مقالات

د.محمد الحبش- في سبيل الله والمستضعفين في الأرض .. يا عمال العالم … صلوا على النبي 23/11/2007

قد يكون عنواناً صادماً أن تتحدث عن المشترك بين الإسلام والشيوعية, فهناك تاريخ من الصراع لا يمكن القفز فوقه, وهناك منطلقات نظرية ترسم صورة لتناقض حاد بين الفكرتين حتى النخاع.
هكذا كانت تراودني هذه الأفكار وأنا أستعد للذهاب إلى الحفل الذي تقيمه قيادة الحزب الشيوعي في سورية والتي استفقدني فيها العزيز حنين نمر بكلمة رئيسية.‏
كان حشداً هائلاً ذلك الذي احتضنته صالة الزهراء في دمشق, وحين صعدت المنصة كان هناك أكثر من استفهام على معنى وجود نائب إسلامي في ناد شيوعي, قلت لهم: لست أجهل معنى وجودي بينكم هذه الليلة, وقد رأيت من واجبي المشاركة وفق منطق القرآن الكريم وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها.‏
لقد جئت هنا لأؤكد أن الأحزاب التي تعادي الدين هي أحزاب غير موجودة في سورية, لا يمكن لأحد أن يكفر بتاريخه وهويته, قد لا نكون في سورية في مركز العالم التقني وقد لا نكون في مركز العالم المالي أو التجاري ولكننا بكل تأكيد في مركز العالم الروحي, سورية الأرض التي أنجبت الأنبياء للعالم, وهي تسمى في الشرق الإسلامي أرض الشام الشريف, وتسمى في الغرب المسيحي أرض سورية المقدسة, ومن ينابيعها الصافية يشرب اليوم ثلاثة أرباع سكان الكوكب رحيق الروح الصافي, وهو ما أكده من قبل شاعر الياسمين والحب ودمشق نزار قباني: إنها الأرض التي تنبت قمحاً وأنبياء.‏
لقد تبادلنا الريب طويلاً وكان كل منا ينظر إلى الآخر بعين التهمة, وكنا نصفكم في المساجد بالكفار المرتهنين للخارج, وكان خطابكم أيضاً يكرر وصف الظلاميين والرجعيين في إشارة غير بريئة, ولكن ذلك تغير مع زيادة الوعي, وأدركنا اليوم أننا مستهدفون بغول العولمة المتوحش, وأن المشروع الأمريكي المدمر يتطلب توحد الجهود للدفاع عن سورية في وجه الفوضى الخلاقة التي تحضر لها أمريكا, وكان لا بد أن يلتقي الشرفاء في خندق واحد وهو بالضبط خندق المقاومة الذي يلتف هلاله اليوم من طهران إلى غزة في تحد صارم لإرادة الشر المتوحشة التي تتربص بالعباد والبلاد.‏
لقد زالت تلك الحدود الدموية التي تعصف بالأفكار, إننا ننتمي لدين يقول قرآنه ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً, ولم يعد الخطاب الشيوعي هنا ينطلق من رؤية الدين أفيون الشعوب, ولولا ذلك ما كنت موجوداً بينكم الآن, وأدرك الناس القيم المشتركة بين الإسلام وثورة الكادحين, وأدركوا الفارق الواضح بين الإسلام المستنير وبين السلوك التكفيري الذي يشوه الإسلام.‏
لست هنا من أجل أن أبشر بإسلام أحمر, ولا أزعم أن الرفاق الشيوعيين قد تنسكوا وبدؤوا ينظمون أفواج الحج, ولكنني مصر على أن المشترك بيننا أكثر مما يظن أعداء هذه الأمة, وبدون تردد فإنني أقول إن الصلاة والصوم والحج والزكاة هي شرط لدخول الجنة ولكنها ليست شرطاً لدخول الوطن, فالوطن لكل أبنائه, دعونا نشترك في بناء الأرض ونترك أمر الحساب لله سبحانه, قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.‏
إنني لا أجهل التناقض الفكري بين مشروعينا, وعلي أن أكون صريحاً وواضحاً وأعلم أنه من العسير أن نتحدث عن المشترك بين الإسلام والشيوعية, وسيواجه تفكير كهذا بسلسلة من الذكريات الدامية التي طبعت علاقة الإسلام بالحركة الشيوعية, ولعل القارئ لهذا المقال سيواجهني بما دونته في كتابي: أشواق داغستان, والذي شرحت فيه فصلاً من الكفاح الإسلامي في الشيشان ضد الثورة البلشفية, وهو أمر لا يمكن نسيانه بجرة قلم, إرضاء لزيد أو عبيد.‏
ولكن بعيداً عن السياسة والإيديولوجيا معاً فإن جولة في مقاصد الإسلام الأولى تكشف لك كم كان الإسلام ملهماً للحركة الاشتراكية, ولن تخطئ العين مشهد الثائر أبي ذر يلهم الاشتراكيين في كل زمان, وهو يقرع رؤوس الخلفاء المترفين بخطاب القرآن الكريم والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله لهم عذاب أليم, ويصدع في وجوههم بقول النبي محمد: ما آمن بي ساعة من نهار من أمسى شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم!!‏
وحين واجهه خطاب الاستبداد بالديماغوجيا على أساس أن المال مال الله ونحن نحفظه بإرادة الله, صرخ أبو ذر: بل هو مال الأمة وقد استأمنكم عليه الله, لتردوه في عباده, وإن الله غني عن العالمين!!.‏
لم تكن مواقفه تلك بدعاً في تاريخ الأمة ينبغي الاعتذار منه بل كانت قراءة ثورية لمقاصد النص, قدمها أبو ذر للتاريخ, وتعلمنا منها الكثير حتى أفردها باحث إسلامي شهير هو الدكتور مصطفى السباعي في كتاب خاص بعنوان: اشتراكية الإسلام.‏
وحتى في إطار الفكر فإن الأنبياء الذين كانوا يبشرون بالحب والسلام كانوا أيضاً يمتلكون عزيمة الثورة حين تكون الثورة ضرورية لإيقاظ الإرادة الخاملة, حتى المسيح نفسه نبي الحب والسلام دخل الهيكل غاضباً على تجار الدين وقلب عليهم الموائد وقال لهم الويل لكم أيها الكتبة المراؤون يا أبناء الأفاعي, إن أبي جعل بيته داراً للرحمة وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!!.‏
أما الإسلام فقد كانت رسالته في المقام الأول تحرير العقول من الوهم والخرافة, ولأجل ذلك فقد أطلق حملته الصارمة لكسر الأصنام في الأرض وتحطيم الأيقونات جميعاً, ويمكنني أن أقول بثقة وبرهان, إن الإسلام إذ ختم النبوة فإنه أعلن الانتقال بالإنسان من ضباب الخوارق إلى ضياء السنن ونور العقل.‏
والإسلام طرح رسالته في الأرض مشروع تحرر رائد التقت عليه آمال الشرفاء في الأرض وخطابه القرآني كان بليغاً واضحاً حين جعل الكفاح في سبيل المستضعفين في الأرض جزءا ًمن الجهاد في سبيل الله حتى قال: وما لكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين في الأرض.‏
بكل أمانة أشعر أن مقاومة الامبريالية العالمية وبرامجها في سحق الضعفاء والفقراء هي القراءة الدقيقة لجوهر الأمر القرآني بالكفاح في سبيل الله والمستضعفين في الأرض.‏
إنها ليست قراءة طوباوية لعلاقة مجاملة تفرضها مشاعر ضرورية من الوحدة الوطنية, بل هي اليوم جزء من برنامج حقيقي نحس بتشاركنا معاً فيه, وقد قدمت المقاومة في الداخل والخارج أوضح الأدلة على ذلك, وقبل قليل كنا نستمع للسيد خالد حدادين زعيم الحزب الشيوعي اللبناني وهو يدافع بشراسة عن سلاح المقاومة الإسلامية عن سلاح حزب الله عن سلاح الثورة الإسلامية, وهو بذلك يرسم عمق التشارك في الدفاع عن الوطن ضد المشروع الصهيوني بين الحركة الاشتراكية والتيار الإسلامي.‏
وعلى الرغم من أن الموقف جد وليس بالهزل, ولكنني أسمح لنفسي أن أختم كلمتي بموقف طريف سمعته من الأخ العزيز خالد مشعل حين تحدث عن ذكريات رجال حماس في السجون الإسرائيلية, فقد كانت إسرائيل تعتقل المناضلين في زنازنها وكان المعتقلون في الغالب شيوعيين وإسلاميين وكانوا يقطعون الوقت في الحوار والجدل في الفكر والتاريخ, وحين كان الجدل يحتدم بينهم وتحمر الحدق وتجحظ الأعناق كانت تجمعهم كلمة بيضاء محببة تزرع في وجوههم البسمة على الرغم من ظلمة الزنازين: يا عمال العالم…… صلوا على النبي…‏

Related posts

الصحوة الإسلامية…. قرار أنظمة أم خيار شعوب 6/10/2006

drmohammad

الدكتور محمد حبش- الصين والعالم الإسلامي تاريخ الجوار والحوار

drmohammad

د.محمد حبش- دروس في ظلال الكعبة…وصال السماء ورعاية الأرض 5/12/2008

drmohammad

Leave a Comment