ماذا هذا الذي يعصف اليوم بين الشرق والغرب؟ وأي أسى ذلك الذي يطبع قلوب دعاة الحوار والتسامح في هذا العالم المجنون؟
لعدة أيام ظل الوزير الإيطالي روبرتو كالديرولي صاحب الخبر الأبرز في نشرات الأخبار في العالم كافة بعد أن لم يكن أحد قد سمع به خارج إيطاليا والسبب كما هو معلوم وقاحته وتجديفه على الله ورسله، وإصراره أن يلبس قميصاً رسمت عليه الرسوم المسيئة لنبي الرحمة وأن يظهره على الملأ في تشجيع للأشرار الذين صنعوا ذلك ليقدموا مزيداً من الشر والاستفزاز.
حتى إن برلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي اضطر إلى إقالته من منصبه كوزير للاتصالات على الرغم من أن برلسكوني هو الآخر سبق أن أدلى بتصريحات لئيمة ضد المسلمين وقد سمعه العالم قبل أربعة أعوام يتحدث بازدراء عن الحضارة الإسلامية على أنها رمز للهمجية والبربرية وأن العرب لم ينتجوا حضارة وإنما أنتجوا حروباً، الأمر الذي اضطره فيما بعد للاعتذار.
وإمعاناً في أهداف استفزازاته فقد وجه الوزير الإيطالي دعوة صريحة إلى البابا يطالبه فيها بشن حرب صليبية جديدة ضد المسلمين تحت اسم مواجهة الحضارة البربرية الإسلامية والحفاظ على نقاء العرق الأوروبي الأبيض!!
لوهلة حسبت أن عقارب الساعة وأرقام التقويم قد طرأ عليها خطأ ما، وتشككت في مصدر الخبر الذي أسمعه هل هناك لبس في الجغرافيا؟ وهل المقصود وزير إيطالي أم أحد قراصنة الحرب الأهلية في راوندا وبوروندي؟ وهل هي ثقافة وزير أم ثقافة بلطجي فار من العدالة؟!
فقد كنت أظن أن هذا اللون من الخطاب لم يعد مقبولاً أو مسموعاً في حواضر الغرب،و أنه من شأن بوروندي وراوندا وأفغانستان وأمثالها من البلاد الخارجة من مسارح الموت والخراب والدمار والهلكة.
وغير بعيد من الوزير الإيطالي كانت البرلمانية الهولندية الصومالية الأصل أيان علي هيرسي تعقد مؤتمراً صحافياً لاستفزاز مشاعر المسلمين في العالم ولتقول بالفم الملآن: أنا عدوة الإسلام، ويجب استمرار إهانة الإسلام حتى يصحو المسلمون ويعلموا أنهم قوة إرهاب وشر، وكانت البرلمانية الهولندية قد كتبت سيناريو فيلم (الخضوع) الذي خصص للإساءة إلى قيم الإسلام تجاه المرأة والذي رسم أحوال المرأة في المجتمعات الإٍسلامية على غاية من الهوان وقدم رسالة للعالم بأن المرأة تتعرض لسفك دم يومي في الإسلام وأن الإسلام يمتهنها ويذلها!!
الغلو والتطرف ظاهرة يمكن التماسها في كل دين، ولا يمكن القول بأن ثقافة ما أو أمة ما معقمة من ظاهرة التعصب أو الغلو، ولكن بكل أمانة لا سواء بين إرهاب أو تطرف يستبنت بالمظالم الأمريكية ويربو في تورا بورا وقندهار، ويمارسه شعب غاضب مقهور وجد نفسه يعيش في المغر والكهوف، أرضه محتلة وكرامته مهانة وآماله مخنوقه وأطفاله لا يجدون ما يلبسون أو يأكلون؟ وبين إرهاب آخر يستنبت في عاصمة الحضارة الرومانية، ويطلقه مباشرة زعيم روماني برتبة وزير يرتدي أفخر رباطات العنق ويركب أشد السيارات رفاهية ودلالاً، أو إرهاب تمارسه برلمانية أنيقة تعيش في أمستردام عاصمة العراقة والرقي في قلب القارة الأوروبية!!
إن الإرهابيين يخدمون هدفاً واحداً سواء أكانوا غلاة في الإيمان أم غلاة في الكفر، ولهذا المعنى فإن حرب الإمام علي رضي الله عنه ضد الخوارج لم تكن أقل ضراوة من حربه ضد الروم المستعمرين آنذاك، وهو تاريخ خطه بالدم واجب الأمة في الدفاع عن قيم الحرية والعدالة في الأرض، وهو قدر كتبه الله على أهل الحق ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا.
ولكن هل سنسمح لهؤلاء الأشرار أن يخطوا لنا شكل العلاقة الدولية التي ينبغي أن تطبع علاقاتنا بشعوب الأرض؟؟
وهل المطلوب هنا أن نقول كما قال كبلنج الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا!!
إن كثيراً من الحروب في العالم انطلقت بسبب تصريحات كهذه، وهو سلوك أخبر القرآن عنه صراحة بقوله: كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فساداً والله لا يحب المفسدين، ولكن موقف المؤمن لا يجوز أن تتحكم فيه هذه الأهواء الطائشة، ولا بد من التأكيد على أن الإسلام هو الذي جاء رحمة للعالمين لا يؤمن بغير الحوار والمحبة سبيلاً لإنهاء النزاعات في الأرض.
كم أشعر بالارتباك في ظروف كهذه حين أستمر في دعوتي لاحترام ثقافات الآخرين والتأكيد على المشترك الإنساني الذي نبحث عنه وقد ركلته هذه الإرادات الشريرة بمقولات الواقعية والذرائعية، التي ترسم لنا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن إرادة الحرب لا زالت تستكن في العقل الباطن لدى ورثة أوهام التاج الروماني والبيزنطي، وأن الأحقاد التي دفعتهم في الماضي إلى إحراق الشرق وذبحه لا زالت إلى اليوم تعصف بخيالهم وهو أمر يدمر بكل تأكيد الآمال التي يرقبها الشرفاء في بناء عالم مستقر وآمن.
اليوم أكثر من أي وقت مضى أجد في نفسي الرغبة لأتذكر قوافل من الغربيين المنصفين الذين قرؤوا الاختلاف بين الغرب والشرق في إطار لوحة تكل جمال العالم من أوغست فالين فيلسوف فنلندا الذي اختار الإسلام وتسمى عبد الولي وصورته اليوم بعمامته العربية تزين صدر جامعات اسكتلندا كواحد من أبرز رموز الحوار والتكامل بين الثقافات، إلى الفيلسوف الألماني غوته الذي كتب بوضوح عن النبي الكريم r إذا كان هذا هو الإسلام فكلنا مسلمون، إلى زيغريد هونكة صاحبة الكتاب الذائع الصيت شمس العرب تسطع على الغرب، إلى مراد هوفمان الفيلسوف الألماني الشاهد على العصر صاحب مشروع البديل الإسلامي، إلى المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون الذي صرح مراراً بأن محمداً هو أعظم رجل عرفه التاريخ، وأنه ما عرف التاريخ فاتحاً أرحم من العرب، إلى الإحصاء الشهير الذي أطلقه بيل غيتس على موقعه msnbc والذي استمر من مطلع عام ألفين إلى أول نيسان 2001 وفي خلاصته أن 83 بالمائة من المشاركين الذي تجاوزوا الملايين قالوا إن أعظم رجل في التاريخ هو محمد r !!.
إنه حرج كبير أن تتذكر في هذه اللحظة كفاح راشيل كوري الصرخة القادمة من البرية الأمريكية من أجل الدفاع عن الحق الفلسطيني، حيث قدمت روحها تحت جنازير الجرافات الإسرائيلية في صخب هذه الصيحات القادم من الغرب أيضاً والهادفة إلى إشعال الحرب من جديد بين الغرب والشرق.
من وجهة نظري فإن إخاء الإنسان للإنسان هو رسالة الإسلام الكبرى وأنه لا ينبغي أن تدفعك مواقف الجاهلية للتنكب عن مشروعك الرباني في نشر الحب والخير، ولا أجد ما أقوله هنا لهذا الطيش الذي يقدمه هذه المرة برلمانيون ووزراء في هولندا والدانمرك وإيطاليا غير قول النبي الكريم: الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.