المشهد في الشمال السوري حزين وموجع، والمؤشرات تدل على قرب الحرب بعد أن أصر التركي أنه مضطر لخوض الحرب دفاعاً عن أمنه القومي، وبعد أن صارت موضة الدفاع عن الأمن القومي أشهر الذرائع وأسهلها لإشعال الحروب.
وكانت هذه الذريعة هي عينها التي أشعلت الحرب الضارية قبل شهور في أوكرانيا، وجاءت بالجيوش الجرارة للانسياح في أراضي الأمم الأخرى واستباحتها وارتكاب أبشع المجازر والمحارق وخلال شهر واحد أجبرت خمسة ملايين لاجئ أن يتشردوا في الأرض تحت عنوان الأمن الوطني.
وبعيداً عن لعبة السياسة وتزاحم الأمم في تقاسم الكعكة السورية المنهوكة، والضوء الأخضر والأحمر والأصفر للاجتياحات المتتالية في سوريا، فإنني معني هنا بمخاطبة الثائر السوري الشريد الذي تجاوز شراده وبؤسه عشر سنوات عجاف، ينتقل فيها من حقل إلى حقل وينقل البندقية من كتف إلى كتف، وقد بات الخطاب التركي يدغدغ مشاعره بالحديث عن المنطقة الآمنة الموعودة، وتحقيق مكان ما على الأرض السورية لا تصله البراميل ولا تعتقله المخابرات ويمكنه أن يلم فيه شمل أسرته المشردة تحت عنوان المنطقة الآمنة.
والمنطقة الآمنة هي أيضاً حلم السوريين في كل مكان وبشكل خاص هي حلمهم شرق الفرات وهي الغاية التي قاتلوا لأجلها وواجهوا أعتى قوى الشر في الدنيا ودفعوا عشرة آلاف شهيد في سبيل ذلك..
ولكن هل الحرب هي السبيل الصحيح لإنشاء هذه المنطقة الآمنة؟
السوريون في شرق الفرات وغربه يحملون هذا الأمل، ويتطلعون إلى الأرض الآمنة الموعودة، ويمكنهم الاجتماع على موائد الحوار والتفاوض للشراكة والتعاون في حماية المنطقة الآمنة التي نجحت في تطهير ثلث سوريا من البراميل شرق الفرات وغربه، وبإمكانهم أن يقترحوا حلولاً سياسية بعيدة عن العنف، تحقق لهم جميعاً حياة كريمة بعيدة عن تهديدات الدكتاتوريات الخائبة التي لم تقدم للمنطقة غير الشقاء والخذلان.
السلم والتفاوض هو الذي سيحقق المنطقة الآمنة، أما الحرب فلن تدع في سوريا كلها شبراً آمناً من الأرض.
إنني بالفعل لا أخاطب الجيش التركي الانكشاري، ولا الجيوش الخمسة الأخرى المنتشرة على الأرض السورية فهي جيوش تعرف ما تصنع، ولا تهتم لقراءاتنا وتحليلاتنا، ولكنني معني بالسوري الحائر الذي يقدمون له اليوم وعد المنطقة الآمنة على شكل مشروع حرب جديدة وقودها الناس والحجارة، عليها بلاطجة غلاظ شداد، يعملون لصالح الهيمنة والاستكبار وآخر همهم حياة الناس وكرامة الناس.
يجب التأكيد ان تحقيق المنطقة الآمنة هو هدف يسعى له الجميع، ولكن التفاوض هو أخصر الطرق وأقصرها لتحقيق غاية كهذه لا تراق فيها الدماء ولا تزهق فيها الأرواح.
وبالبداهة فإنه ليس بين السوريين من هو مؤثر في القرار التركي، والسوريون الذين يرفعون العلم التركي في الشمال السوري لا يملكون أكثر من تقاريرهم التي يرفعونها للأتراك، ولا أحد من الأتراك يحاروهم ويسألهم عن مصالحهم، أو يشاركهم وضع الخطط السياسية والحربية، بل هناك فقط فصائل مجندة، معها سلاح أعمى، لا تبالي بالإغارة على مضارب الإخوة وأبناء العم وارتكاب الخطايا في ركاب الأجنبي لتحقيق المصالح التركية، وسيكون الثمن هو الدم السوري والشتات والشراد والكراهية التي ستستمر لعقود طويلة.
إنها دعوة للوقوف أمام الله والذات، في هذه اللحظة الدقيقة من التاريخ، ندعو فيها السوري في كل موقع أن يرفض أن يكون أداة لأطماع الآخرين، وفي حرب كهذه فإن أشرف الأعمال وأبرها إلى الله هو الفرار من الزحف، والسلامة من قتل النفس البريئة، وعصمة الدماء ومواجهة الحقيقة الصارخة بأنه ليس لهذه الحرب هدف مشروع، وأن توصيفها في الفقه الإسلامي أنها حرب البغي والعدوان، التي يأثم فيها القاتل والمقتول، وأن أبر الأعمال إلى الله هو وقف هذه الحرب، وأن لا نكون على الأقل وقودها وحطبها وجحيمها.
وأناشد كل ذي صوت مسموع وقلم مقروء أن يكتبوا ضد الحروب الجديدة في سوريا، فالصواريخ التركية كالدبابات الأمريكية والروسية لن تجلب السلام ولن تعيد اللاجئين…
بالحوار والثقة وتقاسم المصالح يمكن توفير منطقة آمنة لعودة السوريين من البوكمال إلى عفرين، أما الحرب فهي لعنة على كل شبر آمن…
ولكن أسوأ مكان في الجحيم هو لشيوخ الفتنة الذين ينفخون في كير الحرب، ويحلفون أنهم يرون ظلال الجنة في منصات المدافع وراجمات الصواريخ، ويدفعون الناس إلى الخنادق وهم في قاعات الفنادق، ويقدمون من يغتر بهم من شباب الأمة وقوداً على محارق السياسة!
اكتبوا ضد الحرب، العنوا السلاح، اكفروا بالعنف
ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان