم؟
من المؤسف أن يعض الأصدقاء يذهب مباشرة لاتهام البخاري بالتخريف والتناقض، بل إن الموضة الجديدة الآن هي اتهام البخاري بالتآمر على الإسلام والماسونية العالمية ربيبة الصهيونية العالمية لتشويه الاسلام وغير ذلك من الدعاوى التي تروج هذه الأيام بشكل لافت، وتصدر عن مسلمين وناشطين في حقل التنوير الديني وهو ما يتناقض تماماً مع رسالة التنوير.
ولكن المسألة لا تتطلب أكثر من النظر قليلاً في مقاصد النصوص، فقد أثنى على الشاهد الذي يشهد في حقوق الناس، فمن راى سارقاً أو قاتلاً فهو مامور ان يشهد ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، ولو سكت الشهود لبطلت الحقوق وضاعت مصالح الناس، اما من رأى معصية فيما يكون بين العبد وبين ربه، من زنا أو خمر فإن المطلوب هنا هو الستر والنصح وليس الفضيحة والتشهير، ونص الفقهاء على أنه لا يستحب الذهاب الى القضاء للادعاء على الناس في سلوكياتها الشخصية التي هي شأن حرية الانسان فيما يدع وحريته فيما يختار.
والحسبة في الأصل لون من التطوع في خدمة الناس ومطاردة اللصوص والعيارين والشطار، وقد يكون ذلك مقيدأً عندما تغيب سلطة القانون، ولكنه لا بد أن يكون تحت راية بصيرة وإدارة شرعية حظيت ببيعة صحيحة من الأمة وعندها من الله برهان، ولكن توجيه ذلك لمطاردة الناس في صلاتهم وصيامهم وطعامهم وشرابهم وذبائحهم إنما هو انحراف عن منهج الحسبة الأولى في الشريعة ودخول في دائرة الفوصى التي تصرف الناس عن مقاصد الشريعة الغراء.
فما هو هذا الإيمان الذي يأتي بالإكراه؟؟ إن القرآن صريح تماماً في هذه المسألة والآية المحورية التي اختارها الله تعالى لهذا المعنى هي قرينة آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله تعالى، لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي، ومقتضى لا إكراه في الدين أنه لا إكراه في الصلاة ولا إكراه في الصيام ولا إكراه في الحج، فالإكراه لا ينتج إيماناً بل نفاقاً، ولا ينتج أحراراً بل عبيداً، وإن الله غني عن صلاة أحدكم بظبى السيف، ولا يقبل الله الا طيبا من طيب، وحاشا له أن يقبل راكعين أو ساجدين تحت السياط.

وللحديث بقية……………………

Related posts

ناسا وصور الكون السحيق

drmohammad

د.محمد حبش- الحسبة (3)الحسبة في خدمة للناس… قراءة حضارية 29/7/2016

drmohammad

على باب قرن جديد

drmohammad

Leave a Comment