دراسة خاصة لمؤتمر الحوار وأثره في الدفاع عن النبي
جامعة الامام محمد بن سعود
27/3/2013
بقلم
د.محمد حبش
أستاذ الفكر الإسلامي في جامعة أبو ظبي
خطة البحث
يتركز البحث في المحور الرابع للمؤتمر، وهو:
أثر الحوار في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم
يتناول البحث سبل الدفاع عن النبي الكريم في مطالب أربعة:
مقدمة في تاريخ الصدام والحوار بين الشرق والغرب
• المطلب الأول: إبراز الشمائل المحمدية
• المطلب الثاني: رد الشبه والافتراءات التي توجه للإسلام والمسلمين
• المطلب الثالث: النضال الحقوقي لمحاسبة المسيئين لرسول الله
• المطلب الرابـع: النقد الذاتي للتراث والواقع
خاتمة في ضرورة الحوار وآفاقه الحاضرة
خلاصة لأهم النتائج التي قاد إليها البحث
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
يشرفني أن أتحدث إليكم اليوم في هذا اللقاء الكريم في صرح من صروح الإسلام المنيعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، في هذا اللقاء الذي نشترك جميعاً في أداء رسالته وهي بناء علاقات صحيحة بين الإسلام والعالم، عبر تقديم الصورة المشرقة لرسول الله في مواجهة حملات التشويه والتضليل.
تأتي أهمية هذا اللقاء من خلال التطورات التي عصفت بالعالم خلال السنوات الاخيرة نتيجة غياب لغة الحوار بين الشرق والغرب، واتخذت في النهاية طابعاً استفزازياً من خلال قيام مؤسسات غربية كبرى بدعم الرسوم والأفلام المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم نشرها وترويجها في موقف لا يمكن تفسيره إلا بغياب لغة العقل وانتشار ثقافة الكراهية.
وكانت ردة فعل المسلمين في كل أصقاع الأرض هي الغضب والاستنكار والإدانة وهذا قدر اتفق فيه الجميع، فأي مؤمن لا يغضب إذاانتهكت حرمات الله؟ ولكن هل كانت ردة الفعل مناسبة وكافية لوقف هذا اللون من الاستفزاز وبالتالي تقديم صورة حضارية عن الإسلام رسالة حوار ومحبة وسلام؟
وهل حقق هذا الغضب مقاصد الغيارى من أبناء الأمة في وقف هذه الإساءات المتعمدة للإسلام وأهله، وهل تمكنا من فضح دناءة المقاصد التي يهدف إليها أعداء الإسلام في نشر ثقافة الكراهية والفتنة في الأرض.
وإلى أي مدى كان عذا الغضب منسجماً مع التوجيه الإلهي الحكيم: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.
وهل يمكن أن نؤسس لحوار حقيقي بين الإسلام والغرب بدلاً من لغة الصراع التي تجد لها أنصاراً ومؤيدين كلما اشتدت حمى الإساءات المتعمدة لقيم الإسلام وحضارته؟
هذه الأسئلة وغيرها كانت الدافع لإعداد هذه الورقة، وكلي أمل أن تقدم مفيداً وجديداً باتجاه بناء ثقافة الحوار.
ثقافة الحوار وتاريخها
لم يعد بالإمكان أبداً أن يخرج مجتمع ما من التاريخ بدعوى أن القيم العالمية لا تتناسب مع تراثه وتقاليده, وأصبح الدخول في نظام القرية الكونية قدراً ملزماً لسائر سكان الكوكب, فكيف يمكن ترسم ملامح العلاقة المطلوبة بين الإسلام والغرب؟
مع أن كلمة الشرق والغرب ليست تعبيراً سليماً من الناحية الموضوعيةولكن لا بد لك – في الوقت الراهن على الأقل- من التعامل مع هذا المصطلح, فكلمة شرق أدنى أو أوسط أو أقصى لا يمكن أن تدل على شيء إلا إذا وافقت مسبقاً على أن أوروبا هي مركز العالم, فهذا الشرق الأوسط ليس كذلك بالنسبة للصين أو الهند مثلاً بل هو غرب أوسط، والشرق الأدنى غرب أقصى، بل إن أمريكا نفسها شرق بالنسبة لليابان، وأوربا شرق أقصى بالنسبة للعالم الجديد، وكذلك المصطلح الزمني حيث نتداول المصطلح الأوربي بشأن العصور الوسطى، وهو مصطلح مفهوم في الثقافة الغربية للإشارة إلى عصر يتوسط حضارتين أوربيتين، ولكنه غير مفهوم وفق التاريخ العربي إذ يبادرك السؤال مباشرة: وسط بين ماذا؟ إنه يتساوق زمنياً مع عصر الحضارة العربية، وهكذا نمضي في دوامة ضباب المصطلحات إلى ما لا نهاية وفق دلالات الأرض الكروية.
ولكن بغض النظر عن الجانب الموضوعي فإن التاريخ أيضا لم يكن أبدا ليسير على منهج واحد يرسمه الأقوى، إنه أيضا تداول الحياة في الصعود والهبوط، عصر يقوم وآخر يترامى، في دلالة واضحة، على أن سيرورة التاريخ تحكمها إرادة الله في حق الأمم في بلوغ أمانيها، وفق سنن الحياة وقانون أن ليس للإنسان إلا ما سعى.
بدأت المواجهة بين الشرق والغرب منذ فجر التاريخ الإنساني المدون, الذي تتنازعه اليوم أراضي الرافدين وشواطئ البحر المتوسط حيث ستدور هناك أكثر حوادث التاريخ لهباً وعنفواناً.
شهد الشرق قيام سلسلة متتابعة من الحضارات تعود إلى نحو ستين قرناً قبل الميلاد من عيلام وسومر في العراق إلى مصر إلى إيبلا في الشام إلى الوثبة الفارسية في طيسفون,لم تخل من مناوشات بين الشرق والغرب,ولكن لم تسجل مواجهة حقيقية بين الشرق والغرب حتى القرن الرابع قبل الميلاد.
بدأت المواجهة بين الشرق والغرب مع خروج الإسكندر الأكبر من معاقل اليونان التقليدية في البلقان صوب الشرق، حيث قدر للجواد الذي يركبه الاسكندر أن يجتاز مضيق الدردنيل ويتحرك صوب سحر الشرق الآسر، وهناك يمضي من أفق إلى أفق فيجتاح آسيا الصغرى وبلاد الشام ثم السهول الإيرانية، فيحطم أمجاد الفرس ويمزق دولة ساسان، ثم يوغل في الشرق فيروي خيله من نهر جيحون ويجتاز بلاد ما وراء النهر، حيث يبلغ سحراً آخر يحمله إلى القارة الهندية فيدك ما واجهه من الممالك، ويبلغ في النهاية إمبراطورية الصين حيث لم يعد ثمة بعدها شيء يمكن أن يباهي بإسقاطه.
وحين عاد الاسكندر إلى أثينا ليبتهج بنصره شاباً غضاً، أدرك إنه ليس إلا دورة واحدة من دورات الحياة، وان تبدل المقادير ماضٍ إلى غاية لا يمكن أن تتوقف عند طموح الاسكندر.
لم يطل المشهد حتى انبعثت شعوب آسيا الراقدة تضرب في جيوش الاسكندر كل وجه، وتحيل لهيبهم إلى رماد حيث يمزقون إلى بطالسة وسلوقيين، وتبرز مشاهد متعاقبة من الأكاسرة الجبارين، تطرق أبواب أوروبا من الأناضول في هبة الشرق العارمة، في صد أطماع الغرب.
بعد أقل من قرن يضرب هانيبعل بسياطه الموجعة في قلب الحواضر الأوربية، ويسجل غضب الجنوب على الشمال، وتثأر قرطاجة للإسكندرية ويشتعل المتوسط بنار الكراهية من جديد.
في غمرة هذا الصراع كان هناك مشروع آخر يتم إعداده في روما، الإيطالية التي تتدلى في قلب البحر المتوسط في إرادة جادة للمواجهة، تحت عنوان الإمبراطورية الرومانية والتي ستصبح المقدسة فيما بعد وتنطلق الأطماع الرومانية من جديد فتلتهب البلاد المتشاطئة في البحر المتوسط، في القرن الأول قبل الميلاد، ويمضي المشروع الروماني إلى مصر ثم يرسم ملامح وجود جديد على طول شواطئ المتوسط، ليصبح بحيرة رومية، ثم يجتاح بلاد الشام ويصل إلى مواجهة مباشرة مع الحضارة الساسانية الفارسية، حيث سيبدأ صراع ساخن سيستمر سبعة قرون.
مع وصول الفتح الإسلامي إلى بلاد الشام في القرن السابع الهجري كان الشرق يستعيد عافيته ليقوم بالمواجهة مع الغرب وعندما رحل القيصر من أرض الشام كان يعلم تماماً أنه يرحل رحيلاً لا عودة بعده، وان فصلًا جديداً من تاريخ العالم يكتبه هذا الفتح الإسلامي الطامح، الذي باكر إلى محاولة دك أسوار القسطنطينية مؤكدا على روح المواجهة.
تمضي قرون خمسة وتبوء محاولات الغرب البائسة في اختراق آسيا بالفشل وتتحطم أوهامه عند مضيق الدردنيل، حيث يقوم الرباط على ثغور كيليكية بلجم الأطماع الأوربية في الشرق الإسلامي، حتى تنفجر أوربا بالأوهام الصليبية عندما يمضي بطرس الناسك في القرن الحادي عشر برسالة أوربان الثاني ليحشد أوربا في جحافل الحملات المسعورة لأطماع الفرنجة تحت عنوان الحروب الصليبية، وتنشأ مواجهة أخرى بين الشرق والغرب استمرت مائتي عام ركز فيها الغرب راياته على إمارات كثيرة في الشرق من الرها إلى دمياط، ولكن الشرق انتفض مرة أخرى وما بين صلاح الدين والملك الكامل والظاهر بيبرس وصلت الرسالة إلى أرض الأناضول ليترجمها محمد الفاتح بفتح القسطنطينية عام 1453 م حيث ستبدأ جولة أخرى من الصراع ستكون هذه المرة في عمق الأرض الأوربية، وسيسمعها الغرب بوضوح على أسوار فينا في قلب القارة الأوربية.
بعد أقل من قرنين استأنفت أوربا تاريخ الصراع عندما تفجرت الثورة الملاحية من الجزيرة الايبيرية وجرفت في طريقها الأندلس لتمتد شريطاً ساحلياً يطوق العالم الإسلامي من طنجة إلى جزر سيلان عبر رأس الرجاء الصالح ومن ثم إلى أرخبيل الملايو، ويتبعها عن قرب وصول فرنسا إلى سواحل مصر أيام نابليون الذي افتتح الحقبة الاستعمارية الجديدة في الشرق العربي.
وفي القرن التاسع عشر تتوثب الجيوش الأوربية لاقتسام ما تبقى من العالم الإسلامي المريض في حركة استعمارية لا تتوقف حتى تدك العواصم واحدة فواحدة.
مرة أخرى يقول الشرق كلمته عندما تبعث حركات التحرر وتتمكن من تحقيق استقلال الشرق ولكن في خريطة جديدة هذه المرة، لا يظهر فيها شرق متحد، ولكنه يختزن آمال الوحدة والجماعة.
يشهد القرن العشرون حربين عالميتين، تنجليان عن رسم صورة جديدة تؤكد كل يوم أن حل المنازعات عن طريق الحروب أصبح محرماً دولياً وأن على الشعوب أن تتعود الجلوس إلى موائد المفاوضات لتحقق أمانيها دون اللجوء إلى القوة، كيف سيكون مشهد العلاقة بين الشرق والغرب، هل ستستمر الحدود الدموية التي رسمتها الأطماع التاريخية بين شطري العالم؟ أم سينصت الإنسان لصوت العقل ويدرك أن عصر الحروب المعمد بالدم ينبغي أن ينتهي ويحل محله عصر الحوار والتفاهم.
من المؤسف أن فلاسفة الموت يجدون في الأخبار كل يوم ما يذكي نظريتهم عن صدام الحضارات، وهؤلاء موجودون في الشرق العربي والإسلامي كما هم موجوون في الغرب الأمريكي والأوروبي، حيث يؤكدون إن السلام والحوار سخافة لا وجود لها في التاريخ وعلى الإنسان أن يمضي فيخياره المجنون إلى مواجهة بالدم وفق المنطق النيتشوي الدارويني البقاء للأقوى!!
هل تعلم الإنسان من الماضي أن منطق الصراع الحضاري معناه استمرار الحياة في الجنون عبر جدلية البناء والتدمير العابثة الخائبة؟ وأن لغة القوة مهما كانت صارخة وقاهرة هي منطق مترنح في النهاية، (ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ).
وهل تعلم الإنسان أن الحوار وحده هو من يحمل للعالم الاستقرار والأمان، وأن القيم التي بشر بها الأنبياء ستبقى خالدة ما بقي الإنسان، وأن الذين يمارسون الإساءة إلى هذه القيم هم من ينفخون في كير الحرب وينشرون رياح الكراهية.
وفي مواجهة هذه الحقائق المؤلمة فإننا نلتقي اليوم هنا للبحث في سبل تحويل هذه المواجهة بين الشرق والغرب من صراع دموي إلى حوار بناء، وإذا كان غربان الشر من المسيئين لرسول الله قد أوقدوا نار الحرب الظالمة فما هو السبيل لإفشال ذلك المخطط الرهيب الذي يهدف إلى زج العالم الإسلامي في أتون المواجهة من جديد؟
وكيف نلتزم الحوار سبيلاً للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورد غائلة الكيد الآثم الذي أطلقه أشرار موتورون بهدف الإساءة إلى مقامه المحمود صلى الله عليه وسلم.
إن الجواب عن هذا التساؤل الكبير يمكن أن يتم عبر أربعة مطالب واضحة:
• إبراز الشمائل
• رد الشبهات
• النضال الحقوقي
• النقد الذاتي البناء
إن مواجهة هذا الكيد الرخيص الذي يستهدف مقام النبوة عبر عابثين وأشرار يتحصنون في عواصم الغرب يتطلب منا كفاحاً في هذه الجوانب الأربعة.
فعلينا أولاً أن نقوم بواجبنا في نشر شمائل النبوة ولكن ليس على المنطق التقليدي بل ينبغي أن نظهر الشمائل التي يحترمها العالم اليوم، وبوجه خاص تلك التي كرسها كفاح البشر في جانب حقوق الإنسان والعدالة والمساواة.
وعلينا ثانياً أن نقوم برد الشبهات التي يروجها أعداء الإسلام، عبر تفنيد دعاويهم وإساءاتهم، وإظهار الروح الحقيقية للرسالة، وشرح حكمة الموقف النبوي في كل واحدة من هذه المسائل التي رويت في كتب السنن، ويتخدها أعداء الله غرضاً ومطمعاً.
وعلينا ثالثاً أن نمارس النضال الحقوقي في المحافل الدولية لوقف هذه المهزلة ضد الأنبياء بآليات القانون الدولي والمحلي، وقد قدمت هذه الدراسة تصوراً واقعياً وعملياً للنضال الحقوقي للوصول إلى هذه الغاية من احترام الأديان والإنسان.
وعلينا رابعاً أن نتوجه بالنقد الذاتي الشجاع إلى أنفسنا أولاً، ثم إلى تراثنا وثقافتنا، وعلينا أن نمتلك الجرأة في النقد بحيث نقول لما هو انحراف عن الفطرة السليمة إنه خطأ وضلال، مهما كان هذا الخطأ قد حظي رواجاً وشهرة في التراث وفي سلوك علماء بارزين.
وسنأتي إلى شرح كل واحدة من هذه المطالب الأربعة في فصل مستقل.
المطلب الأول: إبراز الشمائل:
لقد كتب الفقهاء وعلماء السير كثيراً من المواقف في فضل النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله، بدءاً من أبان بن عفان وابن إسحاق وابن هشام وغيرهم من رواد كتابة السيرة، وكذلك مضى علماء كثير بعدهم للكتابة في شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلى سبيل الإشارة فإن الموسوعة الشاملة في الحديث تشتمل علة نحو ثلاثة آلاف كتاب تراثي كتبها العلماء للتعريف بشمائل المصطفى وأخلاقه الكريمة.
ولكن من حقنا أن نتساءل هل تكفي هذه الدراسات العلمية والفقهية التاريخية للتعريف بالمصطفى صلى الله عليه وسلم رجل رحمة وهدى ونور؟ وهل يكفي أن نوزع على الجمهور سيرة ابن هشام لنقدم صورة مضيئة عن رسول الله؟
الجواب البدهي أن لكل زمان لغة وثقافة، وأن ما كان مقنعاً في عصر من العصور ليس بالضرورة مقنعاً في كل العصور، وعلى سبيل المثال فإن امتداح النبي صلى الله عليه وسلم بما كان من المعجزات كالإسراء والمعراج وتسبيح الحصى بيديه وتكثير الطعام لجابر والخسف بناقة سراقة، وغير ذلك من المعجزات أو امتداحه صلى الله عليه وسلم بخصائصه الشريفة، بأنه كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وأنه أوتي قوة أربعين وأنه كان يواصل الصوم وغير ذلك من خصائصه لا تفيد في رسم شمائل النبي صلى الله عليه وسلم التي يبحث عنها أحرار العالم وعقلاؤه وشرفاؤه، وليست هي الشمائل التي توقف هذه الهجمات الهائجة ضد رسالة الهدى والحق.
إن الجيل الجديد يحتاج أن يقرا في شمائل النبي صلى الله عليه وسلم القيم الكبرى في الحوار والعمل والعطاء والبناء، وكذلك في الحرية والعدالة والمساواة، والموقف الحضاري في فهم الحياة وإطلاق الإبداع فيها ورعاية المبدعين، وريادته للسلم العالمي، وحكمته في توفير الأمن الاجتماعي لسائر الناس وحماية الأوطان، وبناء دولة العدل والقانون.
إن المدرستين جد مختلفتان في بيان شمائل الرسول، وقناعتي أن ما يكتب للمحبين والمتقين من أهل الاتباع مختلف تماماً عما يجب أن نكتبه من الشمائل للجيل الجديد الباحث بجرأة وشجاعة عن القدوة الحسنة، وكذلك لأبناء الديانات والحضارات الأخرى من الباحثين عن الحقيقة أو لأولئك الذين رانت عليهم غاشية الشبهة والشك والاتهام وأصبحوا يحتاجون إلى صورة للقدوة الحسنة في سائر شؤون الحياة.
وهكذا فإنني أحيل إلى كتب الشمائل في التراث للوقوف على فضائل المختار صلى الله عليه وسلم كما رواها السلف، وسأحاول في مقالي هذا أن أقترب من شمائله صلى الله عليه قائداً ملهماً في بناء الدولة الحديثة والمجتمعات المتحضرة والسلام العالمي، من خلال استعراض سريع لمواقف محددة قدم فيها رسول الله الأسوة الحسنة للعالم، في موقفه الحضاري والعلمي والتقدمي.
وأجد من الضروري أن أعتذر مسبقاً للقراء الكرام من اللغة الواقعية التي أستخدمها، وهي وإن كانت تقصر عن مقام الأدب العالي بين يديه، ولكنها الطريق الأكثر إقناعاً لجيلنا الجديد وكذلك لشعوب العالم المتحضر الذين يبحثون عن قيم الإنسانية الكبرى في ذات رسول الله.
رسول الله فارس الحوار وإمام الحكمة
ولد النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم في غمرة الصراع العالمي بين الحضارات، وكانت الحضارتان التاريخيتان الفارسية والرومية تتنازعان الأرض، ويفترض في سياق كهذا أن يكون النبي الكريم محارباً لا محاوراً، فالكلمة هنا للسيف، ولم يكن في وارد أي لقاء بين هذه الحضارات القائمة أن يتم حسم الصراع بالحجة والبرهان، بل كان الحسم دوماً بالحرب والسنان، ولكن التأمل في سيرته العظيمة صلى الله عليه وسلم تكشف لنا أنه كان يقف في مرصد آخر، وكان يقدم برهانه للعالم بالحكمة والموعظة الحسنة.
لقد بدأ رسالته بالحوار والبرهان، وكانت أشهر كلماته التي سمعها منه الناس: ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ، ومضى في حواره إلى أفق عظيم من الخضوع للحق، وقال: ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ وقال:ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
لقد حمل السيف ولكنه لم يحمله إلا بعد أن أصبح دولة، وقبل ذلك كان يواجه أعتى أشكال العنف من أعدائه ولا يملك أن يقول إلا صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة، وقد ظل في صبره ومصابرته أكثر من نصف عمر الرسالة يذوق ويذوق أصحابه عناء بطش الحاهلية الأخرق،حتى كتب له الله عز وجل الهجرة إلى المدينة، وهناك أصبح الرسول دولة، وكان عليه أن يؤمن حماية الناس ويدفع عن ثغورها شر الاشرار، وهنا فقط أسس جيش الحق ورفع السيف.
ولكن مكانه محاوراً كان أكثر من مكانه محارباً، وظل يدعو إلى الله على بصيرة على الرغم من الشهداء الذين قتلهم البغي الوثني، ولكنه لم يشأ أن يحتكم إلى السيف وقد كان قادراً عليه، ولم يشأ أن يحتكم إلى قتل خصومه وقد كان يملك الفدائيين والمجاهدين، ولكنه ظل يقول اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون .
رسول الله رجل السلام ورسالته في حقن الدماء ومنع الحروب
إن العودة إلى هدي النبي الأكرم في بناء ثقافة الحوار ستبدو مدهشة لكل دارس وعلينا ان نعترف بأن ثقافة المغالبة قد سادت في كتابة السيرة حتى غيبت كثيراً من حقائق الحوار في حياته العظيمة صلى الله عليه وسلم، وهنا سأستشهد فقط بموقفه العظيم في الدعوة إلى الحوار وتجنب الحرب، فقد أعلن من البداية موقفه في الدعوة إلى الحوار على أساس كلمة سواء مهما كانت الخلافات الإيديولوجية كبيرة، وكان يسعى لإطفاء نار الحرب ما وجد إلى ذلك سبيلاً، وكانت رسالته واضحة ومعلنة في الرغبة بوقف الدماء.
ولا بد هنا أن نشير إلى حقيقة هامة، وهي أن غزواته التي خاضها صلى الله عليه وسلم في الحقيقة كانت ستاً فقط وليس كما هو سائد أنها سبع وعشرون غزوة، حيث درج المؤرخون على إطلاق اسم غزوة على كل لقاء بين النبيصلى الله عليه وسلم وخصومه سواء حصل في قتال أو لم يحصل، أما الالتحام الذي جرى بينه وبين أعدائه فلم يكن في الواقع إلا الدفاع المشروع عن النفس، ومن العجيب أن هذا الدفاع المشروع عن النفس ظل حراماً على المسلمين خمسة عشر عاماً من عمر الإسلام، ولم يكن مسموحاً لهم حتى الدفاع المشروع عن النفس بالسلاح، وذلك في موقف فريد يعكس وعي النبي الكريم بالجانب السياسي والأصول الاجتماعية، فمن غير الوارد أن يخول الأفراد تحصيل حقوقهم بأيديهم عن طريق العنف، فهذا السلوك يرسم ظلال شريعة الغاب، وهكذا فقد ظل استخدام العنف حراماً حتى في إطار الدفاع عن النفس إلى أن أسس النبي دولته وجيشه وعند ذلك شرع القتال، وباستعراض سريع لغزواته صلى الله عليه وسلم فإن الأيام التي حصل فيها التحام بين النبي وخصومه لا تتعدى ستة أيام وهي تحديداً أيام بدر وأحد والمصطلق وخيبر وحنين، وهناك كلام عن يوم قريظة .
وهذا تفصيل الأيام الستى وسنجدد فيها أنها كانت حروباً فرضت عليه، حاول ما استطاع أن يتجنبها، ولكن أعداءه هم الذين كانوا يريدون سفك الدماء.
يوم بدر وقعت الغزوة عند ماء بدر وهو يبعد عن مكة أكثر من ثلاثمائة كيلومتر وقد سارت إليها قريش بخيلائها وجبروتها لمحاربة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وكان على رسول الله أن يدافع عن نفسه وعن أصحابه، أما أحد فإنها وقعت في أرض المدينة حيث سارت قريش لمحاربة النبي الكريم أكثر من أربعمائة وعشرين كيلومتر في حين أن رسول الله كان لا بد له أن يحمي المدينة المنورة من كيد الطامعين، وفي الخندق فإن النبي الكريم حفر الخندق حول المدينة وهي مكيدة لم تكن تعرفها العرب في محاولة منه لحقن الدماء، ومع أن قريشاً ظلت تستفزه أربعين يوماً حول الخندق ولكنه لم يشأ أن يأذن بأي قطرة دم تراق هناك وظل صامتاً خلف خندقه!!
كان فرسان قريش وغطفان ينادونه من وراء الخندق: يا محمد ! أليس تزعم أن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار؟ فاخرج إلينا ! ومن كلام عمرو بن ود العامري يومذاك:
ولقد بُححْتُ من النداء لجمعهم هل من مبــــــــــارز
ووقفت إذ جَبُن المشجِّعُ موقفَ القرنِ المنــــــاجز
ومن كلام ابن الزبعرى:
شهرا وعشرا قــــــــــــــــاهرين محمداً وصحابَهُ في الحرب خيرَ صحابِ
لولا الخنـــادقُ غادروا من جمعهم قتــــلى لطيـــــــرٍ سُغَّبٍ وذئـــــــــــــــابِ
ومن كلام كعب بن زهير:
فأحجرناهمُ شهراً كرِيتــــــــاً وكنا فوقهم كالقـــــــــــــــــاهرينــــــــا
نراوِحُهم ونغدو كل يــومٍ عليهم بالسلاحِ مدججينـــــا
فلولا خندقٌ كانوا عليـــــه لدمَّرنا عليهم أجمعينــــــــــــــــــــــــــــــا
ولكن حال دونهمُ وكانوا به من خوفنــــــــــــــــــــا متعوِّذينـــــــا
وهكذا كانت رغبته العارمة بالسلم تمسك عليه أنفاسه فلا يستجيب لاستفزازهم في شيء، وقد أمر أصحابه حين سمعوا كل ذلك الاستفزاز المثير أن يقولوا:سلاماً ….
إنه الرجل الذي اختار الحوار وليس الحرب سبيلاً للمواجهة، ولكنها حين فرضت عليه لم يكن جباناً ولا رعديداً، والسؤال الآن: أين هو إذن ذلك النبي الذي يرسمه لنا الإعلام الغربي على هيئة السفاح المتعطش للدماء، لا ينزل عن حصانه، ولا ينثلم سيفه، ولا يرحم أعداءه؟… وفق ما يقدمها لهم جيري فالويل وبات روبنسون وجيمي سواغارت وجون أشكروفت من رجال الإعلام والسياسة في الغرب؟؟
إن إظهار شمائل النبي الكريم مسؤولية كل مسلم، ولكنها في المقام الأول مسؤولية رجال الفكر والقلم، وعلينا حين نشرح حياة النبي الأكرم أن نقدمها للناس تماماً كما كان في كفاحه وجهاده وحواره جميعاً، لا يدعى إلى خطة رشد تحقن فيها دماء الناس إلا أجابهم إليها .
رسول الله رائد الحوار يخضع للحق ويلتزم البرهان العلمي
قد لا يكون ممكناً أن نورد هنا سائر مواقفه الكريمة صلى الله عليه وسلم في الاحتكام الى البرهان والحوار وليس إلى السيف والسنان، فهذا أمر يحتاج لمجلدات، ومع ذلك فإن جولة سريعة في بستان السيرة النبوية تكفي لنقرأ صورة رائعة من كفاحه صلى الله عليه وسلم في إطار الحوار والشورى، والكفاح الإنساني للوصول إلى الخير ورفض منطق القوة في حسم الأمور.
لقد كان إمام الحوار والشورى ورفض أن يجلس في برج عاجي يتميز فيه عن الناس، وظل يتصرف كبشر قائد، مؤكداً أنها رسالته التي كلفه بها الله سبحانه، وقال مراراً: ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ.
وبخلاف ما تعودته الناس من الأساطير التي تنسج عن رجال الغيب والناطقين باسم الرب، فإن النبي محمداً رسم لنفسه ملامح أخرى تتأكد فيها بشريته ومكانه الإنساني أكثر من أي شيء آخر، تقرأ ذلك مئات المرات في نصوص التنزيل: ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎﰏ ، ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ، ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ !! الأمر الذي جعل يهود المدينة يقولون: كيف نتبع رجلاً لا يدري ما يُفعل به ولا بنا؟؟
إنه نبي شحاع بكل المقاييس، لقد وقف أمام الناس وهو يحدثهم عن حجم معرفته البشرية بأمانة: أيها الناس إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأسمع منه فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما هي جمرة من النار فليأخذها أو ليدعها.
في موقف آخر أورد المحدثون أن النبي الكريم لما وصل المدينة رآهم يؤبرون النخل، وتأبير النخل شيء في غاية الغرابة إذ لا يشتمل على تلقيح مادي مفهوم، بل هو تعليق غصن صغير من شجرة على شجرة أخرى حيث يرسل الله الرياح لواقح فيصل بعض طلع النبات ببعض بحكمته وأمره فيكون في ذلك العافية والنشاط للثمرة وتورق بعد جدب وتزهر بعد قحط.
وصل النبي الكريم المدينة المنورة فرأى أهل المدينة يؤبرون النخل، لم يكن معنى التأبير واضحاً وتبادر إلى ذهن النبي الكريم أن الأمر لا يعدو أن يكون واحدة من الخرافات التي سادت في الجاهلية واشتملت على الأوهام وسرعان ما أنكرها فيهم وقال: ما أرى ذلك يغني عنها شيئاً؟؟
كانت القداسة التي تحيط بأذهانهم عن النبي الكريم تحول بينهم وبين استيضاح الأمر فبادروا إلى السمع والطاعة من دون حوار، وهم على يقين بأن ما دعاهم إليه النبي الكريم أبرك وأفضل، ولكن مع ظهور الموسم لم يشاهد الناس شيئاً مما توقعوه وكانت المفاجأة أن الشجر لم يحمل إلا شيصاً، لا زهر فيه ولا ثمر!!
في تلك اللحظة كان على النبي الكريم أن يخوض امتحاناً دقيقاً فكيف يمكنه أن يقول إنه أخبر الناس بأمر ظهر خطؤه؟ وأن توقعه لم يكن صائباً؟
كان في إمكانه أن يقول غير ذلك، وأن يدفع باتجاه حل غامض يربط فيه شح الأرض بإرادة سماوية علية، لا تحيط بها الأفهام ولا تدركها الأوهام، ولكنه مضى أمام الناس بكل شجاعة قائلاً : أيها الناس، إذا أمرتكم بالشيء من أمر دينكم فهو مني وأنا قلته، وإن أمرتكم بالشيء من أمر دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم!!
وفي شاهد آخر شكا الناس للنبي الكريم الغيلة وهي الجماع وقت الرضاع، وأخبره بعضهم أن الغيلة قد تضر بالأبناء فهمَّ أن يمنع الناس من ذلك ولكنه استعان بخبرات متعددة وعلم أن لا أثر للغيلة على الرضاع لأن جهاز الإرضاع لا يرتبط بالجهاز التناسلي، فقال في شجاعة نادرة: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ولكن علمت أن فارس والروم يصنعونه ولا يضرهم فافعلوه.
وهنا فإن موقفه جلي في وجوب الاستجابة للخبرة العلمية والخضوع لها ولو كانت الأفكار المسبقة تقول بخلاف ذلك.
إنه بكلمة واحدة: النبي الذي نقل العالم من ضباب الخوارق إلى ضياء السنن.
رسول الله يطلق ليلة المعراج حواراً عظيماً لمستقبل الأمة
المعراج والإسراء اسم لواحد من أكثر أيام الإسلام إلهاماً وإشراقاً، وقد أعاد الأدب العالمي رواية الإسراء والمعراج في رسالة الغفران لأبي العلاء 449 هجرية، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي 426 هجرية، كما أعاد صياغتها في القرن السادس عشر دانتي في الكوميديا الإلهية 1265م وكذلك ملتون 1667 م في الفردوس المفقود.
ولست هنا في معرض الحديث عن المعراج والإسراء في تفاصيل الحدث الكبيرة، وظروف الإكرام التي وافى الله بها نبيه يوم المعراج، ولكنني أود التوقف هنا عند موضوع أجمعت كل كتب الرواية على ذكره في رحلة المعراج وهو موقف الرسول أمام الله والحوار القدسي الخالد الذي نقله الرسول، في محاورة ربه حين فرض عليه الصلاة، وقد فرضت خمسين صلاة في اليوم والليلة، وفي سياق نص الحديث الشريف فإن النبي الأكرم وقال: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك!! واستجاب له ربه فحط عنه خمساً فتصبح خمسة وأربعين في اليوم والليلة، ولكن الرسول كمحام بارع شجاع يطالب مرة أخرى بتخفيض عدد الصلوات ويتم تخفيفها خمساً وتستمر المطالبة ثم تخفف خمسا فخمساً إلى أن تستقر عند خمس صلوات في اليوم الليلة، يقول فيها الله قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي.
الواقع أن الموقف النبوي الشجاع يطرح سؤالاً في غاية الأهمية وهو: هل ندرك الأفق الكبير الذي منحه الإسلام للحوار والبرهان، بحيث يقف رسول الله أمام ربه، ويقدم رأيه بالحجة والبرهان بعد شورى مع زملائه الأنبياء وبوجه خاص نبي الله موسى بن عمران الذي ظل يقول للنبي صلى الله عليه : لقد خبرت الناس قبلك فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لن تطيق ذلك.
بالتأكيد فإن الله لا تخفى عليه الحجج التي ساقها النبي الأكرم وهو أعلم بعباده، ولكن المطلوب من المؤمن أن يفكر ويحاور، ولا يوجد في الإسلام تابو في وجه العقل، وليس من الإيمان في شيء أن تسير مغمض العينين، تقفو ما ليس لك به علم، أوأن تقول إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، إنه سلوك مصادم لإرادة الرسول الكريم الذي جاء ليخرج الناس من ضباب الخوارق إلى ضياء السنن، وليقول للعالم هذه رسالة العقل والحجة والبرهان.
رسول الله رائد الشورى والحكم الرشيد
وقد قاد صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى هذه الغاية النبيلة وأطلق فيهم ثقافة الحوار ومفهومه، ومراراً رجع عن رأيه واختياره احتراماً لرأي الغالبية، وبذلك كرس في الأرض مفهوماً جديداً لم يكن الناس يعرفونه عن الأنبياء، لقد أصبح النبي الكريم رائداً للأمة في الشورى والبرهان، على أساس من الحوار والمنطق وليس على أساس من الاستعلاء والاعتصام بالغيب.
وفي قراءة سريعة لموقفه في شورى أصحابه يوم بدر نجد أنه صلى الله عليه شاور الناس والتزم نتيجة الشورى في أربعة مواقف: في قرار الحرب ومكان الحرب ومقر القيادة وغنائم الحرب
الأول في قرار الحرب في غزوة بدر فهو لم يقرر الخوض في هذه الحرب إلا بعد أن استمع رأي أصحابه من أهل المدينة خاصة نظراً لالتزامهم بالدفاع عن الرسول في المدينة، ولا بد من فهم رأيهم والاستماع إليه، وطلب من الناس أن يقدموا آراءهم، ومع أن أبا بكر وعمر والمقداد رضي الله عنهم أشاروا عليه ولكنه ظل يقول أشيروا علي أيها الناس حتى تحدث سعد بن معاذ سيد الأوس وزعيم المدينة فاتبرها حينئذ الشزرى الملزمة، فقد كان يريد بالضبط رأي الأنصار قبل اتخاذ قرار الحرب، لأنهم هم أهل المدينة والمطلوب معرفة رايهم قبل اقتحام ساحة المعركة.
والثاني موقفه من اختيار مكان المعركة يوم بدر ، فقد أمرهم بالنزول قبل ماء بدر، وحين قال له الخباب بن المنذر يا رسول الله إنه ليس بمنزل وقدم حجته حول وجوب النزول بعد الماء ليضمن تموين الجيش بالماء والسقيا، حين بدا ذلك رجع رسول الله عن رأيه وقبل رأي الحباب بن المنذر حين ظهر له وللصحابة أن رأي الحباب كان أحكم وأنسب للأمة.
والثالث موقفه من بناء مقر القيادة حين كانت رغبته العارمة أن يتقدم الصفوف وينال الشهادة ولكن الصحابة وعلى رأسهم سعد بن معاذ قال قال يا نبى الله ألا
نبنى لك عريشا تكون فيه ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الاخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام مانحن بأشد حباً لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم يناصحونك ويجاهدون معك .
ومع أن هذا الطلب كان في غير هوى النبي الكريم الذي كان أشجع الناس في مواقف القتال، وكنا إذا حمي الوطيس واحمرت الحدق وجحظت الأعناق نتقي برسول الله فلا يكون أحد أقرب إلى العدو منه، ولكنه قبل رأي الصحابة وترك رأيه.
الرابع موقفه في أسارى بدر حين لم يختر أن يبت في أمرهم إلا بعد شورى بين أصحابه، وقال ما أنا بقاض في أمرهم شيئاً حتى أستشير أصحابي، وكان رأي عمر وفريق من الصحابة قتل الأسارى ورأي أبي بكر وفريق من الصحابة العفو عن الأسارى وكانت نتيجة الشورى هي اختيار حصيلة رأي الجمهور، وهو إطلاق الأسرى بشرط دفع الفدية، وهو ما يحقق طرفاً من العفو الذي طالب به فريق أبي بكر وطرفاً من العقوبة التي طالب بها عمر.
إنها أربعة مواقف شهيرة في يوم واحد التزم فيها رسول الله خيار الجماعة، وترك خياره، وأعتقد أن كل يوم في حياته الكريمة صلى الله عليه وسلم يشتمل على تلك البينات.
والأمر نفسه تكرر في أحد وحنين وغيرها من أيام الإسلام المشهودة، وكان صلى الله عليه رائد الحوار والبرهان والشورى في سائر أيامه.
ونشير هنا إلى موقفه في يوم أحد حين قرر البقاء في المدينة والدفاع عنها من الداخل ولكنه فيما بعد ترك رأيه واستجاب لرأي الأغلبية الذين كانوا يرون أن الأفضل هو الخروج من المدينة ومواجهة العدو خارجها، وقد استجاب لرأيهم وترك رأيه وقد شعر الصحابة بذلك ودخلوا عليه وقالوا يا رسول الله لعلنا أكرهناك ؟ فإن شئت فالزم رأيك.. لا نعصيك أبداً !! ولكن الرسول الكريم لم يرجع إلى رأيه وظل ملتزماً بخيار الجماعة، وقد أغضب موقفه هذا عبد الله بن أبي سلول الذي كان يرى رأي الرسول ويرفض الخروج من المدينة، وهكذا فإنه رفض تغيير رأيه إلى خيار الأكثرية وخرج من المسجد مغضبا وقال: أطاع الصبيان وعصاني!! والله لا أدري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس!!
وبعد أن تلقى أمر الله تعالى: وشاورهم في الأمر لم يكن رسول الله ليترك الشورى في شأن من شؤون حياته، وقد وصف القرآن الكريم واقع مجتمع الرسول الكريم بقوله: والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم.
رسول الله يراجع موقفه بشجاعة، وينسخ عدداً من أوامره، ويختار مصلحة الأمة
جاء القرآن الكريم صريحاُ في شرح الطبيعة البشرية للرسول الكريم، وقطع أي احتمال للجدل في بشريته، والمتأمل في القرآن الكريم سيجد ذلك مسطوراً فيه على أتم غاية من الوضوح والبيان.
ومراراً كان يهم بالشيء مظنة أنها الصالح للناس فيبدو له الأصلح فيتخلى عن الأول بكل شجاعة ولا يبالي أن يقول للناس إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وأنا بشر آكل كما يأكل العبد وأجوع كما يجوع العبد.
كان اندفاعه للحوار ورغبته في إيمان قومه يحملانه على فعل كل ما هو ضروري، وبعد أن اعترض أكثرهم على مجالسة الضعفاء والفقراء هم أن يستجيب لهم، وبدأ التفكير في تخصيص مجلس للأغنياء والسراة وآخر للفقراء والمساكين، ولكن القرآن الكريم جاء هنا شديداً في وجوب مراجعة الذات والخضوع للحق وعدم الوقوع في فخ المشركين الذين أرادوا تجاوز قيم الإسلام في المساواة والعدالة، ونزل قرآن كريم: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين، وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين.
وحين هم النبي الكريم أن يستجيب لطلبهم رجاء تألف قلوبهم، جاء القرآن شديدا صارما: ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
وجاء القرآن الكريم في آيات أخرى يدعو النبي الكريم للاستغفار من ذنبه والعود عن الخطأ إذا ما تبين له الصواب: ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ .
أما الرسول نفسه فقد أعلن ذلك على الملأ وقال: إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين ثم أجد غيرها خيراً منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني.
ولا شك أن حلف الرجل على شيء لا يكون إلا على خلفية يقينه بما يحلف فيه، ولكنه على ذلك لم يتردد في العودة عن يمينه والرجوع عن رأيه إذا ظهر له أن الثواب في تركه.
وفي هذا الباب نسجل كثيراً من مواقف السنة النبوية الكريمة ، وقد جمع العلماء هذه الحقائق تحت باب نسخ السنة بالسنة، كما أوردوه تحت باب تقيد المطلق وتخصيص العام، وغيرها من الأبواب المعروفة في أصول الفقه.
رسول الله يؤصل لاحترام القضاء والخضوع للقانون:
لقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوح أن القضاء سنة محكمة وفريضة متبعة، وقال في موقف شجاع وفريد:
أيها الناس إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمعفمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها.
وكذلك نشير هنا إلى موقفه الشجاع الذي كرره مراراً بقوله: إذا قضيت لكم بالشيء من أمردينكم فخذوه وإن قضيت لكم بشيء من أمر دنياكم فإنما أظن ظناً، أنتم أعلم بأموردنياكم.
وأحاديث السيرة النبوية كثيرة في هذا المعنى وحين كان يرسل أصحابهبأوامر واضحة كان يقول لهم: إن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب فلا تظلموا الناس فيشيء، وكان علي بن أبي طالب قد سأله يوماً يا رسول الله أحدنا ترسله في أمر أيكون كالسكة المحماة أم إن الشاهد يرى ما لا يراه الغائب؟؟ قال: بل إن الشاهد يرى ما لايراه الغائب.
ونزل القرآن الكريم بعتابه عشرات المرات، وبإمكانك أن تتأمل في هذه الآيات الكريمة التي نزلت في إطار معاتبة النبي الكريم على ما هم به من القضاء ضد يهودي لمصلحة رجل من المسلمين اسمه طعمة بن أبيرق وكان طعمة هذا قد سرق متاعاً من بعض الأنصار فلما أوشك أن يفتضح نقل المسروق إلى رجل يهودي اسمه زيد بن السمين وحينما ادعى أصحاب المتاع المسروق على طعمة بن أبيرق تنصل من ذلك ودفع بالتحقيق إلى بيت زيد بن السمين حيث ضبطت عنده المواد المسروقة، وبدافع من الدفاع عن المؤمنين جرى بسرعة اتهام اليهودي زيد بنالسمين بالسرقة بقرينة وجود المتاع المسروق ولم تتح له فرصة تقديم البينة والشهودعلى براءته، وهنا نزل القرآن شديداً في معاتبة النبي الكريم:
ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﭑ ﭒﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ
فإذا كان النبي الكريم وهو مصدر التشريع يصدر عنه الحكم مراراً ثم يراجع فيه، ويقر عشرات المرات بأن غير ما قضى به كان أحكم، وفي سياق قريب من ذلك نذكر مسألة تحول القبلة مرتين ومسألة أسارى بدر وندمه على ما قضاه بشأنهم بعد عتب القرآن عليه، وإذنه للمتخلفين ثم مراجعة القرآن الكريم له، وإباحته لحوم الحمر الأهلية ثم نهيه عنها، وإباحته للمتعة ثم نهيه عنها، ومنعه من ادخار لحوم الأضاحي ثم إباحته لها، وفتواه بالمفارقة في مسألة الظهار ثم رجوعه عن ذلك وإقراره الكفارة بعد مجادلة المرأة بالحجة والبرهان، وفتواه بالحد على ثابت بن قيس حين قذف امرأته بشريك بن سحماء ثم رجوعه عن ذلك، وتشريع الملاعنة في قاذف الزوجة خصوصاً، وإعداده الصلح مع غطفان وهوازن يوم حنين ثم اتباعه لرأي السعدين في الكف عن المصالحة، وقراره لزوم المدينة لمواجهة جيش أحد ثم تغيير رأيه فيما بعد وخروجه إلى جبل أحد، وهي مواقف تعد بالعشرات إن لم نقل بالمئات وكانت ترسم في النهاية استجابة واضحة لمقتضى الحال سواءأكان ظهوراً لحقيقة علمية أو استجلاء رأي شعبي أو مصلحة عليا للأمة.
لقد قام الفقهاء بدراسة هذا الباب بتفصيل كبير تحت عنوان ما نزل في حقه صلى الله عليه وسلم من عتاب، حتى قالت عائشة لو كان رسول الله كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية، والمقصود آية سورة الأحزاب التي جاءت بالغة الشدة على النبي صلى الله عليه وسلم: وتخفي في نفسك ما الله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه، وهي واحدة من نحو عشرين آية وردت عتاباً على النبي صلى الله ولكنه بلغها بأمانة كسائر ما أنزله الله من الوحي المبين.
لقد قدمنا هنا طرفاً من شمائله العظيمة صلى الله عليه وسلم، وهي حقائق جلية يجب أن يتوقف عندها كل كاتب في الشأن الإسلامي، وليس بوسعنا هنا الاستقصاء كي نقدم البرهان للعالم أن هذا النبي الكريم الذي عاش قبل أربعة عشر قرناً كان رائد الإخاء والحوار والشورى، وفي حياته العظيمة معالم الحرية الفكرية وحرية التعبير والخضوع لدولة القانون وثقافة الشورى والرأي والرأي الآخر،وهي القيم التي يتحدث عنها العالم اليوم في حين أنها كانت مدونة ومعروفة من سيرته صلى الله عليه وسلم لكل مسلم قبل أربعة عشر قرناً من الزمان، ولكن المطلوب حقيقة هو أن نقرأ قيم الإسلام بثقافة العصر لا بعيون الموتى.
ولا تهدف هذه الدراسة إلى استقصاء شمائله صلى الله عليه وسلم، بل تهدف إلى تقديم نموذج من الشمائل المغيبة والتي هي مطلب العصر اليوم، والدعوة إلى نشر هذا اللون من الشمائل عبر كافة وسائل الثقافة والتعليم والإرشاد والتوجيه، وإطلاق هذه القيم النبوية الكريمة عبر الإعلام الدولي والمحلي، وعبر منصات المؤتمرات في العالم، ونشرها على أوسع نظاق لتسد هذا الفراغ الكبير في بيان شمائل الرسول الحضارية والإنسانية بأسلوب العصر الحديث.
المطلب الثاني: رد الشبهات:
ما فتئ أعداء الإسلام يلقون الشبهة تلو الشبهة في سيرته العطرة صلى الله عليه وسلم، وقد تولى القرآن الكريم مراراً توضيح الحقائق وكشف الشبهات، ونورد باختصار واحداً من الحوارات التي سجلها القرآن الكريم دفاعاً عن مكانة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم:
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ
ثم مضى يوضح معنى بشرية الرسول وضرورتها في الحجة والبرهان فقال: ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ
وبجولة عجلى يمكننا أن نقرأ في القرآن الكريم أكثر من عشرين شبهة ألقاها المشركون على الرسول الكريم وتولى الله سبحانه الدفاع عنه فيها، ومن هذه الشبه اتهامه بالشعر فقال تعالى: وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ، واتهموه بالكهانة فقال الله تعالى: ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون ، واتهموه بالسحر والشعوذة والجنون والكذب، وتهموه بأنه يتلو من أساطير الأولين واتهموه بانه لا يدري ما يفعل به ولا بنا، وأنه بدع من الرسل وأنه يفتري على ربه وأنه يستحل ما حرم الله وأنه يحرم ما أحله الله، وأنه يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وأنه ما يقوله ما هو إلا سحر مفترى، إلى غير ذلك من الاتهامات الباطلة وكان القرآن الكريم يتولى الإجابة عن ذلك كله.
ولكن كشف الشبهات لم يكن دوماً بطريقة واحدة وأحبر القرآن الكريم بأن كثيراً من الشبهات لا ينبغي إثارتها فهذا غاية ما يتمناه المرجفون وتوجه إلى أهمالها، كما في الموقف السابق فبعد الاتهامات المتتالية التي اتهمه بها أعداء الإسلام كان جواب القرآن الكريم بكلمة واحدة: ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ .
إن المرجفين اليوم يتولون نشر الشائعات بين الحين والآخر ويطالون مقام النبوة العظيمة بألوان من التهم والافتراءات، ولكن هل ينبغي أن نرد دوماً على هذه الاتهامات المريضة؟
قناعتي أن كثيراً من المرجفين لا يدفعهم إلى هذا الافتراء إلا الرغبة في الشهرة والذكر فمن الناس من يحب الشهرة ولو بالصفع على القفا، وهذه المحاولات المريضة التي تظهر بين الحين والآخر على شكل إساءات كرتونية لصورة الرسول الكريم أو أفلام ساقطة منحطة لا تستحق في رأيي هذه الضوضاء التي تصنع حولها، ففي العمل الإعلامي أنت تقدم خدمة لمن تهاجمه لان قصده الإثارة والشهرة وأنت تحققها له بأدواتك ووسائلك وعلى حساب غضبك وانتقامك.
وكي نكون أكثر صراحة وواقعية يمكننا ان نتذكر هنا موقف العالم الإسلامي من الكاتب البريطاني سلمان رشدي، ففي عام 1986 لم يكن أحد قد سمع بسلمان رشدي، ولكن فتوى الخميني بوجوب قتله دفعت اسمه إلى الصدارة بين نجوم الفن والمشاهير، وصار حديث العالم من زعماء وبرلمانات ومؤسسات، وتسابق العالم الغربي لتقديم الحماية لرجل تم تقديمه للعالم على أنه مفكر حر وقع ضحية التهديد بسبب مواقفه الفكرية!! وخلال شهور أصبح سلمان رشدي أشهر كاتب في أوروبا والعالم الغربي، مع أن دراساته وكتاباته لم تكن تحظى بأي اهتمام، وبوسعي أن أطرح سؤالاً بسيطاً هنا وهو كم من الجمهور الكريم هنا قرأ له من قبل أو من بعد شيئاً مما كتب؟
إنه ليس فكتور هيجو ولا انطون تشيخوف ولا وليم شكسبير، وكان من الممكن أن يموت ويهلك دون أن يسمع به أحد ولكن الغضب الانفعالي الذي قام به المسلمون في كل مكان في الأرض منحه الشهرة وسبب لنا الإدانة ولم نصل إلى أي من غاياتنا في وقف حملات التشويه ضد الإسلام، أو في عقابه على ما فعل، بل إن هذا الأسلوب قدم إغراء حقيقياً للراغبين في الشهرة ليمارسوا مزيداً من نشر ثقافة الكراهية ضد رسول الله.
لقد شرح الإمام الشافعي هذه الحقائق من قبل بأسلوبه العذب المتين فقال:
إذا نطق السفيه فلا تجبه فخير من إجابته السكوت
فإن جاوبته سريت عنه وإن خليته كمداً يموت
وقال الأصمعي:
متاركة السفيه بلا جواب أشد عليه من مر الجواب
وما شيء أحب إلى سفيه إذا شتم الكريم من الجواب
وهذه الحقيقة مارسها رسول الله في حياته، حين رفض أن يرد على ناعق، وحين أرجف المنافقون في المدينة بأشد أنواع الإساءة نذالة ولؤماً كان موقفه صلى الله عليه وسلم في التعامل معهم أحكم ما يمكن أن يقوم به البصير العاقل، واكتفى بأن قبل إنكارهم لما قالوه ولم يعاقبهم ولم يكفرهم على الرغم من أن القرآن الكريم جاء صريحاً في فضوحهم حين قالوا: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، وحين قالوا ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كمثل القائل سمن كلبك يأكلك، وكذلك يوم حنين حين قال قائلهم: بطل السحر اليوم، وقال آخر لن تنتهي هزيمتهم دون البحر، وغير ذلك من الاتهامات التي كانت تبلغ مسمع النبي الكريم فيتجاهلها، ويقبل منهم ظاهرهم، وفيحدث فريد حين جاءه عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول وعرض أن يقتل أباه بعد أن فضح القرآن نفاقه، وكانت فرصة من ذهب للرسول أن يتخلص من خصمه الفاجر، فيقتله ابنه وتسجل القضية نزاعاً عائلياً ليس لنا فيه شأن، ولكن رسول الله أبى ذلك كله وقال لا يا عبد الله بل نترفق به ونحسن صحبته ما دام فينا! وفي موقف ذي دلالة قام المشركون ذات مرة بعقد حملة عنيفة لشتم رسول الله وأطلقوا عليه اسم مذمم بدل محمد، وحين بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ابتسم وقال: انظروا كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم إنهم يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً وأنا محمد… وانتهت القضية…
وفي السياق نفسه قال الإمام الشافعي:
يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيباً
يزيد جهالة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً
إن مسؤولية العلماء في رد الشبهات المتوجهة إلى رسول الله مسؤولية دقيقة وخطيرة، وعلينا أن ننتبه إلى الحقائق التالية في رد الشبهات:
أولاً: ليس كل شبهة أثارها عابث سفيه تستحق الرد، فهناك كثير من الشبه لا تأثير لها في الناس ولا تقنع أحداً والأفضل في هذه الحالة الإهمال، فهذا اللون من الشبهات نعالجه بالإهمال والترفع عنه، وهناك مرجفون يرغبون بالشهرة ولو بذكر مخازيهم ومساوئهم، وعلينا أن لا نوفر لهم هذه الفرصة بالمجان.
وليس كل كلام جاء معتبراً إلا كلام له حظ من النظر
وترد هنا دعاوى المرجفين أن الرسول الكريم كان مصاباً بالجنون أو بالأمراض النفسية أو العته أو غير ذلك مما قاله المشركون في زمن الرسالة، ولا يصدقه اليوم أحد من العقلاء لأن الناس رأت نجاح الإسلام في كل وجه، ولا يصدق أحد أن هذا النجاح يمكن أن يكون بدون قائد حكيم وعليم وملهم.
ثانياً: الشبهات التي تتعمد خلطاً مباشراً بين قيم إسلامية أصيلة واتهامات غربية لئيمة، كالخلط بين الجهاد والإرهاب، وبين حرية المرأة وبين امتهانها، وبين الحج والوثنية، فهذه الشبهات تحتاج إلى إيضاح لأنها بالفعل ملتبسة لدى كثير من عقلاء العالم ولا بد من تحرير الأدلة في ذلك لرفع غاشية السوء والريبة.
ثالثاً: إن الدفاع عن مقام الرسالة يتطلب في الواقع هدوءاً واتزاناً ولا ينبغي أن يأخذنا الانفعال والغضب، فقد تأخذنا حمية الانتصار لدين الله فيتملكنا الغضب، والغاضب ليس غانماً في معارك الحوار، بل كاسب الحوار هو الأكثر هدوءاً واتزاناً وابتساماً.
رابعاً: لا بد من استعمال الأساليب الحديثة في التعبير والشرح والإقناع، كالإحصاءات والوسائط المرئية والمسموعة، والبرامج التفاعلية ومواقع التواصل الاجتماعي، فهذه كلها وسائل حديثة ولها أبلغ التأثير في تغيير قناعات الناس، ولم يشتغل بها السلف من قبل، وعلينا خوض هذه الساحة بوسائل العصر وأدواته، فعلى سبيل المثال حتى الآن لم تتقدم مراكز الدراسات المعنية بالدفاع عن رسول الله بإحصاءات رقمية حاسمة تعكس حجم المصدقين والمشككين، وترقم حجم التحول من التصديق إلى الشك، ومن الممكن القول إن ما تقوم به الفضائيات اليوم من طرح أسئلة والوصول إلى نسب الموافقين والمخالفين تعتبر نموذجاً لما يجب أن يقوم به من يخوض في منطق الحوار والحجة والبرهان.
خامساً: إن الذين يحملون رؤية مشوهة عن رسول الله ليسوا بالضرورة أشراراً وحاقدين، إنما هم ضحية ماكينة إعلامية حاقدة موتورة، ويجب أن نعذر الناس، ونعاملهم بمنطق المحجوب عن الحقيقة وليس بمنطق المستكبر عنها، ويجب أن لا يهولنا حجم المشككين برسول الله لان ذلك نتيجة طبيعة لتقاعسنا عن الدفاع عن رسو الله بالوسائل والمناهج التقدمية والحديثة.
المطلب الثالث: النضال الحقوقي
إن الدعوة إلى إهمال المسيء وإعراضنا عن الانشغال بالإساءة لا يعني أبداً قعودنا عن نصرة رسول الله، ولا يعني أبداً أن نتوقف عن واجبنا في كشف الشبهات وإطهار الحقائق، بل على العكس من ذلك نحن مطالبون بمزيد من العمل لكشف الحقائق ورفع الشبهات ولكن على أساس من الحكمة والبصيرة، وليس على أساس الصخب الإعلامي الذي لا يفيد في شيئ إلا اشتهار المفسد المسيء، والإساءة إلى الإسلام بوصفه ديناً غاضباً لا يحتمل الخلاف في الرأي ولا يؤمن بحقوق التعبير.
إنني على العكس من ذلك أدعو إلى نضال مزدوج لمواجهة الإساءات وذلك عبر النضال الحقوقي وكشف الشبهات، ولا ينبغي أن تتوقف الأولى على الثانية، بل يتعين أن يمضي الجهد متوازياً فتنهض طائفة منا إلى منصات القضاء العالمي وتقوم طائفة أخرى إلى رد الافتراءات بالحجة والبرهان وبمختلف وسائل الثقافة والتعليم والإعلام دون أن نقدم خدمة مجانية للراغبين بالشهرة عن طريق الإساءة.
ومصطلح النضال الحقوقي الذي نستخدمه هنا يعني مطاردة المسيئين عبر قنوات القضاء والمحاسبة المحترمة في العالم، وهذا بالضبط ما يردعهم عن غيهم ويوقف شرهم.
وقد يبدو لبعض المراقبين أن هذا اللون من النضال ما هو إلا عبث وضياع وقت فالقوانين الغربية لا تلتفت إلى هكذا دعاوى وهي تشجع المسيئين على المضي في غيهم، وأن القوانين السائدة في الغرب تتبنى الحرية المطلقة ولن يحاسب أحد على إساءة بل إنهم سيقدمون له مزيداً من الإغراء ليهاجم رسول الله.
والحقيقة أن هذا التعميم خطأ كبير، وقوانين الغرب ليس اتجاهاً واحداً على النمط الفرنسي المستهتر بالأديان، بل إن قوانين العالم طافحة بالمواد المتوازنة التي تمنع الإساءة إلى حريات الآخرين، وهناك أكثر من ثلاثين علماً في العالم يحتوي على الصليب وهو رمز ديني وإهانته بكل تأكيد مخالفة قانونية، وكذلك كل رمز ديني يدين به عدد من المواطنين، حيث لا تخلو بلد أوروبي من مئات الآلاف من المواطنين المسلمين، والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم قضية حق ولكنها تحتاج إلى محام بصير، ولا شك أن كثيراً من القوانين في هذه الدول وضعها خبراء حقوقيون، لا يؤمنون باحتكار الدين، ويمكن الاستدلال بما نصوا عليه في معاقبة المسيء للرمز الديني، الذي يؤمن به ملايين من أبناء تلك الشعوب، وهنا أطرح سؤالاً مؤلماً: هل قام مركز أبحاث إسلامي متخصص بجرد قوانين الغرب التي يمكن من خلالها محاسبة المسيئ للقيم الدينية؟ الجواب بكل مرارة لا، أو على الأقل لم نسمع أن أحداً متخصصاً قام بهذا ووضع المواد المناسبة لمحاسبة المسيء أمام الخبراء ليبدؤوا نضالاً حقوقياً في محاسبة المسيئين.
إن المطلوب هنا نضال طويل وحكيم، وليسمح لي القارئ الكريم أن أسترسل بعض الشيء لأشير إلى مثال قريب عادة ما يتذكره الناس كلما طرحت هذه المسائل وهو موقف الغرب من نقد المحرقة الصهيونية ومعاقبة المشككين فيها في حين أنه لا يفعل شيئاً مع إهانة المقدس الإسلامي.
ومع أن هذا الكلام صحيح من جهة المبدأ ولكن علينا أن نكون واقعيين وأن نتأمل الأسباب التي أدت إلى ذلك فقد كان الحديث عن المحرقة إلى عهد قريب لا يعدو كونه حرية فكر، وكان كثير من الكتاب والمحررين يشككون في المحرقة وستهزؤون بها، وكان القانون الأوروبي لا يستطيع فعل شيء في مواجهة هؤلاء إلى عهد قريب.
ولكن ذلك أصبح اليوم عملاً مجرَّماً في عدد من البلدان الأوربية، ولعل قائلاً يقول ومتى سيجرم الأوربيون الإساءة إلى رسول الله كما جرموا الإساءة الى الهولوكست اليهودي؟
والجواب ان ذلك لم يحصل بسبب قناعة زعيم أوروبي أو موقفه الفكري، لقد حصل ذلك نتيجة حملات متواصلة في المحاكم العالمية قامت بها الحركة الصهيونية عبر قضاة ومحامين وكتاب وخبراء وإداريين تم التواصل معهم وتنسيق جهودهم لحمل البرلمانات الأوربية على إصدار صكوك تشريعية تجرم من شكك بمعاناة اليهود، ومع أنهم نجحوا في برلمانات قليلة محدودة ولكنهم نجحوا في إرهاب الأحرار في كل مكان في العالم أنهم قادرون أن يطالوهم في محاكم كثيرة ويحولوا حياتهم إلى قلق وعناء.
لم يتوقف الكيد اليهودي عند الصخب في مظاهرات غاضبة أو مهاجمة الناقدين وضربهم وقتلهم، ومع أنهم قاموا بأشياء إجرامية كهذا ولكن ما مكنهم اليوم من حماية قضيتهم هو النضال الحقوقي الذي قام به صهاينة محترفون بصمت طويل ونجحوا في أعقاب حملات طويلة في انتزاع صكوك تشريعية برلمانية في بلدان محددة ثم استطاعوا أن يوهموا العالم أنهم قادرون على معاقبة كل من يخالفهم الرأي.
إننا مطالبون اليوم بالبدء بحملة نضال حقوقي، يتولاها خبراء حقوقيون متمرسون، ليس ليمارسوا صخب الشوارع ولا ليهبطوا لمستوى الإساءات الدنيئة التي يمارسها الأشرار، ولكن ليذهبوا إلى المنصات الصحيحة في القضاء في العالم الغربي مستفيدين مما يتوفر اليوم في التشريعات الغربية من حماية الحقوق ومنع الإضرار بالناس وهي نصوص كثيرة يمكن أن تكون أصلاً لدعوى صحيحة لمعاقبة من يسيء إلى مقدس يتبعه ملايين من أبناء هذه الشعوب، وكذلك للبدء في حملات موازية في مطابخ القرار الحقوقي من برلمانات وقيادات سياسية واجتماعبة وحقوقية، ليمارسوا الضغوط المشروعة للحصول على صكوك تشريعية ملزمة تجرم الإساءة إلى المقدس الديني، وتعاقب الفاعلين.
إن الدول التي تعاقب اليوم على التشكيك بأرقام المحرقة لا تتعدى ستة عشر بلداً في العالم من أصل 193 دولة منها اثنا عشر بلداً أوروبيا، ولا تزال دول أوربية رئيسية لا تعاقب على هذا اللون من التشكيك منها بريطانيا وإيطاليا ولكن الصهاينة نجحوا أن يجعلوا منها فزاعة حقيقية في وجه كل من يفكر بالرد على دعاويهم وافتراءاتهم فيما يتصل بالمحرقة.
وكان أول بلد تبنى هذا القانون هو النمسا عام 1992 وتبعتها المانيا في العام نفسه، ولا زال الصهاينة يقومون بكيد حقوقي مستمر لزيادة عدد هذه الدول وهم يكسبون في كل عام دولاً جديدة.
إن إمكانية نجاح النضال الحقوقي في تجريم المسيئين للنبي صلى الله عليه وسلم أكبر من إمكانية نجاح النضال الحقوقي في تجريم المسيئين للمحرقة أو المشككين بها، وفرص النجاح هذه واقعية وعملية ولكنها تحتاج فقط إلى إرادة صحيحة وتخطيط حكيم، ومحامين متمكنين، وليس بعيداً أن تشهد السنوات القادمة بوادر هذا النجاح في عدد من العواصم العالمية، وأن تصبح إهانة المقدس الديني جريمة يعاقب عليها القانون في البلاد المتحضرة، وبذلك سيغدو الإنسان أكثر احتراماً وعقلانية وحكمة.
وأعتقد أن هذا اللون من السعي المحمود لا ينبغي أن يتوقف لحظة واحدة، وعلينا الآن أن نبدأ بدراسات جادة في القوانين الغربية ومعرفة النصوص القانونية في القوانين المحلية في دول ذات اعتبار في الغرب، التي تأذن بالشروع بهذا اللون من المحاكمات/ ومن المؤكد أن نجاح قضية واحدة على منصة القضاءفي إدانة مسيء للأديان، ستكون سابقة هامة، وستعتبر بشكل تلقائي اجتهاداً سايقاً، تستند غليه محاكم كثيرة، وسيتحول بمزيد من العمل والنضال الحقوقي إلى صكوك تشريعية تلزم القضاة فيما بعد.
وليس من المطلوب أن يتحقق ذلك في كل مكان، بل يكفي أن ننجح في بلد او بلدين ليكون ذلك رادعاُ للمسيئين فيما يحيط بهما من البلدان، حيث يتم تفعيل اتفاقيات تسليم المجرمين، ومنع السفر وإجراءات كثيرة تحقق ردعاً إيجابياً لصالح الإخاء الإنساني وضد كل أنواع ازدراء الأديان.
كما أن السعي عبر الأسرة الدولية ومنظمات الأمم المتحدة ينبغي أن لا يتوقف لتعزيز هذه الحقيقة وهناك سوابق تبنتها الأمم المتحدة في هذا الشأن عبر الجمعيى العامة، ليس لها صفة الإلزام ولكن لها تأثير كبير على سلوك الدول والأفراد في العالم.
المطلب الرابع: النقد الذاتي:
إن الجانب المهم في الرد على الإساءة ينبغي أن يسلك سبيل النقد الذاتي الشجاع، فكثير من هذه الاتهامات التي تكال للإسلام والمسلمين لها أسبابها ومبرراتها وذرائعها، وعلينا أن ندرك تماماً أن مواجهة هذا اللون من الإساءة يتطلب دوماً مراجعة شجاعة للذات، ونقداً لكثير من الموروث، ودعوة للتجديد والتنوير، وذلك استناداً إلى حقيقة أصلها الفقهاء الكرام في دراساتهم تحت عنوان كبير وحكيم وهو سد الذرائع.
إن باب سد الذرائع ندرسه عادة في جوانب العبادات والحلال والحرام، ولكنني أعتقد أنه أصل أيضاً في ثقافة الحوار، وحتى نقدم للعالم حقيقة واضحة في الحوار فإن علينا أن لا ندافع عن أمور نحن فيها مدانون، ويجب القول إن المجتمع الإسلامي لم يعد يعيش تلك البراءة التي طبعت عهد النبوة الأول، وهناك أخطاء كثيرة لا يمكن الدفاع عنها، إننا نرتكب خطأ قاتلاً عندما ننطلق في حوارنا أننا دائماُ على صواب وأن الآخرين على خطأ، إننا بحاجة إلى عقل نقدي لخصه رسول الله بكلمة واحدة لا يوجد في تاريخ النبوات ما هو أشد منها صراحة وصدقاً حين قال: إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين ثم أجد غيرها خيراً منها إلا فعلت الذي هو خير وكفرت عن يميني.!!..
إنه عقل نقدي شجاع وبصير، لا يبالي كلام الناس طالما أنه يخضع للحق ويلتزم معاييره، إن من المؤكد أن المرء لا يقسم على شيء إلا عندما يبلغ في ذهنه رتبة اليقين فكيف إذا كان منأقسم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولكنه مع ذلك يعبر عن خضوعه للحق بطريق لا يحتمل أي لبس ولا تأويل.
إن إحياء ثقافة النقد الذاتي والمراجعات هي حقيقة لا بد منها في كل مرحلة من التطور التاريخي للأمة، وعلينا أن نتحلى بالشجاعة في النقد البناء، لقد ترك الشافعي مذهبه القديم كله حين تبدت له حقائق جديدة بعضها في المنقول وبعضها في المعقول وبعضها في المستجد المنظور، وقال لا أحل لأحد أن يفتي بمذهبي القديم إلا في سبع عشرة مسألة، وقد سبق الصحابة إلى هذا اللون من النقد الذاتي، وصنف الزركشي كتاباً بالغ الأهمية دوَّن فيه مراجعات عائشة للصحابة الكرام، تحت عنوان الإجابة لما استدركته عائشة على الصحابة، وجمع فيه ما ردته السيدة عائشة من المأثور على أبي هريرة وعلى أبي الدرداء وغيرهم من كبار الصحابة، وكان ردها عليهم في غاية الجرأة والوضوح.
وعلى سبيل المثال روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: الطيرة في ثلاث المرأة والدابة والدار، ومع أن السند هنا لا يرقى إليه الشك فالراوي هو أشهر الصحابة رواية وأكثرهم نقلاً وهو أبو هريرة، ولكن عائشة وقفت هنا موقفا نقدياً مسؤولاً وقالت أخطأ أبو هريرة، أو لم يحفظ ابو هريرة إن رسول الله قال: كان أهل الجاهلية يقولون الطيرة في ثلاث المرأة والدابة والدار….
إنني أعتقد أننا لا نملك اليوم هذه الجرأة القوية في النقد البناء، وربما يكرس بعضهم خطباً طويلة على المنابر للدفاع عن حديث كهذا واتهام الناس جميعاً بقصر الفهم وقلة العلم وعدم الاطلاع على أسرار هذه الرواية في حين أن موقف السيدة عائشة النقدي عليها رضوان الله تعالى هو الذي يقنع السائل ويرد الشبهة، وليس تبرير ما روي بأسرار خبيئة ومعارف غامضة.
كما أن كثيراً من هذه الاتهامات تستند إلى سلوك مجموعات صوفية أو اتجاهات تكفيرية تستوجب الإنكار من فقهاء الشريعة، ولعلنا في كثير من الأحيان نؤثر السكوت عن أخطاء كهذه رغبة في درء الفتن، ولكن هذا السكوت يقدم للعالم الغربي المبررات أن ما يظهر من هذه الانحرافات هو اتباع صحيح للإسلام بدليل أن علماء الأمة لم ينكروه، وهنا يتعين على أشراف الأمة أن ينهضوا للرد على هذه الأوهام وتعرية قائليها، وبشكل خاص في إطار الخطاب الموجه إلى الآخر، الذي تلتبس عليه المسائل.
إن النقد الذاتي ضروري إذا أردنا أن يبقى دفاعنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة وبرهاناً يبلغنا اليقين.
وبعد
وفي خضم التصارع الدولي الذي يتفاقم كل يوم تحت عنوان الحرب على الإرهاب، فإن الإسلام يبدو كل يوم أكثر قرباً من مركز الصراع كهدف غير معلن ويرسم ذلك في الواقع ملامح توجه الصراع وغاياته ومراميه. وهنا فإنني أعتقد أن من واجب العالم الإسلامي أن يتعاطى مع هذه المسألة بجدية، وأمام توافر المبررات فهل يتعين القول أن الحرب على الإسلام قادمة وهل من مصلحة الإسلام أن يوافق على خوض حرب كهذه وهل هي حرب مفروضة لا خيار له في خوضها؟؟ أسئلة كثيرة تختلف اليوم الإجابات عليها اختلافاً حاداً، ويبدو أن الخطاب الأكثر شعبية في الإعلام العربي اليوم هو النفخ في كير المواجهة.
من وجهة نظري لا يمكن افتراض الشر المطلق في الآخر أياً كان هذا الآخر، وقبل ذلك يجب القول أن هناك أصدقاء كثير للخير والسلام في العالم، إنني أدعو إلى المراهنة على هؤلاء واعتقد أن لدينا الكثير مما يمكن أن نفعله، وعلينا أن نذكر العالم أن منطق الإسلام هو الحوار والتعاون وليس الصراع والمواجهة، والإسلام مشتق من السلم والله اسمه السلام والإسلام دين السلام والجنة دار السلام وتحية المسلمين في الأرض السلام، ولا شك أن هذا الرصيد الأدبي يوفر أرضية كافية لبدء حوار إيجابي بناء مع القوى المحبة للخير في العالم.
وبعيداً عن المنطق الخطابي هذا فإن علينا أن نتذكر أن نظرية صدام الحضارات كما هو معروف لم تكن مشروعاً إسلامياً، وإنما كانت بشكل قاطع ومؤكد مشروعاً أمريكياً، حين قدمه الكاتب الأمريكي صمويل هنتنغتون واعتمده مجلس الأمن القومي الأمريكي، وقد اعتمد البنتاغون هذا التقرير وثيقة استراتيجية حظيت باهتمام كبير، وحين تداولته دوائر القرار في أمريكا على أساس أن المواجهة بين الحضارات أمر محتوم، وأن الإسلام هو أكثر الأهداف المحتملة لهذا الصراع فإن الأمة الإسلامية قد قامت بمواجهته بشجاعة وبسالة من قبل الأمة الإسلامية عندما أقرت منظمة المؤتمر الإسلامي الدعوة إلى مشروع حوار الحضارات، وحملت المنظمة اقتراحاً واضحاً للأمم المتحدة بتسمية العام 2001 عام حوار الحضارات وهكذا كان.
من الغريب أن يوافق الأمريكيون على مصطلح حرب الحضارات أو صدام الحضارات، فالحضارات في الواقع لا تتصادم ولا تتصارع، بل تتكامل وتتواصل، يقع الصدام عادة بين الحضارة والتخلف، بين العلم والجهل، بين الظلام والنور، ولكن ليس بين الحضارة والحضارة أو بين النور والنور أو بين العلم والعلم.
إنني اعتقد أن مصطلح حوار الحضارات نفسه ليس كافياً بالمرة للتعبير عن روح الإسلام في التلاقي مع الآخر، بل يجب الحديث عن وحدة الحضارة الإنسانية؛ لا توجد حضارة تبدأ من الصفر كل حضارة تؤسس على من سبقها، وتماماً كما كنا نجد في حضارتنا الإسلامية تأثير جالينوس وابقراط في الطب، نجد اليوم تأثير ابن سينا والفارابي في الحضارة الغربية، وعندما نتعاطى مع الحاسوب يجب أن لا ننسى الدور المهم الذي لعبه ابن الهيثم في إصلاح علم المناظير، وبدورنا عندما كنا نقوم بريادة الحضارة كنا نؤسس على من سبقنا من رواد الحضارات السابقة، وبإمكانك أن تدرك تأثر إقليدس وفيثاغورس في هندسة بناء الأموي، وطب أبقراط وخبرة جالينوس في بيمارستانات بغداد فهذه هي حركة الحياة الدائبة التي يؤسس بعضها على بعض ويرتشف بعضها من معين بعض.
ربما كان من أوضح الأمثلة على ذلك أن القرآن الكريم تحدث عن رسالة النبي الكريم في أربعة عشر موضعاً بصيغة مصدقاً لما بين يديه، ولم يقل أبداً مبطلاً أو ملغياً لما بين يديه أو ناسفاً لما بين يديه، بل إنه عبر بأوضح عبارة بقوله: مثلي ومثل النبيين من قبلي كمثل رجل بنى داراً فأحسنها وأكملها وأجملها إلا موضع لبنة فكان الناس إذا مروا بتلك اللبنة يقولون ما أجمل هذه الدار لولا موضع للبنة فكنت أن تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين، إنه لم يقل أنا البناء كله وإنما قال أنا لبنة في البناء الكبير.
إن احترام إنجاز الآخرين والبناء عليه هو هدي الأنبياء وهو في الواقع مرتكز الموقف الإسلامي في حواره مع أهل الكتاب، أصحاب الحضارة الدينية السابقة على الإسلام، وهو موقف احترام كان من أقرب مظاهره أن المسلمين ظلوا يصلون نحو نصف عمر الرسالة صوب بيت المقدس قبلة أهل الكتاب في إشارة واضحة للتكامل بين رسالات الأنبياء وإخائهم.
إن الدفاع عن رسول الله شرف لكل مسلم، وإن من تمام نعمة الله على المرء أن يقيمه الله في منزلة من يشرح قيم الإسلام العظيمة، ولكن هذا العناء ينبغي أن يلتزم الحكمة والموعظة الحسنة، وأن لا ينصرف إلى الرد على الإساءة بالإساءة، والشر بالشر، على منطق: ألا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا، إلى غير ذلك من الصيحات الثأرية التي تخدم المسيئين أكثر مما تخدم المدافعين، فإنه لا يبلغ الأعداء من جاهل… ما يبلغ الجاهل من نفسه
بل ينبغي أن يلتزم هذا الدفاع منطق القرآن الكريم: ويدرؤون بالحسنة السيئة، وقوله تعالى: ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ .
خلاصة البحث
فيما يلي أهم النتائج التي قادنا إليها البحث
• إن طبيعة العلاقة التاريخية بين الشرق والغرب كانت تتناوب بين الصدام الدموي وبين العلاقات السلمية، ولا بد أن تتحول هذه العلاقة إلى الحوار والتفاهم والتعاون، تماشياً مع التطور الحضاري
• إن دعوات الصراع والمواجهة هي دعوات جاهلة، وإن المطلوب هو التجول إلى الحوار في عصر العلم والحضارة.
• إن العالم دخل في نظام القرية الكونية، وعلينا أن ندرك ان الجوار والحوار أكران لا غنى عنهما في العالم الجديد
• إن محاولات الإساءة للنبي الكريم هي من إفراز ذلك الصدام التاريخي والعلاقات الدموية بين الشرق والغرب، وإن علينا تطوير العلاقة إيجابياً لنحصد احتراماً متبادلاً.
• ترسم الدراسة استراتيجية من أربعة مطالب لمواجهة حملات الإساءة للرسول الكريم، وهي:
1. إبراز الشمائل
2. رد الشبهات
3. النضال الحقوقي
4. النقد الذاتي البناء
في مطلب إبراز الشمائل:
• إن الفهم التقليدي للشمائل النبوية في أخلاقه ومحاسنه وخصاله صلى الله عليه وسلم، لم يعد كافياً للمواجهة اليوم، ولا بد من إحياء الشمائل التي تتصل بكفاح الإنسان الحضاري وهي شمائله في الحرية والعدالة وحقوق الإنسان والشورى والإخاء الإنساني.
• قدمت الدراسة جوانب من شمائله الكريمة في بناء ثقافة الحوار الإيجابي
• كما قدمت الدراسة جوانب مهمة من دوره صلى الله عليه وسلم في بناء السلام العالمي والإخاء الإنساني
• أشارت الرسالة إلى شمائله العظيمة في حقن الدماء ومنع اندلاع الحروب
• قدمت الدراسة نماذج هامة من احترامه صلى الله عليه وسلم للحقائق العلمية والتزامه بنتائحها، ولو خالفت ما سبق أن دعا إليه.
• أكدت الدراسة أن الحوار لم ينقطع بين رسول الله وبين الناس، وأنه أيضاً لم ينقطع بين الله وعباده، وأن تشريع الصلاة ليلة المعراج كان واحداً من أرقى أشكال الحوار الإيجابي.
• قدمت الدراسة نماذج هامة من موقف الرسول الكريم في احترام إرادة الشعب ورأي الأكثرية ورجوعه إلى رأي الجمماعة في عدد من المواقف الهامة في السيرة.
• عالجت الدراسة ظاهرة النسخ في الإسلام مؤكدة أن النسخ هو صورة لتطور المعرفة والاستجابة للحقائق العلمية والسنن الاجتماعية المتجددة.
• قدمت الدراسة أمثلة مهمة لموقف الرسول الكريم في الخضوع لحكم القضاء واحترامه، ونماذج من جهوده لبناء دولة القانون.
في مطلب رد الشبهات:
• ناقشت الرسالة مسؤولية العلماء في رد الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام حول مقام الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام.
• أكدت الدراسة أن كثيراً من الفتن تموت بالإهمال وأنه لا مبرر للرد على كل إساءة أو شبهة، بل يتعين أن نرد على الشبهات التي تلتبس على الناس، ويخشى من تأثيرها على الناس.
• أكدت الرسالة على وجوب الاتزان والاعتدال في رد الشبهات وعدم الانفعال والتوتر، لأن الحوار الناجح هو الذي يلتزم الاحترام والاعتدال.
• إن الذين يحملون رؤية مشوهة عن رسول الله ليسوا بالضرورة أشراراً وحاقدين، إنما هم ضحية ماكينة إعلامية حاقدة موتورة، ويجب أن نعذر الناس، ونعاملهم بمنطق المحجوب عن الحقيقة وليس بمنطق المستكبر عنها.
• أكدت الدراسة على وجوب استعمال الوسائل الحضارية في رد الشبهات واعتماد الإحصاءات والدراست الموضوعية والابتعاد عن الخطاب العاطفي واعتماد مصادر اتفاقية للناس وليس اللجوء إلى المصادر الإسلامية الخالصة.
في مطلب النضال الحقوقي:
• أكدت الرسالة أن أهم وسيلة للدفاع عن رسول الله هي اعتماد النضال الحقوقي والوصول إلى المؤسسات التشريعية في العالم لاستصدار قوانين رادعة يجرم من يهين المقدس الديني.
• إن تحول التشريعات الأوروبية نحو تجريم من يسيء إلى المحرقة أو يشكك بها جاء نتيجة نضال طويل مارسته الصهيونية بصمت في مراكز صناعة التشريع ونجحت في عدد من البلدان ثم اتخذته فزاعة ضد الأحرار والمثقفين في كل مكان في العالم.
• إن إمكانية الوصول إلى صكوك تشريعية تعاقب الإساءة للأديان هي أمر واقعي، ويجب أن ترصد له الموازنات الكافية للوصول غلى موقف حقوقي دولي يدعم احترام الأديان.
• إن الدخول في هذا الهدف الكبير يستلزم وجود خبرات حقوقية مؤهلة تأهيلاً عالياً، وعلى دراية بالقوانين والتشريعات والأحزاب في الدول المحافظة التي يمكن أن تتبنى نداءات لوقف الإساءة للأديان.
في مطلب النقد الذاتي:
• إن النشاط المطلوب في رد الشبهات وإظهار الشمائل لا يتعارض أبداً مع الجهود المطلوبة للنقد الذاتي ومراجعة الفكر للوصول إلى رؤية أكثر تحضراً لقيم الإسلام.
• يجب اعتماد الموضوعية والحيدة في النقد الذاتي، ولا يضير الحق في شيء أن تنمو بعض الأوهام على جانبيه وأن تعتصم منه بسبيل، ولكن مسؤولية أهل الحق هي تمييز الحق من الباطل.
• إن اعترافنا بوجودأخطاء في تراثنا لا يعيب هذا التراث في شيء، بل إن تصور العصمة في كتابات السلف هو الذي لا يصح تبريره.
• إن أكبر جهود النقد الذاتي تلك التي قام بها العلماء في العصر الذهبي للإسلام عبر سلسلة من علوم نقد المتن والسند، وعلوم الرواية والدراية، والجرح والتعديل وغيرها من آلات النقد الإيجابي الصارم الذي ميز الخبيث من الطيب.
• إن النقد الذاتي يستدعي شجاعة وجرأة وإقداماً، وإنما يخشى الباكل من النقد لأنه على شفا جرف هار، أما الحق فلا يخشى النقد البناء لأنه يستند إلى شجرة ثابتى أصلها في الأرض وفرعها في السماء.
خاتمة للتأكيد على وحدة الحضارة الإنسانية وانسجام الإسلام مع دعوات الإخاء الإنساني، ورفض فكر الصدام والصراع الذي يتبناه متطرفون متشددون في الشرق والغرب.
التأكيد على القيم المشتركة بين الإسلام والحضارة الحديثة والدعوة إلى العمل في مظان الاتفاق وهي كثيرة، ورفض احتكار الحضارة الحديثة لأي أمة دون أمة أو شعب دون شعب، والتأكيد على أنها الطبيعة العالمية والإنسانية للإسلام وكذلك لقيم الحضارة الحديثة.
ثبت المصادر
الكتاب المؤلف الناشر بلد النشر سنة النشر
شعب الإيمان أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي دار الكتب العلمية بيروت 1990
سيرة ابن هشام ابن هشام – تحقيق عبد السلام هارون دار الجيل بيروت 1991
سيرة رسول الله محمد حبش دار أفنان دمشق 1998
البداية والنهاية ابن كثير دار إحياء التراث العربي بيروت 1988
الروض الأنف عبد الرحمن بن أحمد السهيلي دار إحياء التراث العربي بيروت 2000
صحيح مسلم مسلم بن الحجاج القشيري دار الجيل بيروت 1988
تفسير القرطبي أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي دار عالم الكتب الرياض 2003
سنن النسائي أحمد بن شعيب النسائي تحقيق عبد الغفار البنداري دار الكتب العلمية بيروت 1991
السيرة النبوية أبو الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير دار الكتب العلمية بيروت 1976
السيرة الحلبية علي بن برهان الدين الحلبي دار المعرفة بيروت 1980
شرح السير الكبير السرخسي دار الكتب العلمية بيروت 1997
فيض القدير عبد الرؤوف المناوي المكتبة التجارية الكبرى مصر 1936
مسند الامام أحمد بن حنبل أحمد بن حنبل السيباني مؤسسة قرطبة القاهرة 1988
الإتقان في علوم القرآن عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي مؤسسة الرسالة بيروت 1988
ديوان الإمام الشافعي محمد بن إدريس الشافعي دار المعرفة بيروت 2001
الجليس الصالح والأنيس الناصح أبو الفرج الجريري بتحقيق محمد مصطفى ارسلان دار عالم الكنب الرياض 1993
سنن النسائي أحمد بن شعيب النسائي دار المعرفة بيروت 2000
نهاية المحتاج الرملي بحاشية المغربي احمد بن عبد الرزاق دار الفكر بيروت 1988
الموطأ الإمام مالك بن أنس – رواية محمد بن الحسن دار القلم دمشق 1991
وختاماً فإنني أعتقد أن كل ما كتبته هنا في مسائل الحوار لا يعدو أن يكون شرحاً للآية العظيمة: ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ .