أعترف لك بأنني لا زلت حائراً في إدراك الأسباب الحقيقية التي تجعل عتاة الوعظ الكنسي في أمريكا يكرسون عظاتهم وصلواتهم ومحطاتهم الفضائية للتباكي على معاناة الشعب الإسرائيلي (المظلوم) الذي تشرد في الأرض طويلاً وعانى مرارة الفقر والحرمان!! ثم هو اليوم في أرض ميعاده يواجه الإرهاب من الصواريخ الفلسطينية التي تضرب (الأبرياء) في سديروت وشبرائيم، ولماذا يتعين على الواعظ المعمداني الحنوبي في أمريكا أن يبشر بالخلاص الآتي من الهيكل تحديداً وهو الهيكل عينه الذي أعلن فيه عن قرار صلب المسيح، والذي انتزعت من أخشابه تلك العيدان التسعة التي نصبت في آخر طريق الجلجثة ليصلب عليها عيسى بن مريم بين لص وبين قاتل!!
مع كل ما يطفح به تاريخ اليهود من جرائم مباشرة ضد المسيحية وضد السيد المسيح بشكل خاص، ولكنني رأيت بعيني القس جيري فالويل وهو يبكي بحرارة في عظته أمام الرئيس بوش عندما يتحدث عن شعب الله المختار من بني إسرائيل ويطالب الرئيس بوش بتحمل مسؤوليته الأخلاقية والدينية في الدفاع عن شعب الله، وأبناء الرب الذين يواجهون الإرهاب الفلسطيني في أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم.
العظات التي يقدمها واعظون محترفون على منابر مؤثرة وعنيفة في أمريكا لها أكبر الأثر في إقناع الغرب بمظالم اليهود وعنائهم في مواجهة البطش الفلسطيني، وبإمكانك أن تتابع جورج شوللر أو بات روبنسون أو بيلي غراهام أو جيمي سواغارت لتتابع الحكاية إياها، وهي وعاظ محترفون يمارسون اللطميات والندوب والمراثي والبكائيات من أجل إسرائيل، ومن أجل تخليص أرض الله المباركة من الإرهاب (الفلسطيني)!!
والآن هل سيستيقظ العقل اللاهوتي الأمريكي بعد هذه الهزة التي مارسها ليئور شلاين عبر القناة العاشرة الإسرائيلية وهو يمارس أكثر أشكال الحقد الأزرق ضد السيد المسيح ويطالب علناً بتحقير رسالته وصورته في الناس، ويعرضه على شاشة التلفزيون على صورة رجل بليد شره أبله، لا يكف عن اجترار الملذات من طعام وجنس وبلهموطية؟
لم يكن ليئور يتردد وهو يمارس أبشع استفزاز لذكرى السيد المسيح حين يتحدث عن أمه العذراء بأبشع لغة سوقية، ويقول بشماتة ومكر أمام الحضور في الاستديو وأمام الملايين من المشاهدين: أريد أن أقول لكم مريم لم تكن عذراء كانت منغمسة في الخطيئة وحبلت من إثم، والمسيح كان دجالاً وقد مات بسبب شراهته وتخمته وأنه يمثل قدوة للفجعانين والشرهين والمتوحشين من الناس.
مع أننا نؤمن أنهم ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، ولكننا نؤمن أنهم حاولوا قتله وصلبه، ونتفق مع المؤرخين في الاعتراف بشروع اليهود في صلب المسيح، وإعدادهم خشبة صلبه بين قاتل وبين لص، وإصدارهم الحكم عليه بالصلب والقتل، كل ذلك من المتفق عليه بين أبناء الرسالتين الإسلام والمسيحية.
هكذا اختار اليهود أن يقدموا للعالم رؤيتهم للمقدس الديني وهم الذين يصرخون ويفجرون عندما يشكك أحد في المحرقة، ولكنهم يمارسون أبشع الإساءة للسيد المسيح وها هم يطالبون العالم الآن بأن يتقبل تلك الشتائم على أنها من باب حرية الرأي!!
لا نحتاج إلى أسرار لندرك تماماً كيف يحتقر اليهود كل أنبياء الله من غير بني إسرائيل، ومحمد والمسيح في الثقافة اليهودية هرطوقان فاشلان خارجان عن الشريعة والناموس، حقهما وحق كل من يتعهما القتل والتنكيل.
ليس الغرض هنا التبشير وتحويل صفحة الثورة إلى منبر للجدل اللاهوتي، ولكن من المهم الإشارة إلى المعنى الفريد الذي نختزنه في أعماقنا كمسلمين للسيد المسيح عليه السلام، فنحن نؤمن بكل الأنبياء ولكن إيماننا بالسيد المسيح فيه زيادة حبة سكر، فنحن نؤمن بأنه رسول الله ونبي الله وكلمة الله وروح الله، وأنه لا زال حياً وأنه ينزل في آخر الزمان فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلمًا وجوراً وأن السعداء من أتباع النبي محمد هم الذين سيحظون بقربه وجواره واتباعه في آخرالزمان يوم يطل على الأرض من مجده السماوي الكبير.
اليوم أكثر من أي وقت مضى أعتقد أن المرحلة تحتم اللقاء بين أبناء محمد والمسيح للدفاع عن المقدس الديني وللتأكيد على احترام الأنبياء جميعاً ولكشف حقيقة العقل اليهودي المتغطرس الذي لا يرى في الأنبياء أنفسهم إلا هراطقة وتائهين ضائعين.
برنامج ليئور شلاين اللئيم فرصة دقيقة ليكتشف العالم ما يكابده أهل الأقصى وأهل كنيسة المهد، أبناء محمد وأبناء المسيح، الحرم الإبراهيمي وكنيسة المهد، الهلال والصليب تحت الحراب الإسرائيلية والجرائم الصهيونية التي لا تقيم كرامة لنبي ولا مجداً لمقدس.
ألا تكفي هذه الجرائم الإسرائيلية المتكررة في حق السيد المسيح على مراجعة الفاتيكان لطبيعة علاقاته مع إسرائيل، وإلغاء الزيارة التي يزمع البابا بيندكتوس السادس عشر القيام بها إلى إسرائيل؟
مع أن البابا يوحنا بولس الثاني كان أيضاً رجل لاهوت، ولم يكن يمارس السياسة ولكنه أصر حين وصل إلى سوريا أن يزور القنيطرة، ووسط غضب إسرائيلي عارم طاف البابا بحارات القنيطرة ورأى الجرائم الصهيونية التي ارتكبتها آلة القتل الصهيونية، ومع أنه لم يعلن الثورة الزرقاء ولا الكفاح المسلح ضد إسرائيل، ولم يشرع البندقية في مواجهته لاطماع الصهاينة، ولكنه وقف بين كنيسة القنيطرة ومسجدها وكلاهما قد دمره البطش الصهيوني اللئيم وتحدثت عيناه بما قاله السيد المسيح نم قبل: الويل لكم يا أبناء الأفاعي ، أيها الكتبة والفريسيون، إن أبي جعل بيته ركن محبة للعالم، وجعلتموه أنتم مغارة لصوص!
أعد الصهاينة للبابا بيندكتوس السادس عشر برنامجاً خبيثاً في معالم الدولة الصهيونية، وسيعرضون له أفلاماً عن مآسيهم في المحارق، وسيمضون به بكل تأكيد إلى حائط البراق ليرقب لطمياتهم وبكائياتهم هناك، وسيراه العالم مرة أخرى يبرئ اليهود من مسؤوليتهم في صلب المسيح، ونحن نناشده أن لا يكرس حياته شاهد زور وعبث، ولن يكون في زيارته هذه للرحمن رضا إلا إذا أنصف المظلومين من الظالمين، والمستضعفين من المستكبرين،
هل سيقوم بيندكتوس السادس عشر بزيارة غزة، وهل سيصلي عند ركام بيوتها ومدراسها المدمرة، وهل سيمضي في رسالته هناك يعانق الكنائس القديمة ويمسح الحزن عن المساجد، ويقول للأشرار في إسرائيل ما قاله أردوغان لبيريز في دافوس: إن الرب قال لكم لا تقلوا ولكنكم تقتلون، والرب قال لكم لا تغدروا وأنتم تغدرون، والرب قال لكم لا تكذبوا وأنتم تكذبون!
هل سيطالب البابا الصهاينة بأكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال أم أنه سيكتفي بالسؤال عن اليهودي الأزعر التائه جلعاد شاليط صاحب الدم اليهودي الأزرق؟
مرحباً بزيارة تسمع العالم صيحة ضمير، ولا مرحباً بزيارة ينتج منها الصهاينة براءة جديدة ينالونها على أكتاف البابا المتهدلة، يحيونه بيد ويطعنونه بالأخرى، يطلون بسماتهم في مطار اللد ويطعنون بخناجرهم في القناة العاشرة.
كان المخرج العربي العالمي مصطفى العقاد يقول لحنان عشراوي: سيدة حنان أرجو عندما تحاورين في الفضائيات العربية أن تظهري على صدرك الصليب ليراه العالم، ويعلم أن الظلم الإسرائيلي يقع هنا على جميع الناس من أتباع محمد ومن أتباع المسيح، وفي قائمة ضحايا القهر الصهيوني عمائم وصلبان، والشيخ أحمد ياسين والمطران كبوتشي، ورائد صلاح وعطا الله حنا، وعزمي بشارة وفتحي الشقاقي.