جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية
كلية الدراسات العليا والبحث العلمي
السودان ـ أم درمان
إعداد الطالب
محمد الحـبش
بإشـــراف
الأستاذ الدكتور أحمد علي الإمام
مديـر جـامعــة القـرآن الكـريم والعــلـــوم الإســـلاميـــة
الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي
رئيس قسم الفقه الإسلامي ومذاهبه بجــامعـة دمشــق 1416 هـ ـ 1996 م
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وإمام المرسلين، ناصر الحق بالحق، والهادي إلى صراط مستقيم سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد..
فقد كتب الله سبحانه لي شرف المشاركة في خدمة القرآن العظيم، فأكرمني بحفظه طفلاً حيث أجزت بقراءته من شيوخ قراء بلاد الشام، ثم شرفت بالعناية به وخدمة أهله الذين سماهم النبي – صلى الله عليه وسلم – أشراف الأمة، وأثنى عليهم المولى سبحانه في صرح التنزيل: {ثم أورَثْنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا}(سورة فاطر آية 32).
لذلك فإنني لم أتردد في اختيار جهة البحث الذي سأطرقه في حقل الدراسات القرآنيـة،أوكـان أن أكـرمـني الله سبحـانه بزيـارة جـمـهـورية السـودان، وعـرفـت فيها جامعة القرآن الكريم، وهي من أهم المراكز العلمية المتخصصة بخدمة القرآن العظيم، حيث تضم اثنتي عشرة كلية علمية، تنتشر على ضفاف النيل، في عاصمة السودان، تتعاون جميعاً في خدمة القرآن الكريم، إضافة إلى عدد من المراكز العلمية والمكتبات المتصلة بهذه الجامعة الكريمة.
وقد كنت منذ أن اشتغلت بالقراءات القرآنية أقلِّب الفكر في مسألة واحدة وهـي: مـا الـحكمة من تعدد القراءات المتواترة؟ على الرغم من أن مصدرها واحد، ولـماذا كتبت في المصاحف بوجه واحد؟ ولماذا غابت عن الرسم الوجوه المتواترة الأخرى؟ مع أن الشاهد منها ليس أوثق إسناداً من الغائب، ولا هو أثبت في الاستدلال من أخيه، إذ سائر المتواتر في الثبوت والدلالة سواء، فقد حسم الأئمة القراء هذه المسألة قديماً، واستقر الإجماع على المتواتر، واعتقدته الأمة قرآناً، وأصبح ما أُثر عن الأوَّل من رد متواتر أو الإنكار عليه، محمولاً على سبب واحد وهو عدم ثبوت التواتر لديه لا غير.
وقد كتب كثير من العلماء في حكمة القراءات المتواترة وأثرها في الرسم واللغة والفقه، ولكن بقي هذا الجهد في إطار العرض العام للمسألة، من غير أن يتناولها باحث بقلم الإحاطة والحصر، وهو بحث لابد منه ليتبين للناس ما غاب عنهم من دلالات المصحف الشريف الذي هو ولا ريب أساس التشريع والأحكام لهذه الأمة عبر تاريخها التشريعي.
وهكذا فقد تبدَّت لي معالم البحث الذي تخيرته، ووافقت عليه الجامعة الكريمة وعينت مديرها العلامة الدكتور أحمد علي الإمام مشرفاً على الرسالة، ثم التمست الجامعة الكريمة من الأستاذ الدكتور المفسر وهبة الزحيلي أن يتكرم بمتابعة الإشراف العلمي على الرسالة (ا).
ولدى موافقته الكريمة فإنني أكون قد استوفيت أسباب هذه الدراسة، والتي أعد نفسي قد شرعت فيها منذ وقت طويل.
وعقب جلسات متواصلة خصني بها أستاذي الدكتور وهبة، وجلَّى لي فيها أصول البحث العلمي ووسائله، وحدد لي منهج البحث وخطوطه العريضة استعنت بالله تعالى وشرعت بالمقصود.
ويمكن تحديد أغراض الرسالة في المقاصد التالية (2):
أولاً: تقديم الأدلة العلمية الواضحة على أن الوحي هو المصدر الوحيد للقراءات المتواترة على اختلاف وجوهها، وبيان أنه ليس لأئمة القراء أدنى اجتهاد في اختراع أي وجه، أو ترجيح متواتر على متواتر.
ثانياً: مناقشة الفكرة الشائعة حول التصنيف الثلاثي للقراءات: متواتر وآحاد وشاذ، وتقديم الأدلة والحجج على وجوب المصير إلى تسمية ثنائية وهي متواتر وشاذ فقط.
ثالثاً: دفع توهم التناقض بين الرسم القرآني العثماني وبين الفرشيات المختلفة (وهي الكلمات التي قرئت على غير مثال، ولا تنمى إلى أصول قواعدية) الواردة بالتواتر، والتي يلزم التسليم بثبوتها عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم -.
رابعاً: إجراء مسح دقيق للمواضع التي اختلفت فيها المصاحف التي وزعها عثمان رضي الله عنه في الأمصار، وتحقيق ضبط عددها، وإظهار أهمية معرفتها وحصرها.
خامساً: مناقشة الفكرة الشائعة بأن علم القراءات وقف على أهل الاختصاص، وهو توهم يدفع كثيراً من الباحثين إلى تجنب الخوض في أي من مسائل علم القراءات على أساس أن هذا العلم ممنوع على غير أهله.
ولأجل ذلك فقد عقدت عدة فصول تضع هذا العلم بين يدي الراغبين بالاطلاع عليه من الباحثين بأسلوب قريب يتيح للباحث الاطلاع على الضروري من مسائل هذا العلم مع تسليمنا بأن الاختصاص في هذا الفن والإحاطة بمسائله يحتاج إلى تفرغ تام.
سادساً: بيان أثر القراءات المتواترة في المعارف الإسلامية من جوانب أربعة:
ـ الرسم القرآني، ودور هذه القراءات المتواترة في حفظ بعض الحروف التي لا نجدها في الرسم العثماني الشائع اليوم، وكذلك تحديد مسؤولية القراء والحفاظ في ضبط ذلك.
ـ اللغة العربية، ودور هذه القراءات المتواترة في حفظ بعض اللهجات العربية التي توشك أن تندثر.
ـ الأحكام الاعتقادية، وفائدة هذه القراءات المتواترة في كشف بعض مجملات التنزيل، والمساعدة على توضيح مراد المولى سبحانه فيها.
ـ الأحكام الفقهية، وفائدة هذه القراءات المتواترة في تقدير بعض الأحكام الشرعية التي لا يمكن الاستدلال لها بالقراءة الواحدة.
وقد تقدمت في أعقاب هذه الدراسة بجملة من الملاحق والاقتراحات التي تتصل بهذه المقاصد، وتضعها في موضع التحقيق بإذن الله.
كما ألحقت بالبحث صوراً هامة لمجموعة من المخطوطات القرآنية النادرة التي اعتمدت عليها في تقرير ما وصلت إليه، خاصة فيما يتصل بأثر القراءات في حفظ الرسم القرآني.
ولن يفوتني هنا أن أتوجه بالشكر إلى معالي فضيلة الدكتور الشيخ أحمد علي الإمـام مدير جامعة القرآن الكريم، لما وجدته لديه من علم وحلم، وسعة اطـلاع فـي مـدار البـحث الـذي طـرقتـه، إضـافة إلى ما لـمستـه فيه من أخلاق العلماء وتواضعهم.
وأكرر الشكر للأستاذ الكبير الفقيه المفسر الدكتور وهبة الزحيلي لتفضله بالإشراف على هذه الرسالة، ولا شك أن ذلك مدعاة شرف وافتخار لأي باحث يجتهد في خدمة علوم الشريعة المطهرة.
وكذلك أخص بالشكر الأستاذ الدكتور عباس المحجوب عميد كلية الدراسات العليا والباحث العلمي، والداعية الإسلامي المؤثر، لما كان يرعاني به من تشجيع وتوجيه، ولما رأيته فيه من فطرة واعية رائدة لطموحات شباب الصحوة الإسلامية.
والله أسأل أن يلهمني فيما قدمته الرشد، ويجنبني الزلل، ويكتب لي التوفيق فيما أرتجي، وما توفيقي إلا بالله..
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.
محمد الحبش
دمشق في 1/شعبان/1416
الموافق 20/12/1995
————
(1) وذلك لما له من خبرة واسعة ومعرفة محيطة بعلوم القرآن الكريم، لعل أقرب دلالاتها ذلك التفسير الجليل الذي أصدره بعنوان التفسير المنير في ست عشرة مجلدة ضخمة، واستحق عليه جائزة أفضل تفسير قرآني معاصر قدمتها له الجمهورية الإسلامية في إيران، ثم أعقبه بالتفسير الوجيز ثم التفسير الوسيط.إضافة إلى مجموعة عظيمة من الإصدارات الفكرية المتلاحقة، نعد منها:
الفقه الإسلامي وأدلته: في ثمانية مجلدات ـ أصول الفقه الإسلامي: في مجلدين كبيرين ـ آثار الحرب في الفقه الإسلامي في مجلد كبير.
إضافة إلى عشرات من الكتب المختلفة في المعارف الإسلامية، وتدريسه في الجامعات العربية والإسلامية لأكثر من ثلاثين عاماً، وإشرافه على عشرات رسائل الدكتوراه والماجستير وحلقات البحث العلمي.
(2) تجد تفصيلاً أوسع لمقاصد الدراسة في خاتمة البحث.
خطة البحث:
يشتمل هذا الكتاب على ثلاثة أبواب وملاحق.
الباب الأول: علم القراءات
وفيه عرضت لهذا العلم نشأة وتاريخاً وإسناداً وأعلاماً وقواعد وأصول، حيث قمت ببحث ذلك من خلال ستة فصول:
الفصل الأول: القراءات وغاياتها، مع تعريف عام بمصطلحات هذا الفن.
الفصل الثاني: تاريخ القراءات.
الفصل الثالـــث: أسانيد القراء.
الفصل الرابع: قواعد القراء.
الفصل الخامس: الفرشيات في القراءات المتواترة.
الفصل السادس: مناهج القراء في جمع القراءات.
الباب الثاني: أثر القراءات المتواترة في الرسم القرآني.
الفصل الأول: تاريخ الرسم القرآني.
الفصل الثاني: نقط القرآن الكريم وشكله وأثر ذلك في القراءات.
الفصل الثالث: تحسينات الرسم وأثرها في القراءات.
الباب الثالث: أثر القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية.
الفصل الأول: الأحكام الاعتقادية.
وهو ست وخمسون مسألة
الفصل الثاني: الأحكام الفقهية.
وهو تسع وثلاثون مسألة
ثم أعطف على البحث خاتمة تتضمن تلخيصاً للجديد من القضايا التي تطرحها الدراسة على بساط البحث.
وتقدم الدراسة جملة من الاقتراحات الهامة التي تتصل بهذه القضايا، أضعها بين يدي المشتغلين بخدمة القرآن الكريم من علماء وقراء ومراكز بحث علمي.
وتجد في آخر الكتاب صور مجموعة من الوثائق والمخطوطات التي اعتمدت عليها في تقرير بعض المسائل العلمية التي حققتها من خلال هذه الدراسة.
الباب الأول: علم القراءات
الفصل الأول: معنى القراءات وغاياتها
المبحث الأول: تمهيد في موثوقية النص القرآني
أنزل الله سبحانه القرآن الكريم رسالة عامة خاتمة، وجعل فيها سعادة الدارين، وحدد للناس منهج حياتهم في الدنيا والآخرة.
ولن تجد في وصف هذا الكتاب العظيم أبلغ من قول الله عز وجل:
{لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}(3).
وأوجز النبي – صلى الله عليه وسلم – خصائص هذا الكتاب العظيم بقوله:
“كتاب الله، فيه نبأ من قبلكم، وخبر من بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى من غيره أضَلَّهُ الله وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تشبع منه العلماء، ولا تلتبس به الألسن، ولا يخلق عن الرَّد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته عن أن قالوا: إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد، من قال به صدق ومن حكم به عدل، ومن عمل به أجر، ومن دعا إليه هُديَ إلى صراطٍ مستقيم” (4).
وفي رواية:
“إن القرآن لا يليه من جبار فيعمل بغيره إلا قصمه الله، ولا يبتغي علماً سواه إلا أضله الله، ولا يخلق عن رده، وهو الذي لا تفنى عجائبه، من يقل به صدق، ومن يحكم به يعدل، ومن يعمل به يؤجر، ومن يقسم به يقسط” (5).
وفي رواية:
“كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، ونبأ ما هو كائن بعدكم، وفيه الحكم بينكم، وهو حبل الله المتين، وهو النور المبين، وهو الصراط المستقيم، وهو الشفاء النافع، عصمة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب” (6).
وقد أجمع العلماء على مبدأ عصمة النص القرآني من الزيغ والعبث والأهواء، وأيقن الباحثون أن النص الذي تنزل به جبريل الأمين على النبي – صلى الله عليه وسلم – هو النص عينه الذي قرأ الناس في القرون الخالية وهو الذي يقرؤه الناس اليوم.
ومع أن كثيراً من الباحثين الغربيين تناولوا بالنقد والتحليل والجرأة سلامة النصوص المقدسة، وجزموا بتحريف كثير منها غير أنهم لم يطالوا بنقدهم سلامة النص القرآني إلا ما كان من بعض أصحاب الهوى الذين لم يجدوا من يهتم بأقوالهم وأفكارهم التي تفتقر إلى أدنى درجات التحقيق العلمي.
ولعل أوضح تجربة معاصرة في هذا الاتجاه هي ذلك البحث العلمي الرصين الذي قام به المفكر الفرنسي موريس بوكاي تحت عنوان: دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديث، والذي انتهى من خلاله وعلى طريقة البحث الموضوعي المجرد إلى إثبات التحريف في التوراة والإنجيل ثم إثبات سلامة النص القرآني من أي تبديل أو تحريف أو تغيير.
وقد لخص موريس بوكاي نتيجة بحثه بقوله:
“إن لتنزيل القرآن تاريخاً يختلف تماماً عن تاريخ العهد القديم والأناجيل. فتنزيله يمتد على مدى عشرين عاماً تقريباً وبمجرد نزول جبريل به على النبي – صلى الله عليه وسلم – كان المؤمنون يحفظونه عن ظهر قلب، بل قد سجل كتابة حتى في حياة محمد – صلى الله عليه وسلم -. إن التجمعات الأخيرة للقرآن التي تمت في خلافة عثمان، فيما بين اثني عشر عاماً وأربعةٍ وعشرين عاماً بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم – قد أفيدت من الرقابة التي مارسها هؤلاء الذين كانوا يعرفون النص حفظاً. بعد أن تعلموه في نفس زمن التنزيل وتلوه دائماً فيما بعد، ومعروف أن النص منذ ذلك العصر قد ظل محفوظاً بشكل دقيق، وهكذا فإن القرآن لا يطرح مشاكل تتعلق بالصحة.
إن القرآن وقد استأنف التنزيلين اللذين سبقاه، لايخلو فقط من متناقضات الرواية وهي السمة البارزة في مختلف صياغات الأناجيل، بل هو يظهر أيضاً لكل من يشرع في دراسته بموضوعية وعلى ضوء العلوم، طابعه الخاص وهو التوافق التام مع المعطيات العلمية الحديثة، بل أكثر من ذلك، ولما أثبتنا، يكشف القارئ فيه مقولات ذات طابع علمي من المستحيل تصور أن إنساناً في عصر محمد صلى الله عليه وسلم قد استطاع أن يؤلفها، وعلى هذا، فالمعارف العلمية الحديثة تسمح بفهم بعض الآيات القرآنية التي كانت بلا تفسير صحيح حتى الآن.
إن مقارنة عديد من روايات التوراة مع روايات نفس الموضوعات في القرآن تبرز الفروق الأساسية بين دعاوى التوراة غير المقبولة علمياً وبين مقولات القرآن التي تتوافق مع المعطيات الحديثة (7).
وهذا التسليم بموثوقية النص القرآني تظاهرت عليه الأدلة من العقل والنقل والواقع، إلى حد لا مزيد عليه، وحسبك من ذلك أن نسخ القرآن العظيم التي تطبع اليوم في العالم وتتجاوز نسخها آلاف الملايين لا يختلف بعضها عن بعض في كلمة أو حرف أو نقطة أو شكل.
ولعل المنفذ الوحيد الذي اتخذه خصوم القرآن منفذاً للحديث عن اختلاط مزعوم في النص القرآني هو مسألة القراءات القرآنية، حيث يتوهم هؤلاء أنها ثغرة في عصمة النصوص، وأن الإقرار بها يستلزم القول بتوهين سلامة النص القرآني، ووجود فقرات بشرية من صنع القراء ضمن التنزيل القرآني الحكيم.
ولعل الإجابة على هذا السؤال عينه هي التي كانت وراء اختياري هذه الدراسة.
————
(3) سورة الحشر.
(4) أخرجه الترمذي عن علي رضي الله عنه في باب فضل القرآن، رقم الحديث عنده 2908، وقال الترمذي هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإسناده مجهول، وفي الحديث مقال، أي الحارث الأعور. ولكن الحديث وارد في الفضائل، وله شاهد يقويه من طريق محمد بن إسحاق، انظر الحاشية التالية.
(5) رواه الدارمي في فضائل القرآن، جـ2 ص 67، وأورد رواية أخرى مقاربة لها، وكلاهما من طريق محمد بن كعب القرظي عن الحارث بن عبد الله ـ أي الأعور ـ
(انظر الحاشية السابقة)
(6) أورده ابن الأثير في جامع الأصول جـ8 ص 464، وقال أخرجه رزين، وروى ابن كثير في فضائل القرآن مثله وقال: رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه فضائل القرآن.
(7) دراسة الكتب المقدسة ص 285.
وقد أدى اشتغال الدكتور موريس بوكاي ببحوث توثيق الكتب المقدسة إلى إعلان دخوله في الإسلام في نهاية المطاف وذلك في باريس عام 1403 هـ، 1983 م.
المبحث الثاني: الوحي هو المصدر الوحيد للقراءات المتواترة
ينبغي أن ننوه هنا إلى أن أي جهد نبذله في خدمة القراءات فهو في الحقيقة جهد في خدمة الوحي الأمين الذي جاءت عبره القراءات المتواترة، ذلك أن القراءات القرآنية المتواترة جميعاً، قرأ بها النبي – صلى الله عليه وسلم – أصولاً وفرشاً، وقد تلقاها عنه (خيار أصحابه من بعده وأقرؤوا بها الناس، وبذلك فإن سائر القراءات المتواترة توقيفية لا مجال فيها لأدنى اجتهاد.
فالنبي – صلى الله عليه وسلم – هو الذي أقرأ أصحابه بتحقيق الهمزات وبتسهيلها، وكذلك بالفتح وبالإمالة، وبالإدغام وبالإظهار، وغير ذلك من أبواب القراءة المأذون بها والمروية بالتواتر، وهو الذي أذن بإقراء هذه الكلمة بوجه، وتلك بوجهين، وتلك بثلاث، وغيرها بأربع الخ…
وجرى كل وجه جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – في القراءة على أنه وحي معصوم، له ما لأخيه من منزلة في الحجة والدلالة وجواز التعبد به.
وفي ذلك شاعت القاعدة المشهورة لعلماء القراءة: تعدد القراءات ينزل منزلة تعدد الآيات.(8)
وهكذا فإن القراءات المتواترة جميعاً هي قراءة النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا قيمة لأي قراءة لم تحظ بالإسناد المتواتر المتصل إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، وليس للأئمة القراء فيها أدنى اجتهاد أو تحكم، بل إن مهمتهم تنحصر في ضبط الرواية وتوثيق النقل، وكان غاية ما فعله هؤلاء الأئمة أن تخصص كل واحد منهم بنوع من أنواع القراءة التي سمعها عن أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – كما نقلوها عنه – صلى الله عليه وسلم – وخدمها وتفرغ لإقرائها وتلقينها، فنسبت إليه لا على سبيل أنه أنشأها وابتكرها، بل على سبيل أنه قرأ بها وأقرأ عليها وإلا فالمنشأ واحد وهو المصطفى – صلى الله عليه وسلم – عن الروح الأمين عن رب العالمين.
وهذه الحقيقة هي محل اتفاق بين علماء هذه الأمة، لم يقل بخلافها أحد، وسائر ما نقل عن المتقدمين، محمول على أمر واحد لا غير، هو عدم ثبوت التواتر لديهم، كما سنأتي على تفصيله فيما بعد.
————
(8) انظر الإتقان للسيوطي جـ1 ص 82.
المبحث الثالث: حكمــــــة القــــــــراءات
إذا استقر لديك اليقين على أن هذه القراءات المتواترة جميعاً قد قرأ بها النبي – صلى الله عليه وسلم – وأقرأها لم يكن لك أن تتوقف في إيمانك على العلة التي أدت إلى ذلك التعدد، ولا أن تسأل عن الضرورة التي ألجأت إليه، فهو وحي أمين، وهي إرادة الله عز وجل وهو: {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون}.
ولكن التسليم بربانية مصدر هذه القراءات في سائر وجوهها لا يتناقض مع البحث عن حكمها وأسرارها ودلالاتها، وهي التي يمكن أن يتلمسها المرء لدى دراسته لوجوه هذه القراءات ومعانيها.
فمن خلال قراءة واقع اللغة العربية قبل الإسلام، فإن النتيجة التي ينتهي إليها كل باحث هي أن اللغة العربية كانت في حالة مخاض عسير، ولم يكن بالإمكان تصوُّر ما تنجلي عنه تلك الحالة الصعبة، فقد ترسَّخت العقدة القبلية لدى كثير من العرب، وحلّت محل الإحساس القومي، وتوزع كثير من العرب في ولاءاتهم بين الفرش والرُّوم والحبشة، وظهرت فيهم تيارات محلية ضمن قوقعة الذات، تدعو إلى إحلال اللهجات المحلية محل اللغة العربية الشاملة، وظهرت حينئذٍ لهجات عربية ضالة لا يمكن أن تلتقي على أصول واحدة إلاَّ مع استثناءات كثيرة تفوق الحصر وتخرج عن المنهج المطرد.
ومما وصل إلينا من أشكال التقارب بين اللهجات العربية على سبيل المثال: كشكشة تميم، وسكسكة بكر، وشنشنة تغلب، وغمغمة قضاعة، وطمطمانية حمير، ورتة العراق، وهي كما نرى لهجات منسوبة إلى قبائل بعينها.
وثمة انحرافات لغوية أخرى لم تنسب إلى قبائل بعينها ولكنها كانت شائعة فاشية، كالفأفأة، واللثغة، والغنَّة، واللكنة، والعقلة، والحبسةِ، والترخيم، والتمتمة، واللفف والإرتضاخ، والرَّطانة.
ويطول بنا البحث لو أردنا أن نسرد أشكال الانحرافات التي انتهت إليها لهجات القبائل المتوزعة في أطراف الجزيرة العربية ولعل من أهدافها ما كشفت عنه الحفريات في جنوب الجزيرة العربية حيث ثبت أن بعض عرب اليمن كانوا ينطقون ويكتبون لغة عربية، ولكن بدون الحروف الصوتية الثلاث: الألف، والواو، والياء…!!
ولقد نقل ابن عبد ربه وجوه هذه الانحرافات في موسوعته الكبيرة المسماة: العقد الفريد وفيما يلي أنقل لك كلامه بنصه كما أورده في باب خاص عقده تحت عنوان: آفات النطق: “قال أبو العباس محمد بن يزيد النحوي: التمتمة في المنطق: التردد في التاء، والعقلة: التواء اللسان عند إرادة الكلام، والحبسة: تعذر الكلام عند إرادته، واللفف: إدخال حرفٍ في حرف، والرّتة: كالرتج تمنع أول الكلام فإذا جاء منه شيء اتصل به، والغمغمة: أن تسمع الصوت ولا يبين لك تقطيع الحروف، فأما الرّتة: فإنها تكون غريزية. قال الراجز: يا أيها المخلط الأرت.
وأما الغمغمة: فإنها قد تكون من الكلام وغيره، لأنها صوت من لا يفهم تقطيع حروفه.
واستأنف فقال: والطمطمة: أن يعدل بحرف إلى حرف، والغنَّة: أن يشرب الحرف صوت الخيشوم والخنة: أشد منها، والترخيم: حذف الكلام، والفأفأة: التردد في الفاء.
وأما كشكشة تميم: فإن بني عمرو بن تميم إذا ذكرت كاف المؤنث فوقفت عليها أبدلت منها شيناً لقرب الشين من الكاف في المخرج.
وأما سكسكة بكر: فقوم منهم يبدلون سن الكاف سيناً كما فعل التميميون في الشين.
وأما طمطمانية حمير ففيها يقول عنترة:
تأوي له قُلَص النعام كما أوتئ * حزم يمانية لأعجم طمطم(9) ” اهـ
بل أخذت الانحرافات اللغوية أشكالاً أبعد من ذلك حتى شاع لديهم تسميتها باللغات: كـ: لغة هذيل، ولغة قيس، ولغة كندة، وإن كنا نرى أن تسميتها باللغات ليس منهجاً مستقيماً، إذْ لم تخرج في عمومها عن مفردات العرب ومناهج نطقهم.
وذلك كله قبل الإسلام حيث كانت اللغة في مهدها في جزيرة العرب وبوسعك أن تتصور مستقبل لغة فيها هذه الفوارق منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام…!. خصوصاً إذا خرجت هذه اللغة عن إطارها التقليدي ضمن الجزيرة العربية لتمتد من خراسان وأذربيجان إلى الهلال الخصيب فالأندلس مروراً بالشمال الأفريقي كله، لاشك أنها ستصبح حينئذٍ ركاماً هائلاً من اللغات واللهجات التي لا يضبطها ضابط ولا يجمعها قانون. ومراراً كانت تأتي وفود العرب إلى النبي – صلى الله عليه وسلم –
فتحدثه بلهجاتها ولغاتها فيخاطبها النبي – صلى الله عليه وسلم – بما تعودته من لهجاتها، فيكون ذلك مثار دهشة الأصحاب وعجبهم.
من ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده أن وفداً من حمير جاءوا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: يا رسول الله.. أمِنَ امْبِرِّ امْصيام في امْسَفَر؟.
فقال – صلى الله عليه وسلم -: ليس منَ امْبِرِّ امصيام في امْسَفَر.
وتعجب الأصحاب مما سمعوا، حتى تبين لهم أن الوفد حي من العرب يبدلون اللام ميماً والميم لاماً. وكان سؤالهم: أمن البر الصيام في السفر؟ فجاء جواب النبي – صلى الله عليه وسلم -: ليس من البر الصيام في السفر(10).
ولولا القرآن الكريم ودقة الضبط في روايته وتلقيه ضمن حدود القراءات، لأصبحت العربية أثراً بعد عين، ولصار جمع العرب على لغة واحدة أشبه بجمع شعوب القارة الأفريقية اليوم على لغةٍ واحدة.
ولا ينبغي أن نتصور جراء ذلك أن العرب كانوا عطلاً عن البلاغة والبيان، فذلك مالم نَقُلْهُ ولم نقصد إليه، فقد أوتيَ العرب الفصاحة والبلاغة، وتبوأ خطباؤهم وشعراؤهم منزلة رفيعة في الترتيب القبلي، وسارت بقصائد شعرائهم الركبان، وعلقت روائعهم على جدران الكعبة، ولا تزال إلى اليوم تلهم النقاد والأدباء ما رَقَّ ودَقَّ، وعزَّ وشقَّ من لطيف العبارة وعجيب البيان. ولكنهم على ذلك لم يكونوا يمتلكون كتاباً أمَّاً يرجعون إليه في تمييز الصحيح من الدخيل، ويقَعِّدون على أساسه قواعد نطقهم.
كذلك فإنهم لم يعدموا لساناً مفهماً يتحاورون فيه، ويتبادلون على أساسه حوائجهم ومعارفهم وخبراتهم، ولكن إرهاصات الشقاق اللغوي كانت قد تهيأت
تماماً ومضت في سبيلها المتناكس، وشجع على ذلك نمو العصبية القبلية، والاتصال بالعجم، وغياب أي شكل جدّي من أشكال الوحدة العربية المطلوبة.
وبوسعك أن تتصور أي مستقبل كان ينتظر اللغة العربية في ضوء هذه المعطيات، لولا الثورة اللغوية التي أعقبت نزول القرآن الكريم. وانتشار قرائه وحفاظه في الأمصار يجمعون الناس على منهج واحد، وبهم تبوأت اللغة العربية مكانها، وتأصَّل الصحيح محل ما يجب هدمه من رطانة وانحراف، ولغات ضالة لا تنتمي إلى أصول الكلام العربي.
وأما اللهجات العربية المحترمة، فقد تكفلت بحفظها القراءات القرآنية، التي أذن بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولدى الاستقراء فإنك تجد أنها تحتوي على كثير من اللهجات العربية ولكنها محكومة بضابط من القواعد يمكن ردها إليها، والاحتكام على أساسها.
لقد كانت اختيارات النبي – صلى الله عليه وسلم – في أمر القراءة المأذون بها، تتم فيما يـمكن تسميتـه بـمطبـخ اللغـة العـربية على أساس الإجماع العربي، حيث تـم تـمييـز الأصيل من الدخيل من كلام العرب وأمكن حينئذٍ أن تبدأ جهود علماء اللغة في تأصيل القواعد وتحريرها، الأمر الذي نتجت عنه علوم النحو والـصـرف والبـلاغـة والعـروض ومـا لـحـق بهـا مـن معـارف تفصيـليـة جعـلت لغـة العـرب مـن أضبـط اللغـات قــواعـداً، وأكثـرهـا تعـليـلاً، وأوضحها معـالجةً.
وعلى ضوء ذلك تم ترتيب البيت الداخلي للسان العرب، وتوفرت الوثيقة المعتمدة لضبط اللسان العربي، وهي القرآن الكريم وفق ما رتَّله النبي – صلى الله عليه وسلم – من وجوه القراءات، وتَلقَّاه عنه أصحابه الكرام.
وهكذا فقد أصبحت الجزيرة العربية تعتمد لساناً عربياً واحداً، مهما اختلفت فيه من شيء ردته إلى الكتاب الإمام، بعد ذلك التفت العرب إلى أراضيهم المسلوخة عنهم في بلاد الشام والعراق والشمال الأفريقي، وقد تزاحمت فيها رطانات الأمم الغالبة. حتى لم يبق للعربية أثر يذكر في لغة الحياة.
فكانت بلاد الشام تتكلم لغات محلية إقليمية وأجنبية فيها الآرامي والسرياني والرومي، وكان أهل العراق يتكلمون لساناً فارسياً، وكان لبنان فينيقياً، وكانت مصر ضائعة في لهجاتها الفرعونية القبطية والرومية، وكان الشمال الإفريقي يتكلم لساناً بربرياً. بالرغم من الأصول العربية المؤكدة التي تنتمي إليها هذه الشعوب. ولم يكن ثمة شيء يكفل أن تعود تلك الشعوب إلى لسانها العربي بعد أن تركته قروناً كثيراً، لولا أن تمت نعمة الله على هذه الأمة بنزول القرآن الكريم، ولولا توفر الإرادة الكافية لدى الرعيل الأول في العهدين الراشدي والأموي لجمع القرآن العظيم وثائق ومشافهات لتصبح من ذلك الحين عماد اللسان العربي في النحو والنطق(11).
{كتاب فصلت آيـــاته قرآنـــاً عربيـاً لقومٍ يعلمون}.(12)
{وكذلك أنزلناه حكماً عربياً، ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق}(13).
————
(9) العقد الفريد لابن عبد ربه جـ2 ص 475.
(10) مسند أحمد بن حنبل جـ5 ص 424.
(11) انظر كتاب: التجويد وأثره في النطق العربي الصحيح للمؤلف، ص 15، وهو دراسة منهجية مقررة على المذيعين العرب، أعدت بطلب من مركز التدريب الإذاعي بدمشق التابع لجامعة الدول العربية.
(12) سورة فصلت 3
(13) سورة الرعد 37
المبحث الرابع: الأصل اللغوي لكلمة (قراءة)
القراءات جمع قراءة من قرأ، وجرى إطلاق السلف لفظة “قراءة” للتعبير عن صنيع القراء في أداء نص القرآن المجيد.
وقد وجد الاصطلاح سبيله إلى هذا المعنى اللغوي، فأصبحت كلمة قراءة إذا أضيفت إلى واحد من أعلام القراء تدل على منهج معين لهذا القارئ في التلقي والأداء، أو في فرش بعض الحروف(14).
واشتهر من الصحابة قارئون كثير، فكان يقال: قراءة ابن مسعود، وقراءة أبي، وقراءة زيد بن ثابت، وقراءة أم سلمة.
ولم تكن تلك القراءات تؤدي المعنى ذاته الذي أصبحت تؤديه فيما بعد، إذ لم يكن لكل صحابي أصول وفرش ينفرد به عن إخوانه، كما إن التدوين لم ينهض بوصف اختياراتهم في سائر الآي، بل غاية ما وصلنا عنهم اختيارات في قراءة بعض الآيات، أو انتهاج بعض الأصول.
————
(14) الفرش هو الكلمة من القرآن تقرأ على غير مثال.
ويقسم علماء القراءة مناهج القراء إلى:
1 – أصول: وهي قواعد القراءة لكل قارئ كمد الميمات وتحقيق الهمزات وإمالة الألفات وغير ذلك.
2 – فرش: وهي الكلمات القرآنية بعينها وكيف قرأها كل قارئ، وسميت فرشاً لأنها تفرش في التعليم على مواضع الآيات، ولا تندرج تحت أصول جامعة.
المبحث الخامس: الأصل الشرعي لكلمة (قراءة)
ولعل من أقدم النصوص التي أشارت إلى تسمية الاختيار في التلاوة قراءة، ذلك الحديث المشهور المروي في الكتب الصحاح ونصه:
عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكدت أساوره في الصلاة فانتظرته حتى سلم فلبَّبته(15) فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ: قال: أقرأنيها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلت له: كذبت، فوالله إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لهو أقرأني هذه السورة التي سمعتك. فانطلقت به إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقوده، فقلت: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرئنيها، وإنك أقرأتني سورة الفرقان. فقال يا هشام اقرأها، فقرأها القراءة التي سمعته، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: هكذا أنزلت ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأتها التي أقرأنيها فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – هكذا أنزلت، ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه”(16).
وهكذا فإن الأصحاب رضوان الله عليهم أطلقوا لفظ (قراءة) على ما تخيره القراء من تلاوات النبي – صلى الله عليه وسلم – من القرآن الكريم.
ولم تجد هذه القراءات سبيلها إلى التدوين إذ لم يجتمع للصحابي مذهب مستقل في الأصول والفرش، بل هي اختيارات متفرقة تلقوها عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم – في مناسبات متعددة.
ويكشف لك الحديث السابق عن الإذن الشرعي الصادر من النبي – صلى الله عليه وسلم – والذي يأذن فيه للصحابة الكرام برواية القرآن الكريم عنه – صلى الله عليه وسلم – مع التفاوت في الأداء أصولاً وفرشاً.
وثمة أحاديث أخرى في قراءة الصحابة بالقراءات نورد منها: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:
“أقرأني جبريل على حرفٍ فراجعته فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف”(17).
وروى مسلم بسنده عن أبي بن كعب أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان عند أَضاةَ بني غفار قال: فأتاه جبريل عليه السلام فقال: “إن الله يأمرك أن تُقْرِيء أُمتكَ القرآن على حرفٍ. فقال: أسألُ الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أُمتك القرآن على حرفين فقال: أسألُ الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف فقال: أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك، ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرفٍ، فأيما حرف قرؤوا عليه فقد أصابوا”(18).
وأخرج الإمام أحمد بسنده عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص عن عمرو أنَّ رجلاً قرأ آيةً من القرآن، فقال له عمرو إنما هي كذا وكذا، فذكر ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: “إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرفٍ فأي ذلك قرأتم أصبتم فلا تماروا، أي لا تشكوا ولا تجادلوا”(19).
ويجب القول إن المستند الشرعي للإقراء بالقراءات لا يقف عند حدود ما أوردناه من نصوص السنة الشريفة وهي في أعلى درج الصحيح، بل إن أقوى مستند لهذا الوجه إنما هو ذلك التواتر الذي تؤدى به هذه القراءات، وهو الذي لا رتبة فوقه من التواتر، والذي ما زالت جماهير الأمة تتلقاه وتلقّيه منذ عصر النبوة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وستجد في الفصل المخصص للأسانيد بهذه الدراسة مبلغ ما اشتملت عليه أسانيد الإقراء من رجال الضبط والإتقان الذين يبلغون أعلى درجات التواتر في كل حلقة من حلقات الإسناد.
————
(15) لبَّبته: أخذت بردائه.
(16) حديث مشهور له روايات كثيرة صحيحة.
انظر البخاري في كتاب الخصومات باب 4، وفضائل القرآن باب 5، وكذلك أخرجه مسلم والترمذي والنسائي واللفظ هنا لأحمد بن حنبل.
(17) البخاري في فضائل القرآن باب أنزل القرآن على سبعة أحرف رقم الحديث 4991، وانظر فتح الباري جــ9 ص 23.
(18) رواه البخاري في كتاب استتابة المرتدين، باب ما جاء في المتأولين، حديث رقم 6936، وانظر فتح الباري جــ12 ص 303. رواه أيضاً الترمذي في الجامع الصحيح، كتاب الوتر باب 22.
(19) رواه أحمد في مسنده عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص جـ4 ص 205، وفي إسناده أبو سلمة الخزاعي، وهو منصور بن سلمة الهندي الليثي من السابعة وقد ضعفوه، قال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب: مقبول. انظر تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني جـ2 ص 276.
المبحث السادس: القراءات والأحرف السبعة
يقترن اسم القراءات بالأحرف السبعة، ويتبادر إلى الأذهان أن القراءات هي الأحرف، وبخاصة بعد أن اشتهرت القراءات السبع في الأمصار وأصبح الناس يتحدثون عن قراءات سبع وأحرف سبعة.
والأحرف السبعة هي التي جاء الحديث الصحيح بالإشارة إليها في قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا منه ما تيسر”(20).
وقد روي هذا الحديث عن جمع كبير من الصحابة، فقد روى الحافظ أبو يعلى(21) أن عثمان رضي الله عنه قال يوماً وهو على المنبر “أذكر الله رجلاً سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف كلها شافٍ كاف. لما قام، فقاموا حتى لم يحصوا فشهدوا بذلك، فقال عثمان رضي الله عنه: “وأنا أشهد معهم”(22) وتوافق هذه الجموع التي لم تحص عدداً على هذا الموضوع حمل بعض الأئمة على القول بتواتر الحديث، وفي طليعة هؤلاء أبو عبيد القاسم بن سلام، وإذا لم يتوافر التواتر في الطبقات المتأخرة، فحسبنا صحة الأحاديث التي ذكرناها مؤكَّداً لهذه الحقيقة الدينية التي نطق بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ويميل جمهور العلماء إلى أن المصاحف العثمانية اشتملت على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة(23).
واختار القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني هذا الرأي وقال: الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وضبطها عنه الأئمة، وأثبتها عثمان والصحابة في المصحف وأخبروا بصحتها، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواتراً(24).
وعبارة “الأحرف” وهي جمع حرف ـ الوارد في الحديث تقع على معانٍ مختلفة، فقد تكون بمعنى القراءة كقول ابن الجزري: “كانت الشام تقرأ بحرف ابن عامر”(25) وقد تفيد المعنى والجهة(26) كما يقول أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي(27).
وحكي عن الخليل بن أحمد الفراهيدي شيخ العربية أن القراءات هي الأحرف(28)، ولن تجد كتاباً تعرض لهذه المسألة إلا أشار لهذا القول بالتوهين والتضعيف.
وأحب هنا أن أوضح رأي العلامة الجليل الخليل بن أحمد الفراهيدي 29)، فهو بلا ريـب إمـام العـربيـة وحجـة النحـاة، ولاشـك أن انفـراده بالـرأي هنـا لـم ينتـج من قلة إحاطة أو تدبر، ومثله لا يقول الرأي بلا استبصار، وانفراد مثله برأي لا يلزم منه وصف الرأي بالشذوذ أو الوهن!
وغير غائب عن البال أن الخليل بن أحمد الفراهيدي الذي توفي عام 170 هـ لم يدرك عصر تسبيع القراءات، حيث لم تشتهر عبارة القراءات السبع إلا أيام ابن مجاهد(30)، وهو الذي توفي عام 324 هـ.
ولم يكن الخليل بن أحمد يعني بالطبع هذه القراءات السبع التي تظاهر العلماء على اعتمادها وإقرارها بدءاً من القرن الرابع الهجري، ولكنه كان يريد أن ثمة سبع قراءات قرأ بها النبي – صلى الله عليه وسلم – وتلقاها عنه أصحابه، ومن بعدهم أئمة السلف، وهي تنتمي إلى أمهات قواعدية لم يتيسر من يجمعها بعد ـ أي في زمن الخليل ـ وأنها لدى جمعها وضبطها ترتد إلى سبعة مناهج، وفق حديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف”.
وهذا الفهم لرأي الخليل هو اللائق بمكانته ومنزلته العلمية، وهو المتصور في ثقافته ومعارفه زماناً ومكاناً، وبه تدرك أنه لم يكن يجهل أن عصر الأئمة متأخر عن عصر التنزيل وهو أمر لا يجهله أحد.
وكذلك أشير هنا إلى رأي شيخ المفسرين الإمام الطبري(31) الذي كان يرى أن الأحرف السبعة منهج في الإقراء أذن به النبي – صلى الله عليه وسلم – زمناً ثم نسخه قبل أن يلقاه الأجل، وهكذا فقد مات النبي – صلى الله عليه وسلم – وليس بين الناس إلا حرف واحد، وأن هذه القراءات المتواترة اليوم مهما بلغت كثرة إنما تدور ضمن هذا الحرف الواحد الذي أذن النبي – صلى الله عليه وسلم – بالإقراء والرواية به(32).
ومن أدلته على نسخ الأحرف السبعة أنها لو كانت قرآناً باقياً لم تكن لتخفى عن الأمة بعد أن تعهد الله سبحانه بحفظ كتابه العظيم في قوله: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}، وكذلك حصول الاختلاف في فهمها، وتحديد المراد بها، وقد قال الله سبحانه: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً}.
ومن أدلته على ذلك أن المروي عن السلف في الأحرف السبعة لا يتفق والرسم القرآني، فلم يكن ثمة مندوحة من القول بنسخ ذلك، وقد نقل مكي بن طالب القيسي في الإبانة رأي الطبري فقال: “يذهب الطبري إلى أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن إنما هي تبديل كلمة في موضع كلمة، يختلف الخط بهما، ونقص كلمة، وزيادة أخرى، فمنع خط المصحف المجمع عليه مـما زاد على حرف واحد لأن الاختلاف [عنده] لا يقع إلا بتغيير الخط في رأي العين.
فالقراءات التي في أيدي الناس اليوم كلها عنده حرف واحد من الأحرف السبعة التي نص عليها النبي – صلى الله عليه وسلم -، والستة الأحرف الباقية قد سقطت، وبطل العمل بها بالإجماع على خط المصحف المكتوب على حرف واحد”(33).
وقد لخص الطبري مذهبه بقوله: “فلا قراءة اليوم للمسلمين إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية”(34).
والخلاصة أن اختيار الطبري متجه إلى أن الأحرف السبعة رفعت من القرآن الكريم، وأنها كانت إذناً من الله عز وجل يتضمن التخفيف عن الأمة حتى إذا هدمت حواجز كثيرة كانت تحول بين قبائل العرب، ردهم الله عز وجل إلى حرف واحد، ولكنه أذن أن يقرأ هذا الحرف بلهجات مختلفة هي القراءات التي ثبتت إلى المعصوم – صلى الله عليه وسلم – تواتراً وأداءً.
وقد نص الطبري على هذا التعليل بعينه حين قال:
“فاستوثقت(35) له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية، وتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركه، طـاعة منهـا لـه، ونظــراً منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها وتعفت آثارها، فلا سبيل اليوم لأحد إلى القراءة بها لدثورها وعفو آثارها، وتتابع المسلمين إلى رفض القراءة بها من غير جحود منهم لصحتها وصحة شيء منها، ولكن نظراً منها لأنفسها ولسائر أهل دينها”(36).
وبعد تفصيل رأي الفراهيدي واختيار الطبري أضع بين يديك اختيار الجمهور فقد رأى جمهور المفسرين أن الأحرف السبعة باقية في التنزيل وقد استوعبتها المصاحف العثمانية، وما هي إلا تحديد لوجهة الاختلاف في أداء الكلمة القرآنية، وفق ما أذن به النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وقد اعتبر الإمام أبو الفضل الرازي(37) ممثلاً لرأي الجمهور، وقد نهج من جاء بعده على منواله في اختياره، وننقل لك هنا اختياره كالتالي:
الكلام لا يخرج عن سبعة أحرفٍ في الاختلاف:
الأول: اختلاف الأسماء من إفرادٍ، وتثنية، وجمع، وتذكير، وتأنيث، مثاله قوله تعالى: {والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون}(38). قرىء هكذا: {لأماناتهم} جمعاً وقرىء {لأمانتهم} بالإفراد.
الثاني: اختلاف تصريف الأفعال من ماضٍ ومضارعٍ وأمر. مثاله: قوله تعالى: {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا}(39) قرىء هكذا بنصب لفظ “ربنا” على أنه منادى وبلفظ “باعِدْ” فعل أمر، وقرىء هكذا {ربُّنا بعَّد} برفع “رب” على أنه مبتدأ وبلفظ “بعد” فعلاً ماضياً مضعَّف العين جملته خبر.
الثالث: اختلاف وجوه الإعراب، مثاله: قوله تعالى: {ولا يضارَّ كاتب ولا شهيد}(40) قريء بفتح الراء وضَمِّها، فالفتح على أن “لا” ناهية، فالفعل مجزوم بعدها، والفتحة الملحوظة في الراء هي فتحة إدغام المثلين. أما الضم فعلى أنَّ “لا” نافية، فالفعل مرفوع بعدها.
الرابع: الاختلاف بالنقص والزيادة: مثال: قوله تعالى: {وما خلق الذكر والأنثى}(41) قريء بهذا اللفظ وقريءَ أيضاً “والذكر والأنثى بنقص كلمة “ما خلق”.
الخامس: الاختلاف بالتقديم والتأخير: مثاله: قوله تعالى: {وجاءت سكرة الموت}(42) وقريء “وجاءت سكرة الحق بالموت”.
السادس: الاختلاف بالإبدال: مثاله: قوله تعالى: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها}(43) بالزاي وقريء “ننشرها” بالرَّاء.
السابع: اختلاف اللغات “اللهجات” كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإظهار والإدغام ونحو ذلك، مثاله قوله تعالى: {بلى قادرين}(44) قريءَ بالفتح والإمالة في لفظ “بلى”.
وعلى اختيار الرازي هذا جاءت آراء جماهير علماء القرآن، وأشهر من حرر هذه المسألة ابن قتيبة(45) في المشكل، والطيب الباقلاني(46) في الإعجاز، وابن الجزري(47)، وإن يكن لكل واحد منهم وجه انفراد، غير أنهم التزموا منهج الوجوه السبعة المذكورة مع تغيير طفيف. ونطوي القول في مسألة القراءات والأحرف عند هذا الحد، مع أننا لم نحسم الجدل المستمر في تحقيق ضوابط ما بين القراءة والحرف، إذ ليس ذلك من شرط هذه الدراسة، ولكن الاطلاع على الأقوال المختارة في الباب يكشف لنا عن سبيل الإحاطة بهذه المعارف، وبحسبي أن أجزم هنا أن الأحرف السبعة الواردة في السنن الصحاح هي معنى آخر في التنزيل، متصل بالأداء، مختلف عن معنى القراءات ودلالته، مع.
————
(20) فتح الباري جـ5 ص 33، رقم الحديث 5419.
(21) الإتقان 1/78
(22) الإتقان 1/85
(23) البرهان 1/224
(24) ابن الجزري، طبقات القراء 1/292
(25) البرهان 1/213
(26) طبقات القراء 2/143
(27) البرهان 1/214
(28) الإتقان 1/78 والبرهان 1/223
(29) الفراهيدي: (100 – 170 هـ ـ 718 – 786 م) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي أبو عبد الرحمن من أئمة اللغة والأدب وواضع علم العروض وأستاذ سيبويه النحوي المعروف ولد ومات بالبصرة كان مغموراً في الناس لا يعرف، له كتاب “العين في اللغة” وهو أول معجم في العربية وله أيضاً “معاني الحروف” و”جملة آلات العرب” و”تفسير حروف اللغة” وكتاب “العروض” و”النقط والشكل” و”النغم”.
الأعلام جــ2 ص 314.
(30) ابن مجاهد (245 – 324 هـ ـ 859 – 936 م)
هو أحمد بن موسى بن العباس التميمي أبو بكر بن مجاهد كبير العلماء بالقراءات في عصره. من أهل بغداد، وكان حسن الأدب، رقيق الخلق، فطناً جواداً له كتاب “القراءات الكبير” و”قراءة ابن كثير” و”قراءة أبي عمرو” و”قراءة عاصم” و”قراءة نافع” و”قراءة حمزة” و”قراءة الكسائي” و”قراءة ابن عامر” و”قراءة النبي – صلى الله عليه وسلم – ” و”كتاب الياءات” و”كتاب الهاءات”.
الأعلام جــ1 ص 261
(31) ابن جرير الطبري (224 – 310 هـ = 839 – 923 م)
هو محمد بن جرير بن يزيد الطبري أبو جعفر المؤرخ المفسر الإمام ولد في آمل في طبرستان واستوطن بغداد وتوفي بها وعرض عليه القضاء فامتنع والمظالم فأبى، له كتاب: “أخبار الرسل والملوك” ويعرف بتاريخ الطبري في 11 جزءً و”جامع البيان في تفسير القرآن” وله أيضاً “اختلاف الفقهاء” و”المسترشد” في علوم الدين و”جزء في الاعتقاد و”القراءات” وغير ذلك وهو من ثقات المؤرخين قال ابن الأثير: أبو جعفر أوثق من نقل التاريخ وفي تفسيره ما يدل على علمٍ غزير وتحقيق. وكان مجتهداً في أحكام الدين لا يقلد أحداً بل قلده بعض الناس وعملوا بأقواله وآرائه. الأعلام جــ6 ص 69.
(32) انظر مناهل العرفان للزرقاني جــ1 ص 179.
(33) الإبانة من معاني القراءات لمكي بن أبي طالب القيسي ص 32.
(34) تفسير الطبري جــ1 ص 62، وانظر الإبانة لمكي بن أبي طالب ص 50.
(35) كذا في الأصل، ولعلها فاستوثقت.
(36) الإبانة لمكي بن أبي طالب ص 50.
(37) أبو الفضل الرازي: هو الإمام الكبير ابن شاذان المتوفي سنة 290 هـ.
ومن العجيب أن الأمة اعتمدت على اختيار الرازي هذا رغم غمرته في الذكر والصيت، إذ لم نعثر له على ترجمة وغاية ما حصلناه عنه هذه الكلمة التي أوردها ابن الجزري في النشر. ولم أجد أحداً ـ في حد علمي ـ من أصحاب موسوعات تراجم الرجال ترجم له!!..
(38) سورة المؤمنون 7
(39) سورة سبأ 19
(40) سورة البقرة 283
(41) سورة الليل 3
(42) سورة ق 19
(43) سورة البقرة 259
(44) سورة القيامة 4
(45) ابن قتيبة (ت 322 هـ = 934 م)
هو أحمد بن عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، أبو جعفر قاضٍ من أهل بغداد، له اشتغال بالأدب والكتابة، ولي القضاء بمصر سنة 321 هـ فجاءها وعرف فضله فيها فأقبل عليه طلاب العلوم والآداب وكانت وفاته بمصر وهو يلي قضاءها.
(46) القاضي الباقلاني: (338 – 403 هـ=950 – 1013 م)
محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر أبو بكر قاض من كبار علماء الكلام انتهت إليه الرياسة في مذهب الأشاعرة، ولد في البصرة وسكن بغداد وتوفي بها، وجهه عضد الدولة سفيراً عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها. من كتبه “إعجاز القرآن” و”الإنصاف” و”مناقب الأئمة” و”دقائق الكلام” و”الملل والنحل” و”هداية المرشدين” و”الاستبصار” وغيرها.
(47) ابن الجزري (751 – 833 هـ=1350 – 1429 م)
هو محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف أبو الخير، شمس الدين العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي شيخ الإقراء في زمانه من حفاظ الحديث، ولد ونشأ في دمشق وابتنى بها مدرسة سماها “دار القرآن” ورحل إلى مصر مراراً ودخل بلاد الروم وسافر إلى شيراز فولي قضاءها ومات فيها.
من كتبـه: “النشـر فـي القـراءات العشـر” و”غـاية النهـاية فـي طبقـات القـراء” و”التمهيـد فـي علـم التجـويد” وغيـرهــا كـثـيـر.
الفصل الثاني: تاريخ القراءات
المبحث الأول: القراءات في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم
أصبح من المسلم به ـ كما رأينا ـ أن باب الاجتهاد منقطع تماماً فيما يتعلق برواية القرآن الكريم تلاوته وأدائه، وليس لعلماء القراءة في هذا الباب أدنى اجتهاد، إلا في حدود ضبط الرواية عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم -.
وبذلك فإن سائر القراءات المتواترة قرأ بها النبي – صلى الله عليه وسلم – وأقرأ عليها، ويلزم التسليم هنا أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قرأ بتحقيق الهمزات وقرأ بتسهيلها وقرأ بتغييرها وقرأ بإسقاطها، وقرأ بفتح الألف والتقليل فيها واجتماعها والإمالة فيها، وقرأ بالإدغام الصغير والإدغام الكبير، وقرأ بالفصل بين الحروف المدغمة.
وقرأ كذلك بسائر الفرشيات التي تنسب إلى الأئمة العشرة، إذ ثبت بأسانيدهم المتواترة أنهم تلقوا ذلك كله عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
ولم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد قسم هذه الاختيارات إلى وجوه سبعة أو عشرة محسومة، بل ترك لأصحابه الاختيار منها، بحسب ما تلقوه واستقامت عليه ألسنتهم.
ولو قدر أن يكون في عهد الصحابة من يهتم بحسم مسائل القراءة على الوجه الذي نهجته الشيوخ فيما بعد، لانتهى إلى الأمر ذاته الذي انتهوا إليه، ولكنه – صلى الله عليه وسلم – مات وأمر الاختيار هذا مشاع في الأمة يتخير منه القراء من الصحابة ما يرغبون، بشرط أن يكونوا قد سمعوه من المعصوم – صلى الله عليه وسلم – في مقام.
وهكذا فإنه يمكن القول إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أول شيخ إقراء، تلقى الوجوه جميعاً عن جبريل، عن رب العزة جل جلاله وتباركت آلاؤه، وهو – صلى الله عليه وسلم – أقرأها كما تلقاها.
وغني عن القول أن أي خلاف كان ينشأ في مسألة من مسائل القراءة كان يحسم مباشرة على وفق تصويب النبي – صلى الله عليه وسلم – لأحد الوجهين، أو إقراره لهما جميعاً.
المبحث الثاني: القراء من الصحابة الكرام
لم يكن للصحب الكرام اشتغال بشيء أولى من اشتغالهم بالقرآن الكريم، ولذلك كثر فيهم القراء والحفاظ، ولكن لم يكن أولئك القراء بالضرورة على وفق المناهج التي اختارها القراء فيما بعد من التخصص، والجمع بين الوجوه واستقرائها، وإنما كان محض عبادة يؤدونها على حسب ما سمعوه من النبي – صلى الله عليه وسلم -، وكـان على علماء التابعين أن يتعقبوا هؤلاء الأئمة القراء ليتخيروا قراءاتهم وفق اختياراتهم ومناهجهم.
ونقوم هنا بالتعريف ببعض أئمة القراء من الصحابة الكرام بإيجاز وهم:
1 – أبو بكر الصديق رضي الله عنه 51 ق.هـ ـ 13 هـ
عبد الله بن عثمان بن عامر بن غالب بن فهر. صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الغار وخليفة المسلمين الأول واستمرت خلافته سنتين وأربعة أشهر تقريباً. وهو من حفاظ القرآن كما نص عليه الإمام أبو الحسن الأشعري. وهو أول من آمن برسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الرجال.
وهو أقرأ الأصحاب بدلالة إمامته للمسلمين، والرسول الكريم يقول: (يؤم القوم أقرأهم للقرآن)(48).
2 – عمر بن الخطاب رضي الله عنه، 40 ق.هـ ـ 23 هـ
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن غالب بن فهر القرشي العدوي (أبو حفص) أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين واستمرت خلافته عشر سنين ونصف تقريباً، صاحب الفتوح، ويضرب به المثل في العدل.
قال أبو العالية بن الرياحي: قرأت القرآن على عمر أربع مرات رضي الله عنه وأرضاه.
3 – عثمان بن عفان رضي الله عنه 47 ق.هـ ـ 35 هـ
وهو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية القرشي، أبو عبد الله وأبو عمرو أمير المؤمنين، ذو النورين، ثالث الخلفاء الراشدين. زوَّجه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ابنتيه رقية وبعد وفاتها زوجه بأم كلثوم.
أخذ عنه قراءة القرآن المغيرة بن أبي شهاب المخزومي (مقرئ الشام) وأبو عبد الرحمن السُّلَمي، وزِرُّ بن حبيش، وأبو الأسود الدؤلي. وغيرهم.
4 – علي بن أبي طالب (23 ق.هـ ـ 40 هـ)
وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي (أبو الحسن) ابن عم النبي – صلى الله عليه وسلم – وصهره وهو أول طفل أسلم، تميز بالشجاعة والبطولة وكان يدعى (مدينة العلم) وهو رابع الخلفاء الراشدين [والأربعة السابقين من المبشرين بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم]. وهو من حفاظ القرآن الكريم، وعرض عليه القرآن كثير من الناس منهم: أبو عبد الرحمن السلمي ـ أبو الأسود الدؤلي ـ عبد الرحمن بن أبي ليلى.
5 – طلحة بن عبيد الله 38 ق.هـ ـ 36 هـ
وهو طلحة بن عبيد الله بن عثمان التيمي القرشي (أبو محمد) أحد المبشرين بالجنة، وأحد الثمانية السابقين إلى الإسلام لقبه الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعدة ألقاب منها: طلحة الجود، وطلحة الخير وطلحة الفياض وقال فيه مرَّة: الصبيح المليح الفصيح رضي الله عنه وأرضاه.
6 – سعد بن أبي وقاص: 23 ق.هـ ـ 55 هـ
هو سعد بن مالك (أبو وقاص) بن أهيب بن عبد مناف القرشي الزهري (أبو إسحاق) فاتح العراق ومدائن كسرى وأول من رمى بسهم في سبيل الله ويدعى فارس الإسلام وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه.
7 – عبد الله بن مسعود: ت 32 هـ
هو عبد الله بن مسعود بن مدركة بن إلياس بن مضر الهذلي (أبو عبد الرحمن) وهو أحد السابقين إلى الإسلام ومن علماء الصحابة الكبار عرض القرآن على النبي – صلى الله عليه وسلم – وعرض عليه خلق كثير منهم عبيد بن قيس والحارث بن قيس وعبيد بن نضلة ـ وعلقمة وعبيدة السلماني وغيرهم.
كان يقول: حفظت من فيِّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بضعة وسبعين سورة، كان يخدم النبي – صلى الله عليه وسلم – ويحمل نعله ويتولَّى فراشه وسواكه وطهوره وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يطلعه على أسراره وهو الذي قتل أبا جهل. كان إماماً في تجويد القرآن وترتيله وإليه تنتهي قراءة عاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش.
توفي بالمدينة عن عمر يناهز بضعاً وستين سنة ودفن بالبقيع رضي الله عنه وأرضاه.
8 – عمرو بن العاص: 50 ق.هـ ـ 58 هـ
وهو عمرو بن العاص بن وائل السهمي القرشي (أبو عبد الله). فاتح مصر وأحد عظماء العرب وهو من أولي الرأي والحزم وقد وردت عنه الرواية في حروف القرآن الكريم.
9 – أبي بن كعب: ت 21 هـ
وهو أبي بن كعب بن قيس بن عبيد.. بن مالك النجار الخزرجي، سيد القرَّاء. قرأ على النبي – صلى الله عليه وسلم – وقرأ عليه أبو هريرة رضي الله عنه وهو الذي قال فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أقرؤكم أُبَيّ).
وقرأ عليه من الصحابة أيضاً عبد الله بن عباس وعبد الله بن السائب ومن التابعين: عبد الله بن عياش وعبد الله بن حبيب. وأبو العالية الرياحي.
10 – أبو هريرة: 21 ق.هـ ـ 59 هـ.
وهو عبد الرحمن بن صخر الدوسي من كبار رواة الحديث أسلم هو وأمُّهُ سنة 7 هـ، عرض القرآن على أبي بن كعب وتنتهي إليه قراءة أبي جعفر ونافع ومناقبه أكثر من أن تحصى رضي الله عنه وأرضاه.
11 – عبد الله بن عمر بن الخطاب: 10 ق.هـ ـ 73 هـ
وهو صحابي جليل (أبو عبد الرحمن) وردت عنه حروف القرآن وهو من رواة الحديث، هاجر إلى المدينة قبل أبيه، قاتل في حروب الردة واشترك في غزو إفريقيا وتوفي بمكة رضي الله عنه وأرضاه.
12 – سالم مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة (أبو عبد الله صحابي جليل أحد الأربعة الذين وثقهم النبي – صلى الله عليه وسلم – ممن يؤخذ عنهم القرآن إذ قال: (خذوا القرآن من أربعة: عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة)، رضي الله عنهم جميعاً.
13 – زيد بن ثابت: 11 ق.هـ ـ 45 هـ
وهو زيد بن ثابت بن الضحاك… ابن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي. مقرئ ـ فرضي ـ كاتِبُ النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمينه على الوحي وأحد الذين جمعوا القرآن على عهده وهو ممن كتب المصحف لأبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم لعثمان حين جهزها إلى الأمصار.
عرض القرآن على النبي – صلى الله عليه وسلم – وقرأ عليه من الصحابة: أبو هريرة وابن عباس وقرأ عليه من التابعين أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية الرياحي ويزيد بن القعقاع.
14 – معاذ بن جبل: 20 ق.هـ ـ 18 هـ
وهو معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري وهو أحد الذين جمعوا القرآن حفظاً على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وقد وصفه النبي – صلى الله عليه وسلم – بأنه أعلم هذه الأمة بالحلال والحرام وقد وردت عنه الرواية في حروف القرآن توفي في طاعون عمواس بغور الأردن عن 38 عاماً رضي الله عنه وأرضاه.
15 – عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي (أبو العباس) ولد 3 ق.هـ وتوفي 68 هـ أي 619 ـ 687 م ـ وهو حبر هذه الأمة وحبر التفسير، حفظ القرآن في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وعرض على أبي وزيد بن ثابت وقد دعا له النبي الكريم بعلم التأويل والفقه في الدين.
أخذ عنه القرآن وعرض عليه: مولاه درباس ـ وسعيد بن جبير وسليمان بن قتيبة وعكرمة بن خالد ـ وأبو جعفر.
16 – عبد الله بن عمرو بن العاص: 7 ق.هـ ـ 65 هـ
صحابي جليل حفظ القرآن في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وهو الذي استزاده عليه ليختمه في ثلاثة أيام فقال له عليه الصلاة والسلام: (إنه لن يفقه فيه رجل قرأه في أقل من ثلاثة).
17 – عبد الله بن الزبير (1 هـ ـ 73 هـ)
وهو عبد الله بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي (أبو بكر) صحابي جليل وهو أول مولود للمهاجرين في المدينة اشترك في فتوحات فارس ومصر وشمالي أفريقيا ـ حارب إلى جانب عائشة في معركة الجمل، عاش في المدينة وعارض خلافة يزيد الأول ابن معاوية فأعلن نفسه خليفة وبويع في الحجاز وامتدت خلافته إلى مصر واليمن والعراق وخراسان وجعل قاعدة خلافته المدينة المنورة قضى عليه الحجاج الثقفي. وقد وردت عنه الرواية في حروف القرآن على قول أبي عمرو الدَّاني.
18 – عبد الله بن السائب المخزومي (أبو السائب) ت 70 هـ
وهو قارئ أهل مكة، وقد روى قراءته على أبي وعمر بن الخطاب، عرض عليه القرآن: مجاهد بن جبير وقد قال عنه مجاهد: كنا نفخر بقارئنا عبد الله بن السائب رضي الله عنه.
19 – أنس بن مالك بن النضر الأنصاري (أبو حمزة)
صاحب النبي – صلى الله عليه وسلم – وخادمه، وردت عنه الرواية في حروف القرآن، قرأ عليه قتادة ومحمد بن مسلم الزهري.
ت سنة 91 هـ رضي الله عنه وأرضاه.
وهكذا فإنه يمكن القول إن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أول شيخ إقراء، تلقى الوجوه جميعاً عن جبريل، عن رب العزة جل جلاله وتباركت آلاؤه، وهو – صلى الله عليه وسلم – أقرأها كما تلقاها.
20 – مجمِّع بن جارية رضي الله عنه ت 50 هـ
وهو مجمع بن جارية بن عامر العطاف الأنصاري الأوسي. صحابي جليل وأحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان غلاماً حدثاً، وقد وردت عنه الـروايــة فـي حـروف القـرآن ـ تـوفـي بالـمـدينـة إبَّـان خـلافـة معـاويـة رضـي الله عنـه وأرضـاه.
لم يكن للصحب الكرام اشتغال بشيء أولى من اشتغالهم بالقرآن الكريم، ولذلك كثر فيهم القراء والحفاظ، ولكن لم يكن أولئك القراء بالضرورة على وفق المناهج التي اختارها القراء فيما بعد من التخصص، والجمع بين الوجوه واستقرائها، وإنما كان محض عبادة يؤدونها على حسب ما سمعوه من النبي – صلى الله عليه وسلم -، وكـان على علماء التابعين أن يتعقبوا هؤلاء الأئمة القراء ليتخيروا قراءاتهم وفق اختياراتهم ومناهجهم.
21 – ثابت بن زيد ت 12 هـ
وهو ثابت بن زيد بن قيس الأنصاري الخزرجي (أبو زيد) وهو أحد الذين جمعوا القرآن في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -.
عبد الله بن عثمان بن عامر بن غالب بن فهر. صاحب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في الغار وخليفة المسلمين الأول واستمرت خلافته سنتين وأربعة أشهر تقريباً. وهو من حفاظ القرآن كما نص عليه الإمام أبو الحسن الأشعري. وهو أول من آمن برسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الرجال.
22 – سعد بن عبيد: ت 16 هـ
وهو سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس الأنصاري الأوسي والملقب بـ(سعد القارئ) وهو أحد الذين جمعوا القرآن على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم -.
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن غالب بن فهر القرشي العدوي (أبو حفص) أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين واستمرت خلافته عشر سنين ونصف تقريباً، صاحب الفتوح، ويضرب به المثل في العدل.
23 – أبو الدرداء ت 32 هـ
هو عويمر بن زيد الأنصاري الخزرجي، حكيم هذه الأمة وأحد الذين جمعوا القرآن على عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو أول قاضٍ ولي قضاء دمشق، وكان يجعل القراء في جامع دمشق عشرة عشرة، ويجعل لكل عشرة عريفاً، وقد جعل ابن عامر عريفاً على عشـرة، فلمـا تـوفـي أبـو الـدرداء خلفـه ابن عامر على الإقـراء في دمشـق. عـرض عليـه القـرآن زوجتـه أم الـدرداء الصغـرى وعبـد الله بـن عـامر وخـالد بـن معـدان وخـلـيـــد بــن سـعــد وراشـــد بــن سعــد توفــي بدمشــق ودفــن بهــا رضــي الله عنـه وأرضــاه.
24 ـ حذيفة بن اليمان العبسي أبو عبد الله صحابي جليل يعد من الفاتحين الشجعان، ولاه عمر بن الخطاب على المدائن فتغلب على الفرس في نهاوند عام 23 هـ وغزا همذان والري توفي بالمدائن عام 36 هـ وقد وردت عنه الرواية في حروف القرآن رضي الله عن حذيفة وأرضاه(49).
وتجب الإشارة هنا إلى أن ما روي عن الصحابة من اختيارات في القراءة مما لم يدرج في المتواتر فذلك ليس له حظ من القبول، ويحرم اعتقاد أنه من القرآن وهو على كل حال ليس إلا اختيارات لبعض الكلمات لا يجتمع منها بحال نص قرآني كامل، ويجب حمله على أحد الوجوه الثلاثة الآتية:
1 – الطعن في إسناد هذه الرواية، وهذا من باب تحصيل الحاصل، إذ القرآن لا يقبل إلا متواتراً، فما لم تندرج هذه الرواية في المتواتر فهي حكماً ليست من القرآن الكريم، والمتواتر كله مضبوط محفوظ مدون.
2 – حمل ذلك على أن الصحابي أراد بذلك التفسير، فأدرجه في مصحفه أو لقنه للمتلقي على أنه تفسير للنص القرآني وليس جزءاً منه.
3 – حمل ذلك على أنه وهم من الصحابي أو من الراوي المتلقي عنه، وأنه لا يقاوم الصحيح المروي عن الصحابي نفسه بأسانيد التواتر المحفوظة.
من الأمثلة على ذلك المردود ما أورده بعض علماء القراءات:
1 – روي عن علي رضي الله عنه: (يريد ينقاص) بدلاً من (يريد أن ينقض)(50)
2 – ونسب إليه أيضاً: (فمن خاف من موص حيفاً) بدلاً من (جنفاً)(51)
3 – قرأ أبي بن كعب رضي الله عنه: (وغير الضالين) بدلاً من (ولا الضالين)(52).
4 – وقرأ أيضاً: (للذين يقسمون من نسائهم) بدلاً من (للذين يولون)(53).
5 – وقرأ ابن مسعود: (وكان عبد الله وجيهاً) بدلاً من (وكان عند الله)(54).
فمثل هذه الروايات وغيرها وهي كثيرة 55) لا تعتبر قرآناً بحال، وإنما يوردها المفسرون على أساس أنها منهج الصحابي في التفسير، وقد أعرض عنها بالطبع أئمة الرواية.
ويرد هنا سـؤال: أين يمكننـا أن نقـف على معـارف هـؤلاء الصحابة الكرام في القراءة، وهل ثمة مصنفات تركوها نثروا فيها معارفهم، نتلمس فيها اختياراتهم؟
ثم قام الأستاذان الجليلان الدكتور أحمد مختار عمر والدكتور عبد العال سالم مكرم باستقصاء سائر هذه الروايات المتواترة والآحاد والشاذة والباطلة في موسوعة كبيرة تقع في تسع مجلدات أصدرتها انتشارات أسوة التـابعـة لمنظمـة الحج والأوقـاف والشـؤون الخيرية في طهـران، بـمســاعدة لـجـنــة دعـم البحـث العلمي لكلية الآداب بالكويت.
والجواب أن ذلك يلتمس من طريقين:
أولاً: ما دونه علماء التفسير والرسم من اختيارات هؤلاء الصحابة الكرام، حيث كانوا يوردون ما قرأ به الصحابة يستعينون به على التفسير وإضاءة المعاني، ومن هذه المصنفات المصاحف لابن أبي داود السجستاني(56)، والبحر المحيط لأبي حيان(57)، وإملاء ما من به الرحمن للعكبري(58)، وإعراب القرآن للنحاس(59)، ومعاني القـرآن للأخفـش(60)، ومعـاني القـرآن للقـراء(61)، وغيث النفع للصفاقسي(62) وحجـة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة(63)، والتيسير للداني(64)، والتبيان للطوسي(65)، وإتحاف فضلاء البشر للدمياطي(66) وغيرها.
والحق أنه لا يخلو كتاب من كتب التفسير أو الرسم من إشارات كثيرة لما قرأ به الصحابة الكرام من وجوه سمعوها من النبي – صلى الله عليه وسلم -.
ثانياً: وهي الوثيقة الأهم، وهي تلقي الأئمة القراء من شيوخهم بالمشافهة، وهذه المشافهة التي بلغت أعلى درج التواتر لم تزل متصلة، يتلقاها الأبرار عن الأخيار، لا يرقى إليها الشك، ولا يتطرق إليها الوهم، وهي لدى العلماء اليوم متصلة مسندة، وكل قراءة منها تنتهي إلى صحابي كريم، ومن خلالها تستطيع أن تتبين اختيارات هذا الصحابي من قراءة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهذه الأسانيد اليوم متوافرة متضافرة، منصوبة في صدور مجالس الإقراء، وسوف نأتي على إيراد بعض هذه الأسانيد في التلقي عن أكابر الصحابة في قسم الملاحق.
————
(48) رواه الإمام أحمد عن أنس بن مالك جـ3 ص 102.
(49) تمت ترجمة الصحابة الكرام تخيراً من المراجع الخمسة الأمهات: الطبقات الكبرى لابن سعد والاستيعاب لابن عبد البر وأسد الغابة لابن الأثير والإصابة لابن حجر وطبقات القراء لابن الجزري.
وقد تخيرنا من تلك المظان ما يتصل ببيان إتقانهم للرواية ومساهماتهم في حفظ القرآن وضبطه.
(50) انظر المحتسب لابن جني جـ2 ص 31.
(51) انظر البحر المحيط لأبي حيان جـ2 ص 24.
(52) انظر البحر المحيط لأبي حيان جــ1 ص 24.
(53) انظر البحر المحيد لأبي حيان جـ2 ص 180، ورواها أيضاً عن ابن عباس الطبري في جامع البيان.
(54) انظر المحتسب لابن جني جـ2 ص 185.
(55) أفرط في إيراد مثل هذه النقول الشاذة عن الصحابة كل من:
أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني في كتاب (المصاحف)
ـ ابن جني في كتابه المحتسب
ـ أبو حيان في تفسيره البحر المحيط
(56) السجستاني: هو أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث، وسليمان بن الأشعث هو أبو داود السجستاني صاحب السنن، وقد كتب محمد بن سليمان كتابه المشهور: المصاحف.
(انظر الحاشية السابقة)
(57) أبو حيان الغرناطي (654 – 740 هـ) ولد في غرناطة وتوفي في القاهرة وتعلم في الأندلس ومصر، لغوي من كبار العلماء، له كتب في بحث لغات العربية والتركية والفارسية والحبشية من أشهر كتبه (البحر المحيط) في تفسير القرآن و(منهج السالك على ألفية ابن مالك)
(58) العكبري (538 – 616 هـ) عبد الله بن الحسين عرف بالنحوي الضرير ولد وتوفي ببغداد، تعلَّم على ابن الخشاب له (التبيان في إيضاح القرآن)، و(شرح ديوان المتنبي).
(59) النحاس: أبو جعفر أحمد ت 950 هـ لغوي، أديب، مفسر تعلم على الزجاج والأخفش الأصغر وابن الأنباري تعلم في القاهرة. جلس عند مقياس النيل يتلو الشعر فأخذه النهر في فيضانه له مؤلفات في اللغة والآداب والتفسير.
(60) الأخفش: ت 315 هـ هو علي بن سليمان بن الفضل الأخفش الصغير البغدادي (أبو الحسن) نحوي، أخباري لغوي سمع المبرد وثعلب بن يحيى وغيرهما وتوفي ببغداد وقد قارب الثمانين، له من التصانيف الأنواء، التثنية والجمع، شرح كتاب سيبويه، الجراد، وتفسير معاني القرآن.
(61) الفرَّاء (144 – 207 هـ) هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي (أبو زكريا) إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب، عهد إليه المأمون بتربية ابنيه وكان فقيهاً أيضاً. عالماً بأيام العرب وأخبارها من كتبه (المقصور والممدود) و(معاني القرآن) و(المذكر والمؤنث) و(الأمثال) وغيرها كثير.
(62) الصفاقسي (1260 – 1323 هـ) محمد بن محمد طريفة الصفاقسي، فقيه، أديب، ناثر، شاعر، حفظ القرآن وجوَّده وأخذه بالروايات من طريق الشاطبية وغيرها، ثم رحل إلى الحجاز فحج ثم سافر إلى تونس فتلقى العلم بجامع الزيتونة وتوفي بصفاقس ودفن بها لـه مجموعة فتاوى نظمها من محرراته مدة مباشرته الفتوى.
(63) أبو زرعة ابن زنجلة: من أعلام القرن الرابع، أشار سعيد الأفغاني في مقدمة تحقيقه لكتاب أبي زرعة (حجة القراءات) بأنه لم يجد له ترجمة وافية، وحسبك في معرفة علمه وفضله مطالعة كتابه الشهير (حجة القراءات).
(64) الداني: (ت 444 هـ ـ 1054 م) هو أبو عمرو عثمان بن الصيرفي ولد في قرطبة، فقيه مالكي طلب العلم في القيروان والقاهرة ومكة والمدينة ثم وعاد إلى قرطبة ثم استقر بدانية حيث توفي، كان ذا حافظة عجيبة، ذاعت شهرته في القراءات. له ما يزيد على مائة مصنف أخصها (التيسير في القراءات السبع)
(65) الطوسي (385 – 460 هـ) هو أبو جعفر محمد بن الحسن ولد في طوس وتوفي بالنجف ودرس في بغداد أحرقت كتبه لما دخل طغرل بك السلجوقي إلى بغداد من مؤلفاته (الاستبصار فيما اختلف فيه من أخبار) وله كذلك (التهذيب) وهما من كتب الحديث عن الشيعة.
(66) الـدميـاطـي: هـو محمـد بـن أحـمد مـن علمـاء دميـاط ت 1117 هـ لـه: إتـحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر.
(فائدة): موقف مجتهدي الشيعة من مسألة سلامة النص القرآني.
نجد من الأمانة العلمية هنا أن نتطرق إلى أمر غاية في الأهمية، وهو موقف الشيعة من فرية تحريف القرآن، ومسألة سلامة النص القرآني، فقد كثر الحديث حول هذه المسألة، واتخذها بعض الناس سبباً للطعن في إيمان القوم ووصمهم بالزندقة، واعتقاد النقص والزيادة في كتاب الله.
والحق أن الطعن في سلامة النص القرآني منقول عن طائفة من علماء الشيعة، بل في بعض الكتب المصادر عند القوم، وهو ما يزيد المسألة تعقيداً، فقد ورد على سبيل المثال في الكافي للكليني(67)، وهو من أوثق مراجع القوم في الرواية النصوص التالية:
(عن جعفر بن محمد قال: لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة، وإن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد – صلى الله عليه وسلم – كان سبع عشرة ألف آية)(68).
(عن أبي الحسن المضاي قال: قرأ أمير المؤمنين: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك (من خلافة علي) وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، فقلت: تنزيل؟ فقال: نعم)(69).
(وفي الكافي للكليني أيضاً في تأويل قوله تعالى: {فأتوا بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم}: (إن الله تعالى لما قبض نبيه – صلى الله عليه وسلم -، ونوزعت فاطمة في ميراثها من رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فاعتزلت الناس خمسة وسبعين يوماً حتى كتبت مصحفها، فأرسل الله جبريل إليها، حتى كتبت مصحفاً فيه علم ما كان وما يكون، وما لم يكن إلى يوم القيامة)(70).
(عن محمد بن جهم الهلالي أن أبا عبد الله قال: (أمة هي أزكى من أمة) في سورة النحل، ليست كذاك، ولكنها: (أئمة هي أزكى من أئمتكم)(71).
ومثل ذلك في الكافي أيضاً عن الإمام محمد الباقر قوله:
(ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة بعده)(72)
وقد أدى ورود مثل هذه الروايات عن القوم إلى فتح باب الطعن في عقائد الشيعة، وذهب بعض المتشددين من أهل السنة إلى الحكم بكفر القوم وفساد عقائدهم(73).
والحق أن من يعتقد تحريف القرآن الكريم كافر بالإجماع، مخالف لهذه الأمة، ولكن ينبغي أن لا نتعجل على الناس حتى نتبين حقيقة مـا يعتقـدون، فليــس مجرد وجود الرواية في كتبهم دليلاً على أنها لهم اعتقاد، وكذلك فإنه ينبغي أن نتبين مذهبهم في تأويل ما يروون.
والمحققون من الشيعة لا يعتقدون صحة سائر ما في الكافي للكليني، ولم ينزلوه عندهم منزلة صحيح البخاري عندنا ـ كما يعتقد عامة الناس، بل إنهم يذكرون أن فيه ضعيفاً ومرسلاً كثيراً، وإن الشيخ المتقي الكليني صنف كتابه في عشرين سنة، يسند عمن يسمع، فالعهدة على الإسناد، كما صنع الإمام الطبري، إذ أثبت لك أسانيده، وقال هذا إسنادي، ومن أسند فقد أعذر.
وفي دراسة علمية صدرت حديثاً لمحقق شيعي هو السيد هاشم الحسيني جزم فيها بقوله: (إن المتقدمين لم يجمعوا على جميع مرويات الكليني جملة وتفصيلاً)(74).
ويقول: (إن أحاديث الكافي التي بلغت ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين، يكون الصحيح منها خمسة آلاف واثنين وسبعين حديثاً، والحسن مائة وأربعة وأربعين حديثاً، والموثق ألفاً ومائة وثمانية وعشرين حديثاً، والقوي ثلاثمائة وحديثين، والضعيف تسعة آلاف وأربعمائة وثمانين حديثاً)(75).
الصحيح: 5072
الحسن: 144
الموثق: 1128
القوي: 302
الضعيف: 9480
مجموع ما في الكافي(76) 16199
وقد تعقب النقاد من الشيعة روايات تحريف القرآن الواردة في الكافي فإذا هي نحو ثلاثمائة رواية وردت من طريق أربعـة وهم: أبو عبيـد الله السيـاري، ويونس بـن ظبيان، ومنخل بن جميل الكوفي، ومحمد بن حسن بن جهور(77).
وهؤلاء الأربعة مطعون في عدالتهم عند علماء الاصطلاح من الشيعة، وإليك ما قالوه فيهم: يقول الغضائري(78) عن السياري: (ضعيف متهالك غالٍ منحرف)(79) ويقول عنه الشيخ النجاشي(80): (ضعيف الحديث، فاسد المذهب)(81). وقال الشيخ النجاشي في يونس بن ظبيان: (ضعيف جداً، لا يلتفت إلى كل ما رواه(82)، بل كل كتبه تخليط).
وقال عنه ابن الغضائري: (كوفي غالٍ كذاب، وضاع للحديث)(83).
وأما منخل بن جميل فقد نقل السيد هاشم الحسيني عن علماء الرجال أنه من الغلاة المنحرفين(84).
قال العلامة الحلي(85) في محمد بن حسن بن جهور: (كان ضعيفاً في الحديث، غالياً في المذهب، فاسداً في الرواية، لا يلتفت إلى حديثه، ولا يعتمد على ما يرويه)(86)
وهكذا، فإن تواثب القوم على توهين رواية هؤلاء وتجريحهم والطعن في صدقهم وأمانتهم دليل واضح على تبرؤ مراجع الشيعة من هذه الأوهام ويبقى ورودها في الكافي مشروطاً بصحة الإسناد، وهو لم يتحقق كما رأيت.
وقد نقل عن أئمة الشيعة نصوص كثيرة تدفع توهم اعتقادهم بشيء من التحريف، وأنا أنقل لك طائفة منها:
1 – العلامة أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي المشهور بـ(الصدوق) المتوفى 381 هـ(87). (اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم – هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، ومن نسب إلينا أننا نقول أكثر من ذلك فهو كاذب)(88).
2 – السيد المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي المتوفى(89) 436 هـ:
إن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدت، والدواعي توفرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حد لم يبلغه شيء آخر.
إن القرآن كان على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مجموعـاً مؤلفاً على ما هو عليه في ذلك الزمان حتى عين النبي – صلى الله عليه وسلم – على جماعة من الصحابة حفظهم له، وكان يعرض على النبي – صلى الله عليه وسلم – ويتلى عليه، وإن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود، وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي – صلى الله عليه وسلم – عدة ختمات وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث… وإن من خالف من الإمامية والحشوية لا يعتقد بخلافهم، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قومٍ من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته)(90).
3 – الشيخ أبو علي الطبرسي صاحب تفسير مجمع البيان(91):
(الكلام في زيادة القرآن ونقصانه، فأما الزيادة فمجمع على بطلانها، وأما النقصان منه، فقد روى جماعة من أصحابنا وقوم من الحشوية العامة أن في القرآن تغييراً أو نقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه)(92).
لنترك الكلمة الفصل في هذه المسألة لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى 461 هـ(93)، إذ يلخص اعتقاد الشيعة في سلامة النص القرآني، وأسباب هذه الشائعة عنهم بقوله:
(وأما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها وأما النقصان منه فالظاهر أيضاً من مذاهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى رضي الله عنه، وهو الظاهر من الروايات، غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع طريقها الآحاد ولا يستوجب علماً، فالأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها، لأنه لا يمكنه تأويلها، ولو صحت لما كان ذلك طعناً على ما هو موجود بين الدفتين، فإن ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه، وروايتنا متناصرة على قراءته والتمسك بما فيه، وردِّ ما يرد من اختلاف الأخبار في الفروع إليه وعرضها عليه فما وافقه عوِّل عليه، وما خالفه يجتنب ولم يلتفت إليه، وقد ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – رواية لا يدفعها أحد أنه (قال: “إني مخلف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض” وهذا يدل على أنه موجود في كل عصر لأنه لا يجوز أن يأمرنا بالتمسك به، كما أن أهل البيت عليهم السلام ومن يجب اتباع قوله حاصل في كل وقت، وإذا كان الموجود بيننا مجمعاً على صحته فينبغي أن يتشاغل بتفسيره وبيان معانيه وترك ما سواه)(94).
هذا ـ وقد قام صاحب كشف الارتياب في رد فصل الخطاب بنقل مجموعة من توكيدات أئمة الطائفة الإمامية بشأن سلامة النص القرآني، فعد منهم:
1 – أبو جعفر ابن بابويه القمي ت 381 هـ.
2 – السيد المرتضى علي الموسوي ت 436 هـ.
3 – شيخ الطائفة الطوسي ت 461 هـ.
4 – أبو علي الطبرسي ت 548 هـ
5 – السيد ابن طاووس ت 644 هـ.
6 – ملا محسن الفيض الكاشاني ت 1091 هـ.
7 – محمد بهاء الدين العاملي البهائي ت 1030 هـ.
8 – محمد بن الحسن الحر العاملي ت 1104 هـ.
9 – المحقق زين الدين البياضي.
10 – القاضي سيد نور الله التستري(95).
إضافة إلى عدد من علماء الشيعة ومراجعهم المعاصرين كالسيد كاشف الغطاء ومحمد جواد البلاغي ومهدي الطباطبائي والسيد محسن الأمين العاملي ومحمد مهدي الشيرازي وشهاب الدين النجفي مرعشي والسيد عبد الحسين شرف الدين العاملي والسيد محمد رضا الكلبايكاني والسيد آية الله الخميني وغيرهم كثير(96).
يجب القول هنا بأن كثيراً من الروايات التي حملها المتجادِلون محمل التحريف، إنما هي أوهام رجال توهموها ثم فاؤوا إلى رشدهم فيها، وهي موجودة في كتب السنة كما في كتب الشيعة، ولا مسوغ لاتهام إحدى الطائفتين الأخرى، بأنها تعتقد شيئاً من ذلك بعد أن ثبت سلامة مراجع اعتقاد الطائفتين جميعاً بسلامة النص القرآني.
وهكذا فإنه لا مسوغ لاتهام طائفة عظيمة من المسلمين بالقول بتحريف القرآن، بسبب هذه المرويات التي يجب حملها على واحد من أربعة محامل:
1 – الطعن في إسنادها ورواتها.
2 – حملها على أنها أوهام رواة، وجلَّ الذي لم يعصم غير نبيه – صلى الله عليه وسلم -.
3 – حملها على أنها من باب المنسوخ.
4 – حملها على أنها مما كتبه الصحابة في مصاحفهم على سبيل التفسير.
ومن أراد تفصيل القول في هذه الوجوه فليرجع إلى الإتقان للسيوطي(97) أو مناهل العرفان للزرقاني.(98)
بقي أن نقول إن الشيعة اليوم تلتزم القراءة برواية حفص عن عاصم، وهي القراءة السائدة في العالم الإسلامي، لا تخالف جمهور الأمة في شيء منها، لا في رسم ولا شكل ولا ضبط ولا علامة وقف ولا علامة ابتداء، ولا رقم آية ولا رقم سورة، ولا إثبات علامة صلة ولا حذفها، ولا إثبات ألف خنجرية ولا حذفها.
سيأتي في هذه الدراسة أنهم يقولون بمسح الأرجل في الوضوء، ولكن مع ذلك يقرؤون قراءة الجمهور، الآمرة بالغسل، وذلك موافقةً لرواية حفص التي يلتزمونها:
{فامسحوا برؤوسِكم وأرجلَكُم إلى الكعبين}.
وهو وجه ظاهر في التزامهم ما التزمه المسلمون من القراءة على رغم مخالفتهم في بعض الفروع الفقهية.
ويتضح مما سبق أن الأمة الإسلامية على اختلاف طوائفها تتفق في التسليم بأن القرآن الكريم المسطور بين الدفتين هو عين ما تلقاه النبي – صلى الله عليه وسلم – من الوحي الأمين، وأن القراءات المتواترة لا تخرج في حرف من حروفها عن الرسم الذي كتبه عثمان رضي الله عنه في المصاحف، والذي يتفق المسلمون اليوم على أدق تفصيلاته، “فقد تكفل الله تعالى بحفظ القرآن أبد الدهر {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (سورة الحجر: الآية 9) والمعنى إنا للقرآن حافظون من أن يزاد فيه ما ليس منه أو ينتقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه(99)
وهذا الحفظ أكد وثاقة النص القرآني مكتوباً ومقروءاً، سليماً من التغيير والتبديل منذ نزوله وحفظه بالاستظهار في الصدور والتدوين في الصحف وبقي المصحف كذلك لم يتغير فيه شيء غير تطور رسمه عبر العصور ولم يكن الاعتماد على مجرد حفظ الصدور وقراءة المصحف وفقه العمل والحكمة التي طبقها الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
قد حفظ القرآن بظهر الغيب رجال مؤمنون ونساء مؤمنات من لدن عصر الصحابة ومن تبعهم بإحسان وظل العدد يتنامى ويزيد على توالي القرون ورغم كل الظروف بما حقق تواتر نقله في الأجيال اللاحقة.
ويأتي دور الأجيال اللاحقة في فهم المعاني واستخراج الحكم، واستخلاص الحلول والمعالجات لمشكلات الحياة المتجددة مع تقديرنا لجهود السّلف الصالح.
وقد شهد المنصفون من الباحثين ـ حتى من غير المسلمين ـ بسلامة النص القرآني من التحريف والتبديل ومن هؤلاء المستشرقون الألمان حيث جمعوا النسخ الخطية المتداولة للمصحف، في شرق العالم الإسلامي وغربه للوقوف على ما توهّموا من اختلافات بين النسخ، وقارنوا بين هذه النسخ على العصور والبلدان المختلفة فلم يجدوا اختلافاً أصلاً. مما يؤكد سلامة القرآن من التغيير والتحريف والتبديل، وهو رد من داخل الدراسات الغربية على كل ما أثير من شبهات لا أساس لها من الصحّة، ولا غرابة في ذلك، بعد ما شهد القرآن الكريم بأن الله تولى حفظه أبد الدهر.
كما تكفل الله تعالى بحفظ القيم في الكتاب والسنة من أي تحريف أو تبديل سواء في ذلك تحريف الكلم عن مواضعه أو تحريفه بالتأويل والخروج بالمعنى عما وضع لـه اللفظ {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (سورة الحجر: الآية: 9).
{إن علينا جمعة وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه} (سورة القيامة: الآيات 17 – 19).
وهذا التكفل بالحفظ للنص الإلهي والحراسة لبيانه وقيمه عن طريق النبوة يعتبر من أبرز سمات الرسالة الخاتمة وأخص خصائصها.”(100)
والخلاصة أن سائر أهل التوحيد متفقون أن القرآن الذي نزل به جبريل الأمين على النبي محمد (هو المسطور في المصاحف ذاته، لم يسقط منه حرف ولم يزد فيه حرف، ومن خالف هذا الإجماع فهو كافر مفارق للملة.
————
(67) الكليني (ت 329 هـ) هو أبو جعفر محمد بن يعقوب بن اسحق الكليني الرازي، فقيه ومحدث ومؤرخ إمامي، من أهم رواة الشيعة الجعفرية، اشتهر بكتابه: الكافي، وهو مجموع يتضمن 16199 حديثاً تصبح عند حذف المكرر منها 8781 حديثاً، وقد كتبت عليه مئات الشروح والتعليقات، ويعتبر من أوسع كتب الرواية عند الشيعة.
(68) الكافي للكليني جــ4 ص 446، باب 471 ح 28
(69) أصول الكافي للكليني، كتاب الحجة، باب النكت من التنزيل في الولاية. جـ1 ص 412، رقم الباب في المعجم المفهرس 166
(70) الكافي، باب فيه ذكر الصحيفة، جـ1 ص 240، وانظر كذلك باب 98 ح 1 و 2 و 3 و 4 جـ1 ص 344 وقد عنْوَنَ الكليني لهذا الباب بقوله: باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام
(71) الكافي للكليني باب 92 ح 7
(72) الكافي للكليني، كتاب فضل القرآن
(73) انظر على سبيل المثال: الخطوط العريضة للأصول التي قام عليها دين الشيعة الإمامية لمحب الدين الخطيب، طـ المكتب الإسلامي 1391 هـ.
وكذلك كتاب الشيعة والقرآن لإحسان إلهي ظهير ص 92 و 133.
(74) دراسات في الحديث والمحدثين للسيد هاشم معروف الحسيني ص 132 – 134
(75) المصدر نفسه ص 137
(76) يلاحظ أن مجموع ما أورده الحسيني هو 16126 وهو أقل بثلاثة وسبعين حديثاً من المجموع الذي صدَّر خطابه بتقريره! ونوضح هنا تعريف علماء الاصطلاح عند الشيعة لاصطلاحي القوي والموثق:
الموثق: هو ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ولم يشتمل باقيه على ضعف.
القوي: ما اتصل إسناده إلى المعصوم برواية من وثقه غير الإمامية، ولم يأت أئمتنا على توثيقه ولا تجريحه.
انظر قواعد الحديث لمحي الدين الموسوي الغريفي من علماء الإمامية ط مكتبة المفيد رقم ص 24.
(77) أكذوبة تحريف القرآن بين السنة والشيعة، تأليف الشيخ رسول جعفريان ص 46.
(78) الغضائري (… ـ 441 هـ) وهو الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري (أبو عبد الله) شيخ الإمامية في عصره، كثير الترحال، كان حكمه أنفذ من حكم الملوك، يرمى بالغلو، له كتب منها:
البيان عن حياة الإنسان، النوادر في الفقه، وأدب العاقل وتنبيه الغافل في فضل العلم، وفضل بغداد وعدد الأئمة، وما شذ عن الأئمة في ذلك، ويوم الغدير، والرد على الغلاة والمفوضة.
(79) قاموس الرجال جـ1 ص 403
(80) النجاشي (373 – 450 هـ) هو أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي (أبو العباس) مؤرخ إمامي، يعرف بابن الكوفي، ويقال له الصيرفي من أهل بغداد وتوفي بمطير آباد، له كتاب: الرجال، في تراجم علماء الشيعة وأسماء مصنفاتهم، والكوفة وما فيها من الآثار والفضائل، وأنساب بني نصر بن قعين وأيامهم وأشعارهم، وهم أجداده.
(81) معجم رجال الحديث جـ3 ص 290
(82) رجال النجاشي ص 838
(83) خلاصة الرجال للعلامة الحلي ص 266
(84) دراسات في الحديث والمحدثين ص 198
(85) ابن المطهر الحلي (648 – 726 هـ) هو الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي جمال الدين ويعرف بالعلاَّمة من أئمة الشيعة وأحد كبار علمائها وله كتب أكثر من أن تحصى منها: تهذيب طريق الوصول إلى علم الأصول قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، كنز العرفان في فقه القرآن، نهاية المرام في علم الكلام، القواعد والمقاصد، خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، وغيرها.
(86) خلاصة الرجال للحلي ص 251
(87) ابن بابويه القمي (… ـ 329 هـ) هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أبو الحسن، القمي: شيخ الإماميين بقم في عصره، مولده ووفاته فيها له كتب في التوحيد، الإمامة، التفسير، ورسالة في (الشرائع) وغير ذلك.
(88) الاعتقادات للشيخ الصدوق جـ1 ص 57
(89) الشريف المرتضى (355 ـ 436 هـ) هو علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن إبراهيم أبو القاسم نقيب الطالبيين وأحد الأئمة في علم الكلام والأدب والشعر، مولده ووفاته ببغداد له تصانيف كثيرة منها: (الغرر والدرر) و(الشهاب في الشيب والشباب) و(الشافي في الإمامة) وغيرها كثير.
(90) مجمع البيان للطبرسي جـ1 ص 15
(91) الطبرسي (… ـ 548 هـ) هو الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، أمين الدين، أبو علي، مفسر محقق لغوي، من أجلاء الإمامية، نسبته إلى طبرستان له: مجمع البيان في تفسير القرآن والفرقان مجلدان، جوامع الجوامع، في التفسير أيضاً، تاج المواليد، غنية العابد، مختصر الكشاف، إعلام الورى بأعلام الهدى، وغيرها كثير.
انظر الأعلام جـ5 ص 148
(92) تفسير مجمع البيان للطبرسي جـ1 ص 15
(93) أبو جعفر الطوسي، شيخ الطائفة (385 – 460 هـ) هو محمد بن الحسن بن علي الطوسي، مفسر من فقهاء الشيعة ومصنفيهم، استقر بالنجف إلى أن توفي فيها، وأحرقت كتبه عدة مرات، من تصانيفه الإيجاز في الفرائض، الجمل والعقود، في العبادات، الغيبة، التبيان الجامع لعلوم القرآن، تفسير كبير، الاقتصاد في العقائد وغيرها كثير.
(94) تفسير الصافي جـ1 ص 55 عن الشيخ الطوسي
(95) كشف الارتياب في رد فصل الخطاب ص 57
(96) انظر: أكذوبة تحريف القرآن، تأليف رسول جعفريان ص 60
(97) الإتقان للسيوطي جـ1 ص 76 وما بعدها.
(98) مناهل العرفان للزرقاني جـ1 ص 441 وما بعدها.
(99) انظر الطبري، جامع البيان عن تأويل آي القرآن، جـ6 ص 14.
(100) مقالة علمية بعنوان هيمنة القرآن وعالميته وخلوده، للأستاذ الدكتور أحمد علي الإمام مدير جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، أحتفظ بصورة منها، وقد نشرت.
المبحث الثالث: عصر أئمة القراءة
انتشر الصحابة في الأمصار وتلقى الناس عنهم مذاهبهم في القراءة، واشتغل بالإقراء عن الصحابة أولاً كبار التابعين أمثال عبد الرحمن بن هرمز الأعرج(101) وسعيد بن المسيب(102) وشيبة بن نضاح(103) ويزيد بن رومان(104) ومجاهد بن جبر(105) المكي ودرباس(106) مولى ابن عباس والحسن(107) البصري وأبي العالية(108) رفيع بن مهران الرياحي وحميد بن قيس(109) الأعرج المكي والمغيرة(110) بن أبي شهاب المخـزومي وزر بن حبيش(111) وأبي عبد الرحمن السلمي(112) والأعمش سليمان بن مهران(113) ومحمد الباقر(114) وعلي زين العابدين(115) وغيرهم.
وليس في الإمكان استقصاء أسماء هؤلاء الأئمة إذ كل مسلم اشتغل بالعلم في عصر السلف ـ وما أكثرهم ـ كان راوية للقرآن الكريم، وعن هؤلاء أخذ الأئمة فيما بعد.
وسنأتي على بيان أسانيد الأئمة في الفصل المخصص لذلك في باب أسانيد القراء.
وقد أحصى ابن الجزري أسماء أئمة القراءة بين الأئمة العشرة والصحابة في كتابه المسمى: غاية النهاية في أسماء رجال القراءات أولي الرواية والدراية.
ولكن هؤلاء الأئمة على كثرتهم وتقدمهم في العلم لم ينالوا شرف نسبة القراءة إليهم وكان علينا أن ننتظر جيلاً آخر أو جيلين اثنين، حتى نسعد بالأئمة العشرة الذين نسبت إليهم القراءات المتواترة.
وإنما نسبت القراءات المتواترة إلى هؤلاء الأئمة العشرة دون سواهم لأن الحاجة لم تكن توافرت بعد للتمييز بين المتواتر وسواها، إذ مراجع الأمة متوافرون، والعهد قريب، فلما اختلط الصحيح بالسقيم جدَّت الحاجة لوضع ضوابط(116) يمتاز بها المتواتر من غيره، وحين وضعت هذه الشروط لم نجد بالاستقراء من التزمها وضبط قراءته بها إلا هؤلاء الأئمة العشرة.
وأول من اشتغل بجمع القراءات هو الإمام أبو عبيد القاسم بن سلاَّم(117) المتوفى عام 222 هـ، ولكن جهده في جمع القراءات لم يكن مرتكزاً على منهج اعتباري، ولكنه كان يعنى بضبط ما يروى من القراءات والاحتجاج لها، وقد جمع علمه في هذا الباب في كتابه القراءات.
وهكذا فإن أبا عبيد كان في الحقيقة معاصراً لأئمة القراءة الكبار، ولكنه لم يكن معنياً بالاستقلال بحرف لنفسه، بقدر ما كان يعنى باستقصاء حروف الأئمة، لذلك فإنه لم يجر عملُ الأولين على إدراجه في القراء العشرة رغم أنه لا يقل عنهم رتبة ومنزلة.
ومع أننا سنورد لك هنا أسماء أئمة الإقراء العشرة غير أنه يلزم أن نبين أن تسمية (القراءات السبع) لم تظهر إلا على يد ابن مجاهد(118) مطلع القرن الرابع، وأما استكمال القراءات العشر فلم يتم إلا على يد العلامة الجليل الشمس ابن الجزري المتوفى عام 833 هـ(119) في مؤلفه النشر في القراءات العشر ومن الإنصاف أن نقول إن هذا الضبط بالأئمة السبعة لم يكن كافياً ولا حاسماً في تلك الفترة، فثمة أئمة كثير، قرؤوا وأقرؤوا واشتهر علمهم وفضلهم خلال هذه الفترة من عهد التابعين وتابعيهم، وسنأتي على بيان الأسباب التي حملت على ذلك خلال حديثنا عن منهج ابن مجاهد في الفصل التالي.
وأذكر لك فيما يلي أسماء القراء العشرة وأمام كل قارئ منهم راويان له نشرا قراءته بعده بين الناس وهذا الاختيار هو الذي اختاره ابن مجاهد في القراءات السبع ثم ابن الجزري في الثلاث التالية وهو الذي نظم به الشاطبي (حرز الأماني) وأكمله فيما بعد ابن الجزري بنظم (الدرة البهية). ثم استوفى ذلك كله في نظم واحد هو: (طيبة النشر) وهو الذي يقرأ به سائر قراء العالم الإسلامي اليوم.
————
(101) عبد الرحمن بن هرمز الأعرج (ـ117 هـ) هو عبد الرحمن بن هرمز (أبو داوود) من موالي بني هاشم، عرف بالأعرج، حافظ قارئ، من أهل المدينة، أدرك أبا هريرة وأخذ عنه، وهو أول من برز في القرآن والسنن، كان خبيراً بأنساب العرب، وافر العلم، ثقة، رابط بثغر الإسكندرية مدة ومات بها. الأعلام جـ3 ص 340
(102) سعيد بن المسيب (13 – 94 هـ) هو سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي القرشي، أبو محمد، سيد التابعين، وأحد الفقهاء السبعة بالمدينة، جمع بين الحديث والفقه والزهد والورع، وكان يعيش من التجارة بالزيت، لا يأخذ عطاءً، وكان أحفظ الناس لأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته حتى سمي راوية عمر، توفي بالمدينة.
(103) سبقت ترجمته.
(104) يزيد بن رومان (130 هـ) هو يزيد بن رومان الأسدي، أبو روح، مولى آل الزبير بن العوام، عالم بالمغازي ثقة، من أهل المدينة، ووفاته بها، له أحاديث في الكتب الستة.
(105) سبقت ترجمته.
(106) سبقت ترجمته.
(107) سبقت ترجمته.
(108) أبو العالية (93 هـ) هو رفيع بن مهران الريامي، ثقة كثير الإرسال.
(109) سبقت ترجمته.
(110) مغيرة المخزومي: أبو هشام البصري المغيرة بن سلمة، ثقة ثبت، روى له مسلم وأبو داود والنسائي مات سنة مائتين.
(111) سبقت ترجمته
(112) سبقت ترجمته
(113) سبقت ترجمته
(114) محمد الباقر: هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو جعفر الباقر، من أعلام السلف الصالح، أخذ عن أبيه وأدرك صغار الصحابة، مات سنة بضع عشرة.
(115) علي زين العابدين، هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، من السادة الأجواد، عالم عارف، أدرك جده علياً وهو طفل، وأدرك عدداً من الصحــابة، قال عنه الزهري: مــا رأيت قرشياً أفضل منه، مات سنة 93 هـ.
(116) انظر تفصيل هذه الضوابط في باب شروط القراءة المتواترة.
(117) هو القاسم بن سلام (150 – 222 هـ)، أبو عبيد، محدث، حافظ، فقيه، مقرئ، عالم بعلوم القرآن، ولد بهراة، وأخذ عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، روى له الناس أكثر من عشرين كتاباً في القرآن وعلومه، توفي بمكة.
(118) ابن مجاهد: تأتي ترجمته في الفصل التالي.
(119) ابن الجزري: شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد العمري الدمشقي ثم الشيرازي الشافعي، كنيته (أبو الخير) مقرئ مجود محدث حافظ مؤرخ مفسر فقيه نحوي. من أهم علماء التجويد والقراءات في التاريخ الإسلامي، إليه يرجع الفضل في اعتبار القراءات العشر، إذ قام بجهد عظيم في إحصاء أسانيد القراءات الثلاث تتمة العشر، ثم أصدر منظومته الشهيرة (الدرة المضية) أضاف فيها القراءات الثلاث (أبو جعفر ويعقوب خلف) وجرى فيها على نظم الشاطبي في حرز الأماني، ثم أعاد نظم القراءات العشر بمنظومة أخرى من بحر الرجز بعنوان (طيبة النشر في القراءات العشر)
من تصانيفه: النشر في القراءات العشر ـ التمهيد في التجويد ـ غاية النهاية في أسماء رجال القراءات والرواية، تذكرة العلماء في أصول الحديث.
.
1 – قراءة نافع في المدينة:.
وتنسب إلى نافع بن عبد الرحمن المدني (70 ـ 169)هـ. وهو أصبهاني الأصل استقر في المدينة وأخذ عن أعلام القراء فيها من التابعين أمثال: الزهري(120) وعبد الرحمن بن القاسم(121) وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج.(122)
وأخذ القراءة عنه الإمام مالك بن أنس(123) والأصمعي(124) والليث بن سعد(125) واشتهر بالرواية عنه راوياه: قالون وورش.
أما قالون: فهو عيسى بن مينا (120 ـ 220)هـ وهو من أئمة النحو والقراءة في المدينة رغم أنه عاش أصم.
وأمـا ورش: فهـو عثمـان بن سعيـد (110 ـ 197) هــ وهـو مصـري قبطـي رحـل إلى نـافـع بالمـدينـة فقـرأ علـيه عـدة ختمـات ثم رجع إلى مصر فأقـرأ بها نحو 35 سنة.
————
(120) الزهري (58 – 124 هـ) هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري (أبو بكر) محدث، حافظ، فقيه، مؤرخ، من أهل المدينة، نزل الشام واستقر بها، له تصانيف في مغازي الرسول – صلى الله عليه وسلم -.انظر معجم المؤلفين جـ12 ص 21.
(121) عبد الرحمن بن القاسم (126 هـ) عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي القرشي (أبـو مـحمـد) من سادات أهل المدينة، فقهاً وعلماً وديانة، وحفظاً للحديث وإتقاناً توفي في الشام.انظر الأعلام جـ4
(122) ترجمته تأتي لاحقاً.
2 – قراءة ابن كثير في مكة:.
وتنسب إلى عبد الله بن كثير (45 ـ 120) هـ وهو إمام مكة في القراءة وكان ابن كثير عالماً بالعربية واشتغل برواية الحديث وقد روى عن أنس بن مالك(126) وعبد الله بن الزبير(127) ثم أخذ القراءة عن درباس(128) مولى ابن عباس ومجاهد بن جبر(129) وغيرهم، فتصدر بعدئذ للإقراء وانتهت إليه مشيخة القراء في مكة، وممن قرأ عليه الخليل بن أحمد الفراهيدي(130) وأبو عمرو بن العلاء(131) البصري وحماد بن سلمة(132) وراوياه هما البزي وقنبل.
البَزِّيّ: وهو فارسي الأصل واسمه أحمد بن محمد بن عبد الله (170 ـ 250) هـ وكان مؤذن المسجد الحرام وتلقى القراءة عن أبيه.
قُنْبُل: وهو محمد بن عبد الرحمن المخزومي (195 ـ 291) هـ وقد أخذ القراءة عن البزي، وكلا راويي ابن كثير لم يعاصراه وإنما تلقيا قراءته من قراء آخرين.
ابن ذكوان: وهو عبد الله بن أحمد الفهري (173 ـ 242) هـ. وقد انتهت إليه رياسة الإقراء في الشام بعد هشام وقد أخذ القراءة أيضاً عن أيوب بن أبي تميمة(133) كما كتب عدداً من الكتب في التجويد والقراءات.
————
(123) الإمام مالك (93 – 179 هـ) هو مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث الأصبحي، المدني (أبو عبد الله) أحد أئمة المذاهب الفقهية ولد بالمدينة وصار إمامها وتوفي بها ودفن بالبقيع. من تصانيفه: الموطأ. انظر معجم المؤلفين جـ8 ص 168
(124) سبقت ترجمته.
(125) الليث بن سعد (94 – 175 هـ) هو الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي بالولاء، أبو الحارث، إمام أهل البصرة في عصره حديثاً وفقهاً، أصله من خراسان ومولده في قلقشنده، ووفاته في القاهرة، قال عنه الشافعي: الليث أفقه من مالك، إلاَّ أن أصحابه لم يقوموا به، وأخباره كثيرة. انظر الأعلام جـ5 ص 248
(126) الصحابي الجليل انظر ترجمته سابقاً.
(127) الصحابي الجليل انظر ترجمته سابقاً.
(128) درباس: مولى ابن عباس، ثقة من التابعين، أخذ عن ابن عباس.
(129) انظر ترجمته ص 89
(130) انظر ترجمته ص 33
(131) أبو عمرو البصري (225 هـ) هو اسحق الجرمي، البصري (أبو عمرو) نحوي، فقيه، عروضي، أخباري من آثاره: غريب سيبويه، كتاب في السير، كتاب في السير، كتاب العروض، كتاب الأبنية، مختصر في النحو.
انظر معجم المؤلفين جـ2 ص 232
(132) حماد بن سلمة: بن دينار البصري ت 67 هـ، من خيار التابعين، ثقة عابد، روى له مسلم وغيره.
(133) أيــوب السختيــاني (66 – 131 هـ) هـو أيـوب بـن أبي تميمــة كيسـان السختيـاني، البصـري، أبـو بكـر سيــد فقهـاء عصـره، تـابعـي، مـن النســاك الـزهــاد، من حفـاظ الحـديث، كـان ثبتـاً ثقـة روي عنـه نحو 800 حديث.
الأعلام جـ2 ص 38
3 – قراءة أبي عمرو البصري في البصرة:.
وتنسب إلى أبي عمرو زبان بن العلاء المازني البصري (68 ـ 154)هـ وهو النحوي الشهير الحجة، وقد قرأ على الحسن البصري وعاصم وابن كثير وعكرمة وروى عنه الأصمعي(134) وسيبويه(135) وأبو زيد الأنصاري(136).
وراوياه: حفص الدوري وصالح السوسي.
الدوري: وهو حفص بن عمر بن عبد العزيز توفي عام (246) هـ.
وهو أول من جمع القراءات السبع وأقرأ بها، وقد أخذ قراءة أبي عمرو البصري عن يحيى اليزيدي(137).
————
(134) الأصمعي (122 – 216 هـ) هو أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي بن أصمع، أديب، نحو، لغوي، أخباري، محدث فقيه، أصولي من أهل البصرة، قدم بغداد في أيام هارون الرشيد، وتوفي بالبصرة من تصانيفه: نوادر الأعراب، الأجناس في أصول الفقه، المذكر والمؤنث، كتاب اللغات، كتاب الخراج. معجم المؤلفين جـ6 ص 187
(135) سيبويه (180 هـ) هو عمرو بن عثمان بن قنبر، سيبويه (أبو بشر) أديب، نحوي، أخذ النحو والأدب عن الخليل بن أحمد ويونس بن حبيب وأبي الخطاب الأخفش وعيسى بن عمر وورد بغداد، وناظر بها الكسائي من آثاره: الكتاب وهو في النحو. معجم المؤلفين جـ6 ص 10
(136) أبو زيد الأنصاري (119 – 215 هـ) هو سعيد بن أوس بن ثابت بن زيد بن قيـس بـن زيـد بـن النعمـان الأنصاري البصري، لغوي، نحوي، أديب، أخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وأخذ عنه أبو عبيدة وغيره.
توفي بالبصرة من آثاره القوس والترس، الإبل، بيوتات العرب، اللغات، الجمعة والتثنية.
انظر معجم المؤلفين جـ4 ص 220
(137) يحيى اليزيدي (138 – 202 هـ) هو يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي (أبو محمد) مقرئ، لغوي، نحوي، من أهل البصرة نزل بغداد وأخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وصحب يزيد بن منصور خال المهدي يؤدب ولده واتصل بالرشيد، فعهد إليه بتأديب المأمون، وقدم مكة وحدَّث بها. وروى عنه ابنه محمد والدوري والسوسي وغيرهم وتوفي بمرو، من آثاره: الوقف والابتداء، النقط والشكل، النوادر في النحو، المقصور والممدود، المختصر في النحو وله شعر أيضاً.
المؤلفين جـ13 ص 220
السوسي: وهو صالح بن زياد السوسي توفي عام (261) هـ أخذ قراءة أبي عمرو عن اليزيدي كما قرأ على حفص.
4 – قراءة ابن عامر الشامي:.
وتنسب إلى عبد الله بن عامر اليحصبي (8 ـ 118)هـ. وقد أخذ القراءة عن الصحابة مباشرة، فقرأ على أبي شهاب عن عثمان بن عفان، واشتهر فضله وعلمه في سائر بلاد الشام، وسادت قراءته فيها نحو خمسة قرون وراوياه: هشام وابن ذكوان.
هشام: وهو هشام بن عمار السلمي الدمشقي (153 ـ 245)هـ. أخذ القراءة عن أيوب بن تميم وغيره من الأئمة واستقر في دمشق وتفرغ للإقراء فرحل الناس إليه.
(116) انظر تفصيل هذه الضوابط في باب شروط القراءة المتواترة.
5 – قراءة عاصم في الكوفة:.
وتنسب إلى عاصم بن أبي النجود الكوفي الغاضري توفي (127)هـ وهي القراءة السائدة في معظم أقطار العالم الإسلامي، وقد أخذ عاصم القراءة من التابعين: زر بن حبيش(138) وأبي عبد الرحمن السلمي(139). وقد قرأ
عليه أبو عمرو بن العلاء وحفص بن سليمان وحماد بن زيد(140) وأبو بكر بن عياش(141) وغيرهم.
وراوياه: حفص وشعبة.
حفص: وهو حفص بن سليمان الكوفي البزار (90 ـ 180) هـ. وروايته عن عاصم هي السائدة في معظم بلدان العالم الإسلامي اليوم وقد قرأ على عاصم مباشرة.
شعبة: وهو أبو بكر شعبة بن عياش الأسدي الكوفي (95 ـ 193) هـ قرأ مباشرة على عاصم وقرأ عنه جماعة من أئمة العربية منهم الكسائي.
————
(138) زر بن حبيش (ت 83 هـ) هو زر بن حبيش بن حباشة الأسدي الكوفي، (أبو مريم) ثقة جليل، مخضرم، مات عند مائة وسبع وعشرين سنة.
تقريب التهذيب جـ1 ص 259
(139) أبو عبد الرحمن السلمي (ت 70 هـ) هو عبد الله بن حبيب بن ربيعة (أبو عبد الرحمن) السلمي، الكوفي المقرئ، ثقة ثبت. تقريب التهذيب جـ1 ص 408
(140) حماد بن زيد (199 – 267 هـ) هو حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي البصري، البغدادي، المالكي (أبو إسماعيل) محدث، فقيه، ولد بالبصرة، وتفقه بأحمد بن المعذل وولي القضاء ببغداد، وحدث بها، وتوفي بالسوس له تصانيف منها: المهادنة، الرد على الشافعي.
(141) ابن عياش (95 – 193 هـ) هو أبو بكر شعبة بن عياش بن سالم الأسدي، وكان عالماً عاملاً، قال وكيع عنه: هو العالم الذي أحيا الله به قرنه.
معجم القراءات جـ1 ص 90
6 – قراءة حمزة في الكوفة:.
وتنسب إلى حمزة بن حبيب الزيات (80 ـ 156) هـ.
أخذ القراءة عن الأعمش(142) وجعفر الصادق(143) وقرأ عليه إبراهيم بن أدهم(144) والكسائي(145) والفراء(146) واليزيدي(147) وغيرهم.
وراوياه: خلف وخلاد.
خلف: وهو خلف بن هشام الأسدي البغدادي (150 ـ 229)هـ. وهو صاحب القراءة التاسعة التي أثبت ابن الجزري تواترها وقد أخذ القراءة عن أبي زيد الأنصاري(148) وسليم بن عيسى(149) وغيرهم وقرأ عليه أحمد بن إبراهيم(150) وأحمد بن يزيد الحلواني.
خلاد: وهو خلاد بن خالد الشيباني ولاءً الصيرفي الكوفي. توفي (220 هـ) وقد روى عنه الوزان وأحمد الحلواني وغيرهم.
————
(142) الأعمش (63 – 148 هـ) هو أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي مولاهم الكوفي، كان يسمى بسيد المحدثين، لقي من الصحابة ابن أبي أوفى، وأنس بن مالك، لم يثبت له سماع عن أحدهما.
(143) جعفر الصادق (80 – 148 هـ) هو جعفر بن محمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين السبط الملقب بالصادق (أبو عبد الله)، أخذ عنه جماعة منهم الإمامان أبو حنيفة ومالك، له رسائل مجموعة في كتاب.
(144) إبراهيم بن أدهم (161 هـ) إبراهيم بن أدهم بن منصور، التميمي البلخي أبو إسحاق، زاهد مشهور كان أبوه من أهل الغنى في بلخ، فتفقه ورحل إلى بغداد وجال في العراق والشام والحجاز وأخذ عن كثير من علماء الأقطار الثلاثة، كان يعيش من العمل بالحصاد وحفظ البساتين ويشترك مع الغزاة في قتال الروم، والمشهور وأخباره كثيرة والمشهور أنه دفن في جبلة على شاطئ الشام الشمالي.
(145) الكسائي (180 هـ) هو علي بن حمزة بن عبد الله الأسدي الكوفي (أبو الحسن) مقرئ، مجود، لغوي، نحوي، عامر، نشأ بالكوفة واستوطن بغداد، له كتب كثيرة منها كتاب في القراءات ومعاني القرآن.
(156) سبقت ترجمته
(147) سبقت ترجمته
7 – قراءة الكسائي في الكوفة:.
وتنسب إلى علي بن حمزة الكسائي، ولقب بالكسائي لأنه تسربل بكسائه في إحرامه وهو مولى فارسي لبني أسد عاش (119 ـ 189)هـ. وقد أخذ القراءة عرضاً عن حمزة(151) وابن أبي ليلى(152) وغيرهم. وهو إمام معروف في العربية وقد تلقاهـا عن الخليـل بن أحـمـد(153)، وأخـذ عنـه القـراءة حفص الدوري(154) وخلف بن هشام(155) وراوياه الليث والدوري.
الليث: وهو أبو الحارث البغدادي الليث بن خالد توفي (240)هـ.
الدوري: وهو حفص بن عمر راوي أبي عمرو البصري توفي (246)هـ. وقد تقدمت ترجمته.
————
(148) سبقت ترجمته
(149) سليم بن عيسى (130 – 188 هـ) سليم بن عيسى الحنفي، بالولاء، الكوفي، إمام في القراءة، وكان أخص أصحاب حمزة وأضبطهم، وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة.
(150) أحمد بن إبراهيم وأبو يزيد الحلواني والوزان، أصحاب خلف بن خلاد، لم أقف على ترجمة وافية لهم.
(151) حمزة (80 – 158 هـ) هو أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات الكوفي التميمي مولاهم وهو من تابعي التابعين وكان عالماً بالفرائض والعربية، ورعاً، انتهت إليه القراءة بعد عاصم.
(152) ابن أبي ليلى: هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي، ثقة من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم، سنة ست وثمانين، وهو إمام ثقة روى له أصحاب الكتب الستة.
(153) سبقت ترجمته
(154) حفص الدوري (150 – 246 هـ) هو أبو عمر حفص بن عمر بن صهبان النحوي الضرير الدوري، نسبة لموضع قرب بغداد، كان إمام عصره في القراءة، وشيخ وقته في الإقراء، وهو أول من جمع القراءات.
(148) سبقت ترجمته
(149) سليم بن عيسى (130 – 188 هـ) سليم بن عيسى الحنفي، بالولاء، الكوفي، إمام في القراءة، وكان أخص أصحاب حمزة وأضبطهم، وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة.
(150) أحمد بن إبراهيم وأبو يزيد الحلواني والوزان، أصحاب خلف بن خلاد، لم أقف على ترجمة وافية لهم.
(151) حمزة (80 – 158 هـ) هو أبو عمارة حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل الزيات الكوفي التميمي مولاهم وهو من تابعي التابعين وكان عالماً بالفرائض والعربية، ورعاً، انتهت إليه القراءة بعد عاصم.
(152) ابن أبي ليلى: هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي، ثقة من الثانية، اختلف في سماعه من عمر، مات بوقعة الجماجم، سنة ست وثمانين، وهو إمام ثقة روى له أصحاب الكتب الستة.
(153) سبقت ترجمته
(154) حفص الدوري (150 – 246 هـ) هو أبو عمر حفص بن عمر بن صهبان النحوي الضرير الدوري، نسبة لموضع قرب بغداد، كان إمام عصره في القراءة، وشيخ وقته في الإقراء، وهو أول من جمع القراءات.
القراءات الثلاث.
أما القراءات الثلاث التي أثبت ابن الجزري تواترها وضمها إلى السبع فهي:
8 – قراءة أبي جعفر:.
وتنسب إلى يزيد بن القعقاع المخزومي المدني توفي (130)هـ وقد أخذ القراءة عن الصحابة مباشرة: عبد الله بن عباس وأبي هريرة.
وراوياه: عيسى بن وردان ت 16 هـ وسليمان بن مسلم بن جماز.
9 – قراءة يعقوب الحضرمي:.
وتنسب إلى يعقوب بن إسحاق بن زيد (117 – 205)هـ.
أخذ القراءة عن التابعين كأبي الأشهب عن أبي موسى الأشعري، وكذلك شهاب بن شرنقة عن أبي الأسود الدؤلي عن علي.
وقد كان مرجعاً في حجة القراءات وتصدر لرياسة الإقراء في البصرة وراوياه رويس وروح.
رويس: وهو محمد بن المتوكل توفي (238)هـ. وقرأ على يعقوب عدة مرات.
————
(155) خلف بن هشام (150 – 229 هـ) هو الإمام أبو محمد خلف بن هشام البزار الصلحي نسبة إلى (فم الصلح) من أعمال واسط. وقد قرأ بقراءة أهل الكوفة وتوفي ببغداد. معجم القراءات جـ1 ص 93
روح: وهو روح بن عبد المؤمن البصري توفي (234)هـ وقرأ على يعقوب.
10 – قراءة خلف:
وتنسب إلى خلف بن هشام البزار البغدادي وهو راوية حمزة صاحب القراءة السادسة.
وقد أخذ القراءة عن حمزة بن حبيب الزيات وإسناد حمزة هو صدر إسناد خلف. وراوياه إسحاق الوراق وإدريس الحداد.
إسحاق الوراق: رحل من مرو إلى بغداد، فأخذ عن خلف وأقرأ في بغداد توفي (286)هـ.
إدريس الحداد: (189 ـ 292)هـ. أخذ القراءة عن خلف وتصدر للإقراء في بغداد.
وليس وراء هؤلاء العشرة إمام حصل له التواتر، وسنأتي على إثبات أسانيدهم في الفصل المخصص لذلك(156)
قراءات بأسانيد ضعيفة لا ترقى إلى التواتر
ولكن ثمة أئمة أربعة كبار، اشتهروا بالإمامة في هذا الفن، ورويت لهم قراءات كاملة، ولكن بأسانيد ضعيفة، لا ترقى إلى التواتر وهم:
11 – الحسن البصري: (21 – 110 هـ).
هو الإمام أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن البصري، مولى الأنصار، إمام زمانه علماً وعملاً، لقي علي بن أبي طالب، وأخذ عن سمرة بن جندب، وأتي به إلى أم سلمة فبرَّكت عليه ومسحت برأسه، وكان يقال من أراد أن يسمع كلام النبوة بعد أهل البيت فليسمع كلام الحسن البصري، ولد في خلافة عمر سنة إحدى وعشرين.
————
(156) انظر الصفحة 122 وما بعدها.
12 – يحيى اليزيدي:.
(138 – 202 هـ) هو أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي، القدوي، البصري، كان فصيحاً مفوهاً إماماً في اللغات والآداب، وهو أمثل أصحاب أبي عمرو وقام بعده بالقراءة ففاق نظراءه حتى قيل إنه أملى عشر آلاف ورقة من صدره عن أبي عمرو خاصة غير ما أخذه عن الخليل وغيره.
13 – ابن محيصن:.
(… ـ 123 هـ) هو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محيصن المكي، كان عالماً في الأثر والعربية وقال درباس، فيما رأيته في كامل الهذلي: ما رأيت أعلم من ابن محيصن بالقرآن والعربية.
14 – ابن شنبوذ:.
(… ـ 338 هـ) هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب بن الصلت البغدادي المعروف بابن شنبوذ وكان إماماً شهيراً وأستاذاً كبيراً صالحاً، وكان يرى جواز القراءة بما صحَّ سنده وإن خالف رسم المصحف وعقد له بسبب ذلك مجلس، ولم يعدَّ أحد ذلك قادحاً في روايته ولا صحة في عدالته. توفي في صفر سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
ويجب التنويه هنا أننا أتينا على ترجمة الأئمة القراء قبل الحديث عن ابن مجاهد وابن الجزري اللذين يعود إليهما الفضل في تحديد هؤلاء الأئمة المعتبرة قراءاتهم، وذلك تمشياً مع السياق التاريخي الذي نتحدث فيه عن أئمة الإقراء، ولكن يجب القول أن هذا التحديد للأئمة ورواتهم لم يتم إلا في عهد متأخر كما سنتحدث عنه في المبحث اللاحق.
المبحث الرابع: عصر ابن مجاهد وتدوين القراءات
اشتهرت القراءة في الأمصار اشتهاراً عظيماً، وصار كل إمام يقرئ بما سمع، وكل يقر قراءة صاحبه، على أساس أنه مشتمل بالإذن النبوي الكريم في الإقراء بالأحرف السبعة، ولكن ذلك النهج مضى كما هو مفترض باتجاه التوسع في الإقراء حتى أصبحت مدارسه ومناهجه لا تنضبط بإطار ناظم، وأصبح تصور الخطأ واللحن والشذوذ وارداً في هذه الحالة الجماعية.
لذلك فقد بدأ الأئمة في مطلع القرن الثالث بتحديد القراءة المقبولة من القراءة المردودة، ولا تحسب أن الأمر قبل ذلك كان على عواهنه، بل كانت الأئمة تميز بسلائقها المقبول من المردود من القراءات، وتعتمد لذلك اعتبارات كثيرة، منها منزلـة الإمـام المقرئ، والتـزامه بالعـربية فيمـا يقرئ فيـه، ومـوافقتـه للـرسـم، وغـيـر ذلك.
ثم اتفقت الأمة على شروط ثلاثة، أصبحت ضابطاً دقيقاً في قبول القراءات وردها، وهذه الشروط هي:
1 – أن توافق وجهاً من وجوه النحو فلا يكون فيها شذوذ عن القواعد التي أصلها النحاة لضبط كلام العرب.
2 – أن توافق رسم المصحف العثماني على الشكل الذي كتب في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك قبل النقط والشكل.
3 – أن يتواتر سندها متصلاً إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأن يرويها جمع عن جمع من أول السند إلى منتهاه.
وكل قراءة لم تتحقق فيها الشروط السابقة كلها أو بعضها فقد اعتبرت قراءة شاذة تحرم القراءة بها ويحرم الاعتقاد أنها من القرآن(157).
وقد نظم ابن الجزري فيما بعد منهج المتقدمين في شروط القراءة المقبولة في الأبيات الآتية:
وكل ما وافق وجه النحوِ * وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح إسناداً هو القرآنُ * فهذه الثلاثة الأركانُ
وحيثما يختلُّ شرطِ أثبتِ * شذوذه لو أنه في السبعةِ(158)
وعقب جهود طويلة من البحث والتحقيق، وبالاستقراء والتتبع ضبط العلمــاء مـا تواتر من أسـانيد القراء، فإذا هي قراءات سبع، وهي التي اشتهر بخدمتهـا نافع وابن كثـير وأبـو عمـرو وابـن عامر وعاصـم وحمزة والكسائي، وهي التي سميت فيمـا بعد بالقراءات السبع المتواترة، وقد أتينـا على ترجمة هؤلاء الأئمة قبل قليل.
ويرجع هذا الحصر بالسبعة المذكورين إلى الإمام المقرئ أحمد بن موسى بن مجاهد المتوفى عام 324 هـ، وذلك في كتابه المشهور “السبعة في القراءات”.
وقد ولد ابن مجاهد بسوق القطن في بغداد عام 245 هـ وظهر نبوغه مبكراً حيث حفظ القرآن الكريم، وأكثر القراءة على الشيوخ حتى عدَّ له ابن الجزري نحواً من مائة شيخ قرأ عليهم ختماً كاملة للقرآن الكريم وأجازوه بإقرائها للناس، وقرأ على بعض شيوخه عشرين ختمة، واجتمع عليه الطلاب من الأقطار، وصار يقرئ بالقراءات التي يثبت له تواترها.
وكان ابن مجاهد في الحقيقة إماماً مقصوداً في القراءة، ويمكن القول إنه مؤسس أول جامعة للقرآن الكريم وقراءاته في بغداد “وقد فاق في عصره سائر نظرائه من أهل صناعته مع اتساع علمه، وبراعة فهمه، وصدق لهجته، وظهور نسكه”(159).
وقد نال ابن مجاهد ثقة سائر المشتغلين بالقراءات في عصره وبعد عصره وبحسبك منهم شهادة إمام هذا الفن والمرجع فيه ابن الجزري إذ قال:
“ولا أعلم أحداً من شيوخ القراءات أكثر تلاميذاً منه، ولا بلغنا ازدحام الطلبة على أحد كازدحامهم عليه، وقد حكى ابن الأخرم عنه أنه وصل إلى بغداد فرأى في حلقة ابن مجاهد نحواً من ثلاثمائة مصدّر”(160).
وقال علي بن محمد المقري: كان لابن مجاهد في حلقته ثمانية وأربعون خليفة يأخذون على الناس.
وقد رأى ابن مجاهد أن ترك الأمر على عواهنه يؤدي إلى اختلاط المسائل، ودخول السليم في السقيم، فلا بد إذن من التمييز بين من يصلح للإمامة، ويتوافر لديه الإسناد الثبت، وبين من يتلقى القراءة من غير أهلها، فيشوبها بالخطأ واللحن.
وهكذا فإنه يبين رأيه جلياً في مقدمة كتابه الشهير السبعة بقوله:
(فمن حملة القرآن من يعرب ولا يلحن، ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته ولا يقدر على تحويل لسانه فهو مطبوع على كلامه.
ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، ليس عنده إلا الأداء لما تعلم، ولا يعرف الإعراب ولا غيره، فذلك الحافظ، فلا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده فيضيع الإعراب لشدة تشابهه، وكثرة فتحه وضمه وكسره في الآية الواحدة، لأنه لا يعتمد على علم العربية، ولا به بصر بالمعاني يرجع إليه، وإنما اعتماده على حفظه وسماعه وقد ينسى الحافظ فيضيع السماع وتشتبه عليه الحروف، فيقرأ بلحن لا يعرفه وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره، ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقاً فيحمل ذلك عنه وقد نسيه ووهم فيه، وجسر على لزومه والإصرار عليه، أو يكون قد قرأ من نسي وضيع الإعراب، ودخلته الشبهة فيتوهم، فذلك يقلد القراءة ولا يحتج بنقله، ومن حملة القرآن من هو على مستوى يؤهله إلى معرفة إعراب القراءة ويبصره بمعانيها ولكنه لا يعرف القراءات ولا تاريخها مع جهله بمصادر الرواية، وقد يحمله ذلك على أن يقرأ بحرف يجوز لغة وإعراباً مع أنه لم يقرأ به أحد من السابقين، وهذا يوصله إلى أن يبتدع قراءة جديدة، ومنهم من يعرف قراءته، ويبصر المعاني، ويعرف اللغات، ولا علم له بالقراءات واختلاف الناس والآثار، فربما دعاه بصره بالإعراب إلى أن يقرأ بحرف جائز في العربية لم يقرأ به أحد من الماضين فيكون بذلك مبتدعاً)(161).
ولكن لماذا اختار ابن مجاهد هؤلاء السبعة تحديداً؟
في الحقيقة لم يكن ابن مجاهد يبحث عن قراءات سبع، ولا عن سبعة قراء حينما اتجه ببحثه هذا، غاية الأمر أنه كان يبحث عن المتواتر وصادف أنه لم يجتمع لديه من أسانيد التواتر بالشروط المعتبرة إلا سبعة، فضبطها وحررها ودوَّن أصولها وفرشها، والظاهر أنه صنف أولاً سبعة كتب، كل كتاب في قراءة، كلما ثبت عنده تواتر قراءة أفردها بكتاب، حتى إذا اكتمل لديه الاختيار صنف كتابه الشهير السبعة في القراءات.
ومنهج ابن مجاهد في كتابه أنه بدأ بذكر أسماء القراء السبعة وأصول كل واحد منهم واختياراته في شأن الهمزات والإمالات والإدغامات والياءات وغير ذلك من الأصول، ثم بدأ بذكر فرش الحروف فكان يسمي اختيار كل منهم من غير توجيه للفرش، وعلى ذلك فقد دون مواضع اختلافهم في القرآن الكريم باستقصاء كامل. وقد صار منهج ابن مجاهد إماماً للناس من بعده فاقتفى أثره كل الذين كتبوا من بعده في هذا الفن.
وأشهر الكتب التي نهجت نهجه:
التيسير في القراءات السبع: أبو عمرو الدَاني(162).
نظم التيسير المسمى حرز الأماني: للقاسم بن فيّره بن القاسم الشاطبي(163).
سراج القاري: لابن القاصح العذري(164).
ـ شروح الشاطبية الأخرى كالسخاوي والفاسي وأبي شامة وابن جبارة، والجعبري.
————
(157) السبعة في القراءات لابن مجاهد. تحقيق د. شوقي ضيف ص 47، وهذه الشروط مستفيضة ولا يخلو من الإشارة إليها كتاب من كتب القراءات.
(158) نظم طيبة النشر لابن الجزري، بيت رقم 56.
(159) معرفة القراء الكبار جـ1 ص 217
(160) غاية النهاية لابن الجزري جـ1 ص 142
(161) مقدمة ابن مجاهد لكتابه السبعة في القراءات ص 45 – 46
(162)طبع في استانبول عام 1920 بتحقيق أوتوبرتزل من جمعية المستشرقين الألمان،
(163) طبع طبعات كثيرة، أجودها طبعة حققها وأخرجها محمد تميم الزعبي وصدرت عن مكتبة دار الهدى بالمدينة المنورة.
(164) طبع في مكتبة مصطفى البابي الحبي وأولاده بمصر.
أهمية الكتاب: صنف ابن مجاهد كتابه هذا في وقت كان يعتبر فيه (شيخ القراء) في عاصمة الخلافة الإسلامية (بغداد) ولا شك أنه كان لموقعه المميز هذا أكبر تأثير في رواج الكتاب وتداوله. ومن هنا تعلم سر انتشار الكتاب وشهرته في الآفاق. أما مناط تأثير الكتاب فيتمثل في أنه كرَّس الرأي القائل:
بأن القـراءات توقيفيـة لا يجوز فيها الاجتهاد وقطع الطريق على الذين يقولون بجواز الاجتهاد في القراءة وأنها تدور على اختيار الفصحاء وعلى رأسهم الزمخشري.
المبحث الخامس: دور الشاطبي في تقرير تواتر القراءات السبعة
وتجدر الإشارة هنا إلى إمام جليل سبق الإمام ابن الجزري، وهو الإمام الشاطبي(165)، الذي تصدر للإقراء في الأندلس والمغرب الإسلامي ومصر في القرن السادس الهجري.
وقد كان أهم الآثار التي تركها الشاطبي منظومته الكبيرة المسماة (حرز الأماني ووجه التهاني) وهي من المنظومات المتقدمة تاريخياً في هذا الفن، وقد لاقت قبولاً واسعاً، وهي تتألف من (1173) بيتاً من البحر الطويل الذي يلتزم قافيه لامية، اختار الشاطبي أن يرمز لكل قارئ من القراء السبعة بحرف من الأبجدية فيشرح بذلك اختيار كلِّ قارئ ومذهبه في الأصول والفرش.
ولم يكن عمل الشاطبي هذا إلا نظماً على كتاب التيسير لأبي عمرو الداني الذي صنف كتابه لبيان قراءات الأئمة التي اعتمدها ابن مجاهد، ولكن نظم الشاطبي هو الذي طاف بالبلاد وحفظه طلاب هذا الفن، وهكذا فإن عمل الشاطبي والداني تكاملا في تقرير العمل باختيار ابن مجاهد للقراءات السبع على أنها تمثل جميع المتواتر من قراءة المعصوم صلى الله عليه وسلم.
وحتى اليوم فإن منظومة الشاطبي هي أدق ما صنف في باب القراءات، وعنها يأخذ طلبة العلم في التلقي والمشافهة.
وهكذا فإن اختيار ابن مجاهد ازداد رسوخاً بتكريس الشاطبي له أصولاً وفرشاً، ومضت ثمانية قرون وإن الأمة لا تسلِّم بالتواتر لغير هؤلاء السبعة.
————
(165) الشاطبي (538 – 590 هـ=1144 – 1194 م) هو القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الرعيني، أبو محمد الشاطبي: إمام القراء، كان ضريراً، ولد بشاطبة (في الأندلس) وتوفي بمصر، وهو صاحب (حرز الأماني) وهي قصيدة في القراءات تعرف بالشاطبية. وكان عالماً بالحديث والتفسير والفقه، قال ابن خلكان: كان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تصحح النسخ من حفظه، والرعيني نسبة إلى ذي رعين أحد أقيال اليمن.
المبحث السادس: ابن الجزري ودوره في نشر القراءات
مضى القرن الرابع الهجري وقد أطبقت الأمة على تواتر القراءات السبع كما اختار ابن مجاهد، وراحت المدارس الإسلامية تبذل الجهود المتضافرة في إظهار أسانيد هذه القراءات السبع وتحديد رواتها وطرقها، حتى بلغت في ذلك الغاية.
ولكن القراءات الأخرى لم تعدم من يدافع عنها ويحاجج لها، ويكشف عن أسانيدها بغرض إثبات التواتر في روايتها وإسنادها.
وبالفعـل فقد أنكر كثير من العلمـاء علـى ابن مـجـاهد إعراضـه عن قراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع(166)، وهو الذي قال فيه مجاهد بن جبر(167) الإمام المفسر: لـم يكن بالمدينة أحد أقرأ للسنة من أبي جعفر، وهو من أعلى القراء إسناداً إذ توفي عام 130 هـ.
كما اعترض على ابن مجاهد في تركه لقراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي(168) البصري، وقد أطبقت كلمة القراء والحفاظ على موثوقيته وعلوه في الإسناد وإمامته(169)، حيث انتهت إليه رياسة الإقراء بعد أبي عمرو البصري(170)، ووصفه أبو حاتم السجستاني(171) بأنه أعلم من رآه بالحروف، والاختلاف في القرآن وعلله ومذاهب النحو.
ومن الأعمال الجليلة التي صنفت متضمنة بيان منزلة الإمام المقرئ يعقوب: التذكرة في القراءات الثمان للإمام أبي الحسن طاهر بن غلبون المقرئ الحلبي(172)، وكذلك: التلخيص في القراءات الثمان للإمام أبي معشر عبد الكريم بن عبد الصم الطبري، وقد ضم كل منهما قراءة يعقوب إلى السبعة الكبار، وبسطوا أصولها وفرشها(173).
كذلك فإن خلف بن هشام راوية حمزة، انفرد بقراءة مستقلة مخالفة لأصول حمزة، وهو مشهور بعلو الإسناد والرسوخ في العلم.
ومع ذلك فلم يستطع أحد أن يلحق هذه القراءات الثلاث بالسبع المتواترة، بالرغم من اشتهار أسانيدها، ومنزلة رجالها، وكان علينا أن ننتظر خمسة قرون أخرى حتى يجيء ابن الجزري الذي بلغ في القرن التاسع منزلة فريدة في مرجعية الإقراء تسامي ما كان عليه ابن مجاهد في القرن الرابع.
وفي مطلع القرن التاسع كان ابن الجزري أصبح مرجع العالم الإسلامي في القراءة والإقراء، ولذلك فإنه أعاد على بساط البحث مسألة القراءات الثلاث التي اختلف في تواترها، وقام بإثبات تواتر أسانيدها بالحجج الواضحة، ثم كتب نظماً من البحر الطويل على نهج الشاطبية أسماه الدرة المضية في القراءات الثلاث تتمة العشر وبذلك فإنه بوأ هذه القراءات منزلة السبع المتواترات التي قررها ابن مجاهد.
ثم صنف بعد ذلك كتابه الشهير: النشر في القراءات العشر، وأورد فيه زيادة على القراءات الثلاث، وجوهاً أخرى للأئمة السبع لم يكن الشاطبي قد أشار إليها من قبل.
فمن ذلك أن الشاطبي أشار إلى أن المنقول عن عاصم أنه يمد المنفصل، وذلك في قوله:
إذا ألفٌ أو ياؤُها بعدَ كسرةِ * أو الواوُ عن ضمٍّ لقي الهمزَ طوّلا
فإن ينفصلْ فالقصرَ بادِرْه طالباً * بخلفهما يرويكَ درّاً ومخضلاً
فأخبر أن الذين قرؤوا بقصر المنفصل هم المرموز إليهم بالباء وهو قالون، وبالياء وهو السوسي، وبالدال وهو ابن كثير فتعين للباقين المد لا غير.
ولكن ابن الجزري تعقبه في ذلك فقال في الطيبة:
…….. وقصرَ المنفصلْ * لي بِنْ حِما عَنْ خُلْفِهم داعٍ ثَـملْ
فأخبر أن الذين قرؤوا بقصر المنفصل هم المرموز إليهم باللام وهو هشام، وبالباء وهو قالون وبـ (حما) وهم أبو عمرو ويعقوب، وبالعين وهو حفص بخلاف عنهم، ثم بالدال وهو ابن كثير المكي، وبالثاء وهو أبو جعفر يزيد بن القعقاع بوجه واحد.
والأمثلة في هذا الباب أكثر من أن تحصى.
ولم يكن ابن الجزري لينفرد بهذا الاختيار من تلقاء نفسه لو لم تكتمل لديه آلة هذا العلم من المصادر الغنية الموثوقة التي تمثل خلاصتها زبدة هذا العلم ومادته، وهي التي لا زالت مرجع القراء والحفاظ في هذا الفن.
وخلال الفترة ما بين ابن مجاهد وابن الجزري كتبت الكتب الأمهات في علم القراءات، وأصبح واضحاً لكل مشتغل بهذا العلم أن هذا العلم قد نضج واكتمل، وأن الحاجة فيه إلى الترتيب والاختيار باتت مؤكدة، وأصبح العلماء ينتظرون كلمة الحسم التي جاء بها ابن الجزري فيما بعد.
ونستعرض هنا أهم الأعمال التي تم إنجازها خلال هذه الفترة، وهي في ذات الوقت المصادر الأم التي اتكأ ابن الجزري عليها حينما قدَّم للناس كلمة الفصل في القراءات المعتمدة. وهي على ترتيب وفيات مؤلفيها:
ـ كتاب السبعة: للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي المتوفي بها سنة 324 هـ(174).
ـ كتاب التذكرة في القراءات الثمان: للإمام أبي الحسن طاهر بن عبد المنعم بن غليون الحلبي نزيل مصر والمتوفى بها سنة 399 هـ(175).
-كتاب المنتهى في القراءات العشر: للإمام أبي الفضل محمد بن جعفر الخزاعي المتوفى سنة 408 هـ(176).
-كتاب التبصرة للإمام أبي محمد، مكي بن أبي طالب… القيسي القيرواني ثم الأندلسي المتوفى سنة 430 بقرطبة(177).
ـ كتاب الروضة في القراءات الإحدى عشر للإمام أبي علي الحسن بن محمد بن إبراهيم البغدادي المالكي نزيل مصر المتوفى سنة 438 هـ(178).
ـ كتاب التيسير: للإمام الحافظ أبي عمرو عثمان بن سعيد الدَّاني الأندلسي المتوفى بها سنة 444 هـ(179).
ـ كتاب جامع البيان في القراءات السبع: للإمام الداني السابق الذكر(180).
ـ كتاب المستنير في القراءات العشر: للإمام أبي طاهر أحمد بن علي… بن سوار البغدادي المتوفى بها سنة 496 هـ(181).
ـ كتاب الشاطبية: حرز الأماني ووجه التهاني: للإمام القاسم بن فيرة الشاطبي المتوفى بالقاهرة سنة 590 هـ(182).
ـ كتاب شرح الشاطبية: للإمام أبي الحسن علي بن محمد السخاوي المتوفى بدمشق سنة 643 هـ(183).
-كتـاب جـمـال القـراء وإكمـال الإقـراء: للإمـام السخـاوي علي بن محمد المتوفى سنة 643 هـ(184).
ـ كتاب مفردة يعقوب: للإمام أبي محمد عبد الباري بن عبد الرحمن الصعيدي المتوفى بالإسكندرية سنة 655 هـ(185).
واليوم يمكن القول بأن جهود ابن مجاهد التي أكملها ابن الجزري فيما بعد قد قطعـت الجدل في أمر القراءة المقبولة والمردودة وأصبـح سائر المقبول من القـراءات مـدونـاً في السبعـة التي اختـارهـا ابن مجـاهـد، والثـلاث التي استـكمـلهـا ابن الجزري.
وكل ما سوى هذه القراءات العشر فهو قراءات شاذة تروى على أنها من كلام العرب ولا يجوز القراءة بها في الصلاة وقد عرف منها أربع قراءات مدونة وهي قراءات يحيى اليزيدي(186) وابن محيصن(187) والأعمش(188) والحسن البصري(189) ومــا سواها فهو غير مدون لا ضابط يضبطه(190)، ولا يوجد موجب شرعي لجمعه وإحصائه، ولكن جمعه وإحصاءه مفيد لجهة معرفة آراء السلف في اللغة والفقه والتفسير.
وينبغي أن نشير إلى أن غالب منشأ هذه القراءات الشاذة إنما هو تلك الملاحظات التي كان يدونها أصحاب المصاحف الخاصة على مصاحفهم كمـا في مصحـف أبي ابن كعب، ومصحف علي بن أبي طالب، ومصحف أم سلمة، وعبد الله بن الزبير، وابن مسعود، والحسن البصري، على سبيل التفسير والإيضاح فيتناقلها الناس من بعده على أنها من القرآن الكريم.
وهذا السبب بعينه هو الذي دفع الخليفة الراشدي عثمان بن عفان أن يقوم بتحريق المصاحف الخاصة بالصحابة خشية هذا المحذور الذي وقع بالفعل ولكن بعد أن سلم المصحف الإمام، الذي وفر للأمة بياناً صريحاً يتميز به الصحيح من الدخيل.
————
(166) يزيد بن القعقاع (ت ـ 130 هـ) هو أبو جعفر يزيد بن القعقاع المخزومي إمام المدينة النبوية التابعي. قال عنه مجاهد: لم يكن بالمدينة أحد أقرأ للسنة من أبي جعفر.
(167) مجاهد بن جبر (21 – 104 هـ) هو مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي، مولى بني مخزوم تابعي، مفسر من أهل مكة. قال الذهبي: شيخ القراء والمفسرين أخذ التفسير عن ابن عباس، قرأه عليه ثلاث مرّات، يقف عند كل آية يسأله فيم نزلت وكيف كانت، توفي في الكوفة.
(168) يعقوب الحضرمي (117 – 205 هـ) هو أبو محمد يعقوب بن اسحق بن زيد بن عبد الله بن اسحق الحضرمي البصري، وصفه أبو خاتم السجستاني بأنه أعلم من رآه بالحروف والاختلافات في القرآن، وعلله، ومذاهب النحو، وحديث الفقهاء، توفي عن ثمانٍ وثمانين سنة.
(169) انظر التذكرة في القراءات الثمان لابن غليون. تحقيق أيمن سويد جـ1 ص 56
(170) مرت ترجمته في مبحث أئمة القراءة.
(171) أبو حاتم السجستاني (172 – 255 هـ=788 – 869 م) هو سهل بن محمد بن عثمان الجشمي، السجستاني، البصري، نحوي لغوي، عروضي مقرئ، روى عن أبي زيد الأنصاري، وأبي عبيدة معمر بن المثنى والأصمعي، وأخذ عنه المبرد وابن دريد، وتوفي بالبصرة من تصانيفه: اختلاف المصاحف، إعراب القرآن، ما يلحن فيه العامة، القراءات، المقصور والممدود وله شعر.
(172) قامت جمعية تحفيظ القرآن الكريم بجدة بطبع هذا الكتاب عام 1991 بتحقيق أيمن سويد.
(173) قـامــت جمعـية تحفيـظ القـرآن الكريم بجدة بطبع هـذا الكتـاب عام 1992 بتحقيق محمد حسن عقيل موسى.
(174) قام بتحقيقه الدكتور شوقي ضيف، وطبع في دار المعارف بمصر
(175) طبعته جمعية تحفيظ القرآن بجدة، حققه أيمن رشدي سويد.
(176) أشار إليه ابن الجزري في مقدمة النشر، ولم أجده.
(177) طبعته الدار السلفية ـ بومباي، الهند 1402 هـ، بتحقيق د. محمد غوث الندوي.
(178) أشار إليه ابن الجزري في مقدمة النشر، ولم أجده مطبوعاً ولا مخطوطاً.
(179) طبعته جمعية المستشرقين الألمان عام 1920 بتحقيق أوتوبرتزل، ثم طبعته دار المثنى ببغداد.
(180) حققه د. عبد المهيمن طحان ـ رسالة دكتوراه جامعة أم القرى 1406 هـ
(181) أشار إليه ابن الجزري في مقدمة النشر، ولم أجده.
(182) طبعت طبعات كثيرة، أجودها طبعة ملونة صدرت عن دار الهدى بالمدينة المنورة عام 1415 هـ باعتناء الشيخ محمد تميم الزعبي.
(183) أشار إليه حاجي خليفة في كشف الظنون، وأخبر أن اسمه: فتح الوصيد في شرح القصيد، وهو مخطوط محفوظ بدار الكتب المصرية برقم 255.
(184) طبع في مكتبة التراث بمكة المكرمة عام 1408 هـ بتحقيق الدكتور علي حسين البواب.
(185) لا تزال مخطوطة، وهي محفوظة في مكتبة نور عثمانية رقم 1062 استانبول ضمن مجموعة كتب هي الثانية فيه.
(186) يحيى اليزيدي (128 – 202 هـ) هو يحيى بن المبارك العدولي بالولاء البصري، نحوي مقرئ ثقة علامة في النحو والعربية والقراءة وقد أخذ القراءة عن أبي عمرو بن العلاء وخلفه بالقيام بها كما أخذ عن حمزة روى القراءة عنه أولاده وأبو عمر الدوري وسليمان بن أيوب بن الحكم وسليمان بن خلال وجماعة.
وروى عنه الحروف: أبو عبيد القاسم بن سلام وأشهر رواته: سليمان الحكم وأحمد بن فرح.
(187) ابن محيصن (123 هـ) محمد بن عبد الرحمن السهمي بالولاء المكي، مقرئ أهل مكة، ثقة، عرض على مجاهد بن جبر، ودرباس مولى ابن عباس، وسعيد بن جبير، عرض عليه شبل بن عباد، وأبو عمرو بن العلاء. أشهر رواته ابن شنبوذ.
(188) الأعمش: أبو محمد (60 – 148 هـ) هو سليمان بن مهران الكوفي مولى بني أسد، الإمام الجليل، مقرئ الأئمة، صاحب نوادر أخذ القراءة عرضاً عن إبراهيم النخعي، وزيد بن حبيش، وعاصم بن أبي النجود، ومجاهد بن جبير وأبي العالية الرياحي، روى عنه عرضاً وسماعاً: حمزة الزيات ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أشهر رواته: الحسن بن سعيد المطوعي، وأبو الفرج الشنبوذي.
(189) الحسن البصري أبو سعيد (12 – 110 هـ) هو الحسن بن أبي يسار إمام زمانه علماً وعملاً، قرأ على حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري وعلى أبي العالية عن أبي بن كعب وزيد بن ثابت وعمر بن الخطاب. روى عنه: أبو عمرو بن العلاء، وسلام الطويل ويونس بن عبيد وعيسى بن عمر النحوي.
أشهر رواته: شجاع بن أبي نصر البلخي ـ والدوري.
(190) أقول: ظهر عام 1411 هـ، 1991 م معجم القراءات القرآنية في تسع مجلدات، وقد قام مؤلفا هذا المعجم النفيس بضبط كل ما تناثر في الكتب حول وجوه القراءة التي قرئت بها كلمات القرآن من متواتر وآحاد وشاذ، ولا شك أن هذا العمل النفيس خدم المكتبة العربية خدمة جليلة.
قام بتأليف هذا السفر كل من الدكتور أحمد مختار عمر الأستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الكويت، والدكتور عبد العال سالم مكرم الأستاذ بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الكويت وقد قامت بنشر الكتاب منظمة “انتشارات أسوة” في طهران.
الفصل الثالث: أسانيد القراءات
المبحث الأول: معنى الإسناد ومنزلته في الموازين الشرعية
السند من سند، إذا ارتفع عن الأرض، والسنـد ما ارتفع عن الأرض من قبــل الجبـل أو الـوادي، وأسنـد الشيء رفعـه، والإسنـاد في الروايـة: رفع الكلام إلى قائله.
ويراد بالإسناد في القراءة بسط أسماء الرجال الذين قرأ عليهم القارئ وأخذ عنهم، إذ لا تقبل قراءة بغير إسناد، توكيداً لحقيقة تفرُّد المولى سبحانه بالتنزيل، لسائر المتواتر من القراءات، على قلب النبي – صلى الله عليه وسلم -.
والإسناد من خصائص هذه الأمة المحمدية المرحومة، تلتمس أصوله الشرعية من خبر القرآن الكريم وبيان السنة المطهرة.
ففي البيان القرآني أُمِرَ النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يطالب الناس بالإسناد كلما تقدموا بباب من أبواب المعرفة.
{إن عندكم سلطان بهذا أتقولون على الله مالا تعلمون}(191).
وكذلك أورد القرآن الكريم في خبر امرأة النبي – صلى الله عليه وسلم -:
{قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير}(192).
ونعى القرآن الكريم على من يخوض فيما لم يشهده من جوانب المعرفة:
{ما أشهدتهم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهـم}(193).
وقـال مخاطبـاً أهـل الكتـاب:
{يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون * ها أنـتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم، والله يعلم وأنـتم لا تعلمون}(194).
————
(191) سورة يونس 68
(192) سورة التحريم 3
(193) سورة الكهف 51
(194) سورة آل عمران 65 – 66
المبحث الثاني: النبي صلى الله عليه وسلم والإسناد
وقد عني النبي – صلى الله عليه وسلم – بالإسناد، وهو في الحقيقـة لم يكن فيما يبلِّغه إلا مُسْنِداً عن الله عز وجل، وإضافة إلى ذلك فقد أسند – صلى الله عليه وسلم – عن بعض أصحابه، وأشهر مثال على ذلك هو حديث تميم بن أوس الداري المسمى “حديث الجساسة”، وهو ما يعرفه علماء الإسناد في باب رواية النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الصحابة، حيث روى عن تميم الداري في حديث الجساسة. وذلك حين دعا الناس إلى المسجد، ثم قـال:
(اجلسوا أيها الناس، فإني لـم أقم مقامي هذا لفزع، لكن تميماً أتاني فأخبرني خبراً منعني من القيلولة من الفرح وقرة العين فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم – صلى الله عليه وسلم -: أخبرني أن رهطاً من بني عمه ركبوا البحر فأصابتهم ريح… إلى آخر الحديث)(195).
وقد بدأ الاهتمام بالإسناد منذ فجر عصر الرسالة، وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – أول من أسند، فقد جاءت الإشارات بذلك متضافرة في القرآن الكريم:
{قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي}(196)
{وما على الرسول إلا البلاغ المبين}(197)
{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه}(198)
وقد كانت العرب تهتم بالإسناد وتعنى به، وربما تستحلف الناقل في موثوقية ما يرويه.
ففي حديث ضمام بن ثعلبة حين وفد إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ثم دخل المسجد ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – جالس في أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أنا ابن عبد المطلب، قال: محمد؟ قال: نعم، فقال: ابنَ عبد المطلب.. إني سائلك ومغلظٌ في المسألة، فلا تجدنَّ في نفسك، قال: لا أجد في نفسي، فسل عما بدا لك، قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا يعبدون معه؟ قال: اللهم نعم قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم، قال ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة، الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها، يناشده عند كل فريضة كما يناشده في التي قبلها حتى إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه ثم لا أزيد ولا أنقص، قال: ثم انصرف راجعاً إلى بعيره(199).
والحق أن إيراد هذه النصوص ليس على سبيل الاحتجاج بالإسناد بقدر ما هو على سبيل الاستئناس، وبالطبع فإن ما نورده من إسناد النبي – صلى الله عليه وسلم – عن جبريل الأمين وعن تميم الداري لا يشبه ما نحن بصدده من تقرير إسناد الرواة عن التابعين، والتابعين عن الصحابة، والصحابة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، فثمة هناك كلام كثير في موثوقية الرواة وعدالتهم وضبطهم لا يتصل بما نحن فيه، إذ لا مساغ للبحث في عدالة النبي – صلى الله عليه وسلم – وإسناده الجليل، بعد أن زكاه الله سبحانه بقوله:
{وإنك لعلى خلق عظيم}(200)
————
(195) رواه الإمام مسلم في الصحيح كتاب الفتن باب 48، رقم الحديث 2054، انظر مختصر صحيح مسلم للمنذري ص 617 وهو في مسند أحمد بن حنبل جـ6 ص 417
(196) سورة يونس 15
(197) سورة العنكبوت 18
(198) سورة فصلت 4
(199) رواه الإمام مسلم في كتاب الفتن باب 47، ورواه أحمد بن حنبل في المسند جـ1 ص 264 عن عبد الله بن عباس، وزاد فيه قوله – صلى الله عليه وسلم -: إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة.
(200) سورة نون 5
المبحث الثالث: الإسناد والتوثيق في عهود السلف
ولدى انتشار الهدي القرآني في الحجاز، ومنه إلى آفاق الأرض، بدأ الحديث عن أصول التوثيق، وضوابط الرواية، وبدأ المتحدثون يسندون إلى من يروون عنه، ويعنون بتحرير ألفاظ الرواية شعوراً منهم بأنهم إنما ينقلون للناس أحكام الشريعة التي تنظم شؤون دنياهم وآخرتهم.
وكان في الصحابة في السلف الأول من يستحلف الرواة فيما يروونه للاطمئنان على صدق مروياتهم، على الرغم من عدالة الصحابة ومنزلتهم في نقل السنن.
وقد غلب على المسلمين الاشتغال بخدمة الإسناد في علومهم كافة، ولن تجد في القرون الأولى معرفة بغير إسناد، ويمكن القول إن علم الرواية هو أبو العلوم جميعاً في الإسلام، فالحديث والتفسير والفقه والتاريخ والعقائد كلها كانت جملة مرويات، على الباحث أن يختار منها ما يراه أقرب للحق وأوثق في الرواية.
وحينما بدأ عصر الاختصاص لم يفقد الإسناد أهميته، وإن يكن الرأي قد تبوأ منزلة محترمة، ولكن بقي المعول على الإسناد، وبقي الرأي لا يحتكم إليه إلا حينما تسكت النصوص، وغلبت القاعدة: لا اجتهاد في مورد النص، وهكذا انصرفت جهود العلماء إلى خدمة الإسناد للوقوف على الحقيقة، وهو ما اصطلح على تسميته فيما بعد بعلم التوثيق.
قال القسطلاني: (إن الله تعالى قد أكرم هذه الأمة وشرَّفها وفضلها بالإسناد، وليس لأحد من الأمم كلها قديمها وحديثها إسناد إنما هو صحف في أيديهم وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم التي أخذوها عن غير الثقات، بخلاف هذه الأمة فإنَّها تنص عن الثقة المعروف في زمانه بالصدق عن مثله حتى تتناهى أخبارهم)(201).
وليس المقام هنا مناسباً لإيراد جهود العلماء في ضبط الأسانيد إذ محل ذلك في كتب علم المصطلح، ولكن بحسبك أن تطمئن إلى أن السعي في هذا السبيل استغرق جهود العلماء لقرون طويلة.
وقد اشتغل العلماء ببيان أصول الرواية والمشافهة ومراتب الرجال وتناولوا بالبحث والتدقيق مسائل مفترضة لا تخطر على بال، سعياً في ضبط النصوص وتوثيقها وإسنادها.
ويمكن أن نضرب هنا مثلاً على مبلغ عناية المسلمين بعلم الإملاء والاستملاء وهو فرع من فروع أصول التوثيق في مناهج العلماء المسلمين، ومن خلال ذلك يمكنك أن تتفهم إلى أي مدى وصل البحث العلمي لدى المسلمين في ضبط الرواية.
ولبيان ذلك أنقل لك هنا هذا النص من ألفية السيوطي في علم الحديث، وفيه يقول السيوطي:
وإن يكُ الضربُ على مكرَّرِ * فالتالي اضربْ في ابتداءِ الأسطرِ
وفي الأخير أولاً، أو وُزِّعا * والوصفَ والمضافَ صلْ لا تقطعا
وحيث لا ووقعت في الأثْنَا * قولان: ثانٍ أو قليلٌ حُسْنَا
فهذه مسألة أفردها علماء الاصطلاح بالبحث وهي بيان ما يجب شطبه من الكلم المكرر حين يغلط الناسخ في تكرير اللفظة الواحدة فيكون تقسيم بحث السيوطي على الشكل التالي:
علم الحديث
قسم الرواية
باب الإملاء
بحث الغلط
فرع شطب المكرر
فهذه مسألة من الدرجة الخامسة من علم الحديث وقد أفردت بالبحث وتناولتها ألسنة العلماء وأقلامهم، حتى تعددت فيها الأقوال والاجتهادات كما رأيت!..
فلو كان في كل باب من هذه الأبواب عشر مسائل لكان علماء الاصطلاح قد كتبوا نحواً من مائة ألف مسألة في أصول حفظ وتدوين العلم الذي كان في ذلك الوقت منصباً على السنة النبوية بشكل أساسي.
ولا بد من الإشارة إلى أن هذه القواعد لم تكن محل اتفاق بين سائر العلماء المشتغلين بالتدوين والتوثيق، بل كان كل واحد يقرر في كتابه ما أداه إليه اجتهاده، وكــان مـدى اعتبـار ذلـك عنـد الناس هو منزلة العالم ومستواه العلمي والفكري(202).
ولا ريب أن تفاصيل الحديث عن علم الإسناد محلُّه علم مصطلح الحديث، إذ تجد هناك تفاصيل الصحيح والحسن والضعيف وغيرها، أما في أســانيد القـراءات
ولكن ذلك لا يلغي أهمية الإسناد في القراءات، وفي ذلك يقول الشهاب القسطلاني: (هو ـ أي الإسناد في القراءات ـ أعظم مدارات هذا الفن، لأن القراءات سنة متبعة ونقل محض، فلا بد من إثباتها وصحتها، ولا طريق إلى ذلك إلا بالإسناد، فلهذا توقفت معرفة هذا العلم عليه)(203).
————
(201) لطائف الإشارات للقسطلاني جـ1 ص 172 – 173. بتحقيق عامر السيد عثمان الدكتور عبد الصبور شاهين ط المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر 1392 هـ.
(202) المسلمون وعلوم الحضارة للمؤلف ص 16، 17.
فلن تجد إلا شيئاً واحداً هو المتواتر، وما سواه مردود، إذ لا سبيل للإقرار بقرآنية النص بدون التواتر.
(203) لطائف الإشارات للشهاب القسطلاني جـ1 ص 154
المبحث الرابع: تصنيف أسانيد القراءات والاحتجاج لها
واعلم أنه يلزم تصنيف القراءات من جهة أسانيدها إلى ثلاثة أقسام:
ـ القراءات المتواترة.
ـ القراءات المختلف في تواترها.
ـ القراءات الشاذة.
وهذا التقسيم هو الأولى بالقبول من الاصطلاح الذي جرت عليه العامة من تقسيم القراءات إلى متواتر وآحاد وشاذ، فحيث قلت إنها رواية آحاد فهي في النقل القرآني من باب الشاذ، إذ لا مسوغ لقبول قرآن برواية آحاد، وإنما نهض ابن الجزري بإثبات القراءات الثلاث تتمة العشرة على أساس أنها متواترة، ولا يمكن أن يجادل ابن الجزري عنها إن لم تكن كذلك.
وقد أورد ابن الجزري في النشر جواب قاضي القضاة أبي نصر عبد الوهاب ابن السبكي عن مساءلة سائل: إذا كانت العشر متواترة فلم لا قلتم: إن العشر متواترة، بدل قولكم: السبع؟ فكان جوابه: أما كوننا لم نذكر العشر بدل السبع مع ادعائنا تواترها، فلأن السبع لم يختلف في تواترها، وقد ذكرنا أولاً موضع الإجماع، ثم عطفنا عليه موضع الخلاف على أن القول بأن القراءات الثلاث غير متواترة في غاية السقوط، ولا يصحُّ القول به عمَّن يعتبر قوله في الدين، وهي أعني القراءات الثلاث: قراءة يعقوب وخلف وأبي جعفر بن القعقاع لا تخالف رسم المصحف، ثم قال: سمعت الشيخ الإمام ـ يعني والده ـ يشدد النكير على بعض القضاة، وقد بلغه عنه أنه منع من القراءة بها.
(واستأذنه بعض أصحابنا مرَّة في إقراء السبع، فقال أذنت لك أن تقرئ العشر.) ا. هــ.
ثم علق ابن الجزري فقال: نقلته من كتاب “منع الموانع على سؤالات جمع الجوامع”(204).
ولكن ابن الجزري مضى إلى أبعد من هذا القول فأورد اعتراضه على هذا الرأي بقوله: (ينبغي أن تقول: والعشر متواترة ولابد، فقال: أردنا التنبيه على الخلاف. فقلت: وأين الخلاف وأين القائل به؟ ومن قال: إن قراءة أبي جعفر، ويعقوب وخلف غير متواترة؟ فقال: يفهم من قول ابن الحاجب (والسبع متواترة) فقلت: أي سبع؟ وعلى تقدير أن يكون هؤلاء السبعة. مع أن كلام ابن الحاجب لا يدل عليه ـ فقراءة خلف لا تخرج عن قراءة أحد منهم، بل ولا عن قراءة الكوفيين في حرف، فكيف يقول أحد بعدم تواترها مع ادعائه تواتر السبع؟)
(وأيضاً فلو قلنا: إنه يعني هؤلاء السبعة فمن أي رواية؟ ومن أي طريق؟ ومن أي كتاب؟ إذ التخصيص لم يدّعه ابن الحاجب، ولو ادَّعاه لما سلم له. بقي الإطلاق، فيكون كل ما جاء عن السبعة، فقراءة يعقوب جاءت عن عاصم وأبي عمرو. وأبو جعفر هو شيخ نافع، ولا يخرج عن السبعة من طرقٍ أخرى). ا. هـ.
ثم توجه ابن الجزري بالسؤال لابن السبكي بقوله:
(ما تقول السادة العلماء أئمة الدين في القراءات العشر التي يُقرأ بها اليوم هل هي متواترة أو غير متواترة؟ وهل كل ما انفرد به واحد من العشرة بحرف من الحروف متواتر أم لا؟ وإذا كانت متواترة فما يجب على من جحدها أو حرفاً منها؟)
فأجابني ومن خطه نقلت:
(الحمد لله، القراءات السبع التي اقتصر عليها الشاطبي، والثلاث التي هي قراءة أبي جعفر وقراءة يعقوب، وقراءة خلف متواترة معلومة من الدين بالضرورة، وكل حرف انفرد به واحد من العشرة معلوم من الدين بالضرورة أنه مُنزل على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يكابر في شيء من ذلك إلاَّ جاهل وليس تواتر شيء منها مقصوراً على من قرأ بالروايات، بل هي متواترة عند كل مسلم يقول: أشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمداً رسول الله، ولو كان مع ذلك عامياً جلفاً لا يحفظ من القرآن حرفاً، ولهذا تقرير طويل، وبرهان عريض لا يسع هذه الورقة شرحه، وحظ كل مسلم وحقه أن يدين الله تعالى ويجزم بأن ما ذكرناه متواتر معلوم باليقين، لا يتطرق الظنون ولا الارتياب إلى شيء منه، والله أعلم(205) ا.هـ
ومع ما أوردناه من تقرير ابن الجزري، فإنه يجب القول أنه أفرط في تسفيه رأي مخاصميه، وجزم بأن تواتر هذه القراءات الثلاث تتمة العشر حظي بإجماع المسلمين، وأن إنكار واحدة منها إنكار صريح للوحي المتنزل على المعصوم – صلى الله عليه وسلم -، وأنكر أن يكون في المسلمين من لا يعتقد تواترها!..
ولا شك أن ذلك غير مُسَلَّم له في هذا الباب، وقد توافرت أقوال كثيرة عن السلف بـخـلاف ذلك، أقـر بهـا إلى مـا نـحن فيـه اختيـار الشـاطبي، ويـمكـن مطالعة عشرات الأقوال عن علماء القراءة التي تنص أنه ليس فوق السبع متواتر، وهي مبسوطة في الكتب التي أشرنا إليها فيما بين عصري ابن مجاهد وابن الجزري(206).
وهكذا فإن أولى الآراء بالقبول هو ما حررناه من أن السبع متواترة، وأن الثلاث بعدها مختلف في تواترها، وأن الصحيح تواترها.
————
(204) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري جـ1 ص 45
(205) تقريب النشر في القراءات العشر 1/45، 46
(206) انظر ص 80 وما بعدها من هذا الكتاب.
المبحث الخامس: أسانيد القراءات العشر
ولنأخذ الآن في إيراد أسانيد القراءات السبع المتواترة، والثلاث المتممة للعشرة، ولا شك أن أسانيد هذه القراءات بلغت من التواتر حداً لا يحيط به حصر، ولكن يمكن قراءة بعض أسماء جماهير الصحابة والتابعين الذي أقرؤوا بكل واحدة من هذه القراءات.
وأنوه هنا بأنهم اصطلحوا أن المراد بأسانيد القراءات ما كان بين الأئمة وبين النبي صلى الله عليه وسلم، كما اصطلحوا على تسمية الوجه المختار من القراءة رواية، وتسمية ما كان بيننا وبين هؤلاء الرواة طريقاً.
ولا يخفى أن هذا محض اصطلاح جرى عليه المتأخرون، ولا ينفي ذلك أن بعض علماء القراءة لا يلتزمون ذلك، وربما أطلقوا الإسناد أو الطريق أو الرواية على كل واحد من هذه المراحل.
وأحيل هنا على ما قام به الباحثان الجليلان الدكتور أحمد مختار عمر والدكتور عبد العال سالم مكرم في معجم القراءات القرآنية(207) فقد قاما باستقصاء ذلك من مظانه، وقدماه محرراً ميسراً.
————
(207) انظر معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 81 وما بعدها.
1 – إسناد قراءة نافع:.
قرأ نافع على سبعين من التابعين منهم(208):
أبو جعفر وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، ومسلم بن جندب، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وصالح بن خوات، وشيبة بن نضاح، ويزيد بن رومان.
وقرأ الأعرج على عبد الله بن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن عياش المخزومي.
ـ وقرأ مسلم وشيبة وابن رومان على عبد الله بن عياش.
ـ وسمع شيبة القراءة من عمر بن الخطاب.
ـ وقرأ صالح على أبي هريرة.
ـ وقرأ الزهري على سعيد بن المسيب.
ـ وقرأ سعيد على ابن عباس وأبي هريرة.
ـ وقرأ ابن عباس وأبو هريرة على أبي بن كعب.
ـ وقرأ ابن عباس أيضاً على زيد بن ثابت.
ـ وقرأ أبي وزيد وعمر رضي الله عنهم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
————
(208) لم أعرض هنا إلى ترجمة سائر رجال الإسناد، إذ يحتاج ذلك إلى بسطٍ وإطالة ربما تخرجنا عن مقصودنا الذي نبتغيه.
2 – إسناد قراءة ابن كثير:.
وقرأ ابن كثير على أبي السائب المخزومي، وعلى مجاهد بن جبر المكي، وعلى درباس مولى ابن عباس.
ـ وقرأ عبد الله بن السائب على أبي ابن كعب، وعمر بن الخطاب.
ـ وقرأ مجاهد على عبد الله بن عباس، وعبد الله بن السائب.
ـ وقرأ درباس على ابن عباس.
ـ وقرأ ابن عباس على أبي بن كعب، وزيد بن ثابت.
ـ وقرأ أُبي وزيد، وعمر رضي الله عنهم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
3 – إسناد قراءة أبي عمرو:
قرأ أبو عمرو على يزيد بن القعقاع، ويزيد بن رومان، وشيبة بن نصاح، وعبد الله بن كثير ومجاهد بن جبر، والحسن البصري، وأبي العالية الرياحي، وحميد المكي، وعبد الله الحضرمي، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة بن خالد، وعكرمة مولى ابن عباس، وابن محيصن، وعاصم بن أبي النجود، ونصر بن عاصم، ويحيى ابن يعمر.
ـ وقرأ ابن محيصن على حطان الرقاشي، وأبي العالية الرياحي.
ـ وقرأ حطان على أبي موسى الأشعري.
ـ وقرأ أبو العالية على عمر بن الخطاب وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وابن عباس.
ـ وقرأ حميد على مجاهد، وتقدم سنده.
ـ وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق على يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصم.
ـ وقرأ عطاء على أبي هريرة، وتقدم سنده.
ـ وقرأ عكرمة بن خالد على أصحاب ابن عباس، وتقدم سنده.
ـ وقرأ عكرمة مولى ابن عباس على ابن عباس.
ـ وقرأ ابن محيصن على مجاهد ودرباس وتقدم سندهما.
ـ وقرأ نصر بن عاصم، ويحيى بن يعمر على أبي الأسود.
ـ وقرأ أبو الأسود على عثمان وعلي رضي الله عنهما.
ـ وقرأ أبو موسى الأشعري وعمر بن الخطاب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت وعثمان وعلي رضي الله عنهم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
ومع ما أوردناه من تقرير ابن الجزري، فإنه يجب القول أنه أفرط في تسفيه رأي مخاصميه، وجزم بأن تواتر هذه القراءات الثلاث تتمة العشر حظي بإجماع المسلمين، وأن إنكار واحدة منها إنكار صريح للوحي المتنزل على المعصوم – صلى الله عليه وسلم -، وأنكر أن يكون في المسلمين من لا يعتقد تواترها!..
4 – إسناد قراءة ابن عامر:.
قرأ ابن عامر على أبي هاشم المغيرة بن أبي شهاب المخزومي وعلى أبي الدرداء.
وقرأ المغيرة على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقرأ عثمان وأبو الدرداء على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
5 – إسناد قراءة عاصم:.
قرأ عاصم على عبد الله بن حبيب السلمي الضرير، وعلى زر بن حبيش الأسدي، وعلى ابن إياس الشيباني.
ـ وقرأ هؤلاء الثلاثة على ابن مسعود.
ـ وقرأ السلمي وزر أيضاً على عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
ـ وقرأ السلمي أيضاً على أبي بن كعب، وزيد بن ثابت رضي الله عنهما.
ـ وقرأ ابن مسعود، وعثمان، وعليٌّ، وأبي وزيد على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وأحيل هنا على ما قام به الباحثان الجليلان الدكتور أحمد مختار عمر والدكتور عبد العال سالم مكرم في معجم القراءات القرآنية
6 – إسناد قراءة حمزة:.
قرأ حمزة على الأعمش عرضاً.
ـ وقرأ حمزة على ابن أعين، وعلى أبي إسحاق السبيعي، وعلى ابن أبي ليلى، وعلى ابن مصرف اليمامي، وعلى جعفر الصادق.
ـ وقرأ الأعمش وطلحة على يحيى بن وثاب الأسدي.
ـ وقرأ يحيى على علقمة بن قيس وعلى ابن أخيه الأسود بن يزيد بن قيس، وعلى زر بن حبيش وعلى زيد بن وهب، وعلى السلماني وعلى مسروق،
ـ وقرأ حمران على أبي الأسود الديلمي، وتقدم سنده، وعلى عبيد بن نضيلة.
ـ وقرأ عبيد على علقمة.
ـ وقرأ حمران أيضاً على محمد الباقر.
ـ وقرأ أبو إسحاق على السلمي وعلى زَرِّ بن حبيش، وتقدم سندهما.
ـ وعلى عاصم بن ضمرة، وعلى الحارث الهمذاني.
ـ وقرأ عاصم والحارث على عليّ.
ـ وقرأ ابن أبي ليلى على المنهال بن عمرو وغيره.
ـ وقرأ المنهال على سعيد بن جبير، وتقدم سنده.
ـ وقرأ علقمة، والأسود، وابن وهب، ومسروق، وعاصم بن حمزة، والحارث أيضاً على عبد الله بن مسعود.
ـ وقرأ جعفر الصادق على أبيه محمد الباقر.
ـ وقرأ الباقر على أبيه زين العابدين.
ـ وقرأ زين العابدين على أبيه الحسين رضي الله عنه.
ـ وقرأ الحسين على أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.
ـ وقرأ علي وابن مسعود رضي الله عنهما على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
7 – إسناد قراءة الكسائي:.
قرأ الكسائي على حمزة، وتقدم سنده، وعلى ابن أبي ليلى وتقدم سنده، وعلى عيسى الهمذاني وروى أيضاً الحروف عن أبي بكر بن عياش، وإسماعيل بن جعفر، وزائدة بن قدامة.
ـ وقرأ عيسى الهمذاني على عاصم، وطلحة بن مصرف، والأعمش، وتقدم سندهم، وكذلك أبو بكر بن عياش.
ـ وقرأ إسماعيل بن جعفر على شيبة بن نضاح ونافع، وتقدم سندهما.
ـ وقرأ أيضاً إسماعيل على سليمان بن جماز، وعيسى ابن وردان وسيأتي سندهما.
ـ وقرأ زائدة بن قدامة على الأعمش وتقدم سنده.
وعلى الرغم من الجهد الطيب الذي بذله الباحثان الكريمان غير أنهما لم يستوفيا إلا أسانيد السبع، وها أنا أستوفي لك أسانيد الثلاث تتمة العشر من تراجمهم في كتب رجال القراءات والأثر.
إسناد أبي جعفر:
قرأ على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة، وهكـذا فـإن أبـا جعفـر من أعـلى القـراء إسناداً، إذ أخذ عن الصحابة مباشرة.
إسناد يعقوب الحضرمي:
قرأ على سلام الطويل ومهدي بن ميمون، وسمع الحروف من الكسائي ومحمد بن زريق الكوفي عن عاصم.
وقرأ على شهاب بن شرنقة عن أبي الأسود الدؤلي عن علي بن أبي طالب.
وقرأ على أبي الأشهب عن أبي رجاء عن أبي موسى الأشعري.
إسناد خلف العاشر:
قرأ على حمزة وقد تقدم إسناد حمزة.
المبحث السادس: طرق القراءات العشرة
وأما رواة هؤلاء القراء العشرة فقد سبق تفصيل تراجمهم في الفصل الخاص بعصر أئمة القراءة، ولنشرع الآن في بيان بعض الطرق التي نقلت بها هذه الروايات، ولا يخفى أننا نقصد هنا إيراد مشاهير هذه الطرق، إذ حصر هذه الطرق جميعاً غير ممكن لأحد، فكل من تلقى بالإسناد في أي عصر إنما يمثل طريقاً من هذه الطرق، وسوف نعنى في هذا الباب بأئمة الرواة الذين أخذ عن طريقهم ابن مجاهد وابن الجزري فيما بعد.
(فأما قالون) فمن طريقي أبي نشيط والحلواني عنه، فأبو نشيط من طريقي ابن بويان والقزاز عن أبي بكر بن الأشعث عنه فعنه، والحلواني من طريقي ابن أبي مهران وجعفر بن محمد عنه فعنه،
(وأما ورش) فمن طريقي الأزرق والأصبهاني فالأزرق من طريقي إسماعيل النحاس وابن سيف عنه فعنه، والأصبهاني من طريقي ابن جعفر والمطوَّعي عنه عن أصحابه فعنه.
(وأما البزي) فمن طريقي أبي ربيعة وابن الحباب عنه، فأبو ربيعة من طريقي النقاش وابنه بنان عنه فعنه. وابن الحباب فمن طريقي ابن صالح وعبد الواحد بن عمر عنه فعنه.
(وأما قنبل) فمن طريقي ابن مجاهد وابن شنبوذ عنه، فابن مجاهد من طريق السّامري وصالح عنه فعنه، وابن شنبوذ من طريق القاضي أبي الفرج والشطوي عنه فعنه.
(وأما الدوري) فمن طريقي أبي الزعراء وابن فَرْح عنه، فأبو الزعراء من طريقي ابن مجاهد والمعدل عنه فعنه، وابن فرح من طريقي ابن أبي بلال والمطوّعي عنه فعنه.
(وأما السوسي) فمن طريقي ابن جرير وابن جمهور عنه، فابن جرير من طريقي عبد الله بن الحسين وابن حبش عنه فعنه، وابن جمهور من طريقي الشيباني والشنبوذي عنه فعنه.
(وأما هشام) فمن طريقي الحلواني عنه، والدجواني عن أصحابه عنه، فالحلواني من طريقي ابن عبدان والجمال عنه فعنه، والدجواني من طريقي زيد بن علي والشذائي عنه فعنه.
(وأما ابن ذكوان) فمن طريقي الأخفش والصُّوري عنه، فالأخفش من طريقي النقاش وابن الأخرم عنه فعنه، والصوري من طريقي الرملي والمطوّعي عنه فعنه.
(وأما شعبة) فمن طريق يحيى بن آدم ويحيى العليمي عنه، فابن آدم من طريق شعيب وأبي حمدون عنه فعنه، والعليمي من طريق ابن خليع والرزاز عن أبي بكر الواسطي عنه فعنه.
(وأما حفص) فمن طريقي عبيد بن الصَّباح وعمرو بن الصباح، فعبيد من طريقي أبي الحسن الهاشمي وأبي طاهر بن أبي هاشم عن الأشناني عنه فعنه، وعمرو من طريقي الفيل وزرعان عنه فعنه.
(وأما خلف) فمن طريقي ابن عثمان وابن مقسم وابن صالح والمطوَّعي، أربعتهم عن إدريس عنه.
(وأما خلاَّد) فمن طريقي ابن شاذَان وابن الهيثم والوزَّان والطَّلحي، أربعتهم عن خلاَّد.
(وأما أبو الحارث) فمن طريقي محمد بن يحيى وسلمة بن عاصم عنه، فابن يحيى من طريقي البطي والقنطري عنه فعنه، وسلمة من طريقي ثعلب وابن الفرح عنه فعنه.
(وأما الدوري) فمن طريقي جعفر النصيبي وأبي عثمان الضرير عنه، فالنصيبي من طريقي ابن الجلندي وابن ديزويه عنه فعنه، وابن عثمان من طريقي ابن أبي هاشم والشذائي عنه فعنه.
(وأما عيسى بن وردان) فمن طريقي الفضل بن شاذان وهبة الله بن جعفر عن أصحابهما عنه، فالفضل من طريقي ابن شبيب وابن هارون عنه وهبة الله من طريق الحنبل والحمامي.
(وأما ابن جماز) فمن طريق أبي أيوب الهاشمي والدوري عن إسماعيل بن جعفر عنه فعنه، فالهاشمي من طريقي ابن رزين والأزرق والجمال عنه فعنه، والدوري من طريقي ابن النفاح وابن نهشل عنه فعنه.
(وأما رويس) فمن طرق النخاس بالمعجمة وأبي الطيب وابن مقسم والجوهري أربعتهم عن التمار عنه.
(وأما روح) فمن طريقي بن وهب والزبيري عنه، فابن وهب من طريقي المعدل وحمزة بن علي عنه فعنه، والزبيري فمن طريقي غلام بن 0 شنبوذ وابن حبشان عنه فعنه.
(وأما إسحاق) فمن طريقي السوسنجري وبكر بن شاذان عن ابن عمر عنه فعنه. ومن طريقي محمد بن إسحاق نفسه والبرصاطي عنه.
(وأما إدريس) فمن طريقي الشطي والمطوعي وابن يويان والقطيعي(209).
وفي خاتمة مبحث الطرق والأسانيد أجد من المفيد هنا أن أرتب لك هذه الأسانيد والطرق في جداول توضيحية بما يخص كل إمام:
————
(209) انظر تقريب النشر ص 4 و 5 ولا يخفى أن هذه الطرق هي التي يدلي بها ابن الجزري.
المبحث السابع: جداول إيضاحية للأسانيد والطرق
الجداول لم تضف في هذه النسخة
المبحث الثامن: القراءات الشاذة
التقسيم في علم القراءات ـ كما قدمنا ـ تقسيم حاسم، ليس فيه إلا بابان: المتواتر والشاذ، وليست فيه تلك السعة التي نراها في السنن كالمتواتر والمشهور والآحاد وكذلك التقسيم إلى متصل ومنقطع ومعضل، وغير ذلك.
فنحن هنا أمام إثبات نص قرآني أو نفيه، ولا نملك إزاء ذلك أكثر من القول بالثبوت أو عدم الثبوت.
وهكذا يمكن القول: إن كل قراءة لم يثبت تواترها فهي قراءة شاذة، وقد أعرضنا ـ كما رأيت ـ عن التسمية الشائعة على ألسنة العامة بقراءات الآحاد.
وقد قال ابن الجزري في هذا الباب جازماً:
وحيثما يختل شرطٌ أثبتِ * شذوذَه لو أنه في السبعةِ(210)
والشروط التي يعنيها ابن الجزري هنا هي ما سبق أن بيناها في باب تدوين القراءات السالف، وهي:
1 – أن يتواتر إسناداً من القارئ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -.
2 – أن يوافق الرسم القرآني في أحد المصاحف العثمانية.
3 – أن يوافق العربية ولو بوجه.
وهذه القراءات الشاذة لم يدوَّن منها أصلاً إلا أربع قراءات وهي قراءة يحيى اليزيدي وابن محيصن والأعمش والحسن البصري، فيما بقيت القراءات الشاذة الأخرى غير مدونة أصلاً ولن يجتمع لك منها إلا بضع كلمات وردت في ثنايا كتب القراءات.
وقد سبقت ترجمة هؤلاء الأربعة(211)، ومن المناسب أن أنوه هنا بأن شذوذ قراءاتهم لا يقلل من عظيم منزلتهم في العلم، وإنما هي مسألة إسناد، وقد سلَّم العلماء بمنزلتهم ومكانتهم، ولكن الآفة فيمن أسند عنهم، وفيمن أسندوا عنه.
وأضيف هنا ترجمة أشهر رواة هؤلاء الأئمة مختاراً راويين لكل إمام كما جرينا في ترجمة رواة العشرة.
راويا قراءة الحسن البصري: توفي 110 هـ
ـ أبو نعيم البلخي: شجاع بن أبي نصر البلخي، ثقة كبير زاهد، قال فيه الإمام أحمد وقد سئل عنه: بخ بخ.. وأين مثله اليوم؟.. لم يدرك الحسن البصري إذ ولد عام 120 هـ أي بعد موت الحسن بعشر سنين، ولكن روى عنه بإسناد، توفي عام 190 هـ.
ـ أبو عمر حفص بن عمر الدوري: وهو راوية أبي عمرو البصري، سبقت ترجمته(212) ـ توفي 246.
راويا قراءة الأعمش: توفي سنة 148 هـ
ـ المطوعي: الحسن بن سعيد المطوعي، رحل في البلاد ثم استقر في اصطخر، كان إماماً في القراءات متقناً لها، توفي عام 371 هـ.
وروايته عن الأعمش بإسناد إذ ولد بعد موته بنحو مائة وأربعين سنة.
ـ الشنبوذي: أبو الفرج محمد بن أحمد الشطوي الشنبوذي، كان من أئمة القراءة والمحدثين والمفسرين، وروايته عن الأعمش أيضاً بإسناد إذ ولد بعد موته بنحو مائة واثنين وخمسين سنة. ولد سنة 300 وتوفي 388 هـ.
راويا قراءة ابن محيصن: توفي 123 هـ.
ـ البزي: أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي بزة، سبقت ترجمته(213) إذ هو راوي ابن عامر ولم يرو عن ابن محيصن مباشرة وإنما روى عنه بإسناد، إذ كانت وفاته 205 هـ.
ـ ابن شنبوذ: هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب، كان يخالف الجمهور في قواعد قبول القراءة الصحيحة، فلا يشترط موافقتها للمصحف، ومع ذلك فلم يطعن أحد في عدالته ومنزلته، وقد نبغ في القراءة والتفسير.
توفي عام 328 هـ، وبذلك فهو لم يرو مباشرة عن ابن محيصن.
راويا قراءة اليزيدي: توفي 202 هـ.
ـ سليمان بن الحكم: أبو أيوب سليمان بن أيوب بن الحكم، قرأ على اليزيدي مباشرة، وقد عرف بلقب “صاحب البصري” لملازمته ليحيى اليزيدي، ولا يخفى أن يحيى اليزيدي هو أكبر أصحاب أبي عمرو البصري.
ـ أحمد بن فرح
التقسيم في علم القراءات ـ كما قدمنا ـ تقسيم حاسم، ليس فيه إلا بابان: المتواتر والشاذ، وليست فيه تلك السعة التي نراها في السنن كالمتواتر والمشهور والآحاد وكذلك التقسيم إلى متصل ومنقطع ومعضل، وغير ذلك.
فنحن هنا أمام إثبات نص قرآني أو نفيه، ولا نملك إزاء ذلك أكثر من القول بالثبوت أو عدم الثبوت.
وهكذا يمكن القول: إن كل قراءة لم يثبت تواترها فهي قراءة شاذة، وقد أعرضنا ـ كما رأيت ـ عن التسمية الشائعة على ألسنة العامة بقراءات الآحاد.
وقد قال ابن الجزري في هذا الباب جازماً:
وحيثما يختل شرطٌ أثبتِ * شذوذَه لو أنه في السبعةِ(210)
والشروط التي يعنيها ابن الجزري هنا هي ما سبق أن بيناها في باب تدوين القراءات السالف، وهي:
1 – أن يتواتر إسناداً من القارئ إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -.
2 – أن يوافق الرسم القرآني في أحد المصاحف العثمانية.
3 – أن يوافق العربية ولو بوجه.
وهذه القراءات الشاذة لم يدوَّن منها أصلاً إلا أربع قراءات وهي قراءة يحيى اليزيدي وابن محيصن والأعمش والحسن البصري، فيما بقيت القراءات الشاذة الأخرى غير مدونة أصلاً ولن يجتمع لك منها إلا بضع كلمات وردت في ثنايا كتب القراءات.
وقد سبقت ترجمة هؤلاء الأربعة(211)، ومن المناسب أن أنوه هنا بأن شذوذ قراءاتهم لا يقلل من عظيم منزلتهم في العلم، وإنما هي مسألة إسناد، وقد سلَّم العلماء بمنزلتهم ومكانتهم، ولكن الآفة فيمن أسند عنهم، وفيمن أسندوا عنه.
وأضيف هنا ترجمة أشهر رواة هؤلاء الأئمة مختاراً راويين لكل إمام كما جرينا في ترجمة رواة العشرة.
راويا قراءة الحسن البصري: توفي 110 هـ
ـ أبو نعيم البلخي: شجاع بن أبي نصر البلخي، ثقة كبير زاهد، قال فيه الإمام أحمد وقد سئل عنه: بخ بخ.. وأين مثله اليوم؟.. لم يدرك الحسن البصري إذ ولد عام 120 هـ أي بعد موت الحسن بعشر سنين، ولكن روى عنه بإسناد، توفي عام 190 هـ.
ـ أبو عمر حفص بن عمر الدوري: وهو راوية أبي عمرو البصري، سبقت ترجمته(212) ـ توفي 246.
راويا قراءة الأعمش: توفي سنة 148 هـ
ـ المطوعي: الحسن بن سعيد المطوعي، رحل في البلاد ثم استقر في اصطخر، كان إماماً في القراءات متقناً لها، توفي عام 371 هـ.
وروايته عن الأعمش بإسناد إذ ولد بعد موته بنحو مائة وأربعين سنة.
ـ الشنبوذي: أبو الفرج محمد بن أحمد الشطوي الشنبوذي، كان من أئمة القراءة والمحدثين والمفسرين، وروايته عن الأعمش أيضاً بإسناد إذ ولد بعد موته بنحو مائة واثنين وخمسين سنة. ولد سنة 300 وتوفي 388 هـ.
راويا قراءة ابن محيصن: توفي 123 هـ.
ـ البزي: أبو الحسن أحمد بن محمد بن أبي بزة، سبقت ترجمته(213) إذ هو راوي ابن عامر ولم يرو عن ابن محيصن مباشرة وإنما روى عنه بإسناد، إذ كانت وفاته 205 هـ.
ـ ابن شنبوذ: هو أبو الحسن محمد بن أحمد بن أيوب، كان يخالف الجمهور في قواعد قبول القراءة الصحيحة، فلا يشترط موافقتها للمصحف، ومع ذلك فلم يطعن أحد في عدالته ومنزلته، وقد نبغ في القراءة والتفسير.
توفي عام 328 هـ، وبذلك فهو لم يرو مباشرة عن ابن محيصن.
راويا قراءة اليزيدي: توفي 202 هـ.
ـ سليمان بن الحكم: أبو أيوب سليمان بن أيوب بن الحكم، قرأ على اليزيدي مباشرة، وقد عرف بلقب “صاحب البصري” لملازمته ليحيى اليزيدي، ولا يخفى أن يحيى اليزيدي هو أكبر أصحاب أبي عمرو البصري.
ـ أحمد بن فرح: نبغ في التفسير والقراءة، ولم يأخذ عن اليزيدي مباشرة بل قرأ عنه بإسناد وتوفي سنة 303 هـ.
وليس في المحفوظ اليوم في أسانيد القراء رواية لقراءة كاملة فوق هؤلاء الأربعة عشر، ولكن رويت وجوه في قراءة بعض الكلمات القرآنية لأئمة غير هؤلاء، وليس بين أيدينا اختيار كامل لهم، ولكن أخبر ابن النديم في الفهرست أنه كانت لهم قراءات ولكنها اليوم في حكم المندثر، وذكر منها:
(قراءة عبد الله بن عباس المخزومي(214) وأبان بن عثمان بن عفان(215) ومسلم بن حبيـب(216) وشيـبة بـن نِصَـاح(217) من أهـل المدينة، وابن أبي عمارة(218) ودربـاس(219)
وحـميــد بــن قيــس(220) مـن أهـل مكــة، وابـن إسحاق الـحضرمي(221) وعاصم الـجحدري(222) وعيسى بن عمر(223) الثقفي وأبو المنذر سلام(224) من أهل البصرة، وطلحة بن مصرف(225) وعيسى الهمداني(226) وابن أبي ليلى(227) من أهل الكوفة، وأبو البرهس عدوان بن عثمان(228) عثمان الزبيدي ويحيى(229) اليزيدي وخالد بن معدان(230) من أهل الشام، ومحمد بن السميفع الحضري نزيل البصر(231).
————
(210) انظر ص 83 من هذا الكتاب
(211) انظر ص 77 من هذا الكتاب
(212) انظر ص 77 من هذا الكتاب
(213) سبقت ترجمته في تراجم الصحابة القراء.
(214) أبان بن عثمان (105 هـ) هو أبان بن عثمان بن عفان الأموي القرشي، أول من كتب في السيرة النبوية ولد وتوفي بالمدينة شارك في وقعة الجمل مع عائشة، تولى إمارة المدينة لبني أمية بين عامي 76 و 83، كان من رواة الحديث الثقاة ومن فقهاء المدينة أهل الفتوى.
(215) مسلم بن حبيب: لم أجد له ترجمة
(216) شيبة بن نصاح (130 هـ) هو شيبة بن نصاح بن سرجس بن يعقوب المخزومي المدني، قاضي المدينة وإمام أهلها في القراءات، وكان من ثقات رجال الحديث.
(217) ابن أبي عمارة، لم أقف على ترجمته، ولعله قيس أبو عمارة الفارسي مولى الأنصاري، قال في التقريب فيه لين، من الطبقة السابعة، مات قبل الستين.
(218) درباس: لم أقف على ترجمته، ولكن أشار صاحب معجم القراءات أنه من أهل مكة جـ1 ص 117
(219) حميد بن قيس (130 هـ) حميد بن قيس المكي الأعرج، أبو صفوان القاري.
(220) لم أقف على ترجمته
(221) عاصم الحجدري: هو عاصم بن أبي الصباح العجاج، وقيل ميمون أبو المجشر الجحدري البصري، مات قبل عام 130 هـ
(222) عيسى بن عمر (156 هـ) هو عيسى بن عمر الأسدي، الهمداني (أبو عمرو) الكوفي، القارئ، ثقة.
(223) أبو المنذر سلام: لم أقف على ترجمته.
(224) طلحة بن مصرف (112 هـ) هو طلحة بن مصرف بن كعب بن عمرو الهمداني اليامي، الكوفي، أبو محمد، أقرأ أهل الكوفة في عصره كان يسمى (سيد القراء) وهو من رجال الحديث الثقات ومن أهل الورع والنسك، شهد وقعة الجماجم وندم على مشاركته.
(225) عيسى بن عمر الهمداني: أبو عمرو، الكوفي، القارئ، ثقة، من السابعة، مات سنة 156 هـ
(226) (ت 86 هـ) هو عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي، ثقة حافظ، مات بوقعة دير الجماجم.
(227) عدوان بن عثمان: لم أقف على ترجمته، لكن أشار صاحب معجم القراءات أن اسمه أبا البرجسم الزبيدي، وأنه من أهل الشام جـ1 ص 118
(228) سبقت ترجمته في ص 73
(229) خالد بن معدان (104 هـ) هو خالد بن معدان بن أبي كرب الكلاعي (أبو عبد الله) تابعي، ثقة، ممن اشتهروا بالعبادة، أصله من اليمن، وأقام في حمص (بالشام) وكان يتولى شرطة يزيد بن معاوية، كان كثير التسبيح، فلما مات بقيت إصبعه تتحرك كأنه يسبح.
(230) محمد بن السميفع: ولد في اليمن وتعلم فيها، رحل في طلب العلم، ثم استقر بالبصرة.
(231) انظر الفهرست لابن النديم ص 30
المبحث التاسع: التمييز بين القراءة والرواية والطرق
تكونت لدينا صورة عامة عن التفريق بين هذه التسميات، بعد الذي قدمناه في الفصول السالفة ولكن من المفيد أن نعود هنا إلى توضيح قواعد التمييز بين هذه المسميات وفق استعمال علماء القراءة.
وحيثما يختل شرطٌ أثبتِ * شذوذَه لو أنه في السبعةِ(210)
القراءة:
درج القراء على إطلاق لفظ القراءة على ما أقرأ به الأئمة القراء، والقارئ المقصود هنا هو من انفرد بأصول خاصة في الأداء، فكان له مثلاً مذهب في الهمزات أو الإدغامات أو اللامات أو غير ذلك، فيقرأ الناس من بعده على منواله، على أساس أنه تصدر للإقراء بهذا اللون من الاختيار، ولا يخفى هنا أنه يشترط في القراءة المتواترة تحقق الشروط الثلاث المتفق عليها وهي تواتر السند وموافقة المصحف الإمام وموافقة العربية ولو بوجه.
ولن نبلغ قولاً فصلاً يمتاز به صنيع القراء في هذا المقام فرب إمام أطلق عليه اسم قارئ وما هو بقارئ، وبحسبك هنا أن تذكر الأئمة العشرة المتفق على تسميتهم بالقراء وهم: نافع المدني وابن كثير المكي وأبو عمرو البصري وابن عامر الشامي وعاصم وحمزة والكسائي الكوفيون ويعقوب الحضرمي وأبو جعفر وخلف القارئ.
الرواية:
وقد شاع منذ القدم إطلاق لفظ الرواية على صنيع الرواة الذين أخذوا عن الأئمة القراء، فيقال حفص راوية عاصم، وقالون راوية نافع.. وهكذا.
وقد تقدم أنهم اختاروا لكل إمام قارئ راويين اثنين يتحملان عنه، واعتمدوا اختيار كل منهما عن الإمام القارئ.
وليس يشترط أن يعاصر الراوي شيخه القارئ بل يكفي أن يكون متأخراً عنه في الزمن، وكثير من الرواة أخذوا عن الأئمة القراء بأسانيد، وأسانيدهم محفوظة معتمدة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القارئ الإمام قد يروي له مئات من طلبة العلم، ومذهب القراء في ذلك أن ما نقله الراويان المعتمدان هو القراءة المتواترة المشروعة، أما ما رواه عنهم غيرهما فإنه لا يخلو أن يكون موافقاً للراويين أو لأحدهما أو مخالفاً لهما.
فإن كان موافقاً لهما أو لأحدهما ـ وهو الغالب ـ فهي الرواية عينها وليس عليها اعتراض، والأليق هنا أن تنسب إلى الراوية الأصل دفعاً للالتباس.
وإن كان النقل مخالفاً لأداء كل من الراويين ـ وهو نادر فيما روي عن الثقات ـ فإنه حينئذ يدرج في القراءة الشاذة، ولا محمل محل القراءة المتواترة، بل هو من وهم الرواة.
وهذا التأليف الذي قدمناه يحل الإشكال الذي طرحه بعض القراء حول الإنكار على الاقتصار على الراويين فيما يروى عن الأئمة القراء، ومن هؤلاء أبو حيان الأندلسي المفسر.
الطريق:
والطريق هو الإسناد الذي تحدرت منه الروايات من الأئمة الرواة إلى زماننا هذا، فكل إسناد طريق، ولا يخفى هنا أن لكل قراءة يقرأ بها الناس اليوم أكثر من ألف طريق، ومن يستطيع عد ذلك أو حصره؟ وهو إنما يكثر كل يوم، إذ كلما أتقن قارئ وتصدر للإقراء صار إسناده طريقاً لمن بعده، ولكن غلب إطلاق الطرق على القراء الذين تلقوا عن الرواة مباشرة في الطبقة الأولى كما وضحته الجداول.
ولكن هذه الكثرة الكاثرة لن تحول دون اعتماد بعض الأئمة القراء معالم في الطريق، والركون إلى اختياراتهم ومناهجهم، وأن يتبرك الناس ببلوغهم في الأسانيد، تارة بغرض الاستيثاق وتارة بغرض البركة.
والأصل أن الطرق لا تتخالف فهي رواية عن الإمام ذاته، من خلال راوٍ بعينه، ولكن حصل أن تخالفت الطرق كما في طريق الأصبهاني وطريق الأزرق عن ورش، فهذا محمول إما على أن الإمام الراوي كان له وجهان ورد كل منهما بطريق، أو على أن صاحب أحد الطريقين وَهَمَ، والوهم في هذا الباب هدر، والمعول على الأصح إسناداً، وليس ثمة قاعدة مطردة تندرج تحتها أفراد هذه النزاعات، بل القول في كل مسألة لأئمة القراءة المعتمدين.
ويجدر القول هنا أن تخالفَ الطرق لم يأت أبداً بأي فرش جديد، ولا حتى بأصل قاعدي جديد(232)، بل تكون غالب الأحوال صفة في الأداء، يقتصر في أدائها طريق، بينما يتوسع في أدائها طريق آخر.
وقد أوردت لك في الجداول الخاصة بالقراء أشهر الطرق عنهم(233)، ولا موجب للتكرار وقد اتضح المقصود.
وإلى جانب هذه الطرق التي قصد أصحابها خدمة رواية بعينها، فإن ثمة طرقاً تنمى إلى بعض الأئمة قصدوا بها جمع أكثر من رواية، مثال ذلك طريق الشاطبي الذي قصد به إلى ضبط سبع قراءات في اثنتي عشرة رواية، وكذلك طريق الدرة المضية الذي قصد به ابن الجزري إلى ضبط ثلاث قراءات في ست روايات، وكذلك طريق طيبة النشر الذي قصد به ابن الجزري إلى ضبط عشر قراءات في عشرين رواية.
ويمكن التمييز بين هذين النوعين بأن نقول عن الأولى إنه طريق إفراد، وعن الثاني إنه طريق جمع.
ونستأنس هنا بما أورده السيوطي في الإتقان من أمر هذه الاصطلاحات بقوله:
تقسيم القراء أحوال الإسناد إلى قراءة ورواية وطريق ووجه، فالخلاف إن كان لأحد الأئمة السبعة أو العشرة أو نحوهم واتفقت عليه الروايات والطرق عنه فهو قراءة. وإن كان للراوي عنه فرواية، أو لمن بعده فنازلاً فطريق، أو لا على هذه الصفة مما هو راجع إلى تخيير القارئ فيه فوجه(234).
وحاصل قول السيوطي أنه أفرد بالذكر اصطلاحاً رابعاً هو (الوجه) وهو قد يكون وجهاً في القراءة أو الرواية أو الطريق، والمراد بالوجه أن القارئ به لا ينكر الوجه الآخر للإمام المروي عنه، ويلزم القول إنهما معاً مأذون بهما، تَمَّ تلقيهما من الشيخ القارئ.
————
(232) مع حفظ استثناء واحد وهو باب مد البدل لورش، فقد نقل عنه أصحاب الطرق جواز الطول فيه، وأنكر هذا الباب عنه ابن غلبون، فجزم أن البدل عند ورش بالقصر لا غير. وعبارة الشاطبي:
وعاداً الأولى وابن غلبون طاهر * بقصر جميع الباب قال وقوَّلا
قال ابن القاصح في سراج القاري: إن ابن غلبون قال بالقصر، وجعله هو المذهب لورش، وما سواه غلطاً، وقرر ذلك في كتاب التذكرة، وإنما اعتمد على رواية للبغداديين، فأما المصريون فإنهم رووا التمكين عن ورش. انظر سراج القاري لابن القاصح ص 57.
(233) انظر ص 122 وما بعدها من هذا الكتاب
(234) الإتقان جـ1 ص 34
الفصل الرابع: قواعــد القـــراء
تمهيد في معنى القواعد ومناطها
يقصد بقواعد القراء المسائل الأمهات التي تندرج في إطارها الحالات المختلفة لأداء النص القرآني كالمد والقصر والإدغام والإظهار والفتح والإمالة، وغير ذلك من الأمهات الجامعة.
وسيتضح المعنى بجلاء أكبر حين ندرس في الفصل القادم التعريف بالفرشيات والتمييز بينها وبين الأصول.
والغاية من بسط هذين الأصلين: قواعد القراء والفرشيات، فتح باب تحصيل القراءات أمام الراغبين، إذ يلاحظ أن غالب الدارسين للعلوم الإسلامية يتعاملون مع علم القراءات كعلم مغلق مبهم، ممنوع على غير أهل الاختصاص، والحقيقة أن تحصيـل الكفاية من هذا العلم ممكن وارد، وليس مما تستغرق به الأعمـار، ولا هو مـمـا تفنى به الأيام، مع التنويه هنا بأن الاختصـاص في هذا البـاب يحتـاج إلى تفـرغ، وهـو وإن كان لا يبلغه كل أحـد إتقانـاً، ولكـن الاطلاع عليه مـمكن لكل راغب.
تمهيد في طرق دراسة قواعد القراء
يمكن دراسة قواعد القراء على طريقتين:
1 – القواعد الجامعة
2 – قواعد كل قارئ
ففي الحالة الأولى ننهج نهجاً موضوعياً فنتناول أحكام القراءات وفق المسائل الكبرى لهذا الفن، فنبدأ مثلاً بعنوان: المد والقصر، ثم نعرض لأحوال المد والقصر ومواضعها مع عزو كل اختيار إلى من قرأ به من الأئمة، ثم ننتقل إلى باب الإدغامات فالراءات فاللامات وهكذا حتى تفرغ المسائل القواعدية.
أما في الحالة الثانية فنفرد لكل إمام قواعده الخاصة به، وما وافق فيه أصحابه وما خالفهم به، وهنا تكون عناوين الدراسة هي أسماء القراء أو الرواة أنفسهم.
وبين الطريقتين تلازم ضروري، حيث يتبع بعضُ الأئمة مذاهب بعضٍ في أبواب بحالها، ولكن تبدو الطريقة الأولى أصلح لمن يرغب بجمع القراءات، فيما تكون الطريقة الثانية أيسر لمن يبتغي القراءة لإمام من الأئمة.
وسنورد هنا الطريقتين معاً، على الرغم من أن في إحداهما غنية عن الأخرى، ولكن مثولهما معاً أمام القارئ أدعى للفهم وأحظى بالقبول.
المبحث الأول: الطريقة الأولى: القواعد الجامعة
يختار عامة من يصنف في القراءات التصنيف على وفق هذه الطريقة، إذ هي أكثر إحاطة، حيث تجتمع في المسألة الواحدة الوجوه والنظائر، وبالمقارنة بينها يزداد الأمر وضوحاً وجلاءً.
ولكن أهم الأسباب في تخيرهم لهذه الطريقة هي أنهم اتفقوا على انتهاجها في الفرش، فأصبح انتهاجهم لها في القواعد كالتكملة لما هو محل اتفاق.
وعلى هذا النهج سارت المنظومتان الشهيرتان: الشاطبية وتكملتها الدرة، والطيبة، وعنهما يتلقى اليوم غالب قراء الأمصار.
وسائر المعلومات التي نوردها في هذا البحث فإنما هي تلخيص عن الشاطبية(235)، فالمعول عليها، وحيثما نقلت عن سواها فإني أشير في الهامش، وإنما أنقل عن سواها إن وجدت ثمة نكتة حرية، أو فائدة جلية، ومع هذا فإن غالب نقلي عن سواها إنما هو عن طيبة النشر(236).
————
(235) الشاطبية: نظم علمي، نظمه القاسم بن فيره الشاطبي على متن التيسير.
والتيسير: كتاب في القراءات السبع لأبي عمرو الداني، انظر ص 92 و 93 من هذا الكتاب.
وجرى عمل العلماء، على اعتمادها كأوثق مرجع في هذا الفن، فيما يخص القراءات السبع.
(236) طيبة النشر: نظم علمي، نظمه الإمام ابن الجزري على كتابه: النشر في القراءات العشر.
وجرى عمل العلماء على اعتمادها كأوثق مرجع في هذا الفن فيما يخص القراءات العشر.
تمهيد في مذاهبهم في البسملة
قرأ قالون وابن كثير وعاصم والكسائي وأبو جعفر بالأوجه الثلاثة المشتهرة:
1 – وصل الجميع: (أي وصل آخر السورة بالبسملة بأول السورة التالية بنفس واحد)
2 – قطع الجميع: (أي قراءة آخر السورة بنَفَس، ثم البسملة بنَفَس، ثم أول السورة التالية بنَفَس)
3 – وصل البسملة بأول السورة.
ـ قرأ ورش وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بالأوجه الثلاثة السابقة وبإسقاط البسملة مع الوصل والسكت.
ـ قرأ حمزة وخلف العاشر بإسقاط البسملة دوماً بحالتين: السكت والوصل.
واتفق القراء على أن الوصل بين الأنفال والتوبة له ثلاثة أوجه:
ـ الوقف
ـ السكت
ـ الوصل
المطلب الأول: أحكام هاء الكناية
وهي هاء الضمير التي يكنى بها عن المفرد الغائب، ويسمى مدها مد الصلة، والقراء متفقون في أحكامها إلا:
ابن كثير: فإنه يمدها ولو بعد ساكن مثل: {إناه ولكن}(237) ـ {منه خطاباً}(238) ـ {إليه مآب}(239).
وقد اختار خلف وشعبة وأبو عمرو والإسكان المحض في تسع كلمات:
{يؤده إليك}: موضعان في سورة آل عمران آية 75
{نؤته منها}: موضعان في آل عمران وموضع ثالث في الشورى
{نصله جهنم}: موضع واحد في النساء (115)
{نوله ما تولى}: موضع واحد في النساء (115)
{فألقه}: موضع واحد في النمل (28)
{ويتقه}: موضع واحد في النور (52)
————
(237) سورة الأحزاب 52
(238) سورة عم 37
(239) سورة الرعد 36
ـ وقد وافقهم حفص في الكلمتين الأخيرتين.
ـ كما وافقهم خلاد فيهما بخلف عنه.
ـ وباقي القراء على تحريك هاء الضمير في هذه المواضع.
المطلب الثاني: أحكام المدود
المد الطبيعي:
الاتفاق على مده حركتين
المد البدل:
الاتفاق على مده حركتين إلا ورشاً فيجوز عنده القصر والتوسط والإشباع والقصر أولى، وله فيه أحكام خاصة فراجعها.
المد العوض:
الاتفاق على مده حركتين
مد الصلة:
الاتفاق على تركه قبل ساكن، وكذلك بين الساكن: والمتحرك إلا ابن كثير، والاتفاق على مده حركتين بين متحركين، والاتفاق على أنه منفصل إن جاءت بعده همزة.
المد المتصل:
ورش وحمزة 6 حركات
عاصم 5 حركات وروي 4 حركات
ابن عساكر والكسائي وخلف 4 حركات
قالون والدوري عن أبو عمرو وابن كثير والسوسي وأبو جعفر ويعقوب 3 حركات.
المد المنفصل:
ورش وحمزة 6 حركات
عاصم 5 حركات
ابن عامر والكسائي وخلف 4 حركات
قالون والدوري 3 حركات وروي عنهما القصر
السوسي وابن كثير وأبو جعفر ويعقوب 2 حركتان
المد اللازم:
ـ الاتفاق على المد المشبع ـ أبو جعفر قرأ بالسكت عند اللازم الحرفي ألفس لامس ميم وترك الإدغام فيه.
ـ وأما لفظ عين، ففيها لجميع القراء التوسط والطول، والطول أفضل
المد العارض للسكون:
ـ الاتفاق على جواز القصر والتوسط والإشباع
المد الليـن:
ـ الاتفاق على جواز القصر والتوسط والإشباع
وجرى عمل العلماء، على اعتمادها كأوثق مرجع في هذا الفن، فيما يخص القراءات السبع.
قاعدة الروم والإشمام:
ـ إذا كان السكون العارض، فتحةمع المد العارض واللين في الأصل فليس فيه إلا ما قدمنا ثلاثة أوجه لكل القراء.
ـ إذا كان السكون العارض مكسور الأصل كان فيه وجه رابع وهو الروم حال القصر فقط.
ـ إذا كان السكون العارض مرفوع الأصل كان فيه سبعة أوجه، الأربعة السابقة، والإشمام مع الإشباع والتوسط والقصر.
المطلب الثالث: أحكام ميم الجمع
روي عن قالون وجهان: المد مطلقاً، الإسكان مطلقاً
ـ ابن كثير وأبو جعفر: يمدانها مطلقاً
ـ ورش: يمدها قبل الهمزة فقط: {عليهم أأنذرتهم} البقرة (5)وكل بحسب مذهبه في عدد الحركات في المنفصل
ولا خلاف بين القراء في وجوب مدها في موضعين:
{أنلزمكموها}: هود (28)
{إن يسألكموها}: محمد (37)
المطلب الرابع: الإدغامات:
حروف قربت مخارجها
الباء قبل الفاء: {إن تعجبْ فعجب}(240)،
أدغمها أبو عمرو والكسائي وخلاد.
اللام قبل الذال: {يفعلْ ذلك}(241)
أدغمها عن الكسائي الليث وحده
الفاء قبل الباء: {نخسف بهم}(242)
أدغمه الكسائي وحده، وليس له إلا هذا الحرف
الذال قبل التاء: {فنبذتها}(243) ـ {عذت}(244)
أدغمها أبو عمرو وحمزة والكسائي
الثاء قبل التاء: {أورثتموها}(245)
أدغمها أبو عمرو وحمزة والكسائي وهشام
الراء قبل اللام: {يغفر لكم}(246)
أدغمها السوسي، واختلف عن الدوري فيها
النون قبل الواو: اتفقوا على الإدغام فيها واختلفوا في حرفين:
{يس والقرآن}(247): أظهرها قالون وابن كثير وأبو عمرو وحمزة وحفص وأدغمها الباقون.
{ن والقلم}(248): على اختلافهم السابق، إلا أن ورشاً قرأ بالوجهين فيها.
الدال قبل الذال: في حرف: {كهيعص ذكر}(249)
الدال قبل الثاء: {ومن يرد ثواب}(250)
الثاء قبل التاء: {لبثتم}(251) ـ {فلبثت}(252)
أظهر في الثلاثة السابقة نافع وابن كثير وعاصم وأدغم الباقون.
النون قبل الميم: من {طســم}(253)
ـ أظهرها حمزة
ـ أدغم الباقون
الذال قبل التاء: {اتخذتم}(254) ـ {أخذتم}(255)
ـ أظهرها ابن كثير وحفص
ـ أدغم الباقون
الباء قبل الميم: {اركب معنا}(256)
ـ أدغمه عاصم وأبو عمرو والكسائي وقنبل
ـ أظهره ورش وابن عامر
ـ قرأ الباقون بالوجهين
الثاء قبل الذال: {يلهث ذلك}(257)
ـ أظهرها ابن كثير وورش وهشام وقالون بخلف عنه
ـ أدغم الباقون
الباء قبل الميم: {يعذبْ من يشاء}(258) (على قراءة الجزم)
ـ أدغمه قالون وأبو عمرو وحمزة والكسائي
ـ أظهرها ورش
ـ قرأ ابن كثير على الوجهين.
المد الليـن:
ـ الاتفاق على جواز القصر والتوسط والإشباع
ذال إذ: أجمعوا على إدغام ذال إذ في الذال والظاء: {إذ ذهب}(259) ـ {إذ ظلموا}(260) وفيما سواها من الحروف منهم فيه على مذاهب خمسة:
ـ أبو عمرو وهشام: أدغموها في حروف الصفير، وحروف لفظة: تجد نحو {إذ سمعتموه}(261) ـ {إذ صرفنا}(262) ـ {إذ زين}(263) ـ {إذ تبرأ}(264) ـ {إذ جاؤوكم}(265) ـ {إذ دخلوا}(266)
ـ الكسائي وخلاد: وافقوهم إلا في الجيم فأظهراها
ـ خلف: أدغمها في التاء والدال فقط
ـ ابن ذكوان: أدغمها في الدال فقط
ـ الباقون: أخذوا بالإظهار في الأحرف الستة
ـ ابن كثير وأبو جعفر: يمدانها مطلقاً
دال قد: أجمعوا على إدغام دال قد في التاء والدال: {قد تبين}(267) ـ {قد دخلوا}(268) وهم فيما سواها من الحروف على مذاهب أربعة:
ـ أبو عمرو وحمزة والكسائي: أدغموها في حروف الصفير ولفظ شض جظ
نحو: {قد سمع}(269) ـ {ولقد زينا}(270) ـ {ولقد صرفنا}(271) ـ {قد شغفها}(272) ـ {قد ضللت}(273) ـ {لقد جاءكم}(274) ـ {لقد ظلمك}(275)
ـ هشام: وافقهم في جميعه إلا في لفظة {لقد ظلمك}(276) في ص فأظهرها
ـ ابن ذكوان: أدغمها في الضاد والظاء والذال فقط
ـ ورش: أدغمها في الضاد والظاء فقط
والباقون على الإظهار في الأحرف الثمانية
أدغمها أبو عمرو والكسائي وخلاد.
لام هل وبل: اتفقوا على إدغام هل وبل في اللام والراء: {بل له}(277) ـ {بل ربكم}(278) {فهل لنا}(279) ـ {هل رأيتم}(280).
ومثلها لام قل: {قل لئن}(281) ـ {قل ربي}(282)
وهم فيما سواها من الحروف على مذاهب ثلاثة:
ـ الكسائي: أدغمها في ثمانية أحرف: التاء والثاء والزاي والسين والضاد والطاء والظاء والنون
ـ أبو عمرو وحمزة وهشام: أدغموا في التاء والثاء والسين، واختلفت الرواة عن خلاد في حرف: {بل طبع}(283)، وكذلك فإن أبا عمرو أدغم بالتاء في حرفين فقط وهما: {هل ترى}(284) بالملك والحاقة فقط وأظهر فيما سواها ـ وهشام أظهر عند النون والضاد وعند التاء وبالرعد خاصة وأدغم في غير ذلك.
ـ الباقون: أظهروا في الأحرف الثمانية.
تاء التأنيث: اتفقوا على إدغام تاء التأنيث في التاء والدال والطاء
{ربحت تجارتهم}(285) ـ {أثقلت دعوا}(286) ـ {وقالت طائفة}(287)
وفيما سواها من الحروف فهم على مذاهب:
ـ أبو عمرو والكسائي وحمزة: أدغموا عند حروف الثاء والجيم والزاي والسين والصاد والظاء.
{كذبت ثمود} (288)ـ {خبت زدناهم}(289) ـ {نضجت جلودهم}(290) ـ {أنبتت سبع}(291) ـ {حصرت صدورهم}(292) ـ {كانت ظالمة}(293).
ـ ورش: أدغم في الظاء خاصة
ـ ابن عامر: أدغم في الظاء والثاء مطلقاً إلا في:
{لهدمت صوامع}(294): أدغم ابن ذكوان وأظهر هشام
{وجبت جنوبها}(295): أدغم ابن ذكوان بخلف عنه، وأظهر هشام وابن عامر على قاعدته فيما سوى ذلك.
وأظهر الباقون الأحرف الستة.
————
(240) سورة الرعد 5
(241) سورة النساء 30
(242) سورة سبأ 9
(243) سورة طه 96
(244) سورة الدخان 20
(245) سورة الأعراف 43
(246) سورة الأنفال 29
(247) سورة يس 1
(248) سورة ن 1
(249) سورة مريم 1
(250) آل عمران 147
(251) سورة المؤمنون
(252) سورة طه
(253) سورة القصص 1
(254) سورة البقرة 51
(255) سورة آل عمران 80
(256) سورة هود 42
(257) الأعراف 166
(258) سورة العنكبوت 21
(259) سورة الأنبياء 87
(260) سورة النساء 101
(261) سورة النور 12
(262) سورة الأحقاف 29
(263) سورة الأنفال 48
(264) سورة البقرة 166
(265) سورة الأحزاب 10
(266) سورة الحجر 52
(267) سورة البقرة 256
(268) سورة المائدة 61
(269) سورة المجادلة 1
(270) سورة الملك 5
(271) سورة الإسراء 41
(272) سورة يوسف 30
(273) سورة الأنعام 56
(274) سورة التوبة 128
(275) سورة ص 24
(276) سورة ص 24
(277) سورة البقرة 116
(278) سورة الأنبياء 56
(279) سورة الأعراف 53
(280) مثل محض نظري
(281) سورة الإسراء 88
(282) سورة الكهف 22
(283) سورة النساء 155
(284) سورة الحاقة 8
(285) سورة البقرة 16
(286) سورة الأعراف 189
(287) سورة آل عمران 72
(288) سورة الشعراء 141
(289) سورة الإسراء 97
(290) سورة النساء 56
(291) سورة البقرة 261
(292) سورة النساء 90
(293) سورة الأنبياء 11
(294) سورة الحج 40
(295) سورة الحج 36
المطلب الخامس: أحكام متنوعة
أحكام النون الساكنة والتنوين
اتفق القراء على أحكام النون الساكنة والتنوين إلا:
ـ خلف عن حمزة: إدغام الواو والياء بلا غنة
ـ أبو جعفر: الإخفاء عند الخاء والغين.
ـ ورش وابن عامر وشعبة والكسائي ويعقوب وخلف القارئ: الإخفاء في {يس والقرآن}(296)
ـ ورش بخلف عنه وابن عامر وشعبة والكسائي ويعقوب وخلف القارئ: الإدغام في {ن والقلم}(297)
(253) سورة القصص 1
أحكام الميم الساكنة
الاتفاق على أحكام الميم الساكنة، وعبارتهم في أحكامها أنها: تدغم في مثلها وتخفى عند الباء وتظهر عند باقي الحروف.
أحكام اللام
اللام مرققة عند جميع القراء، إلا أنها تفخم في لفظ الجلالة إن جاء قبلها مفتوح أو مضموم وانفرد ورش عن القراء بأحكام خاصة فصلناها في أصول ورش فارجع إليها.
(258) سورة العنكبوت 21
أحكام الراء
القراء متفقون في أحكام الراء
وانفرد ورش بأحكام خاصة للراء، فصلناها في أصول ورش فارجع إليها.
————
(296) سورة يس 1
(297) سورة ن 1
المطلب السادس: أحكام الإمالة
القراء يقرؤون بالفتح في سائر الألفات، وقد اختارت طائفة منهم القراءة بالإمالة والتقليل وهم:
حمزة والكسائي وخلف وأبو عمرو وورش وهشام وشعبة.
وقد فصلنا مذاهبهم في أصولهم فارجع إليها
وقرأ حفص بالإمالة في موضع واحد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى:
{بسم الله مجريها ومرساها}(298)
————
(298) سورة هود 41
المطلب السابع: الوقف على مرسوم الخط
الأصل لدى القراء هو الوقف على مرسوم الخط كما رسم
ولكن ثمة استثناءات:
ـ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: وقفوا بالهاء على هاء التأنيث المكتوبة بالتاء
مثل: {إن رحمت الله}(299) ـ {امرأت عمران}(300)
وكذلك فيما قرؤوه بالمفرد من الجموع مثل:
{آيات للسائلين}(301) ـ {في الغرفات آمنون}(302)
وبيان ذلك في الفرشيات
أما الباقون فقد اتبعوا الرسم في ذلك حال الوقف.
ـ الكسائي: وقف بالهاء في:
{اللات}(303) ـ {مرضات الله}(304) ـ {ذات بهجة}(305) ـ {ولات حين}(306)
ـ الكسائي والبزي: وقفاً بالهاء في موضعي المؤمنين: {هيهات}(307)
ـ ابن كثير وابن عامر: وقفوا بالهاء في {يا أبت}(308)
ـ أبو عمرو: وقف على الياء في {كأين}(309)، والباقون على النون
ـ أبو عمرو: وقف على ما في قوله تعالى: {فمال هؤلاء}(310) ونظائرها ووقف الكسائي على كليهما
ووقف الباقون على اللام(311)
ـ أبو عمرو والكسائي: وقفوا بإثبات ألف في قوله تعالى: {أيّه} في النور (31) والزخرف (49) والرحمن الآية (31)
ووقف الباقون بغير ألف
وضم ابن عامر الهاء في الثلاثة.
ـ الكسائي وقف على الياء في قوله تعالى: {ويكأنه} ـ {ويكأن}(312)
أبو عمرو وقف على الكاف في قوله تعالى: {ويكأنه}.
الباقون على رأس الكلمة قولاً واحداً.
ـ حمزة والكسائي وقفاً على أياً في قوله تعالى: {أياً ما}(313)
والباقون على ما.
ـ الكسائي: وقف بالياء في قوله تعالى: {واد النمل}(314)
————
(299) سورة الأعراف 56
(300) سورة آل عمران 35
(301) سورة يوسف 7
(302) سورة سبأ 37
(303) سورة النجم 19
(304) وردت ثلاث مرات إحداها في البقرة 207
(305)سورة النمل 60
(306)سورة ص 3
(307) وردت مرتين في المؤمنون 36
(308) وردت ثمان مرات إحداها في الصافات 102
(309) وردت مرتين في الحج 45 و 48
(310) النساء 78
(311) نقل ابن الجزري في الطيبة جواز الوقف على كل منهما للجميع
(312) القصص 82
(313) الإسراء 110
(314) النمل 18
المطلب الثامن: أحكام الهاء قبل ميم الجمع
للهاء ستة أحول، فهي إما أن تأتي ساكنة أو متحركة، وإما أن تكون في الحروف أو في الأسماء أو في الأفعال.
والجمهور على كسر الهاء إن كان قبلها كسرة أو ياء، وعلى ضم الهاء إن سبقها فتح أو ضم أو سكون غير الياء، والميم بعدها ساكنة تحرك بالضم في كل حال، وخالف في ذلك بعض القراء، ومذهبهم كالآتي:
1 – إن جاءت متحركة في الحروف:
ـ حمزة والكسائي وخلف القارئ ويعقوب: الضم مطلقاً: {عليهُمُ الذلة}(315) ـ {إليهُمُ القول}(316)
ـ أبو عمرو البصري: الكسر مطلقاً: {عليهِمِ الذلة} ـ {إليهِمِ القول}
2 – إن جاءت متحركة في الأسماء:
ـ أبو عمرو البصري ويعقوب: الكسر مطلقاً: {في قلوبهم العجل}(317)
ـ حمزة والكسائي وخلف القارئ: الضم مطلقاً: {في قلوبِهُم العجل}
وذلك عند الوصل مع اتفاق الجميع على الكسر حال الوقف.
3 – إن جاءت متحركة في الأفعال:
ـ أبو عمرو البصري وروح: {ويلهِهِمِ الأمل}(318)
حمزة والكسائي وخلف القارئ ورويس: {ويلهِهُمُ الأمل}
وقرأ يعقوب (راوياه): {يزكيهُم}(319)
4 – إن جاءت ساكنة في الحروف:
حمزة ويعقوب: {عليهم} ـ {إليهم}
5 – إن جاءت ساكنة في الأسماء:
الاتفاق على كسر الهاء إلا:
حمزة ويعقوب: {لديهُم} (خاص بهذا اللفظ)
6 – إن جاءت ساكنة في الأفعال:
رويـس: {ويلههُم}(320) ـ {فآتهُم}(321) ـ {يأتهُم}(322) ـ {يخزهُم}(323) ـ
لا شي في {يوليهِم}(324)
أبو عمرو: {يريهِمِ الله}(325)
حمزة وخلف والكسائي: {يريهُمُ الله}
————
(315) البقرة 61
(316) النحل 86
(317) البقرة 93
(318) الحجر 3
(319) وردت خمس مرات إحداها في الجمعة 2
(320) الحجر 3
(321) الأعراف 38
(322) وردت ثلاث مرات إحداها في الأعراف 169
(323) التوبة 14
(324) البقرة 167
(325) الأنفال 16
المطلب التاسع: أحكام الإشمام
الإشمام إدخال صفة حرف في حرف آخر للدلالة على وجود صلة بين الحرفين، ويأتي في حالتين: متوسطاً في الكلمة ومتطرفاً فيها.
فما كان في وسط الكلمة فهو على نوعين:
أ ـ إشمام الصاد زاياً، ويكون ذلك بإظهار صوت الزاي في الصاد(326)
ب ـ إشمام الياء حركة مركبة من ضمة وكسرة، ويكون ذلك بضم الشفتين حال النطق بالياء والقراء في ذلك على اختياراتهم:
ـ هشام ورويس والكسائي يشمُّون: {جيء}(327) ـ {غيض}(328) ـ {قيل}(329)
ـ حمزة والكسائي وخلف القارئ ورويس يشمُّون:
{أصدق}(330) ـ {فاصدع}(331) ـ {تصدية}(332) ـ {تصديق}(333) ـ
{قصد}(334) ـ {يصدر}(335) ـ {يصدفون}(336)
ـ نافع وأبو جعفر وابن عامر والكسائي ورويس يشمُّون: {سيء}(337) ـ {سيئت}(338)
ـ ابن عامر والكسائي ورويس يشمُّون: {حيل}(339) ـ {سيق}(340)
ـ خلف عن حمزة بإشمام: {الصراط}(341) ـ {صراط}(342)
ـ خلاد بإشمام: {الصراط} في سورة الفاتحة (الأولى فقط)
ـ خلف وخلاد بخلف عنه بإشمام: {بمصيطر}(343) ـ {المصيطرون}(344)
وانفرد حفص بوجه خاص في إشمام النون وحركة الضم في قوله تعالى: {تأمنا}، فيضم الشفتين للدلالة على حركة الضم المقدرة، وقد فصلنا ذلك في باب رواية حفص(345)
————
(326) وهو لفظ العوام للظاء
(327) وردت مرتين في الزمر 69 والفجر 23
(328) هود 44
(329) هود 48
(330) وردت مرتين في النساء 87 و 122
(331) الحجر 94
(332) الأنفال 35
(333) وردت مرتين في يونس
(334) النحل 9
(335) وردت في القصص 23 والزلزلة 6
(336) وردت ثلاث مرات في الأنعام 46 و 157
(337) وردت مرتين: في هود 77 والعنكبوت 33
(338) الملك 27
(339) سبأ 54
(340) وردت مرتين في الزمر 71 و 73
(341) وردت كثيراً في القرآن إحداها في سورة الصافات 118
(342) وردت كثيراً في القرآن إحداها في سورة المائدة 16
(343) الغاشية 28
(344) الطور 37
(345) انظر البحث الخاص برواية حفص ص 205 وما بعد
المطلب العاشر: الرَّوم والإشمام وقفاً
بينَّا في البحث السالف تعريف الإشمام، ونضيف هنا تعريف الروم، فالروم هو النطق ببعض الحرف المحذوف، أو الحركة المحذوفة للدلالة على المحذوف، وأكثر ما يأتي في طرف الكلمة وهاك مذاهبهم فيه:
ـ اختار هشام وحمزة الروم في كل مرفوع ومكسور وقف عليه بالإسكان
{الألبابِ}(346) ـ {الصالحاتِ}(347) ـ {يا نوحُ}(348) ـ {نستعينُ}(349)
ـ اختار هشام وحمزة الإشمام لدى المضموم فقط: {يا صالحُ}(350) ـ {نستعينُ}
وقد نص في الشاطبية على أن الروم والإشمام لأبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي، ولكن المختار أنه مذهب جائز لجميع القراء(351)
والقراء متفقون على أن الوقف على المفتوح يجب أن يكون بالإسكان المحض، فإن كان مداً عارضاً للسكون جاز فيه حينئذ الطول والتوسط والقصر
أما إن كان الوقف على مضموم أو مكسور فيجوز فيه الروم مع القصر فقط، وأما الإشمام على الضم فإنه يجوز مع الطول والتوسط والقصر.(352)
قال ابن الجزري:
وحاذر الوقف بكلِّ الحركَهْ*إلا إذا رُمـــتَ فبعضُ الحركَهْ
إلا بفتحٍ أو بنصبٍ وأَشِمّ*إشارةً بالضمِ في رفعٍ وضَمّ(353)
وإنما يأتي القارئ بالروم والإشمام إن كان يقرأ بمحضر من الناس بغرض تذكيرهم بالمحذوف، أما إن قرأ وحده فلا يستحب له روم ولا إشمام.
وإنما يتأكد الروم على أواخر الكلم في المواضع الموهمات كما في قوله سبحانه:
{قيل أهذا عرشكِ}(354) ـ {إن الله اصطفاكِ}(355) ـ وأشباه ذلك(356)
————
(346) وردت كثيراً إحداها في البقرة 179
(347) وردت كثيراً إحداها في سورة البقرة 25
(348) وردت كثيراً إحداها في النساء 163
(349) الفاتحة 5
(350) الأعراف 77
(351) المقدمة الجزرية رقم الأبيات 104 ـ 105
(352) انظر النطق بالقرآن العظيم جـ1 ص 397 وص 399
(353) تبدو هذه القاعدة خلاف ما هو مشهور عن العرب أنها “لا تقف إلا على ساكن”، وهذا الكلام في الحقيقة مفهوم على عمومه، ولكن أهل الاختصاص ضبطوا عن العرب ثمانية أشكال للوقف كلها حظيت بالإسناد المتواتر، وقرأ بها القراء الأئمة، فهي مرجع ثر للنحاة وأهل اللغة.
.. وقد قام الباحث الجليل الدكتور ضياء الدين الجماس بإيرادها في سبعة أشكال وذلك بالجمع بين الروم والإشمام باسم: الوقف بالإشارة، وها أنا أورد لك الأشكال الثمانية:
1 – الوقف بالسكون المحض، وهو الغالب في صنيع القراء، وهو أصل كل وقف
2 – الوقف بالرَّوم وقد قدمت لك قاعدته.
3 – الوقف بالإشمام وقد قدمت لك قاعدته.
4 – الوقف بالإبدال: كما في إبدال التنوين ألفاً: أفواجاً ـ تواباً
وإبدال التاء هاء: جنة ـ روضة
وإبدال الهمز المتطرف حرف مد من جنس الحركة السابقة له، وهو مذهب بعض القراء كما في: إقرأ: اقرا ـ شاطئ: شاطي
5 – الوقف بالإدغام: كما في: قروء: قروّ ـ بريء: بريّ ـ النسيء: النسيّ
6 – الوقف مع إثبات الحرف الزائد: وهو مذهب ابن كثير ويعقوب في بعض ياءات الزوائد، إذ يثبتونها وصلاً ووقفاً.
7 – الوقف مع نقل الحركة: وذلك في الهمزات المتحركة الساكن ما قبلها كما في: دفء ـ سوء ـ بحذف الهمز وروم الضم في الأولى، والكسر في الثانية.
8 – الوقف مع الإلحاق: كما هو المشهور من مذهب يعقوب في إلحاق هاء السكت بكثير من الأسماء والحروف مثل: عم: عمه، بيدي: بيديَّه، هن: هنّه.
ووردت أيضاً عن حفص كما في سورة الحاقة
هذا إجمال مذاهبهم في الوقف، وأما تفصيل ذلك فيلتمس في مذهب كل منهم.
(354) النمل 42
(355) وردت مرتين في آل عمران 42
(356) انظر الاقتراح الخاص بالروم ص 769 من هذه الرسالة.
المطلب الحادي عشر: أحكام نقل الحركة
ورش ينقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها بشرط أن تكون الهمزة أول كلمة، والساكن آخر كلمة قبلها مثل: {من آمن}(357) ـ {قل أأنتم}(358)، ويستثنى من ذلك حرف المد مثل: {في أُمّ}(359)
ـ وروي عن حمزة الوجهان فيما نقله ورش، وهما: النقل وترك النقل، وذلك بشرط الوقف عندها.
وكذلك روي عن حمزة السكت وتركه في لام التعريف قبل الهمز، وفي لفظي: {شيء} {شيئاً} وبالجملة فالمروي عن حمزة ثلاثة وجوه.
(339) سبأ 54
خلف: السكت على الجميع، وترك السكت على المفصول
خلاد: السكت على الجميع، والسكت على أل وشيء كيف وقع فقط
ـ نافع اختار النقل في كلمة: {الآن} في الموضعين بيونس
ـ نافع وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب قرؤوا: و{عاداً الأولى}(360) بالنقل مع إدغام التنوين باللام، فورش وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب يبدل الهمزة بعدها، أما قالون فقرأها بهمزة ساكنة.
ـ نافع قرأ بإسقاط الهمزة من: {رداً يصدقني}(361)، فيما قرأها الباقون ردءاً يصدقني.
ـ القراء متفقون على إسكان هاء {كتابية إني ظننت}(362) وتحقيق الهمزة بلا نقل، إلا وجهاً لورش نقله عنه في الحرز.
ـ ينقل ابن وردان في قوله تعالى: {قالوا الآن}(363)
————
(357) سورة البقرة 62
(358) سورة البقرة 140
(359) سورة الزخرف 4
(360) النجم 50
(361) القصص 34
(362) الحاقة 20
(363) البقرة 71
المطلب الثاني عشر: أحكام السكت
حمزة قرأ بالسكت على الساكن قبل الهمزة: {الأرض}، وكذلك على الياء من {شيء} و {شيئاً} ولكن بشرط الوصل.
ـ وقرأ خلف عن حمزة بالسكت على الحرف الأخير الساكن قبل الهمزة: {أنس أتلو}(364)
وجاء من طريق الطيبة السكت مطلقاُ: {مسئولاُ}(365)
كما جاء السكت على الممدود منفصلاُ و متصلاُ: {يا أيها} ـ {باؤوا}
وقد ترك عنه السكت على المد أبو الطاهر بن سوار و البغدادي والقلانسي والعراقيين
وبالجملة فللهمز حالتان: موصول نحو: {الأرض}، مفصول نحو {من آمن}
ـ إذا اجتمع نحو: {مريضاً أو}… وختم بـ {أيام أخر}:
1 – يترك السكت في الأول، التحقيق والنقل بالثاني وإذا سكت خلف عن حمزة في الأول ففي الثاني النقل و السكت.
مذهب خلف في المفصول: التحقيق والسكت.
وفي الموصول: السكت مطلقاُ.
ومذهب خلاد في المفصول: التحقيق مطلقاُ
وفي الموصول: التحقيق والسكت
وذلك كله حال الوصل.
أما حال الوقف:
مذهب خلف في المفصول: النقل وسواه، وذلك بحسب ما كان يقرأ فإن كان يحقق لزمه التحقيق، وإن كان يسكت لزمه ذلك.
وفي الموصول: النقل والسكت.
ومذهب خلاد في المفصول: النقل والتحقيق
وفي الموصول: النقل وسواه، وذلك بحسب ما كان يقرأ فإن كان يحقق لزمه التحقيق، وإن كان يسكت لزمه ذلك.
وقرأ أبو جعفر بالسكت لدى الحروف المقطعة أوائل السور نحو: {الم} ـ ألفس لامس ميم.
————
(364) سورة النمل 92.
(365) وقد وردت أربع مرات إحداها في سورة الإسراء 34.
المطلب الثالث عشر: أحكام الهمز المفرد
القراء يقرؤون بتحقيق الهمز المفرد إلا:
ورش والسوسي وأبو جعفر
وللقراء استثناءات مقيدة في تسهيل بعض الحروف أو إبدالها، وقد فصلنا مذاهبهم في أصولهم فارجع إليها.
المطلب الرابع عشر: أحكام الهمزتين في كلمة
إذا اجتمعت الهمزتان في كلمة واحدة، فإن الأولى تكون مفتوحة دوماً
فهي إذن ثلاث حالات:
أولاً: المفتوحتان مثل: {أأنتم}
وتكون الثانية منهما إما همزة قطع أو همزة وصل
ويكون بعد الثانية ساكن صحيح أو حرف مد أو حرف متحرك
فالفرع الأول ما كانت الثانية منه همزة قطع:
أ ـ فإن كان بعد الهمزة الثانية ساكن صحيح فإنهم يقرؤونها كما يلي:
ـ قالون وأبو عمرو وهشام بخلف عنه: بتسهيل الثانية وإدخال ألف بينهما
ـ ابن كثير وورش بخلف عنه: التسهيل من غير إدخال
ـ ورش بخلف عنه: إبدالها ألفاً خالصة مع المد المشبع (اللازم) للساكنين
ـ هشام بخلف عنه: تحقيقها مع إدخال الألف
ـ الباقون: بالتحقيق من غير ألف
وهو ثمانية عشر موضعاً في القرآن الكريم(366)
ب ـ وإن كان بعد الثانية ساكن غير صحيح، ولم يأت هذا في القرآن إلا مرة واحدة: {أآلهتنا} في الزخرف (58) فالقراء يقرؤونها كما يلي:
ـ تسهيل الثانية: نافع وابن كثير وأبو عمر وابن عامر
ـ تحقيق الثانية: الكوفيون
جـ ـ وإن كان بعد الثانية حرف متحرك، ولم يأت هذا في القرآن إلا مرتين:
{أأمنتم} في سورة الملك (16) ـ {ءألد وأنا عجوز} في سورة هود (72)
فالقراء على مذاهبهم فيما وليه ساكن مما قدمناه في فقرة (أ)، غير أن قنبل اختار في كلمة: {أأمنتم}، إبدال الهمزة الأولى واواً وسهل الثانية وذلك حال الوصل فقط.
وهناك خمس كلمات اختلف فيها، نظراً لأن بعض القراء قرؤوها بهمزة واحدة، وهي:
ـ {أأعجمي} ـ في سورة فصلت (44)
ـ {أأذهبتم} ـ في سورة الأحقاف (20)
ـ {أأن كان} ـ في سورة نون (14)
ـ {أأن يؤتى أحد} ـ في سورة آل عمران (73)
ـ {ءأمنتم} ـ في ثلاثة مواضع: الأعراف ـ طه ـ الشعراء (49) وبعد تحقيق الفرش فيها فالقراء على أصولهم.
والفرع الثاني ما كانت الثانية منها همزة وصل:
وقد اتفقوا في ثلاث كلمات فقرؤوها بوجهين وهي:
{آلله} في يونس والنمل (59)
{آلذكرين} في الأنعام موضعين (143 – 144)
{آلآن} في يونس موضعين (51)
فانظر إلى اختيارهم في كلٍ في بابه من الفرش
ثانياً: الأولى مفتوحة والثانية مكسورة
وهو على قسمين: قسم أول همزتيه للاستفهام، وقسم لغير الاستفهام
أ ـ فالقسم الأول فرعان: متفق عليه ومختلف فيه فاتفقوا على أن الهمزة استفهام في أربعة عشر موضعاً وهي:
{أئنكم}: سورة الأنعام والنمل وفصلت (9)
{أئن لنا}: بالشعراء آية رقم (41)
{أإله}: سورة النمل، خمس مرات
{أئن ذكرت}م: سورة يس آية رقم (19)
{أئنا لتاركوا}: سورة الصافات آية رقم (36)
{أئنك لمن}: الصافات آية رقم (52)
{أئفكأ آلهة}: الصافات آية رقم (86)
{أإذا متنا}: سورة ق~ آية رقم (3)
والقراء في ذلك كله على أصولهم التي قدمناها قبل قليل في باب الهزتين المفتوحتين إلا:
ورش: فإنه لم ينقل عنه خلاف في التسهيل من غير إدخال
هشام: فإنه قرأ بالتحقيق مع الفصل(367) وعدمه في الجميع إلا في أربعة مواضع:
{أئنكم لتكفرون}: فصلت (9): قرأه بالفصل فقط مع التحقيق والتسهيل
{أئن لنا}: الشعراء (41): قرأه بالتحقيق مع الفصل قولاً واحداً
{أئنك لمن}: بالصافات (52) قرأه بالتحقيق مع الفصل قولاً واحداً
{أئفكاً}: بالصافات (86) قرأه بالتحقيق مع الفصل قولاً واحداً
هذا ما كان متفقاً عليه أنه بهمزتين أولاها للاستفهام.
وأمَّا ما كان مختلفاً فيه هل هو بهمزتين أم بواحدة، وقد جاء في ستة عشر موضعاً، فصلها العلماء في أبواب الفرش.
ب ـ القسم الثاني: ما كان أول همزتيه لغير الاستفهام وهو كلمة واحدة جاءت في خمسة مواضع، وهي لفظ: أئمة في التوبة والأنبياء والقصص مرتين، والسجدة.
فالقراءة فيها على ثلاثة مذاهب:
نافع وابن كثير وأبو عمرو: التسهيل والقصر
هشام: التحقيق مع القصر والمد، وجهان
الباقون: التحقيق مع القصر
ثالثاً: الهمزة الأولى مفتوحة والثانية مضمومة:
أ ـ فاتفقوا على أنه استفهام في ثلاث كلمات:
{أؤنبئكم}: في آل عمران رقم (15)
{أأنزل عليه}: في ص (8)
{أألقي عليه}: في القمر (25)
والقراءة فيها على وجوه:
قالون وأبو عمرو في وجه عنه: تسهيل الثانية مع الإدخال
ابن كثير وورش وأبو عمرو
في وجه آخر: التسهيل من غير إدخال
هشام ثلاثة وجوه: التحقيق مع القصر
التحقيق مع المد
التحقيق مع القصر في آل عمران والتسهيل مع المد في ص والقمر
ب ـ واختلفــوا في كلمــة واحـدة وهـي: {أشهــدوا خلقهــم} في الــزخـرف (22)
————
(366) انظر هذه المواضع في غيث النفع للصفاقسي باب الهمزتين من كلمة.
(367) الفصل هو إدخال ألف بين الهمزتين.
المطلب الخامس عشر: أحكام الهمزتين في كلمتين
وهو نوعان: متفقان ومختلفان
أولاً: فحيث اتفقت الهمزتان مفتوحتين أو مضمومتين أو مكسورتين، كما في قوله تعالى: {جاء أحدكم} ـ {أولياء أولئك} ـ {بالسوء إلا}، فإن القراء في ذلك على أربعة مذاهب:
ـ أبو عمرو: قرأ بحذف الأولى منهما مع المد والقصر
ـ قالون والبزي: بحذف الأولى أو الثانية منهما على ما ذكر في المفتوحتين خاصة، وبتسهيلها في المكسورتين والمضمومتين.
ـ ورش وقنبل: وجهان: أ ـ تحقيق الأولى وتسهيل الثانية بين بين
ب ـ إبدال الثانية حرف مد خالصاً.
ـ الباقون بالتحقيق
ثانياً: واختلفت فيه حركة الهمزتين، والقسمة العقلية فيها أنها على تسعة وجوه 33، ولكن لم يقع في القرآن الكريم منها إلا خمسة وهي:
1 – مفتوحة فمكسورة: {تفيء إلى} بالحجرات آية (9)
2 – مفتوحة فمضمومة: {جاء أمة} بالمؤمنون (44)
3 – مضمومة فمفتوحة: {السفهاء ألا} بالبقرة (13)
4 – مضمومة فمكسورة: {يشاء إلى} بالحج (5)
5 – مكسورة فمفتوحة: {من خطبة النساءِ أو} بالبقرة (235)
والقراء فيها على مذهبين:
ـ أبو عمرو ونافع وابن كثير: تحقيق الأولى مطلقاً، وتسهيل الثانية كالياء في النوع الأول، وكالواو في النوع الثاني، وإبدالها واواً في النوع الثالث، وياء مفتوحة في الخامس، ونقل عنهم في النوع الرابع إبدالها واواً خالصة مكسوراً أو تسهيلها كالواو.
ـ الباقون: بالتحقيق مطلقاً في الهمزتين.
المطلب السادس عشر: باب وقف حمزة وهشام على الهمز
اعلم أن سائر القراء متفقون على أن الهمزة المتطرفة في آخر الكلمة تقرأ بالتحقيق، لم يخالف في ذلك إلا حمزة وهشام.
أبين فيما يلي مذهب حمزة، ثم أشير إلى ما تابعه به هشام.
وتجدر الإشارة إلى أن كل ما نبينه في هذا الباب لحمزة وهشام إنما هو حال الوقف فقط سواء كانت الهمزة مبتدئة أو متوسطة أو متطرفة. وليس لهما حال الوصل إلا التحقيق.
فالهمز إما ساكن وإما متحرك:
ـ فالساكن يبدل مداً من جنس حركة ما قبله.(368)
ـ المتحرك أربعة أقسام:
الأول: متطرف متحرك قبله ساكن
الثاني: متطرف متحرك قبله متحرك
الثالث: متوسط متحرك قبله ساكن
الرابع: متوسط متحرك قبله متحرك
فالأول أنواع:
أ ـ ما قبله ألف: تبدل الهمزة ألفاً، ويجوز مدها وقصرها والتوسط فيها(369) نحو: السماء، جاء.
ب ـ مـا قبلـه يـاء أو واو زائـدتـان نـحـو: {النسـيء} التوبة 37 ـ {بـريء} الأنعام 19 ـ {قـروء} البقرة 228 يقرؤها ياءً وواواً مشددتين على تقدير الإبدال فالإدغام.(370)
جـ ـ ما قبله ساكن غير ما ذكر: {الخبء} النمل 25 ـ {دفء} النحل 5 ـ {لتنوء} القصص 76 ـ {شيء} ـ {المسيء} غافر 58. يقرؤها بحذف الهمزة(371)
والثاني: متطرف قبله ساكن وقد وقفنا عليه بالسكون فحكمه حكم الساكن أصلاً كما بيناه.
والثالث: إما أن يكون متوسطاً بنفسه أو بغيره.
فالمتوسط بنفسه ثلاثة أنواع:
أ ـ ما كان قبله ألف: {جاؤوا} يوسف 16 ـ {خائفين} البقرة 114
تخفف الهمزة بين بين، ويجوز في الألف المد والقصر
ب ـ ما كان قبله ياء زائدة: {خطيئة} النساء 112 – {هنيئاً} النساء 4
إبدال الهمزة ياءً،، ثم الإدغام: {خطيَّتهُ} ـ {هنيَّاً}
جـ ـ ماكان قبله غير ذلك: {مسؤولاً} الإسراء 34 ـ {كهيئة} المائدة 110 ـ {السوآى} الروم 10
تخفف الهمزة بالنقل، ويجوز الإدغام في الواو والياء
والمتوسط بغيره:
أ ـ ما كان قبله ألف، ولا تكون إلا ياء النداء وهاء التنبيه
ها أنتم ـ يا آدم
تخفف الهمزة بالتسهيل بين بين
ب ـ ما كان قبله الـ التعريف: {الأرض} ـ {الأمر}
تخفف الهمزة بالنقل
جـ ـ ما كان قبله حرف صحيح أو حرف مد: {من آمن} سبأ 37 ـ {يؤده إليك} آل عمران 75 ـ {خلوا إلى} البقرة 14 ـ {ابني آدم} المائدة 26.
والأكثر ون على تسهيل ذلك كله بالنقل فيما عدا ميم الجمع(372) وقرىء بالتحقيق وهو طريق الشاطبية.
والرابع: وهو المتحرك المتوسط المتحرك ما قبله
وهو نوعان أيضاً: متوسط بنفسه ومتوسط بزائد فالمتوسط بنفسه له تسع حالات:
ضم فتح {مؤجلاً} كسر فتح {ننشئكم} فتحتان {رأيت}
ضم كسر {سئل} فتح كسر {تطمئن} كسرتان {بارئكم}
فتح ضم {رؤوف} كسر ضم {أنبئوني} ضمتان {برؤوسكم}
فتبدل في الأولى واواً، وفي الثانية ياءً، وفيما سوى ذلك تسهل بين بين.(373)
والمتوسط بزائد له ست حالات: (ما جاءت بعد أحرف المعاني السبعة) وهي الهمزة واللام والباء والكاف والواو والفاء والسين
فتح كسر {أئنك} فتح ضم {أألقي} فتحتان {ءألد}
كسر فتح {لأبويه} كسر ضم {لأولاهم} كسرتان {لبإمام}
فتبدل في الأولى ياءً مفتوحة: {لأبويه} ـ {بآخذيه} وتسهل في الباقيات بين بين.
هذا هو المذهب المشهور عن حمزة، وقد روي عنه أيضاً اتباع الرسم في ذلك كله فيبدلها ألفاً إن رسمت على ألف، ويبدلها واواً إن رسمت على واو، ويبدلها ياءً إن رسمت على ياء، ويسقطها إن رسمت بغير كرسي.
وقد وافق هشام حمزة في مذهبه في الوقف على الهمز مبتدئاً ومتطرفاً ومتوسطاً، ولم يخالف إلا في كلمتين اثنين {فله جزاء الحسنى}: إذ قرأها هشام بالرفع وحمزة بالنصب {ومكر السيء} إذا قرأها حمزة بالإسكان والباقون بالكسر.
ومحل تفصيل ذلك في بابه من الفرش، وتراعى قواعد كلٍ في حركات المدود.
ويجوز لهما الروم والإشمام في ما كان أصله ضم أو كسر.
————
(368) انظر تقريب النفع ص 40
(369) المصدر السابق نفسه.
(370) وله في مثل: قروء ـ بريء، إبدال الهمزة مداً من جنس ما قبلها.
(371) أصل المذهب أنه ينقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها، ثم تحذف الهمزة للتخفيف، ولكن الوقف على كل حال بالسكون، فلا ثمرة من هذا التعليل، إذا المطلوب الوقف على السكون المحض.
(372) قال في تقريب النفع: ص 42
ذهب جماعة إلى التحقيق على ما تقدم فلم يفرقوا بين الوصل والوقف وهو الذي ينبغي الاقتصار عليه لأن النقل في ذلك ليس من طريق الشاطبية كما حققه في النشر، لكن جرى العمل على الأخذ بالوجهين اعتماد اً على ما فعله الشاطبي وكثير من أتباعه، ولشهرة النقل وصحته في نفسه.
(373) قال الشاطبي:
ومستهزؤون الحذف فيه ونحوه * وضم وكسر قبل قيل وأخلا
أراد أن الصحيح عن حمزة أنه كان يقف على نحو: مستهزؤون وليطفؤا مما همزته مضمومة بعد كسر بغير همز مع ضم ما قبلها وهو صحيح في الأداء والقياس وأما حذف الهمزة وإبقاء ما قبلها مكسور على حاله فغير صحيح قياساً ورواية وهو الوجه المجمل المشار إليه بقول الشاطبي رحمه الله تعالى. انظر تقريب النفع ص 43
ـ المتحرك أربعة أقسام:
المطلب السابع عشر: ياءات الإضافة
والمراد بها الياء اللاحقة بالكلمة وليست منها، وتتصل بالأسماء والأفعال والحروف. وهو خمسة أنواع:
النوع الأول: ما كان بعده همزة قطع مفتوحة، وهو تسع وتسعون ياءً.
نحو: {إني أخلق} آل عمران 49، {إني أعلم} البقرة 30… والجمهور على إسكان الياء فيها ونافع وابن كثير وأبو عمرو على الفتح فيها.
واستثنوا من ذلك مواضع نذكر من فتحها، فتعلم أن الباقين على الإسكان
وهي: عن ابن كثير: فتح: {فاذكروني أذكركم}: البقرة (152)
{ذروني أقتل}: غافر (26)
{ادعوني أستجب}: غافر (60)
عن نافع: فتح: {سبيلي أدعو}: يوسف (108)
{ليبلوني أأشكر}: النمل (40)
عن نافع وأبو عمرو: فتح: {لي آية}: آل عمران (41)
{لي آية}: مريم (10)
{ضيفي أليس}: هود (78)
{إني أراني}: يوسف (36)
{إني أراني} يوسف (36)
{لي أبي}: يوسف (80)
{دوني أولياء}: الكهف (102)
{يسر لي}: طه (26)
عن نافع والبزي وأبو عمرو: فتح: {إني أراكم}: هود (29)
{ولكني أراكم}: هود (84)
{ولكني أراكم}: الأحقاف (23)
{تحتي أفلا}: الزخرف (51)
نافع والبزي: فتح: {فطرني أفلا}: هود (51)
نافع وابن كثير: فتح: {ليحزنني أن}: يوسف (13)
{حشرتني أعمى}: طه (125)
{تأمروني أعبد}: الزمر (64)
{أتعدانني أن}: الأحقاف (17)
نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن ذكوان: فتح: {أرهطي أعز}: هود (92)
نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام: فتح: {مالي أدعوكم}: غافر: (41)
نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر: فتح: {لعلي أرجع}: يوسف (46)
{لعلي آتيكم}: طه (10)
{لعلي آتيكم}: القصص (29)
{لعلي أعمل}: المؤمنون (10)
{لعلي أطلع}: القصص (29)
{لعلي أبلغ}: غافر (36)
نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص: فتح: {معي أبداً}: التوبة (83)
{معي أو رحمنا}: الملك (28)
ورش والبزي: فتح: {أوزعني أن}: النمل (19)
{أوزعني أن}: الأحقاف (15)
قنبل: فتح: {عندي أولم}: القصص (78)
ـ أجمعوا على الإسكان في أربع ياءات: {أرني أنظر}: البقرة (260)
{تفتني ألا}: التوبة (49)
{ترحمني أكن}: هود (47)
{فاتبعني أهدك}: مريم (43)
وما سوى هذه الاستثناءات فكل على قاعدته في الفتح والإسكان.
النوع الثاني: ما كان بعده همزة قطع مكسورة:
نحو: {مني إنك} ـ {مني إلا} وهو 52 موضعاً
قرأ الجمهور بالإسكان
وقرأ نافع وأبو عمرو بالفتح
واستثنوا من ذلك مواضع:
عن نافع فتح: {أنصاري إلى}: آل عمران (52)
{أنصاري إلى}: الصف (14)
{بعبادي إنكم}: الشعراء (52)
{ستجدني إن}: الكهف (69)
{ستجدني إن}: القصص (27)
{ستجدني إن}: الصافات (102)
{بناتي إن}: الحجر (78)
{لعنتي إلى}: ص (78)
عن ورش فتح: {إخوتي إن}: يوسف (100)
عن نافع وأبو عمرو وحفص فتح: {يدي إليك}: المائدة (28)
عن نافع وابن عامر فتح: {ورسلي إن}: المجادلة (21)
عن نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفص فتح: {أمي إلهين}: المائدة (116)
{أجري إلا}: في مواضعها التسعة
عن نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر فتح: {آبائي إبراهيم}: يوسف(38)
{دعائي إلا}: نوح (6)
عن نافع وابن عامر وأبي عمرو فتح: {توفيقي إلا}: هود (88)
{وحزني إلى}: يوسف (86)
وقرأ الجميع بالإسكان في تسع ياءات:
{أنظرني إلى}: في الأعراف والحجر و ص (79)
{يدعونني إليه}: يوسف (33)
{تدعونني إليه}: غافر (43)
{تدعونني إلى}: غافر (41)
{ذريتي إني}: الأحقاف (15)
{يصدقني إني}: القصص (34)
{أخرتني إلى}: المنافقون (10)
وفيما سوى ذلك فكلٌّ على قاعدته
ملاحظة: حيث ذكرنا الفتح للبعض تعين الإسكان للباقين جميعاً.
النوع الثالث: ما بعده همز قطع مضموم
ـ الجمهور على الإسكان
ـ نافع على الفتح
واستثنوا آيتين قرأهما نافع بالإسكان أيضاً وهما:
{بعهدي أوف}: البقرة (40)
{آتوني أفرغ}: الكهف (96)
النوع الرابع: ماكان بعده همزة الوصل المصاحبة للام التعريف وهو في 14 موضعاً:
{لعلي أبلغ}: غافر (36)
قرأ حمزة بإسكان تسعة منها وهي:
{ربي الذي}: البقرة (258)
{عبادي الصالحون}: الأنبياء (105)
{حرم ربي الفواحش}: الأعراف (33)
{عبادي الشكور}: سبأ (13)
{آتاني الكتاب}: مريم (30)
{مسني الشيطان}: ص (41)
{مسني الضر}: الأنبياء (83)
{إن أرادني الله}: الزمر (38)
{إن أهلكني الله}: الملك (20)
قرأ حمزة وحفص بإسكان واحدة: {عهدي الظالمين}: البقرة (124)
قرأ ابن عـامر وحـمــزة والكسـائي بإسكــان: {قل لعبادي الذين}: إبراهيم (31)
قرأ وأبو عمرو وحمزة والكسائي بإسكان: {يا عبادي الذين}: العنكبوت(56)
{يا عبادي الذين}: الزمر (53)
قرأ ابن عامر وحمزة بإسكان: {آياتي الذين}: الأعراف (146)
وقرأ الباقون بالفتح فيها.
النوع الخامس: ما كان بعده همزة وصل غير مصاحبة للام التعريف:
وهو سبع ياءات:
1 – {إني اصطفيتك}: الأعراف (144)
2 – {أخي اشدد}: طه (31)
قرأهما بالفتح ابن كثير وأبو عمرو
3 – {لنفسي اذهب}: طه (41)
4 – {وذكري اذهبا}: طه (42)
قرأهما بالفتح نافع وابن كثير وأبو عمرو
5 – {يا ليتني اتخذت}: الفرقان (27)
فتحها أبو عمرو
6 – {قومي اتخذوا}: الفرقان (30)
فتحها: نافع وأبو عمرو والبزي
7 – {من بعدي اسمه}: الصف (6)
فتحها: نافع وأبو عمرو وابن كثير وشعبة
وقرأ الباقون بالإسكان
النوع السادس: ماكان بعده غير الهمز وهو 30 موضعاً:
1 – {محياي}: الأنعام: قالون وورش بخلف عنه قرآها بالإسكان والباقون بالفتح
2 و 3 – {وجهي}: الأنعام وآل عمران: نافع وابن عامر وحفص بالفتح.
4 و 5 و 6 – {بيتي}: البقرة والحج ونوح: هشام وحفص ونافع بالفتح غير أن نافع أسكنها في نوح.
7 – {ورائي}: مريم: فتحها ابن كثير وحده.
8 – {شركائي}: فصلت: فتحها ابن كثير وحده.
9 – {لي دين}: الكافرون: فتحها البزي بخلف عنه.
10 – {مماتي}: الأنعام: فتحها نافع.
11 – {صراطي}: الأنعام: فتحها ابن عامر.
12 – {أرضي}: العنكبوت: فتحها ابن عامر.
13 – {ما لي لا}: النمل: فتحها هشام وعاصم والكسائي وابن كثير.
14 – 23 – {معي}: الأعراف والتوبة والكهف ثلاث مرات، والأنبياء، والشعراء موضعان، والقصص فتحها حفص وحده، ووافقه ورش في الثاني بالشعراء.
24 – 24 – {ماكان لي}: إبراهيم و ص: فتحها حفص وحده.
26 – {ولي نعجة}: ص: فتحها حفص وحده.
27 – {بي}: البقرة: فتحها ورش وحده.
28 – {لي فاعتزلون}: الدخان: فتحها ورش وحده.
29 – {ولي فيها}: طه: فتحها ورش وحفص.
30 – {وما لي لا}: يس: فتحها حمزة وحده.
وقرأ الباقون في جميع ذلك بالإسكان.
وثمة خلاف في لفظ: يا عباد بالزخرف مبناه على اختلافهم في إثبات الياء أصلاً.
المبحث الثاني: الطريقة الثانية: أصول كل قارئ
بعد أن أتينا على استعراض مذاهب القراء مجتمعين نشرع الآن في استعراض أصول القراءات على أساس إدراج أحكام كل قارئ، مستقلاً بنفسه، في مبحث خاص.
ولم يشتهر هذا الوجه من دراسة القراءات، نظراً لتداخل وجوه القراء، واشتباه اختيار بعضهم ببعض، والحاجة الملحَّة إلى اقتران الوجوه والنظائر في سياق واحد.
ولعل ابن مجاهد نهج هذا النهج أولاً في تصنيفه في القراءات، وذلك في الكتب التي أشار إليها حاجي خليفة في كشف الظنون ولم تصلنا وهي: قراءة أبي عمرو، وقراءة الكسائي، وقراءة عاصم، وقراءة نافع المدني، وقراءة ابن كثير، وقراءة حمزة، وقراءة ابن عامر، ثم عاد فجمع ذلك كله في كتاب واحد أسماه القراءات الكبير(374)، أو القراءات السبع، كما سبقت الإشارة إليه.(375)
وقد أفردت كل قارئ بمطلب خاص، وجعلت كل مطلب قسمين، أتحدث عن أصول كل راو من رواته في قسم، حيث تدعو الحاجة، وذلك إذا كان الراوي كثير الانفراد عن إمامه.
والعمدة في ترتيب الأئمة القراء على ما تخيره ابن مجاهد رحمه الله، وجرى عليه من بعد الشاطبي وابن الجزري، وهو ما اتبعناه في هذا الباب.
————
(374) انظر كشف الظنون 1431 – 1448، وانظر طبقات الشافعية جـ2/ 102 – 104، والأعلام للزركلي جـ1 ص 260.
(375) انظر ص 85 من هذا المبحث
المطلب الأول: قراءة نافع
الوجه الأول: رواية قالون
اعتاد القراء أن يبدؤوا في الرواية والتلقي بقراءة نافع المدني، وعلى هذا جرى ابن مجاهد والشاطبي وابن الجزري وغيرهم من الأئمة، ولسنا نعلم لذلك وجهاً بعينه، ولعلهم أرادوا بذلك محض التبرك بمدينة الرسول الأعظم(التي ينتمي إليها الإمام نافع بن عبد الرحمن المدني رحمه الله.
وقراءة نافع سائدة في جنوب مصر وشمال السودان وغربه وشمال أفريقيا، فيقرؤها الناس في ليبيا وتونس من رواية قالون، ويقرؤونها في الجزائر والمغرب وموريتانيا ودول غرب أفريقيا كلها من رواية ورش.
ويتفاوت اختيار قالون عن اختيار ورش تفاوتاً بيناً، نظراً لمذهب ورش في البدل والإمالة والتفخيم وغيرها، ولذلك فقد رأينا أن نفرد كل راوٍ منهما ببحث مستقل.
وفيما يلي أصول قراءة نافع برواية قالون:
1 – يمد المتصل ثلاث حركات ونقل عنه أربع حركات
2 – يمد المنفصل حركتين أو ثلاثة جوازاً ونقل عنه أربع حركات، والخلاصة أنه يمد بالقصر والتوسط، وأما ضبط التوسط فقد قيل إنه ثلاث وقيل إنه أربع.
3 – يمد ميم الجمع على وجهين: المد مطلقاً، والإسكان مطلقاً، وله في ضمها قبل الهمز وجهان على قاعدته في المنفصل.
4 – قرأ بإسكان الهاء في: وهْو ـ لهْو ـ فهْو ـ فهْي ـ لهْي ـ ثم هْو
5 ـ قرأ بإشمام: سيء.
6 – نطق بالهمزة في مادة: نبي ـ الأنبياء ـ النبيون ـ النبوة
7 – أمال قالون باتفاق لفظة واحدة، وهي (هار) في سورة التوبة.
8 – أمال قالون على سبيل التقليل باختلاف عنه:
ـ الغار
ـ التوراة
ـ ها: من كهيعص
ـ را: من الر ـ المر
ـ يا: من يس
ـ طا: من (طسم وطس وطه) بخلف عنه(376)
9 – له إدغام الذال في التاء في: اتخذتم، لاتخذت، أخذت، ونحو ذلك
10 – له فتح ياء الإضافة إذا كان بعدها همزة مفتوحة نحو: إني أعلم، أو مكسورة نحو: {فتقبل مني إنك}(377) أو مضمومة نحو: {إني أريد}(378) أو كان بعدها أداة التعريف نحو: {لا ينال عهدي الظالمين}(379).
11 – له إثبات بعض الياءات الزوائد، وتجد تفصيلها في الفرشيات، وأعد منها {يوم يأت لا تكلم}(380) هود 105، {ذلك ما كنا نبغ}(381) الكهف 64.
12 – منهجه في الهمزات:
قرأ قالون بإسقاط الهمزة الأولى من الهمزتين المجتمعتين في كلمتين بأن تكون الهمزة الأولى آخر الكلمة الأولى والهمزة الثانية أول الكلمة الثانية، وهذا إذا كانت الهمزتان متفقتي الحركة مفتوحتين نحو {ثم إذا شاء أنشره}(382)
فإذا كانتا متفقتي الحركة مكسورتين نحو {هؤلاءِ إن كنتم}(383) أم مضمومتين وذلك في قوله تعالى: {وليس له من دونه أولياء أولئك}(384) فإنه يسهل الهمزة الأولى ليس له في الهمزة الثانية في الأحوال الثلاث إلاَّ التحقيق.
أما إذا كانت الهمزتان مختلفتي الحركة فإنه يسهل في الثانية منهما بين بين إذا كانت مكسورة والأولى مفتوحة نحو {وجاء إخوة يوسف}(385) أو كانت مضمومة والأولى مفتوحة وذلك في {كلما جاء أمة رسولها}(386) ويبدلها
ياء خالصة إذا كانت مفتوحة والأولى مضمومة نحو {لو نشاء أصبناهم}(387) ويسهلها بين بين أو يبدلها واواً إذا كانت مكسورة والأولى مضمومة نحو {يهدي من يشاء إلى}(388) وليس له في الأولى من المختلفتين في الأنواع المذكورة إلاَّ التحقيق(389)
————
(376) الألفاظ الخمسة الأخيرة من طريق طيبة النشر فقط.
(377) سورة آل عمران 35
(378) سورة القصص 27
(379) سورة البقرة 124
(380) سورة هود 105
(381) سورة الكهف 64
(382) سورة عبس 22
(383) سورة البقرة 31
(384) سورة الأحقاف 32
(385) سورة يوسف 58
(386) سورة المؤمنون 44
(387) سورة الأعراف 100
(388) سورة البقرة 213
(389) البحث والاستقراء ص 77 – 78
الوجه الثاني: رواية ورش
ورش هو عثمان بن سعيد المصري، توفي سنة 250 هـ. وهو من أكثر الرواة انفراداً في اختياره وهو حريٌّ أن يكون صاحب قراءة مستقلة، إذ له أصول تغاير صاحبه قالون، وإنما يشتبهان في النقل عن نافع من جهة الفرش، أما الأصول فإنهما متغايران في مظان كثيرة، وقد أشرنا إلى ذلك قبل قليل.
أصول رواية ورش(390):
المد البدل:
يمد ورش البدل على ثلاثة وجوه: القصر والتوسط والطول، سواء كانت الهمزة ثابتة أو مغيرة بالنقل أو التسهيل أو الإبدال باستثناء لفظ: {إسرائيل} أينما وقعت، وكذلك إن جاء الهمز بعد حرف ساكن صحيح ـ غير معتل ـ مثال ذلك: {قرآن} ـ {مسؤولاً}، ومثال ما يمد: {الموؤودة} ـ {سوآت}.
وكذلك استثنوا ما وقع بعد همزة الوصل فقصروه مثل: {إيت}. وهذا ما اشتهر من رواية ورش في التيسير.
وأضاف بعض الناقلين ثلاثة مواضع أخرى لا يمدها ورش وهي:
1 – لفظ: {يؤاخذكم} كيفما وقع: {يؤاخذ} ـ {تؤاخذنا} ـ {يؤاخذكم}
2 – لفظ، {آلآن}، في الهمزة الثانية خاصة.
3 – لفظ: {عاداً الأولى}(391)، وقد ورد مرة واحدة في القرآن: والأقوى عند ورش في البدل كله القصر، فينبغي تقديمه على سواه.
ونشير إلى أن الإمام أبا الحسن وطاهر بن عبد المنعم بن غلبون أنكر هذا الباب كله عن ورش، وجزم بأنه ليس في قراءة ورش من البدل إلا ما عليه القراء، أما الزيادة فيه فهي غلط في نقلها عن ورش.
ـ له في المتصل والمنفصل الإشباع بمقدار ست حركات، وورش أطول القراء مداً.
مد اللين:
يمد ورش حرفي اللين إن جاء بعدهما همزة، سواء عرض عليه السكون أو بقي متحركاً.
مثال ما عرض عليه السكون: {من شيء}.
مثال ما بقي متحركاً: {شيئاً} ـ {سوأة}
وله فيهما الإشباع والتوسط
ـ وأجمع الرواة عن ورش على ترك كلمتين اثنتين وهما: {موئلاً} ـ بالكهف {والموؤودة} بالتكوير، فلم يمدها أحد.
ـ واختلفوا عنه في كلمة: {سوآت} {وسوآتهما} {وسوآتكم}
وليس في القراء من يقرأ بالتوسط والمد في البدل واللين إلا ورشاً. وتجدر الإشارة إلى الملاحظة الآتية فيما اختلف فيه من التقليل:
ـ عند قصر البدل بجب الفتح دون التقليل وجهاً واحداً.
ـ عند توسط البدل يجب التقليل دون الفتح قولاً واحداً.
ـ عند إشباع البدل يجوز الوجهان.
أحكام اللام عند ورش
انفرد ورش(392) عن القراء بأحكام اللام وهي:
ـ تفخيم اللام، ويسمى تغليظ اللام، مفتوحة: مخففة أو مشددة متوسطة أم متطرفة بعد أحد الحروف الثلاثة: الصاد والطاء والظاء مخففة أو مشددة، ساكنة أو مفتوحة. مثل {الصَّلاة} ـ {فصَلَّى} ـ {المصَلى} {إصْلاح}
ـ يقدم التفخيم في {طال} ـ {أفطال} ـ {يصَّالحا} ـ {فصالاً}
ـ يقدم التفخيم حال الوقف في: {يوصل} ـ {فصل} ـ {بطل} ـ {ظل}
ويجب التنبيه إلى أن ورشاً يفخم مع الفتح فقط وهو المقدم في الأداء، ويرقق مع التقليل كما في: {يصلاها} ـ {صلّى}
وكذلك فإنه يقرأ بالترقيق مع البدل في القصر والتوسط والإشباع، ولكنه يقرأ بالتفخيم في حالي التوسط والإشباع فقط.
3 – يضم ميم الجمع موصولة بواو إذا جاء بعدها همز قطع: {عليهم أأنذرتهم أم}(393) ولا يضمها مطلقاً إن جاءت قبل أي حرف آخر، كما في: {تنذرهم لا يؤمنون}(394)
4 – يدغم دال (قد) في الضاد نحو {قد ضلوا} وفي الظاء نحو: {فقد ظلم نفسه}، ويدغم تاء التأنيث في الظاء نحو: {كانت ظالمة}، ويدغم الذال في التاء نحو: {أتخذتم}
5 – مذهبه في ياءات الإضافة وياءات الزوائد كقالون، وله انفرادات مخصوصة تأتيك في باب الفرش إن شاء الله.
4 – نطق بالهمزة في مادة: {نبي} ـ {الأنبياء} ـ {النبيون} ـ {النبوة}
5 – قرأ بالإدغام في {يس والقرآن} ـ واختلف عنه في {ن والقلم}
6 – قرأ بالإشمام في: {سيء}، ووافقه بذلك قالون.
أحكام الإمالة عند ورش:
نشير أولاً إلى أن ورشاً لا يميل الإمالة الشديدة المسماة عند القراء: الإمالة الكبرى أو البطح أو الإضجاع، أو الكسر، وإنما يميل إمالة متوسطة، وهي التي تسمى التقليل، أو التلطيف أو بين بين.
والقاعدة العامة عند ورش أنه قرأ بالتقليل بخلف عنه في كل ما أماله الأصحاب: حمزة والكسائي وخلف مجتمعين (انظر قواعدهم في أصول حمزة)
1 – وقد وافق الكسائي في اختياره في ستة حروف وهي:
1 – {محياي}: الأنعام 162
2 – {هداي}: البقرة 38 – طه 123
3 – {أبصارهم} (حيث وقعت مكسورة)
4 – {مثواي}: يوسف 23
5 – {جبارين}: المائدة 22 ـ الشعراء 130
6 – {سحار}: الشعراء 37
وله كذلك الوجهان في لفظ {الجار} في النساء موضعين في الآية 36
2 – جميع ما قلله السوسي أو البصري عن أبي عمرو فقد قلله ورش بخلف عنه.
3 – جميع ما أماله البصري فله فيه التقليل قولاً واحداً، باستثناء لفظة: {أراكهم} فله فيها الوجهان.
5 – ترك الإمالة في أربع كلمات: {كمشكاة} ـ {الربا} ـ {كلاهما} ـ {مرضات}، حيث وردت.
6 – اختار ورش التقليل مطلقاً في رؤوس الآي في السور الإحدى عشرة وهي:
طه ـ النجم ـ المعارج ـ القيامة ـ النازعات ـ عبس ـ الأعلى ـ الشمس ـ الضحى ـ العلق ـ الليل. وليس منها ما انتهى بضمير (ها) مثل: {ضحاها} ـ {سواها}. ما عدا كلمة: {ذكراها}.
7 – قلل ورش في حا من {حم}
8 – قلل نافع طا في {طه}
9 – قلل ورش ها في {كهيعص}
10 – أمال ورش ها من {طه}
11 – قلل ورش را في السور الست
أحكام الهمز المفرد عند ورش
اختار ورش القراءة بغير تحقيق في الهمز المفرد وله في ذلك خمس قواعد:
الأولى: يبدل الهمزة حرف مد ولين بشرطين:
1 – أن تكون ساكنة
2 – أن تكون فاء الكلمة
مثاله: {يؤمن} ـ {مؤمنون}
واستثنى ألفاظاً وهي فعل تؤوي ومشتقاته وهي:
{تؤوي} ـ {تؤويه} ـ {المأوى} ـ {مأواهم} ـ {مأواكم} ـ {فأووا} فقرأه جميعاً بالهمزة.
الثانية: يبدل الهمزة واواً بثلاثة شروط:
1 – أن تكون الهمزة مفتوحة.
2 – أن يكون قبلها ضم.
3 – أن يكون الهمز فاء الكلمة.
مثاله: {يؤاخذ}، {يؤخر}، {مؤذن}، {مؤجلاً}
الثالثة: يبدل الهمزة حرف مد ولين خلاف قاعدته في كلمات مخصوصة هي: {بئر} ـ {بئس} ـ {الذئب}
الرابعة: أبدل همزة {لئلا} ياءً مفتوحة
الخامسة: وأبدل حمزة {النسيء} ياءً مضمومة فصارت: النسيُّ
أحكام الهمزتين في كلمة واحدة عند ورش:
1 – إذا كانت الثانية مفتوحة مثل {أأمنتم} فله وجهان:
الأول: تسهيل الثانية منهما من غير إدخال
الثاني: إبدالها حرف مد ألفاً.
2 – إذا كانت الثانية مكسورة أو مضمومة فله فيها وجه التسهيل فقط.
مثاله: {أأنزل عليه الذكر}، {أإنا لمبعوثون}
أحكام الهمزتين من كلمتين عن ورش:
يسهل الهمزة الثانية من الهمزتين المجتمعتين في كلمتين المتفقتين في الحركة {في السماء إله}، وله إبدالها حرف مد، أما الهمزتان المختلفتان في الحركة فيقرأ الثانية منهما كقالون مثالها: {في السماء أن}
أحكام الراء عند ورش
القاعدة العامة عند ورش أنه يرقق الراء المفتوحة والمضمومة خلافاً لسائر القراء كما في قوله سبحانه: {عُرُباً أترَاباً}
وإليك بعض تفاصيل هذه القاعدة:
ـ تفخيم الراء كغيره قبل حروف الاستعلاء (خص ضغط قظ)
ترقيق الراء مضمومة أو مفتوحة وقفاً ووصلاً إذا جاءت:
أ ـ بعد كسر أصلي: {سراجاً}
ب ـ بعد سكون قبله كسر أصلي: {إسرافاً}
جـ ـ بعد ياء ساكنة متوسطة أو متطرفة: {خيراً} {خيرٌ}
وذلك بشرطين: أ ـ أن لا يكون قبلها ولا بعدها حرف استعلاء: {الصراط} ـ {إخراج}
ب ـ أن لا تتكرر: {فرارا}ً ـ {إسراراً}
ـ لا يرقق الاسم الأعجمي: {إسرائيل} ـ {عمران} ـ {إرم}
ـ يجوز الترقيق والتفخيم في ست كلمات: {ذكراً} ـ {ستراً} ـ {حجراً} ـ {إمراً} ـ {وزراً} ـ {صهراً}
وذلك بشرط عدم توسط البدل
ـ يجوز ترقيق كلمة {حيران} مطلقاً.
ـ لا ترقيق في الراء المبتدئة مثل: {في ريب} ـ {برؤوسكم} ـ {برسول} ـ {برب}
ـ ترقق الراء الأولى في نحو: {بشرر}، والثانية وقفاً.
————
(390) تجدر الإشارة إلى أن رواية ورش ذات احتمالات مترابطة فتقرأ ببعض الوجوه بشرط التزام صيغ خاصة كما في أحكام (شيء وشيئاً) و(أحكام اللامات) ولا يتسع المقام هنا لبسط ذلك كله.
(391) سورة النجم 50
(392) انفرد الأزرق عن الأصبهاني بأحكام اللام والراء.
(393) ـ (394) سورة البقرة 6
المطلب الثاني: أحكام قراءة ابن كثير
يبسمـل بـين كـل سـورتـين إلا بـين الأنفـال والتـوبة، ومذهبـه عندهـا كقـالـون.
المدود: ـ يقصر المنفصل بغير خلاف
ـ يمد المتصل ثلاث حركات
ـ صلة صغرى على الهاء بياء لفظية إن كانت بعد ياء وبعدها متحرك {فيه آيــات}
ـ صلة صغرى على الهاء بواو لفظية إن كانت بعد ساكن غير ياء وبعدها متحرك {منه جداً}
ميم الجمع:
ـ إذا جاءت الميـم قبل متحرك: يضـم ميم الجمع بوصلها بواو: {عليهم ولا الضالين} وسواء في ذلك كان المتحرك بعدها همزة أو غيرها فله القصر لا غير.
ياءات الإضافة:
ـ يفتح ياءات الإضافة إذا كان بعدها همزة قطع مفتوحة أو همزة وصل مقرونة بلام التعريف أو مجردة منها، وتجد بيان كل حالة في بابها في كتب الفرشيات.
ياءات الزوائد:
يثبت بعض الياءات الزائدة وصلاً ووقفاً، وثمة خلاف بين راوييه في مواضع قليلة، تجدها مفصلة في بابها في الفرشيات.
{تؤوي} ـ {تؤويه} ـ {المأوى} ـ {مأواهم} ـ {مأواكم} ـ {فأووا} فقرأه جميعاً بالهمزة.
الوقف على مرسوم الخط
ـ وقف بالهاء على تاء التأنيث المربوطة المرسومة تاء: {رحمت} ـ {رحمة} ونظائرها
2 – أن يكون قبلها ضم.
مذهبه في الهمزتين من كلمتين إذا كانتا متفقتي الحركة:
قرأ عنه البزي بإسقاط الأولى إن كانتا مفتوحتين، وبتسهيلها إن كانتا مكسورتين أو مضمومتين، وبذلك فهو موافق لمذهب قالون فيها.
وقرأ عنه قنبل بتسهيل الثانية أو إبدالها حرف مد، ومذهبه فيها مذهب ورش. أما إذا كانتا مختلفتي الحركة فقد اتفق الرواة عنه على تغيير الثانية وفق مذهب ورش وقالون.
الرابعة: أبدل همزة {لئلا} ياءً مفتوحة
مذهب البزي في التاءات:
انفرد البزي عن قنبل في روايته عن ابن كثير بمذهب خاص في التاء، وهو النطق بها مشددة إن كان أصلها تاءين، وهذا موجود في بعض الأفعال المضارعة، وهي واحد وثلاثون موضعاً متفقاً عليها عن البزي، وموضعان آخران نقلهما عنه أبو عمرو الداني:
1 – {ولا تّيمموا الخبيث}; البقرة 267
2 – {الذين تّوفاهم}; النساء 6
3 – {ولا تّفرقوا}; آل عمران 103
4 – {ولا تّعاونوا}; المائدة 2
5 – {فتّفرق بكم}; الأنعام 153
6 – {فإذا هي تّلقف}; الأعراف 117
7 – {ولا تّولوا}; الأنفال 20
8 – {ولا تّنازعوا}; الأنفال 46
9 – {هل تّربصون}; التوبة 52
10 – {وإن تّولوا}; هود 3
11 – {فإن تولوا}; هود 57
12 – {لا تكلم نفس}; هود 105
13 – {ما تنزل الملائكة}; الحجر 8
14 – ـ{يمينك تلقف}; طه 69
15 – {إذ تلقونه}; النور 15
16 – {فإن تّولوا}; النور 54
17 – {هي تّلقف}; الشعراء 45
18 – {من تّنزل}; الشعراء 221
19 – {تّنزل على}; الشعراء 222
20 – {ولا تّبرجن}; الأحزاب 33
21 – {ولا أن تّبدل}; الأحزاب 52
22 – {لا تّناصرون}; الصافات 25
23 – {ولا تّنابزوا}; الحجرات 11
24 – {ولا تجّسسوا}; الحجرات 11
25 – {لتّعارفوا}; الحجرات 11
26 – {أن تّولوهم}; الممتحنة 9
27 – {تكاد تّميز}; الملك 8
28 – {لما تّخيرون}; القلم 38
29 – {عنه تّلهى}; عبس 10
30 – {ناراً تّلظى}; الليل 14
31 – {تّنـزل الـمـلائـكـة والـروح} القدر 4
وزاد الداني موضعين:
32 – {كنتم تّمنون الموت}; آل عمران 143
33 – {فظلتُم تّفكهون}; الواقعة 65
والقراءة بذلك على أحوال:
1 – إن سبقها مد كانت مداً لازماً بلا خلاف.
2 – إن سبقها متحرك كانت حرفاً مشدداً.
3 – إن سبقها ساكن غير مد فالأكثرون على بقاء الساكن على سكونه وتشديد التاء وقرأ بعضهم بتحريك الساكن قبلها بالكسر: {هلِ تّربصون}
4 – عند الابتداء لا خلاف عنه في وجوب قراءتها بتاء واحدة.
المطلب الثالث: أحكام قراءة أبي عمرو البصري
1 – يبسمل بين كل سورتين، وله في كلٍ وجهان: السكت والوصل
وفي مطلع براءة له ثلاثة أوجه: القطع والسكت والوصل، وذلك جميعه بغير بسملة.
2 – له في المد المتصل التوسط من الروايتين، وله في المد المنفصل القصر والتوسط من رواية الدوري، والقصر فقط من رواية السوسي ومقدار المد المشبع عنده ثلاث حركات في المتصل والمنفصل.
3 – إذا جاءت الهمزتان في كلمة واحدة فإنه يسهل الثانية ويدخل ألفاً بينهما، مع ملاحظة أنه لم يأت في القرآن العظيم همزتان في كلمة واحدة إلا كانت الأولى منهما مفتوحة: {أأنتم} {أأنزل} {أإنا}
4 – إذا جاءت الهمزتان في كلمتين:
ـ إن اتفقتا في الحركة فإنه يسقط الهمزة الأولى {هؤلاء إن}
ـ إن اختلفتا في الحركة فإنه يغير الثانية وفق مذهب ابن كثير: {السماء أن}
5 – كسر الميم بعد كل هاء مكسورة قبلها ياء ساكنة أو كسرة، وبعدها ميم الجمع، كما في {عليهم الذلة} {قلوبهم العجل}
الإمالة عند أبي عمرو البصري
قرأ أبو عمرو بالإمالة والتقليل.
فقاعدته في الإمالة:
1 – أمال كل ذوات الراء مما أماله الثلاثة (حمزة والكسائي وخلف) انظر التفصيل في أصول حمزة.
2 – أمال لفظة {الناس} حال الكسر أينما وقعت، وذلك للدوري عنه فقط.(395)
3 – أمال رؤوس الآي ذوات الراء في السور الإحدى عشرة(396)
4 – أمال كل ألف بعدها راء متطرفة مجرورة
وقاعدته في التقليل:
1 – قلل كل ما جاء على وزن: فَعلى وفُعلى وفِعلى، بشرط أن لا يكون من ذوات الراء.
2 – قلل مطلقاً في السور الإحدى عشرة، في رؤوس الآي وذلك زيادة على أصوله، وأمال ما كان منها من ذوات الراء كما سبق بيانه.
3 – قلل (حا) من حم.
4 – اختلف عنه في لفظة يا بشرى، والقياس الإمالة، ولكن الفتح أصح عنه رواية. وقد رويت عنه بثلاثة وجوه: الإمالة والفتح والتقليل(397)
5 – أمال ها في: طه وكهيعص
مذهبه في ياءات الإضافة:
إن جاء بعدها همزة قطع مفتوحة أو مكسورة نحو {إني أعلم} {مني إلا} فإنه يفتح الياء حينئذ.
وكذلك فإنه يفتح الياء التي بعدها همزة وصل مقرونة بلام التعريف {عهدي الظالمين} أو التي بعدها همزة وصل مجردة عن لام التعريف: {أخي اشدد به أزري}
مذهبه في ياءات الزوائد:
يثبت بعض ياءات الزوائد حال الوصل مثل: {دعوة الداعِ إذا دعان} {الجوارِ في البحر} وتجد تفصيل ذلك في كتب الفرش.
مذهبه في الإدغام
يدغم أواخر الأدوات الأربع في حروف مخصوصة وهي: إذ ـ قد ـ هل ـ تاء التأنيث، وذلك في مواضع مخصوصة محددة بالاستقراء مثل ذلك: {إذ دخلوا} {فقد ظلم} {هل ترى من فطور} {فهل ترى لهم من باقية} موضعان فقط تاء التأنيث: {كذبت ثمود}.
وتفصيل ذلك في المطولات.
ـ يدغم بعض الحروف الساكنة في الحروف القريبة منها في المخرج نحو: {فنبذتها} {عذت} {ومن يرد ثواب الدنيا}
مذهبه في الهاءات:
أسكن الهاء في: وهْو ـ لهْو ـ فهْو ـ فهْي ـ لهْي
ـ وقف بالهاء على تاء التأنيث المرسومة بالتاء، رحمت = رحمة، نعمت = نعمة أينما وردت.
وانفرد السوسي في روايته عن أبي عمرو بالأحكام الآتية:
1 – الإدغام الكبير (المتماثل):
انفرد السوسي بالإدغام الكبير دون سائر القراء، وهذا ما اختاره السخاوي في نقله من الشاطبي، وإن كانت عبارة الشاطبي تفيد أن أبا عمرو البصري هو قطب الإدغام الكبير، دون تخصيص ذلك بالسوسي وحده.
والمراد بالإدغام الكبير إدغام متحرك بمتحرك.
وهو على قسمين: ما كان في كلمة واحدة، وما كان في كلمتين
الأول: ماكان في كلمة واحدة:
ليس له استقراءً إلا كلمتين: {ما سلككم في سقر} في سورة المدثر ـ {مناسككم} في البقرة
الثاني: ما كان في كلمتين:
وقد ورد في القرآن العظيم منه سبعة عشر حرفاً، جمعها بعضهم في أوائل البيتين الآتيين:
يا لائمي غـيـرت همَّتـي * كـم تعنـفــني بقـلــة مهجـتـي
نعيت ربعاً فارقوه سادتي * ونحت عليهم ثم حارت قصتي
وأمثلة ذلك: {يأتي يوم} ـ {لذهب بسمعهم} ـ {الشوكة تكون} ـ {حيث ثقفتموهم} ـ {النكاح حتى} ـ {شهر رمضان} ـ {الناس سكارى} ـ {يشفع عنده} ـ {يبتغ غير}ـ {خلائف في الأرض} ـ {الرزق قل} ـ {ربك كثيراً} ـ {لا قبل لهم} ـ {الرحيم ملك} ـ {نحن نسبِّحُ} ـ {فيه هدى} ـ {هود والذين}.
ولا يضر التقاء الصلة مثل: إنه هو.
واستثني من الإدغام الكبير:
ماكان أول المثلين فيه تاء خطاب: {أنتَ تحكم}(398)
أو تاء إخبار: {كنتُ تراباً}(399)
أو منوناً: {واسعٌ عليم}(400)
أو مشدداً: {مسَّ سقر}(401)
أو مسبوقاً بنون مخفاة: {فلا يحزنْكَ كفره}(402)
ـ واختلف أهل الأداء عنه إذا كان الأول قد حذف آخره لأجل الجزم
مثل: {يبتغ غير}(403) ـ {ويحل لكم}(404) ـ {يك كاذباً}(405)، والوجهان صحيحان(406)
ـ واختلفوا أيضاً في: {آل لوط}(407) حيث وردت وهي أربعة مواضع(408)
ـ واختلفوا أيضاً في: {هود والذين}(409) ـ {هود الملائكة}(410) وأشباهها إذا كانت الهاء متحركة، فاختار الشاطبي الإدغام، واختار جماعة الإظهار.
أما إن كانت الهاء ساكنة عنده فلا خلاف حينئذ في الإدغام، وقد ورد ذلك عنه في ثلاث مواضع: {فهو وليهم}(411) ـ {وهو وليهم}(412) ـ {وهو واقع بهم}(413)
ـ واختلفوا أيضاً في قوله تعالى: اللاء يئسن، إذ هو يبدل الهمزة ياء وكلا الوجهين صحيح هنا ـ الإظهار والإدغام(415)
2 – الإدغام الكبير (المتقارب): وهو أيضاً قسمان:.
1 – ما جاء في كلمة واحدة، 2 – ما جاء في كلمتين
القسم الأول: ماجاء في كلمة واحدة، ولم يدغم فيه إلا القاف في الكاف بشرطين:
1 – إن تحرك ما قبل القاف
2 – إن كان بعد الكاف ميم جمع
مثاله: {خلقكم {رزقكم}، {واثقكم}، {سبقكم}، ولا ماضي غيرهن
{نخلقكم} ـ {نرزقكم} ـ {فنغرقكم}، ولا مضارع غيرهن
{ميثاقكم} ـ {ما خلقكم}، وغيرهن من الأسماء
ـ وقد اختلفوا في: {طلقكن}
القسم الثاني: ما جاء في كلمتين، وقد وقع منه في القرآن العظيم في ستة عشر حرفاً جمعها الشاطبي في أوائل البيت من قوله:
شفا لم تضق نفساً بها رم دوا ضن
ثوى كان ذا حسن سأى منه قد جلا
وجمعها ابن الجزري في عبارة (رض سنشد حجتك بذل قثم)
ويشترط في الحرف المدغم أربعة شروط:
ـ أن لا يكون منوناً نحو: {ظلماتٍ ثلاث}
ـ ولا مشددا نحو: {أشدّ ذكراً}
ـ ولا تاء خطاب نحو: {خلقتَ طيناً}
ـ ولا مجزوماً بحذف الآخر نحو: {ولم يؤتَ سعة}
وأما تفصيل الحروف التي روى إدغامها فهي كالآتي:
ـ الحاء: تدغم في العين: {فمن زحزح عن النار}(415) موضع واحد فقط
ـ القاف: تدغم في الكاف: {ينفق كيف يشاء} بشرط أن تسبق بمتحرك
ـ الكاف: تدغم في القاف: {لك قال} بشرط أن تسبق بمتحرك
فإن سكن ما قبلهما تدغما مثل: {تركوك قائماً} {وفوق كل ذي علم عليم}
ـ الجيم: تدغم في التاء في موضع واحد فقط وهو: {ذي المعارج تعرج} وتدغم في الشين في موضع واحد فقط وهو: {أخرج شطأه}
ـ الشين: تدغم في السين في موضع واحد فقط وهو: {إلى ذي العرش سبيلا}
ـ الضاد: تدغم في الشين في موضع واحد فقط وهو: {لبعض شأنهم}
ـ السين: تدغم في الزاي في موضع واحد فقط وهو: {وإذا النفوس زوجت} وتدغم في الشين في موضع واحد فقط وهو: {في الرأس شيباً} بخلاف عنه
ـ الدال: وتدغم في عشرة أحرف التاء والثاء والجيم والذال والزاي والسين والشين والصاد والضاد والظاء، إلاَّ أن تكون الدال مفتوحة وقبلها ساكن فإنها لا تدغم إلا في التاء لقوة التجانس، نحو {المساجد تلك} بعد توكيدها، {يريد ثواب}، {داود جالوت}، {من بعد ذلك}، {تريد زينة}، {الأصفاد سرابيلهم}، {وشهد شاهد}، {نفقد صواع}، {من بعد ضراء}، {يريد ظلماً}.
ـ التاء: وتدغم في عشرة أحرف الثاء والجيم والذال والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء نحو، {بالبينات ثم}، {الصالحات جنات}، {الآخرة ذلك}، {الآخرة زينا}، {الصالحات سندخلهم}، {بأربعة شهداء}، {والصافات صفاً}، {والعاديات ضبحاً} {الصلاة طرفي}، {لملائكة ظالمي}، واختلف المدغمون عنه في {الزكاة ثم} بالبقرة {والتوراة ثم} بالجمعة فأظهرها بعضهم لخفة الضمة بعد السكون واختلفوا أيضاً في {وآت ذا القربى} و{فآت ذا القربى} {ولتأت طائفة}، فأظهرها بعضهم من أجل الجزم، واختلفوا أيضاً في {جئت شيئاً فرياً} بمريم، فأظهره بعضهم محتجاً بكون تاء جئت للخطاب وبحذف عينه الذي عبَّر عنه الشاطبي بالنقصان، وذلك لأنهم لما حولوا فعل المفتوح العين الأجوف اليائي إلى فعل بكسرها عند اتصاله بتاء الضمير وسكَّنوا اللام وهي الهمزة هنا وتعذر القلب، نقلوا كسرة الياء إلى الجيم فحذفت الياء للساكنين وأدغمه الآخرون لثقل الكسر وصحح المحقق ابن الجزري الوجهين في ذلك، وأما {بيَّت طَّائفة} فأدغمه أبو عمرو وجهاً واحداً.
ـ الثاء: وتدغم في خمسة أحرف: التاء والذال والسين والضاد، نحو: {حيث تؤمرون}، {الحرث ذلك}، {وورث سليمان}، {حيث شئتما}، {حديث ضيف}
ـ الذال: وتدغم في السين في: {فاتخذ سبيله} موضعي الكهف.
وفي الصاد في {ما اتخذ صاحبة} في الجن.
ـ الراء: وتدغم في اللام بأي حركة تحركت هي نحو: {هن أطهر لكم}، {ليغفر لكم} {في البحر لتبتغوا}، وأجمعوا على إظهارها إذا فتحت وسكن ما قبلها نحو: {الحمير لتركبوها}
ـ اللام: وتدغم في الراء إذا تحرَّك ما قبلها نحو: {رسل ربك} فإن سكن ما قبلها أدغمت مضمومة ومكسورة نحو: {يقول ربنا}، {وإلى سبيل ربك}، وأظهرت مفتوحة نحو: {فيقول رب} لخفة الفتحة إلاَّ لام قال فإنها تدغم حيث وقعت نحو: {قال ربك} {قال رجلان}، لكثرة دورها.
ـ النون: تدغم إذا تحرك ما قبلها في الراء واللام نحو: {تأذّن ربك}، {ولن نؤمن لك} فإن سكن ما قبلها أظهرت نحو: {يخافون ربهم} و{أن تكون لهم}، إلا النون من نحن فإنها تدغم نحو: {ونحن له}، لثقل الضمة.
ـ الميم: وتسكن عند الباء إذا تحرك ما قبلها فتخفى بغنَّة نحو: {أعلم بالشاكرين} فإن سكن ما قبلها أظهرت نحو: {إبراهيم بنيه}
ـ الباء: وتدغم في الميم في قوله تعالى: {يعذب من يشاء} فقط وهو في خمسة مواضع وليس منه موضع آخر البقرة لسكون بائه في قراءة أبي عمرو، فمحله الإدغام الصغير، ثم لا بد من إظهار الغنة حالة الإدغام في هذا الحرف لإبداله ميماً وفيها غنَّه(416)
ولا يضر التقاء الصلة مثل: إنه هو.
تنبيهات: ثمة أمور لا بد من بيانها في الإدغام الكبير عند أبي عمرو وهي:
1 – الإدغام لا يمنع الإمالة في مثل قوله تعالى: {والنهار لآيات}، لأن الإمالة أصل والإدغام عارض فلا يعتد به.
2 – إذا كان قبل الإدغام حرف مد أو لين فيجوز فيه ثلاثة أوجه كالعارض للسكون.
3 – إذا كان قبل الإدغام ساكن صحيح، فقد روي وجهان:
ـ الأخذ فيه بالإخفاء وهو الروم لعسر إدغامه نظراً لتلاقي الساكنين
ـ الإدغام الصحيح بالرغم مما فيه من عسر.
4 – إدغام القاف في الكاف تام، لا يبقى معه أثر لاستعلاء القاف وهذا هو الأوجه والأصح.
ولم ينقل خلاف في ذلك إلا في قوله عز وجل: {ألم نخلقكم}(417)
لذلك فإنه لا بد هنا من الإشارة إلى أن أبا عمرو أخذ بالإدغام الكبير وهو إدغام المتحركات بعضها ببعض، فعلى ذلك تكون له مواضع كثيرة يدغم فيها منها: {نحن نرزقكم}، {مما رزقكم الله}
3 – أحكام الهمز المفرد:.
وقاعدته إبدال كل همز ساكن حرف مد أو لين مناسباً لحركة ما قبله.
نحو: الرأس والبأس وبئر وبئس وجئت وشئت ويألتكم، وهي كذلك في قراءته.
واستثنى من ذلك ما كان سكونه بسبب الجزم نحو: {تسؤكم} ـ {إن نشأ} ـ {ننسأها}.
وكذلك استثنى كلمات أخرى وهي:
ـ {تؤوي إليك من تشاء} في سورة الأحزاب
ـ {وفصيلته التي تؤويه} في سورة المعارج
ـ {أحسن أثاثاً ورئياً} في سورة مريم
ـ {عليهم نار مؤصدة} في سورتي البلد والهمزة
ـ {بارئكم} موضعان في البقرة، حيث قرأهما أبو عمر بالإسكان.
————
(395) أورد ابن الجزري في طيبة النشر إمالة حرف{يا} من {كهيعص}، ولم يأت الشاطبي على ذكرها.
(396) وهي طه والنجم والمعارج والقيامة والنازعات وعبس والأعلى والشمس والضحى والعلق والليل.
(397) أضاف ابن الجزري في الطيبة التقليل للدوري فقط في ألفاظ: أنى ـ بلى ـ آتى ـ آذى ـ متى ـ عسى ـ يا ويلتى ـ يا حسرتا ـ يا أسفى.
(398) سورة الزمر 46
(399) سورة عم 40
(400) سورة البقرة 115
(401) سورة القمر 48
(402) سورة لقمان 23
(403) سورة آل عمران 85
(404) سورة يوسف 9
(405) سورة غافر 28
(406) قال في الشاطبية: وعندهم الوجهان في كل موضع تسمَّى لأجل الحذف فيه مُعلَّلا
(407) سورة الحجر 59
(408) قال في الشاطبية: كيبتـغ مجزوماً وإن يـــك كاذبـاً ويخْلُ لكم عن عالمٍ طيِّب الخلا
وقد عللوا ذلك بقلة حروف لفظ (آل)، ولكن التعليل هنا غير مقبول، لأنهم اتفقوا على إدغام لك كيداً، وهو أقل منه حروفاً وكان الأولى له التعليل بتكرار إعلال عينها إذ أصل آل عند سيبويه أهل قلبت الهاء همزة ثم الهمزة ألفاً، وعند الكسائي أول قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها لكنه لم يحتج بذلك فدل على قوة الإدغام وهو المأخوذ به.
(409)سورة هود
(410) سورة آل عمران 18
(411) سورة النحل 63
(412) سورة الأنعام 127
(413) سورة الأعراف 171
(414) تقريب النفع ص 17 – 18
(415) سورة آل عمران 185
(416) تقريب النفع ص 21 – 22
(417) يسبق إلى الذهن هنا أن إدغام القاف في الكاف لم يرد أصلاً إلا في هذا الموضع: {ألم نخلقكم}، ففيم ورد هذا الاستثناء؟..
المطلب الرابع: قراءة ابن عامر الشامي
1 – يبسمل بين كل سورتين، وله في كلٍ وجهان: السكت والوصل، وله في مطلع براءة ثلاثة أوجه بدون البسملة: القطع والسكت والوصل
2 – اختار ابن عامر في المتصل والمنفصل المد أربع حركات (التوسط)
3 – يتبع حركة هاء الضمير قبل ميم الجمع وفق حركة الميم، كما في: {بهُمُ الأسباب} {عليهُمُ القتال}
4 – قرأ بالإدغام في {يس والقرآن} و{ن والقلم}
5 – أمال (را) في السور الست: الر ـ المر
6 – قرأ بالإشمام في: سيئت ـ سيء ـ حيل ـ سيق
7 – قرأ بإدغام الدال في الثاء نحو: {ومن يرد ثواب}
وانفرد هشام بالأحكام الآتية:
1 – الإشمام في: غيض ـ قيل ـ جيء
وهشام في الأصل هو صاحب الإشمام والروم، موافقاً بذلك للكوفيين، ولكن المختار أن الإشمام والروم لجميع القراء، ولو أن النص عند الشاطبي مختص به وبالكوفيين.
2 – في الهمزتين المتفقتين في كلمة له التسهيل والتحقيق مع الإدخال إذا كانت مفتوحة، وله التحقيق مع الإدخال وعدمه إذا كانت مضمومة أو مكسورة.
3 – في الوقف على الهمز المتطرف اختار مذهب حمزة فيقف عليه مع التسهيل بين بين.
4 – قرأ لفظ إبراهيم: إبراهام في مواضع محددة يطول استقصاؤها هنا.
5 – له في المتقارب والمتجانس إدغام ذال إذ في التاء نحو: {إذ تبرأ}، والثاء في التاء نحو: {لبثت}، والذال في التاء في: {أخذتم، أخذت، اتخذتم} كيف وقعت.
6 – أمال هشام اتفاقاً في:
ـ عابد ـ مشارب ـ يا: من كهيعص
ـ عابدون ـ إناه
أمال هشام بخلف عنه:
ـ آنية ـ شاء ـ جاء ـ زاد (418)
وانفرد ابن ذكوان عن ابن عامر بالأحكام التالية:
ـ قرأ ابن ذكوان {وإن إلياس} بوصل الهمزة.
ـ وردت الإمالة عن ابن ذكوان اتفاقاً في:
ـ المحراب (المجرورة) ـ هار
ـ التوراة ـ جاء ـ رأى (الراء والألف)
ـ زادهم (البقرة آية 10) شاء
ـ را من الر
ـ حا من حم
ـ وردت الإمالة عن ابن ذكوان باختلاف عنه في:
ـ حمارك ـ إكراههن ـ زاد ـ وزادهم ـ فزادهم ـ (في غير حرف البقرة المتفق على إمالته عنه) (419)
ـ الحمار ـ أدراك
ـ عمران ـ المحراب (المنصوبة) ـ يا من كهيعص
————
(418) الكلمات الثلاث الأخيرة من طريق ابن الجزري في الطيبة.
(419) كما أورد ابن الجزري لهشام إمالة: الشاربين ـ الحواريين ـ مشارب ـ الكافرين ـ مزجاة ـ أتى ـ يلقاه ـ الأشرار ـ الأبرار ـ قرار.. بخٌلْفٍ عنه
المطلب الخامس: قراءة عاصم الكوفي
1 – يبسمل بين كل سورتين، وله في كلٍ وصل الجميع وقطع الجميع، ووصل البسملة بأول السورة. وله بين الأنفال وبراءة الوقف والسكت والوصل بدون بسملة.
2 – له في المد المتصل والمنفصل التوسط بمقدار أربع حركات، وقد قرأ الرواة عنه بفويق التوسط، خمس حركات.(420)
ـ ورد عن حفص السكت في أربع كلمات: {عوجاً قيماً} {مرقدنا هذا} {من راق} {بل ران} وورد عنه وجهان السكت والإدغام المتماثل في {ماليه هلك}.
ـ يمد الهاء من لفظة {ويخلد فيه مهاناً}، ويقصر الهاء في {وإن تشكروا يرضه لكم} خلافاً لقاعدة عاصم في مد الصلة وقصرها.
ـ أسكن حفص هاء الكناية في موضعين: {فألقه} في النمل، {ويتقه} في النور خلافاً لقاعدة عاصم في مد الصلة.
ـ قرأ حفص بالتسهيل في كلمة واحدة {أعجمي وعربي} كما قرأ بوجهي
التحقيق والتسهيل في كلمات: {آلآن} {آلذكرين} {آلله}
ـ قرأ حفص بالإشمام كلمة واحدة هي {مالك لا تأمنا}
ـ أمال حفص لفظة واحدة هي: {مجريها}
وانفرد شعبة بالأحكام الآتية:
في ياءات الإضافة بفتح شعبة في {من بعدي اسمه أحمد} وله فيه وجه الإسكان أيضاً.
ـ الياء الزائدة في {فما آتان الله خير} يحذفها وصلاً ووقفاً.
ـ يقرأ {من لدنه} بالكهف بإسكان الدال مع إشمامها، ومع كسر النون والهاء وإشباع حركتها.
ـ أبدل شعبة الهمز المفرد في كلمة واحدة وهي {لؤلؤ} كيفما جاءت فيبدل الهمزة الأولى منها واواً.
ـ قرأ شعبة بالإدغام في {يس والقرآن}، وفي {ن والقلم}
ـ أسكن هاءات الضمير التسعة (انظرها في بحث أحكام هاء الكناية)
أمال شعبة باتفاق:
ـ هار ـ فرآه ـ أدرك
ـ رأى ـ رمى ـ سدى
ـ رآها ـ أعمى (في الإسراء موضعان 72) ـ ران
أمال شعبة باختلاف(321):
ـ نأى ـ سوى (في طه 58)
————
(420) هناك مسألتان تجدر الإشارة إليهما في بيان المدود عند عاصم.
الأولى: هل قرأ عاصم بقصر المنفصل؟
الثانية: هل روي عنه المد بخمس حركات أم بأربع؟
فالجواب عن الأولى أنه لم يرد من طريق الشاطبية أن عاصماً قرأ بقصر المنفصل، بل المحفوظ عنه الرواية بالمد فقط، وعبارة الشاطبي في ذلك: إذا ألـــف أو يـــاؤهـــا بعـــد كســـرة أو الـواو عـن ضـم لـقي الهمز طولا
فإن ينفصل فالقصر (بـ) ـادره (ط) ـالباً بخلفهما (يـ) ـرويك (د) راً ومخضلاً
فأشار إلى أنهم اتفقوا على مد المتصل وأما المنفصل فقد أجاز قصره من رمز إليهم الشاطبي بالباء والطاء والياء والدال.
فالباء رمز قالون، والطاء رمز الدوري عن أبي عمرو، وقد قصرا بخلاف عنهما
والياء رمز السوسي، والدال رمز ابن كثير، وقد قصرا قولاً واحداً
وكما ترى فإنه ليس ثمة إشارة إلى أن القصر في المنفصل مروي عن عاصم.
ولكن ورد من طريق الطيبة لابن الجزري أن حفصاً روى عن عاصم قصر المنفصل، وعبارة ابن الجزري:
للكل عن بعض، وقصر المنفصـل (لـ) ى (بـ) ـن (حما) (عـ) ـن خلفهم (د) اع (ثـ) ـمل
فأخبر أن المرموز إليهم باللام والباء وحما والعين قرؤوا المنفصل بوجهي القصر والمد. وهم: اللام: هشام، والباء: قالون، وحما: أبو عمر وأبو جعفر البصريان، والعين: حفص.
وأن المرموز إليهم بالدال وهو ابن كثير والثاء وهو يعقوب قرؤوا المنفصل بالقصر قولاً واحداً بلا خلاف.
هذا وإن القراء في بلادنا يُقرِئون بقصر المنفصل تسهيلاً على الطلبة، ومتابعة لابن الجزري.
والمسألة الثانية: هل روي المد عن عاصم بأربع حركات أم خمس؟
اعلم أن عبارة الشاطبي لا يلزم منها تحديد مدى المد الواجب مده لأجل الهمز، بل غاية ما تدل عليه وجوب تطويل المد:
إذا ألف أو ياؤها بعد كسرة * أو الواو عن ضمٍّ لقي الهمزَ طوّلا
ولكن شراح الشاطبية نقلوا عن عاصم القراءة في المنفصل بالتوسط وفويق التوسط، أي بأربع حركات وخمس حركات.
وقد نقل ابن القاصح العذري البغدادي في سراج القاري أن السخاوي نقل عن الشاطبي أنه قال: المد مرتبتان: طولى لورش وحمزة، ووسطى للباقين، وأخبر السخاوي أن العدول عن المراتب الأربع التي ذكرها صــاحب التيسير لابد منـه بسبب أنها لا يمكن أن تتحقق ضبطاً. انظر: سراج القاري طـ مكتبة الحلبي البابي ص 50
ونص الشيخ محمد علي الضباع في شرح مختصر بلوغ الأمنية باب المد والقصر على نظم تحرير مسائل الشاطبية، على أن لعاصم طريقة أخرى وهي مدُّهما معاً خمس حركات.
وفي نظم تحرير مسائل الشاطبية للشيخ حسن خلف الحسيني المقرئ ما نصه:
ومنفصلاً أشبعْ لورشٍ وحـمزةٍ * كمتصـلٍ والشـامِ مع عـاصمٍ تـلا
بأربعةٍ ثم الكسائي كذا اجعلن * وعن عاصمٍ خمسٌ وذا فيهما كلا
وإنما بسطت القول في هذه المسألة الفرعية لأن الجدل يكثر فيها في بلادنا، إضافة إلى أن قراءة عاصم برواية حفص هي القراءة السائدة في معظم الأمصار الإسلامية اليوم.
(421) من طريق الطيبة فقط
المطلب السادس: قراءة حمزة الكوفي
يمد حمزة المدود كلها 6 حركات (المتصل والمنفصل واللازم)
ـ يسكّن الهاء في {يؤده إليك} {نوله ماتولى} {ونصله جهنم} {نؤته منها} {فألقه إليهم} خلافاً لقاعدة الجمهور في مد الصلة.
الإدغام: اختار خلف إدغام الواو والياء بلا غنة.
الإبدال: يبدل حمزة الهمزة الساكنة في الكلمة حرف مد من جنس ما قبلها، وذلك أينما وقعت الهمزة، مبتدئة أو متوسطة أو متطرفة، سواء كان سكونها أصلياً أو عارضاً. وذلك حال الوقف، أما حال الوصل فليس له إلا التحقيق.
ـ ضم الهاء مطلقاً في ثلاث كلمات: {عليهم} ـ {إليهم} ـ {لديهم}
ـ ضم حمزة الهاء قبل ميم الجمع إن جاء قبلها ساكن أو متحرك في الأفعال: {يريهم الله} ـ {يلههم الأمل}
ـ له الوجهان في الهاء قبل ميم الجمع إن جاء قبلها ساكن أو متحرك في الأسماء {في قلوبهم العجل}
وقد فصلنا مذهبه في النقل والسكت في القواعد الجامعة فارجع إليه(422)
ـ يدغم ذال “إذ” في الدال والتاء، ودال “قد” في جميع حروفها، “تاء التأنيث” في جميع حروفها، ويدغم لام “هل” في الثاء نحو: {بل تأتيهم}، ويدغم الياء المجزومة في الفاء نحو: {وإن تعجب فعجب}، ويدغم الذال في التاء من {عذت} {اتخذتم} {فنبذتها}، والثاء في التاء في {أورثتموها} وفي {لبثت}.
وانفرد خلاد بإدغام ذال إذ في باقي حروفها زيادة على خلف في الدال والتاء.
ـ يثبت الياء الزائدة في {أتمدونن بمال} في سورة النمل، وكذلك {ربنا وتقبل دعاء} في سورة إبراهيم.
ـ مذهبه في الإمالة واسع، وقد تبعه فيه الكسائي، وخلف العاشر (القارئ) وورش، على شروط لهم نفصلها في الباب الآتي.
وانفرد خلاد بمسائل منها:
1 – أدغم الباء في الفاء في: “وإن تعجب فعجب قولهم”
2 – قرأ بإشمام الزاي في “صراط” في الفاتحة فقط، وفي {المصيطريون} بخلف عنه {بمصيطر}.
ـ قرأ شعبة بالإدغام في {يس والقرآن}، وفي {ن والقلم}
أحكام الفتح والإمالة والتقليل عند حمزة والكسائي وخلف
الأصل في القراءة الفتح في الألف، والفتح عبارة عن فتح الفم بلفظ الحرف، أما الإمالة فهي النطق بالفتحة قريباً من الكسرة، وأما التقليل فهو النطق بين الفتحة والكسرة، هو رتبة بين الفتح والإمالة.
واختص بالإمالة والتقليل حمزة والكسائي وخلف، وكذلك ورش ولكن الأصبهاني نقل عن ورش الإمالة دون التقليل، فسائر ما نبينه هنا عن ورش إنما هو من طريق الأزرق.
واستثنى الأربعة من الإمالة والتقليل: إلى ـ على ـ حتى ـ لدى ـ وما زكى منكم ومن الأفعال ما كان مضارعه واوياً.
واشترط كون حركة الراء المسبوقة بالألف مكسورة، ولو وقف عليها بالسكون.
أصول الإمالة عند الأصحاب: حمزة والكسائي وخلف:
اتفق الثلاثة على الإمالة في أحوال كثيرة، وزاد بعضهم إيراد الإمالة في مواضع بعينها. وإليك بيان ما اتفقوا فيه.
1 – أمالوا كل ألف منقلبة عن ياء حيث وردت في القرآن الكريم(423)
مثل: الهوى ـ العمى ـ الهدى ـ المأوى ـ أبى ـ أتى
ونشير إلى أن الفعل إذا زاد على ثلاثة أحرف أصبح بحكم اليائي مطلقاً فيمال كما في: تبلى ـ نجانا ـ استعلى.
2 – ما جاء من الأسماء على وزن أفعل مثل: أدنى ـ الأقصى ـ أزكى
3 – كل ألف تأنيث جاءت على وزن فعلى: مثل: موتى ـ بشرى ـ ذكرى وألحقوا بها عيسى وموسى ويحيى
4 – ما جاء على وزن (فعالى): مثل سكارى ـ يتامى ـ نصارى
5 – ما جاء على وزن (مفعل): مثل: مأوى ـ تقوى ـ أنثى
6 – أمالوا كلمات مخصوصة رسمت بالياء في المصاحف مثل: يا حسرتى ـ يا أسفى ـ يا ويلتى ـ متى ـ بلى ـ أنى (الاستفهامية)
7 – أمالوا من الواوي لفظتان: الربا ـ الضحى(424) كيف وقعت
8 – أمالوا من الواوي أيضاً لفظتان: القُوى ـ العلى، لأنها رأس آية.
9 – أمالوا أيضاً لفظ: وأحيا: في سورة النجم خاصة، آية 44
10 – أمالوا يا من: يس ـ كهيعص
11 – أمالوا طا من: طه ـ الشعراء ـ النمل ـ القصص (فواتح السور)
12 – أمالوا را: في السور الست الر ـ المر
زيادات حمزة في الإمالة:
أضاف حمزة في الإمالة زيادة على أصول أصحابه ما يلي:
ـ أمال الألف التي هي عين الفعل الثلاثي الماضي في عشرة أفعال وهي:
زاد ـ شاء ـ جاء ـ خاف ـ ران ـ خاب ـ زاغ ـ طاب ـ ضاق ـ حاق
حيث وقعت وكيف جاءت.
ـ انفرد خلاد بإمالة الهمزة وحدها في لفظ (نأى)
ـ وأمال كذلك باختلاف عنه لفظ (آتيك) في النمل موضعين 39 ـ 40
ـ وأمال لفظ (ضعافاً) في النساء(425)
————
(422) انظر ص 173 من هذه الدراسة.
(423) تكون معرفة أصل الألف بطريقتين:
في الأسماء: من خلال تثنية الاسم: مثال اليائي: مأوى = مأويان ـ مثال الواوي: ربا = ربوان
في الأفعال: بإضافة تاء الفاعل المتحركة: مثال اليائي: أتى = أتيت ـ مثال الواوي: نجا = نجوت
(424) عللوا ذلك بأن لفظ ضحى، سمع من العرب بلفظ: ضحيان
ولفظ ربا: سمع أيضاً بلفظ: ربيان، ويقوى ذلك أيضاً لوجود الكسرة في أوله.
(425) وردت لفظة ضعافاً من طريق النشر فقط
المطلب السابع: قراءة الكسائي
1 – قرأ بالبسملة بين كل سورتين إلا بين الأنفال والتوبة فيقف أو يسكت أو يصل.
2 – قرأ المنفصل والمتصل بالتوسط (أربع حركات)
3 – انفرد الكسائي بإمالة هاء التأنيث حال الوقف، وله في ذلك مذهبان:
الأول: يميل هاء التأنيث وقفاً إذا سبقها حرف من حروف عبارة (فجثت زينب لذود شمس).
كما يميل الهاء إذا وقع قبلها حرف من حروف لفظة (أكهر) بشرط أن يقع قبلها ياء ساكنة أو كسرة أو ساكن قبله كسر: (كهيئة، وجهه، لعبرة).
وأما المذهب الثاني فهو أنه يميل هاء التأنيث عند الوقف مطلقاً، إلا إذا سبقتها الألف (الصلاة)
4 – يدغم ذال “إذ” فيما عدا الجيم، ويدغم دال “قد” و”تاء التأنيث” ولام “هل” و”بل” في حروف كل منها، ويدغم “الباء المجزومة” في الفاء نحو {قال اذهب فمن تبعك منهم}
ويدغم “الفاء” المجزومة في الباء في {إن نشأ نخسف}، ويدغم الذال في التاء في عذت، فنبذتها، اتخذتم، ويدغم الثاء في التاء في {أورثتموها} و{لبثت} و {لبثتم}.
5 – قرأ بالإدغام في: {يس والقرآن} وفي {ن والقلم}
6 – قرأ بالإشمام في: جيء ـ غيض ـ قيل ـ سيء ـ سيئت ـ حيل ـ سيق ـ وقرأ بالإشمام زاياً في: اصدق ـ فاصدع ـ تصدية ـ تصديق ـ قصد ـ يصدر ـ يصدفون
7 – اختار الضم على هاء الضمير إن حركت الميم بعدها، وروي عنه أيضاً وجه الكسر فيها، وذلك في الأسماء فقط: {في قلوبهم العجل}
8 – أسكن الهاء من: وهْو ـ لهْو ـ فهْو ـ لهْي ـ ثم هْوـ وانفرد راويه الليث بإدغام اللام المجزومة في الذال في {يفعل ذلك} حيثما وردت.
ـ يقف على التاءات المبسوطة بالهاء، نحو: شجرت ـ بقيت ـ جنت.
ـ يسكن ياء الإضافة في {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا} {يا عبادي الذين}
ـ يثبت الياء الزائدة في {يوم يأت لا تكلم نفس} {ما كنا نبغ فاتخذا} وذلك حال الوصل.
ـ مذهب الكسائي في الإمالة:
وافق الكسائي صاحبيه حمزة وخلف فيما أمالاه: راجع مذهبهما في أصول حمزة وزاد الكسائي على أصول صاحبيه في الإمالة مايلي:
1 – ما أماله قولاً واحداً وهو:
اتفق الثلاثة على الإمالة في أحوال كثيرة، وزاد بعضهم إيراد الإمالة في مواضع بعينها. وإليك بيان ما اتفقوا فيه.
1 – {أحيا} ـ كيف وقعت وفي أي اشتقاق لها.
2 – {خطايا} وكل اشتقاقاتها كيف وقعت.
3 – {مرضات} ـ {مرضاتي}: حيث وقعت
4 – {تقاته}: آل عمران 102
5 – {أنسانيه}: الكهف 63
6 – {آتاني}: مريم 30 ـ النمل 36
7 – {عصاني}: إبراهيم 36
8 – {رؤياي}: يوسف 48 ، 100
9 – {أوصاني}: مريم 31
10 – {دحاها}: النازعات 30
11 – {تلاها}: الشمس 2
12 – {سجى}: الضحى 2
13 – {محياهم}: الجاثية 21
14 – {هداني}: الأنعام 80
15 – {طحاها}: الشمس 6
16 – {ران}: المطففين 14
2 – ما أماله عنه حفص الدوري فقط، وقاعدته: كل ألف بعدها راء متطرفة مجرورة، وكذلك في سبعة عشر موضعاً وهي:
1 – {سارعوا} ـ {يسارعون} ـ {نسارع} حيث وقعت
2 – {آذانهم} ـ {آذاننا} حيث وقعت
3 – {طغيانهم} حيث وقعت
قال الشاطبي في حرز الأماني:
وما بعد راءٍ شاع حكماً وحفصهم * يوالي بمجراها وفي هود أنزلا
4 – {بارئكم} في موضعين بالبقرة في آية 54
5 – {كمشكاة}: النور 35
6 – {الجوار}: الشورى 32 ـ الرحمن 24 ـ التكوير 16
7 – {الجار}: النساء مرتان في الآية 36
8 – {أنصاري}: آل عمران 52 ـ الصف 14
9 – {البارئ}: الحشر 24
10 – {محياي}: الأنعام 162
11 – {هداي}: البقرة 38 ـ طه 123
12 – {أبصارهم}: حيث وردت في القرآن الكريم مكسورة
13 – {جبارين}: المائدة 22 ـ الشعراء 130
14 – {مثواي}: يوسف 23
15 – {سحار}: الشعراء 37
16 – {يتوارى}: النحل 59(426)
17 – {الرؤيا}: في أربعـة مواضـع وهي: يوسـف 43 ـ الإسراء 60 ـ الصافات 105 ـ الفتح 27 ـ وصلاً ووقفاً، إلا في موضع الإسراء فهو حال الوقف فقط.
18 – {ها}: من طه ـ كهيعص
————
(426) ورد من الشاطبية لفظ يتوارى وحده، وزاد ابن الجزري من طريق الطيبة مشتقاته: يواري ـ أواري ـ من طريق الدوري عن الكسائي.
المطلب الثامن: قراءة أبي جعفر
1 – له البسملة بين كل سورتين إلا بين الأنفال وبراءة فله الوصل والسكت والفصل.
2 – قرأ بضم ميم الجمع ووصلها بواو مطلقاً.
3 – قرأ بإسكان الهاء في {يؤده} {نوله} {ونصله} {ونؤته} {فألقه}.
4 – قرأ بقصر المنفصل (حركتين)، وتوسط المتصل (أربع حركات)
5 – قرأ بتسهيل الهمزة الثانية من الهمزتين في كلمة واحدة مع إدخال ألف بينهما.
6 – في الهمزتين من كلمتين:
ـ إن اتفقت الحركتان يسهل الهمزة الثانية
ـ إن اختلفت الحركتان يغير الثانية
7 – يبدل الهمز الساكن مداً من جنسه حيثما وقع في الكلمة.
8 – قرأ بإدغام الذال في التاء {اتخذتم} وإدغام الثاء في التاء في {لبثت} و{لبثتم}، وإدغام الذال في التاء في {عذت}.
9 – انفرد أبو جعفر باعتبار الغين والخاء حرفين غير حلقيين، ولذلك فلم يقرأهما بالإظهار بعد النون كسائر المتواتر، بل عدَّهما من حروف الإخفاء {هل من خالق غير الله}
10 – اختار السكت بغير تنفس عند نطقه بكل حرف من حروف الهجاء المقطعة في أوائل السور {حم عسق}، {الم}
11 – قرأ في الياءات الزوائد بإثبات بعضها وحذف بعض، وتفصيل ذلك في المطولات.
12 – في ياءات الإضافة وافق قالون إلا في مواضع محددة.
13 – قرأ بضم التاء في {للملائكة اسجدوا} حيثما وردت في القرآن
14 – قرأ بالهاء وقفاً عند {كلمت} و{يا أبت} حيثما وردت.
15 – قرأ بالإشمام في: {سيء} ـ {سيئت}
16 – أسكن الهاء من: وهْو ـ لهْو ـ فهْو ـ فهْي ـ لهْي ـ يملِ هْو ـ ثم هْو
17 – أمال لفظ: {إناه} في سورة الأحزاب.
المطلب التاسع: قراءة يعقوب الحضرمي
1 – له بين كل سورتين البسملة مع السكت والوصل، أما بين الأنفال وبراءة فله القطع والسكت والوصل كل ذلك بغير بسملة.
2 – يقرأ بقصر المد المنفصل، وتوسط المد المتصل
3 – يقف بهاء السكت على هذه الكلمات: فيم ـ عم ـ ممّ ـ لم ـ بم ـ وهو ـ وهي ـ عليهن ـ لدي ـ إليّ ـ يا أسفا ـ يا حسرتى ـ ثم.
4 – يثبت الياءات الزوائد في رؤوس الآي وقفاً ووصلاً نحو: {فلا تستعجلون} {فلا تفضحون}، وكذلك يثبت غيرها مما لم يكن في رؤوس الآي
6 – قرأ بالإدغام الكبير كالسوسي في بعض الحروف المتماثلة: {لا قبل لهم بها} {والصاحب بالجنب}
7 – قرأ بضم هاء كل ضمير جمع مذكر أو مؤنث أو هاء ضمير مثنى إن وقع بعد ياء ساكنة: {فيهم} ـ {عليهم} {عليهن} {فيهما}
8 – قرأ بالإدغام في {يس والقرآن}، و{ن والقلم}.
9 – قرأ بالإمالة في لفظ {أعمى} اللفظة الأولى من آية 72 سورة الإسراء.
وانفرد رويس بالأحكام الآتية:
1- قرأ بضم هاء ضمير الجمع إن وقع بعد ياء ساكنة مقدرة: {أولم يكفهم} على تقدير أنها: يكفيهم، ومثله {فاستفتهم}
2 – أمال: الكافرين ـ للكافرين ـ بالكافرين (أينما وقعت)
3 – أشم كالكسائي واواً وزاياً:
فأشم بالواو في: جيء ـ غيض ـ قيل ـ حيل ـ سيء ـ سيق ـ سيئت
وأشم بالزاي في: أصدق ـ فاصدع ـ تصدية ـ تصديق ـ قصد ـ يصدر ـ يصدفون.
4 – قرأ باختلاس هاء الكناية، وهو النطق بها مكسورة كسراً كاملاً من غير إشباع (مد الصلة) {بيده ملكوت}
5 – قرأ بتسهيل ثاني الهمزتين من كلمة من غير إدخال
6 – قرأ بتسهيل ثاني الهمزتين من كلمتين إذا اتفقتا، أما إذا اختلفت الحركتان فيقرأ بتغيير ثانيتهما.
7 – وقف بهاء السكت عند قوله: {فثم}
وانفرد روح بالأحكام الآتية:
1 – قرأ بكسر هاء ضمير الجمع إن لم تكن قبلها ياء ساكنة ظاهرة نحو: {ويلهِهِم الأمل}
2 – أمال حرفين اثنين:
ـ {كافرين} من سورة النمل آية 42
ـ {يا} من يس
المطلب العاشر: قراءة خلف العاشر
هو نفسه خلف بن هشام راوي حمزة، فله إذن مذهبان، الأول: مذهبه كراوية عن حمزة، والثاني مذهبه كقارئ مستقل.
واعتاد القراء أن يقولوا: خلف حمزة، أو خلف عن حمزة، إذا أرادوا الإشارة إليه كراوٍ عن حمزة، أما إذا أرادوا الإشارة إليه في قراءته قالوا: خلف القارئ، أو خلف العاشر.
ومع أن اختياراته نادرة، ولكن أئمة القراءة يصنفونه عاشر الأئمة. ومن أصول قراءته:
1 – يقرأ في وصل السور بغير بسملة.
2 – يقرأ بالتوسط في المتصل والمنفصل
3 – قرأ بنقل حركة الهمزة إلى السكون قبلها مع حذف الهمزة في لفظ فعل الأمر من السؤال حيث وقع، إذا كان قبل السين واو أو فاء، مثل:
{فاسألوا}: قرأها: فسَلوا
{واسأل}: قرأها: وسل
4 – قرأ بالإشمام زاياً في: الصراط ـ صراط ـ أصدق ـ فاصدع ـ تصدية ـ تصديق ـ قصد ـ يصدر ـ يصدفون.
وفيما سوى ذلك فأصوله قارئاً كأصوله راوياً، وله بعض الخلافات الفرشية تجدها في مظانها.
الفصل الخامس: الفرشيات
المبحث الأول: معنى الفرشيات
جرى علماء القراءة على تصنيف الخلاف في القراءات إلى قسمين اثنين:
الأول: خلاف أصولي
الثاني: خلاف فرشي
ويقصدون بالخلاف الأصولي ما كان من جهة قواعد الأداء كقاعدة قالون في ضم الميمات وقاعدة، ورش في البدل، وقاعدة ابن كثير في قصر الممدود وغير ذلك.
فالخلاف الأصولي تضبطه قواعد مطردة، تتكرر في القرآن الكريم في كل موطن تحققت فيه شرائط الراوي لإعمال القاعدة.
وأما الخلاف الفرشي فهو ما جاء على غير مثال، لا تضبطه قاعدة مطردة، وإنما يعرف بالسماع لكل موضع بمفرده، ومحله رسم القرآن الكريم، حيث يكون للكلمة ذاتها أكثر من وجه في الأداء، ورد بالتواتر ويحتمله الرسم القرآني ويوافق وجهاً من وجوه العربية.
وهذا التقسيم الثنائي قديم في صنيع القراء، وقد اعتمده الشاطبي في حرز الأماني، حيث عنون للباب بقوله: باب فرش الحروف.
وقال ابن القاصح شارح الشاطبية: (القراء يسمون ما قل دوره من حروف القراءات المختلف فيه فرشاً، لأنها لما كانت مذكورة في أماكنها من السور فهي كالمفروشة، بخلاف الأصول، لأن الأصل الواحد منها ينطوي على الجميع، وسمى بعضهم الفرش فروعاً، مقابلة للأصول)(427)
وجرى عمل علماء القراءة على بسط أصول القراء وفق قواعدهم أولاً في أبواب جامعة، أهمها:
ـ باب الاستعاذة والبسملة ـ باب الإدغام الكبير
ـ باب المد والقصرـ باب هاء الكناية
ـ باب الهمز المفرد ـ باب الهمزتين من كلمة
ـ باب الهمزتين من كلمتين. ـ باب نقل حركة الهمز
ـ باب ياءات الإضافة ـ باب الإظهار والإدغام
ـ باب ياءات الزوائد ـ باب الراءات
ـ باب التقليل والإمالة باب اللامات
ـ باب الوقف والسكت باب مرسوم الخط
وغير ذلك من الأبواب، ثم يأخذون بتقصي القول في فرش الحروف، فيأتون على ذكر كل كلمة اختلف القراء في أدائها، فيوردون ماقرأ به كل واحد من الأئمة المعتمدين وفق ما أذن به المعصوم – صلى الله عليه وسلم -.
وقد أتينا في الفصل السابق على بسط مجمل قواعد القراء، ونشرع الآن إن شاء الله في بيان أهم اختياراتهم في الفرش.
————
(427) سراج القارئ المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي لابن القاصح ص 148
المبحث الثـانـي: دفـع تـوهـم تنــاقـض الــرسـم الــقــرآنـي مـع الفـرشيـات المخـتـلفـة
وتجدر الإشارة هنا أن من الفرشيات ما يحتمله الرسم القرآني ومنها مالا يحتمله بحسب الظاهر، فمن الأمثلة على ما يحتمله الرسم القرآني:
1 – قرأ الجمهور: {ويُبَشِّرُ المؤمنين} الإسراء 9
قرأ حمزة الكسائي {ويَبْشُرُ المؤمنين}(428)
2 – قرأ الجمهور: {لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة} ـ آل عمران 129
وقرأ ابن كثير وابن عامر وجعفر وأبو يعقوب: {مضعَّفة}(429)
3 – قرأ الجمهور: {مَلِك يوم الدين} الفاتحة
وقرأ عاصم الكسائي ويعقوب وخلف العاشر: {مالك}(430)
فهذا وأمثاله يحتمله الرسم القرآني بدون إشكال، ولابد هنا من التنويه أن المقصود بالرسم هنا الوثيقة التي كتبت في عهد عثمان وكانت بلا نقط ولا شكل.
وأما مالا يحتمله الرسم القرآني بحسب الظاهر فنمثل له بما يلي:
1 – قرأ الجمهور: {وسارعوا إلى مغفرة} آل عمران 132
قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر: {سارعوا} بغير واو(431)
2 – قرأ الجمهور: {جنات تجري تحتها الأنهار} التوبة 100
وقرأ ابن كثير: {جنات تجري من تحتها الأنهار} بزيادة من(432)
3 – قرأ الجمهور: {فإن الله هو الغني الحميد}
وقرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر: بدون “هو”(433)
فذلك كله يبدو بحسب الظاهر غير محتمل للرسم القرآني، ويدفع إلى القول بأنه لم يستكمل شروط القراءة المتواترة، فكيف إذن تمّ إدارجه فيها؟
وهذا الإشكال الموهم يتبدد تماماً حينما نلاحظ أن عثمان حين كتب المصاحف الستة التي فرقها في الأمصار كان يلحظ اختلاف القراءات التي أذن بها النبي – صلى الله عليه وسلم – فما كان منها يحتمله الرسم كتغيير النقط، وتغيير الشكل، وتحقيق الهمز أو تسهيله، وإثبات المدات وقصرها، فذلك كله لا إشكال فيه لأن المصحف كتب أصلاً بغير نقط ولا شكل ولا همز.
وأما ما كان من الباب الثاني فقد لحظه عثمان رضي الله عنه من خلال إثباته في أحد المصاحف الستة، وهذا هو السبب في التفاوت اليسير بين مصاحف الأمصار، والذي سلم عامة القراء بوجوده، وقاموا بعزو كل وجه إلى مصحف من مصاحف الأمصار.
وهكذا فإن بين المصاحف الستة التي نسخها عثمان تفاوت يسير في بعض الحروف.
وقبل أن نأتي باستقراء جامع مانع لسائر هذه المواضع فإن من الواجب أن نزيد أمر هذا الاختلاف تجلية وبياناً، فهو مع أنها اختلاف يسير جداً، ولكن تصور أنه خطأ أو سهو مسألة خطيرة في تحقيق عصمة النص القرآني العظيم.
ومن أوضح الردود على ذلك ما سطره الإمام الحافظ أبو عمرو الداني في كتابه المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار إذ قال ما نصه: (قال أبو عمرو فإن سأل سائل عن السبب الموجب لاختلاف مرسوم هذه الحروف الزوائد في المصاحف قلت السبب في ذلك عندنا أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لما جمع القرآن في المصاحف ونسخها على صورة واحدة وآثر في رسمها لغة قريش دون غيرها مما لا يصحّ ولا يثبت نظراً للأمّة واحتياطاً على أهل الملّة وثبت عنده أن هذه الحروف من عند الله عز وجل كذلك مُنْزَلة ومن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مسموعة وعلم أن جمعها في مصحف واحد على تلك الحال غير متمكّن إلا بإعادة الكلمة مرّتين وفي رسم ذلك كذلك من التخليط والتغيير للمرسوم ما لا خفاء به ففرّقها في المصاحف لذلك فجاءت مثبتة في بعضها ومحذوفة في بعضها لكي تحفظها الأمة كما نزلت من عند الله عز وجل وعلى ما سُمِعَت من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهذا سبب اختلاف مرسومها في مصاحف أهل الأمصار)(434)
وهكذا فإن هذه الأحرف المختلف فيها كتبت على الصحة، والإتقان، والعمد والقصد، لحفظ قراءتين على المسلمين قرأهما رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في وقتين من أوقات مختلفة… وأن الذي وقع من النقص والزيادة لم يكن عن سهو ناسخ، ولا عن غفلة ناقل ولا ضياع أصل.
وكذلك ننقل هنا طرفاً مما كتبه العلامة الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي مصر في هذه المسألة:
(إن هذا الاختلاف بين تلك المصاحف إنما هو اختلاف قراءات في لغة واحدة، لا اختلاف لغات، قصد بإثباته إنفاذ ما وقع الإجماع عليه إلى أقطار بلاد المسلمين واشتهاره بينهم. وإنما كتبت هذه في بعض بصورة، وفي آخر بأخرى، لأنها لو كررت في كل مصحف لتوهم نزولها كذلك، ولو كتبت بصورة في الأصل، وبأخرى في الحاشية لكان تحكماً مع إبهام التصحيح، ومثل هذا بعد أمر عثمان رضي الله عنه بنسخ المصحف وبعثه إلى كل جهة ما أجمع الصحابة على الأخذ به لا يؤدي إلى تنازع أو فتنة، لأن أهل كل جهد قد استندوا إلى أصل مجمع عليه وإمام يرشدهم إلى كيفية قراءاته.
والحاصل أن المصاحف العثمانية كتبت لتَسَعَ من القراءات ما يرسم بصور مختلفة إثباتا وحذفا وإبدالا، فكتبت في بعضها برواية، وفي بعضها برواية أخرى تقليلا للاختلافات من الجهة الواحدة بقدر الإمكان، فكما اقتصر على لغة واحدة في جميع المصاحف، اقتصر على رسم رواية واحدة في كل مصحف، والمدار في القراءة على عدم الخروج عن رسم تلك المصاحف ولذلك لا يحظر على أهل أي جهة أن يقرءوا بما يقتضيه رسم الجهة الأخرى(435).
————
(427) سراج القارئ المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي لابن القاصح ص 148
(428) تقريب النشر لابن الجزري ص 133
(429) المصدر نفسه ص 102
(430) المصدر نفسه ص 7
(431) المصدر نفسه ص 102
(432) المصدر نفسه ص 121
(433) المصدر نفسه ص 179
(434) المقنع في معرفة مرسوم مصاحف الأمصار لأبي عمرو الداني ط دار الفكر ص 115
(435) عنوان البيان في علوم التبيان لمحمد حسنين مخلوف ص 38.
المبحث الثــالــث: حصر تفـاوت مصاحف الأمصـار
ولنأخذ الآن في إحصاء ما ورد من خلاف في الرسم بين المصاحف العثمانية على سبيل الإحاطة المستوعبة(436):
سائر الاختلاف في الرسم محصور في 49 كلمة وهي:
1 – {وقالوا اتخذ الله ولداً} البقرة 116، وهي قراءة الجمهور جاءت في المصحف الشامي: “قالوا اتخذ الله ولداً”، بدون واو وهي قراءة ابن عامر(437)
2 – {ووصى بها إبراهيم} البقرة 132، وهي قراءة الجمهور
وجاءت في المصحف المدني وكذلك في المصحف الشامي “وأوصى” بهمزة وهي قراءة نافع وابن عامر وأبو جعفر(438)
3 – {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم} آل عمران 133، بواو قبل سارعوا وهي قراءة الجمهور وفي المصحف المدني “سارعو” بغير واو، وهي كذلك في المصحف الشامي: وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر(439).
4 – {بالبينات والزبر والكتاب المنير} آل عمران 184 وهي قراءة الجمهور وفي المصحف الشامي بباء في “الزبر” وهي قراءة ابن عامر(440)
5 – {ما فعلوه إلا قليلٌ منهم} النساء 66 وهي قراءة الجمهور، وفي المصحف الشامي {إلا قليلاً} وهي قراءة ابن عامر.(441)
6 – {ويقول الذين آمنوا} المائدة 53 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف المدني “يقول” بدون واو وهي قراءة نافع وابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر(442)
7 – {ومن يرتدَّ منكم عن دينه} المائدة 54 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف المدني “ومن يرتدد” بدالين وهي قراءة نافع وابن عامر، وأبي جعفر(443)
8 – {وللدار الآخرة} الأنعام 32 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “ولدار الآخرة” بلام واحدة وهي قراءة ابن عامر(444)
9 – {لئن أنجانا من هذه} الأنعام 63 وهي قراءة عاصم وحمزة، والكسائي، وخلف، وفي مصحف البصرة: “لئن أنجيتنا” وهي قراءة الباقين(445)
10 – {وكذلك زُيِّن لكثيرٍ مِنَ المشركين قَتْلَ أولادهم شُرَكاؤهم} الأنعام 137 بالرفع في شركاؤهم وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “شركائهم” بالخفض وهي قراءة ابن عامر(446)
11 – {قليلاً ما تذكَّرون} الأعراف 3 وهي قراءة حفص، وحمزة، والكسائي، وخلف.
وفي المصحف الشامي {قليلاً ما يتذكرون} بياء قبل تذكرون وهي قراءة ابن عامر وفي قراءة تَّذكَّرون: بتشديد الذال والكاف وهي قراءة الباحثين(447)
12 – {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما لنهتدي} الأعراف 43 وهي قراءة الجمهور وفي المصحف الشامي بغير واو وهي قراءة ابن عامر.
13 – {قال الملأ الذين استكبروا} الأعراف 75 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “وقال” بزيادة واو وهي قراءة ابن عامر(448)
14 – {وإذا نجيناكم} الأعراف 141 وهي قراءة الجمهور
وفي المصحف الشامي “وإذا أنجاكم” وهي قراءة ابن عامر(449)
15 – {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام} التوبة 19
وقد قرأ ابن وردان رواية أبي جعفر بخلف عنه: “أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام”(450)
16 – {والذين اتخذوا مسجداً ضراراً} التوبة 107 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف المدني والشامي “الذين” بغير واو وهي قراءة نافع، وابن عامر، وأبي جعفر.(451)
17 – {هو الذي يسيركم} يونس 22 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “ينشركم” بنون وشين وهي قراءة ابن عامرٍ، وأبي جعفر(452)
18 – {كذلك حقت كلمة ربك} يونس 33 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “كلمات” بالجمع وهي قراءة نافع وأبي عامر، وأبي جعفر(453)
19 – {قل سبحان ربي} الإسراء 93، وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “قال” وهي قراءة ابن كثير، وابن عامر(454)
20 – {لأجدن خيراً منها منقلباً} الكهف 36 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف المدني والشامي “منهما” وهي قراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر(455)
21 – {لأهب لك غلاماً زكياً} مريم 19 وهي قراءة الجمهور والوجه الثاني لقالون
وقد قرأها ورش وأبو عمرو ويعقوب وقالون بخلف عنه “ليهب لك غلاماً”(456)
22 – {قال ربي يعلم القول} الأنبياء 4 وهي قراءة حفص وحمزة، والكسائي، وخلف.
وفي مصحف أهل البصرة {قل ربي} وهي قراءة باقي القراء(457)
23 – {سيقولون لله} المؤمنون 85 – 87 – 89 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “سيقولون الله” في الآيتين 87 و 89 وهي قراءة أبي عمرو ويعقوب(458)
24 – {قال كم لبثتم في الأرض} “المؤمنون 112 وهي قراءة الجمهور
عند أهل الكوفة: “قل كم لبثتم” وهي قراءة ابن كثير وحمزة، والكسائي(459)
25 – {فسأل العادين} المؤمنون 113 وهي قراءة الجمهور.
وقرِئَتْ: “فَسَلِ العادين” وهي قراءة ابن كثير والكسائي، وخلف.
26 – {قال إن لبثتم} المؤمنون 114 وهي قراءة أهل البصرة.
وقرأ أهل الكوفة: “قل إن لبثتم” وهي قراءة حمزة والكسائي(460)
27 – {أيُّه المؤمنون} النور 31 وهي قراءة الجمهور مع خلاف في الألف حول حذفها أو إثباتها وفي المصحف الشامي “أيُّهُ” بهاء مضمومة لا ألف بعدها وهي قراءة ابن عامر(461)
28 – {وتوكل على العزيز الرحيم} الشعراء 213 وهي قراءة الجمهور.
وأهل الشام قرؤوا “فتوكل” بالفاء وهي قراءة نافع، وابن عامر، وأبي جعفر (462)
29 – {أئِذا كنا تراباً و آباؤنا أئنا لمخرجون} النمل 67 وهي قراءة الجمهور.
وقرأ أهل الشام “إننا” وهي قراءة ابن عامر والكسائي.
وقرأ أهل العراق “أينا لمخرجون” بياء بعدها نون (463)
30 – {تأمرونّي أعبد}(464) الزمر 64 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “تأمرونني أعبد” بنونين، وهي قراءة ابن عامر
31 – {كانوا هم أشد منهم قوة} غافر 21، وهي قراءة الجمهور
وفي المصحف الشامي “أشد منكم” بالكاف وهي قراءة ابن عامر(465)
32 – {أو أن يظهر في الأرض الفساد} غافر 26 وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف المدني “يقول” بدون واو وهي قراءة نافع وابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر(442)
وفي المصحف الشامي والمدني “وأن” وهي قراءة ابن كثير وابن عامر وكذلك: نافع وأبي عمرو وأبي جعفر. (466)
33 – {فيما كسبت أيديكم} الشورى 30 وهي قراءة الجمهور وفي المصحف الشامي والمدني “بما كسبت” وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر(467)
34 – {الذين هم عباد الرحمن} الزخرف 19 وهي قراءة الجمهور وفي المصحف الشامي “عند الرحمن” وهي قراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبي جعفر، ويعقوب(468)
35 – {وقَالَ أولو جئتكم} الزخرف 24، وهي قراءة أهل الشام وحفص.
وقرأ أهل العراق “قُلْ” وهي قراءة الباقين(469).
36 – {حتى إذا جاءنا} وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “جاءانا” بالتثنية وهي قراءة نافع، وابن كثير وابن عامر وشعبه وأبي جعفر(470)
37 – {وقالوا يا أيه الساحر} الزخرف 49، وهي قراءة الجمهور. مع خلاف في الألف.
وهي في المصحف الشامي “أيه” بضم الهاء وهي قراءة ابن عامر(471)
38 – {يا عباد لا خوف عليكم} الزخرف 68، وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف المدني “يا عبادي” بإضافة ياء وهي قراءة نافعة وأبي عمرو، وابن عامر، وأبي جعفر، ورويس.
39 – {وفيها ما تشتهيه الأنفس} الزخرف 71، وهي قراءة أهل المدينة والشام كنافع، وأبي عامر، وحفص، وأبي جعفر.
وقرأ أهل العراق “ما تشتهي” بدون هاء وهي قراءة باقي القراء(472)
40 – {ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً} الأحقاف 15، وهي قراءة أهل الكوفة.
وفي المصحف البصري “حسناً” وهي قراءة نافع وابن كثير، وأبي عمرو، وابن عامر، وأبي جعفر، ويعقوب.
41 – {وفصاله ثلاثون شهراً} وهي قراءة الجمهور
وقرأ يعقوب “وفصله” بدون ألف(473)
42 – {وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً} وهي قراءة الجميع إلا البصريين. وقرأ أهل البصرة: “لا يألتكم”، بإثبات الهمزة قبل اللام(474)
43 – {والحب ذو العصف والريحان} الرحمن 12، وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “ذا العصف” بالنصب وهي قراءة ابن عامر(475)
44 – {سنفرغ لكم أيه الثقلان} الرحمن 31، وهي قراءة الجمهور مع خلاف في الألف وفي المصحف الشامي “أيه” بضم الهاء وهي قراءة ابن عامر(476)
45 – {تبارك اسم ربك ذي الجلال} الرحمن 78، وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “ذو الجلال” بالرفع وهي قراءة ابن عامر(477)
46 – {وكلا وعد الله} الحديد 10، وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي “وكلٌّ” بضم اللام وهي قراءة ابن عامر(478)
47 – {فإن الله هو الغني الحميد} الحديد 24، وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي والمدني “فإن الله الغني الحميد” بغير “هو” وهي قراءة نافع، وابن عامر، وأبي جعفر(479)
48 – {قواريرا قواريرا من فضة} الإنسان 15 وهي قراءة أهل الكوفة.
وفي المصحف البصري بغير ألف في “قوارير” الثانية وهي قراءة ابن كثير وخلف (480). حجة القراءات 738
49 – {ولا يخاف عقباها} الشمس 15، وهي قراءة الجمهور.
وفي المصحف الشامي والمدني “فلا يخاف” بالفاء وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر(481). حجة القراءات 766.
————
(436) تم إعداد هذا الإحصاء من خلال استقراء ما كتبه علماء القراءة بهذا الشأن، والمعول في ذلك على النشر لابن الجزري والمصاحف للسجستاني والمقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار لأبي عمرو الداني وحجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة، ومقدمتان في علوم القرآن بتحقيق آرثر جفري لمؤلف مجهول، كما نقل عنه معجم القراءات القرآنية. ولم أتبعه في طريقته إذ اختار أن يظهر تخالف المصاحف عن بعضها بين كل مصرين، ولدى المقارنة، ستجد أن ما قدمته هذه الدراسة هو المطلوب تماماً لمعرفة التخالف بين مصاحف الأمصار إذ أوردت الكلمة المختلف في رسمها وبينت كيف رسمت في كل واحد من المصاحف.
(437) حجة القراءات ص 110، ومعجم القراءات القرآنية ص 45 – 46، والمقنع ص 102.
(438) معجم القراءات القرآنية، جـ1 ص 45 – 46، والمقنع ص 102.، والمصاحف للسجستاني ص 49.
(439) المقنع للداني ص 102.
(440) وكذلك فقد قرأ هشام عن ابن عامر بإضافة باءين اثنتين، ونصه.
“بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير” وانظر حجة القراءات ص 185
(441) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 46، والمقنع للداني ص 102.
(442) حجة القراءات ص 229 ومعجم القراءات القرآنية جـ1 ص 45 – 47
(443) المقنع للداني ص 105.
(444) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 47
(445) حجة القراءات ص 255 ومعجم القراءات القرآنية جـ1 ص 49.
(446) حجة القراءات ص 255 ومعجم القراءات القرآنية جـ1 ص 47
(447) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 47
(448) حجة القراءات ص 279 ومعجم القراءات القرآنية جـ1 ص 47
(449) حجة القراءات ص 294، ومعجم القراءات القرآنية جـ1 ص 47
(450) كذا قرأها أهل التواتر: قال ابن الجزري في الدرة المضية: وقل عمرة معها سقاة الخلاف بن……..
ولكن لم أجد أحداً أشار إلى اختلاف المصاحف في هذه الكلمة، بل رأيت ابن الجزري في طيبة النشر قد أعرض عن ذكرها بالكلية، ولكن لا يمكن التسليم بصحة وجهي القراءة إلا مع الاعتقاد بموافقتها لوجه أحد المصاحف العثمانية، وقد خفي عنا، أو أنه لم ينقل عن تلك المصاحف الأصول، أو أن الرسم يحتملها ولو تقديراً.
(451) حجة القراءات 323 ومعجم القراءات القرآنية ص 45 و 47
(452) المقنع للداني ص 104.
(453) لم أجد أحداً صرح بأنها كذلك في المصحف الشامي إلا ما أثبته صاحب معجم القراءات القرآنية، نقلاً عن المخطوطة التي حققها آرثر جفري، ولكن أبا زرعة بن زنجلة لم يصرح بذلك في الحجة واكتفى بالقول: قرأها نافع وابن عامر بالجمع لأنها كتبت في المصاحف بالتاء، فكأنهما قالا: لو أراد الإفراد لرسمت بالتاء المربوطة: كلمة، ولكن لما رسمت بالتاء المبسوطة دل على أنه أراد الجمع على تقدير ألف خنجرية في الرسم “كلمت”، وليس هذا التقدير بالطبع محض تحكم بل هو موافقة التواتر لتقدير محتمل، وهو ما تدل له عبارتهم: من شرط القراءة المقبولة موافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً.وكذلك فإن السجستاني في المصاحف لم يشر إلى هذا الموضع البتة. انظر معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 47، وانظر حجة القراءات ص 331، المصاحف للسجستاني ص 49
(454) المقنع للداني ص 105
(455) حجة القراءات 416 ومعجم القراءات القرآنية جـ1 ص 46 و 47
(456) كذا قرأها أهل التواتر:
قال: الشاطبي: وهمز أهب باليا جرى حلو بحره بخلف…..
وقال ابن الجزري: همز أهب باليا به خلف جلا حما……
ولكن لم أجد أحداً أشار إلى اختلاف المصاحف في هذه الكلمة، مع أنه لا يمكن التسليم بصحة وجهي القراءة إلا مع الاعتقاد بموافقتها لوجه أحد المصاحف العثمانية.
(457) المقنع للداني ص 104. والمصاحف للسجستاني ص 50.
(458) المقنع للداني ص 106. والمصاحف للسجستاني ص 51.
(459) المقنع للداني ص 104. والمصاحف للسجستاني ص 52.
(460) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 49
(461) المصدر نفسه ص 48
(462) حجة القراءات 522 ومعجم القراءات جـ1 ص 46 و 48
(463) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 48، والتقدير هنا أن الهمزة رسمت في الكتبة الأولى، فتخالفت بذلك المصاحف، ولو أن تدوين هذه الهمزة تأخر إلى زمن النقط لم يصح القول هنا بأن في المصاحف أي تخالف في هذه المسألة.
(464) معجم القراءات ص 48، والمقنع للداني ص 103.
(465) حجة القراءات 629 ومعجم القراءات ص 48
(466) المصدر نفسه ص 48، والمقنع للداني ص 103.
(467) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 46 و 48
(468) المصدر نفسه ص 48، وقراءة الجمهور ممكنة من المصحف الشامي على تقدير الألف الخنجرية، ولكن قراءة الشاميين والحرميين والحضرميين من المصحف العراقي غير ممكنة إذ لا يوافق الرسم العثماني القراءة بالحذف والألف مرسومة أصلاً (عباد).
(469) المقنع لأبي عمرو الداني ص 104.
(470) المصاحف للسجستاني ص 52.
(471) المصاحف للسجستاني ص 52.
(472) المقنع لأبي عمرو الداني ص 104.
(473) المصدر السابق نفسه ص 105
(474) لم أجد من أشار إلى أن في المصحف البصري إثبات هذه الهمزة دون سائر المصاحف، ولكن الرواة متفقون أنها قراءة أبي عمرو ويعقوب وهي متواترة، ولم يكن لهم أن يدرجوها في المتواترة لو لم يقم لديهم الدليل بأنها كذلك في أحد المصاحف العثمانية، والله أعلم
(475) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 48، المقنع لأبي عمرو الداني ص 108.
(476) المقنع لأبي عمرو الداني ص 109.
(477) المصدر نفسه ص 109
(478) المصدر السابق نفسه ص 109
(479) حجة القراءات ص 702 ومعجم القراءات القرآنية جـص 49
(480) حجة القراءات ص 738 ومعجم القراءات القرآنية ص 49
(481) المقنع للداني ص 114.
المبحث الرابع: إحصاء اختلاف القراءات
في هذا المبحث نقوم بجمع سائر الكلمات التي قرئت في القرآن الكريم بوجهين فأكثر من الطرق المتواترة بالشروط التي قدمناها للتواتر.
وإنما نفرد بالذكر هنا ما كان وجهاً في الفرش دون الأصول(482)، إذ الخلاف في الأصول يمكن ضبطه من خلال قواعده الجامعة التي قدمناها وهو يكاد يتكرر في كل كلمة من القرآن الكريم، ولا يترتب عليه أدنى تغير في المعنى الدلالي، ومن غير المجدي أن نتكلف إحصاء ذلك كله.
ويمكن تلخيص ذلك من خلال الأرقام الآتية:
1 – عدد الكلمات التي قرئت على وجهين: 1315 كلمة
2 – عدد الكلمات التي قرئت على ثلاثة وجوه: 105 كلمات
3 – عدد الكلمات التي قرئت على أربعة وجوه: 24 كلمة
4 – عدد الكلمات التي قرئت على خمسة وجوه: 3 كلمات تكررت إحداهن 11 مرة.
وليس في القرآن الكريم أي كلمة اختلف القراء العشرة في فرشها على ستة وجوه، أو أكثر من ذلك.
ولنشرع في بسط هذه الوجوه على سبيل التفصيل:
————
(482) مضينا هنا على اعتبار الروم والإشمام والاختلاس والإمالة والبطح وتحقيق الهمزات وما يتغير وصلاً ووقفاً من باب الأصول وليس من باب الفرش، وإن يكن سبيل معرفتها في كثير من المظان بالنص وحده دون أن تنتمي لقاعدة أصولية.
المطلب الأول: ما قرئ على وجهين
يبلغ مجموع ما قرأه السبعة على وجهين من جهة الفرش 1183 ثلاث وثمانون ومائة وألف كلمة، وهذا ما ظهر لي من استقراء ما أورده الداني في التسير، ونهج عليه الشاطبي في حرز الأماني، وهما أوثق مرجعين في قراءة السبعة.
ثم أخذت في استقراء ما قرأ به الثلاثة تتمة العشرة مما يغير فرشاً في الكلمة مخالفاً لما قرأ به السبعة فوجدته يبلغ 165 خمساً وستين ومائة كلمة.
فإذا علمت أن ثلاثاً وثلاثين منها قرئت أصلاً عند السبعة بوجهين علمت أنهم أضافوا إليها وجهاً ثالثاً، وسيأتي بيان ذلك في الفصل الخاص بإحصاء ما ورد على ثلاثة وجوه.
فيكون مجموع ما قرأه العشرة بوجهين من جهة الفرش 1315 موضعاً، خمس عشرة وثلاث مائة وألف كلمة.
ولما كان جمع هذه المواضع يطول به الكتاب، وليس من شرط دراستنا، وقد قامت به كتب جليلة سابقة، فإن من الحكمة أن أحيل عليها، إذ لن نأتي في هذا الباب بجديد(483).
واقتصرت من هذا الباب على فرش القراءات التي تتغير بها الأحكام الشرعية، وهو ما أفردت له الباب التالي.
كما أوردت في الفصول التالية إحصاء لما قرئ على ثلاثة وجوه، وأربعة وجوه، وخمسة وجوه، وإن يكن ذلك ليس من شرط دراستنا، ولكنه يلقي ضوءً مفيداً لبيان ندرة هذه الوجوه وقلتها في القرآن الكريم.
————
(483) انظر النشر في القراءات العشر لابن الجزري، البدور الزهرة لعبد الفتاح القاضي، تحفة العصر في القراءات العشر للشيخ شكري لحفي
المطلب الثاني: ما قرئ على ثلاثة وجوه
وجملة ما قرأه الأئمة على ثلاثة وجوه بالتواتر مائة وخمس كلمات، وستجد من استقرائها أن دلالاتها متقاربة، ولا يعسر على اللبيب تحصيل الفائدة من ورودها بهذه الوجوه المتقاربة، وهاك بسطها في البيان الآتي:
سورة البقرة
1 – آية 38 {فلا خوفٌ عليهُم} حمزة(484)
{فلا خوفَ عليهُم} يعقوب
{فلا خوفٌ عليهِم} الباقون
حيث وردت في القرآن الكريم ومجموع ورودها ثلاثة عشر موضعاً.
2 – آية 58 {يُغْفَرْ لكم} نافع وأبو جعفر
{تُغْفَرْ لكم} ابن عامر
{نَغْفِرْ لكم} الباقون
3 – آية 98 {ميكائل} نافع و أبو جعفر
{ميكال} أبو عمرو وحفص ويعقوب
{ميكائيل} الباقون
4 – آية 173 {فمنُ اضْطِر} أبو جعفر
{فمنِ اضْطُر} أبو جعفر وعاصم وحمزة ويعقوب
{فمنُ اضْطُر} الباقون
5 – آية 184 {فديةُ طعامِ مساكين} نافع وابن ذكوان وجعفر
{فديةٌ طعامُ مساكين} هشام
{فديةٌ طعام مسكين} الباقون
6 – آية 197{فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالٌ} أبو جعفر
{فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدالَ}ابن كثير وأبو عمر ويعقوب
{فلا رفثَ ولا فسوق ولا جدالَ}الباقون
7 – آية 233 {لا تُضَارْ} أبو جعفر
{لا تُضَارُّ} ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب
{لا تُضَارَّ} الباقون
8 – آية 260{جُزُءَاً} شعبة
{جزَّاً} أبو جعفر
{جُزْءَاً} الباقون
9 – آية 271{ونكفِّرْ} نافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف
{ونكفِّرُ} ابن كثير وأبو عمرو وشعبة ويعقوب
{ويُكفِّرْ} الباقون
10 – آية 282{فتُذْكِرَ} ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب
{فتذَكِّرُ} حمزة
{فتذكِّرَ} الباقون
سورة آل عمران
11 – آية 49 {إنّيَ أخلق} نافع، وأبو جعفر
{أنّىَ أخلق} ابن كثير، وأبو عمرو
{أنّيْ أخلق} الباقون
12 – آية 80 {ولا يأمُرَكم} ابن عامر، وعاصم، وحمزة، ويعقوب، وخلف
{ولا يأمُرُكم} نافع، وابن كثير، والكسائي، وأبو جعفر
{ولا يأمُرْكم} أبو عمرو
13 – آية 81 {لَمَاءَ آتيناكم} نافع، وأبو جعفر
{لِمَاء آتيتكم} حمزة
{لَمَاء آتيتكم} الباقون
14 – الآية 83{يُرجَعون} حفص
{يَرْجِعون} يعقوب
{تُرْجَعون} الباقون
15 – الآية 169{ولا يحسَبنَّ} هشام
{ولا تحسَبنَّ} ابن ذكوان، وعاصم، وحمزة، وأبو جعفر
{ولا تحسِبنَّ} الباقون
16 – الآية 177 – 180 {ولا تحسَبنَّ الذين كفروا}، {ولا تحسَبنَّ الذين يبخلون} حمزة
{ولا يحسَبنَّ الذين كفروا}، {ولا يحسَبنَّ الذين يبخلون} ابن عامر، وعاصم، وأبو جعفر
{ولا يحسِبن الذين كفروا، ولا يحسبن الذين يبخلون} الباقون
17 – الآية 184{وبالزبرِ وبالكتاب} هشام
{وبالزبرِ والكتاب} ابن ذكوان
{والزبرِ والكتاب} الباقون
18 – الآية 188{فلا تحسِبَنَّهم} نافع والكسائي ويعقوب وخلف
{فلا يحسِبُنَّهم} ابن كثير، وأبو عمرو
{فلا تحسَبنَّهم} عاصم وحمزة، وابن عامر، وأبو جعفر
19 – الآية 195 {وقتلوا وقاتلَوا} حمزة والكسائي وخلف
{وقاتلوا وقتِّلوا} ابن كثير، وابن عامر
{وقاتلوا وقُتِلوا} الباقون
سورة النساء
20 – الآية 42 {تَسَّوى} نافع، وابن عامر، وأبو جعفر
{تَسَوَّى} حمزة، والكسائي، وخلف
{تُسَوَّى} الباقون
21 – الآية 152 {سوف يؤتيهِم} حفص
{سوف نؤتيهُم}: يعقوب
{سوف نؤتيهِم} الباقون
22 – الآية 154 {لا تعَدُّوا} ورش
{لا تعْدُّوا} قالون، وأبو جعفر
{لا تعْدُو} الباقون
23 – الآية 162 {سيؤتيهِم} حمزة، وخلف
{سنؤتيهُمْ} يعقوب
{سنؤتيهمِ} الباقون
سورة المائدة
24 – الآية 3 {فمَنِ اضْطُرَّ} أبو عمرو، وعاصم، ويعقوب، وحمزة
{فمنُ اضْطِر} أبو جعفر
{فمنُ اضْطُرَّ} الباقون
25 – الآية 89 {عاقدتم} ابن ذكوان
{عقدتُّم} شعبة، وحمزة، والكسائي، وخلف.
{عقَّدتُّم} الباقون
سورة الأنعام
26 – الآية 55 {ولتستبينَ سبيلَ} نافع، وأبو جعفر
{وليستبينَ سبيلُ} شعبة وحمزة والكسائي، وخلف.
{ولتستبينَ سبيلُ} الباقون
27 – الآية 105 {دارسْتَ} ابن كثير، وأبو عمرو
{دَرَسَتْ} ابن عامر، ويعقوب
{درَسْتَ} الباقون
28 – الآية 119 {فصَّل لكم ما حَرَّم} نافع، وحفص، وأبو جعفر، ويعقوب
{فَصَّل لكم ما حُرِّم} شعبة، وحمزة، والكسائي، وخلف
{فُصِّلَ لكم ما حُرِّم} الباقون
29 – الآية 139 {مَيْتَةٌ} ابن عامر وابن كثير
{مَيِّتَةٌ} أبو جعفر
{مَيْتَةً} الباقون
30 – الآية 145 {مَيْتَةٌ} ابن عامر
{مَيِّتَةٌ} أبو جعفر
{مَيْتَةً} الباقون
31 – 145 أيضاً {فمنِ اضْطُرَّ} أبو عمرو، وعاصم، وحمزة، ويعقوب
{فمنُ اضْطِرَّ} أبو جعفر
{فَمَنِ اضْطُرَّ} الباقون
32 – 153 {سراطي} رويس وقنبل
{صراطيَ} ابن عامر وصلا
{صراطيْ} الباقون
سورة الأعراف
33 – الآية 3 {يتذكرون} ابن عامر
{تذَكَّرون} حفص، وحمزة، والكسائي، وخلف
{تذَّكَّرون} الباقون
34 – الآية 40 {لا تُفْتَحُ} أبو عمرو
{لا يُفتَحُ} حمزة، والكسائي، وخلف
{لا تُفَتَّحُ} الباقون
35 – الآية 148 {حِلِيِّهم} حمزة، والكسائي
{حَلْيِهم} يعقوب
{حُلِيِّهِم} الباقون
36 – الآية 165 {بِئْسٍ} ابن عامر، ونافع وأبو جعفر بإبدال الهمزة ياء
{بَيْئَسٍ} شعبة بخلف عنه
{بِيَئْسٍ} الباقون وهو الوجه الثاني لشعبة
37 – الآية 186 {ونذرُهم} نافع، وابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر
{ويذرُهم} أبو عمرو، وعاصم، ويعقوب
{ويذرْهم} الباقون
سورة الأنفال
38 – الآية 11 {يُغشِيْكُمُ النَّعَاسَ} نافع، وأبو جعفر.
{يَغْشاكُمُ النَّعَاسُ} ابن كثير، وأبو عمرو
{يُغَشِّيكُم النَّعَاسَ} الباقون
39 – الآية 59 {ولا يَحْسَبَنَّ} ابن عامر، وحفص، وحمزة، وأبو جعفر
{ولا تَحْسَبَنَّ} شعبة
{ولا تَحْسِبَنَّ} الباقون
40 – الآية 66 {ضَعْفَاً} عاصم، وحمزة، وخلف
{ضُعفاء} أبو جعفر
{ضُعْفَاً} الباقون
سورة التوبة
41 – الآية 110 {إلى أن تقطَّع} يعقوب
{إلَّا أن تَقَطَّع} ابن عامر، وحفص، وحمزة، وأبو جعفر
{إلَّا أن تُقطَّع} الباقون
سورة يوسف
42 – الآية 76 { يرفعُ درجاتِ من يشاء} يعقوب
{نرفعُ درجاتِ من نشاء} نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو جعفر
{نرفع درجاتٍ من نشاء} الباقون
43 – الآية 109 {نوحي إليهم} حفص
{يُوحى إليهُمْ} حمزة ويعقوب
{يُوحى إليهِمْ} الباقون
سورة الرَّعد
44 – الآية 5 {أئذا كنَّا تراباً إنَّا} نافع، والكسائي، ويعقوب
{إذا كنا تراباً أئِنَّا} ابن عامر، وأبو جعفر
{أئذا كنا ترابا أينا} الباقون والجميع على أصولهم من حيث الهمزتان
سورة الحجر
45 – الآية 8 {ما تنزَّلُ الملائكةُ} شعبة
{ما نُنزِّلُ الملائكةَ} حفص، وحمزة، والكسائي، وخلف
{ما تَنَزَّلُ الملائِكةُ} الباقون
46 – الآية 44 {جُزُءٌ} شعبة
{جُزٌّ} أبو جعفر
{جُزْءٌ} الباقون
سورة النحل
47 – الآية 2 {يُنْزِلُ الملائكةَ} ابن كثير، وأبو عمرو، ورويس
{تنَزَّلُ الملائكةُ} روح
{يُنَزِّلُ الملائكةَ} الباقون
48 – الآية 12 {والشمسُ والقمرُ والنجومُ مسخراتٌ} ابن عامر
{والشمسَ والقمرَ والنجومُ مسخراتٌ} حفص
{والشمسَ والقمرَ والنجومَ مسخراتٍ} الباقون
49 – الآية 62 {مُفْرِطون} نافع
{مُفَرِّطون} أبو جعفر
{مُفْرَطُون} الباقون
سورة الإسراء
50 – الآية 13 {ويُخْرَجُ} أبو جعفر
{ويَخْرُجُ} يعقوب
{ونُخْرِجُ} الباقون
51 – الآية 23 {أُفٍّ} نافع، وحفص، وأبو جعفر
{أُفَّ} ابن كثير، وابن عامر، ويعقوب
{أُفِّ} الباقون
52 – الآية 31 {خطآءً} ابن كثير
{خَطَأً} ابن ذكوان وأبو جعفر
{خِطْأً} الباقون
53 – الآية 49 {أَئِذَا كنا عظاماً ورفاتاً إِنَّا} نافع، والكسائي، ويعقوب
{إذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنَّا} ابن عامر، وأبو جعفر
{أئِذا كُنَّا عظاماً ورفاتاً أَئـنَّا} الباقون، وكلٌّ على أصله فيما بين الهمزتين
سورة الكهف
54 – الآية 17 {تَزْوَرُّ} ابن عامر، ويعقوب
{تَزَاْوَرُ} عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف
{تَزَّاوَرُ} الباقون
55 – الآية 8 {ولَمُلِّئْتَ} نافع، وابن كثير
{ولـمُلِّيْتَ} أبو جعفر
{ولـمُلِئتَ} الباقون
56 – الآية 34 {ثُمْرٌ} أبو عمرو
{ثَمَرٌ} عاصم، وأبو جعفر، ويعقوب
{ثُمُرٌ} الباقون
57 – الآية 59 {لـِمَهْلَكِهم} شعبة
{لِـمَهْلِكِهم} حفص
{لِـمُهْلِكِهم} الباقون
58 – الآية 76 {لَدُنِي} نافع، وأبو جعفر
{لَدْنِي} شعبة
{لَدُنِّي} الباقون
59 – الآية 96 {الصُّدُفين} ابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر، ويعقوب
{الصُّدْفين} شعبة
{الصُّدُفينِ} الباقون
سورة طه
60 – الآية 12 {إنِّيَ أنا} نافع
{أنِّيَ أنا} ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر
{إِنِّيْ أنا} الباقون
61 – الآية 63 {إنْ هذانِّ} ابن كثير مع المد المشبع، وحفص بتشديد النون
{إنَّ هذَيْنِ} أبو عمرو
{إنَّ هذانِ} الباقون
62 – الآية 69 {تلَقَّفُ} ابن ذكوان
{تَلْقَفُ} حفص
{تَلَقَّفُ} الباقون
63 – الآية 87 {بِـمَلكِنا} نافع، وعاصم، وأبو جعفر
{بـِمُلْكِنا} حمزة، والكسائي، وخلف
{بـمِلْكِنا} الباقون
64 – الآية 97 {لنَحْرُقَنَّهُ} ابن ذكوان
{لنُحْرِقَنَّهُ} ابن جماز
{لنُحَرِّقَنَّهُ} الباقون
65 – الآية 133 {أو لم تأتِهِم} نافع، وأبو عمرو، وحفص، وابن جماز، وروح
{أو لم تأتِهُمْ} رويس
{أو لم يأتِهِم} الباقون
سورة الأنبياء
66 – الآية 80 {لِتُحْصِنَكُم} ابن عامر، وحفص، وأبو جعفر
{لِنُحْصِنَكُم} شعبة، ورويس
{ليُحْصِنكُم} الباقون
67 – الآية 112 {قال ربِّ احكم} حفص
{قُلْ ربُّ احكم} أبو جعفر
{قُلْ ربِّ احكم} الباقون
سورة الحج
68 – الآية 29 {ولْيُوفُوا} و{لْيَطَّوفُوا} ابن ذكوان
{ولْيُوَفُّوا} و{لْيَطَّوَّفوا} شعبة
{ولْيُوفُوا} و{لْيَطَّوَّفوا} الباقون
سورة المؤمنون
69 – الآية 21 {نَسْقيكم} نافع، وابن عامر، وشعبة، ويعقوب
{تَسْقيكم} أبو جعفر
{نُسْقيكم} الباقون
70 – الآية 72 {خرجاً فخَرْجُ} ابن عامر
{خراجاً فخراج} حمزة والكسائي وخلف
{خَرْجَاً فخراج} الباقون
سورة النور
71 – الآية 35 {دِرِّى~ءٌ} أبو عمرو، والكسائي
{دُرِّي~ءٌ} شعبة، وحمزة
{دُرِّيٌّ} الباقون
72 – الآية 35 {تَوَقَّدَ} ابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ويعقوب
{يُوقَــدُ} نافع وابن عامر، وحفص
{تُوقَدُ} الباقون
73 – الآية 40 {سحابُ ظلماتٍ} البزي
{سحابٌ ظلماتٍ} قنبل
{سحابٌ ظلماتٌ} الباقون
74 – الآية 56 {لا يحسَبَنَّ} ابن عامر، وحمزة
{لا تَحْسَبَنَّ} عاصم، وأبو جعفر
{لا تحسِبَنَّ} الباقون
75 – الآية 61 {إِمَّهَاتِكم} حمزة
{إمَّهَاتِكم} الكسائي
{أُمَّهَاتِكم} الباقون، وقرأ حمزة والكسائي كذلك إن وقفا على ما قبل أمهاتكم
سورة الفرقان
76 – الآية 67 {ولم يُقْتِروا} نافع، وابن عامر، وأبو جعفر
{ولم يَقْتِروا} ابن كثير وأبو عمرو، ويعقوب
{ولم يَقتُرُوا} الباقون
سورة النمل
77 – الآية 22 {من سبأَ} البزي، وأبو عمرو
{من سبأْ} قنبل
{من سبأٍ} الباقون
78 – الآية 36 {أتمدونني} نافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر وصلا، وابن كثير وصلاً ووقفاً
{أتمدو~نِّي} حمزة، ويعقوب
{أتمدونَنِ} الباقون
79 – الآية 49 {مَهْلَك} شعبة
{مَهْلِكَ} حفص
{مُهْلَك} الباقون
80 – الآية 89 {فزعِ يَومَئِذٍ} نافع، وأبو جعفر
{فزعِ يَوْمِئِذ} ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، ويعقوب
{فزعٍ يومَئِذٍ} الباقون
سورة العنكبوت
81 – الآية 25 {مودةُ بينِكم} ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، ورويس
{مودةَ بينِكم} حفص، وحمزة، وروح
{مودةً بينَكم} الباقون
82 – الآية 57 {يُرْجَعون} شعبة
{تَرْجِعون} يعقوب
{تُرْجَعون} الباقون
سورة لقمان
83 – الآية 17 {يا بُنَيَّ} حفص
{يا بُنَيْ} قنبل
{يا بُنَيِّ} الباقون
سورة السجدة
84 – الآية 10 {أئذا ضللنا في الأرض إنَّا} نافع والكسائي ويعقوب
{إذا ضللنا في الأرض أَئِنَّا} ابن عامر، وأبو جعفر
{أئِذا ضللنا في الأرض أئِنَّا} الباقون
سورة الأحزاب
85 – الآية 30 {نضعِّف لها العذابُ} ابن كثير، وابن عامر
{ يُضَعَّفْ لها العذاب} أبو عمرو، وأبو جعفر، ويعقوب
{يضاعفْ لها العذابُ} الباقون
سورة سبأ
86 – الآية 12 {الريحُ} شعبة
{الرياحُ} أبو جعفر
{الريحَ} الباقون
87 – الآية 14 {مِنْسَاته} نافع وأبو عمرو وأبو جعفر
{مِنْسأْته} ابن ذكوان
{مِنْسأَته} الباقون
88 – الآية 16 {أُكْلٍ خَمْطٍ} نافع، وابن كثير
{أُكُلِ خَمْطٍ} أبو عمرو، ويعقوب
{أُكُلٍ خَمْطٍ} الباقون
سورة الصافات
89 – الآية 6 {بزينةٍ الكواكبَ} شعبة
{بزينةٍ الكواكبِ} حفص، وحمزة
{بزينةِ الكواكبِ} الباقون
90 – الآية 105 {الرُّويا} السوسي
{الرُّيــا} أبو جعفر
{الرُّءيـا} الباقون
سورة فصلت
91 – الآية 10 {سواءٌ} أبو جعفر
{سواءٍ} يعقوب
{سواءً} الباقون
سورة الزخرف
92 – الآية 15 {جُزُءاً} شعبة
{جُزَّاً} أبو جعفر
{جُزْءاً} الباقون. ووقف حمزة بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى الزاي
سورة الأحقاف
93 – الآية 17 {أُفٍّ} نافع، وحفص، وأبو جعفر
{أُفَّ} ابن كثير، وابن عامر، ويعقوب
{أُفِّ} الباقون
سورة محمد
94 – آية 25 {وأُمْليَ} أبو عمرو
{وأُمْلِيْ} يعقوب
{وأَمْلى} الباقون
95 – آية 31 {ويَبْلوَ} شعبة
{ونبلوْ} رويس
{ونبلوَ} الباقون
سورة الفتح
96 – آية 27 {الرُّويا} السوسي
{الُّريَّـــا} أبو جعفر
{الرُّؤيَا} الباقون
سورة الطور
97 – الآية 21 {وأتبَعْناهم ذرياتِهم} أبو عمرو
{واتَّبَعَتْهم ذرياتُهم} ابن عامر، ويعقوب
{واتَّبَعَتْهم ذُريُّتهم} الباقون
{إذا ضللنا في الأرض أَئِنَّا} ابن عامر، وأبو جعفر
سورة النجم
98 – الآية 32 {إِمِّهاتكم} حمزة
{إِمَّهاتكم} الكسائي
{أُمَّهاتكم} الباقون
سورة المجادلة
99 – الآية 2 {يظَّهَّرون} نافع وابن كثير وأبو عمرو ويعقوب
{يُظَاهِرون} عاصم
{يَظَّاهَرون} الباقون
سورة الحشر
100 – الآية 7 {كي لا تكونَ دولةٌ} هشام بخلف عن وأبو جعفر
{كي لا يكونَ دولَةٌ} هشام بوجهه الثاني
{كي لا يكونَ دولةً} الباقون
سورة الحاقة
101 – الآية 42 {يذَّكَّرون} ابن كثير، ويعقوب وابن عامر بخلف عن ابن ذكوان
{تذَّكَّرون} نافع، وأبو عمرو، وشعبة، وأبو جعفر، وهو الثاني لابن ذكوان
{تَذَكَّرُون} الباقون
سورة المرسلات
102 – الآية 11 {وُقِّتَتْ} أبو عمرو
{وُقِتَتْ} أبو جعفر
{أُقِّتَتْ} الباقون
سورة قريش
103 – الآية 1 {لِئِلاف} ابن عامر
{لِيْلَافِ} أبو جعفر
{لإِيلافِ} الباقون
سورة الكافرون
104 – الآية 6 {ولىَ دين} نافع، وهشام، وحفص، والبزي بخلف عنه
{وليْ ديني} يعقوب وفي الحالين
{وليْ دين} الباقون، وهو الوجه الثاني للبزي
سورة الإخلاص
105 – الآية 4 {كُفُواً} حفص
{كُفْئاً} حمزة، ويعقوب، وخلف
{كُفُؤاً} الباقون
————
(484) المرجع في عزو هذه القراءات إلى أصحابها هو:
ـ حرز الأماني ووجه التهاني، وهو المشهور بنظم الشاطبية للشاطبي.
ـ طيبة النشر في القراءات العشر، للإمام الشمس ابن الجزري
ويلتمس كل عزو منها من أبيات أحد النظمين المذكورين، واستقصاؤهما في هذا الهامش لا يعود بفائدة كبيرة، ويمكن التماس ذلك في مظانه، إذ يمكن الرجوع إلى السورة والآية فهذه الكتب مرتبة وفق سور القرآن الكريم.
المطلب الثالث: ما قرىء على أربعة وجوه
وجملة ما قرىء بالتواتر على أربعة وجوه: ثلاث وعشرون كلمة، وهاك بسطها:
سورة البقرة
1 – آية 97 {لـِجَبْرِيْـلَ} ابن كثير
{لـِجَبْرَئِـلَ} شعبة
{لـِجِبْرَئِيلَ} حمزة والكسائي وخلف.
{لـِجِبْرِيْلَ} الباقون
2 – آية 245 {فيضاعِفَه} عاصم.
{فيضَعِّفُهُ} ابن كثير وأبو جعفر.
{فيضَعِّفَهُ} ابن عامر ويعقوب.
{فيضاعفُهُ} الباقون.
سورة آل عمران
3 – الآية 57 {فيوفيهِم} حفص.
{فيوفيهُم} رويس.
{فيوفيهُم} روح.
{فنوفيهِم} الباقون.
سورة المجادلة
سورة الأعراف
4 – الآية 57 {بُشْراً} عاصم.
{نُشْراً} ابن عامر.
{نَشْراً} حمزة والكسائي، وخلف.
{نُشُراً} الباقون.
5 – الآية 111 {أرجهِ} بالاختلاس، قالون، وابن وردان، وورش والكسائي وابن حجاز.
{أرجئهُ} ابن كثير، وهشام، وأبو عمرو، ويعقوب.
{أرجئْهِ} ابن ذكوان بالاختلاس
{أرجِهْ} الباقون.
سورة هود
6 – الآية 27 {بادىءَ الرأي} الدوري عن أبي عمرو.
{باديء الراي} السوسي.
{بادىَ الراي} أبو جعفر وقفاً حمزة.
{باديَ الرأي} الباقون.
7 – الآية 111 {وإنْ كلاً لَمَا} نافع، وابن كثير.
{وإنَّ كلاً لَمَا} أبو عمرو، والكسائي، ويعقوب، وخلف في اختياره.
{وإنْ كلاً لَمَّا} شعبة.
{وإنَّ كلاً لَمَّا} الباقون.
سورة يوسف
8 – الآية 12 {يرتعِ ويلعبْ} نافع، وأبو جعفر.
{نرتعِ ونلعَبَ} ابن كثير.
{نرتعْ ونلعبْ} أبو عمرو، وابن عامر.
{يرتع ويلعبْ} الباقون.
9 – الآية 23 {هيتَ لك} نافع، وابن ذكوان، وأبو جعفر.
{هئتَ لك} هشام.
{هَيْتُ لك} ابن كثير.
{هيتَ لك} الباقون.
سورة الإسراء
10 – الآية 69 {فنغْرقَكم} ابن كثير، وأبو عمرو.
{فتُغْرِقَكم} أبو جعفر بخلف عن ابن وردان، ورويس.
{فتُغَرِّقكم} ابن وردان بوجهه الثاني.
{فيُغْرِقكم} الباقون.
سورة مريم
11 – الآية 25 {تُساقِط} حفص.
{تَسَاقَط} حمزة.
{يَسَّاقَط} يعقوب.
{تَسَّاقَط} الباقون.
سورة الفرقان
12 – الآية 48 {نُشُراً} نافع وابن كثير و أبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب
{نُشْراً} ابن عامر.
{بُشْراً} عاصم.
{نَشْراً} الباقون.
13 – آية 69 {يُضَعَّفْ} ابن كثير وأبو جعفر ويعقوب
{يُضَعَّفُ} ابن عامر.
{يُضَاعفُ} شعبة.
{يُضَاعفْ} الباقون.
سورة الروم
14 – الآية 11 {يُرْجَعونَ} أبو عمرو، وشعبة.
{يَرْجِعُونَ} روح.
{ترجِعُونَ} رويس.
{تُرْجَعُون} الباقون.
سورة الروم
14 – الآية 11 {يُرْجَعونَ} أبو عمرو، وشعبة.
{يَرْجِعُونَ} روح.
{ترجِعُونَ} رويس.
{تُرْجَعُون} الباقون.
سورة الأحزاب
15 – الآية 4 {تَظَّهَّرون} نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر، ويعقوب.
{تَظَّاهَرون} ابن عامر.
{تُظَاهِرون} عاصم.
{تَظَاهَرون} الباقون.
سورة يس~
16 – الآية 49 {يَـخْصِّمُون} أبو جعفر.
{يَـخَصِّمُون} ورش، وابن كثير وهشام، وقالون، وأبو عمرو.
{يـخصِّمُون} ابن ذكوان، وعاصم، والكسائي، ويعقوب، وخلف.
{يـخْصِمُون} حمزة
17 – الآية 62 {جِبِلَّاً} نافع، وعاصم، وأبو جعفر.
{جُبُلَاً} ابن كثـير، وحـمـزة، والكسائي، ورويس، وخلف.
{جُبْلاً} ابن عمرو، وابن عامر.
{جُبُلَّاً} روح
سورة الزمر
18 – الآية 56 {يا حسرتاىْ على} ابن حجاز، وابن وردان بخلف عنه.
{يا حسرتاهْ على} ابن وردان مع المد المشبع.
{يا حسرتاهْ على} رويس وقفا.
{يا حسرتى على} الباقون.
19 – الآية 64 {تأمرونّيَ أعبُد} نافع، وأبو جعفر.
{تأمرو~نّيَ أعبدُ} ابن كثير مع المد المشبع.
{تأمرونَنِيْ~ أعبد} ابن عامر.
{تأمرونِّيْ~ أعبد} الباقون.
سورة غافر
20 – الآية 26 {دينكم وأن يُظهِرَ في الأرضِ الفسَادَ} نافع، وأبو عمرو، وأبو جعفر.
{دينكم وأن يظَهَر في الأرض الفسادُ} ابن كثير، وابن عامر.
{دينكم أو أنْ يَظْهَرَ في الأرض الفسادُ} شعبـة، وحـمزة، والكسائي، وخلف.
{دينكم أو أن يُظْهِرَ في الأرض الفسادَ} حفص، ويعقوب.
سورة الزخرف
21 – الآية 85 {يُرْجَعون} ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف.
{يَرجِعُون} رويس.
{تَرْجِعون} روح.
{تُرْجَعُون} الباقون.
سورة الحديد
22 – الآية 11 {فيضَعِّفُه} ابن كثير، وأبو جعفر.
{فيضعِّفَه} ابن عامر، ويعقوب.
{فيضاعِفَهُ} عاصم.
{فيضاعِفُهُ} الباقون.
سورة الممتحنة
23 – الآية 3 {يُفْصَل} نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر.
{يُفَصَّلُ} ابن عامر.
{يَفْصِلُ} عاصم، ويعقوب.
{يُفَصِّلُ} الباقون.
المطلب الرابع: ما قرىء على خـمسة وجوه
وجملة ما قرىء بالتواتر على خمسة وجوه ثلاث كلمات وهي:
1 – ـ سورة البقرة آية (67): {هُزُواً} حفص.
{هُزْءاً} حمزة وصلا، وخلف في الحالتين
{هُزَاً، هُزْواً} حمزة وقفاً
{هُزُؤَاً} الباقون
حيثما وردت في القرآن الكريم وقد وردت 11 مرة
2 – سورة يونس الآية (35): {لا يَـهْدِّي} قالون وأبو جعفر.
{لاَ يَهَدِّي} ورش وابن كثير، وابن عامر، وقالون بخلف عنه.
{لا يهِدِّي} شعبة.
{لا يَهِدِّي} حفص ويعقوب.
{لا يَهْدي} الباقون
3 – سورة هود الآية (46): {فلا تَسْأَلَنِّ} قالون، وابن عامر وصلاً ووقفاً.
{فلا تسأَلَـنِّي} ورش وأبو جعفر بإثبات الياء وصلاً، وحذفها وقفاً.
{فلا تسأَلَنَّ} ابن كثير وصلاً ووقفاً.
{فلا تَسْأَلْني} أبو عمرو ويعقوب بإثبات الياء وصلاً وحذفها وقفاً.
{فلا تَسْأَلْنِ} الباقون وصلاً ووقفاً(485)
————
(485) تجدر الإشارة أننا لم نورد في هذه الإحصاءات إلا ما كان خلافاً فرشياً في الكلمة الواحدة، ولو أوردنا التركيب لتضاعف العدد، إذ رب كلمتين اختلف في كل منهما على وجهين، فيحصل من تركيبهما أربعة أوجه، ومثل ذلك كثير، فيكون ما أردناه مشتملاً على الفرشيات في الكلمة الواحدة مستقلة دون سواها.
مثلاً: قوله تعالى: {أم تسئلهم خرجاً فخراج ربك خير}
قرئت: {خرجاً} بوجهين: قرأها حمزة والكسائي وخلف {خراجاً}
وقرأها الباقون {خرجاً}
وقرئت {فخراج} بوجهين: قرأها ابن عامر {فَخَرْج}
وقرأها الباقون {فخراج}
هذا عند تجريد الكلمات، ولكن إن أردنا التركيب قلنا:
قرئت الآية بثلاثة وجوه:
{خرجاً فخرج} ابن عامر
{خراجاً فخراج} حمزة، والكسائي، وخلف
{خرجاً فخراج} الباقون
الفصل السادس: مناهج القراء في جمع القراءات
المبحث الأول: تمهيد حول تاريخ الإقراء
بدأ تلقي القرآن الكريم بقراءة النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي تلقاه بدوره عن المولى سبحانه وتعالى: {وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم}(486)
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعرض القراءة على جبريل عليه السلام في كل عام مرة، وقد أخبر بذلك (في قوله:
إن جبريل كان يراجعني بالقرآن في كل عام مرة، وإنه راجعني هذا العام مرتين وما أراه إلا حضر أجلي(487)
ولم يرد في السنن أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يعقد مجالس القراء على النحو الذي التزمه الأئمة بعده، حيث اتخذ الاختصاص سبيله في الأداء، وإنما كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يقرأ الآية فور نزولها فيتلقاها عنه كتاب الوحي من خيار الصحابة، ثم تجد طريقها إلى قلوب الحفظة من الأصحاب الذين يقرئون بها الناس.
ولكن كان الأصحاب إذا شكل عليهم باب من القراءة يرجعون إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصوب لهم ما يقرؤون أو يقرهم فيه.
وبشكل عفوي أخذ كل واحد من الأصحاب قراءة عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، واشتهر عنهم تسميتها بالحرف، فقيل: حرف ابن مسعود، وحرف أبي، وحرف زيد بن ثابت….الخ.
وليست هذه الحروف بالطبع هي الأحرف السبعة التي بسطنا القول فيها، ولا هي بالضرورة القراءات السبع أو العشر التي نتحدث فيها، بل قد يحدث أن يسند اثنان من السبعة أو ثلاثة أو أكثر من ذلك إلى رجل من الأصحاب مثل أبي بن كعب أو زيد بن ثابت، وذلك محمول على أن الصحابي قرأ بالقراءتين جميعاً، كلاً في مقام، وذلك بالتلقي عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ثم أخذ كل قارئ وجهاً من وجوه هذه القراءة بحسب ما أدى إليه إسناده.
وقد مضى العمل على ذلك في القرون الأولى، حيث يقرأ القارئ حرفاً ويقرئ به، وينفرد لخدمته، وربما أخذ الحرفين، ولكن كان إذا قرأ يقرأ الختمة لإمام ثم يولي ختمة أخرى لإمام آخر.
وأول ما ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة كان أثناء المائة الخامسة، حيث ظهر أبو عمرو الداني، والأهوازي، وابن شيطا، وأمثالهم من الأئمة الذين تصدروا للإقراء، ورحل الناس إليهم، ولم يكن ثمة بد من منح هؤلاء الطلبة الوافدين حروف الأئمة ليقرؤوا بها في بلادهم، وكان مقتضى ذلك أن يجمع طالب العلم عدة قراءات في الختمة الواحدة، فيقرأ بعشر آيات على حرف ثم يستعرض ما يكون فيها من وجوه القراءات للأئمة ثم يعدوها إلى عشر آيات أخرى، وهذا غاية ما عرف من التساهل في أمر الجمع حينئذ.
وبعد المائة الخامسة استقر عمل كثير من الشيوخ على طريقة إفراد القراءات بختمة على الأقل ثم يتم الجميع بين القراءات، ويعطى الطالب على قدر همته دون تقيد بما كان عليه السلف (عشر آيات) والمعتاد أن تعطى الختمة إفراداً: حزباً حزباً (جزء من ستين حزءاً من القرآن) وفي حالة الجمع تتم الختمة بإعطاء كل نصف حزب بينما ذهب آخرون فيما بعد إلى أكثر من ذلك ولم يجعلوا له حداً، وقد استدل لهذا المذهب بأن ابن مسعود رضي الله عنه قرأ على النبي – صلى الله عليه وسلم – في مجلس واحد من أول سورة النساء حتى بلغ: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا}(488) كما ثبت في الصحيح، ومن هذا الباب قال الإمام يعقوب الحضرمي قرأت القرآن في سنة ونصف على سلام، وقرأ الشيخ الشهاب أحمد بن الطحان على الشيخ أبي العباس بن نحلة ختمة كاملة بحرف أبي عمرو بروايتيه في يوم واحد.(489)
————
(486) سورة النمل 3
(487) أخرجه البخاري في الصحيح كتاب بدء الوحي
(488) سورة النساء 41
(489) النطق بالقرآن العظيم جـ2 ص 6
المبحث الثاني: مذاهب جمع القراءات
جرى عمل شيوخ الإقراء في تلقين جمع القراءات على أربعة مذاهب:
الأول: الجمع بالحرف:
حيث يبدأ القارئ في القراءة، حتى إذا بلغ كلمة فيها اختلاف بين القراء سواء في الأصول أو الفرش فإنه يعيد تلك الكلمة بمفردها، فيستوفي ما للقراء فيها من وجوه، ثم يستأنف.
وإذا بلغ خلافاً يتعلق باجتماع كلمتين كالإدغامات والمدود العارضة والمنفصلة وقف على الثانية منها، ثم يعيد أوجه القراءات حتى يستوفي الأحكام.
وقد أخذ قراء مصر بهذا المذاهب، وهو بلا شك أسهل في الأداء، ولكن أداء القراءة على هذا الوجه يذهب بكثير من دلالات الآي وربما غير معانيها، وأدى إلى ضياع الخشوع والهيبة المتوخاة من القراءة أصلاً.
الثاني: الجمع بالوقف:
وهو أن يتلو القارئ الآية حتى يبلغ موضع الوقف، ثم يتحرى هذا المقطع من مظان الاختلاف فيأتي بها، لكل راو بمفرده، حتى يستوفي وجوه الروايات.
وقد أخذ الشاميون بهذا المذهب، ولا يزالون يقرؤون به، وبه أقرأنا مشايخنا وأقرَأْنا إخواننا، وهو الأجود في التلقي والحفظ والأداء، وأليق بالخشوع في تلاوة الآي، ولكنه بالطبع يحتاج زمناً أطول.
الثالث: جمع التوافق
وهو الذي التزمه ابن الجزري وأقرأ به، وهو مركب من المذهبين السابقين، وقد شرحه ابن الجزري بقوله:
ابتدئ بالقارئ، وأنظر إلى من يكون من القراء أكثر موافقة له، فإذا وصلت إلى كلمة فيها بين القارئين اختلاف وقفت، وأخرجته معه ثم وصلت حتى أنتهي إلى الوقف السائغ جوازه.
وتحقق هذه الطريقة غاية الطريقتين السالفتين في الاختصار، والتلاوة المفهمة، ولكنها عسيرة على المبتدئ إذ ينعدم فيها ترتيب القراء وفق قاعدة منتظمة.(490)
الرابع: الجمع بالآي
وهو أن يقرأ المقرئ القرآن آية آية، متبعاً في ذلك للمأثور في السنة فيما روته أم سلمة رضوان الله عليها قالت: “كانت قراءة النبي – صلى الله عليه وسلم – آية آية”(491)
فيقرأ القارئ بالآية إلى رأسها، ثم يعيد الآية مرة لكل رواية فيها خلاف، وفق ترتيب منتظم، وغالباً ما يلزم ترتيب الشاطبية والدرة.
وهذا المذهب هو أكثر المذاهب رعاية لأدب التلاوة، ولكنه يستغرق وقتاً طويلاً إذ لابد من إعادة الآيات الطوال مرات كثيرة بالرغم من أن نقاط الخلاف قد تكون نادرة وقليلة.
كما يرد عليه أن ثمة رؤوس آي لا يحس الوقف عليها عند بعض القراء، وهذا يمكن تجاوزه بوصل آيات مخصوصة.
————
(490) النطق بالقرآن العظيم للجماس جـ2 ص 7
(491) أخرجه أبو داوود في سننه في كتاب الحروف، والترمذي في ثواب القرآن، والإمام أحمد في مسنده جـ6 ص 302، وهو اختيار البيهقي في شعب الإيمان، وإسناده عند أحمد عن يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة، وهو رباعي، ورواته ثقات. انظر تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني:
يحيى بن سعيد الأموي جـ2 ص 348
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج جـ1 ص 520
عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن أبي مليكة جـ1 ص 431
المبحث الثالث: سبل جمع القراءات
هناك سبيلان لجمع القراءات:
الأول: سبيل التطبيق من خلال القواعد
الثاني: سبيل استنباط القواعد من خلال التلقين.
ويمكن أن توصف السبيل الأولى بأنها طريقة استقرائية، والثانية بأنها طريقة استنتاجية. ففي الحال الأولى يتلقى القارئ عن الشيخ أصول كل قارئ وفرشه، ثم يبدأ بتطبيق هذه القواعد في الأداء كلما وردت نظائرها.
وتشبه هذه الحالة دراسة أصول الفقه أولاً ثم تحرير مسائل الفقه بعد ذلك.
أما في الحالة الثانية فإن القارئ يتلقى آيات القرآن، وفي كل آية يتلقى وجوه قراءتها، مع عزو كل قراءة إلى القارئ الذي أقرأ بها، وبعد ذلك يشتغل القارئ باستنباط مناهج القراء من خلال اختياراتهم.
وتشبه هذه الحال دراسة مسائل الفقه الإسلامي أولاً ثم تحرير أصول الأئمة في الاجتهاد والاستنباط من خلال اختياراتهم.
ويجري القراء في زماننا على الإقراء بالسبيل الأولى نظراً لسهولتها، ولكن تبقى مسائل كثيرة، واستطرادات متعددة لا سبيل إلى الإحاطة بها إلا عبر التلقين المتعاقب للنص القرآني.
المبحث الرابع: مصادر الإقراء في زماننا
جرى شيوخ القراءة منذ القرن التاسع الهجري وحتى زماننا على الإقراء من طريقين:
1 – الشاطبية والدرة.
2 – طيبة النشر.
وكلاهما متن منظوم لمسائل اختلاف القراء وأصولهم وقواعدهم، يكلف طالب العلم بحفظ المتن أولاً ثم يستخرج دلالته في الأداء القرآني.
ولنشرع بتعريف كلٍ من الطريقين:
أولاً: طريق الشاطبية والدرة
الشاطبية هو الاسم الشائع لقصيدة: حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات السبع، وهو نظم من 1173 بيتاً نظمه القاسم بن فيرة بن خلف بن أحمد الشاطبي الرعيني الأندلسي المتوفي سنة 590 هـ والإمام الشاطبي من أعلام هذا الفن باتفاق، وقد جرى العلماء على اعتماد اختياره عن الأئمة السبعة بمثابة القول الراجح عن القراء والرواة من السبعة.
والقصيدة من البحر الطويل، تلتزم قافية واحدة هي اللام المروية بالألف، بدأها بالبسملة والصلاة على النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم بحمد الله سبحانه في إنعامه وفضله، ثم أتى على فضل قارئ في القرآن ومكانته فقال:
وقارئه المرضي قرَّ مثاله * كالاترُجِّ حاليه مُريحاً وموكِلا
هو المرتضى أمَّا إذا كان أُمَّةً * ويمَّمَه ظلُّ الرزانةِ قَنْقَلا
هو الحرُّ إن كان الحريَّ حوارياً * له بتحرِّيه إلى أن تنبَّلا
وتلتمس في الأبيات قدرة الشاطبي الأدبية والبلاغية التي وظفها أحسن توظيف في ضبط مسائل هذا الفن، وعزو قضاياه إلى رجاله من القراء والرواة، بشكل يقارب الإعجاز.
ثم بدأ بتسمية القراء الأئمة الذين اختارهم ابن مجاهد فذكر كل واحد منهم مع اثنين من رواته في نظم بديع، أورده هنا لحسن بيانه:
جزى الله بالخيرات عنَّا أَئِمَّةً * لنا نقلوا القرآن عذباً وسلسلا
فمنهم بدورٌ سبعةٌ قد توسطت * سماء العلى والعدلِ زهراً وكُمَّلا
لها شهبٌ عنها استنارت فنوَّرتْ * سوادَ الدَّجى حتى تفرَّقَ وانجلى
وسوف تراهم واحداً بعد واحدٍ * مع اثنين من أصحابه متمثِّلا
تخيَّرهم نُقَّادهم كلَّ بارعٍ * وليــس علــى قــرآنــــــهِ متأكِّلا
فأما الكريم السِّرِّ في الطَّيبِ نافعٌ * فذاك الذي اختار المدينة منزلا
وقالونُ عيسى ثم عثمانُ ورشُهم * بصحبته المجدَ الرَّفيع تأثَّلا
ومكةُ عبدُ الله فيها مقامُهُ * هو ابنُ كثيرٍ كاثر القومِ معتَلا
روى أحمد البزِّي له ومحمَّدٌ* على سندٍ وهو الملقَّب قنبلا
وأما الإمام المازني صريحهم* أبو عمروٍ البصري فوالده العَلا
أفاض على يحيى اليزيديِّ سيبَه* فأصبح بالعذب الفراتِ مُعلَّلا
أبو عمر الدوري وصالحهم أبو* شعيب هو السوسي عنه تقبَّلا
وأما دمشق الشام دار ابن عامرٍ* فتلك بعبد الله طابت مُحلَّلا
هشامٌ وعبد اللهِ وهو انتسابه* لذكوانَ بالإسناد عنه تنقَّلا
وبالكوفة الغَرَّاء منهم ثلاثةٌ* أذاعوا فقد ضاعت شذا وقرنفلا
فأما أبو بكر وعاصم اسمه * فشعبة رواية المبِّرزُ أفضلا
وذاك ابن عياش أبو بكر الرضا * وحفصٌ وبالإتقان كان مفضَّلا
وحمزة ما أزكاه من متورِّعٍ* إماماً صبوراً للقرآنِ مُرتِّلا
روى خلف عنه وخلاد الذي* رواه سليم متقناً ومحصَّلا
وأما علي فالكسائي نعتُه* لما كان في الإحرام فيه تسربلا
روى ليثهم عنه أبو الحارث الرضا(492)* وحفصٌ هو الدُّوري وفي الذكر قد خلا
ثم شرع في بيان اصطلاحه، فأخبر أنه يرمز لكل واحد من الأئمة والرواة بحرف من حروف الأبجدية بحسب ترتيبهم، واختص حرف الواو فلم يرمز به لأحد حيث جعله للدلالة على انقضاء وجه ما والشروع بوجه بآخر فقال:
جعلت أبا جادٍ على كلِّ قارئ* دليلاً على المنظوم أوَّلَ أوَّلا
ومن بعد ذكري الحرفَ أُسْمي رجاله* متى تنقضي آتيك بالواوِ فيصَلا
يحيى بن سعيد الأموي جـ2 ص 348
فتكون رموز القراء التي اتبعها الشاطبي:
أبج: لقراءة نافع، فالهمزة لنافع، والباء لقالون، والجيم لورش
دهز: لقراءة ابن كثير، فالدال لابن كثير، والهاء للبزي، والزاي لقنبل.
حطي: لقراءة أبي عمرو، فالحاء لأبي عمرو والطاء للدوري، والياء للسوسي.
كلم: لقراءة ابن عامر، فالكاف لابن عامر، واللام لهشام، والميم لابن ذكوان.
نصع: لقراءة عاصم، فالنون لعاصم، والصاد لشعبة، والعين لحفص.
فضق: لقراءة حمزة فالفاء لحمزة، والضاد لخلف، والقاف لخلاد.
رست: لقراءة الكسائي، فالراء للكسائي، والسين لأبي الحارث، والتاء للدوري.
ثم رمز لاجتماع بعضهم ببقية أحرف الهجاء ولكمات مخصوصة على الشكل التالي:
ث = الكوفيون (عاصم وحمزة والكسائي)
خ = القراء السبعة ما عدا نافعاً.
ذ = الكوفيون وابن عامر.
ظ = الكوفيون وابن كثير.
غ = الكوفيون وأبو عمرو.
ش = حمزة والكسائي.
صحبة = حمزة والكسائي وشعبة.
صحاب = حمزة والكسائي وحفص.
عمَّ = نافع وابن كثير وأبو عمرو.
سَمَا = نافع وابن كثير وأبو عمرو.
حقَّ = ابن كثير وأبو عمرو.
نفر = ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر.
حرمي = نافع وابن كثير.
هو الحرُّ إن كان الحريَّ حوارياً * له بتحرِّيه إلى أن تنبَّلا
حصن = الكوفيون ونافع(493)
ثم أورد مذاهبهم في أصول القراءة على القواعد المطردة فبدأ بأحكام الاستعاذة والبسملة ثم مذاهبهم في الإدغام وهاء الكناية والمد والقصر والهمزات والإمالة والراءات وياءات الزوائد الإضافة.
وعقب ذلك بدأ ببسط فرش الحروف مبتدئاً من البقرة إلى الناس بعد أن عجَّل فبسط فرش الفاتحة قبل إيراد أصول القراءة.
فمنهم بدورٌ سبعةٌ قد توسطت * سماء العلى والعدلِ زهراً وكُمَّلا
وقد استوعب الشاطبي في نظم مذاهب القراء السبعة مع رواتهم فبلغ بذلك حداً لا مزيد عليه ولا مرقى إليه، وأصبحت قصيدته بذلك عمدة المشتغلين في جمع القراءات السبع بدءً من أواخر القرن السادس الهجري، ولا زالت كذلك إلى زماننا هذا. وفيها يقول الإمام ابن الجزري:
ومن وقف على قصيدته ـ يعني الشاطبي ـ علم مقدار ما آتاه الله في ذلك خصوصاً اللامية التي عجز البلغاء من بعده عن معارضتها، فإنه لا يعرف مقدارها إلا من نظم على منوالها، أو قابل بينها وبين ما نظم على طريقها. ولقد رزق هذا الكتاب من الشهرة والقبول ما لا أعلمه لكتاب غيره في هذا الفن. بل أكاد أن أقول ولا في غير هذا الفن. فإنني لا أحسب أن بلدا من بلاد الإسلام يخلو منه بل لا أظن أن بيت طالب علم يخلو من نسخة به.
ولقد تنافس الناس فيها، ورغبوا من اقتناء النسخ الصحاح بها إلى غاية، حتى إنه كانت عندي نسخة باللامية (الشاطبية) أو الرائية (عقلية أتراب القصائد في (الرسم) بخط الحجيج صاحب السخاوي مجلدة فأعطيت بوزنها فضة فلم أقبل. ولقد بالغ الناس في التغالي فيها وأخذ أقوالها مسلَّمةً واعتبار ألفاظها منطوقاً ومفهوماً
حتى خرجوا بذلك عن حد أن تكون لغير معصوم، وتجاوز بعض الحد فزعم أن ما فيها هو القراءات المتواترة وما عدا ذلك شاذ لا تجوز القراءة به.(494)
ولا شك أن هذا المبلغ في تقدير عمل الشاطبي لم يتأتَّ من فراغ، وإنما هو أثر طبيعي لدقة هذا الإمام وموسوعيته ومنزلته في هذا الفن، حتى قال عنها الإمام الذهبي:
(وقد سارت الركبان بقصيدتيه (حرز الأماني) و (عقيلة أتراب القصائد) اللتين في القراءات والرسم، وحفظهما خلق لا يحصون، وخضع لهما فحول الشعراء وكبار البلغاء، وحذاق القراء).(495)
وقال فيها الإمام ابن الجزري:
(ولا أعلم كتاباً حُفِظ وعُرض في مجلس واحد، وتسلسل بالعرض إلى مصنفه كذلك إلا هو).(496)
ولما كان الشاطبي قد اقتصر على القراء السبعة فلم يأخذ لمن بعدهم، جاء الإمام ابن الجزري فنظم قصيدته (الدرة المضية والوجوه المسفرة في القراءات الثلاث تتمة العشرة) في 243 بيتاً ضم إلى السبعة الأولى القراءات الثلاث، ونهج سبيل الشاطبي نفسه في الطرق والإسناد، وكذلك جرى في القصيدة حيث نظم من البحر الطويل نفسه متبعاً طريقة الرمز ذاتها.
وهكذا فإن الطريق الأول لجمع القراءات في زماننا هو ما ضبطه الشاطبي وأكمله ابن الجزري في الدرة.
وغالب القراء في بلاد الشام إنما تحصلوا على الجمع من طريق الشاطبية والدرة.
ولا بد من التنويه هنا إلى أن هذا الجهد الذي قام به الشاطبي ليس إلا خدمة لكتاب سابق جليل قام بإعداده الإمام الشهير أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المتوفى سنة 444 وهو كتاب التيسير في القراءات، وقد صرح الشاطبي بأنه اعتمدها منهجاً وأداءً:
وفي يسرها التيسير رمتُ اختصارَه* فأجنتْ بعونِ الله منه مؤمَّلا
وألفافُها زادتْ بنشرِ فوائدٍ* فلفَّتْ حياءً وجهَهَا أن تُفَضَّلا
وسميتُها حرزَ الأماني تيمّنَاً* ووجهَ التهاني فاهنِهِ متقبَّلا
ثانيا: طريق الطيبة
بعد أن قام ابن الجزري باستكمال عمل الشاطبي، ظهرت له طرق جديدة لم تكن لدى الشاطبي عن الأئمة السبعة، وقد أتى في هذه الطرق بوجوه جديدة للأئمة ثبت لدى ابن الجزري تواتر إسنادها، وقد دفعه ذلك كله إلى نظم القراءات العشر مرة أخرى، ليضمنها تلك الوجوه التي ظهرت له، وليدخل الثلاث تتمة العشرة في متن نظم واحد.
وأما علي فالكسائي نعتُه* لما كان في الإحرام فيه تسربلا
وبالفعل فقد وفق ابن الجزري إلى إعداد نظم من (1012) بيتاً من الشعر من بحر الرجز تضمن ذلك كله، أسماه (طيبة النشر في القراءات العشر) واعتمد أسلوب الشاطبي نفسه في الرمز إلى القراء بحروف أبي جاد، ولكن مع تعديل بسيط ليتناسب مع إدراج العشرة، وقد اختصرها في هذه الأبيات:
جعلتُ رمزَهم على الترتيبِ* من نافعٍ كذا إلى يعقوب
جعلت أبا جادٍ على كلِّ قارئ* دليلاً على المنظوم أوَّلَ أوَّلا
(أبجْ دَهَزْ حطِّي كلمْ نصَعْ فَضَقْ* رَسَتْ ثَخَذْ ظُفَشْ) على هذا النسق
والواوُ فاصِلٌ ولارمزَ يرِدْ* عن خَلَفٍ لأنَّهُ لَمْ ينفَرِدْ
(فمدنيُّ) ثامِنٌ ونافِعَ* (بَصْرِيُّهُمُ) ثَالثُهُم والتَّاسِعُ
وخَلَفٌ في الكوفِ والرَّمز (كفى)* وهم بغيرِ عاصمٍ لَهُمْ (شفا)
وهم وحفصٌ (صحبُ) ثم (صحبَهْ)* مع شعبةٍ وخلفٌ وشُعْبَة
(صَفَا) وحمزةٌ وبزَّارٌ (فتا)* حمزةُ مع عليِّهم (رضىً) أتى
وخلفٌ مع الكسائيِّ (روى)* وثامِنٌ مع تاسعٍ فقل ثوى
ومَدَنٍ (مدا) وبصريٌّ (حِمَا)* والمدنيْ والمَكِّ والبصري (سما)
مكٍّ وبصْرٍ (حقُّ) مكٍّ مدني* (حرمٍ) و(عمَّ) شامُهمُ والمدني
(وحَبْرُ) ثالثٌ ومَكٍّ (كزُ)* كوفٍ وشامٍ ويجيءُ الرَّمزُ
ثم أشار إلى اتباعه للشاطبي فيما اختاره بقوله:
وكل ذا اتبعتُ فيه الشاطبي* ليسهلَ استحضارُ كلِّ طالبِ
وهذه أرجوزة وجيزة* جمعت فيها طرقاً عزيزة
ولا أقول إنها قد فضلتْ* حرزَ الأماني بل بها قد كَمُلَتْ
حوت لما فيه مع التيسيرِ* وضعفَ ضعفه مع التحرير
ضمنتُها كتابَ نشرِ العشرِ* فهي به (طيبةٌ) في النشرِ
وقد شاع الإقراء بهاتين المنظومتين حتى أصبح عرفاً متبعاً في سائر البلاد، حيث يدرج الطلبة على حفظ متن القصيدة، ثم يأخذون بالقراءة على الشيوخ وفق مرموز القصير.
وأهم شروح الشاطبية:
1 – شرح الشاطبية للسخاوي أبي الحسن علي بن محمد المتوفى 643 هـ.
2 – شرح الشاطبية للحافظ أبي القاسم عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة 665 هـ.
3 – شرح الشاطبية: للهمداني.
4 – شرح الشاطبية: للفاسي.
5 – شرح الشاطبية: للجعبري.
6 – شرح الشاطبية: لأبي العباس المقدسي(497)
كما أشار حاجي خليفة في كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون إلى بعض شروح الشاطبية ونذكر منها:
ـ شرح الشيخ شعلة الموصلي الحنبلي ت 656 هـ.
ـ شرح ابن القاصح العذري البغدادي ت 801 هـ وسماه سراج القاري.
ـ شرح الشيخ جمال الدين الحصني واسمه (الغاية).
ـ شرح أبي العباس القسطلاني (ت 923 هـ) واسمه (فتح الداني).
ـ شرح أبي العباس الأندلسي (ت 640 هـ) واسمه (المهند القاضبي في شرح نظم الشاطبي)
ـ شرح عبد الرحمن الواسطي (ت 781 هـ).
ـ شرح ابن بدران الدمشقي (ت 688 هـ) وسماه (كشف الرموز).
ـ شرح السمين الحلبي (ت 756 هـ).
ـ شرح محب الدين ابن النجار البغدادي (ت 843 هـ).
ـ شرح ابن الجندي المصري (ت 769 هـ) وسماه (الجوهر النضيد في شرح القصيد)
ـ شرح أبي القاسم البارزي (ت 738 هـ).
ـ شرح ابن الخطيب بيت الآبار (ت 725 هـ) وهو في مجلدين ضخمين.
ـ شرح علم الدين اللورقي الأندلسي (ت 661 هـ).
ـ شرح ابن رشيد الهمذاني (ت 911 هـ).
ـ شرح ابن قاسم المراوي المصري (ت 749 هـ).
ـ شرح عبد الله محمد الحسيني (ت 776 هـ)(498)
ـ شرح ابن الأسد الأسيوطي (ت 872 هـ).
ـ شرح شرف الدين بن الحسين (ت 830 هت).
ـ شرح شهاب الدين السندي الحصكفي الحلبي (ت 895 هـ)(499).
وأما طيبة النشر فعلى الرغم من أنها جاءت أوسع وأوعب، غير أنها لم تحظ بما حظيت به أختها من عناية الشراح والمؤلفين، ويرجع سبب ذلك إلى علو الشاطبي في الإسناد إذ هو أسبق من ابن الجزري بنحو قرنين ونصف.
وأهم شروح الطيبة:
ـ شرح أحمد بن محمد بن محمد الجزري، نجل المؤلف، ولم أعثر عليه ولكن أشار إليه حاجي خليفة(500).
ـ شرح الشيخ أبو القاسم محمد النويري المالكي المتوفى سنة 857 هجرية.
ـ شرح الشيخ زين الدين عبد الدائم الأزهري.
ـ شرح الطيبة الجزرية للشيخ بدر الدين حسن بن جعفر بن حسن بن نجم الدين الأعرج العاملي الكركي الشيعي المتوفى 933 هـ.
ويضاف إلى هذه الجهود عمل ابن الجزري نفسه الذي أسماه: تقريب النشر في القراءات العشر وهو اختصار مصطفى الأزميري المتوفى سنة 1155 هـ.
الإقراء عن طريق الكتب غير المنظومة:
وعلى الرغم مما قدمناه أن السائد بين مشايخ الإقراء هو أن الجمع يتم عن طريق حفظ المنظومات، غير أن ذلك لا يعني تعطيل مدرسة الإقراء بدون المتون المنظومة، بل إن كثيراً من القراء اعتمد الإقراء منهجا مستقلا عن حفظ المنظومات، ولا يخفى أن هذه هي طريقة السلف قبل عصر الشاطبي.
وأهم المصادر في هذا الباب هو الإسناد المتواتر الذي يتلقاه علماء القراءة، وهو مضبوط محفوظ، لا يختلف فيه الناس.
أما المصادر المكتوبة للإقراء بالمتواتر فهي كثيرة، وقد قدمنا منها طائفة كثيرة عند حديثنا عن تاريخ تدوين القراءات، ونضيف هنا بعض المؤلفات الحديثة(501):
ـ البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة: عبد الفتاح القاضي
– تحفة العصر في القراءات العشر للشيخ شكري لحفي
ـ معجم القراءات القرآنية للدكتور أحمد مختار عمر والدكتور عبد العال سالم مكرم.
ـ الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع للشيخ عبد الفتاح القاضي.
ـ طلائع البشر في توجيه القراءات العشر للشيخ محمد الصادق قمحاوي.
ـ مصحف القراءات المتواترة للشيخ محمد فهد خاروف، وهو طبعة خاصة للمصحف الشريف على هامشها ماقرىء بالتواتر(502).
ـ النطق بالقرآن العظيم للدكتور ضياء الدين الجماس، وهو مصنف نفيس من ثلاثة مجلدات، قصد به مؤلفه جمع أصول القراءات وفرشها، وقد صدر عام 1990 عن دار مركز الشام للنشر والتوزيع بدمشق.
————
(492) متن الشاطبية ص 2 – 3
(493) متن الشاطبية ص 95، ط دار المطبوعات الحديثة بالمدينة المنورة.
(494) مقدمة متن الشاطبية ط دار المطبوعات الحديثة بالمدينة.
(495) المصدر نفسه ص 2
(496) المصدر نفسه ص 2
(497) انظر تقريب النشر ص 10 – 11
(498) انظر كشف الظنون ص 64 وما بعدها.
(499) انظر إيضاح المكنون ص 400
(500) انظر كشف الظنون جـ2 ص 118
(501) انظر الفصل الآتي الذي حاولت فيه استقصاء ما كتب في القراءات.
(502) ظهرت الطبعة الأولى عن دار المهاجر في جدة عام 1992، ولكنها كانت طافحة بالأخطاء الطباعية والعلمية، وقد أعادت الدار إصدارها عام 1994، بعد التصحيح، ولكن كثيراً من الأخطاء تكررت فيها أيضاً.
المبحث الخامس: أهم المؤلفات في القراءات
أشرنا في الفصول الماضية إلى كثير من كتب القراءات المعتمدة، وسنمضي في هذا المبحث لاستعراض أهم ما كتب في هذا الفن على وفق تسلسل تاريخي.
ولم تقع سائر تلك الكتب بأيدينا بالطبع، فإن كثيراً منها لا زال محظوظاً، وثمة كتب أخرى منها لم نقف على تفصيل لها في أي من المصادر، ولكننا نطرحها هنا على بساط البحث أملاً أن تجد سبيلها إلى التعريف والنشر.
وقد رتبت هذه المؤلفات حسب وفاة مؤلفيها وعمدتي في ذلك الفهرست لابن النديم، ومقدمة النشر لابن الجزري. وما أثبته حاجي خليفة في كشف الظنون في مظان متفرقة من كتابه، وكذلك ما أشار إليه الزركلي في الأعلام وكحالة في معجم المؤلفين، وبروكلمان في تاريخ الأدب العربي، وسزكين في تاريخ التراث العربي.
ـ شرح أبي العباس القسطلاني (ت 923 هـ) واسمه (فتح الداني).
أولاً: مؤلفات القرن الثالث(503):
لا شك أن كثيراً من علماء القراءات صنفوا في هذا الفن قبل انقضاء القرن الثالث، ولكن تندر أسماء هذه المؤلفات نظراً لاعتماد الوثيقة الشفاهية في التلقي والأداء، ولكن مع ذلك يمكن الإشارة إلى بعض الكتب التي تم تصنيفها قبل انقضاء القرن الثالث ومنها:
ـ القراءات: لأبي عبيد القاسم بن سلام المتوفى عام 222 هـ، وقد أشرنا إلى هذا المؤلف لدى حديثنا عن تاريخ تدوين القراءات.
ـ كتاب في القراءات: لأحمد بن جبير الكوفي، وقد جمع فيه خمس قراءات، لكل مصر قراءة، وقد توفي ابن جبير عام 258 هـ.
ـ شرح محب الدين ابن النجار البغدادي (ت 843 هـ).
مؤلفات القرن الرابع:
السبعـة، لأبي بكـر بـن مـجـاهد التميمـي البغدادي توفي عام 324، وهو أشهـر وأهـم كتـب القـراءات، ويـمكن إدراجه في مؤلفات القرن الثـالث، ذلـك أن ابـن مـجاهد صنـف كتـابـه ثـم أقـرأ بـه زمنـاً قبل أن يدركـه الأجـل عـام 324 هـ.
ـ القصـيدة النـونيـة فـي التجـويد، لـموسـى بن عبد الله بن خاقـان المتوفى عام 325 هـ.
ـ الإيضاح في الوقف والابتداء: لابن الأنباري ت 328 هـ.
ـ احتجاج القراء: لابن السراج النحوي ت 341 هـ.
ـ أحكام الوقف: لابن هلال البصري النحوي ت 345 هـ.
ـ التنبيه على حدوث التصحيف لحمزة بن الحسن الأصفهاني ت 360 هـ.
ـ الغاية: لأبي بكر النيسابوري ت 381 هـ وله أيضا: الكافي في العشر.
ـ الغاية في القراءات العشر لأحمد بن الحسين بن مهران الأصفهاني ت 381 هـ، وله أيضاً المبسوط في القراءات.
ـ المحتسب في شواذ القراءات: لابن جني ت 392 هـ.
ـ المفصح في القراءات السبع: لعبيد الله الأسدي ت 387 هـ.
ـ الإرشاد: لأبي الطيب بن غلبون ت 389 هـ.
ـ التذكرة في القراءات الثمان: لأبي الحسن بن غلبون ت 399.
مؤلفات القرن الخامس
منشأ القراءات في الثمان: لفارس الحمصي ت 401 هـ.
ـ المنتهـى في القـراءات العشـر: لأبي الفضـل محمـد بـن جعـفـر الـخـزاعـي ت 408 هـ.
ـ الشافي في القراءات: لإسماعيل السرخسي ت 414 هـ.
ـ الهادي: لأبي عبد الله المالكي القيرواني ت 415 هـ.
ـ المجتبى: لأبي القاسم عبد الجبار الطرسوسي ت 420 هـ.
ـ الروضة: لأبي عمرو بن كعب الطلمنكي الأندلسي ت 429 هـ.
ـ الهداية لأبي العباس أحمد بن عمار المهددي ت 431 هـ.
ـ التبصرة: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي القيرواني ت 430 هـ.
ـ الروضـة في القـراءات الإحـدى عشـرة: لأبـي علي البغدادي المالكي ت 438 هـ.
ـ المفيد في القراءات العشر: لأبي نصر أحمد بن مسرور الخباز البغدادي ت 442 هـ.
ـ التيسير: لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني ت 444 هـ.
ـ عقيلة أتراب القصائد في أسنى المقاصد، ومفردة يعقوب لأبي عمرو الداني ت 444 هـ.
ـ التنبيه على النقط والتشكيل، والموضح في الفتح والإمالة لأبي عمرو الداني ت 444 هـ.
ـ جامع البيان في القراءات لأبي عمرو الداني ت 444 هـ.
ـ التذكار في القراءات العشر: لأبي الفتح بن شيطا البغدادي ت 445 هـ.
ـ القاصد: لأبي القاسم عبد الرحمن الخزرجي القرطبي ت 446 هـ.
ـ الوجيز: للحسن بن علي بن هرمز الأهوازي ت 446 هـ وله أيضا:
ـ النير الجلي في قراءة زيد بن علي وقراءة ابن محيصن، ومفردة القراء في السبعة، والإيضاح، وقراءة الحسن البصري ويعقوب والجامع الأكبر في القراءات.
ـ الجامع في القراءات العشر: لعلي بن محمد الخياط البغدادي ت 450 هـ.
ـ الاكتفاء في القراءة: لابن خلف النحوي ت 455 هـ.
ـ العنوان: لابن خلف النحوي ت 455 هـ.
ـ الجامع في السبعة: الفارسي ت 461 هـ.
ـ الإبانة عن معاني القراءات: مكي بن أبي طالب القيسي ت 437 هـ.
ـ الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو: لابن عبد البر القرطبي ت 463 هـ.
ـ الكامل في القراءات الخمسين: لابن جبارة المغربي النيسابوري ت 465 هـ.
ـ الكافي: لمحمد بن شريح الرعيني الاشبيلي ت 476 هـ.
ـ سوق العروس في العشر: لأبي معشر الطبري المكي ت 478 هـ وله أيضا: التخليص في القراءات الثمان.
ـ الـقـصـيـدة الـحصـرية فـي قـراءة نـافـع: نظـم علـي بـن عبد الغني الحضري ت 488 هـ.
ـ المستنير في القراءات العشر: لأحمد بن علي سوار البغدادي ت 496 هـ.
ـ النبذ النامية في الثمانية: ليحيى بن إبراهيم الأندلسي المرسي ت 496 هـ.
ـ المهذب في القراءات العشر: لمحمد بن أحمد الخياط البغدادي ت 499 هـ.
أولاً: مؤلفات القرن الثالث(503):
مؤلفات القرن السادس:
تلخيص العبارات: للحسن بن علي الهواري القيرواني ت 514 هـ.
ـ الهادي: لمحمد بن سفيان المالكي القيرواني ت 415 هـ.
ـ التجريد: لابن الفحام الإسكندري ت 516 هـ. وله أيضا:
ـ مفردة يعقوب
ـ الإرشاد في العشر: لابن بندار القلانسي ت 521 هـ وله أيضاً الكفاية الكبرى وتذكرة المنتهي في القراءات
ـ الموضح والمفتاح وكلاهما: لابن خيرون العطار ت 539 هـ.
ـ الموضح والمفتاح في القراءات العشر: لابن خيرون العطار ت 539 هـ.
ـ الإقناع في القراءات السبع: لابن الباذش الأنصاري ت 540 هـ.
ـ المبهج في القراءات: لعبد الله بن علي المعروف بسبط الخياط البغدادي ت 451 هـ.
وله أيضاً: ـ الإيجاز في القراءات
ـ تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي في الست.
ـ تذكرة المستزيد.
ـ المبهج في الإحدى عشرة.
ـ المقتبس من القراءات: لأبي بكر بن العربي ت 543 هـ
ـ الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع: للقاضي عياض ت 544 هـ.
ـ الإقناع في القراءات السبع: لأبي جعفر أحمد بن علي ابن الباذش ت 540 هـ
ـ المصباح في القراءات العشر: لابن فتحان الشهرزوري ت 550 هـ.
ـ المفيد في القراءات الثمان: لمحمد بن إبراهيم الحضرمي ت 560 هـ.
ـ غاية الاختصار: لابن الحسن العطار الهمذاني ت 569 هـ.
ـ وصول الغمر إلى قراءة أبي عمرو: لقاسم البطاريحي ت 572 هـ.
ـ قراءة أبي عمرو: لشهاب الدين بن وهبان ت 585 هـ وله قصيدة في القراءات.
ـ حرز الأماني ووجه التهاني: لقاسم بن فيرة الشاطبي ت 590 هـ.
ـ قصيدة في القراءات: للمعافري الأندلسي ت 591 هـ.
ـ الخَيِّرة في القراءات العشرة: لمبارك بن الحداد الواسطي ت 596 هـ.
ـ متون الأفنان في علوم القرآن: لابن القيم الجوزي ت 597 هـ.
ـ الروضـة في القـراءات الإحـدى عشـرة: لأبـي علي البغدادي المالكي ت 438 هـ.
مؤلفات القرن السابع:
الإعلان: لعبد الرحمن بن إسماعيل الصفراوي الإسكندري ت 636 هـ.
ـ مراتب الأصول وغرائب الفضول لعلم الدين السخاوي ت 643 هـ وله أيضاً: فتح الوحيد شرح الشاطبي، وجمال القراء وإكمال الإقراء، ونثر الدر، والنونية في القراءات.
ـ مفردة يعقوب: لعبد الباري الصعيدي ت 655 هـ.
ـ الشمعة في القراءات السبعة: لمحمد بن أحمد الموصلي المعروف بشعلة ت 656 هـ.
ـ شرح الشاطبية: لمحمد بن الحسن الفاسي ت 656 هـ.
ـ شرح الشاطبية: لأبي شامة الدمشقي ت 665 هـ وله أيضاً:
ـ مفردات القراء.
ـ الفوائد المظفرية في تكملة شرح الشاطبية: لكمال الدين أحمد الضرير ت 672 هـ.
ـ حل الرموز: ليعقوب بن بدران المصري ت 688 هـ.
مؤلفات القرن الثامن:
التكملة في القراءات الثلاث عشرة: لعبد الله بن آيدغدي الشهير بابن الجندي ت 723 هـ.
ـ عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل: لأبي العباس ابن البنا المراكشي ت 721 هـ.
ـ الشرعة في السبعة: نظم بن عبد الله الجعبري ت 732 هـ.
ـ نزهة البررة في العشرة: نظم إبراهيم بن عمر الجعبري ت 732 هـ. وله أيضاً:
ـ الواضحة في تجويد الفاتحة، ودرر الأفكار، ونزهة البررة في العشرة، ونهج الدماثة في الثلاثة وشروحه.
ـ المختار في الثمان: لنجم الدين عبد الله الواسطي ت 740 هـ.
ـ الكنز في القراءات العشر: لابن الوجيه الواسطي ت 740 هـ وله أيضاً: الهداية في السبعة، والكفاية في القراءات العشر (نظم)(504).
ـ غاية المطلوب في قراءة يعقوب: لأبي حيان الأندلسي ت 745 هـ.
ـ القصيدة الطاهرية في القراءات العشر: لطاهر بن عربشاه الأصبهاني ت 786 هـ.
ـ التبيان في آداب حملة القرآن: للإمام شرف الدين يحيى النووي ت 776 هـ.
ـ المهذب في القراءات العشر: لمحمد بن أحمد الخياط البغدادي ت 499 هـ.
مؤلفات القرن التاسع:
قرة العين والإمالة ما بين اللفظين: لابن القاصح المغربي ت 801 هـ.
ـ مصطلح الإرشادات في الثلاث عشرة: لابن القاصح وله أيضا: سراج القاري شرح الشاطبية.
ـ النشر في القراءات العشر وشروحه: لشمس الدين بن الجزري ت 833 هـ وله أيضا: الدرة المضيئة في الثلاث تتمة العشرة وتقريب النشر في القراءات العشر، وغاية المهرة في الزيادة على العشرة، والقراءات الشاذة، ومنجد المقرئين.
ـ طبقات القراء لابن الجزري المتوفى عام 833 هـ.
ـ إيضاح الرموز ومفتاح الكنوز في الأربعة عشر: لابن قباقبي الحلبي ت 849 هـ.
ـ الغاية في الإحدى عشرة في قراءة خلف وأبي جعفر ويعقوب: لابن عياش المكي ت 853 هـ.
ـ النجوم الزاهرة في السبعة المتواترة: لمحمد بن سليمان الحكري المقدسي ت 871 هـ.
ـ الموضح والمفتاح في القراءات العشر: لابن خيرون العطار ت 539 هـ.
مؤلفات ما بعد القرن التاسع:
القراءات الثلاث للأئمة الثلاثة مع شرحها: لمحمد العمري العدوي أتمها 920 هـ.
ـ اختصار قرة العين: لزكريا الأنصاري ت 926 هـ.
ـ إتحاف فضلاء البشر في القراءات الأربع عشر لأحمد بن محمد الدمياطي ت 1117 هـ.
ـ الوجوه المسفرة في القراءات الثلاث للشمس المتولي ت 1313 هـ
ـ الفوائد المعتبرة في القراءات الأربع للشمس المتولي ت 1313 هـ
ـ الإضاءة في بيان أصول القراءة ـ علي الضباع طبعه عبد الحميد حنفي عام 1357 هـ. بالقاهرة.
ـ شرح الشاطبية: لعلي بن محمد الطباع
ـ البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة لعبد الفتاح القاضي.
ـ الوافي في شرح الشاطبية في القراءات السبع لعبد الفتاح القاضي.
ـ الأصوات في قراءة أبي عمرو البصري للدكتور عبد الصبور شاهين.
ـ طلائع البشر في توجيه القراءات العشر تأليف محمد الصادق قمحاوي.مصر.
ـ معجم القراءات القرآنية د. أحمد مختار عمر ود. عبد العال سالم مكرم ط 1991.
ـ أثر القراءات في الدراسات النحوية د. عبد العال سالم مكرم.
ـ الإمالة في القراءات واللهجات د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي.
ـ القراءات واللهجات لعبد الوهاب حمدة.
ـ القراءات بأفريقيا د. هند شلبي.
ـ القراءات القرآنية في بلاد الشام د. حسين عطوان.
ـ تحفة العصر في علم القراءات المتواترة العشر: تأليف شكري لحفي.
ـ المغني في توجيه القراءات العشر المتواترة.
ـ الكلمات الحسان في الحروف السبعة: للشيخ محمد نجيب المطيعي.
ـ مورد الظمآن تأليف المارغيني التونسي وشرحه لابن عاشر الأندلسي.
ـ النطق بالقرآن العظيم في ثلاثة مجلدات للدكتور ضياء الدين الجماس.(505)
ـ أثر القراءات في الدراسات النحوية تأليف د. عبد العال سالم مكرم.
ـ القراءات القرآنية في ضوء علم اللغة الحديث للدكتور: عبد الصبور شاهين.
————
(503) تجدر الإشارة إلى أننا صنفنا كتب القراءات بحسب تاريخ وفاة مؤلفيها، مع جزمنا بأن بعض هذه الكتب قد صنفت قبل وفاتهم بعشرات السنين، وهو ما يجعل المصنفات قد كتبت في قرن سابق، ولكن لما تعذر معرفة تاريخ كتب كل كتاب اكتفينا بتاريخ وفاة المؤلف وبالله التوفيق.
(504) أخبرني الأستاذ الدكتور أحمد علي الإمام مدير جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية بالسودان أن هذا الكتاب قد تم تحقيقه من قبل طالب الدكتوراه السيد عبد الرحمن الحملي.
(505) اعتمدت في استقصاء هذه المؤلفات على جملة من المصادر أعد منها: غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري، وكشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة، وإيضاح المكنون لحاجي خليفة نفسه، ثم الأعلام للزركلي، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة، ولم أشأ عزو كل كتاب إلى إحالة لعدم ضرورة ذلك.
الباب الثاني: أثر القراءات المتواترة في الرسم القرآني
تمهيد
يمكن أن يأخذ الحديث عن تاريخ الرسم القرآني اتـجـاهات مختلفة، وهوـ دون شك ـ من أكثر المسائل التي تحدث فيها الناس إذ لا يخلو مصنف في علوم القرآن من الحديث عن تاريخ تدوين القرآن والجهود العظيمة التي بذلت في هذا السبيل.
والذي سنتجه إلى الحديث عنه هنا هو هذا الرسم الذي تم بالفعل تدوين القرآن الكريم به، من جهة ضبطه للتنزيل القرآني، ومدى ما عاد به تطوير هذا الرسم من مسؤوليات على القراء لجهة ضبط القراءات المتواترة تنزيلاً والتي أصبحت الكتابة تعجز عن ضبطها كلما تطور هذا الرسم.
ولذلك فإننا سنعنى هنا بتاريخ الرسم القرآني في مراحله المختلفة في إشارة مقارنة إلى جهود علماء القراءات في ضبط التنزيل.
الفصل الأول: تاريخ الرسم القرآني
المبحث الأول: الرسم في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم –
من المسلم به أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بكتابة الوحي فور نزوله، حيث كان كتاب الوحي يتلقونه عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – مباشرة فيسطرونه فيما يتيسر لديهم من وسائل الكتابة من اللخاف والرقاق وورق البردى وغير ذلك، ولا يوجد في المنطق والواقع والرواية ما يعكر هذا الفهم، إذ كانت مكة أصلا بلد ثقافة، والقراء والكتاب فيها متوافرون، حيث كانت المجامع الثقافية الموسمية في عكاظ والمجنة وذي المجاز وغيرها تفرض على شباب مكة تحصيل جانب من القراءة والكتابة، ولذلك فقد جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – فداء الأسير من قريش يوم بدر أن يعلم عشرة من أطفال المسلمين في المدينة القراءة والكتابة.
وهكذا فإن قلة عدد الصحابة بمكة مقترن بأن غالبيتهم يحسن القراءة والكتابة، وهو يدفع عنا توهم ضياع شيء من نصوص الوحي، حيث كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتلقى أولاً عن جبريل ثم يقرئ من حوله من الأصحاب، ويأمر بكتابة ذلك في الصحف.
أما الآيات الأولى من سورة العلق التي تلقاها النبي – صلى الله عليه وسلم – في غار حراء منفرداً، ونظائرها مما تلقاها في غيبة أصحابه فإن حمله (لها ثم أمره إلى الصحابة بنسخها في المصاحف ليس مما يعسر فهمه وتباينه عند من يعتقد بأنه تنزيل من رب العالمين.
وفي المدينة كان الأصحاب من الكثرة والاجتماع حول النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى حد يطمئن فيه المرء أن سائر الوحي تلقته الكتبة في الصحف بحضرة المعصوم – صلى الله عليه وسلم -، وهو ما تواترت على إثباته الروايات والقرائن والأدلة.
وأشهر كتاب الوحي بين يدي النبي – صلى الله عليه وسلم – أبان بن سعيد بن العاص الأموي، وأبي بن كعب والأرقم بن أبي الأرقم، والزبير بن العوام، وزيد بن ثابت، وأبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعامر بن فهيرة، ومعاوية بن أبي سفيان، والمغيرة بن شعبة، والعلاء بن عقبة، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، وسجلّ الكاتب(506)
ولم يأمر النبي – صلى الله عليه وسلم – بجمع سائر الصحف في كتاب، وذلك أنه كان يتوقع دائماً نزول القرآن الكريم، ونسخ بعض ما نزل، فكان إذا نزلت السورة يقتصر على قوله: اجعلوا هذه مكان كذا وكذا، فيعرف أصحابه الكرام مراده بالترتيب من غير أن تتم الكتابة النهائية لسائر آي القرآن الكريم في مصحف واحد.
قال الخطابي: إنما لم يجمع (القرآن في المصحف لما كان يرقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته، فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة، فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر، وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن”..الحديث فلا ينافي ذلك لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.(507)
وهكذا فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يأمر بكتابة القرآن عنه من غير أن يأمر باستقصاء ذلك كله في مصحف واحد، وكل ذلك بوحي، فالمسألة توقيفية لا مجال فيها للاجتهاد.
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعرض القرآن الكريم في كل عام مرة على جبريل الأمين خلال شهر رمضان، وفي سنته الأخيرة (عرضه مرتين وفي ذلك يقول (: “إن جبريل كان يعارضني القرآن في كل شهر رمضان مرّة وإنه عارضني هذا العام مرتين وما أراه إلاّ قد حضر أجلي”(508)
فبذلك تم نزول القرآن كله، وتم ترتيبه في مواضعه وتم نسخه في الصحف، كل ذلك بأمر منه – صلى الله عليه وسلم – وبين يديه.
————
(506) ترجم لهم جميعاً ابن عساكر في السيرة النبوية في الجزء الثاني من تاريخ دمشق الصفحات من 331 – 346 كما قام الدكتور مصطفى الأعظمي بدراسة خاصة حول هذا الموضوع أصدرها بعنوان: كتَّاب الوحي.
(507) الإتقان ص 57.
(508) البخاري في كتاب الصوم.
المبحث الثاني: رسم القرآن الكريم في عهد الصحابة
تبين مما سبق أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – توفي وعند المسلمين وثيقتان دقيقتان للقرآن الكريم.
1 – الوثيقة الأولى: وهي جماعة الحفاظ الذين قرؤوا القرآن على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهم لا يقلُّ عددهم عن المائة على أقل تقدير، فقد قتل يوم اليمامة سبعون منهم، وقتل يوم بئر معونة(509) مثل ذلك، ومن هؤلاء الحفاظ من عرضه مباشرة على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأقام مجالس الإقراء يقرئ الناس فيها، وقد اشتهر من هؤلاء: عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري.(510)
وكان هؤلاء بمثابة القراء الذين يقرؤون على شيوخهم فيحيزونهم، وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بمثابة شيخ لهؤلاء قرؤوا عليه فأجازهم.
كذلك فإن من الصحابة من قرأ على حفاظ الصحابة في حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ومنهم من أتم حفظه عقب وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أضف إلى ذلك أن هناك من لم يتيسر له حفظ كل القرآن الكريم فحفظ منه أجزاءً وأرباعاً وسوراً متفرقة، وهؤلاء يتجاوز عددهم الألوف، فبذلك لم تكن في القرآن آية إلاّ وقد حفظها المئات من الصحابة على أقل تقدير.
2 ـ الوثيقة الثانية: وهي الوثيقة المكتوبة، فمن المؤكد أن كتبة الوحي القرآني كتبوا كل آية في القرآن الكريم في صحفهم ـ كما علمت.
فقد كان الكتبة يتلقفون الآيات عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فينسخونها في الصحف فور نزولها، وربما كتب الآية كاتب واحد أو اثنان أو ربما أكثر من ذلك، وعن هذه الصحف، كان كثير من الصحابة ينسخون الآيات في صحفهم الخاصة، بل إن بعض الصحابة جمع لنفسه مصحفاً خاصاً كاملاً.
ومن هؤلاء: عبد الله بن مسعود، وعائشة، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وحفصة، وأم سلمة، وأبي بن كعب، وغيرهم كثير(511)
ولم تكن هناك ضرورة لجمع هذه الصحف في مكان واحد خلال حياة النبي – صلى الله عليه وسلم – إذ النبي – صلى الله عليه وسلم – حي، والحفاظ متوافرون، فضلاً عن عدم إمكان ذلك بسبب تنزل الوحي المستمر، ومن المعلوم أن ترتيب نزول الوحي اتصل حتى الأيام الأخيرة من مرض النبي – صلى الله عليه وسلم – الأخير.
أول جمع للقرآن: حين توفي النبي – صلى الله عليه وسلم – اشتدت الحاجة لجمع هذه الصحف المكتوبة في مكان واحد تمهيداً لنسخها ضمن المصاحف ليسهل نشرها في الآفاق.
وكان عمر بن الخطاب أول من رأى ذلك وسعى إليه، فقد روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: أرسل إليّ أبو بكر (عند) مقتل
أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرَّ (كثر) في أهل اليمامة بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال عمر: هو والله خير. فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فتتبع القرآن فاجمعه. فقال زيد: فو الله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن، قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدر الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره.
{لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم * فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم *} فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر.
وهكذا فإن منهج زيد بن ثابت في كتابة القرآن هو اعتماد الوثيقتين المحفوظة والمكتوبة وقد عثر على سائر آيات القرآن مكتوبة كما كان يحفظها هو وزملاؤه من الصحابة، وهي الوثائق، التي كتبت بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، والخبر يؤكد إنه عثر على أكثر من وثيقة مكتوبة لجميع آيات القرآن إلا وثيقة واحدة مكتوبة، كانت لدى أبي خزيمة الأنصاري، الذي جعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شهادته شهادة رجلين، فطابق بين حفظه وبين الوثيقة التي وجدها، يؤيدها تأكيد عشرات الصحابة الحفاظ ومنهم زيد بن ثابت، فنسخها في المصحف. وخلال فترة قصيرة جمع القرآن كله بوثائقه الأولى لدى أبي بكر الصديق، فنسخت بين اللوحين، وخرجت إلى الوجود أول نسخة كاملة من القرآن الكريم. بالغة التوثيق والتدقيق، وهي في نفس الوقت أول كتاب ينسخ بالعربية.
وفي خلافة عمر بن الخطاب بقي المصحف على حاله لدى عمر، وبقي الاعتماد الأساسي على الحفظ والإقراء، مع الاستعانة بالصحف الخاصة لدى الصحابة، والمصحف الإمام الموجود لدى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
————
(509) سمي هذا البعث الذي بعثه النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم بئر معونة: بعث الحفاظ، وغني عن التعريف أن هؤلاء لم يكونوا يحفظون سائر القرآن الكريم، إذ لم يكن قد اكتمل نزوله بعد، ولكن اشتهروا بالحفظ والقراءة.
(510) طبقات القراء للذهبي.
(511) المصاحف للسجستاني ص 45 والأرجح أن ذلك تم بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -.
المبحث الثالث: الرسم العثماني
وفي عهد عثمان بن عفان خاف الصحابة على الناس من الاختلاف في القرآن بسبب عدم توفر نسخ قرآنية بين أيدي الناس يقرؤون بها. وقد توزع الحفاظ في الأمصار وعظمت الفتوح، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
ولم يكن الحفاظ والقراء ـ مهما بلغوا من الكثرة ـ ليستطيعوا أن يقرؤوا الناس جميعاً في سائر الأمصار كما كان الأمر في عهد الرسول – صلى الله عليه وسلم – والشيخين.
عندئذ رأى الصحابة أنه من الضروري أن يوفروا نسخاً من القرآن في البلاد المختلفة ليقرأ الناس استناداً إليها. وأمر الخليفة عثمان بن عفان بتشكيل لجنة رباعية من خيار حفاظ الصحابة وكتابهم، وهم: زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
وهكذا فقد تم نسخ خمسة مصاحف موثقة، وزعت في المدن الرئيسة الخمس وهي: مكة والمدينة ودمشق، والبصرة والكوفة، وربما كانت المصاحف سبعة(512) وزعت في الأمصار الخمسة واليمن والبحرين كما ذكرت ذلك بعض الروايات. وبذلك اكتملت الوثيقة الثانية للقرآن الكريم مكتوبة متوفرة في الأمصار.
خط المصاحف: كتبت تلك المصاحف جميعاً بالخط الكوفي القديم، وظلت الكتابة بالخط الكوفي مفضلة لدى الناس حتى تحولوا عنها إلى خط النسخ في القرن الرابع الهجري لكونه أكثر وضوحاً وأبعد عن الالتباس.
ولا يزال الخط النسخي إلى اليوم هو المستعمل في كافة المصاحف ويشاهد القارئ في ملاحق الكتاب(513) صورة عن مصاحف القرن الأول الهجري المكتوبة بالخط الكوفي القديم.
مصاحف الصحابة الخاصة: وقد يشكل هنا ما اشتهر من أن بعض مصاحف الصحابة الخاصة فيها زيادات ليست في المصاحف التي بين أيدينا، ويزول ذلك الإشكال حين تعلم أن هذه المصاحف إنما كتبها أولئك الأصحاب لأنفسهم، وكانوا يزيدون فيها ما هو من باب التفسير والإيضاح، كما زاد مثلا عبد الله بن مسعود في مصحفه: (وهو أبوهم) بعد قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} فزيادته تلك هي زيادة إيضاح وتفسير، ولم بجد في ذلك حرجاً لأنه إنما كتب المصحف لنفسه، وهو يعلم أن هذه الإشارات والملاحظات ليس من نص القرآن.
ثم لما جمع عثمان الناس على المصحف الإمام أدرك الأصحاب ضرورة إتلاف مصاحفهم لما فيها من زيادات تفسيرية قد تصبح في أيدي من لا يميزون فيزيدون في كتاب الله ما ليس فيه.
وهكذا فقد استغنى الأصحاب بالمصحف الإمام بعد أن اجتمعت كلمتهم على تجريد كتاب الله مما ليس فيه.
ويشير علماء القرآن إلى أن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود امتنع أولا من تسليم مصحفه لما كان قد دون فيه من ملاحظات هامة، إلا أنه عاد فيما بعد فالتزم رأي جماعة المسلمين.
قال الحاكم في المستدرك: جمع القرآن ثلاث مرات:
(إحداها) بحضرة النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نؤلف القرآن من الرقاع الحديث. وقال البيهقي: يشبه أن يكون المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجميعها فيها بإشارة النبي – صلى الله عليه وسلم -.
(الثانية) بحضرة أبي بكر. روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: أرسل إليَّ أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بقراء القرآن وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن فقلت لعمر: كيف تفعل شيئاً لم يفعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قال عمر: هو والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك ورأيت في ذلك الذي رأى عمر، قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل ولا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فتتبع القرآن فأجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال هو والله خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصــاري(514)
لم أجدها مع غيره {لقد جاءكم رسول} ـ حتى خاتمة براءة فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر(515).
(الثالثة): ترتيب السور في زمن عثمان. روى البخاري عن أنس أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى فأرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان. فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنَّه إنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق، قال زيد: ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقناها في سورتها في المصحف (516)
وهكذا فإنه يتبدى لك من رواية الحاكم أن جمع القرآن الكريم كان ثلاث مرات، وقد حظيت كل واحدة من الثلاث بإجماع الأمة واتفاقها، بحيث لا تجد لها مخالفاً، وتواتر إسناد هذا بالضبط على الوثائق برواية العدول الثقات، البالغين من الوفرة حداً يقطع الارتياب، ويجعلك تأمن تواطؤهم على الكذب.
وسنأتي على تفصيل رجال الإسناد في الفصل المخصص لذلك في أسانيد القراء.(517)
وبعد هذا العرض لمراحل الرسم القرآني حتى عهد عثمان بن عفان فإن الذي يعيننا من ذلك هو شكل الرسم الذي رسمت به المصاحف وعلاقته بالقراءات المتواترة.
من المعلوم أن الجمع الذي قام به أبو بكر رضي الله عنه كان يتضمن الكتبة الأولى التي كتبت بحضرة النبي – صلى الله عليه وسلم – الأصحاب وفق معارفهم السابقة: (ولم يؤخذ على كتاب القرآن وخطاط المصاحف رسم بعينه دون غيره، أوجبه عليهم وترك ما عداه، إذ وجوب ذلك لا يدرك إلا بالسمع والتوقيف)(518)
وهكذا فإن من المفترض أن هذا الرسم لم يكن يؤدي غالباً إلا قراءة واحدة، وهي القراءة التي تلقاها الصحابي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في أحد المجالس.
فمثلاً في سورة آل عمران {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض}(519) فقد قرئت هذه الآية بواو(520) في وسارعوا، وقرئت بغير واو(521)، ولما كان مصحف أبي بكر رضي الله واحداً فإنه من المفترض أنه اشتمل على أحدا الرسمين، ولكن من المؤكد أن وثيقة أخرى كتبت بالرسم الآخر، وكانت موجودة في المجموعة التي توفرت لدى الصديق رضي الله عنه من الوثائق.
وحينما كتب مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ونسخ في الأمصار كان من أهم النقاط التي لحظتها تلك المصاحف أنها عالجت مواضع اختلاف الرسم
————
(512) الخلاف في عدد المصاحف العثمانية مشهور، وهي تدور بين أربع أو خمس أو سبع أو ثمان نسخ من المصاحف، وليس هذا محل تحقيق الخلاف. انظر الإتقان للسيوطي ـ البرهان للزركشي.
(513) انظر الملاحق في آخر الكتاب.
(514) تعددت الأقوال هنا في تحرير اسم واجد الصحيفة، والأصح أنه خزيمة بن ثابت كما سيأتي في الجمع الثالث، ولم يشر ابن حجر في الإصابة إلى وجود صحابي باسم أبي خزيمة الأنصاري، ولكنه حقق المسألة في الفتح جـ9 ص 15 فقال: وقع في رواية عبد الرحمن بن مهدي عن إبراهيم بن سعد (مع خزيمة بن ثابت) أخرجه أحمد والترمذي. ووقع في رواية شعيب عن الزهري كما تقدم في سورة التوبة (مع خزيمة الأنصاري) وقد أخرجه الطبراني في (مسند الشاميين) من طريق أبي اليمان عن شعيب فقال فيه (خزيمة بن ثابت الأنصاري) وقد أخرجه ابن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب، وقول من قال عن إبراهيم بن سعد (مع أبي خزيمة) أصح، وقد تقدم البحث فيه في تفسير سورة التوبة وأن الذي وجد معه آخر سورة التوبة غير الذي وجد معه الآية التي في الأحزاب، فالأول اختلف الرواة فيه على الزهري، فمن قائل (مع خزيمة) ومن قائل (مع أبي خزيمة) ومن شاك فيه يقول (خزيمة أو أبي خزيمة) والأرجح أن الذي وجد معه آخر سورة التوبة أبو خزيمة بالكنية، والذي وجد معه الآية من الأحزاب خزيمة، وأما خزيمة فهو ابن ثابت ذو الشهادتين كما تقدم صريحاً في سورة الأحزاب.
وقد أنكر القاضي أبو بكر بن الطيب هذا الحديث بالكلية، فجزم بأنه مضطرب، بل قال: يشبه أن يكون موضوعاً!.. مع أنه من رواية البخاري ومسلم.
وقد تصدى القاضي أبو بكر بن العربي للرد على ذلك في كتابه النفيس: أحكام القرآن، الجزء الثاني ص 1037
(515) أوردنا هذه الروايات قبل قليل، وكررناها هنا لما فيها من فائدة تتعلق بمصير السنة بعد أبي بكر.
(516) نقلاً عن السيوطي في الإتقان جـ1 ص 57
وتجدر الإشارة هنا أن البخاري في الصحيح أخبر أن قصة خزيمة وردت مرتين: في جمع أبي بكر وفي جمع عثمان، مع أن المعقول هنا أنها في عهد أبي بكر، والله أعلم.
روايتها في عهد أبي بكر، انظر فتح الباري جـ8 ص 344 كتاب التفسير سورة التوبة.
روايتها في عهد عثمان، انظر فتح الباري جـ8 ص 344 كتاب التفسير سورة الأحزاب.
ولكن حقق ابن حجر في الفتح هذه المسألة بقوله: الصحيح عن الزهري أن قصة زيد بن ثابت مع أبي بكر وعمر عن عبيد بن السباق عن زيد بن ثابت، وقصة حذيفة مع عثمان عن أنس بن مالك، وقصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب في رواية عبيد بن السباق عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه، وقد رواه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري فأدرج قصة آية سورة الأحزاب في رواية عبيد ابن السباق، وأغرب عمارة بن غزية فرواه عن الزهري فقال: (عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه، وساق القصص الثلاث بطولها: قصة زيد مع أبي بكر وعمر؛ ثم قصة حذيفة مع عثمان أيضاً، ثم قصة فقد زيد بن ثابت الآية من سورة الأحزاب أخرجه الطبري، وبين الخطيب في (المدرج) أن ذلك وهم منه وأنه أدرج بعض الأسانيد على بعض.
(517) انظر ص 138 من هذه الدراسة
(518) إعجاز القرآن للباقلاني ص 42
(519) سورة آل عمران 136
(520) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكوفيين الأربعة ويعقوب
(521) وهي قراءة نافع وابن عامر وأبي جعفر.
الضروري بين القراءات، فكتبت الأحرف متعددة في مواضع الاختلاف بحسب القراءات المأذون بها من المعصوم – صلى الله عليه وسلم -.
المبحث الرابع: أثر الرسم العثماني في ضبط القراءات
ظهر لنا في الفصل السالف أن المصاحف العثمانية التي وزعها عثمان في الأمصار كانت مشتملة على القراءات المشروعة بمجموعها، فقد تغيب قراءة ما عن رسم أحد المصاحف العثمانية، ولكنها تظهر جزماً في نسخة أخرى، وقد يقصر رسم أحد المصاحف عن التعبير بالوجوه المشروعة في القراءة ولكن يجيء رسم مصحف آخر بالتعبير عما لم يرد في سالفه.
ويجب التنبيه هنا أن ذلك كله في تسعة وأربعين حرفاً لا غير، وقد يشكل عليك ما قدمت من أن الخلاف بين القراءات في الفرش وصل إلى نحو ألفي كلمة، وهذا ليس غائبا عن البال، فالخلاف الفرشي المذكور كله يحتمله رسم واحد إلا المواضع التسعة والأربعين فإنه لا يحتملها رسم واحد ولا بدمن تعدد الرسم في النسخ ليتم استيعاب الوجوه المشروعة.
فنجد مثلاً أن وجوه القراءة الأربعة تؤخذ من رسم عثماني واحد في مثل الموضع التالي: (قبل النقط والتشكل).
وإليه (يرجعون)(522): يُرجَعون(523) ـ يَرْجِعون(524) ـ تَرجِعون(525)ـ تُرجَعون (526)
يوم القيامة (يفصل)(527) بينكم: يُفْصَل(528) ـ يُفَصَّل(529) ـ يَفْصِل(530) ـ يُفَصِّل(531)
فإذا هم (يخصمون)(532): (يَخْصِّمُون(533) ـ يَخَصِّمون(534) ـ يَخِصِّمون(535) ـ يَخْصِمُون(536).
بينما لا يمكن تحصيل الوجوه الآتية إلا من رسمين اثنين:
{جنات تجري من تحتها الأنهار} (537): وهي قراءة ابن كثير
{جنات تجري تحتها الأنهار}: وهي قراءة الباقين
{الذين اتخذوا مسجداً ضراراً} (538): وهي قراءة نافع وأبي عامر وجعفر.
{والذين اتخذوا مسجداً ضراراً}: وهي قراءة الباقين.
ويـجب التنويه هنا أن التخالف الذي وقع بين المصاحف إنما وقع في تسعة وأربعين موضعاً فقط، وهي المواضع التي قمت بإحصائها في الفصل الخاص باختلاف
مصاحف الأمصار(539)، وأردت من خلال ذلك التأكيد على أن هذا التخالف لم ينشأ من غفلة النساخ أو ذهول عنهم، بل هو تخالف مقصود أراد به عثمان رضي الله استيعاب سائر القراءات المتواترة التي أذن بها النبي – صلى الله عليه وسلم – وتلقاها جمهور الصحابة عنهم بالتواتر.
ولكن يرد ثمة سؤال آخر: هل ابتليت الأمة بضياع هذه المواضع التسعة والأربعين بين عهد أبي بكر وعثمان حيث كانت الكتبة الأولى لا تؤدي هذه القراءات؟
والجواب على هذا الإشكال من وجهين:
الأول: إن كَتْبَة الصديق وإن لم نجزم بأنها مشتملة على الوجوه المذكورة لكن ذلك لم يؤثر على مبدأ إقرار الإقراء بها لسببين. السبب الأول: إن نسخة الصديق لم تكن متاحة لكل أحد، بل كانت وثيقة محفوظة مدخرة لما يأتي من الأيام حين يخشى أن تتفرق الأمة وقد جاء ذلك اليوم الموعود حين شرع عثمان رضي الله عنه بكتابة مصاحف الأمصار. والسبب الثاني: أن الوثيقة الثانية المشتملة على الرسم الآخر للمصحف كانت موجودة أيضاً لدى مجموعة الصديق التي انتقلت منه إلى عمر ثم إلى حفصة، حيث كان الصديق رضي الله عنه يجمع الوثائق التي كتبها الأصحاب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي بلا ريب تتضمن سائر قراءاته(التي لا تخرج هذه القراءات المتواترة عنها.
ذلك أن الصديق رضي الله عنه يوم دعا الناس إلى جمع ما بأيديهم من الصحف اجتمع عنده قرآن كثير، فربما اجتمع من سورة الكهف أو يس مثلاً مئات النسخ، ومثلها السور التي كان الأصحاب يشتغلون بحفظها
وقراءتها كسورة يس والدخان والسجدة وغيرها من قصار السور، وربما اجتمع عنده من البقرة وآل عمران عشرات النسخ، ولا توجد آية في القرآن إلا اجتمع عند أبي بكر منها نسخ كثيرة، بل قد صرح الأصحاب أنه لم تعز عليهم إلا آية واحدة لم يجدوا منها إلا نسخة واحدة وهي آخر سورة التوبة، وقد أتينا على تفصيل ذلك نقلاً عن البخاري قبل قليل.
وهكذا فإن الروايات تظاهرت على التأكيد بوجود أكثر من وثيقة مكتوبة لكل آية من آي القرآن الكريم، بحسب ما كان يتلقى الأصحاب من النبي – صلى الله عليه وسلم – وهذه الوثائق بمجموعها مشتملة على القراءات المتواترة التي قرأ بها المعصوم – صلى الله عليه وسلم -.
الثاني: أن المتفق عليه لدى الأمة بمجموعها أن القرآن إنما يؤخذ بالتلقي والمشافهة، وأن الوثيقة المكتوبة ليست مرجعاً نهائياً لرواية القرآن، بل هي محض آلة مساعدة، وأن العمدة في القراءة والإقراء على النص المتلقَّى بالتواتر، وهذا كان يشمل سائر الوجوه المذكورة، وكان يتأيد بما بين يدي الصحابة من صحف كتبوها بحضرة النبي – صلى الله عليه وسلم – فيها أيضاً تلك الوجوه.
وهكذا فإن علاقة تناوبية نشأت بين الرسم العثماني والقراءات المتواترة فقد خدم كل منهما الآخر، وتآزرا في ضبط الأداء القرآني.
ويمكن أن نستنتج مما قدمناه في هذا الفصل أن سائر القراءات المشروعة(540) (المتواترة) كانت حاضرة في ذاكرة الحفاظ التي كانت تتلقى بأعلى درج التواتر وكانت حاضرة في الوثيقة الكتابية في جمع أبي بكر وصحف الصحابة من حوله، ثم في نسخ عثمان (بمجموعها) كما وزعها في الأمصار.(541)
————
(522) سورة الأحزاب آية 85
(523) قرأ بها ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف
(524) قرأ بها رويس
(525) قرأ بها روح
(526) قرأ بها الباقون
(527) سورة الممتحنة، آية 3
(528) قرأ بها نافع وابن كثير، وأبو عمرو، وأبو جعفر.
(529) قرأ بها ابن عامر
(530) قرأ بها عاصم ويعقوب
(531) قرأ بها الباقون
(532) سورة يس آية 49
(533) قرأ بها أبو جعفر
(534) قرأ بها ورش وابن كثير، وهشام، وقرأ أبو عمرو، باختلاس فتحة الخاء وتشديد الصاد
(535) قرأ بها ابن ذكوان، وعاصم، والكسائي، ويعقوب، وخلف
(536) قرأ بها حمزة.
(537) سورة التوبة 100
(538) سورة التوبة 107
(539) انظر ص 263 من هذه الدراسة، حيث تم استقصاء اختلاف حروف مصاحف الأمصار.
(540) عبرت هنا بلفظ (المشروعة) نظراً لأننا نتحدث عنها قبل عصر تمييز القراءات بالشروط المعتبرة، ومقتضى عبارتي أن المشروعة هي ذاتها التي حظيت فيما بعد بالتواتر.
(541) انظر ص 263 من هذه الدراسة حيث تم استقصاء اختلاف حروف مصاحف الأمصار.
الفصل الثاني: نقط القرآن الكريم وشكله
المبحث الأول: مرحلة شكل القرآن وعلاقتها بضبط القراءات
كان القرآن الكريم في الكَتْبَةِ الأولى ثم في مصاحف عثمان بغير نقط ولا شكل، ولم يكن ثمة إشكال في هذا الجانب، إذ الأمة إنما تتلقى القراءة بالمشافهة، وعلى ذلك العمدة، السلائق سليمة والحفاظ متوافرون.
ولكن ذلك لم يدم طويلاً بعد عثمان رضي الله عنه إذ اختلط الناس عقب حركة الفتوح بالأعاجم ودخل الموالي والأعاجم في الإسلام، ولا شك أن كل مسلم مأمور بقراءة القرآن الكريم، وبوسعك أن تتصور مدى الحاجة المؤكدة لتيسير تلاوة القرآن للناس.
ولن نطيل هنا في القراءة التاريخية لمراحل شكل القرآن، فهذا مما كثرت فيه الدراسات، وتعددت حوله الروايات، وغاية ما نذكره هنا أن عملية شكل القرآن الكريم بدأت في زمن الخليفة الراشدي علي بن أبي طالب، وقد عهد بها إلى بعض كبار أئمة النحو أمثال أبي الأسود الدؤلي(542)، ويحيى بن يعمر(543)، والحسن البصري(544)،
ونصر بن عاصم الليثي(545)، ولا يمكنك هنا الجزم بنسبة شكل القرآن الكريم إلى واحد من هؤلاء الأربعة إذ هو لم يتم بالتأكيد بين يوم وليلة، ولم يصدر عن رجل منهم في غداة فحظي بإجماع الأمة في عشية، بل ظل في الناس من يكره ذلك كله وينكره، ومن يدعو إلى تعديله وإصلاحه، ومن يدعو إلى اعتماده، وكان أشهر من يعارض ذلك كله الصحابي الجليل: عبد الله بن مسعود الذي كان يقول: جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء(546)؛ بل نقل عن مجاهد من أئمة التابعين أنه كره تطييب المصاحف بالطيب أو وضع أوراق الورد بين صحائفها، ولكن ذلك الاتجاه رَكَنَ في النهاية إلى ضرورة الشكل في القرآن الكريم، وكان من أول الآراء الواعية الناضجة لذلك رأي الإمام مالك الذي يقول فيه: لا بأس بالنقط والشكل في المصاحف التي تتعلم فيها العلماء أما الأمهات فلا(547).
ويمكن اختصار وجوه الأقوال بما استقر عليه العمل آخر المطاف وهو فتوى النووي في التبيان بقوله: (قال العلماء: يستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه وتصفية، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط، فإنما كرهها في ذلك الزمان خوفاً من التغير فيه، وقد أمن ذلك لكونه محدثا، فإنه من المحدثات الحسنة، فلا يمنع منه كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك).(548)
وقد أوجز السيوطي تاريخ تدوين الشكل بقوله:
(كان الشكل في الصدر الأول نقطاً، فالفتحة نقطة على الحرف والضمة على آخره والكسرة تحت أوله، وعليه مشى الداني، والذي اشتهر الآن الضبط بالحركات المأخوذة من الحروف، وهو الذي أخرجه الخليل، وهو أكثر وأوضح، وعليه العمل، فالفتح شكلة مستطيلة فوق الحرف، والكسر كذلك تحته، والضم واو صغرى فوقه، والتنوين زيادة مثلها)(549).
وهكذا فقد مرت عملية تحسين الرسم بمرحلتين اثنتين: نقط الإعراب، وهو ما نسميه بالتشكيل، ونقط الإعجام، وهو ما نسميه بالتنقيط، ولا يخفى أن ما نتحدث عنه في هذا المبحث هو نقط الإعراب، أي التشكيل.
والذي يعنينا هنا من أمر شكل القرآن هو أثر هذه الخطوة على القراءات، فقد نتج عن شكل القرآن غياب كثير من القراءات المشروعة(المتواترة) من النص القرآني فمثلا:
في سورة البروج تم شكل الآيات على الشكل الآتي:
{ذو العرش المجيدُ}: وهي قراءة جماهير القراء الأئمة، فغابت حينئذ قراءة مشروعة (متواترة) وهي: ذو العرش المجيدِ (بالخفض) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف.
{في لوحٍ محفوظٍ}: وهي قراءة جمهور القراء، فغابت حينئذ قراءة مشروعة(متواترة) وهي: في لوحٍ محفوظٌ (بالرفع) وهي قراءة نافع
وفي سورة الفجر تم شكل الآيات على الشكل الآتي:
{والشفع والــوَتر}: وهي قراءة الجمهور، فغابت حينئذ قراءة مشروعة(متواترة) وهي: والشفع والوِتر (بالكسر) وهي قراءة حمزة وخلف والكسائي
لا يعذِّب، ولا يوثِق: (بالكسر في الموضعين) وهي قراءة الجمهور، فغابت حينئذ قراءة مشروعة (متواترة) وهي: لا يعذّب، ولا يوثق (بالفتح) وهي قراءة الكسائي ويعقوب
ويطرح هنا سؤال بدهي لا بد من الإجابة عليه:
كيـف تسنَّى لـهم أن يطرحوا قراءة متواترة هي بإجماع الأمة جزء من القرآن الكريم؟
والجواب هو أنهم لم يطرحوا أياً من القراءتين، إذ هم لم يعتبروا الشكل تنزيلاً وإنما اعتبروه تعليماً، فكانت المصاحف تختلف شكلاً بحسب القراءة المتواترة التي ينهج عليها صاحب المصحف، ولا شك هنا أنه كان في العالم الإسلامي بدءاً من عصر أبي الأسود الدؤلي ولا زال حتى زماننا هذا مصاحف مختلفة بالشكل (حركات الإعراب والصرف) بحسب ما يؤدي إليه مقصد التواتر إسناداً، فثمة مصحف مرسوم بما يوافق قراءة أبي عمرو وآخر مرسوم بما يوافق قراءة نافع وهكذا.
غاية الأمر أن هذه المصاحف متفقة في أصل الرسم العثماني قبل الشكل مع حفظ الاستثناء الذي أشرنا إليه مراراً في المواضع التسعة والأربعين التي نهجت عليها المصاحف العثمانية الأصل.
————
(542) أبو الأسود الدؤلي (ا ق.هـ ـ 69 هـ) هو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني، واضع علم النحو، كان معدوداً من الفقهاء والأعيان والفرسان، تابعي، سكن البصرة في خلافة عمر، وولي إمارتها في أيام علي وشهد معه صفين، ولما بويع لمعاوية قصده فأكرمه معاوية، وله شعر أيضاً. مات بالبصرة.
الأعلام جـ3 ص 238
(543) يحيى بن يعمر (… ـ 129 هـ) هو يحيى بن يعمر الواشقي العدواني (أبو سليمان) أول من نقَّط المصاحف، ولد بالأهواز وسكن البصرة، كان من علماء التابعين، عارف بالحديث والفقه ولهجات العرب، أخذها عن أبيه وأخذ النحو عن الدؤلي، ولي قضاء مرو ثم عزل، وولي القضاء بالبصرة إلى أن مات بها.
الأعلام جـ8 ص 177
(544) سبقت ترجمته في ص
(545) نصر بن عاصم الليثي (… ـ 89 هـ) هو نصر بن عاصم الليثي، من أوائل واضعي النحو مع الدؤلي السابق وعبد الرحمن بن هرمز فوضعوا للنحو أبواباً وأصَّلوا له أصولاً، قال عنه ياقوت: كان من فقهاء التابعين، عالماً بالعربية، أخذ النحو عن يحيى بن يعمر، وأخذ عنه أبو عمرو بن العلاء، مات بالبصرة.
(546) مباحث في علوم القرآن ص 94
(547) الإتقان 2/291
(548) التبيان للنووي ص 24
(549) الإتقان 2/171
المبحث الثاني: نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن الرسم بسبب شكل القرآن
الرقم، السورة والآية; رسم المصحف الشائع(550); الوجوه الغائبة من المتواتر
1 – ; البقرة 28; تُرْجَعون; تَرْجِعون: يعقوب
2 – ; البقرة 38; فلا خوفٌ عليهِمْ; فلا خوفَ عليهُم: يعقوب
3 – ; الأعراف 146; سبيلَ الرُّشْدِ; سبيل الرَّشَدِ: قراءة حمزة والكسائي
4 – ; الأعراف 148; حُلِيِّهِم; حَلْيِهِم: يعقوب
حِلِيِّهِم: حمزة والكسائي
5 – ; آل عمران 27; المَيِّتَ; الـمَيْتَ: ابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر وشعبة
6 – ; النساء 58; يَأْمُرَكم; يأْمُرْكم: أبو عمرو بخلف عن الدوري
يامُرُكم: ورش والسوسي وأبو جعفر
7 – ; المائدة 32; رُسُلُنا; رُسْلُنَا: أبو عمرو
8 – ; الأنعام 74; ءازرَ; ءازرُ: يعقوب
9 – ; الأعراف 138; يَعْكُفُونَ; يعكفُونَ: حمزة والكسائي وخلف
10 – ; التوبة 57; مُدَّخَلَاًـ; مَدْخَلاً: يعقوب
11 – ; هود 114; زُلَفاً; زُلُفاً: أبو جعفر
12 – ; الكهف 22; رَبِّي~; رَبِّيَ: نافع وابن كثير، وأبو عمرو وأبو جعفر
13 – ; النور 55; استَخْلَفَ; استُخْلِفَ: شعبة
14 – ; الروم 24; يُنَزِّلُ; يُنْزِل: ابن كثير، وأبو عمرو، ويعقوب
15 – ; فاطر 1; يُنْقَصُ; يَنْقُصُ: يعقوب
16 – ; الحديد 8; أخَذَ ميثاقَكُمْ; أُخِذَ ميثاقُكُم: أبو عمرو
————
(550) نقصد هنا بالمصحف الشائع المصحف الموافق لرواية حفص عن عاصم إذ هو السائد اليوم في أغلب بلدان العالم الإسلامي، وقد غلب شيوعه في العالم الإسلامي منذ أن بدأت طباعته في تركيا ومصر إذ كانت هي القراءة الشائعة في مصر وتركيا.
ويجب التنبيه أنني أنص على من قرأ خلاف المصحف الشائع، فتعين أن من لم يذكر في المنفردين قرأ وفق المصحف الشائع.
المبحث الثالث: مرحلة نقط القرآن الكريم وعلاقتها بضبط القراءات
اشتهر بين المشتغلين بعلوم القرآن الكريم أن مرحلة نقط القرآن الكريم جاءت متأخرة عن شكله، وأكثر الروايات أن نقط القرآن تم أيام عبد الملك بن مروان بمبادرة من الحجاج يوسف الثقفي والي العراق حينئذ، ويذكر في هذا السياق أبو الأسود الدؤلي(551) ونصر بن عاصم الليثي(552) والخليل بن أحمد الفراهيدي(553)، وتبدو هذه المرحلة متصلة بالمرحلة الأولى في إطار تحسين الرسم القرآني وإتاحته للقراء في الأمصار.
ومن العسير أن تنسب نقط القرآن لواحد بعينه من هؤلاء، والمؤكد أن جهودهم جميعاً تآزرت وتكاملت في خدمة الرسم القرآني حتى بلغ مبلغه في الإتقان والوضوح الذي نبتغيه، وليس تحديد نائل هذا الشرف من شرط هذه الدراسة فنحيل مرة أخرى على المؤلفات في تاريخ تدوين القرآن الكريم.
وما قدمناه في باب شكل القرآن من الاعتراضات والردود يصدق تماما على مرحلة نقط القرآن الكريم إذ كان الجميع ينظرون إلى المرحلتين على أنهما سعي للأهداف ذاتها بالوسائل ذاتها.
والذي يعنينا هنا من أمر نقط القرآن الكريم هو أثر هذه الخطوة على القراءات، فقد نتج عن النقط مثل ما نتج عن الشكل، من غياب كثير من القراءات المشروعة (المتواترة) من النص القرآني، فمثلاً:
في سورة الرعد /16/ تم نقط الآيات على الشكل التالي:
{أم هل تستوي الظلمات والنور} (بتاء المضارعة) وهي قراءة الجمهور، فغابت حينئذ قراءة متواترة مشروعة وهي: أم هل يستوي الظلمات والنور(بياء المضارعة) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف ورواية شعبة عن عاصم.
{ومما توقدون عليه}: (بتاء المضارعة) وهي قراءة الجمهور، فغابت حينئذ قراءة متواترة مشروعة وهي: ومما يوقدون عليه (بياء المضارعة) وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف ورواية حفص عن عاصم.
وفي سورة الأعراف /57/ تم نقط الآية على الشكل التالي:
{وهو الذي يرسل الرياح بشراً} (بالباء) وهي قراءة عاصم وحده، فغابت حينئذ قراءة التسعة الباقين بالنون(554) (نشراً)
————
(551) سبقت ترجمته في ص
(552) سبقت ترجمته في ص
(553) انظر ترجمته في ص
(554) قرأ الباقون جميعاً بالنون مع اختلافهم في الحركات:
فقرأ ابن عامر (نُشْراً)
وقرأ حمزة والكسائي وخلف (نَشْراً)
وقرأ الباقون (نُشُراً)
المبحث الرابع: نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن الرسم بسبب تنقيط القرآن
الرقم، السورة والآية; رسم المصحف الشائع; الوجوه الغائبة من المتواتر
1 – ; البقرة 48; ولا يُقبَلُ; ولا تُقْبَل: ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب
2 – ; البقرة 58; نَغْفِرْ لكم; يُغْفَرْ لكم: نافع وأبو جعفر
3 – ; آل عمران 12; ستُغْلَبون وتحشرونَ; سيُغْلَبُونَ ويُحْشَرُونَ: حمزة والكسائي وخلف
4 – ; آل عمران 18; سنكتُبُ; سيُكْتَبْ: حمزة
5 – ; النساء 114; نُؤتِيهِ; يؤتيهِ: أبو عمرو وحمزة وخلف والسوسي
6 – ; المائدة; يَبْغُونَ; تبغونَ: ابن عامر
7 – ; الأنعام 22; نحشُرُهُمْ; يحشْرُهم: يعقوب
8 – ; الأعراف 40; تُفَتَّحُ; يُفَتَّحُ: حمزة والكسائي وخلف
9 – ; يوسف 63; نَكْتَلْ; يكتَلْ: حمزة والكسائي، وخلف
10 – ; الرعد 17; يُوقِدُون; توقدون: سائر القراء عدا حفص وحمزة والكسائي وخلف
11 – ; النحل 2; يُنَزِّلُ; تَنَزَّلُ: روح
12 – ; الإسراء 7; ; لنَسُوءَ: الكسائي
13 – ; الأنبياء 87; نَقْدِرَ; يُقْدَرَ: يعقوب
14 – ; الأحزاب 68; كبيراً; كثيراً: سائر القراء عدا عاصم
15 – ; فاطر 36; نَجْزِي; يُجْزَى: أبو عمرو
16 – ; يس 68; أفلا يعقلون; أفلا تعقلِون: نافع، وابن ذكوان وأبو جعفر، ويعقوب
17 – ; الحجرات 6; فَتَبيَّنوا; فَتَثبَّتَوُا: حمزة والكسائي وخلف
18 – ; القمر 26; سيَعلَمُونَ; ستعلمون: ابن عامر وحمزة
19 – ; الطلاق 11; يُدْخِلْهُ; ندخِلْهُ: نافع وابن عامر وأبو جعفر
9 – ; الأعراف 138; يَعْكُفُونَ; يعكفُونَ: حمزة والكسائي وخلف
الفصل الثالث: تحسينات الرسم القرآني: وأثرها في القراءات
تمهيد
ثمة تحسينات أخرى ألحقها علماء الرسم القرآني على الرسم بغرض تيسيره للقراء، ودرء العامة عن اللحن والخطأ.
ويمكن تصنيف هذه التحسينات في قسمين اثنين:
الأول: التحسينات في ضبط الفرش.
الثاني: التحسينات في ضبط الأداء.
فمن النوع الأول:
إثبات الألف الخنجرية
ـ إثبات الحروف المتروكة
ـ إثبات الهمزات
ومن النوع الثاني:
إثبات المدات
ـ إثبات الصلة
ـ علامات الإدغام
ـ علامات الإخفاء والإظهار
وقد أدت هذه التحسينات نتائج مفيدة في تسهيل قراءة القرآن الكريم وإقرائه للعامة، وصونها عن اللحن والخطأ، ولهذا المعنى حظيت هذه التحسينات بموافقة سائر علماء القراءة والمشتغلين بخدمة القرآن الكريم من الأمة، وفق ما قرره النووي في التبيان:
قال العلماء: يستحب نقط المصحف وشكله، فإنه صيانة من اللحن فيه، وتصفية له من الغلط، وأما كراهة الشعبي والنخعي النقط، فإنما كرهاه في ذلك خوفاً من التغيير فيه، وقد أمن ذلك لكونه محدثاً، فإنه من المحدثات الحسنة، فلا يمنع كنظائره مثل تصنيف العلم وبناء المدارس والرباطات وغير ذلك(555)
ولكن هذا القبول من الأمة لمنهج التحسين لا يلغي مسؤولية القراء والعلماء التي تعاظمت إثر ذلك، فأصبح كثير من المتواتر من القراءات لا يمكن أن يدل له الرسم القرآني، إذ أن أي تحسين في الرسم يتضمن في الوقت ذاته قيداً جديداً على الرسم يحول دون إمكان دلالته على الوجوه الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن المصاحف المطبوعة اليوم أربعة، وهي: مصحف حفص ومصحف قالون ومصحف ورش ومصحف الدوري، وهي منقوطة ومشكولة بما يوافق رواية كلٍ منهم، وكذلك فإن التحسينات التي طرأت على رسم هذه المصاحف إنما تتجه إلى ضبط رواية الإمام المقصود، وهو يعني غياب الوجوه الأخرى التي قرأ بها الرواة التسعة عشر الباقون، مما خالفوا فيه الإمام صاحب الرواية.
وقد التزمت هذه الدراسة ما يتصل بمصحف حفص، إذ هو أكثر المصاحف شيوعاً في العالم الإسلامي اليوم.
ويجب أن نؤكد مرة أخرى أن رواية حفص ليست أولى بالقبول من سواها إذ الكل هنا متواتر، ولا يقال إن بعضه أوثق من بعض، وإنما شاعت القراءة برواية
حفص بدءاً من أول هذا القرن حينما نشطت حركة طباعة المصاحف من مصر وتركيا اللتين كانتا تقرآن بقراءة عاصم من رواية حفص.
وقد تبين لي أن عامة المصاحف التي خطها أهل الشام حتى القرن الماضي، والتي لا تزال موجودة في المساجد القديمة إنما كتبت موافقة لقراءة أبي عمرو البصري مما يؤكد أن قراءة أبي عمرو هي التي كانت سائدة في الشام(556).
وقد كانت الشام حتى القرن الثالث الهجري تقرأ لإمامين جليلين هما إبراهيم بن أبي عبلة العقيلي، وعبد الله بن عامر اليحصبي(557)، ثم غلبت قراءة ابن عامر بعد أن حرر الأئمة إسنادها، وأثبتوا تواترها، ثم تحول أهل الشام عنها بدءً من القرن الرابع الهجري إلى قراءة أبي عمرو البصري، وبقي الأمر على هذه الحال إلى القرن الماضي حيث ظهرت طباعة المصاحف في استنبول والقاهرة، وفق رواية حفص عن عاصم، وشاعت في العالم الإسلامي، حتى غلبت على أكثر الأمصار.
————
(555) التبيان للنووي ص 150، ط جماعة تحفيظ القرآن الكريم بجدة.
(556) انظر قسم الملاحق ص 771 وما بعدها.
كما تيقنت من ذلك حين عهدت وزارة الأوقاف السورية إلى لجنة خاصة لضبط المصاحف القديمة في مساجد دمشق، فتبين أن غالب المصاحف القديمة التي وقفت عليها اللجنة، مما خطه النساخون قبل القرن الثالث عشر الهجري كانت مكتوبة وفق قراءة أبي عمرو البصري. وثمة نسخ متوافرة منها موجودة في المكتبة الخاصة بالمخطوطات في وزارة الأوقاف السورية، حيث أعمل أميناً لهذه المكتبة منذ تأسيسها عام 1413 هـ، وحتى اليوم.
(557) القراءات القرآنية في بلاد الشام للدكتور حسين عطوان ص 189.
وابن أبي عبلة هو إبراهيم بين أبي عبلة العقيلي الرملي المقدسي الدمشقي، أدرك عبد الله بن عمر بن الخطاب، وأخذ عنه، كما أخذ عن أم الدرداء الصغرى، ووائلة بن الأسقع.
المبحث الأول: الألف الخنجرية
رسمت المصاحف في الكتبة الأولى بالألف الممدودة في بعض المواضع، وبالألف المقدرة في بعض المواضع، وليس لذلك تعليل في اللغة، ولا قاعدة مطردة.
وقد اشتغل بالتعليل لهذه الحالات عدد من العلماء، وأوردوا لذلك وجوها مختلفة، ليس هذا محل بسط القول فيها، ولكني أشير إلى أهم الكتب التي تناولت ذلك:
ـ المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار لأبي عمرو الداني
ـ كتاب النقط لأبي عمرو الداني أيضا.
ـ عقلية أتراب القصائد في الرسم للإمام الشاطبي
ـ مورد الظمآن في فني الرسم والضبط للشريشي الفاسي
ـ عنوان الدليل من مرسوم خط التنزيل لأبي العباس أحمد بن البنا المراكشي
ـ دليل الحيران على مورد الظمآن في فني الرسم والضبط لإبراهيم المارغني التونسي
ولا خلاف أن ما رسم أصلاً بالألف الممدودة ليس له إلا وجه المد، ولا يصح فيه القصر، وهذا محل اتفاق، كما في قوله سبحانه: (الميزان ـ كالفخار ـ الأكمام).
وكذلك فإن بعض ما رسم أصلا بدون ألف حظي باتفاق الكل على تقدير الألف فيه، كما في قوله سبحانه: (الرحـمـن ـ الإنسـن ـ قـصرت ـ يـهـمـن)
ولكن وقع الخلاف في بعض ما رسم أصلا بدون الألف، وورد تواتراً بوجهين: بتقدير الألف، وبحذفها.
كما في قوله تعالى: (وعدنا) فقرئت بالألف: (واعدنا) وقرئت بدون ألف (وعدنا)
نماذج من وجوه القراءات المتواترة التي غابت عن المصاحف المطبوعة اليوم بسبب إثبات الألف الخنجرية
السورة والآية; الرسم العثماني; الرسم الشائع; الوجوه الغائبة من المتواتر
1 – ; البقرة 9; وما يخدعون; وما يَخْدَعُون: نافع وابن كثير وأبو عمرو
2 – ; البقرة 36; فأزَلَّهما; فأزالـهما: حمزة
3 – ; البقرة 51; وعدنَا; وَعَدْنا: أبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب
4 – ; النساء 43; لـمَستُم; لَمَسْتُمْ: حمزة والكسائي وخلف.
5 – ; المائدة 97; قيـماً; قِيَماً: ابن عامر
6 – ; المائدة 107; ; الأولين; الأوَّلَيْنَ: حمزة وخلف ويعقوب وشعبة
7 – ; التوبة 17; ; مَسَجِدَ; مَسْجِدَ: ابن كثير، وأبو عمرو ويعقوب
8 – ; يونس 79; ; سَـحر; سَحَّار: حمزة والكسائي وخلف
9 – ; يوسف 91; ; لفتيـنه; لِفِتْيَتِهِ: سائر القراء عدا حمزة والكسائي وحفص وخلف
10 – ; يوسف 14; ; حَـفِطاً; حِفْظاً: سائر القراء: عدا السابقين.
11 – ; الرعد 42; ; الكـفّر; الكافِرُ: نافع وابن كثير، وأبو عمرو وأبو جعفر
12 – ; الحج 2; ; سُكـرى; سَكْرَى: حمزة والكسائي وخلف.
13 – ; الحج 51; ; معـجزيـنَ; مُعَجِّزين: ابن كثير، وأبو عمرو
14 – ; المؤمنون 6; ; لأمـنـتـهم; لأمانتهم: ابن كثير
15 – ; الشعراء 149; ; فـرِهيـنَ; فرِهيـنَ: نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب
16 – ; الروم 50; ; آ ثــرِ; أثَرِ: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، وشعبة، وأبو جعفر ويعقوب
17 – ; سبأ 19; ; بــعِدْ; بَعِّدْ: ابن كثير، وأبو عمرو، وهشام
18 – ; ص 45; ; عـبــدنا; عَبْدَنا: ابن كثير.
19 – ; الطور 18; ; فَـكِهِيـنَ; فَكِهينَ: أبو جعفر
المبحث الثاني: إثبات الحروف المتروكة
وفي مرحلة لاحقة تمت إضافة بعض الحروف الصغيرة على الرسم العثماني لإشعار القارئ بوجوب التلفظ بها، وأنها إنما تركت رسماً لا رواية، وأنه يلزم إثباتها في الأداء.
ولكن إثبات هذه الأحرف الصغيرة حال دون دلالة الرسم على بعض ماهو
متواتر في الرواية مما يوافق الرسم الأصلي.
وجملة هذه الأحرف المتروكة أربعة:
1 – الألف الخنجرية: وقد قدمناها مستقلة في الفصل السابق
2 – الواو(558): في مثل قوله تعالى: (داو د ـ وإن تلو ا ـ رؤ ف)
3 – الياء(559): فيمثل قوله تعالى: (فما آتــن الله)
4 – النون: في وقله تعالى: (وكذلك نـــجي المؤمنين)
————
(555) التبيان للنووي ص 150، ط جماعة تحفيظ القرآن الكريم بجدة.
(558) وهي غير واو الصلة التي تأتي عقب هاء الضمير، وسنفردها ببحث مستقل انظر ص 323
(559) وهي غير ياء الصلة التي تأتي عقب هاء الضمير، وسنفردها ببحث مستقل انظر ص 324
المبحث الثالث: إثبات الهمزات
أثبتت المصاحف العثمانية الأولى رسم القرآن الكريم بدون همزات، ولا يبعد أن يكون عثمان رضي الله عنه قد ترك إثباتها قصداً نظراً لكثرة الوجوه المروية عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في نطق الهمزات، وهذا لا يلغي إيراد الاحتمال الشائع أنه لم يكن ثمة قاعدة جاهزة للهمزات.
وقد كانت سلائق العرب الناضجة كفيلة بتحري الهمزات و إثباتها في مظانها، فالمتواتر كله عربي فصيح، ولكن فشو اللحن في الناس، واشتغال الأعاجم بالإقراء ألجأ إلى ضرورة ضبط الهمزات في القرآن الكريم.
ولا ينسب هذا العمل لرجل بعينه، وليست لدينا بينة في تحديد زمان ضبطه، وغاية ما نجزم به أن الهمزات بوضعها الحالي لم تكن في المصحف العثماني، وأقرب الأدلة على ذلك مطالعة نسخ المصاحف القديمة، وقد أثبت لك في آخر الدراسة بعضاً منها، وكذلك فإنها لو كانت في المصحف العثماني الأول بوضعها الراهن فإن كثيرا من الوجوه المتواترة لا يمكن إذن أن توافق الرسم العثماني.
وقد فصلنا القول في بحث أصول القراء حول طريقة أداء كل منهم للهمزات عموماً، وهم إن اتفقوا في إثبات الهمزة فإن قاعدتهم لا تتغير، وقد يختلفون في الأداء ويرسمون بشكل واحد، فتكون الهمزة ظاهرة رسماً عند الكل وهم يحققون ويغيرون ويسهلون ويحذفون في الأداء.
ولكن ثمة مواضع لم يتفقوا فيها أصلاً على وجود الهمز، فاختلفوا في إثباته تبعاً للمحفوظ عندهم بالأسانيد المتواترة، ففي هذه الحال فإن إثبات همز ما في الرسم يقصر دلالة الرسم على هذا الوجه دون سواه، وهو ما أفردنا له الجدول الآتي:
نماذج من وجوه القراءات المتواترة: التي غابت بسبب إثبات الهمزات
السورة والآية; الرسم العثماني; الرسم الشائع; الوجوه الغائبة من المتواتر
1 – ; القصص 34; ; ردءاً يصدِّقُني; رداً يصدِّقْني: نافع
2 – ; الزمر 69; ; بالنبِيِّينْن; بالنبيئين: نافع
3 – ; الإسراء 62; ; أرأيْتَك; أَرَيْتَك: الكسائي
4 – ; الإسراء 31; ; خِطْـأً; خطاءً: ابن كثير(560)
5 – ; الحج 17; ; والصـبئين; والصَّابينَ: نافع، وأبو جعفر وحمزة.
6 – ; الكهف 98; ; دَكَّاءَ; دكَّاً: نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب وأبو جعفر.
7 – ; مريم 74; ; رِءْيَـاً; رِيَّاً: قالون وابن ذكوان وأبو جعفر.
8 – ; المائدة 69; ; الصـبئون; الصَّابونَ: نافع وأبو جعفر.
9 – ; طه 72; ; نؤثِرَك; نُـوْثِرَك: ورش، والسوسي، وأبو جعفر وحمزة.
10 – ; الأنعام 10; ; استهزىء; استهزِىَ: أبو جعفر
11 – ; الأنبياء 7; ; فَسْـأَ لُوا; فسَلُوا: ابن كثير، والكسائي، وخلف
12 – ; الأعراف 190; ; شُركَاءَ; شِرْكاً: نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر.
13 – ; الشعراء 176; ; الأَيْكةِ; لَيْكةً: نافع وابن كثير وابن عامر وأبو جعفر.
14 – ; الأنفال 16; ; فئةٍ; فِيَةٍ: أبو جعفر
15 – ; التوبة 30; ; يُضَاهِئُونَ; يُضَاهون: سائر القراء عدا عاصم.
16 – ; يونس 53; ; ويستنبئونك; وَيسْتنبونَكَ: أبو جعفر
17 – ; القصص 8; ; خـطئين; خاطِينَ: أبو جعفر وحمزة.
18 – ; العنكبوت 27; ; أَئِنَّكُمْ; إنَّكم: نافع وابن كثير وابن عامر وحفص، وأبو جعفر ويعقوب
19 – ; الزخرف 15; ; جُزْءَاً; جُزَّاً: أبو جعفر
20 – ; الصف 7; ; لِيُطْفِئُوا; ليُطفوا: أبو جعفر
————
(560) وقرأها ابن ذكوان وأبو جعفر بالفتح (خطأ)، ولم أشر إليها ثمة درءاً للالتباس.
المبحث الرابع: إثبات علامات المد
استحسن العلماء إضافة علامة المد فوق الأحرف الواجب مدها سواء كانت ألفا أو واوا أو ياء أو صلة، وذلك وفق قاعدة حفص في المدود كما رواها عنه الشاطبي.
وقد أسهم هذا بلا ريب في تحسين أداء العامة لأحكام التجويد، ولكنه أدى أيضا إلى تغييب وجوه متواترة في الأداء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وفيما يلي بيان لبعض مذاهب الأئمة في المد المنفصل خصوصاً، وهي متواترة من جهة الأداء، ولكن يتعذر الإتيان بها وفق الرسم الحالي بسبب قاعدة رسم المدود في المصحف الشائع.
1 – أول هذه المذاهب مذهب حفص نفسه كما روى عنه ابن الجزري في طيبة النشر، إذ أخبر بتواتر القراءة عنه بقصر المنفصل، ولا شك أن ذلك غير ممكن الأداء وفق الرسم الشائع(561)
2 – مذهب السوسي وابن كثير وأبي جعفر ويعقوب في وجوب القصر، وهو مذهب متواتر في الأداء ولكن يتعذر الإتيان به وفق الرسم الشائع.
3 – مذهب قالون والدوري فهما يقرآن بالوجهين معا، والرسم لا يدل إلا لوجه واحد، مع أن وجههما في المد يقتصر على ثلاث حركات.
4 – مذهب ورش في مد البدل إذ لا يوجد في الرسم الشائع ما يدل له.
نماذج من أداء وجوه القراءات المتواترة: التي غابت بسبب إثبات علامات المد
السورة والآية; الرسم العثماني; الرسم الشائع; الوجوه الغائبة من المتواتر
1 – ; هود 3; ; إلى~ أَجَلٍ; ـ وجه حفص من طريق الطيبة في قصر المنفصل.
ـ وجه قالون والدوري في القصر من طريق الشاطبية.
ـ مذهب السوسي وابن كثير وأبي جعفر ويعقوب في وجوب قصر المنفصل.
2 – ; حيثما وردت; ; القرءانَ; ـ مذهب ورش في مد البدل مداً طويلاً وقد أنكر ابن غلبون هذا الباب عن ورش.
3 – ; الهمزة; ; مالهو ~ أخلده; ـ وجه حفص من طريق الطيبة في قصر المنفصل.
ـ وجه قالون والدوري في القصر من طريق الشاطبية.
ـ مذهب السوسي وابن كثير وأبي جعفر ويعقوب في وجوب قصر المنفصل.
————
(561) قد أتيت على استيعاب هذه المسألة تفصيلاً انظر ص 237
المبحث الخامس: إثبات علامات الصلة
وفي مرحلة لاحقة أضيفت بين بعض الكلمات واو صغيرة أو ياء صغيرة لتدل على وجوه مد الصلة في هذا الموضع، وقد أسهم هذا بالتأكيد في تحسين أداء العامة للقرآن الكريم، ولكنه أدى أيضا إلى تغييب وجوه متواترة في الأداء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – وواو الصلة وياء الصلة التي نشير هنا إليهما تختصان بهاء الضمير فقط، وبذلك فإنهما تختلفان عن الحروف المتروكة التي أثبتها النساخ فيما بعد، وقد خصصتها ببحث مستقل فراجعه.
والغالب في مد هاء الضمير أنها مسألة قواعدية، تنظمها قواعد جامعة وقد بسطنا فيها القول في باب قواعد القراء.
ولكن ثمة مواضع فرشية في هذا الباب كما في الرسم اليوم {يخلد فيه مهانا} رسمت الياء الصغيرة للدلالة على وجود الصلة هنا خلافا لقاعدة حفص في عدم مد الصلة بعد الساكن، وبذلك غابت وجوه متواترة لترك الصلة قرأ بها القراء أجمعون إلا حفصاً وابن كثير.
وقد فصلنا القول في بحث أصول القراء حول طريقة أداء كل منهم للهمزات عموماً، وهم إن اتفقوا في إثبات الهمزة فإن قاعدتهم لا تتغير، وقد يختلفون في الأداء ويرسمون بشكل واحد، فتكون الهمزة ظاهرة رسماً عند الكل وهم يحققون ويغيرون ويسهلون ويحذفون في الأداء.
وفيما يلي بيان لبعض مذاهب الأئمة في مد الصلة وقصرها وهي متواترة من جهة الأداء ولكن يتعذر الإتيان بها بسبب قاعدة رسم الصلة في المصحف الشائع:
1 – مذهب ابن كثير(562) في إيراد الصلة بعد الساكن إذا تحرك ما بعد الهاء لا يتفق مع القاعدة المتبعة في الرسم.
ففي الكلمات الآتية لم ترسم الصلة مما يعني انتفاءها ولكن ابن كثير يمد:
(عنه تلهى ـ وإليه متاب ـ عليه توكلت ـ فيه آيات)
2 – مذهب أبي عمرو (563) وشعبة وخلف في الإسكان المحض في بعض هاءات الضمير.
ففي هذه الكلمات رسمت الصلة، مما يعني وجوب مدها ولكن أبا عمرو وشعبة وخلف لا يمدونها:
(يؤده إليك موضعان ـ نؤته منها ثلاثة مواضع ـ نصله جهنم ـ نوله ماتولى)
نماذج من أداء وجوه القراءات المتواترة: التي غابت بسبب إثبات علامات الصلة
السورة والآية; الرسم العثماني; الرسم الشائع; الوجوه الغائبة من المتواتر
1 – ; عبس 10; ; عنه تلهى; مذهب ابن كثير في مد الصلة إن وقعت بعد ساكن وتحرك ما بعدها.
2 – ; آل عمران 97; ; فيه آيات; مذهب ابن كثير في مد الصلة إن وقعت بعد ساكن وتحرك ما بعدها.
3 – ; آل عمران 75; ; يؤدهِ إليك; مذهب أبي عمرو وشعبة وخلف وأبي جعفر في الإسكان المحض في هذا المقام.
4 – ; النور 50; ; ويتقْهِ فأولئك; مذهب ورش وابن كثير وابن ذكوان وخلف عن حمزة، وخلف العاشر والكسائي بوجوب مد الصلة، وهي لم ترسم في المصحف الشائع.
5 – ; الأعراف 111; ; أَرْجِهْ وأخاه; مذهب ورش والكسائي وخلف العاشر وابن جماز في كسر الهاء مع صلتها.
————
(562) انظر ص 216 من هذه الدراسة.
(563) انظر ص 220 من هذه الدراسة.
المبحث السادس: علامات الإدغام والإخفاء والإظهار
وفي مرحلة لاحقة(564) تم انتهاج قاعدتين في الرسم بغرض التفريق بين الحرف المُظهَر والحرف المدغم والحرف المخفي.
القاعدة الأولى: السكون على المُظْهَر والتعرية على المُدْغَم والمُخْفى.
فإذا كان الحرف الساكن واجب الإظهار توضع عليه علامة السكون، وهي في غالب المصاحف كالآتي () بشكل ميم صغيرة مفتوحة.
مثل (أنعمت لقد جاءكم ـ تعجب فعجب)
وإذا عرض للحرف ما يوجب إدغامه أو إخفاءه فإنهم يعرونه من أي حركة للدلالة على أنه أصبح كالمهمل:
مثال ما يلزم إدغامه (فَمَن يَعْمَلْ ـ اضْرِب بِّعصَاكَ ـ قَد تَّبَيَّنَ)
القاعدة الثانية: تركيب التنوين المُظْهَر وفك التنوين المُدْغَم والمُخْفى
إذا كان التنوين واجب الإظهار فإنه يرسم مركباً، هكذا:
(عذاباً أليماً ـ سميعٌ عليم ـ ولكل قومٍ هاد)
وإذا عرض للتنوين ما يوجب إدغامه أو إخفاءه، فإنهم يرسمونه مفكا متتابعا هكذا: (وجوه يومئذ ـ رحيم ودود ـ سراعا ذلك)
ولا شك أن هذا الرسم عون للعامة للدنو من النطق الصحيح للقرآن الكريم بالأحكام التجويدية، ولكنه يغيب وجوهاً متواترة قرأ بها الأئمة، إذ أن مذاهبهم في الإخفاء والإدغام والإظهار متفاوتة بعض الشيء.
وفيما يلي بيان لبعض مذاهب الأئمة في الإدغام والإخفاء والإظهار وهي متواترة أداء، ولكن يتعذر الإتيان بها بسبب الرسم الحالي:
1 – مذهب أبي عمرو في الإدغام الصغير(565) لا يتفق مع القاعدة المتبعة في الرسم ففي الكلمات الآتية يلزم الإظهار كما في الرسم ولكن أبا عمرو يدغم:
(وإن تعجبْ فَعَجَب(566) ـ عذْتُ(567) ـ يغفرْ لَكم ـ اتـخذْتُم(568) ـ أَخَذْتُم)
ويفترض أن تكون في رسم أبي عمرو:
(تعْجَب فَّعجب ـ عُذتُّ ـ يَغْفِر لَّكم ـ اتَّخَذتُّم ـ أَخَذْتُّم) ومن باب أولى مذهبه في الإدغام الكبير(569)
2 – مذهب أبي جعفر(570) في إخفاء النون الساكنة والتنوين قبل الغين والخاء، على أساس أنهما ليسا بحرفين حلقيين، لا يتفق مع القاعدة المتبعة في الرسم، ففي الكلمات الآتية يلزم الإظهار كما في الرسم ولكن أبا جعفر يخفي.
(مِن خَالق ـ مِن غَيركم ـ عليمٌ خَبير ـ حليماً غفوراً ـ ومغفرةٌ خير)
3 – مذهب البزي(571) عن ابن كثير في تاءات الأفعال وعدتها 31 موضعا وزاد الداني موضعين. فهذه التاءات حروف متحركة، وإن صادف قبلها مد فهو مد طبيعي، وهذا ما يدل عليه الرسم، ولكن البزي يشددها، وإن صادف قبلها مد فهو مد لازم:
(ولا تَفرقوا ـ فإن تَولوا ـ إذ تَلقونه ـ ولاتَبَرجن ـ ولاتَجَسسوا)
نماذج من صيغ الأداء المتواترة: التي يتعذر الإتيان بها على المصاحف الشائعة: بسبب رسم قاعدة الإدغام والإخفاء والإظهار
السورة والآية; الرسم العثماني; الرسم الشائع; الوجوه الغائبة من المتواتر
ـ وجه قالون والدوري في القصر من طريق الشاطبية.
1 – ; قريش; ; مِنْ خَوْف; مذهب أبي جعفر في إخفاء النون قبل الخاء، وحقه أن ترسم له النون معرَّاة لأنها مخفاة: مِن خَوف
2 – ; فاطر 28; ; عَزِيزٌ غَفُور; مذهب أبي جعفر في إخفاء النون قبل الغين وحقه أن يرسم له التنوين متتابعاً غير مركب: عزيزٌ غَفُور
3 – ; الرعد 7; ; تَعْجَبْ فَعَجَبٌ; مذهب أبي عمرو في إدغام الباء بالفاء، وحقه أن ترسم له: تَعْجَب فَّعَجَب
4 – ; آل عمران 100; ; وَلا تَفَرَّقُوْا; مذهب البزي في تشديد التاء ومد ما قبلها مداً لازماً.
وأما قاعدة خلف عن حمزة في إدغام الواو والياء بلا غنة، فلا أثر تطبيقي لها في الرسم إذ الرسم لم يتطرق أصلا للدلالة على الغنة.
————
(564) من المؤكد أن هذه الطريقة في كتابة الحروف للدلالة على الإدغام والإخفاء والإظهار تعود إلى القرن التاسع على أقل تقدير فقد أشار إليها السيوطي في سياق حديثه عن تحسين الرسم بقوله:
“وعلى النون والتنوين قبل الباء علامة الإقلاب حمراء، وقبل الحلق ـ أي حروف الحلق ـ سكون، وتعرى ـ أي النون الساكنة ـ عند الإدغام والإخفاء، ويسكن كل مسكن، ويعرَّى المدغم ويشدد ما بعده، إلا الطاء قبل التاء فيكتب عليها السكون نحو فرطت، ومطة الممدود لا تجاوزه” الإتقان 1/171
وكان قد أشار قبل ذلك إلى التنوين بقوله:
“والتنوين زيادة مثلها ـ أي مثل الحركات الثلاث ـ فإن كان مظهراً وذلك قبل حرف حلق ركبت فوقها وإلا جعلت بينهما” الإتقان 1/171
(565) انظر تفصيل مذهب أبي عمرو في الإدغام الصغير، فصل قواعد القراء.
(566) وأدغم كذلك الكسائي وخلاد
(567) وأدغم كذلك الكسائي وحمزة
(568) لم يظهر الذال هنا إلا حفص وابن كثير وكذلك في الموضع الذي يليه.
(569) انظر تفصيل مذهب أبي عمرو في الإدغام الكبير فصل قواعد القراء ص 220
(570) انظر مذهب أبي جعفر في الفصل الخاص بقواعد القراء في هذه الرسالة. ص 250
(571) انظر مذهب البزي في التاءات في الفصل الخاص بقواعد القراء في هذه الرسالة. ص 217
المبحث السابع: وجوه أخرى
وهذه الحجج التي أوردناها على غياب بعض وجوه الفرش والأداء عن الرسم الشائع اليوم ليست على سبيل الاستقصاء والحصر بل على سبيل التمثيل، وأضيف هنا بعض مذاهب القراء التي لا تتفق في الأداء مع الرسم الشائع اليوم.
وإنما أورد هنا عنوان هذه المذاهب أما تفصيل خياراتهم فيها فتلتمسه في بابه في قواعد القراء(572)
1 – قاعدة صلة ميم الجمع عند قالون وورش.
2 – قاعدة مد البدل عند ورش.
3 – قاعدة مد اللين بعد الهمز عند ورش.
4 – قاعد الهمز الثابت والمغير والساقط عند أكثر القراء.
5 – قاعدة حركة (هم) الموصولة وصلاً ووقفاً عند أبي عمرو وحمزة.
6 – قاعدة الوقف على مرسوم الخط عند أكثر القراء.
7 – قاعدة الإدغام المتجانس والمتقارب عند أبي عمرو، وكذلك الاستثناءات الكثيرة على هذه القاعدة عند غيره من القراء.
8 – قاعدة ضم هاءات الجمع مطلقاً عند يعقوب.
والغاية التي نتوخاها من هذا الفصل أن الرسم القرآني حقيقة أداة تعليمية، تساعد القراء، ولكن المعوَّل عليه في الضبط والأداء هو التلقي والمشافهة التي اختص
الله بها هذا الكتاب العزيز، وأن ثمة رسماً كثيراً يبلغ نحو ألفي كلمة غائبٌ عن هذا المصحف الكوفي الشائع في العالم اليوم من قراءة عاصم برواية حفص(573)، وذلك في النقط والشكل فقط، فإن عالجنا تحسينات الرسم الأخرى فإن العدد يتضاعف نظراً لوجوه الأداء المختلفة.
ولا شك أن هذا يزيد من مسؤولية رجال الرواية من القراء، حيث عليهم أن يتحروا وجوه القراءات ويقرؤوا بها الناس لئلا يضيع شيء من القرآن الكريم، إذا القراءات المتواترة كلها قرآن، ويجب التنويه أن المحذور هنا هو تفريط الناس بالقرآن وضياعهم عنه، أما القرآن ذاته فقد تكفل المولى سبحانه بحفظه فلا يضيع منه شيء وقد قال الله عز وجل: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}(574)
وهذا أيضاً يضع المفسرين وعلماء القرآن الكريم أمام حقيقة ضرورية أخرى وهي أن ثمة رسماً غائباً عن هذا المصحف الشائع اليوم، وهذا الرسم لا يطالب العامة بتحصيله، ولكن لا يعذر العلماء بالإعراض عنه وترك تحريه في مظانه.
————
(572) انظر الفصل الخاص بقواعد القراء. ص 201 وما بعدها.
(573) انظر ص 274 وما بعدها.
(574) سورة الحجر 14
أجد من الضروري هنا أوضح على هذه العبارة الجريئة، فقد يقرؤها من لم يقرأ سائر الكتاب فيظن في كتاب الله الظنون فيهلك.
والخلاصة أن المصحف بحمد الله معصوم من الزيغ والنقص في نسختيه: الأدائية كما يرويها الأئمة، والكتابية كما أقرأها عثمان رضي الله عنه في مصاحف الأمصار، ولكن هذا الغياب نشأ من الوسائل التعليمية التي ألحقت بالمصاحف للعامة كالنقط والشكل الذي لا يمكنه أن يحيط بأكثر من وجه من الوجوه الجائزة.
الباب الثالث: أثر القراءات في الأحكام الشرعية
تمهيد في طبيعة اختلاف القراءات وجدواها:
لا بد هنا من التذكير بالقاعدة التي بسطنا القول فيها(575) حول وجوب إعمال القراءات المتواترة جميعا، وأن تعدد القراءات يُنَزَّل منزلة تعدد الآيات، وكلاهما قاعدة اتفاقية لا يوجد لها مخالف من أهل التوحيد.
وإذا نقل عن بعض الأقدمين تشككهم في بعض وجوه القراءة المتواترة فإن مرد ذلك بكل تأكيد هو عدم ثبوت تواتر هذه القراءة عندهم في ذلك الزمان.
أما وقد اتفقت الأمة على التواتر في هذه الوجوه فلا مندوحة من القول بأن سائر هذه الوجوه قرآن منزل، بالاتفاق بين سائر أهل الملة.
كذلك ينبغي القول بأن هذه الاختلافات ليست متناقضة بمعنى أن المفسر يُلجأ إلى هدر أحد الوجهين إذا اعتمد الآخر، بل هي ذات معان متضامنة، يكمل بعضها بعضاً، وقد يدل الوجه على ما لا يدل عليه أخوه، ولكنه لا ينافره ولا يضادّه، بل بـمنحك معنى جديداً يضيء لك سبيل التفسير.
ثم إن هذه الوجوه كما سنرى يسيرة قليلة، وهي لا تشبه في شيء اختلاف الأمم الأولى في كتبها لا شكلاً ولا مضموناً.
فمن حيث الشكل يختلف أهل الكتاب في إثبات أسفار بحالها أو إسقاطها، ربما تتجاوز عدتها عشرات الصفحات، فأين ذلك مما نحن فيه من إثبات فتحة أو ضمة، أو واو أو فاء، أو فتح أو إمالة، أو إدغام أو إظهار.
ومن حيث المضمون فإن اختلافهم في ثبوت الأسفار ينتج عنه تبدل عقائد كاملة، ونقض أول النصوص لآخرها، وآخرها لأولها، واتهام قوم لقوم بالعبث والهوى والتحريف والتبديل. فأين ذلك مما نحن فيه من تكامل المعاني بوجوه القراءات المتواترة المشروعة، وتآزر الوجوه جميعاً على إثبات غايات التنزيل ومقاصده، وتلقي سائر القراء وجوه القراءة المتواترة جميعها بالقبول والاحترام، والاتفاق بينهم أن سائر ما في الصحف تنزيل من الوحي الأمين ما لأحد فيه أدنى اجتهاد أو اختراع.
وقد أوردنا هذه المقدمة البسيطة على سبيل التذكير، وقد سبق القول في هذا المعنى في الفصول الخاصة بتاريخ القراءات وأسانيدها وفرشياتها، فيمكن مراجعة التفصيل هناك، ولنشرع الآن في المقصود.
————
(575) انظر ص 31
تمهيد في تصنيف الأحكام الشرعية الناشئة من اختلاف القراءات المتواترة
يمكن إجمال الأحكام الشرعية التي تنشأ من اختلاف القراءات في نوعين اثنين:
ـ أحكام اعتقادية
ـ أحكام عملية
ويندرج تحت الأولى ما يلزم المكلف اعتقاده من أحكام الوحدانية والنبوات والغيبيات، وفق ما جرى عليه علماء التوحيد.
ويندرج تحت الثانية ما يلزم المكلف اتباعه من الأحكام الفقهية العملية من عبادات ومعاملات وأحكام نكاح وحدود وجهاد، وفق ما جرى عليه علماء الفقه.
وسنجري في استقصائنا هنا على وفق هذا التقسيم، حيث نخصص لكل واحد من النوعين فصلا، ولكل فصل مباحث متعددة.
وقبل البدء في استقصاء هذه الأحكام نقدم هذا الجدول التفصيلي لسائر المسائل الشرعية التي تنتج عن اختلاف القراءات المتواترة.
جدول إحصائي بالأحكام الشرعية التي تنتج من: اختلاف القراءات المتواترة وهو فصلان
الفصل الأول: الأحكام الاعتقادية
الرسم المصحفي; الوجه الغائب; عنوان المسألة (وفق قاعدة إعمال سائر القراءات المتواترة)
1; ملك يوم الدين; مَلِكِ; جواز تسمية المولى سبحانه بالملك والمالك
2; وإذ وعدنا موسى; وإذ وَعَدنا; يكون من الله سبحانه الوعد والمواعدة
3; ولكل وجهة هو مولِّيها; مُوَلاَّها; الله يولي العبد وجهته والعبد يتولى ما أراد له الله
4; ولولا دَفْعُ الله الناس; دِفَاع; يكون من الله سبحانه الدفع والدفاع
5; إنَّ الدين عن الله الإسلام; أن الدينَ; الإسلام هو الدين عند الله بتقريره سبحانه وبشهادة الملائكة
6; وكلمةُ الله هي العليا; وكلمةَ; كلمة الله هي العليا، وقد يزيدها الله علواً
7; فالله خير حافظاً; حِفْظاً; من أسمائه سبحانه الحافظ
8; ولا يشرك في حكمه أحداً; ولا تشركْ; وحدانية الله سبحانه أمر تكويني وتكليفي
9; وما كنتُ متخذ المضلين عضداً; وما كنتَ; لا يتخذ الله سبحانه ولا الرسول – صلى الله عليه وسلم – أعواناً من المضلين
10; هنالك الوَلاية لله الحق; الوِلاية; لله سبحانه على عباده الوِلاية والوَلاية
11; لأهب لك غلاماً; ليَهَبَ; يجوز نسبة الأفعال إلى غير الله مجازاً
12; إن الله يدافع عن الذين آمنوا; يدْفَع; معونة الله للمؤمنين تكون دفعاً ودفاعاً
13; ليَعْلَمَ أن قد أبلغوا; ليُعْلَمَ; الله سبحانه يكشف بعض الغيب لرسله ليعلم الناس صدقهم، وليعلم الله امتثالهم
14 ; ما ننسخ من آية أو ننسِها; نَنْسَأها; لله سبحانه أن ينسخ آياته، وأن يؤجلها كذلك
15; ولا تُسئلُ عن أصحاب الجحيم; ولا تَسْأَلْ; الرسول غير مسؤول عن الكفار بعد إنذارهم، فلا ينبغي أن يسأل عنهم
16; وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لَمَا آتيتكم من كتاب وحكمة; لما آتيناكم
لِما آتيتكم; صار النبيون أهلاً للميثاق بسبب ما آتاهم الله من الكتاب والحكمة، وقد آتاهم ذلك ليؤمنوا بنبي آخر الزمان
17; وما يفعلوا من خير فلن يكفروه; تفعلوا
تكفروه; العمل الصالح له أجر صالح، سواء صدر من أهل الكتاب المؤمنين، أو من الأمة المحمدية
18; وما كان لنبي أن يَغُلَّ; يُغَلَّ; النبي لا يَغُلُّ ولا يُغَلُّ
19; وَلْيَحْكُمْ أهل الإنجيل; وَلِيَحْكُمَ; أنزل الله الإنجيل ليحكم الناس به، فعلى أهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه
20; هل يستطيعُ ربُّك; تستطيعُ رَبَّكَ; الحواريون يستفسرون عن قدرة الله، ويحثون عيسى ابن مريم على الطلب منه سبحانه
21; والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصارِ; والأنصارُ; سائر الأنصار، وخاصة السابقون الأولون منهم تشملهم رحمة الله ورضوانه
22; إنه عملٌ غير صالح; عَمِلَ غَيْرَ; قد يظهر من الأنبياء عمل غير صالح، وكذلك من أبنائهم
23; وظنوا أنهم قد كُذِبُوا; كُذِّبُوا; تبلغ الرسل حداً بليغاً من صدود الناس وإعراضهم حتى تسوء ظنونهم بمن صدقهم وبمن كفر بهم
24; فناداها مِنْ تحتها; مَنْ تحتها; الملاك يكون تحت مريم، ومريم تسمع النداء من تحتها
25; فظن أن لن نَقْدِرَ عليه; أن لن يُقدر; قد يلقي الشيطان في نفوس الأنبياء ظن السوء فيدفع الله ذلك
26; رسول الله وخاتَم النيين; وخَاتِم; الرسول – صلى الله عليه وسلم – زينة الأنبياء، وهو آخرهم
27; وقيِلِه يا رب; وقيلَه; الله سبحانه عليم بصبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، ويتهدد المشركين بالحساب والعذاب
28; لا تُقَدِّموا بين يدي الله ورسوله; لا تَقَدَّموا; النهي عن التقدم على النبي – صلى الله عليه وسلم – شكلاً ومضموناً
29; وما هو على الغيب بضنين; بظنين; نفي تهمة كتم الوحي، وتهمة الظن عن النبي – صلى الله عليه وسلم –
30; لَتَرْكَبُنَّ طبقاً عن طبق; لتَرْكَبَنَّ; الله سبحانه يخبر أن الناس يتقلبون من حال إلى حال ويبشر النبي – صلى الله عليه وسلم – بأنه سيرتقي أطباق السموات
31; فأزلَّهما الشيطان عنها; فأزالهما; يجوز نسبة فعل الإزالة إلى الشيطان على سبيل المجاز
32; وما يشعركم أنها إذا جاءت; إنها إذا جاءت; التأكيد على أن المشركين لن يؤمنوا ولو جاءتهم الآيات
33; ديناً قِيَمَاً ملة إبراهيم; قَيَّمَاً; الإسلام هو الدين المستقيم الذي ينبغي أن تقوم له وجوه الموحدين
34; هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت; تتلو; الإنسان يوم القيامة يبلو ما أسلف، ويتلو ما أسلف
35; لا جرم أن لهم النار وأنهم مُفْرَطُون; مُفَرِّطُون; الكفار فرطوا في دينهم، ففرط الله بهم يوم القيامة
36; ما كان ينبغي لنا أن نَتَّخِذَ; أن نُتَّخَذَ; من عُبد من دون الله على غير إرادة منه لم يؤاخَذ إن أخلص التوحيد
37; دابَّة من الأرض تُكَلِّمهم أن الناس كانوا; تُكَلِّمهم إنَّ; يجب الاعتقاد بخروج الدابة، ويجب الاعتقاد بأنها تتكلم مع الخلق
38; لا يسَّمَّعُون إلى الملأ الأعلى; لا يسْمَعُون; نفي السماع والاستماع إلى الملأ الأعلى من قبل الشياطين
39; الملائكة الذين هم عباد الرحمن; عند الرحمن; الملائكة عند الله وهم عباده
40; وقد أَخّذَ ميثاقكم; أُخِذَ; الميثاق الذي أُخذ على المؤمنين موثق بنسبته إلى الله عز وجل
41; ; يوم القيامة يَفْصِلُ بينكم; يُفَصَّلُ يُفَصِّلُ; الله سبحانه يَفْصِل بين العباد يوم القيامة ويُفَصَّل لهم أعمالهم
42; ; ذو العرش المجيدُ; المجيـدِ; الله سبحانه مجيد، وعرش الله مجيد
43; ; في لوحٍ محفوظٍ; محفوظٌ; القرآن محفوظ في اللوح، واللوح محفوظ بأمر الله
45 ; ولا تظلمون فتيلاً; ولا يُظْلَمون; الله سبحانه لا يظلم المؤمنين ولا يظلم المنافقين
46 ; إن الذين فرقوا دينهم; فارقوا; النبي – صلى الله عليه وسلم – بريء ممن فرق الدين، وممن فارق الدين
47 ; أَمَرْنا مترفيها; آمرنا; إذا أراد الله هلاك القرى أمر المترفين بالفساد، وأعانهم على التآمر فاستوجبوا الهلاك
48 ; وجعلنا لِمَهْلِكِهم موعداً; لِمُهْلِكهم; يكون هلاك القرى بسبب مقدر، وزمن مقدر
49 ; من الذين فَرَّقُوا دينهم وكانوا شيعاً; فَارَقوا; من فرق الدين أو فارق الدين فهو من المشركين
50 ; وَصُدَّ عن السبيل; وَصَدَّ; صَدَّ الله فرعون عن الهدى، وقام فرعون بصد الناس عن سبيل الله
51 ; سواءً محياهم ومماتهم; سواءٌ; لن يجعل الله المتقين والفساق سواء، فالفساق يستوي محياهم ومماتهم لأنه لا فائدة منهم
52 ; فهل عسيتم إن تَوَلَّيتم; تـُوُلِّيْـتُم; يجب أن يحذر الإنسان من الإفساد في الأرض، خاصة إذا ولي شؤون الناس
53 ; لا يَـــلِتْكم من أعمالكم شيئاً; يأْلِتْكُم; الله سبحانه يجزي المحسنين أجرهم دون إنقاص
54 ; ولا تفرحوا بما آتاكم; أتاكم; على المؤمنين أن لا يفرحوا بالنعم فرحاً يطغيهم
الفصل الثاني: الأحكام الفقهية
الرسم المصحفي; الوجه الغائب; عنوان المسألة
1 ; وامسحوا برؤوسكم وأرجُلَكُم; وأَرْجُلِكُم; جواز المسح على الخفين، ووجوب غسل الأرجل
2 ; ولا تقربوهن حتى يَطْهُرْنَ; يَطَّهَّرْنَ; وجوب اعتزال النساء حتى يَطْهرن، واستحباب تَطَهُّرِهن قبل الغشيِّ
3 ; أو لامستم النساء; لَمَسْتُم; وجوب الوضوء من لمس النساء ومن ملامستهن
4 ; ونصْفَهُ وثلثَهُ; ونصْفِهِ; النبي – صلى الله عليه وسلم – يقوم نصف الليل، وأدنى من نصف الليل
5 ; ماذا ينفقونَ قلِ العفوَ; قل العفوُ; قل لهم يا محمد أنفقوا العفو، فالعفو هو المطلوب في الصدقة
6 ; واتَّخِذُوا من مقام إبراهيم مصلَّى; واتَّخَذُوا; الناس يتخذون من مقام إبراهيم مصلى، والمولى سبحانه يزكي ذلك ويأمر به
7 ; فديةٌ طعامُ مسكين; مساكين; فدية الإفطار طعام مسكين عن كل يوم، وهكذا فبعدد الأيَّام إطعام مساكين
8 ; أجعلتم سقاية الحاج ; سُقاة ; سُقاة الحجاج لا ينفعهم عملهم بدون إيمان، فالسقاية عمل صالح إن كان معه إيمان
9 ; وعمارة المسجد الحرام; وَعَمْرة; الرجال الذين عمروا البيت وإعمارهم له لا يعدل الإيمان
10 ; فجزاءٌ مثلُ ما قتل من النعم; فجزاءُ مثلِ; جزاء الصائد أن ينحر مثل ما قتل من الأنعام، بتقدير ذوي عدل، فإن لم يوجد له مثل فليحكم به ذوا عدل منكم فإن لم يوجد له مثل فليحكم به ذوا عدل منكم
11 ; ثم لْيَقْضوا تفثهم ولْيُوْفوا نذورهم ولْيَطَّوَّفوا; لِيَقْضُوا ولِيوفُوا ولِيطَّوَّفوا; غرض الحج أن يقضوا تفثهم ويوفوا نذورهم ويطوفوا بالبيت فليفعلوا ذلك
12 ; والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم; عاقدت; الحليف يستحق نصيبه إن انعقد حلفه بالتعاقد أو بمحض يمينك
13 ; وما آتيتم من ربا ليربـوَ في أموال الناس; أَتَيْتُم; فعل الربا وإيتاؤه حرام
14 ; لِيَرْبُوَ في أموال الناس; لتُرْبُو; الربا حرام، سواء ربا بقصد الربا أو بدون قصد
15 ; إلا أن يَخَافَا ألا يقيما حدود الله; أن يُخَاْفا; المخالعة تحل من الزوجين إن خافا ألا يقيما حدود الله وتطلب من الأولياء إذا خُشي على الزوجين ألا يقيما حدود الله
16 ; ومتعوهن على الموسع قَدَرُه; قَدْرُه; الموسع والمقتر يمتعان كل بحسب قَدْره وقَدَرِه
17 ; لا يحل لكم أن ترثوا النساء كَرْهَاً; كُرْهَاً; تحريم إرث النساء كَرْهَاً وكُرْهاً
18 ; إلا أن يأتين بفاحشة مبَيِّنة; مُبَيَّنَة; إذا ظهرت الفاحشة من المرأة جاز عضلها، سواء كانت الفاحشة مبيَّنة أو مبيِّنة
19 ; قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله; حَفِظَ اللهَ; المؤمنات يحفظهن الله بحفظه، وهن يحفظن أمر الله في سلوكهن
20 ; أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال; غيرَ أولي; لا حرج في إبداء الزينة للتابعين الموصوفين أو المختصين بأنهم غير أولي الإربة من الرجال
21 ; وقَرْنَ في بيوتكن; وقِرْنَ; نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – مأمورات بالقرار في البيوت، والوقار فيها
22 ; قل فيهما إثم كبير; إثم كثير; في الخمر إثم كبير وكثير
23 ; فإذا أُحْصِنَّ فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف; أَحْصَنَّ; الإماء إذا زوجن أو تزوجن فأتين إثماً فعقوبتهن نصف عقوبة الحرائر
24 ; أن النفسَ بالنفسِ والعينَ بالعينِ; والعينُ بالعينِ; القصاص وفق العين بالعين، شرع من قبلنا وهو مستأنف علينا أيضاً
25 ; أَنَّ غَضَبَ الله عليها إن كان من الصادقين; أنْ غَضِبَ الله; يجب أن تعلم الملاعنة أنَّ غَضَب الله سينزل بها إن صدق زوجها، بل إنه قد غضب فعلاً
26 ; ولا تُقاتلوهم عند المسجد الحرام; ولا تَقْتُلوهم; لا يجوز قتال المشركين ولا قتلهم عند المسجد الحرام إلا إن بدؤونا بالقتال فيه
27 ; ادخلوا في السِّلم كافة; في السَّلْم; وجوب دخول المسلمين في السِّلْم وفي السَّلْم
28 ; وإن تصبروا وتتقوا لا يَضُرُّكم كيدهم شيئاً; لا يَضِرْكُم; الله سبحانه أكرم عباده الصابرين بأنهم لا يصيبهم ضرر ولا ضير
29 ; ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً; السَّلَم لست; إذا ألقى رجل إلينا السلام أو السَّلَم فلا يجوز أن نتهمه بعدم الإيمان
30 ; وإن تَلْوُوا أو تعرضوا; تـَلُوْا أو تعرضوا; ليّ الواجد ظلم، والوالي محاسب عند الله
31 ; لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفارَ أولياء; والكفارِ; يحرم تولي الكفار سواء اتخذوا ديننا هزواً ولعباً أو لا
32 ; والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وَلايتهم من شيء; من وِلايتهم; ليس للمسلم وَلاية ولا وِلاية على المسلمين حتى يهاجر
33 ; إنهم لا أَيمان لهم; لا إِيمان لهم; ليس للمشركين إيمان ولا أيمان
34 ; أذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا; يُقاتِلون; يؤذن للمسلمين بالجهاد إن قاتلوا أو قوتلوا في سبيل الله
35 ; فلا تهنوا وتدعو إلى السَّلْمِ; إلى السِّلْمِ; لا يدعو المسلمون إلى التسليم ولا إلى الاستسلام
36 ; واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامَ; والأرحامِ; اتقوا الأرحامَ أن تقطعوها، واذكروا أن بعضكم يسأل بعضاً بالأرحام نظراً لمنزلتها بينكم
37 ; ولكن يؤاخذكم بما عقَّدْتُم الأيمان; عَقَدْتُم; المرء مؤاخذ باليمين إذا عَقَدَهُ أو عَقَّدَه
38 ; إن جاءكم فاسق بنبأ فتبَيَّنوا; فَتَثَبَّتوا; على القاضي أن يتبين ويتثبت في الحكم
45 ; ولا تظلمون فتيلاً; ولا يُظْلَمون; الله سبحانه لا يظلم المؤمنين ولا يظلم المنافقين
الفصل الأول: الأحكام الاعتقادية
تمهيد في طبيعة الخلافات في الأحكام الاعتقادية
مرَّ بك في الجدول السالف أن المسائل الاعتقادية التي يدل لها تعدد القراءات منحصرة في أربع وخمسين مسألة تتوزع على الشكل الآتي:
المطلب الأول ثلاث عشرة مسألة في الإلهيات
المطلب الثاني سبع عشرة مسألة في النبوات
المطلب الثالث ثلاث عشرة مسألة في الغيبيات
المطلب الرابع إحدى عشرة مسالة في العمل والجزاء
وهذا الاختلاف في القراءات أكسب المفسرين فوائد جمة، وأضاء كثيراً من المعاني المجملة في الآيات، وأذن بفهم بعض النصوص فهماً لا تدل له القراءة الواحدة.
ومن المعلوم أن مباحث الاعتقاد لا سبيل إليها إلا بالتواتر، قرآناً أو سنة، ولذلك فإنَّ استجلاء القراءات المتواترة التي تدل على أبواب العقيدة من آكد الفروض على الأمة، لأنَّها أدقُّ السُّبل لبلوغ عقيدة الحق التي أذن بها الله سبحانه وتعالى.
وقد أثبتُّ لك الآية كما هي في رسم المصحف، ثم أوردت وجوه القراءة المتواترة عليها، ثم عطفت بإيراد أقوال الأئمة في دلالة الآية وفق وجوه القراءة المختلفة.
وقد اعتمدت في هذا الفصل على المفسرين من علماء العقيدة كالإمام الفخر الرازي والإمام ابن كثير واختيارات القرطبي في جامعه فيما يتصل بأبواب العقائد، وكذلك استعنت بالكتب المصنفة في الاحتجاج للقراءات وقد أَشرت لكلٍّ منهم في الحاشية لدى النقل عنه، ثم مضيت في التأليف بين أقوالهم بما يحقق الفائدة المتوخاة من تحصيل وجوه القراءة المختلفة.
ولم أورد من القراءات إلا ما كان متواتراً، إلا ما كان في المسألة الأولى، فقد أوردته استئناسا أردت به التنويه إلى وجود نقل غير متواتر في كثير من الآي، ولكن ليس لهذا النقل وزن في المسائل الشرعية.
تمهيد في علاقة القرآن بالمحكم والمتشابه
وقبل الخوض في أثر القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية فإن من المفيد أن نعرض هنا لمسألة المحكم والمتشابه وعلاقته بالقراءات، حيث يتبادر إلى الأذهان أن ما اختلفت فيه القراءات من النص القرآني إنما هو من المتشابه، وأن الأسلم في تأويله أن يفوض علمه إلى الله سبحانه، {وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون في العلم يقولون آمنا به، كل من عند ربنا}(576)
ولا بد قبل الخوض في هذه المسألة تحديد معنى المحكم والمتشابه لدى الأصوليين.
فالمحكم هو الواضح الدلالة، الظاهر الذي لا يحتمل النسخ، والمتشابه هو الخفي الذي لا يدرك معناه عقلاً ولا نقلاً، وهذا التعريف هو المختار عند الحنفية كما نقله الآلوسي(577)
واختار الأصوليون أن المحكم هو مالا يحتمل إلا وجها واحداً من التأويل، أما المتشابه فهو ما احتمل أوجهاً، وقد رفع هذا القول إلى ابن عباس(578)
وثمة اختيارات أخرى في تعريف المحكم والمتشابه، مؤداها إلى واحد من الرأيين السالفين، ولعل أجمع هذه التعريفات ما فصله السرخسي في أصوله بقوله:
المتشابه: هو ما خفي بنفس اللفظ، وانقطع رجاء معرفة المراد منه لمن اشتبه عليه، فأصبح لا يرجى إدراك معناه أصلاً(579)
وقد وردت الإشارة في التنزيل العزيز إلى المحكم والمتشابه، ففيه ما يشير إلى أن الكتاب كله محكم: {الر* كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير}(580)
وفيه ما يشير إلى أن الكتاب العزيز متشابه:
{الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم}(581)
وفيه ما يشير إلى أن الكتاب منه محكم ومنه متشابه.
{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب، وأُخَر متشابهات}(582)
وليس بين هذه الثلاثة أدنى تعارض، فمعنى إحكامه في الآية الأولى أنه منظم ومتقن، كأنه بناء مشيد، أحكم الله سبحانه نظمه وقرآنه وبيانه.
ومعنى تشابهه في الآية الثانية أنه على نسق واحد في الإعجاز والفصاحة والبلاغة والبيان، يشبه بعضه بعضـاً من وجهة أنه في سائره تنزيل من حكيــم حميد،
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأما أن بعضه محكم وبعضه متشابه، فمعناه أن من القرآن ما اتضحت دلالته على مراد الله تعالى منه، ومنه ما خفيت دلالته على هذا المراد الكريم، فالأول هو المحكم والثاني هو المتشابه.
وجرى العمل لدى الأصوليين على إطلاق المحكم في مقابلة المتشابه تارة، وفي مقابلة المنسوخ تارة أخرى.
فما جاء في التنزيل العزيز من مقابلة النسخ بالإحكام:
{فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم}(583)
ومما جاء في التنزيل من مقابلة النسخ بالتشابه:
{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيـات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات}(584)
وقد ثبت بالاستقراء أن آيات الأحكام ليس فيها متشابه، بل هي جميعا مما أحكم من الكتاب(585)، وما كان منها غير واضح الدلالة فإنه يكشف إبهامه ويظهر خفاؤه ويفصل إجماله بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ووسائل الاستدلال بهما.
وهناك طريقتان عند علماء الكلام والتوحيد لمعرفة حكم المتشابه، اشتهرت الأولى عن السلف، واشتهرت الثانية عن الخلف.
فطريقة السلف: الامتناع عن التأويل، مع الاعتقاد بحقية المراد الإلهي، والتسليم بمراد الشارع منه، ودليلهم قول الله سبحانه:
{ومايعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به} وذلك على تحتم الوقف بعد لفظ الجلالة، فتكون معرفة تأويله مقصورة على المولى سبحانه، لا يقدر أن يحيط بها من خلقه أحد، فالحكم الأصولي عندهم هو التوقف عن التأويل، مع اعتقاد أن قول الله حق، وتفويض علم ذلك إلى الله تعالى بدون بحث في تأويله.
وطريقة الخلف: تأويل المتشابه بما يوافق اللغة، ويلائم تنزيه الله سبحانه عما لا يليق به، فعلى سبيل المثال: نزول الله سبحانه إلى سماء الدنيا متشابه، لإيهامه التحول في الذات العلية، ووصفه باليد والعين والاستواء متشابه لإيهامه مشابهة الحوادث، وتقرير أنه في السماء متشابه لأنه يتعارض مع كونه بكل شيء محيط، وهكذا..
ولا يخفى أن منشأ تخالف الطريقتين، إنما هو الاضطراب في تحديد الوقف في الآية، فقد اختار السلف الوقف عند لفظ الجلالة كما بينا، واختار الخلف عدم الوقف، واعتبار الواو عاطفة، على أساس أن الله سبحانه علم الراسخين في العلم أمر تأويله، فهم به عارفون(586)
وقد نقل هذا القول عن الصحابي الجليل ابن عباس، كما في الطبري أن ابن عباس كان يقول: أنا من الراسخين في العلم، وأنا أعلم تأويله(587)
ولكن نقل الطبري نفسه عن ابن عباس أيضا أنه قرأ: {وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به}(588) فتكون قراءته بذلك بمثابة الجزم بأن علم المتشابه محصور في المولى سبحانه، وعلى العباد التسليم، والله أعلم.
وقد اختار صاحب كتاب: أصول الفقه الإسلامي مذهب السلف، والقول بالتسليم والتفويض لله بمراده، وأشار إلى انه لا يترتب على هذا الخلاف نتيجة عملية، ولا صلة لهذا البحث بالأحكام الشرعية(589)
ونشير هنا إلى أن التفويض غنية المؤمن، وفيه سلامة اعتقاده، وتمام أدبه مع الله عز وجل، ولكن إذا عرضت للمرء والشبهات، أو قصد بيان العقيدة الإسلامية لأهل الشكوك، فإنه لا مندوحة من التأويل الدافع لإيهام التناقض، ويكون المؤول حينئذ يدفع الفتنة لا يبتغيها، فلا يكون مشمولا بقوله سبحانه {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}(590)
وتجد اختصار هذه المعاني جميعا في عبارة الأصوليين:
(مذهب السلف أسلم، ومذهب الخلف أحكم، والله سبحانه أعلم)(591)
وبعد الذي قدمته لك من مذاهبهم في التشابه والإحكام، فإنه ظهر لك أن أمر اختلاف القراءات في آيات الأحكام ليس من باب التشابه، بل إن القراءات المتواترة في الآية الواحدة سبيل إلى دفع التشابه المتوهم فيها.
ومن الأمثلة الظاهرة على أن تواتر القراءة يدفع توهم التشابه ما يلي:
(ملاحظة: الأمثلة هنا من باب الأحكام الاعتقادية، إذ ليس في الأحكام الفقهية متشابه أصلا)
قوله تعالى:
{ولكل وجهة هو مولِّيها}(592)
الظاهر فيها استلاب التكليف من العبد، وقد دفع هذا الظاهر بالقراءة المتواترة: {ولكل وجهة هو مولاَّها}(593)
قوله تعالى:
{ليَعلَم أن قد أبلغوا رسالات ربهم}(594)
الظاهر فيها تعليل مجريات الأحداث بقصد إطلاع المولى على صنيع أنبيائه، فدفع هذا التوهم بالقراءة المتواترة: {ليُعلَم أن قد أ بلغوا رسالات ربهم}(595)
قوله تعالى:
{حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا}(596)
الظاهر فيها أن الرسل ظنوا أن الوحي الإلهي كذبهم، فدفع هذا التوهم بالقراءة المتواترة: {وظنوا أنهم قد كُذِّبوا}(597)
قوله تعالى:
{وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نَقْدِرَ عليه}(598)
الظاهر فيها أن ذا النون عليه السلام ظن أنه أعْجَزَ الله بهربه، فدفع هذا التوهم بالقراءة المتواترة: {فظن أن لن يُقْدَر عليه}(599) أي من قبل قومه.
وتجد لذلك أمثلة كثيرة حين تخوض في الباب الآتي المخصص لأثر القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية.
ولكن يرد هنا سؤال:
هل يتعين هنا أن نأخذ بالقراءة المتواترة المجلية للتوهم، ونطرح القراءة المتواترة الأولى التي ينشأ منها التشابه؟..
والجواب: إن هذا لا مساغ له البتة، وقد بسطنا القول في صدر هذه الرسالة في وجوب اعتقاد المتواتر كله تنزيلا إلهيا، ولكن تقبل القراءة التي جلا فيها المعنى على أنها آية محكمة، وتقبل القراءة التي خفي فيها المعنى على أنها من المتشابه الذي يفوض علمه إلى الله.
هذا وإن علماء التفسير لم يسلِّموا لآية بعينها بأنها من المتشابه، بل جرت أقلامهم في تفسير سائر التنزيل، وحملوه على وجوه يدفع فيها التناقض، بوسائل مختلفة من الخبر واللغة والرأي، وهو ما تجده في ثنايا هذه الدراسة.
————
(576) سورة آل عمران 6
(577) روح المعاني للألوسي جـ3 ص 84
(578) مناهل العرفان للزرقاني جـ2 ص 280
(579) أصول السرخسي جـ1 ص 169، وقد كتب الباحث إبراهيم أحمد عباس مهنا في رسالة ماجستير نوقشت في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية عام 1415 هـ، بعنوان: أثر الحقيقة والمجاز في فهم المحكم والمتشابه، نقل فيها ستة تعاريف للمتشابه:
المتشابه: ما لم يتضح معناه وهو قول الجويني والشيرازي.
المتشابه: أعم من المجمل، والمجمل فرع منه وهو قول الآمدي.
المتشابه: هو الذي لم يترجح معناه وهو رأي البيضاوي والسبكي.
المتشابه: ما لا يدرك المراد منه أصلاً لا بالفعل ولا بالنقل وهو رأي الحنفية.
المتشابه: هو الأقسام التي في القرآن والحروف المقطعة، وهو رأي ابن حزم.
انظر الكتاب المذكور ص 73.
(580) سورة هود 1 – 2
(581) سورة الزمر 23
(582) سورة آل عمران 7
(583) سورة الحج 52
(584) سورة آل عمران 7
(585) أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي جـ1 ص 343، وإنما يصح هذا الاستقراء وفق تقسيم الحنفية حيث ميزوا بين ما يمكن دركه وما لا يمكن من النصوص غير الواضحة الدلالة. وقد اطلعت على رسالة ماجستير نوقشت في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية عام 1415 هـ بعنوان الحقيقة والمجاز في فهم المحكم والمتشابه للباحث إبراهيم أحمد عباس مهنا، أورد فيها حكماً فقهياً جزم أنه من باب المتشابه، وهو قوله سبحانه: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} وعادة الأصوليين من الحنفية أن يدرجوا هذه المسألة في باب المشكل لأنه لفظ مشترك، وإنما يميز بين المشكل والمتشابه، أن المتشابه لا سبيل إلى تجلية خفائه، أما المشترك فإن خفاءه يرتفع بالقرائن، وقد جزم الباحث بأن من المتشابه ما يمكن معرفة معناه، ص 81 ولم ينقل ذلك عن أحد سبقه وهو اختيار من لم يأخذ بتصنيف الحنفية. وهكذا فإن تصنيف الحنفية غير واضح الدلالة من النصوص حل هذا الإشكال إذ جعلوا غير واضح الدلالة واحداً من أربعة: الخفي والمشكل والمجمل والمتشابه. انظر كشف الأسرار للبزدوي جـ1 ص 52
(586) كشف الأسرار للبزدوي جـ1 ص 55 وما بعدها. وانظر أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي جـ1 ص 343
(587) تفسير الطبري جـ6 ص 204
(588)تفسير الطبري جـ6 ص 202، وروى مثل ذلك عن أبي بن كعب، وطاوس بن كيسان
(589) أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي جـ2 ص 343
(590) سورة آل عمران 7
(591) عبارة مشهورة في مزايا مذهب السلف ومذهب الخلف، لم أقف على قائلها
(592)سورة البقرة 148، وهي قراءة سائر القراء إلا ابن عامر
(593) سورة البقرة 148، وهي قراءة ابن عامر
(594) سورة الجن 28 وهي قراءة جمهور القراء
(595) سورة الجن 28 وهي قراءة رويس
(596) سورة يوسف 109 وهي قراءة الكوفيين وأبي جعفر
(597) سورة يوسف 109 وهي قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ويعقوب
(598) سورة الأنبياء 87 وهي قراءة سائر القراء إلا يعقوب
(599) سورة الأنبياء 87 وهي قراءة يعقوب
المطلب الأول: الإلهيات
المسألة الأولى:
قوله تعالى: {مـلك يوم الدين}
قرأ عاصم والكسائي ويعقوب وخلف: {مالك يوم الدين}
وقرأ الباقون بغير ألف: {ملك يوم الدين}
وليس في هذا الموضع من المتواتر إلا هذان الوجهان(600)
وقد احتج أبو زرعة للقولين في كتابه حجة القراءات، فنقل عن أصحاب القصر احتجاجهم بنظائر ذلك في الكتاب العزيز: {يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس}(601) وكذلك: {ملك الناس* إله الناس}(602)، {فتعالى الله الملك الـحـــق لا إلـــه إلا هــو رب العــرش الكريم}(603). فهذه كلها تقرأ عند الكل
بالقصـر، وكان أبو عمرو البصري(604) يقول: (مَلِك تجمع مالكاً، ولكن مالك لا تجمع ملكاً)، وهو ما عبر عنه أبو عبيد القاسم بن سلام (605) بقوله: (إن كل ملك مالك، وليس كل مالك ملكاً)، وكان أبو عمرو يقول: (هلا قلتم: فتعالى الله المالك الحق؟)(606)
وأضاف أبو زرعة إلى حجج من روى بالقصر حججاً أخرى تدل أنه كان يرى هذا الرأي إذ لم ينسبها لقائل بعينه فقال:
(وحجة أخرى وهي أن وصفه بالمُلك أبلغ في المدح من وصفه بالمِلك، وبه وصف نفسه سبحانه، فقال: {لمن الملك اليوم} فامتدح بمُلك ذلك، وانفراده به يومئذ، فمدحه بما امتدح نفسه به حق وأولى من غيره، والمُلك إنما هو من مَلِك لا من مالك، لأنه لو كان منه لقال: (المِلْك اليوم؟) بكسر الميم(607)
وقال ابن الجوزي: وقراءة ملك أظهر في المدح لأن كل ملك مالك وليس كل مالك مَلِكاً(608)
ثم أورد حجة من قرأ بالمد فنقل عنهم قولهم: (إن مالكاً يحوي المُلْك ويشتمل عليه ويصير المُلك مملوكا لقوله جل وعز: {قل اللهم مالك الملك}(609). فقد جعل المُلْك للمالك، فصار مالك أمدح)(610)
واستدل كذلك بأن شاعراً جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – يشكو امرأته فقال: (يا مالك الملك وديان العرب)
فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: “مــه.. ذلك الله”(611)
ويستدل كذلك من قرأ بالمد، بأن قراءة المد فيها زيادة حرف، وزيادة المبنى تدل على زيادة المعنى غالباً، كذلك فإنها تفيد في زيادة الحسنات، إذ تعهد الله عز وجل لقارئ القرآن لكل حرف بعشر حسنات، وهذه الآية العظيمة في سورة الفاتحة وهي مما يتكرر في كل ركعة، وفي أحوال كثيرة، فتكون زيادة هذه الألف وقد ثبتت بالتواتر أرجى في تحصيل الحسنات.(612)
ونشير إلى أن لفظة (مالك) هنا رويت في المتواتر بوجهين اثنين كما أسلفنا، ولكنها رويت أيضاً على ثلاثة عشر وجهاً آخر، فيكون مجموع ما قرئت به خمسة عشر وجهاً، ونوردها هنا لتكون إشارة تدل لغيرها أن في قراءات الآحاد والشواذ وجوهاً كثيرة لا يصلح أن تهمل فتفوت منها فوائد كثيرة:
1 – مالِكِ: قرأها عاصم والكسائي(613) وكذلك يعقوب وخلف بن هشام (القارئ)(614)
2 – مَلِكِ: قرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة(615)
3 – مَلِكُ: رويت عن عائشة وسعد بن أبي وقاص(616)
4 – مَلِكَ: رويت عن أنس بن مالك(617)
5 – مالِكَ: رويت عن أبي هريرة وقرأ بها الأعمش والمطوعي(618)
6 – مَلَكَ يومَ: رويت عن علي بن أبي طالب وقرأ بها يحيى بن يعمر(619) وقرأ بها أبو حنيفة(620)
7 – مِلْكِ: قرأ بها الشعبي وأبو عثمان النهدي(621)
8 – مَلْكِ: رويت عن أبي هريرة وقرأ بها عاصم الجحدري(622)
9 – مالِكُ يومِ: رويت عن عمر بن عبد العزيز وقرأ بها عون بن أبي شداد العقيلي(623)
10 – مالِكٌ يومَ: قرأ بها أبو عبيد وعون العقيلي بن أبي شداد(624)
11 – مليكِ: رويت عن أبي بن كعب وقرأ بها أبو رجاء العطاردي(625)
12 – ملكاً يومَ: قرأ بها ابن أبي عاصم(626)
كما رويت: مَلاَّك ومَلْكَ ولم تنسب لقائل بعينه(627) أضف إلى ذلك ما روي عن الكسائي ويحيى بن يعمر من إمالتها.(628)
وثمرة الخلاف:
أن الله سبحانه وتعالى يوصف بالملك ويوصف بالمالك، وكلاهما من أسمائه الحسنى سبحانه، قال اللقاني في الجوهرة(629):
وعندنا أسماؤه العظيمة * كذا صفات ذاته قديمة
واختير أن اسماه توقيفيه * كذا الصفات فاحفظ السمعية
فالقراءتان نص توقيفي في جواز إطلاق اسم المالك والملك على الله سبحانه وتعالى.(630)
والحق أن ذلك ليس حكماً استقلت به هذه الآية، بل هو توكيد لنصوص أخرى ظاهرة في القرآن الكريم، منها قوله سبحانه:
{قل اللهم مالك الملك}(631)
وقوله: {هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس}(632)
وإنما استقلت هاتان القراءتان بجواز إضافة هذين الاسمين الجليلين إلى يوم القيامة، فتقول هو سبحانه: ملك القيامة، ومالك القيامة.
————
(600) النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص
وعبارة الشاطبي: ومالك يوم الدين رواية ناصر…………….
فرمز بالنون إلى عاصم وبالراء إلى الكسائي وهذه طريقته
وعبارة ابن الجزري في الدرة:……….. ومالك حز فز والصراط فأسجلا
(601) سورة الجمعة 1
(602) سورة الناس 2
(603) سورة المؤمنون 116
(604) أبو عمرو البصري القارئ واللغوي المشهور، انظر ترجمته ص 72
(605) أبو عبيد القاسم بن سلام الخراساني الهروي (151 – 224) أول من جمع القراءات وصنف فيها، انظر ترجمته ص 69
(606) حجة القراءات لأبي زرعة ص 77
(607) المصدر نفسه ص 77
(608) زاد المسير في علم التفسير جـ1 ص 13
(609) آل عمران 26
(610) حجة القراءات ص 77
(611) المصدر نفسه، وكذلك فقد أخره الحديث أحمد بن حنبل في مسنده جـ2 ص 201 بصيغة:
يا مالك الناس وديان العرب إني لقيت ذربة من الذرب
وفي إسناده معن بن ثعلبة المازني وصدقة بن طيلسة وكلاهما مجهول
(612) يدل له حديث: “من قرأ القرآن كتب الله له بكل حرف عشر حسنات”، وهو حديث أخرجه الديلمي عن أنس.
(613) قال الشاطبي: ومالكِ يوم الدين رواية ناصر: وعند سراط والسراط لِ قنبلا
فأخبر أن المرموز إليهما بالراء والنون من: راويه ناصر قرآ بالمد (مالك) فتعين أن تتمة السبعة قرؤوا بالقصر وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة.
(614) تقريب النشر في القراءات العشر ص 7.
(615) المصدر السابق، وكذلك اختيار الشاطبي في البيت السابق يدل على أن بقية السبعة قرؤوا بالقصر.
(616) انظر البحر المحيط لأبي حيان ص 20.
(617) انظر جامع البيان في تفسير القرآن للطبري ط دار المعارف جـ1 ص 139.
(618) انظر تفسير الكشاف للزمخشري ط انتشارات آفتاب جـ1 ص 57
(619) انظر إملاء ما منَّ به الرحمن للعكبري جـ1 ص 4
(620) انظر تفسير الكشاف للزمخشري ط انتشارات آفتاب جـ1 ص 57
(621) انظر إملاء ما منَّ به الرحمن للعكبري جـ1 ص 3
(622) انظر إملاء ما منَّ به الرحمن للعكبري جـ1 ص 3 وتفسير الكشاف جـ1 ص 9
(623) انظر البحر المحيط جـ1 ص 20
(624) انظر جامع البيان للطبري جـ1 ص 129
(625) انظر البحر المحيط جـ1 ص 20
(626) انظر البحر المحيط جـ1 ص 20
(627) انظر الإعراب للنحاس جـ1 ص 122، والبحر المحيط جـ1 ص 20
(628) البحر المحيط جـ1 ص 20
(629) انظر جوهرة التوحيد للَّقاني الأبيات 38 – 39
(630) أخرج الترمذي عن أم سلمة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يقرأ في الصلاة ملك يوم الدين بدون ألف
(631) سورة آل عمران 26
(632) سورة الحشر 23
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {وإذا واعدنا موسى أربعين ليلة}(633)
قرأ أبو عمرو يعقوب وأبو جعفر: {وإذا وعدنا موسى} بغير ألف، وقرأ الباقون: {وإذا واعدنا موسى}(634)
وكذلك في سورة الأعراف: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلة}(635) وفي سورة طه {وواعدناكم جانب الطور الأيمن}(636)
وقد احتج قارئا البصرة أبو عمرو ويعقوب لقراءتهما بأن المواعدة إنما تكون بين الآدميين، وأما الله عز وجل فإنه المنفرد بالوعد والوعيد، واستدل أبو عمرو بقول الله عز وجل: {إن الله وعدكم وعد الحق}(637)
وحجة الجمهور أن المواعدة كانت من الله ومن موسى، فكانت من الله أن واعد موسى لقاءه على الطور ليكلمه ويكرمه بمناجاته، وواعد موسى ربه المصير إلى الطور لما أمره به(638)
وثمرة الخلاف:
من الجانب الاعتقادي إن قراءة الجمهور دليل على جواز نسبة بعض الأفعال إلى العبد على سبيل المجاز، وإن كانت قد صدرت من الله وحده على سبيل الحقيقة.
ومع أن اعتقاد أهل الحق أن الله خالق أفعال العباد، ولكنه أذن هنا سبحانه بنسبة بعض الأفعال إلى العباد، وليس هذا المعنى مستقلا في هذه الآية بل له نظائر كثيرة في القرآن الكريم.
وقد اجتمع الحقيقة والمجاز في قوله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}(639) فنسب العمل إليهم بقوله: تعلمون، ولكنه أخبر أنه سبحانه خلقهم وخلق أعمالـهم.
والتقدير: والله خلقكم وخلق أعمالكم، وهذا مذهب أهل السنة أن الأفعال خلق لله عز وجل واكتساب للعباد، وفي هذا إبطال مذهب القدرية والجبرية.(640)
وفي الجوهرة(641):
فخالقٌ لعبده وما عمل * موفقٌ لمن أراد أن يَصِلْ
وخاذل لمن أراد بُعْدَهُ * ومنجزٌ لمن أراد وعْدَهُ
وقد نهج بعض من انتصر لقراءة الجمهور بأن الألف هنا ليست للمفاعلة، بل الوعد من الله لا غير، نظير ما تقول: (طارقت نعلي وسافرت) والفعل من واحد على ما تكلمت به العرب(642)، كذلك تقول: خاطبت القوم، فتورد الألف هنا ولا تريد بها المفاعلة، إذ المخاطبة منك وحدك، ومنهم الاستماع ليس إلا.
————
(633) البقرة 51
(634) سراج القاري لابن الفاصح ص 150
وعبارة الشاطبي في حرز الأماني: وعدنا جميعاً دون ما ألف حلا
وعبارة ابن الجزري في الدرة: وعدنا اتل بارئ يأب يأمر أتـم حم……..
(635) سورة الأعراف 142
(636) سورة طه 82
(637) سورة إبراهيم 23
(638) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 96
(639) سورة الصافات 96
(640) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ15 ص 96
(641) جوهرة التوحيد للَّقاني بيت رقم 45
(642) حجة القراءات لأبي زرعة ص 96
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: {ولكل وجهة هو موليها}(643)
قرأ ابن عامر الشامي: {ولكل وجهة هو مولاَّها}(644)
وقرأ باقي العشرة: {ولكل وجهة هو مولِّيها}(645)
وحجة ابن عامر أن العبد يولى هذه القبلة، ولم ينسب الفعل إلى فاعل بعينه، وهذا أصفى في التوحيد، إذ المولى عز سلطانه هو المنفرد بالتدبير، فيكون الضمير (هو) كناية عن الاسم الذي أضيفت إليه لفظة (كل) وهو الفاعل، وحيث أقيم التركيب هنا مقام مالم يسم فاعله، كان (هو) بمثابة نائب فاعل، والفاعل هنا هو الله سبحانه تصريحاً.
وقرأ باقي العشرة {هو مولِّيها} أي متبعها وراضيها، وحجتهم في ذلك ماروي عن مجاهد بن جبر: {ولكل وجهة هو مُوْلــِيها} أي لكل صاحب ملة وجهة أي قبلة هو موليها أي مستقبلها(646).
ولاشك أن ما عند الجمهور من تواتر أقوى مما يروى إلى مجاهد، ولكنهم أوردوه للاستئناس بما فيه من التأويل، وليس للإسناد إليه في الإقراء وكذلك قال
القاضي ابن العربي المالكي: (وقرىء هو مولاَّها، يعني المصلي، والتقدير أن المصلي هو موجه نحوها، وكذلك قيل في قراءة من قرأ هو موليها، إن المعنى أيضاً هو متوجه نحوها، والأول أصح في النظر، وأشهر في القراءة والخبر(647).
وثمرة الخلاف أن أي قبلة يتولاها العبد إنما تولاها بأمر الله وإرادته، فهو يولي وجهه إليها بإرادته مجازاً، وبإرادة الله حقيقة، فهو مولِّيها بإرادته وسعيه، ومولاَّها بإرادة الله وأمره.
وهكذا فإن تصريح القرآن بوجود إرادة للعبد لا ينفي حقيقة أن الله سبحانه هو خالق الأفعال جميعاً: {والله خلقكم وما تعلمون}(648) وهذا المعنى البديع، بما فيه من تأليف بين إرادة الله و إرادة العبد لا يظهر إلا من القراءتين جميعاً، إذ لا تستقل بتبيانه واحدة منهما.
وأشير هنا أن هذا التأليف توافرت عليه الأدلة السمعية حيث نسب الفعل إلى العبد مجازاً وإلى الله حقيقة، وزادته هاتان القراءتان توكيداً وظهوراً.
وفي كتاب الله من المعنيين جميعاً قوله سبحانه: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}(649) فنسب الاهتداء إلى العبد مجازاً فقال: (لنهتدي) ثم علقه بإرادة الله سبحانه بقوله: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}.
واختار الرازي الجصاص في تفسيره أن الآية دليل على صحة التوجه إلى جهة القبلة، إذ لا يتصور أن يصيب الناس في توجههم من الآفاق عين الكعبة، فتكون الآية كالتيسير من المولى سبحانه لأهل الآفاق، بقبول توجههم، ولو لم يصيبوا عين الكعبة حقيقة(650).
ولا يخفى أن اختيار الجصاص هذا محله التأويل لا القراءة، لأنه وارد على كلا القراءتين، وقد تقدم قبل قليل الوجه الذي ساقه ابن العربي المالكي وهو قريب من اختيار الجصاص(651).
————
(643) سورة البقرة 148
(644) سراج القاري لابن القاصح ص 157
وعبارة الشاطبية: ولام موليها على الفتح كملا
فأخبر أن المرموز إليه بالكاف وهو ابن عامر قرأها بفتح اللام، فتعينت القراءة بالكسر لبقية السبعة.
(645) لم يأت ابن الجزري في الدرة على ذكر خلافٍ للثلاثة في هذا الوجه فتعين أنهم قرؤوا كالجمهور.
(646) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 117
(647) أحكام القرآن للرازي لابن العربي المالكي جـ1 ص 44
(648) سورة الصافات 96، وانظر ص 433
(649) سورة الأعراف 43
(650) أحكام القرآن للرازي الجصاص جـ1 ص 92
(651) انظر ما قدمناه في الصفحة السابقة، وهو في أحكام القرآن لابن العربي المالكي جـ1 ص 44
المسألة الرابعة:
قوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس} البقرة ـ251 –
قرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب: {ولولا دفاع الله الناس} بلا ألف.
وقرأ البـاقون {دفع الله} مصدر من (دفع دفعاً) وحجتهم: أن الله عز وجل لا مدافع له، وأنه هو الـمنفـرد بالدفع من خلقه وكان أبو عمرو يقول (إنما الدفاع من الناس والدفع من الله)، وحجـة نافـع: إن الــدفـاع مصدر من (دفع) كالكتاب من (كتـب)كما قال: {كتاب الله عليكم} فالكتاب مصدر لـ (كتب) الذي دل عليـه قـولـه: {حــرمـت عـلـيكم أمهـــاتـكـم} لأن الـمـعنى: كتب هذا التحريم عليكم ويـجـوز أن يـكـون مصـدراً لـ (فـاعلَ) تـقـول: (دافـع الله عنك الشيء (يدافع) مدافعة ودفاعاً) والعرب تقول: أحسن الله عنك الدفاع ومثل ذلك (عافاك الله) ومثل (فاعلت) للواحد كثير.قال الله: {قاتلهم الله}(652)
وثمرة الخلاف: جواز أن يقال: دفاع الله للناس لوجود القراءة المتواترة، وإن هذا المعنى مقرر في آيات أخرى لم تستقل به هذه الآية وحدها، كما في قوله سبحانه: {قاتلهم الله أنى يؤفكون}(653).
وعليه فإن قراءة (دفاع) تأتي كالإذن بجواز إضافة ألف المفاعلة، لما حقُّه أن يصدر عن الذات الإلهية وحدها، وذلك على سبيل المشاكلة والتنبيه إلى فساد قصدهم وبطلان سعيهم.
————
(652) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 140 – 141 وانظر كذلك سراج القاري لابن القاصح العذري ص 164
وعبارة الشاطبي: دفاع بها والحج فتح وساكن وقصر خصوصاً غرفة ضم ذو ولا
وأما قراءة يعقوب فقد أشار إليها ابن الجزري في الدرة بقوله:
………………دفاع حز………………..
وأما وجه أبي جعفر فلم يأت ابن الجزري على ذكره في الدرة، ولكن عاد فاستدرك إيراده في الطيبة، انظر تقريب النشر ص 97
(653) سورة التوبة 30
المسألة الخامسة
قوله تعالى: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم إن الدين عند الله الإسلام}(654)
قرأ الكسائي: {أن الدين عند الله الإسلام} بفتح الهمزة
وقرأ الباقون: {إن الدين عند الله الإسلام} بكسر الهمزة (655)
فتكون قراءة الكسائي بفتح الهمزة على أن العبارة تصريح بنص شهادة الله والملائكة وأولي العلم بأن الدين عند الله الإسلام.
وتكون قراءة الجمهور بكسر الهمزة على أنه كلام مستأنف، مصدَّرٌ بالتوكيد.
وقد أطال الإمام المفسر الطبري في رد قراءة الفتح فقال: كان بعض البصريين يتأول قوله شهد الله: قضى الله، ويرفع الملائكة بمعنى: والملائكة شهود وأولو العلم، وهكذا قرأت قراء أهل الإسلام بفتح الألف من أنه على ما ذكرت من إعمال شهد في (أنه) الأولى، وكسر الألف من (إن) الثانية وابتدائها، سوى أن بعض المتأخرين من أهل العربية كان يقرأ ذلك جميعا بفتح ألفيهما بمعنى شهد الله أنه لا إله إلا هو وأن الدين عند الله الإسلام، فعطف بأن الدين على أنه الأولى ثم حذف واو العطف وهي مراده في الكلام، واحتج في ذلك بأن ابن عباس قرأ ذلك: {شهد إنه لا إله إلا هو} الآية، ثم قال أن الدين عند الله الإسلام بكسر الأولى وفتح الثانية، بإعمال شهد فيها، وجعل إن الأولى اعتراضاً في الكلام غير عامل فيها شهد(656).
ثم اشتد الطبري في الإنكار على من قرأ بالفتح فقال: وزعموا أن ابن مسعود قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو بفتح أنه وكسر إن من إن الدين عند الله الإسـلام علـى معنى إعمال الشهـادة في أن الأولى، وأن الثانية مبتدأة فـزعم أنـه أراد
بقراءته إياهما بالفتح جمع قراءة ابن عباس وابن مسعود، فخالف بقراءته ما قرأ من ذلك على ما وصفت جميع قراء أهل الإسلام المتقدمين منهم والمتأخرين، بدعوى تأويل على ابن عباس وابن مسعود زعم أنهما قالاه وقرآ به(657).
ثم أنكر إسناد القراءة إلى ابن عباس وابن مسعود فقال: وغير معلوم ما ادعى عليهما برواية صحيحة ولا سقيمة، وكفى شاهداً على خطأ قراءته خروجهما من قراءة أهل الإسلام(658).
ثم جزم بوجوب القراءة بالكسر فقال: والصواب إذا كان الأمر على ما وصفنا من قراءة ذلك فتح الألف من (أنه) الأولى، وكسر الإلف من (إن) الثانية(659).
وإنما بسطنا القول عن شيخ المفسرين الإمام الطبري ليـتـبـيـن حرصهم واشتغـالـهم بتحقيق القراءة الصحيحة، ولو في الجزئيات التي لاينبني عليها خلاف ذو معنى.
وقد سبق القول أن إنكار الإمام الطبري لقراءة متواترة إنما منشؤه عدم ثبوت تواتر إسنادها عنده كما صرح، فقد كان غالب نهج الطبري إذا أشار إلى ورود قراءتين ثبت لديه تواترها أن يقول: والقول عندي أن كلا القراءتين متواتر، والحكم بهما جميعاً(660).
ولو أن ابن مجاهد سبق الطبري(661) وقدم ما اجتمع لديه من أسانيد قراءة الكسائي لجزم الطبري بالمتواتر والتمس لوجوه التأويل كما صنع في مثيلات هذا المقام(662)
وثمرة الخلاف: تتجلى في أن الوحي قد ورد من المولى سبحانه بأكثر من صيغة توكيد على أن الدين عند الله هو الإسلام.
فقد جاءت قراءة الجمهور تفيد هذه الحقيقة بطريق ورود التوكيد بالحرف (إن) على أنه استئناف كلام.
وجاءت قراءة الكسائي تضيف إلى هذه الحقيقة شهادة الله سبحانه والملائكة وأولي العلم.
فليس ثمة تعارض بين القراءتين، ولكن الوجوه تتكامل في الدلالة على المعنى بوسائل التوكيد المتعددة.
————
(654) آل عمران
(655) سراج القاري لابن القاصح ص 176
وعبارة الشاطبي:….كسره صح إن الدين بالفتح رفلا
ولم يشر ابن الجزري إلى متابع للكسائي من العشرة.
(656) جامع البيان للطبري جـ3 ص 139
(657) جامع البيان للطبري جـ3 ص 140
(658) المصدر نفسه والصفحة نفسها
(659) المصدر نفسه والصفحة نفسها
(660) انظر مثلاً ما ذهب إليه من قبول قراءة: ولولا دفع الله الناس، ولولا دفاع الله الناس، إذ قال: والقول عندي أنهما قراءتان متواترتان قرأت بهما القراء، وجاءت بهما جماعة الأمة، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر. جامع البيان للطبري جـ2 ص 404.
(661) توفي الطبري بعام 310 هـ، بينما توفي ابن مجاهد عام 324 هـ
(662) انظر صنيع الطبري في نظائر ذلك مما اختلف فيه القراء، وقد أحلنا عليه مراراً في نظائر ذلك
المسألة السادسة
قوله تعالى: {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم}(663).
قرأ سائر القراء: {وكلمةُ الله هي العليا} على الاستئناف.
وانفرد يعقوب بالقراءة بالفتح: {وكلمةَ الله هي العليا} على العطف(664).
وضم القرطبي إلى يعقوب الأعمش في اختيار قراءة النصب، ولكنه نقل عن الفراء استنكاره لذلك من جهة اللغة(665)، إذ لا تقول العرب: أعتق زيد غلام أبي زيد، بل تقول: أعتق زيد غلام أبيه، وتمام الفصاحة أن يقال: وكلمته هي العليا.
ولكن التصريح في هذا المقام باسم الله أبلغ، وهو عادة القرآن العظيم فيما له مقام تشريف، أو موجب تنبيه كما في قوله سبحانه: {إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها}(666)، فكرر ذكر الفاعل مع أن في الضمير غنية، وكذلك قوله: {حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها}(667)، فكرر ذكر الأهل مع أن في إيراد الضمير غنية. ومثل ذلك ما أنشد لسيبويه:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء نغَّصَ الموت ذا الغنى والفقيرا(668)
وهذا الاحتجاج ورده من باب تحصيل الحاصل محمول على عدم ثبوت تواتر القراءة عند المنكرين، وإلا فإنه بعد ثبوت تواتر القراءة ليس للكلِّ إلا التسليم بجواز القراءة بها وضبط قواعد العربية عليها وليس العكس.
وثمرة الخلاف: فيما أفادته الآية من معان، فقد فهمنا من قراءة النصب أن الله جعل كلمته علية ظاهرة، ثم عاد فقرر أن علو كلمته سبحانه قديم لم يطرأ بعد أن لم يكن، فالمسألة مسألة إبداء وليست مسألة ابتداء، فكلمة الله عالية أصلاً، ولكن ظن بعض الناس خلاف ذلك فأظهر المولى سبحانه إرادته حين قدر نصرة النبي – صلى الله عليه وسلم – على المشركين يوم الغار.
هذا ما يمكن به التأليف بين القراءتين، ولكن ثمة معنى آخر في قراءة يعقوب المتواترة في غاية الأهمية لم أجد من نبه إليه وهو أن الإخبار من المولى سبحانه بجعل الشيء لا يعني حدوثه، وهي المسألة التي طارت بها المعتزلة قديماً في الاحتجاج لقولهم إن القرآن مخلوق، حيث قالوا: كل مجعول فهو مخلوق، ووجهوا ذلك إلى قول الله عز وجل: {إنا جعلناه قرآنــا عربياً لعلكم تعقلون}(669)
وقوله: {ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا}(670)، فأوهموا باستدلالهم حدوث القرآن، على أساس أنه مجعول.
فماذا ستقول المعتزلة لهذه القراءة المتواترة، أن الله جعل كلمته هي العليا يوم الهجرة؟، فهل كانت غير ذلك من قبل؟ وهل طرأ عليها العلوَّ طروَّاً بعد أن لم يكن؟….
————
(663) سورة التوبة 40
(664) تقريب النشر لابن الجزري ص 120
وعبارة الطيبة:………………ظبي كلمة انصب ثانياً
ولم يأت الشاطبي على ذكر هذه القراءة لأنه اقتصر على السبع
(665) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ8 ص 149
(666) سورة الزلزلة 1 – 3
(667) سورة الكهف
(668) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ8 ص 149
(669) سورة الزخرف 3، وانظر ما حرره القاضي عبد الجبار بن أحمد المعتزلي في كتابه طبقات المعتزلة، ص 157 بتحقيق السيد فؤاد سيد، طـ الدار التونسية للنشر.
(670) سورة الشورى 52
المسألة السابعة
قوله تعالى: {فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين} يوسف (64)
قرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف: {فالله خير حافظاً} بالألف.
وحجتهم قوله عزَّ وجل حكاية عن إخوة يوسف: {وإنا له لحافظون} فقال يعقوب حين قالوا {وإنا له لحافظون}: {فالله خير حافظاً}، وأخرى وهي أن في حرف عبد الله [ابن مسعود]: {فالله خيرٌ الحافظين} جمع حافظ.
وقرأ الباقون: {فالله خير حِفظاً}
وحجتهم: قوله {ونحفظ أخانا}، فلما أضافوا إلى أنفسهم قال يعقوب: {فالله خيرٌ حفظاً} من حفظكم الذي نسبتموه إلى أنفسكم.
قال الفراء: (حفظاً) تجعل ما بعد (خير) مصدراً وتنصب على التفسير، وتضمر بعد (خير) اسم المخاطبين. فكأن تقديره: (فالله خيركم حفظاً).وجرى مجرى قولك: (فلان أحسن وجهاً) تريد: (أحسن الناس وجهاً) ثم تحذف القوم، فكذلك (خيركم حفظاً) ثم تحذف الكاف والميم.قال الزجاج (حفظاً) منصوب على التمييز، و (حافظاً) منصوب على الحال ويجوز أن يكون (حافظاً) على التمييز أيضا(671).
وثمرة الخلاف: أن قراءة حمزة والكسائي أفادتنا حكماً ضرورياً وهو أن من أسماء الله الحسنى: الحافظ، ومثل هذا الاسم لا يكون إلا عن توقيف، قال اللَّقاني:
واختير أن اسـمـاه توقيفيـة كذا الصفات فاحفظ السمعية(672)
وقد ورد التصريح في الكتاب العزيز باسمه تعالى الحفيظ في مواضع كثيرة:
{وربك على شيء حفيظ}(673)
{إن ربي على كل شيء حفيظ}(674)
كما ورد اسمه سبحانه (الحافظ) بصيغة الجمع مرة واحدة في سورة الأنبياء في قوله سبحانه:
{ويعملون له عملاً دون ذلك وكنا لهم حافظين}(675)
وحيث تواترت القراءة فقد وجب المصير إليها، ولا خلاف بين الأمة أن الحافظ اسم من أسماء الله الحسنى، تباركت أسماؤه وجلت صفاته، وإن هذه القراءة إن لم تستقل بجواز إطلاق هذه التسمية فقد وكَّدت ذلك.
ولا نزاع فيما دلت عليه قراءة الجمهور من أن المولى سبحانه خير حفظا، فهو مما أجمع عليه الموحدون.
————
(671) حجة القراءات ص 362
وانظر سراج القاري ص 258
وعبارة الشاطبي:…. يشاء نو ن دار وحفظاً حافظاً شاع عُقَّلاً
وانظر تقريب النشر ص 127، حيث جزم بضم خلف إليهم.
(672) انظر جوهرة التوحيد للشيخ إبراهيم اللقاني، وشروحها كثيرة، ورقم البيت 39
(673) سورة سبأ 21
(674) سورة هود 57
(675) سورة الأنبياء 82
المسألة الثامنة
قوله تعالى: {ما لهم من دونه من ولي ولا يشركُ في حكمه أحداً} الكهف(26)
قرأ ابن عامر: {ولا تُشركْ في حكمه أحداً} بالتاء والجزم على النهي.
أي: لا تنسبن أحداً إلى علم الغيب.فالخطاب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – والمراد غيره.
ويقوي التاء ما بعده وهو قوله: {واتل ما أوحي}.
قـال الفـراء: (وهـو وجـه غيـر مـدفـوع) كمـا قـال: {ولا تـدع مـع الله إلـهـاً آخر}(676)
وقرأ الباقون: {ولا يشرك} بالياء وضم الكاف على الخبر.
المعنى: ولا يشرك الله في حكمه أحداً.
قال الزجاج: قد جرى ذكر علمه وقدرته، فأعلم جل وعز أنه لا يشرك في حكمه مما يخبر به من الغيب أحداً، كما قال جل وعز: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً}.
وكان السدي يقول: {ولا يشرك في حكمه أحداً} أي لا يشاور في أمره وقضائه أحداً(677).
وثمرة الخلاف: أن قراءة ابن عامر على سبيل الأمر، وقراءة الجمهور على سبيل الخبر، فكأنه سبحانه أخبر أن ماله من شريك، ثم نهى النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمين من بعده أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً.
وكلا المعنيين له نظائر كثيرة في القرآن الكريم، ولكن لا سبيل لدرك المعنيين في هذا المقام إلا من خلال القراءتين المتواترتين.
————
(676) سورة القصص 88
(677) حجة القراءات ص 414
وانظر سراج القاري ص 278
وعبارة الشاطبي:
…… وتشرك خطاب وهو بالجزم كملا
ولم يأت ابن الجزري على ذكر لخلاف الثلاثة في هذا الوجه، فتعين أنهم وافقوا الجمهور.
المسألة التاسعة:
قوله تعالى: {ما أشهدتم خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم وما كنت متخذا المضلين عضداً}(678)
قرأ سائر العشرة إلا أبا جعفر: {وما كنتُ متخذَ المضلين عضداً}
وقرأ أبو جعفر: {وما كنتَ متخذَ المضلين عضداً}(679)
وظاهر أن الضمير بالضم للمتكلم يعود إلى المولى سبحانه وتعالى إذ لم يتخذ سبحانه عضداً من المضلين، وفي قراءة أبي جعفر فإن الضمير بالفتح للمخاطب وهو النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وقد أورد الألوسي في روح المعاني أن الحسن وشيبة قرآ بمثل ما قرأ يعقوب(680)، والمعنى أنه لا يصح لك الاعتضاد بهم إذ مرادهم تنفير الناس من الدخول في الإسلام، وأشار إلى أن ذلك نزل حين طلب المشركون من النبي – صلى الله عليه وسلم – أن يخصهم بمجلسه ويطرد عنهم فقراء المسلمين(681).
وثمرة الخلاف في هذا الباب جليلة وعظيمة، فقد دلت قراءة الجمهور أن الله لا يتخذ عضداً من المضلين، وهذا متفق عليه بين سائر أهل الملة، ولكن أضافت
قراءة أبي جعفر معنى آخر جليلاً، وهو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يتخذ عضداً من المضلين، وهو أمر تكويني وتكليفي، ولا يجوز أن يقال بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – اتخذ أحداً من المضلين عضداً له وعونا، بعد أن دلت لهذا القراءة المتواترة، وقد بينت لك جزم ابن الجزري بتواترها(682).
ومن هذه المقدمة يظهر لنا أن السؤال الذي يوجه هنا لعامة الشيعة كيف يمكن أن يكون رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد عهد إلى أبي بكر وعمر وعثمان بجليل الأعمال، وأخطر المسؤوليات مما لا ينكره القوم ثم هم بعد ذلك من المضلين!؟.
أليس ذلك طعنا في أمانة النبي – صلى الله عليه وسلم -، واتهاما له بالإعراض عن أمر ربه بعد أن نهاه عن اتخاذ المضلين عضداً وعوناً!؟ وهكذا فإن اتهام كبار الصحابة بالفسق والخيانة ما هو في الحقيقة إلا اتهام مبطن لمقام النبي – صلى الله عليه وسلم – الذي نهاه الله عز وجل أن يتخذ أعواناً من المضلين.
ومع أني لم أعثر على استدلال بهذه القراءة لأحد من المفسرين ولكن القراءة كما ترى من أظهر الأدلة على عدالة الصحابة واستقامتهم وتزكيتهم، إذ لا ينازع الشيعة في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أصهر إلى الشيخين، ودفع بنتيه إلى عثمان، وعهد إلى الصديق بمعاضدته في الهجرة، واستشار عمر في أمر الأسرى وأمور أخرى، وعهد إلى عثمان بمفاوضة قريش يوم الحديبية، فكيف يسند إليهم هذه الأعمال الجليلة، وهي من أبرز أشكال المعاضدة والمناصرة، ثم يقولون بعد ذلك إن هؤلاء الصحابة كانوا من المضلين؟
وأين يمضون بمذهبهم في وجه هذه الآية المتواترة: {وما كنتَ متخذَ المضلين عضداً}، والحق أن عدالة الصحابة من المسائل التي تضافرت عليها الأدلة من القرآن
والسنة الصحيحة، وحظيت بإجماع السلف من أهل السنة والجماعة، وقد لخص الإمام أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي مذهب الأمة الإسلامية في عدالة الصحابة ومبررات هذا المذهب بقوله:
(إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاعلم أنه زنديق، لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة(683)).
————
(678) سورة الكهف 51
(679) تقريب النشر لابن الجزري ص 137.
وعبارة طيبة النشر:………. أشهدت أشهدنا، وكنت التاء ضم
سواه….
ولم يأت الشاطبي على ذكر هذه القراءة لأنه اقتصر على السبع
(680) روح المعاني للآلوسي جـ15 ص 296
(681) المصدر نفسه
(682) انظر هامش الصفحة السابقة
(683) العواصم من القواصم لابن العربي المالكي ط المكتبة العلمية بلبنان ص 34.
ويجب التنويه هنا بأن ما ذهب إليه أبي زرعة من الجزم بزندقة من يطعن في الصحابة الكرام ليس محل اتفاق بإطلاق، وإلا للزم من ذلك زندقة الصحابة أنفسهم إذ أنه استفاض طعن علي في معاوية، وطلحة والزبير، وطعن سعد بن عبادة في خيرة المهاجرين، ومثل ذلك في كتب السير كثير، وليس هذا محل إحصائه.
وإنما مراد أبي زرعة رحمه الله تجريح من طَعَنَ في صدقهم في الرواية عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم -، فذلك لم ينقل عن أحد من السلف الصالح، وعلى الرغم مما وقع بين الصحابة من حروب غير أنه لم ينقل عن أحد منهم اتهامَ آخر في كذب بالرواية عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
المسألة العاشرة
قوله تعالى: {هنالك الولاية لله الحق} الكهف ـ44 –
قرأ حمزة والكسائي: {هنالك الوِلاية} بكسر الواو، أي السلطان والقدرة لله
وقرأ الباقون: {هنالك الوَلاية} بالفتح أي النصرة لله.
قال الفراء: من فتح الواو يقول: النصرة. يقال: (هم أهل ولاية عليك)
أي: متناصرون عليك. وكان تأويل الكلام: هنالك النصرة لله عز وجل ينصر أولياءه ويعزهم ويكرمهم. وهما مصدران، فالكسر مصدر الوالي.تقول: وليت الشيء ولاية، وهو بين الولاية، والمفتوح مصدر (للولي) تقول: هذا ولي بين الولاية(684).
وثمرة الخلاف: أن الآية تتضمن اثنين من الأسماء الحسنى لله عز وجل، وهما الولي والوالي، وقد وردت نظائر ذلك في القرآن الكريم:
{مالهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا}(685)
{ما لهم من دونه من وال}(686)
————
(684) حجة القراءات ص 418
ولم يأت ابن القاصح في السراج على ذلك رغم اشتهاره عن القراء مكتفياً بإحالة سابقة، وقد أورد الصفاقسي في غيث النفع في القراءات السبع ذلك بقوله: (الولاية) قرأ الأخوان بكسر الواو والباقون بالفتح.
انظر غيث النفع في القراءات السبع ط البابي الحلبي على هامش السراج ص 279 وكذلك فإنه لم يرد ذكر ذلك في الشاطبية لابن فيرّه الشاطبي، ولا في طيبة النشر لابن الجزري ولم يوردها كذلك القاضي في الوافي في شرح الشاطبية فاقتصرنا على إيرادها من حجة القراءات وغيث النفع.
(685) سورة الكهف 26
(686) سورة الرعد 11
المسألة الحادية عشرة:
قوله تعالى: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاماً زكياً}(687)
قرأ قالون بخلف عنه وورش وأبو عمرو ويعقوب: {ليهب لك غلاماً زكياً} بالياء وقرأ الباقون {لأهب لك غلاماً زكياً} بالهمزة(688)
وقد أخبر الآلوسي أن الزهري وابن مناذر واليزيدي والحسن وشيبة قرؤوها بالياء أيضا(689).
والحاصل أنهما قراءتان متواترتان، جاءت الأولى بالتصريح بالواهب سبحانه بصيغة الغيبة، كما جاءت الثانية بصيغة المتكلم وهو هنا الملك، على أساس أنه يمتثل أمر ربه، بل وردت في بعض مصاحف السلف تفسيراً: أمرني أن أهب لك غلاماً(690).
ولا شك أن تواتر القراءة بالياء يستلزم أن تكون قد رسمت في بعض المصاحف العثمانية كذلك، ولكنني لم أجد أحداً أشار إلى هذا المعنى، وقد سبق أن فصلت القول في ذلك في باب مصاحف الأمصار الخاصة فراجعه(691).
ولا مندوحة من ثبوت القراءة المتواترة بالوجهين، وما نقل عن بعضهم من أن الأصل (لأهب) ولكن أبدلت الهمزة ياء تعسف لا مبرر له إذ ليست كذلك مذاهب الأربعة(692) في الهمزات(693).
وثمرة الخلاف أن القراءة الأولى صرحت بأن الواهب هو الله سبحانه وتعالى، وهذا محل اتفاق بين أهل التوحيد، لكن جاءت القراءة الثانية بالإذن بنسبة الأفعال إلى غير الله سبحانه وتعالى مجازاً، وإن تكن سائر الأفعال إنما تعود في الحقيقة لله عز وجل دون سواه.
والحق أن هذا المعنى ليس مما انفردت به هذه الآية بل له نظائر كثيرة في القرآن منها قوله سبحانه: {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم}(694)، وقوله: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}(695)، مع أن الهداية والإضلال على سبيل الحقيقة بيد الله وحده، ولكن تبارك الذي لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون.
————
(687) سورة مريم 19
(688) تقريب النشر لابن الجزري ص 139
وعبارة طيبة النشر: همز أهب باليا به خلف جلا حما……………..
ولم يأت الشاطبي على ذكر هذه القراءة لاقتصاره على السبع
(689) الألوسي روح المعاني جـ16 ص 77
(690) الكشاف للزمخشري جـ2 ص 505 وبحر العلوم للسمرقندي جـ6 ص 180
وانظر الآلوسي جـ16 ص 77
(691) انظر فصل اختلاف مصاحف الأمصار ص 263 من هذا الكتاب
(692) أي الأربعة الذين قرؤوا بالياء وهم قالون وورش وأبو عمرو ويعقوب
(693) انظر مذاهب القراء في إبدال الهمزات ص 141 من هذا الكتاب وما بعدها.
(694) سورة محمد 7
(695) سورة الصف 5
المسألة الثانية عشرة:
قوله تعالى: {إن الله يدافع عن الذين آمنوا} – 38 – الحج، قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {إن الله يدفع عن الذين آمنوا}بغير ألف.من (دفع يدفع دفعاً). وحجتهما: أن الله عز وجل لا يدافعه شيء، وهو يدفع عن الناس، فالفعل وحده لا لغيره.
وقرأ الباقون: {إن الله يدافع} بالألف. وحجتهم أن (يدافع) عن مرات متواليات، لأن قول القائل (دافعت عن زيد) يجوز أن يراد به: دفعت عنه مرة بعد مرة، وليس ينحى به نحو (قاتلت زيدا)، بل ينحى به نحو قوله: {قاتلهم الله} والفعل له لا لغيره، ونحو هذا: (طارقت النعل وسافرت)(296).
وثمرة الخلاف أنه يجوز وصف الله عز وجل بأنه يدافع عن المؤمنين استنادا إلى قراءة الجمهور، دون أن يستلزم ذلك إثبات الفعل لغيره سبحانه وتعالى، إذ هو وحده له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
قال الشوكاني في فتح القدير: قوله تعالى: {يدافع} صيغة المفاعلة هنا مجردة عن معناها الأصلي، وهو وقوع الفعل من الجانبين كما تدل عليه القراءة الأخرى (قراءة الكوفيين والشامي والمدني)، وقد ترد هذه الصيغة ولا يراد بها معناها الأصلي كثيراً مثل: عاقبت اللص ونحو ذلك(697).
————
(696) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة طـ مؤسسة الرسالة ص 478
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري طـ البابي الحلبي ص 297
وعبارة الشاطبي: ويدفع حق بين فتحيه ساكن يدافع والمضموم في أذِنَ اعتلا
(697) فتح القدير للشوكاني ص 456
المسألة الثالثة عشرة:
قوله تعالى: {ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا}(698)
قرأ رويس: {ليُعلمَ أن قد أبلغوا رسالات ربهم}
وقرأ سائر الباقين: {ليَعلَم أن قد أبلغوا رسالات ربهم}(699).
فالفعل عند رويس مبني للمجهول، وقد قرأ بذلك من السلف الزهري وابن أبي عبلة(700)، والمراد أن الله سبحانه يسلك الرسل مسلكهم ليعلم من أراد الله له أن يعلم أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم فلم يكتموها.
وأما قراءة الباقين فهي على المبني للمعلوم، وهو أقرب مذكورـ أي الرسول ـ فيعلم أن الرسل من قبله قد أدوا الرسالة كما أراد الله عز وجل، وأن جبريل قد أبلغه رسالة ربه، وأن الله يحفظ الوحي ليؤديه الأنبياء.
ولم أجد لدى المفسرين من رفع الضمير هنا إلى الله سبحانه إلا عزواً عزاه القرطبي إلى الزجاج(701) قال: أي ليعلم الله أن رسله قد أبلغوا رسالاته، كقوله تعالى: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}، والمعنى هنا: ليعلم الله ذلك
علم مشاهدة كما علمه غيبا.ويمكن أن يقال: إن الله سبحانه يكشف بعض الغيب لرسله ليعلم صدقهم، وليعلم الله امتثالهم.
وثمرة الخلاف تظهر هنا في التأليف بين وجه الجمهور على ما تأوله الزجاج ووجه رويس.
فقد فهم من وجه الجمهور على ما تأوله الزجاج جواز تعلق بعض علم الله سبحانه بحصول الأفعال، فيكون علمه سبحانه من قبل وقوع الحدث علم غيب، ومن بعده علم مشاهدة، ولهذا الوجه أدلة من التنزيل قدم الزجاج منها قوله سبحانه: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}(702).
ويفهم من وجه البناء للمجهول وهو ما اختاره رويس أن المراد أن يُعلِم الله من أراد بأن الرسل بلغوا الرسالات وأن الله حفظ الوحي فلم يضع منه شيء والله أعلم.
————
(698) سورة الجن 28
(699) تقريب النشر لابن الجزري ص 184
وعبارة طيبة النشر:………………………………ليعلم اضمما
غناً……………………………
(700) روح المعاني للآلوسي جـ29 ص 100
(701) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ19 ص 30، وانظر التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي جـ29 ص 186
(702) سورة آل عمران 143
المطلب الثاني: النبوات
المسألة الأولى:
قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها}(703)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو: {أو نَنْسَأْها}(704)
وقرأ الباقون: {أو ننسِها}
وتأول ابن كثير وأبو عمرو الآية على أنها من التأخير، بحسب قراءتهما، ونقل أبو زرعة عنهما تأويلهما الآية بعبارة: ما ننسخ من آية فنبدل حكمها أو نؤخر تبديل حكمها فلا نبطله نأت بخير منها، ويكون المعنى ما نرفع من آية أو نؤخرها فلا نرفعها(705)، ومنه قولهم: نسأت الإبل عن الحوض إذا أخرتها، ومنه قولهم: أنسأ الله أجلك(706). ومنه الحديث: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه)(707).
وأما المعنى على قراءة الجمهور فإنه من النسيان، وهو أن الله عز وجل إذا شاء أنسى النبي – صلى الله عليه وسلم – شيئاً من القرآن، وهو ما يدل عليه صريح قول الله عز وجل: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله}(708).
واختار هذا الرأي أيضاً أبو عبيد القاسم بن سلام ولكنه أطلق ولم يخص به النبي – صلى الله عليه وسلم – وحده فقال: (إن الله إذا شاء أنسى من القرآن من يشاء أن ينسيه)(709)، وهو كما ترى غير مخصوص بما ضبطه به ابن قتيبية بأنه أراد: {أو ننسكها} من النسيان(710).
وقد اختار الجصاص في تفسير أحكام القرآن أن قراءة ننسأها إنما هي بأن يؤخرها فلا ينزلها سبحانه، وينزل بدلا منها ما يقوم مقامها في المصلحة، أو يكون أصلح للعباد منها، ويحتمل أن يؤخر إنزالها إلى وقت يأتي، فيأتي بدلاً منها لو أنزلها في الوقت المتقدم فيقوم مقامها في المصلحة(711).
فيكون اختيار الرازي الجصاص هنا أن الآية دلالة على إنساء التنزيل، بينما اختار أبو زرعة أنها دلالة على إنساء النسخ. ويتحصل هنا ثلاثة أقوال:
1 – ننسها: من النسيان
2 – ننسأها: من الإنساء وهو التأخير بمعنى تأخير النسخ.
3 – ننسأها: من الإنساء أيضا بمعنى تأخير التنزيل.
وكما ترى فإن الخلاف في تأويل الإنساء في قراءة ابن كثير وأبي عمرو أنتج قولا ثالثاً، والأقوال الثلاثة متكاملة ينهض بعضها ببعض، ولا يتعذر على اللبيب الإفادة من الأوجه الثلاثة مجتمعة لتكامل مقاصدها.
وثمرة الخلاف أن التنزيل العزيز يطرأ عليه إنساء ونسيان، فقد يؤخر الله نسخ حكم فيبقى متلواً معمولاً به، وهو النسيء أي التأجيل، حتى يأتي ما ينسخه، وقد ينساه النبي – صلى الله عليه وسلم – بإذن الله وأمره، قال سبحانه: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله}(712) فيرفع من التنزيل، ثم يكون من الله سبحانه ما ينسخه من وحي يتنزل.
وهكذا فإن ورود قراءتين اثنتين أفاد معنيين اثنيين لم يكن لك أن تدركهما بقراءة واحدة، وكل واحدة من القراءتين تضيف صفة جديدة للتنزيل الإلهي على الأنبياء الكرام.
وقد اجتمع المعنيان جميعاً في حديث واحد وهو ما أخرجه ابن جرير الطبري عن قتادة، وعزاه السيوطي إلى أبي داود في ناسخه عن ابن عباس قال: (كانت الآية تنسخ الآية، وكان نبي الله يقرأ الآية والسورة وما شاء الله من السورة ثم ترفع فينسها الله نبيه، فقال الله يقص على نبيه: {ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها} يقول: فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهي)(713)
وللعلامة الآلوسي اختيار ينتهي به إلى اتحاد القراءتين في المعنى، يقول: (وقرىء: ننسأها، وأصله من نسأ بمعنى آخر، والمعنى نؤخرها في اللوح المحفوظ فلا
ننزلها، أو نبعدها من الذهن بحيث لا يتذكر معناها ولا لفظها، وهو معنى ننسها، فتتحد القراءتان)(714).
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن النسخ جائز عقلا، وواقع سمعا، وقد أنكرته على النبي – صلى الله عليه وسلم – طائفة من اليهود، فنزلت آية النسخ في الرد عليهم(715).
وقد اتفق السلف على وقوعه لم ينكر ذلك أحد، لكن نقل عن أبي مسلم الأصفهاني(716) إنكاره لوقوع النسخ في القرآن واحتج لذلك بأدلة ثلاثة:
الأول: إن الله عز وجل قال: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}(717) قال فلو جاز النسخ لجاز أن يأتيه الباطل.
الثاني: إن النسخ الذي تشير إليه الآية هو نسخ الإسلام للشرائع السابقة، لا نسخ القرآن بعضه لبعض.
الثالث: أن الآية لا تزيد في دلالتها على أن النسخ لو ووقع لأدى إلى خير منه، ولكنه لم يقع(718).
والحق أن اعتراض أبي مسلم، ومثله بعض المعاصرين اليوم منشؤه عدم فهم النسخ على وجه الحقيقة.
فالنسخ في الواقع ليس تغيراً في حال الخالق بل هو تغير في حال المخلوق، فهي أمور يبديها لا أمور يبتديها، أمور يظهرها لا أمور تظهر له، سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.
والنسخ لا يتعلق بالعقائد والأخبار وإنما يتعلق بالإنشاء(719)، وهذا الباب متصل بأحوال الخلق، إذ يصلحهم ويصلح لهم في حال ما لا يصلحهم ولا يصلح لهم في حال آخر.
ألا ترى أن الطبيب يأمرك بالحمية اليوم وينهاك عنها غداً، ويصف لك الدواء اليوم ويأمرك باجتنابه غداً، والطبيب هو الطبيب، لم يتغير في حاله وفي علمه شيء، وإنما تغير المريض.
وأظهر الدلالة على وقوع النسخ هذه الآية الصريحة التي لا يقرؤها أحد بحيدة إلا يفهم منها ما فهمته الأمة، وكذلك قول الله عز وجل: {وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر}(720).
وأما وقوعه بالفعل فهو أكثر من أن يستدل له بمثال، ومع ذلك نعد من الأمثلة قول الله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاَّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}(721)
فهذا دليل ظاهر أنهم أمروا باستقبال قبلة، ثم نسخ هذا الأمر وأمروا باستقبال سواها.
وقوله تعالى: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين}(722)
وهو دليل ظاهر أنهم أمروا بأكثر من ذلك ثم خفف الله عنهم بنسخ الأمر السابق.
قال الإمام المفسر القرطبي: (وقد أنكرت طوائف من المنتمين للإسلام من المتأخرين جواز النسخ، وهم محجوجون بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة).
وقال: (معرفة هذا الباب أكيدة، وفائدته عظيمة، لا تستغني عن معرفته العلماء، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء)(723).
ثم إن النسخ صورة واضحة لمرونة هذا الدين ومسايرته لشتى أحوال الناس في انتقالهم وترقيهم، وهو بحق مفخرة من مفاخر التشريع الإسلامي ودليل أكيد على صلاحيته لكل زمان ومكان.
ولدى ثبوت تواتر القراءتين فإنه يلزم الاعتقاد أن القرآن العظيم يطرأ عليه نسيان وإنساء ـ تأخير ـ، وذلك كله بأمر الله وحكمته.
ويلزم الاعتقاد أن الناسخ والمنسوخ جميعاً قديم في علم الله عز وجل، وإنما هي مسائل أظهرها المولى سبحانه في آجالها، ولا يقال إنها بدت له بعد أن لم تكن بادية، بل هي في علمه سبحانه قديمة، وفي اطلاع الناس عليها طارئة عليهم.
ويلزم الاعتقاد كذلك أن ما يطرأ من النسيان على النبي – صلى الله عليه وسلم – من هذا الباب ليس مرده إلى خلل في التبليغ، بل هو محض إرادة إلهية قديمة، قضاها الله سبحانه ووقتها في آجالها.
————
(703) سورة البقرة 106
(704) سراج القاري لابن القاصح ص 155
وعبارة الشاطبي: وننسخ به ضم مكسرٌ كفى ونذ سها مثله من غير همز ذكت إلى
ولم يورد ابن الجزري في الدرة وجهاً للثلاثة فدل على أنهم قرؤوا قراءة الجمهور
(705) حجة القراءات لأبي زرعة ص 109
(706) انظر لسان العرب لابن منظور مادة نسى
(707) الحديث صحيح أخرجه البخاري في كتاب الأدب، ومسلم في كتاب البر برقم 2555 باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها.
(708) سورة الأعلى 6
(709) حجة القراءات لأبي زرعة ص 109
(710) انظر القرطبي جـ2 ص 61
(711) تفسيـر (أحكــام القــرآن) للــرازي الـجصـاص الـحنـفـي الـمتـوفى سنة 320 هـ، ط دار الكتاب العربي بيروت جــ1 ص 59
(712) سورة الأعلى 6
(713) انظر جامع البيان للطبري جـ1 ص 381
والدر المنثور للسيوطي جـ1 ص 105
(714) تفسير روح البيان للآلوسي جـ1 ص 352
(715) انظر أسباب النزول للواحدي النيسابوري ص 84
(716) أبو مسلم الأصفهاني هو محمد بن بحر الأصفهاني كاتب، متكلم، مفسر، محدث، نحوي، شاعر، من آثاره: جامع التأويل لمحكم التنزيل في التفسير على مذهب المعتزلة في 14 مجلداً، الناسخ والمنسوخ، وكتاب في النحو. معجم المؤلفين 9/97
(717) سورة فصلت 42
(718) العمدة في بسط آراء أبي مسلم والإجابة عليها من اختيار الرازي الجصاص في تفسيره، انظر جـ1 ص 68
(719) قاعدة مقررة في أصول الفقه. انظر أصول الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي جـ2 ص 954
(720) سورة النحل 101
(721) سورة البقرة 142
(722) سورة الأنفال 65
(723) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ3 ص 230
المسألة الثانية:
قوله تعالى: {ولا تسئل عن أصحاب الجحيم}(724)
قرأ نافع ويعقوب: {ولا تَسئَلْ عن أصحاب الجحيم}(725)
وقرأ الباقون: {ولا تُسئَلُ عن أصحاب الجحيم}
فهي في القراءة الأولى ناهية جازمة وفي الثانية ناهية، وقد احتج أبو زرعة للفريقين، فقال: حجة ابن نافع ما روي في التفسير أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ليت شعري، ما فعل أبواي؟ فنزلت: {ولاتسأل عن أصحاب الجحيم}، فنهاه الله عن المسألة(726).
وهذا الحديث الذي احتج به أبو زرعة رحمه الله لا تقوم به حجة، ولم أعثر على وجه يقويه، وقد قال الحافظ السيوطي عند إيراده لهذا الحديث في الدر: قلت هذا مرسل ضعيف الإسناد، ثم نقل أن عبد بن حميد وابن جرير والمنذر أوردوه عن محمد بن كعب القرظي.
ثم أورد السيوطي رواية أخرى أخرجها ابن جرير عن داود بن عاصم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال ذات يوم: أين أبواي؟.. فنزلت. ثم قال السيوطي: والآخر ـ أي الحديث الآخر ـ معضل الإسناد ضعيف لا تقوم به ولا بالذي قبله حجة(727).
ولكن إسقاط هذه الحجة لا ينفي أن قراءة نافع هذه متواترة، ولكن ينبغي التماس سبب آخر لورودها لإقامته مقام الاحتجاج.
وأما جمهور القراء فقد قرؤوها بـ(لا) نافية، وثمة قراءة أخرى لابن مسعود غير متواترة، تظاهر هذا المعنى وهي: {ولن تُسألَ عن أصحاب الجحيم}(728).
وحاصل توجيه قراءة الجمهور أنها على الاستئناف كأنه قال: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم، أي بعد بلاغهم ما أوحي إليك، أو على الحال كأنه قال: وأرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم.(729)
وثمرة الخلاف أن إحدى القراءتين أفادت نهياً عن السؤال عن المشركين، ومقتضى النهي هنا ترك التأسف عليهم بعد أن حققت عليهم كلمة الله، وذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان كثير التأسف على إعراض المشركين حتى قال له الله عز وجل: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}(730)
وأفادت القراءة الثانية معنى آخر وهو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يسأل عن أصحاب الجحيم يوم القيامة، ولا يحاسب عنهم، بعد أن بلغهم رسالة الله، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن الناس مجزيون بما قدموا، وما على الرسول إلا البلاغ المبين.
وكما ترى فليس بين القراءات تنافر وتضاد، بل كل قراءة أفادت معنى جديدا، وتعدد القراءات ينزل منزلة تعدد الآيات.
وإذا كانت هذه الآية لم يثبت لها سبب نزول تنهض به حجة(731) يتصل بوالدي النبي – صلى الله عليه وسلم – فإنه ينبغي التأكيد على صرفها عن ذلك، تأدباً مع النبي – صلى الله عليه وسلم – واستدلالاً بقول الله سبحانه: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا} ولا خلاف أن من لم يدرك بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – فهو من أهل الفترة، قال تعالى: {يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل}(732)
وقال: {لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون}(733).
وأهل الفترة ناجون على الأصح، استدلالاً بقول الله سبحانه: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}(734)، وهو مذهب الأشاعرة خلافاً لما ذهبت إليه الماتريدية من وجوب معرفة الله بالعقل، وما قالته المعتزلة من أن الأحكام كلها تثبت
بالعقـل(735)، وإن كنـا نعتـذر للمـاتريـديـة بـأن مـؤدى قـولـهم، أنه لو لـم يـرد بـه الشرع لأدركه العقل استقلالاً لوضوحه، وليس كما قالت المعتزلة مستندة إلى التحسين العقلي.
قال الباجوري: والمذهب الحق أن أهل الفترة وهم من كان في أزمنة الرسل أو في زمن الرسول الذي لم يرسل إليهم ناجون، وإن بدلوا وغيروا أو عبدوا الأصنام(736).
ولكن يرد على هذا المذهب ما ورد في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، أين أبي؟ قال: في النار، قال: فلما قفى الرجل دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار(737)
وقد أجاب العلماء عن هذا الحديث إجابات كثيرة منها أنه حديث آحاديث فلا يعارض القطعي من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}(738).
ومنها أن في الحديث اضطراباً، إذا لم تتفق الرواة في حديث مسلم على قول النبي – صلى الله عليه وسلم – {إن أبي وأباك في النار} ففي رواية أنه قال (بدل ذلك (إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار) ومثله ما رواه البزار والطبراني والبيهقي من حديث سعد بن أبي وقاص أن أعرابياً قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أين أبي؟ فقال: في النار. قال: فأين أبوك؟ قال: حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار(739).
وقد انتصر الزين الحلبي لهذا المذهب مستدلاً بما أورده الخطيب عن عائشة والقسطلاني في المواهب اللدنية أن الله أحيا والدي النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى آمنا به(740).
ولكن هذا الاستدلال لا ينهض حجة في هذا المقام إذا الحديث في هذا المعنى باطل، وقال الحافظ ابن كثير إنه حديث منكر جداً وسنده مجهول، وقد جزم ابن دحية بأنه موضوع(741).
على أن نقض الاستدلال بهذا الوجه لا يضعف ما اختاره الأشاعرة من نجاة أهل الفترة لعموم الأدلة التي قدمناها.
————
(724) سورة البقرة 119
(725) سراج القاري لابن القاصح ص 156
وعبارة الشاطبي التي تبين اختيار نافع:
وتسأل ضموا الفاء واللام حركوا برفع خلوداً وهـو من بعـــد نفي لا
وعبارة ابن الجزري في إضافة يعقوب:
………………………… وتسئل حوى، والضم والرفع أصلا
(726) حجة القراءات لأبي زرعة ص 111
(727) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جـ1 ص 111
(728) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 108 وقد أوردها معزوَّةً إلى ابن مسعود.
وانظر الكشاف للزمخشري جـ1 ص 91 والتفسير الكبير للفخر الرازي جـ1 ص 471
(729) حجة القراءات لأبي زرعة ص 111
(730) سورة الكهف 6
(731) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور جـ1 ص 111
(732) المائدة 19
(733) السجدة 3
(734) الإسراء 15
(735) شرح الباجوري على جوهرة التوحيد ص 47، وفيه قال الباجوري: إن المعرفة تثبت بالشرع لا بالعقل، وهذا مذهب الأشاعرة وجمع من غيرهم، فمعرفة الله وجبت عندهم بالشرع، وكذلك سائر الأحكام، إذ لاحكم قبل الشرع أصلياً ولا فرعياً.
(736) المصدر نفسه ص 44
(737) صحيح مسلم بشرح البغا ص 477 حديث رقم 1600 كتاب فضائل النبي – صلى الله عليه وسلم – باب 52 ولكن لم أجد أثراً لهذا الحديث في صحيح مسلم بطبعة دار المعرفة، كتاب فضائل النبي – صلى الله عليه وسلم – على أن الأحاديث قبله وبعده كاملة غير منقوصة، ولم يسقط إلا هذا الحديث والله أعلم.
(738) سورة الإسراء 15
(739) شرح الباجوري على جوهرة التوحيد ص 47
(740) السيرة الحلبية لزين الدين الحلبي جـ1 ص 91
وأورد فيه نظماً لبعض الفضلاء:
حبا الله النبي مزيد فضل * وإحساناً.. وكان به لطيفاً
فأحيا أمّه وكذا أبَاه * لإيمان به فضلاً منيفاً
فسلِّمْ.. فالقديم بذا قدير * وإن كان الحديث به ضعيفاً
(741) تفسير ابن كثير جـ1 ص 120
المسألة الثالثة:
قوله تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة}
آل عمران (81)
قرأ حمزة: {وإذا أخذ الله ميثاق النبيين لِمَا آتيتكم}(742) بكسر اللام. جعل (ما) بمعنى الذي، والمعنى: (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين للذي آتيتكم) أي لهذا، فهذه اللام لام الإضافة واللام متعلقة بـ (أخذ الميثاق)، والمعنى (أخذ الميثاق لإتيانه الكتاب والحكمة أخذ الميثاق).
قال الفرَّاء: (من كسر اللام يريد: أخذ الميثاق للذي آتاهم من الحكمة)
قال الزجاج: (ويكون الكلام يؤول إلى الجزاء كما تقول (لما جئتني أكرمتك) فيكون المراد أن الله سبحانه أخذ منهم الميثاق أن يحفظوا ما آتاهم من كتاب وحكمة.
وقرأ الباقون: {لَمَا آتيتكم} بفتح اللام. كان الكسائي يقول: (معناه مهما آتيتكم) على تأويل الجزاء. قال: (وجوابه {فمن تولى}وهذه اللام تدخل في (ما) وفي (مَن) على وجه الجزاء)
قال الزجاج: (ما) ها هنا على ضربين: يصلح أن تكون للشرط والجزاء، وهو أجود الوجهين لأن الشرط يوجب أن كل ما وقع من أمر الرسل فهذه طريقته.
واللام دخلت في (ما) كما تدخل في(إن) الجزاء إذا كان في جوابها القسم. قال الله {ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك}(743) وقال: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن}(744) فاللام في (إن) دخلت مؤكدة موطئة للام القسم، ولام القسم هي اللام التي لليمين لأن قولك: (والله لئن جئتني لأكرمنك) إنما حلفك على فعلك، إلا أن الشرط معلق به، فلذلك دخلت اللام على الشرط. فإذا كانت (ما) في معنى الجزاء موضعها نصب بقوله {آتيتكم} وتقدير الكلام (أي شيء آتيتكم) فتكون اللام الأولى على (ما) فسره دخلت للتوكيد أي توكيد الجزاء، واللام الثانية في قوله: {لتؤمنن به} ـ 81 ـ لام القسم، قال: ويجوز أن تكون (ما) في معنى (الذي) ويكون موضعها الرفع، المعنى: (أخذ الله ميثاق أي استخلصهم للذي آتيتكم (المعنى آتيتكموه) لتؤمنن به وحذف الهاء من قوله (آتيتكموه) لطول الاسم.(745)
وقال الزمخشري في الكشاف: اللام في {لما آتيتكم} لام التوطئة، لأن أخذ الميثاق في معنى الاستخلاف، وفي (لتؤمنن) لام جواب القسم، و(ما) يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط، ولتؤمنن ساد مسد جواب القسم والشرط جميعاً.
وقرأ حمزة: {لما آتيتكم} بكسر اللام، ومعناه لأجل إيتائي إياكم بعض الكتاب والحكمة، ثم لمجيء رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، على أن ما مصدرية والفعلان معها، أي آتيتكم وجاءكم في معنى المصدرين.(746)
وثمرة الخلاف: أن كلا من الآيتين أفادت معنى جديداً، فأفادت الأولى أن الميثاق إنما أخذه الله عز وجل على تكليفهم بتبليغ ما أوتوا من الكتاب والحكمة.
وأفادت قراءة الجمهور أن الميثاق أكرم به النبيون بما رزقوا من الكتاب والحكمة، فبينما فُهم من الأولى أن الحكمة والكتاب هما موضوع الميثاق الذي واثقهم الله عليه، فُهم من الثانية أن الله جعلهم من أهل الميثاق ببركة ما وفوا به من أمر الكتاب والحكمة(747)، فليس بين القراءتين تضاد، والمؤمن يؤمن بالكتاب كله.
ويتأكد هنا أن دلالة قراءة الجمهور على أن الميثاق نعمة نالها الأنبياء ببركة وفائهم بعهد الله، لا ينبغي أن يقودنا إلى تصور أن النبوات تتأتى عن طريق الكسب والسعي، فهذا خلاف المقرر في عقيدة الحق:
ولم تكن نبوة مكتسبة * ولو رقى في الخير أعلى عقبة
بل ذاك فضل الله يؤتيه لمن * يشاء جل الله واهب المنن(748)
بل هو إعداد الله سبحانه لمن سبق أن اختارهم بعلمه وفضله رسلاً مبشرين ومنذرين، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
————
(742) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 168، وانظر سراج القاري لابن القاصح ط البابي الحلبي ص 182. ونص الشاطبي:
ورفع ولا يأمركم روحه سما وبالتاء آتينا مع الضم خولا
ولم يأت ابن الجزري في الدرة على ذكر خلاف للثلاثة، فدل على أنهم قرؤوا وفق قراءة الجمهور.
(743) سورة الإسراء 88
(744) سورة الإسراء 86
(745) حجة القراءات لأبي زرعة ص 168
(746) تفسير الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، للزمخشري محمود بن عمر ط انتشارات آفتاب ـ طهران جـ1 ص 441
(747) انظر الجامع لأحكام القرآن ط دار الكاتب العربي جـ2 ص 125
وانظر الكشاف للزمخشري ط انتشارات آفتاب طهران جـ1 ص 441
(748) جوهرة التوحيد للَّقاني رقم الأبيات 63 – 64
المسألة الرابعة:
قوله تعالى: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} آل عمران ـ120 ـ
قرأ حمزة والكسائي وحفص وخلف: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} بالياء فيهما.
وحجتهم قوله (قبلها) {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيـــات الله وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر..} 113 و 114 الآية. وكذلك {وما يفعلوا من خير} أي هؤلاء المذكورون وسائر الخلق داخل معهم.
وقرأ الباقون بالتاء فيهما. وحجتهم قوله (قبلها) {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتــؤمنون بالله} 110
{وما تفعلوا من خير فلن تكفروه} أيها المخاطبون بهذا الخطاب.(749)
وثمرة الخلاف: أن القراءة بالتاء {وما تفعلوه من خير فلن تكفروه} موجهة إلى الأمة القائمة وهو معنى تظاهرت على الدلالة عليه نصوص كثيرة، {وما تفعلوا من خير تجدوه عند الله}(750) {إني لا أضيع عمل عامل منكم}(751)
وأما القراءة بالياء فقد أفادت معنى جديداً وهو أن الله عز وجل لن يضيع إحسان أهل الكتاب، فيثيب المحسن منهم ويعاقب المسيء، وهذا المعنى الذي انفردت به هذه الآية تصريحاً وتخصيصاً دلت عليه آيات كثيرة تلميحاً وإشارة: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}(752) {إن الله لا يضيع أجر المحسنين}(753) {من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد}(754) ولا يخفى أن المقصود بأهل الكتاب هنا مؤمنوهم.
ولكن هذا المعنى الأخير لا يصادم القطعي من النصوص في بطلان أعمال الكافرين، بعد أن ورد صريح النص، وانعقد إجماع الأمة، على ذلك.
قال الله عز وجل: {أولئك الذين كفروا بــآيـات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا}(755) والجمع بين
النصوص أن الآية إنما تخص أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام كما يدل لذلك سبب نزولها(756):
أخرج ابن أبي حاتم والطبراني وابن منده في الصحابة عن ابن عباس قال: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعيد وأسيد بن سعيد وأسد بن عبد، ومن أسلم من يهود معهم فآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام قالت أحبار اليهود وأهل الكفر منهم: ما آمن بمحمد واتبعه إلا أشرارنا، ولو كانوا خيارنا ما تركوا آبائهم وذهبوا إلى غيرهم فأنزل الله في ذلك {ليسوا سواء من أهل الكتاب} الآية.
وأخرج أحمد وغيره عن ابن مسعود قال: أخَّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: أما أنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم، وأنزلت هذه الآية {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة} حتى بلغ {والله عليم بالمتقين}(757)
وكذلك فإن السايق ظاهر في هذه الدلالة وهي أن الذين دخلوا في الإسلام منهم هم المعنيون بالخطاب، فبعد أن ذكر سبحانه خبر مؤمني أهل الكتاب في هذه الآية عقب فوراً بذكر كافريهم فقال: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين، إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً، وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(758)
وهذا المعنى هو ما اختاره ابن العربي، بل نقل الإجماع عليه فقال: وقد اتفق المفسرون أنها نزلت(759) في من أسلم من أهل الكتاب وعليه يدل ظاهر القرآن، ومفتتح الكلام نفي المساواة بين من أسلم منهم وبين من بقي منهم على الكفر، إلا أنه روي عن ابن مسعود أن معناه نفى المساواة بين أهل الكتاب وأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – وقد روي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الله بن سلام ومن أسلم معه من أهل الكتاب وقوله {ليسوا سواء} تمام كلامٍ، ثم ابتدأ الكلام بوصف المؤمنين بالإيمان والقرآن والصلاة، وهذه الخصال هي من شعائر الإسلام، لاسيما الصلاة وخاصة في الليل وقت الراحة.
وقيل: إنَّها الصلاة مطلقاً. وقيل: إنَّها صلاة المغرب والعشاء الآخرة.
قال ابن مسعود: خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – ليلةً وقد أخَّر الصلاة فمنَّا المضطجع ومنَّا المصلي، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – إنه لا يصلي أحد من أهل الأرض هذه الصلاة غيركم. والصحيح أنه في الصلاة مطلقاً، وعن أبي موسى عنه عليه السلام ما من أحد من النَّاس يُصَلِّي هذه الساعة غيركم. وهذه في العتمة تأكيدٌ للتخصيص وتبيين للتفضيل.
وهكذا فإنه هنا أشار أن المخاطبين بالثناء في هذه الآية إنما هم من أسلم من أهل الكتاب، وقد أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – عن عظيم أجرهم فقال: (ثلاثة لهم أجران: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وأدرك النبي – صلى الله عليه وسلم – فآمن به واتبعه
وصدقه فله أجران، ورجل مملوك أدى حق الله وحق مواليه… ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها… الحديث)(760) ولا عبرة بعدئذ لأنساب القوم وأصولهم، فشرف النسب أدعى إلى تغليظ الحساب منه إلى تهوينه.
قال ابن تيمية (الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابياً أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بنسبه، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ أو التبديل أو بعد ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك، والمنصوص الصريح عن أحمد)(761).
وقال: (وإذا كان ذلك كذلك فكل من تدين بهذا الكتاب الموجود عند أهل الكتاب فهو من أهل الكتاب، وهم كفار تمسكوا بكتاب مبدل منسوخ، وهم مخلدون في نار جهنم كما يخلد سائر أنواع الكفار، والله تعالى مع ذلك شرع إقرارهم بالجزية وأحل طعامهم ونساءهم)(762)
ولا شك أن الذين أخبرت عنهم الآية بأنهم من أهل الجنة ليسوا أولئك الذين تركوا القرآن وآمنوا بالكتب المحرفة، بل هم بلا ريب أهل الكتاب الذين دخلوا في الإسلام.
————
(749) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 170
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 182
ونص الشاطبي:
وبالكسر حج البيت عن شاهد وغيـ ـب ما تفعلوا لن تكفروه لهم تلا
وأضاف ابن الجزري خلفاً بقوله:
وما يفعلـوا لن يكفـروا صحب طـلا خلفاً…………………..
(750) سورة المزمل 20
(751) سورة آل عمران 195
(752) سورة الزلزلة 8
(753) سورة التوبة 119
(754) سورة الجاثية 15
(755) سورة الكهف 10
(756) أسباب النزول للسيوطي، آل عمران الآية 113
(757) أخرجه ابن جرير في جامع البيان جـ4 ص 36
(758) انظر هذا الإيضاح في تفسير القرطبي طـ دار الكاتب العربي جــ4 ص 176
(759) تجدر الإشارة هنا إلى أن ابن العربي لم يخض في أمر تفاوت القراءتين الذي نتحدث عنه بل لم يتعرض للآية أصلاً، إنما ينتصر للقول بأن الآيات هنا في مجملها نزلت في مؤمني أهل الكتاب.
(760) أخرجه الإمام البخاري، كتاب العلم، باب تعليم الرجل أمته وأهله رقم الحديث طــ البغا 97.
ورواه الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب 9 رقم الحديث طــ البغا 21 ص 19
(761) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية جـ35 ص 228
(762) المصدر نفسه ص 229
المسألة الخامسة:
قوله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} آل عمران ـ161 –
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {أن يُغَلَّ} بفتح الياء وضم الغين. أي ماكان لنبي أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم. وحجتهم في ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – جمع الغنائم في غزاة. فجاءه جماعة من المسلمين فقالوا (ألا تقسم بيننا غنائمنا)؟ فقال (: (لو أن لكم مثل أحد ذهباً ما منعتكم درهما، أترونني أغلكم مغنمكم) فنزلت {وما كان لنبي أن يغل}(763) أي ما ينبغي لنبي أن يجور في القسم ولكن يعدل ويعطي كل ذي حق حقه.
عن ابن عباس قال: نزلت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر فقال من كان مع النبي – صلى الله عليه وسلم – (لعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخذها) فأنزل الله الآية(764).
وحجة أخرى وهي أن المستعمل في كلام العرب أن يقال لمن فعل ما لا يجوز له أن يفعل (ما كان لزيد أن يفعل كذا وكذا، وما كان له أن يظلم) ولا يقال (أن يُظْلَم) لأن الفاعل فيما لا يجوز له يقال له: (ما كان ينبغي أن يفعل ذلك) نظير قوله: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله} وكما قال {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ألا ترى أنهم المستغفرون ولم يقل {أن يُستغفروا}.
وقرأ الباقون {أن يُغَلَّ} بضم الياء وفتح الغين. أي ما كان لنبي أن يغله
أصحابه أي يخونوه، ثم أسقط (الأصحاب) فبقي الفعل غير مسمى فاعله وتأويله ما كان لنبي أن يخان(765).
وحجتهم ما ذكر عن قتادة قال (ما كان لنبي أن يغله أصحابه الذين معه من المؤمنين)(766) ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم بدر وقد غل طوائف من أصحابه.
وقال آخرون (معنى ذلك: وما كان لنبي أن يتهم بالغلول) قال الفراء: (يُغَلَّ أي يسرق ويخَوَّن، أي ينسب إلى الغلول يقال: أغللته أي نسبته إلى الغلول. وقال آخرون: ماكان لنبي أن يُغَلَّ) أي يلفى غالاً أي خائناً. كما يقال (أحمدت الرجل) إذا وجدته محموداً.(767)
وثمرة الخلاف: أن القراءة الأولى نفت الغلول عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو معلوم من الدين بالضرورة، إذ يجب للأنبياء الأمانة والصدق.
أما القراءة الثانية فقد نفت الغلول عن أصحاب الأنبياء، أو قل نفت إمكانية الغلول من أصحاب الأنبياء، ثم حذف الفاعل وأسند إلى ما لم يُسَمَّ فاعله.
وهل هو أمر تكويني أو تكليفي؟ الظاهر أنه تكويني إذ (ما) هنا نافية، متضمن معنى التكليف.
وليس بين القراءتين تضاد، والجمع بينهما ممكن بدون اعتساف، إذ كل واحدة أفادت معنى جديداً، والله تعالى أعلم.
وما ورد من إنكار ابن عباس وابن مسعود ومجاهد(768) وغيرهم لقراءة (أن يغل) على المبني للمجهول فهي محمولة على عدم ثبوت تواترها لديهم، ولو ثبت تواترها لم يحل لهم أن ينكروها.
وعبارة مجاهد: كان ابن عباس ينكر على من يقرأ {وما كان لنبي أن يُغَلَّ} ويقول: كيف لا يكون له أن يُغل، وقد كان له أن يُقتل، قال الله: ويقتلون الأنبياء بغير حق، ولكن المنافقين اتهموا النبي – صلى الله عليه وسلم – في شيء من الغنيمة فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل}(769) تبرئة للنبي(.
ولا يخفى أن إنكار ابن عباس مستند إلى قياس، والقياس لا ينهض حجة في رد التواتر كما هو معلوم.
وتتضمن قراءة (يُغَلَّ) معنى آخر أيضاً، وهو أن أصحاب الأنبياء ولا يجوز لهم بحال أن يغلوا أنبيائهم، فقد يظن بعض المنافقين أن غلولهم للأنبياء مغفور، لأن ما بين أيدي الأنبياء من المال إنما هو مال الأمة، وهم من الأمة، فجاءت الآية محذرة من هذا التوهم، مصرِّحة بتحريم غلول الأموال في كل حال.
————
(763) لم أجده، والعهدة فيه على إيراد أبي زرعة له في الحجة ص 179
(764) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: هو حسن، عن ابن عباس
انظر أسباب النزول للسيوطي. آل عمران آية 161
(765) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جـ2 ص 91، وفيه نسبة هذا القول للحسن البصري.
(766) انظر الدر المنثور للسيوطي جـ2 ص 91 وفيه نسبة القول إلى الربيع وقتادة.
(767) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة طـ مؤسسة الرسالة ص 179
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري طـ البابي الحلبي ص 185
ونص الشاطبية:…. وضم في يغل وفتح الضم إذ شاع كفلا
ولم يأت ابن الجزري في الدرة على ذكر خلاف الثلاثة، فدل على أنهم قرؤوا قراءة الجمهور.
(768) الدر المنثور للسيوطي جـ2 ص 91 طـ دار الكاتب العربي
(769) المصدر نفسه
المسألة السادسة
قوله تعالى: {وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} المائدة ـ47 –
قرأ حمزة: {وليحكم أهل الإنجيل} بكسر اللام وفتح الميم.
جعل اللام لام كي، ونصب الفعل بها، وكأنه وجه معنى ذلك إلى {وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة} – 46 – وكي يحكم أهله بما أنزل الله فيه.
وقرأ الباقون: {وليحكم} ساكنة اللام والميم على الأمر، فأسكنوا الميم للجزم وأسكنوا اللام للتخفيف.
وحجتهم في ذلك أن الله عز وجل أمرهم بالعمل بما في الإنجيل كما أمر نبينا (في الآية بعدها بالعمل بما انزل الله إليه في الكتاب بقوله:
{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله}(770).
وثمرة الخلاف: أنه من قرأ بالنصب جعلها متعلقة بقوله {وآتيناه الإنجيل} أي لكي يحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه، وهو محل اتفاق بين المسلمين لأن أهل الكتاب كانوا مأمورين أن يحكموا بما في الإنجيل.
أما القراءة بالجزم على أساس أن اللام لام الأمر، فهي أيضاً إلزام لهم بالحكم بما في الإنجيل الحق من وجوب اتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – كما يجدونه في كتبهم.
فالخلاف بين القراءتين شكلي، والاتفاق منعقد على المعنى(771).
وبمثل ذلك نقل القرطبي عن النحاس قوله: والصواب عندي أنهما قراءتان حسنتان لأن الله عز وجل لم ينزل كتاباً إلا ليعمل بما فيه، وأمر بالعمل بما فيه فصحتا جميعاً.(772)
وليس في أي من القراءتين دليل للنصارى اليوم فيما يزعمونه من أن القرآن أمرهم بالاحتكام إلى الإنجيل، إذ إن الإنجيل الذي أمروا بالاحتكام إليه في نص
القرآن، هو ذلك الإنجيل الذي يتضمن وحدانية الله، وبشرية السيد المسيح، والبشارة بالمصطفى(
قال الله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون}(773)
وقال: {ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام}(774)
وقال: {وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين}(775).
فليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه!؟
بل إن نصارى هذا الزمان يخالفوننا فيما نلجئهم إليه من أمر نزول الكتاب على السيد المسيح كما أخبر الله عز وجل: {وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور}(776)، فهم لا يعتقدون ذلك أصلاً، ويرون أن الكتاب المقدس عندهم هو محض إلهامات تلقاها الرسل والحواريون فدونوها ولم تكن وحياً تلقاه السيد المسيح عن ربه!..
وهكذا فإن العقل والنقل متفقان أنه ليس في دار السعادة منزل للذين يكذبون رسل الله، ويعرضون عن هداهم.
قال ابن تيمية: (فمن كان أبوه من أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل، ثم إنه لما بعث الله عيسى ومحمداً(كفر بهما وبما جاءا به من عند الله، واتبع الكتاب المبدَّل المنسوخ كان كفره من أغلظ الكفر، ولم يكن كفره أخف من كفر من دخل بنفسه في هذا الدين المبدَّل، ولا له بمجرد نسبه حرمة عند الله ولا عند رسوله، ولا ينفعه دين آبائه إذا كان هو مخالفاً لهم، فإن آباءه كانوا إذ ذاك مسلمين، فإن دين الله هو الإسلام في كل وقت، فكل من آمن بكتب الله ورسله في كل زمان فهو مسلم، ومن كفر بشيء من كتب الله ورسله فليس مسلماً في أي زمان كان)(777)
————
(770) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة طـ مؤسسة الرسالة ص 227
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري طـ البابي الحلبي ص 200
وعبارة الشاطبي:
وحمزة وليحكم بكسر ونصبه يحركه تبغون خاطب كمّلا
ولم يأت ابن الجزري في الدرة على ذكر خلاف للثلاثة الباقين فدل أنهم قرؤوا قراءة الجمهور.
(771) دأب كثير من النصارى إلى توجيه هذه الآيات وأمثالها إلى ما يوافق هواهم، واتخذوها مصادرة على القرآن الكريم، على أساس أن الكتاب الكريم يأمرهم بالعودة إلى إنجيلهم والاحتكام إليه.
ولكن هذا السلوك الخاطئ غاية ما يؤدي إليه أنهم يثبتون لأنفسهم مقام من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض، وهو مقام مذموم بكل حال.
ولا يخفى أن دعوة القرآن لهم إلى الحكم بما أنزل الله في الإنجيل قائمة باقية، ولكن المقصود بها هو ذلك الإنجيل الحق الذي أنزله الله على عيسى بن مريم، وهذا التعريف للإنجيل لا يقول به اليوم أحد من النصارى، إذ أنهم لا يعتقدون بوجوده أصلاً، بل يقولون بإلهامات أنزلها الله عز وجل على أصحاب عيسى الأربعة، وهو خلاف ما تقرر لدى المسلمين من نزول الإنجيل على السيد المسيح نفسه.
وأشهر من قال ذلك وانتصر له من النصارى الأب يوسف درة الحداد في سلسلة “دراسات قرآنية” منشورات المكتبة البولسية ـ بيروت.
(772) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ6 ص 209
(773) سورة التوبة 31
(774) سورة المائدة 75
(775) سورة الصف 6
(776) سورة المائدة 46
(777) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، كتاب قتال أهل البغي جـ35 ص 228
المسألة السابعة
قوله تعالى: {إذا قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء}(778)
قرأ الكسائي: {هل تستطيعُ ربَّك}(779)
وقرأ الباقون: {هل يستطيعُ ربُّك أن ينزل علينا مائدة من السماء}(780)
وتوجيه قراءة الكسائي: هل تقدر يا عيسى أن تسأل ربك، لأنهم كانوا مؤمنين، وقد أثنى الله عليهم، وأوحى إليهم(781)، كما في قوله: {وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي}(782)، وكانت عائشة تقول: كان القوم أعلم بالله من أن يقولوا (هل يستطيع ربك) إنما قالوا: (هل تستطيع ربَّك(783)).
واحتج أبو زرعة لاختيار الكسائي بقوله: الله تعالى سماهم حواريين، ولم يكن الله ليسميهم بذلك وهم برسالة رسوله كفرة.
قال أهل البصرة ـ يريد الكسائي وأصحابه ـ المعنى: (هل تستطيع سؤال ربك) فحذف السؤال، وألقى إعرابه على ما بعده فنصبه كما قال: واسأل القرية أي أهل القرية.(784)
والمراد أنهم حين ذكروا الاستطاعة أرادوا بها الاحتجاج للسيد المسيح عليهم، كأنهم قالوا: إنك مستطيع فما يمنعك؟ ولا يستقيم الكلام إلا على تقدير ذلك، ألا ترى أنه لا يصح أن يقول: (هل تستطيع أن يفعل غيرك)(785).
وأما قراءة الجمهور بالغيبة والرفع فيجب توجيهها إلى تأويل الاستطاعة بمعنى الرغبة، أي هل يرضى ربك أن ينزل المائدة إن سألته ذلك، كما يقول من يبتغي النصرة من عزيز: أتقدر أن تساعدني في ذلك، وهو يعلم قدرته واستطاعته، ولكنه لون من الأدب تعرفه العرب في كلامها.(786)
وقيل المعنى: هل يقدر ربك، وكان هذا السؤال في ابتداء أمرهم قبل استحكام معرفتهم بالله عز وجل ولهذا قال عيسى في الجواب: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين(787).
ولكن اعترض القرطبي على هذا التأويل لأن الحواريين خلفاء الأنبياء ودخلاؤهم وأنصارهم، كما قال الله حكاية عنهم وإقراراً لهم: {قال الحواريون نحن أنصار الله}(788) وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إن لكل نبي حواري وحواريي الزبير(789)”، ولا يخفى أن معرفة الله سبحانه أول الواجبات على المؤمن، فكيف يصبح هؤلاء حواريين للسيد المسيح ثم لا يعرفون صفة القدرة منه سبحانه وتعالى؟(790)
ولعل أحسن تأويل لذلك أن يقال: إنهم عرفوا الله عز وجل معرفة استدلال وأخبار فأرادوا علم معاينة وشهود، كما قال إبراهيم عليه السلام: {رب أرني أنظر إليك}(791) فإن إبراهيم من أعظم المؤمنين بقدرة الله سبحانه وكماله ووحدانيته، ثم سأل الآية وعلل ذلك بقوله: بلى ولكن ليطمئن قلبي(792). وكذلك قال الحواريون {نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين}(793)
وقد أنكر الزمخشري في الكشاف ذلك كله، وقال إنهم قالوا ذلك لفساد عقيدتهم ونصه في ذلك: إن الله ما وصفهم بالإيمان والإخلاص وإنما حكى ادعاءهم لهما ثم أتبعه قوله: إذ قالوا، فآذن أن دعواهم كانت باطلة وأنهم كانوا شاكين، وقولهم: (هل يستطيع ربك) كلام لا يرد مثله عن مؤمنين معظمين لربهم(794).
وثمرة الخلاف: أن المؤمن قد يسأل الله سبحانه وتعالى بعض آيات قدرته وهو مؤمن، ليزداد إيماناً، ولا يطعن ذلك في شيء من إيمانه، وقد سبق إلى ذلك الخليل إبراهيم والحواريون الكرام.
ودلت قراءة الجمهور على جواز سؤال الله عز وجل آياته بلفظ الاستطاعة، وهو ما قرره ابن العربي القاضي المالكي المفسر حيث ادخل اسم المستطيع في أسماء الله تعالى وقال: لم يرد به كتاب ولا سنة اسماً، ولكن ورد فعلاً(795)، وذكر قول الحواريين {هل يستطيع ربك}. وذلك على اختيار القرطبي في تفسيره، بأن ذلك لم يصدر من الحواريين عن جهل بالله عز وجل، بل عن علم ومعرفة، ولم ينكر الذكر عليهم سؤالهم وهي مسألة اعتقاد لا تختلف فيها الشرائع.(796)
وأما قراءة الكسائي فلا تدل على هذا المعنى وغايتها إضمار ما عادته الإظهار أي هل تستطيع أن تدعو ربك.
وكما ترى فإن القراءتين أفادتا معنيين مختلفين ولكنهما غير متنافرين، والله تعالى أعلم.
————
(778) سورة المائدة 112
(779) ويجدر التنويه هنا أن الكسائي أدغم اللام في التاء: هل تَّستطيع، وهو وجه في القراءة والأداء لا يؤثر على المعنى. انظر السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 249
(780) سراج القاري لابن القاصح العذري ص 205. وعبارة الشاطبي:
وخاطب في هل يستطيع رواته وربك رفع الباء بالنصب رتلا
وانظر السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 249
(781) لا جدال في التصريح بأن الله أوحى إلى الحواريين، لقوله سبحانه: {وإذ أوحيت إلى الحواريين} ولكن ما طبيعة هذا الوحي؟ ثمة تأويلان: الأول: أوحى إليهم عن طريق رسله. الثاني: أوحى إليهم وحي إلهام. كما في قوله سبحانه: وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه.
(782) سورة المائدة 111
(783) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ6 ص 364
(784) حجة القراءات لأبي زرعة ص 240
(785) المصدر نفسه ص 241
(786) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ص 365 جـ6
(787) المصدر نفسه ص 364 جـ6
(788) سورة الصف 14
(789) أخرجه البخاري ومسلم عن جابر في كتاب الفضائل باب فضائل الزبير بن العوام. وأخرجه كذلك ابن عساكر عن الزبير، وأحمد في مسنده عن علي رضي الله عنه.
(790) القرطبي جـ6 ص 365
(791) سورة البقرة 261
(792) سورة البقرة 261
(793) سورة المائدة 112
(794) الكشاف للزمخشري جـ1 ص 654
(795) كذا نقل القرطبي عن القاضي ابن العربي المالكي في الجامع جـ6 ص 365.
ولكنني تعقبت تفسير ابن العربي: أحكام القرآن فلم أجد لذلك ذكراً عند هذه الآية في المائدة، وتعقبته كذلك في الجزء الثاني صفحة 808 حيث عقد فصلاً خاصاً لاستقصاء الأسماء الحسنى عند قوله سبحانه: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} فعد منها مائة وثلاثة وأربعين اسماً ولم يأت فيها على ذكر اسم المستطيع!..
ولست أدري من أين نقل عنه القرطبي ذلك.
(796) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ6 ص 365
المسألة الثامنة
قوله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه}(797)
قرأ يعقوب: {والأنصارُ والذين اتبعوهم بإحسان}
وقرأ الباقون: {والأنصارِ والذين اتبعوهم بإحسان}(798)
فتكون قراءة يعقوب بالرفع عطفاً على السابقين الأولين، وتكون قراءة الجمهور بالخفض عطفاً على المهاجرين.
وثمرة الخلاف: أن قراءة الجمهور نصت على مزية فضل للسابقين من الأنصار، وهم الذين آووا ونصروا، من الذين شهدوا بيعة العقبة، أما قراءة يعقوب فقد جعلت فضل الأنصار عاماً إذا لم تدخل عليهم (من) التبغيض، فجعلت لسائر الأنصار مزية رضوان الله، من شهد منهم العقبة ومن لم يشهدها.
فتكون حصيلة قراءة الجمهور أن رضوان الله مكتوب لثلاثة أصناف:
الأول: السابقون الأولون من المهاجرين.
الثاني: السابقون الأولون من الأنصار.
الثالث: الذين اتبعوهم بإحسان.
وتكون حصيلة قراءة يعقوب أن رضوان الله مكتوب لثلاثة أصناف:
الأول: السابقون الأولون من المهاجرين
الثاني: الأنصار (بعموم سابقهم ولاحقهم)
الثالث: الذين اتبعوهم بإحسان.
فيكون في قراءة يعقوب زيادة مزية للأنصار وهي أن سائر الأنصار مشمولون بالرضوان والجنة.
وقد رويت قراءة يعقوب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ (والأنصارُ) عطفاً على (والسابقون)(799).
وعلى قراءة الخفض فإن السابقين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا إلى القبلتين كما اختاره سعيد بن المسيب، أو الذين شهدوا بيعة الرضوان عام الحديبية في قول الشعبي، أو أهل بدر في قول محمد بن كعب وعطاء بن يسار(800).
على أن شمول الأنصار بالرضوان والجنة كما دلت عليه قراءة الرفع لا يعني استواءهم في المنزلة والقرب، فقد صرح القرآن بأنهم ليسوا سواء، كذلك يقتضي العدل ويشهد العقل، قال الله عز وجل: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وكلا وعد الله الحسنى، والله بما تعملون خبير(801)}.
ومعلوم أن الأنصار ركن الإسلام، وهم الذين آووا ونصروا، وهم الذين شملتهم دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: “اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار”.
وقد أفاضت كتب الحديث في استقصاء الروايات الكثيرة التي ورد فيها فضل الأنصار ومنزلتهم، ومما أخرجه إمام المحدثين البخاري من ذلك: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا القاسم (قال: “لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءً من الأنصار”، فقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما ظلم ـ بأبي وأمي ـ آووه ونصروه(802)
وعن البراء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله”(803)
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار”(804)
ولاشك أن مزايا الأنصار كثيرة، وفضلهم عظيم، وقد زادتهم هذه الآية شرفاً ومكانة.
ولا تنافر بين القراءتين، بل قراءة يعقوب في فضلهم عامة، وقراءة الجمهور في تخصيص السابقين منهم بمنزلة أعلى من القرب والرضوان والله أعلم.
————
(797) سورة التوبة 102
(798) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 120
(799) فتح القدير للشوكاني جـ2 ص 398
(800) المصدر نفسه ص 398
(801) سورة الحديد 10
(802) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني جـ7 ص 112
(803) المصدر نفسه ص 113
(804) المصدر نفسه ص 113
المسألة التاسعة
قوله تعالى: {قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح}
قرأ الكسائي ويعقوب: {إنه عَمِل غير صَالح} بنصب اللام والراء.
وحجَّتُه حديث أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله كيف أقرأ: {عملٌ غير صالح} أو {عملَ غير صالح}؟ فقال: {عملَ غير صالح} بالنصب.(805)
فالهاء في هذه القراءة عائدة على ابن نوح لأنه جرى ذكره قبل ذلك فكني عنه.
وكان بعض أهل البصرة ينكر هذه القراءة، واحتج لذلك بأن العرب لا تقول: (عمِلَ غير حسن) حتى تقول: (عمل عملاً غير حسن). وقد ذهب عن وجه الصواب فيما حكاه لأن القرآن نزل بخلاف قوله، قال الله تعالى: {ومن تاب وعمل صالحاً}(806)
معناه: ومن تاب وعمل عملاً صالحاً، وقال: {واعملوا صالحاً}(807) ولم يقل (عملاً)
وقال في موضع آخر: {إلاَّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً}(808)
وقال: {ويتبع غير سبيل المؤمنين}(809) ولم يقل (سبيلاً غير سبيل المؤمنين)، فكذلك قوله: {إنه عمِلَ غيرَ صالح} معناه: (إنه عمل عملاً غيرَ صالح)
وقرأ الباقون: {إنه عمل غير صالح} بفتح الميم وضم اللام والراء.
وحجتهم ما روي في التفسير: جاء في قوله: {إنه عمل غير صالح} أي (إن سؤالك إياي أن أنجي كافراً عمل غير صالح) لأن نوحاً قال: {رب إن ابني من أهلي} ـ 45 ـ فقال الله تعالى: {إنه ليس من أهلك} الذين وعدتك أن أنجيهم، إن سؤالك إياي {عملٌ غير صالح} وقيل: {ليس من أهلك} أي من أهل دينك.
فالهاء في قراءتهم كناية عن السؤال ولم يجر له ذكر ظاهر، وذلك جائز فيما قد عرف موضعه أن يكنى عنه، أو جرى ما يدل عليه كقوله عز وجل {ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً}(810) فكنى عن البخل لأنه ذكر الذين يبخلون اكتفاء به عن ذكر البخل وكنى به، وقال: {حتى توارت بالحجاب}(811) يعني الشمس. وهذه أعلام لا يجهل موضعها، قال الشاعر:
إذا نُهى السفيه جرى إليه وخالف، والسفيه إلى خلاف
فقال (جرى إليه) ولم يجر ذكر السفه، ولكن لما ذكر السفيه دل على السفه.
والسؤال في قصة نوح لم يجر له ذكر، ولكنه لما ذكر {إن ابني من أهلي} دل على السؤال.
وقال آخرون منهم الزجاج (الهاء كناية عن ابن نوح)، أي أنه ذو عمل غير صالح كما قال الشاعر:
ترتع مارتعت حتى إذا ادَّكرت فإنما هي إقبال وإدبار(812)
أي ذات إقبال وإدبار.
وثمرة الخلاف: أن إحدى القراءتين قررت أن ابن نوح عمل عملاً غير صالح، وهو إعراضه عن هدي أبيه، وهي قراءة الكسائي ويعقوب.
وأفادت قراءة الجمهور أن سؤال نوح عن ولده عمل غير صالح، وهي تقرير أنه قد تصدر من الأنبياء الصغائر والذنوب، ولكن لا يقرون عليها. قال الله عز وجل: {فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك}(813)
{ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}(814)
وهذا التأويل هو اختيار جمع من مفسري السلف، وأنا أنقل لك اختياراتهم كما أوردها السيوطي في الدر المنثور:
أخرج ابن جرير إنه عملٌ غيرُ صالح، يقال سؤالك عما ليس لك به علم، وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير أنه قرأ عَمِلَ غَيرَ صالح، قال: معصيته نبي الله وأخرج أبو الشيخ وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: فلا تسألن ما لك ليس لك به علم قال بين الله لنوح عليه السلام أنه ليس بابنه، وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيدون أني أعظك أن تكون من الجاهلين. قال أن تبلغ بك الجهالة أني لا أفي بوعد وعدتك حتى تسألني قال: فإنها خطيئة، رب إني أعوذ بك أن أسألك.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن المبارك قال: لو أن رجلاً اتقى مائة شيء ولم يتق شيئاً واحداً لم يكن من المتقين.
ولو تورع عن مائة شيء ولم يتورع عن شيء واحد لم يكن ورعاً ومن كان فيه خلة من الجهل كان من الجاهلين أما سمعت إلى ما قال نوح عليه السلام “إن ابني من أهلي” قال الله: {إني أعظك أن تكون من الجاهلين}.
وأخرج أبو الشيخ عن الفضيل بن عياض قال بلغني أن نوحاً عليه السلام لما سأل ربه فقال: يا رب إن ابني من أهلي، فأوحى الله إليه: يا نوح إن سؤالك إياي إن ابني من أهلي عَمَلٌ غيرُ صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال فبلغني أن نوحاً بكى على سؤاله أربعين عاماً.(815)
————
(805) أورد هذا النص السيوطي في الدر المنثور عن أم سلمة وعن أسماء بنت يزيد أيضاً معزواً إلى أحمد وأبي داود والترمذي والطبراني والحاكم وأبو نعيم. انظر الدر طـ دار المعرفة جـ3 ص 336
(806) سورة الفرقان 71
(807) سورة سبأ 11
(808) سورة الفرقان 70
(809) سورة النساء 114
(810) سورة آل عمران 180
(811) سورة ص 33
(812) حجة القراءات ص 341 – 342
وانظر سراج القاري ص 249
وعبارة الشاطبي: وفي عَمَلٌ فتح ورفعٌ ونونوا وغيرَ رفعوا إلا الكسائي ذا الملا
والبيت الذي أورده أبو زرعة آخِراً للخنساء تماضر بنت عمرو ترثي أخاها صخراً.
وأما قراءة يعقوب فقد أشار إليها ابن الجزري في تقريب النشر ص 124
(813) سورة غافر 55
(814) سورة الفتح 2
(815) الدر المنثور في التفسير بالمأثور جـ3 ص 336
المسألة العاشرة
قوله تعالى: {حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كُذِبوا}
يوسف ـ110 –
اعلم أن المفسرين متفقون في صرف رواية التخفيف {كذبوا} عن ظاهرها(816)، ولهم في ذلك تحرير لطيف سيأتي إيراده.
قرأ أهل الكوفة وهم عاصم وحمزة والكسائي وكذلك أبو جعفر وخلف(817): {وظنوا أنهم قد كُذِبوا} بالتخفيف من قولك (كذبتك الحديث) أي لم أصدقك. وفي التنزيل: {وقعد الذين كذبوا الله ورسوله}(718). وفيها وجهان من التفسير.
أحدهما: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كُذِبوا، بمعنى (أخلفوا ما وعدوه من النصر) جاء الرسلَ نصرنا، فجعل الضمير في قوله {ظنوا} للقوم. وجُعل (الظن) موافقاً لفظه معناه. فإن قيل: كيف يجوز أن يُحمل الضمير في {ظنوا} على القوم، والذي تقدم ذكره الرسل؟
قيل: إن ذلك لا يـمنع لأن ذكر الرسل يدل على المرسل (إليهم)، فلهذا جاز أن يحمل الضمير على المرسَل (إليهم).
والوجه الآخر: حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كذبتهم فيما أخبروهم به من أنهم (إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب) ثم رد إلى مالم يسم فاعله، فقيل إنهم كناية عن القوم.
وقرأ أهل الحجاز والبصرة والشام وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وكذلك يعقوب(819): {كُذِّبوا} بالتشديد وفي التنزيل: {ولقد كذبت رسل}(820)
وقوله: {فكذبوا رسلي}(821) وجعلوا الضمير في (ظنوا) للرسل، والظن بمعنى اليقين.
وحجتهم في ذلك أن ذكر الرسل قد تقدم ولم يتقدم ذكر المرسل (إليهم) فيجعل الضمير له، وإذا كان ذلك كذلك فالأولى أن يجعل الضمير للرسل، فيكون الفعلان للرسل، ويصير كلاماً واحداً.
ومعنى الآية: (حتى إذا استيأس الرسل من إيمان قومهم وظنوا أي أيقنوا أن قومهم قد كذبوهم جاءهم نصرنا أي جاء الرسل نصرنا)(822)
قالوا: ومعنى الآية: (حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم) أن يصدقوهم، وظنت الرسل أن من قد آمن بهم من قومهم قد كذبوهم (جاءهم نصر الله عند ذلك)
قالت عائشة رضي الله عنها: (لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذبوهم)(823)
وثمرة الخلاف: أن التأليف بين القراءات أفادنا عدداً من المعاني لاسبيل إلى معرفتها لو لم تتعدد هذه القراءات المتواترة.
فقد دلت قراءة الكوفيين وأبي جعفر بالتخفيف أن نصر الله سبحانه آت، وأن من إرهاص هذا النصر أن يستيئس الرسل من إيمان قومهم، وأن تظهر شكوك بعض المؤمنين بقولهم: إن الرسل قد أخلفوا ما وُعدوا به من النصر، وكذلك قولهم: إن الرسل قد كذبتهم فيما وعدتهم به من حلول العذاب بالمشركين.
وهذه المعاني كلها تدل لها قراءة التخفيف، وهي تحمل الأنبياء ومن بعدهم من المصلحين والدعاة على الصبر والتحمل إذا رأوا شكوك الناس في رسالاتهم ودعواتهم.
ودلت قراءة الباقين بالتشديد أن إعراض الناس، وتكذيبهم بالهدى، وصدهم عن سبيل الله لا ينبغي أن يدفع إلى يأس الدعاة واستسلامهم بل هو إرهاص بقرب نصر الله عز وجل ودنو فرجه.
ومقتضى القراءة الأخيرة أن الرسل يبلغون حداً من الصبر والضراعة مع ازدياد استكبار المستكبرين وعتوهم إلى حد يجعلهم يشكون بمن معهم من المؤمنين أنهم لا يخلصون في إيمانهم، وبهذا المعنى قالت عائشة رضي الله عنها: (لم يزل البلاء بالرسل حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين قد كذبوهم)(824)
ولاشـك أن هـذه المعـانـي جمـيعـاً تـزيد من عقيدة المـؤمن بقرب نصر الله كلمـا ازداد البـلاء واشتـدت الـمـحن، وهي كما ترى لا تتعارض في الفهم بل تتــآزر وتتـكامـل.
وهذا قد قال قوم: إن الظن هنا ليس بـمعنى اليقين بل لفظه معناه(825)، وهو مذهب قوي وهو لا يغير شيئـاً مـمـا قدمناه بل يؤيده ويدل له.
————
(816) انظر فتح القدير للشوكاني ط دار المعرفة جـ3 ص 61
(817) سراج القاري لابن القاصح ص 260
وعبارة الشاطبي في الحرز:
…….. كذا نل، وخفف كذبوا ثابتاً تلا
وانظر تقريب النشر لابن الجزري ص 126
(818) سورة التوبة 90
(819) مفهوم من النص على مذهب المخالفين، انظر المادة قبل السابقة من الهامش
(820) سورة الأنعام 34
(821) سورة سبأ 45
(822) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 366
(823) حجة القراءات ص 366
وانظر سراج القاري ص 226
وعبارة الشاطبي:…. كذا نل، وخفف كذبوا ثابتاً تلا
(824) حجة القراءات لأبي زرعة ص 366
(825) المصدر السابق نفسه ص 366
المسألة الحادية عشرة
قـولـه تعـالى: {فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سرياً} مـريـم ـ24 –
قرأ أبو عمرو وابن كثير وابن عامر وشعبة عن عاصم ورويس: {فناداها من تحتها} بفتح الميم والتاء. جعلوا (مَنْ) اسماً وجعلوا النداء له. المعنى: فناداها الذي تحتها وهو عيسى، و(تحتها) صلة(مَنْ).
وحجتهم ما روي عن أبي بن كعب قال: الذي خاطبها هو الذي حملته في جوفها.
قرأ الباقون: {مِن تحتها} بكسر الميم والتاء. أي فناداها جبريل من بين يديها.
وحجتهم: ما روي عن ابن عباس: {من تحتها} قال جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها.
وقال آخرون منهم الحسن (البصري): (من تحتها: عيسى) فكأنه جعل الفاعل مستتراً في (ناداها).
المعنى: فناداها عيسى من تحتها وهو أجود الوجهين. وذلك أنه جرى ذكره في قوله: {فحملته فانتبذت به…}
فلما أتى الفعل بعد ذكره دل على أنه فعل المذكور، وأنه مستتر في فعله، فالكسر أعم. وذلك أن من كسر يحتمل المعنى أن يكون الملك ويحتمل أن يكون عيسى عليه السلام(826).
وثمرة الخلاف: أن قراءة أبي عمرو وابن كثير وابن عامر وشعبة قد أفادت الإشارة إلى المنادي فكانت (مَنْ) هي الاسم الموصول المعرف بالمنادي، بينما أفادت قراءة الباقين أن مكان المنادي كان تحت السيدة مريم، أما الضمير الدال عليه فهو مستتر في قوله سبحانه: فناداها، ولا تعارض بين الفائدتين.
ويبقى الخلاف في تعيين المنادي أهو جبريل أم السيد المسيح، وليس هذا الخلاف ناشئاً عن اختلاف القراءة.
قال الشوكاني في فتح القدير {فناداها من تحتها} أي جبريل لما سمع قولها، وكان أسفل منها تحت الأكمة وقيل تحت النخلة، وقيل المنادي هو عيسى.(827)
وروي عن ابن عباس أن المنادي هنا هو جبريل، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها، وقد أورد أستاذنا الدكتور الزحيلي هذا الرأي(828)، ولا شك أنه يتضمن الثناء على السيدة الطاهرة بوصفها بزيادة اليقين، إذ أشارت إليه كما أمرت، ولم تكن تعلم أنه سينطق في المهد، إذا كان الذي ناداها من تحتها عند المخاض إنما هو جبريل.
فإن كان المنادي عيسى عليه السلام، لم يكن لنا أن نثبت لها ما قدمناه من هذه الصفة، والله سبحانه أعلم.
————
(826) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 441
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 284
وعبارة الشاطبي:
ومَن تحتها اكسر واخفض الدهر عن شذا…………..
وعبارة ابن الجزري في الدرة المضية في إضافة رويس إليهم:
…………….. ومن تحتها اكسر أخـ ـفضن يعل….
(827) فتح القدير للشوكاني طـ دار المعرفة جـ3 ص 329
(828) انظر التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي جـ16 ص 76
المسألة الثانية عشرة
قوله تعالى: {فظن أن لن نـقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله أنت سبحانك إني كنت من الظالمين}(829)
قرأ يعقوب: {فظن أن لن يُقْدَر عليه}
وقرأ الباقون: {فظن أن لن نَقْدِر عليه}(830)
وتوجيه قراءة يعقوب أن نبي الله يونس عليه السلام أراد الفرار من قومه لا يطاله أذاهم، فيكون كفار قومه في مقام نائب الفاعل المضمر في هذا المقام.
وبمثل قراءة يعقوب قرأ عبيد بن عمير وقتادة والأعرج لكن مع التشديد: {فظن أن لن يقدَّر عليه}. وقرأ عبد الله بن أبي اسحق والحسن البصري وابن عباس مثلما قرأ يعقوب بدون تشديد.(831)
وعلى قراءة يعقوب المتواترة، وقراءة قتادة والأعرج الشاذة لا يوجد ما يعكر فهم النص، إذ من شأن الأنبياء أن يظنوا أن الله لن يقدر عليهم المصيبة، وأن يظنوا أن الكفرة لن يقدروا على إيذائهم، وذلك إحساس بشري مشروع لا يقدح في عصمة المرسلين.
ولكن الإشكال إنما يتوجه على قراءة الجمهور، وذلك كما روي عن معاوية بن أبي سفيان أنه استدعى ابن عباس يوماً فقال له: لقد ضربتني أمواج القرآن البارحة فغرقت فيها، فلم أجد لنفسي خلاصاً إلا بك.
قال: وما هي يا معاوية؟ فقرأ هذه الآية وقال: أو يظن نبي الله أن لا يقدر عليه؟ فقال ابن عباس: هذا من القدر لا من القدرة(832).
وهذا في الحقيقة من بدائع الكلم، إذ جعل {نقدر} هنا من التقدير، وهذا كما ترى ظن محمود يندرج تحت حسن الظن بالله، ويتضمن اعتقاد نبي الله يونس بأن الله لن يَقْدُرَ عليه العقوبة، بل يعفو ويرحم.
وقد أفاض الإمام القرطبي في الرد على من تأول الآية هنا بمعنى أن إبليس استزله وأوقع في ظنه إمكان ألا يقدر الله عليه بمعاقبته فقال القرطبي: هذا قول مردود مرغوب عنه لأنه كفر، مع أنه صرح بروايته عن سعيد بن جبير.(833)
وثمة توجيه آخر لقراءة الجمهور وهو على جعل نقدر هنا بمعنى نضيق، ويدل لذلك قوله تعالى: {الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر}(834) وقوله: {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله}(835)، وهو قول مروي عن سعيد بن جبير وعطاء والحسن البصري(836).
فهناك إذن توجيهان لقراءة الجمهور أنها بمعنى: التقدير وبمعنى التضييق.
ويشهد للقول بأنه التقدير أيضا ماروي أن عمر بن عبد العزيز قرأها: {فظن أنه لن نقدر عليه} وبمثل ذلك روي عن قتادة ومجاهد والفراء، وأنشد ثعلب:
فليست عشيات اللوى برواجع * لنا أبداً ما أورق السلم النضر
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى * تباركت ما تقدِرْ يَقَعْ ولك الشكر(837)
وثمرة الخلاف: أن نبي الله يونس وهو النبي المعصوم لما ترك قومه وقـع فـي
ظنه شيئان:
الأول: أن قومه لن يقدروا على إيذائه حين يفر منهم، وهو ما دلت له قراءة يعقوب بصيغة المبني للمجهول.
الثاني: أن الله عز وجل لن يقدر عليه بمعنى: لن يقدر عليه، أي لن يعجل حسابه ويؤاخذه بالإياس من قومه(838) وهو ما دلت له قراءة الجمهور وهو حسن ظن بالله، وحسن اعتقادٍ بعفوه ورحمته.
وإن يونس قد برم بقومه لطول ما ذكرهم فلم يذكروا، وأقاموا على كفرهم فراغمهم وظن أن ذلك يسوغ حيث لم يفعله إلا غضباً لله وأنفة لدينه، وبغضاً للكفر وأهله.
فالتأليف بين القراءتين أفادنا الاطلاع على خواطر نبي الله يونس وهو يولي قومه، وهي كما ترى خواطر لا تقدح في العصمة، بل تكشف لنا زيادة مزايا الفضل في هذا النبي الكريم.
————
(829) سورة الأنبياء
(830) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 143
وعبارة طيبة النشر:……………… يقدر ياء واضممن
وافتح ظبي………………….
(831) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ10 ص 329
(832) الكشاف للزمخشري جـ2 ص 581
(833) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ11 ص 329
(834) سورة الرعد
(835) سورة الطلاق
(836) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ11 ص 329
(837) المصدر السابق نفسه ص 330
(838) وكذلك على تأويل عطاء وسعيد بن جبير أنه ظن أن لن نضيَّق عليه، وقد قدمنا هذا القول آنفـاً.
المسألة الثالثة عشرة
قوله تعالى: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين}(839).
قرأ عاصم: {وخاتَم النبيين} بفتح التاء
وقرأ الباقون: {وخاتِم النبيين} بكسر التاء (840)
الخاتم والخاتم لغتان في معنيين اثنين: الخاتم: الزينة، والخاتم: الختام والطابع وكذلك بالكسر، وقد أطبقت معاجم اللغة على ذلك.(841)
وليس بين الفتح والكسر دلالة تشريعية إذ الأمر كما بيناه تعدد لغات لمقصود واحد، وهو ما دلت عليه مراجع اللغة المعتمدة.
ولكن يبدو في المسألة دلالة أخرى في تكامل المعنى من القراءتين المتواترتين وهو أن خاتم بالكسر اسم فاعل، وخاتم بالفتح اسم ذات، وكلاهما وصف له (بأنه ختم الرسل وأنه (خَتْمُهم، وذلك بمعنى الختام وبمعنى الزينة جميعـاً.
ولست أجد هنا ثمرة للخلاف من جهة الأحكام الشرعية، ولكني أوردت هذه المسألة في هذا المقام نظراً لأن فرقة مارقة ظهرت أيام الاحتلال البريطاني للهند وهي الفرقة القاديانية(842) استغلت جهل العامة باللغة فروجت لضلالتها بأن القراءة المتواترة لا تدل على أكثر من أن النبي – صلى الله عليه وسلم – زينة للرسل، وليس ختاماً لهم.
وهذه الضلالة مردودة عند أهل الاعتبار من وجهين:
الأول: لم ينفرد أحد من أهل اللغة المحتج بهم بهذا التفصيل، فالخاتِم والخاتَم كلاهما يحتوي المعنى ذاته من الختام والزينة، فالانفراد بأحد المعنيين تحكم، وهو أمر لم يؤد إليه من قبل اختيار أحد من النحاة المشهورين.
وقد قدمت لك طرفاً من اختيارات الجواهري والفيروزآبادي وابن منظور في الصفحة السالفة.(843)
الثاني: لو سلمنا جدلاً بأن الخاتم بالكسر هو الزينة ولا يدل على الختام، على أساس أن قراءة الفتح وحدها تفيد ختم النبوة، فكيف يسوغ لمسلم أن
يقبل إحدى القراءتين المتواترتين وينبذ أختها، مع أنهما في الثبوت سواء عند سائر المسلمين، وليست إحداهما أولى من أختها بالقبول من جهة الإسناد.
وهكذا فإن مسألة ختم النبوة منصوص عليها في القرآن الكريم، كما دلت على ذلك القراءات المتواترة التي لا ينكرها إلا كافر. وهذه الأدلة من القرآن الكريم مؤيدة بالأدلة المتظاهرة من السنة النبوية التي أجمع أهل السنة والجماعة على تصحيحها.
قال (: “سيكون في أمتي ثلاثون كذابون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي”.(844)
وعن جابر بن عبد الله أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إنما مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى دارا فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فكان من دخلها ونظر إليها فقال: ما أحسنها إلا موضع هذه اللبنة، فأنا موضع اللبنة، ختم بي الأنبياء”(845)
ولم يشتهر القول بنفي ختم النبوة إلا عند القاديانية، وهي فرقة ضالة بإجماع المسلمين، وبحسبك من ضلالهم وانحرافهم علاقتهم بالاستعمار، ودعوتهم الخبيثة إلى نسخ الجهاد، والركون إلى الكفار والمشركين.
وفي ختام هذه المسألة ننقل تلخيصاً لمعنى ختم النبوة ودلالات ذلك، من بحث علمي نفيس بعنوان: هيمنة القرآن وعالميته وخلوده، للباحث العلامة الشيخ أحمد علي الإمام قال فيه:
“وكانت النبوة التي جاءت به خاتمة النّبوات، فكانت صالحة لكل زمان ومكان، وكذا كان القرآن مما استلزم أن يكون هذا الكتاب عالمياً وخالداً.
ذلك أن خاتمية الرسالة وتوقف النّبوات يتطلب استمرارية القيم في القرآن الكريم والمعايير والموجّهات فكان الخلود للقرآن لتخلد هذه القيم، وكان ختام النّبوّات جميعاً يتطلب أن لا تنحصر هذه القيم والموجّهات في أمّة من الأمم دون غيرها {لئلا يكون للناس على الله حجّة بعد الرّسل}”
“وختم النبوة يعني أن القرآن هو آخر رسالة إلى الناس فلا كتاب بعد القرآن ولو علم الله أن الناس يحتاجون إلى رسالة أخرى من بعد ذلك لما كان القرآن الكريم هو الرسالة الخاتمة. فإن رحمة الله بالبشر لا تتركهم بغير دليل وهداية {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (سورة الأنبياء: الآية 107)
ونتيجـة لـختـم النبـوة يلـزم أن تكـون صالحة لكل زمان ومكان وأن تكـون الرسـالـة لـجميــع البشـر تحقيـقـاً للعـالـمـيـة. وأن تكون الرسالـة ميسـرة للقرآن والعمل {ولـقــد يسرنا القرآن للذكر} (ســورة القــمـر: الآية 17) وأحكــامهـا قـائمـة على التيسير لا التعسير {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} (سورة البـقـرة: الآيـة 185) حيـث لا حــرج ولا مشقـــة {وما جعل عليكم في الدين من حرج} (سورة الحج: الآية 78) والتكليف على الوسع {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} (سورة البقرة: الآية 286) كما جاءت هذه الرسالة لترفع عنّا الإصر والأغلال التي كانت على من سبقنا {ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم} (سورة الأعراف: الآية 157) وقد ظل نداء المسلمين على الدوام دعاءً يتلى أناء الليل وأطراف النهار {ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} (سورة البقرة: الآية 286) وحينئـذٍ لا تكون ثمة حاجة لشيء من الرسالات السابقة تحقيقاً لمعنى الهيمنة، ولا يكون ثمة احتمال لضياع الرسالة الخاتمة فيكتب الله لها الحفظ والخلود”(846)
————
(839) سورة الأحزاب
(840) سراج القاري لابن القاصح العذري ص 328
وعبارة الشاطبي:
………………………. وخاتَم وكِّلا
بفتح نما……………………………
وعبارة ابن الجزري في الطيبة:
يكون خاتم افتحوه نصّعاً……………….
(841) انظر لسان العرب جـ12 ص 163 مادة ختم، والقاموس المحيط جـ ص 105 مادة ختم
الصحاح للجوهري مادة ختم، ومختار الصحاح للرازي ص 169 مادة ختم
(842) القاديانية فرقة ضالة أنشأها غلام أحمد القادياني (1252 – 1326 هـ) قام يعلن بأن الله إنما وعد بظهور مثيل عيسى في الأرض لا بظهور عيسى نفسه، وبأنه هو ذلك المثيل الذي وعد الله بظهوره، فهو المسيح الموعود ثم راح يزعم أنه نبي ورسول من الله وصاغ لنفسه وحياً كالقرآن وابتنى لنفسه في بلدة قاديان مسجداً وسماه المسجد الأقصى. وسمى بلدته مكة المسيح إلى آخر ما هنالك من الضلالات إلى أن توفي، وكان من أخطر ما دعا إليه دعوته إلى نسخ الجهاد، وتحريمه ضد الإنكليز في الهند، وهي دعوة تكشف عن حقيقة طوايا القوم ونواياهم.
وليس التفصيل من شرط هذه الدراسة بل يمكننا الإشارة إلى بعض الدراسات الجادة التي قصدت كشف طواياهم وتعريتهم أمام الأمة، منها على سبيل المثال: (طائفة القاديانية) للعلامة محمد الخضر حسين، (القادياني والقاديانية) للسيد أبي الحسن الندوي، (ما هي القاديانية) لأبي الأعلى المودودي، (القاديانية) لإحسان إلهي ظهير، (الموجز في الأديان والمذاهب المعاصرة) تأليف ناصر الغفاري وناصر عبد الكريم العقل.
(843) انظر الصفحة السابقة من هذه الدراسة.
(844) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن ـ جـ6 رقم الحديث 2220
(845) أخرجه البخاري في الصحيح باب المناقب
ورقم الحديث في طبعة البغا 3342 البخاري.
وأخرجه مسلم عن أبي هريرة في كتاب فضائل النبي – صلى الله عليه وسلم – الباب الرابع: تتميم الأنبياء وختمهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث 1527.
(846) مقالة علمية للأستاذ الدكتور أحمد علي الإمام مدير جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، أحتفظ بصورة منها، وقد نشرت.
المسألة الرابعة عشرة
قوله تعالى: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون} الزخرف ـ88 –
قرأ عاصم وحمزة: {وقيله يا رب} بكسر اللام على معنى (وعنده علم الساعة(847) وعلم قيله). وقرأ الباقون: بالنصب. قال الأخفش: منصوب من وجهين: أحدهما على العطف على قوله: {أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم..}(848) وقيله (أي) ونسمع قيله، وعلى قوله: وقال قيله.
قال الزجاج: (الذي اختاره أنا أن يكون نصبا على معنى: (وعنده علم الساعة) ويعلم قيله، فيكون المعنى: (أنه يعلم الغيب ويعلم قيله).(849)
وثمرة الخلاف: أن الله سبحانه أخبر أنه يعلم خبر قيله وأسفه على قومه، وهو ما دلت له قراءة الخفض، ثم تهددهم بقوله: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم، أي ويحسبون أنا لا نسمع قيله يا رب…، ثم أخبر بأنه يسمع ذلك كله، ورسلنا لديهم يكتبون. وهو ما دلت له قراءة النصب. وبالجملة فإن الجمع بين (القراءتين يفيد علم الله بصبر نبيه، ويفيد كذلك تهديده للمشركين في إعراضهم عن هدي النبي – صلى الله عليه وسلم -.
————
(847) هي الآية السالفة: {وعنده علم الساعة وإليه ترجعون، ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون، ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون، وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون}
(848) سورة الزخرف (80)
(849) حجة القراءات ص 655
وانظر سراج القاري ص 350
وعبارة الشاطبي: وفي قيله اكسر واكسر الضَّمَّ بعدُ في…………………….
المسألة الخامسة عشرة
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم}(850) قرأ يعقوب: (لا تقدموا) وقرأ الباقون: (لا تقدموا)(851)
فيكون المعنى على اختيار يعقوب النهي عن التقدم على النبي – صلى الله عليه وسلم – في المشي والقيام بسائر الأفعال، وذلك على تقدير حذف إحدى تاءتي: تتقدموا(852). وهي فعل لازم، ويمثل قراءة يعقوب قرأ الضحاك(853) أيضاً.
وأما قراءة الجمهور فقد جاءت بفعل متعد من غير التصريح بالمفعول، وقـد حذف المفعول إيذاناً بالعموم، ليتناول كل ما يقع في النفس مما يقدم، وقريب من ذلك قوله سبحانه: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}(854) فقد حذف المفعول، ليشمل كل قراءة نافعة، وثمة وجه آخر لحذف المفعول هنا أورده الزمخشري إذ قال: إنه لم يقصد قصد مفعول ولا حذفه، بل توجه بالنهي إلى نفس المتقدم كأنه قيل: لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل، ولا تجعلوه منكم بسبيل كقوله تعالى(855): {هو الذي يحيي ويميت}(856)
وثمرة الخلاف: تظهر فيما تحصل من معان جديدة ومفيدة، فمقتضى الآية هنا النهي عن التقدم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فعلاً كما دلت قراءة يعقوب، وقولا كما دلت قراءة الباقين.
فهي إذن مشتملة على وجوب الأدب معه (وعدم التقدم عليه، ومشتملة أيضاً على وجوب طاعته واتباعه (فيما أمر به. وليس ثمة سبيل لاستخلاص ذينك المعنيين من هذه الآية إلا من خلال تعدد القراءات كما رأينا.
قال القاضي ابن العربي المالكي: الآية أصل في ترك التعرض لأقوال النبي – صلى الله عليه وسلم -، وإيجاب اتباعه، والإقتداء به، وكذلك قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في مرضه: “مروا أبا بكر فليصل بالناس”، فقالت عائشة لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس من البكاء، فمر علياً(857) فليصل بالناس، فقال (: “إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس”.(858)
وكذلك فقد أورد القاضي ابن العربي خمسة أسباب لنزول الآية تكشف لك أن كلا المعنيين مراد حيث دلت عليه الآية، وبسط الأسباب الخمسة كما يلي:
الأول: إن قوماً كانوا يقولون لو أنزل في كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآية، قال قتادة.
الثاني: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه قال ابن عباس.
الثالث: لا تفتئتوا على الله ورسوله في أمر حتى يقضي الله على لسان رسوله (ما يشاء. قاله مجاهد.
الرابع: نزلت في قوم ذبحوا قبل أن يصلي النبي – صلى الله عليه وسلم – فأمرهم أن يعيدوا الذبح. قاله الحسن.
الخامس: لا تقدموا أعمال الطاعة قبل وقتها. قاله الزجاج.(859) وأورد القرطبي سبباً سادساً وهو أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أراد أن يستخلف رجلاً على المدينة يوم قصد خيبر، فأشار عليه عمر برجل آخر فنزلت.(860)
ويناسب أن يكون الرابع والخامس سبباً للآية كما قرأ يعقوب، وأن تكون الأسباب الأخرى واردة على ما قرأ الباقون.
قال ابن العربي: هذه الأقوال كلها صحيحة تدخل تحت العموم، فالله أعلم ما كان السبب المثير للآية، ولعلها نزلت دون سبب.(861)
————
(850) سورة الحجرات 1
(851) النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 175
وعبارة طيبة النشر: تقدموا ضموا اكسروا لا الحضرمي…………………
(852) الكشاف للزمخشري جـ3 ص 552
(853) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ16 ص 30
(854) سورة العلق
(855) سورة غافر
(856) الكشاف للزمخشري جـ3 ص 552
(857) الرواية المشهورة أنه عمر. أوردها البخاري في الصحيح كتاب الجماعة والإمامة رقم الحديث 633
(858) أحكام القرآن للقاضي ابن العربي المالكي جـ4 ص 1712
(859) أحكام القرآن للقاضي ابن العربي جـ4 ص 1712
(860) الجامع لأحكام القرآن جـ16 ص 301
(861) أحكام القرآن للقاضي ابن العربي جـ4 ص 1712
المسألة السادسة عشرة
قوله تعالى: {وما هو على الغيب بضنين}(862)
قرأها ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس: {وما هو على الغيب بظنين}(863) من الظن والتهمة.
وقرأ الباقون: {وما هو على الغيب بضنين}(864) من البخل
ففي قراءة ابن كثير وأصحابه نفى الله سبحانه عن نبيه الكريم تهمة الوهن والظن، فيما يبلغه للعباد من أمر الغيب والوحي، ظنين صيغة (فعيل) من ظن، جاءت اسم فاعل خلاف للقياس في نظائرها مَنَّ وحنَّ وأنَّ، حيث اسم فاعلها حنان ومنان وأنان.
وفي قراءة الباقين نفى الله سبحانه عن نبيه الكريم تهمة كتم شيء من الوحي، فأخبر أن ما هو على الغيب بضنين، من البخل، ويدلُّ له قول السيدة عائشة رضي الله عنها لابن أختها عروة: أين أنت من ثلاث من حدثك بهن فقد كذب… ومن حدثك أنه كتم شيئاً من الوحي فقد كذب.(865)
وذلك كله من أصول العقيدة يدلُّ له العقل، ويدل له النقل في مواطن كثيرة، وتزيده هذه الآية توكيداً على توكيد.
وثمرة الخلاف: أنه يلزم المكلف اعتقاد سلامة النبي – صلى الله عليه وسلم – من أمرين اثنين: من الضن بالغيب ومن الظن بالغيب، فهو لم يكتم شيئاً مما أوحي إليه، وكذلك لم يتلق ما تلقى ظاناً ولا واهماً، وإنما تلقاه بيقين وأداه بيقين.ولم يكن لك أن تدرك المعنيين جميعاً لولا ما تواتر من القراءة الصحيحة.
وهذه المعاني التي دلت لها الآية من أصول العقيدة يدل لها النقل، ويدل لها العقل في مواطن كثيرة، وتزيده هذه الآية توكيداً على توكيد.
وفي التنزيل: {قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي}(866).
وقد أدى النبي – صلى الله عليه وسلم – ما أوحي إليه فلم يضن بشيء، وكان في بعض ما أداه عتب عليه شديد، ولو كان له أن يبدله من تلقاء نفسه لكتم ذلك، وقد قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: لو كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كاتماً شيئاً من الوحي لكتم هذه الآية: {وإذا تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله، وتخفي في نفسك مالله مبديه، وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه}(867)
وكذلك قوله تعالى: {عبس وتولى، أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى، أما من استغنى، فأنت له تصدى، وما عليك ألا يزكى، وأما من جاءك يسعى، وهو يخشى، فأنت عنه تلهى}(868)
وكذلك قوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم، لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}(869)
وكذلك قوله سبحانه: {ولو تقول علينا بعض الأقاويل، لأخذنا منه باليمين، ثم لقطعنا منه الوتين، فما منكم من أحد عنه حاجزين}(870)
فهذه الآيات ونظائرها تضمنت عتباً شديداً على النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولو كان له أن بضنَّ بشيء من الوحي لضن بهذا.
وأما باب الظن فقد رزقه الله سبحانه من اليقين ما لم يؤته أحد، وبحسبك أنه بشَّر سراقة بن مالك بن جعشم بسواري كسرى وتاجه وهو طريد خائف، يخاف أن يتخطفه الناس، وبشر المسلمين بكنوز كسرى وقيصر يوم الخندق، وإن المشركين ليطوقون المدينة كما يطوق السوار المعصم، والمنافقون بداخل المدينة
يغلون بالنفاق ويقولون: {ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً}(871) واليهود يغدرون من الخلف ويكيدون للإسلام والمسلمين.
وأخرج الترمذي في جامعه في كتاب التفسير سورة المائدة: (فبينما نحن كذلك سمعت صوت السلاح، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: من هذا. فقالوا: سعد وحذيفة جئنا نحرسك يا رسول الله، فنام (حتى سمعت غطيطه، ونزلت هذه الآية {والله يعصمك من الناس} فأخرج رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأسه من قبة أدم، وقال: “انصرفوا أيها الناس ـ فقد عصمني الله”(872)
فأنت ترى أنه صرف الحرس على رغم حاجته إليهم لمجرد أنه تلقى من الله وعداً بالعصمة، فقد كان يقينه بعصمة الله أعظم من ثقته بعصمة الناس.
وهذه المعاني كما ترى مجتمعة في قوله سبحانه {وما هو على الغيب بظنين}
————
(862) سورة التكوير 24
(863) سراج القاري لابن القاصح ص 382
وعبارة الشاطبي: وظا بضنين حَق راو وخف في
فأشار بقوله (حق) إلى أبي عمرو وابن كثير، وأشار بالراء إلى الكسائي، أنهم قرؤوها بالظاء.
وقد أخبر ابن الجزري أن رويس قرأها بالظاء أيضاً في تقريب النشر ص 186 وأورد كذلك وجهاً منفرداً نقله ابن مهران عن روح أيضاً أنه قرأها بالظاء.
(864) المصادر نفسها.
(865) رواه البخاري في كتاب التفسير، سورة النجم، آية 1
(866) سورة الكهف 107
(867) سورة الأحزاب 37
(868) سورة عبس 1 – 7
(869) سورة الأنفال 67
(870) سورة الحاقة 45
(871) سورة الأحزاب 12
(872) انظر الجامع الصحيح للترمذي جـ5 ص 4
المسألة السابعة عشرة
قوله تعالى: {لتركبن طبقاً عن طبق} الانشقاق ـ19 –
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف(873): {لتركَبَنَّ طبقاً} بفتح الباء. أي لتركبن يا محمد حالاً بعد حال. يذكر حالات النبي – صلى الله عليه وسلم – من يوم أوحي إليه إلى يوم قبضه الله وقد روي أيضاً: (لتركبن يا محمد سماء بعد سماء) يعني في المعارج.
وقال آخرون منهم ابن عباس: (لتركبن أي لتصيرن الأمور حالاً بعد حال بتغيرها واختلاف الأزمان) يعني الشدة(874).
فـ(الأمور) فاعلة وتكون التاء لتأنيث الجمع.
وقال آخرون منهم ابن مسعود وأنه قرأ (لتركَبَنَّ) أي السماء حالاً بعد حال، تكون وردة كالدهان، وتكون كالمهل في اختلاف هيأتها فتكون التاء لتأنيث السماء
وقرأ الباقون: {لتركَبُنَّ} برفع الباء. وحجتهم في ذلك أنه يخاطب الناس في ذلك، لأنه ذكر من يؤتى كتابه بيمينه وبشماله، ثم ذكر ركوبهم طبقاً عن طبق، ثم قال: {فما لهم لا يؤمنون} المعنى: لتركبن حالاً بعد حال من إحياء وإماتة وبعث حتى تصيروا إلى الله.
عن الحسن قال: لتركبن حالاً بعد حال ومنزلاً بعد منزل(875).
وعن مجاهد(876): لتركَبُنَّ أمراً بعد أمر.(877)
وثمرة الخلاف: أن الآية نصت على شيئين اثنين:
الأول: أن الناس يتقلبون في أحوال مختلفة من الموت إلى القبر إلى البرزخ إلى الحساب إلى حيث يؤمر بهم، وهو ما دلت له قراءة الجمهور.
الثاني: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – موعود من الله عز وجل ـ ووعد الله حق لا يخلف الله الميعاد ـ موعود أن يرقى به طبقاً عن طبق، وقد رأيت قوة التفسير الذي أشار إلى أنها العدة بالمعراج، وقد دلت لهذا المعنى قراءة ابن كثير وحمزة والكسائي وخلف العاشر.
والحاصل أن اختلاف القراءتين مرده إلى تقدير الضمير، أهو مفرد أم جمع، فإن كان مفرداً كما قرأ ابن كثير وأصحابه فهو إما النبي – صلى الله عليه وسلم – كما مر بك، أو السماء كما روي عن ابن مسعود كما قدمناه.
وإن كان المضمر جماعة كما في قراءة الجمهور، فالآية إخبار عن أحوال الناس يوم القيامة وما ينتظرهم من معاد.
وهذه الدلالات جميعاً من مقاصد الآية، لا تتعارض ولا تتناقض، وسبيل معرفتها هو القراءة المتواترة بالضم والفتح جميعاً.
————
(873) سراج القاري ص 382
وعبارة الشاطبي:……………….. وبا تركبن أضمم حبا عَمَّ نهلا
وأضاف ابن الجزري أن خلقاً قرأ بفتح الباء أيضاً ذلك في تقريب النشر ص 187
(874) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور ص 330
(875) المصدر نفسه ص 330
(876) المصدر السابق نفسه ص 330
(877) حجة القراءات ص 330
المطلب الثالث: الغيبيات
المسألة الأولى:
قوله تعالى: {فأزلَّهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه}(878)
قرأ حمزة: {فأزالهما الشيطان عنها}(879)
وقرأ الباقون: {فأزلَّهما الشيطان عنها}(880)
فقراءة حمزة من الإزالة، وهي نقيض الثبات، ويقوي قراءته قوله سبحانه: {فأخرجهما مما كانا فيه}، وهو في اقتضاء الظاهر أكثر من الوسوسة.
أما قراءة الجمهور{فأزلَّهما} من الزلل، وهو نتيجة وسوسته وإغرائه، والوسوسة حديث النفس، يقال وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواساً بكسر الواو، وكان ذلك عن طريق القسم لهما إنه لمن الناصحين {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين}
وأما السبيل التي بها وسوس لآدم فلم يصح فيها خبر، وغاية ما دلت عليه النصوص القرآنية أنه غرَّه باليمين الفاجرة وأغراه بالملك، وهو نقل عن ابن عباس قال: أتاه الملعون من جهة الملك.
وثمرة الخلاف: أنه يجوز نسبة الفعل إلى الشيطان على سبيل المجاز، وهو ما دلت عليه قراءة حمزة، وليس هذا المعنى جديداً مبتدعاً في الآية، بل له نظائر كثيرة في القرآن، ولكنه مؤيد لها ومظاهر، أقربُها قوله سبحانه: {فأخرجهما مما كانا فيه}(881) فنسب الإخراج إليه مع أنه لم يكن منه إلا الوسوسة، وكان الإخراج بأمر الله سبحانه وتعالى على سبيل الحقيقة.
والقراءتان متظاهرتان في التوكيد أن على المؤمن أن يتقي كيد الشيطان، فقد بلغ من كيده أنه أزل نبيا وأزاله عن نعمته، وتكرر الخبر في القرآن لأهميته وعظيم دلالته، وإن كان ذلك الأثر كله مقدر بأمر الله سبحانه، وأمرك بدراستها وفهمها.
فيكون ما دلت عليه قراءة الجمهور أن سعي الشيطان مقتصر على الوسوسة، وما دلت عليه قراءة حمزة أن سعيه قد يتعداها إلى الكيد المفضي إلى ركوب المحظور.
وليس بين القراءتين تناقض بل إن قراءة حمزة أفادت معنى جديداً، وهي متواترة ينبغي التزامها، وهذا يشبه ما هو مقرر عند علماء الاصطلاح من قبول زيادة الثقة.
————
(878) سورة البقرة 36
(879) سراج القاري لابن القاصح ص 150
وعبارة الشاطبية: وفي فأزل اللام خفف لحمزة وزد ألفاً من قبله فتكملا
(880) تعينت القراءة للباقين بذلك لما لم يأت ذكر مخالف إلا حمزة، ولم يأت ابن الجزري على أي إشارة بخلاف أحد من الثلاثة تتمة العشرة.
(881) سورة البقرة 36
المسألة الثانية
قوله تعالى: {قل إنما الآيات عند الله، وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} الأنعام ـ109 –
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة: {وما يشعركم إنها إذا جاءت} بكسر الألف. قال اليزيدي: الخبر متناه عند قوله: {وما يشعركم} أي ما يدريكم؟ ثم ابتدأ الخبر عنهم: {إنهم لا يؤمنون إذا جاءتهم} وكسروا الألف على الاستئناف.
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: {وما يشعركم إنها إذا جاءت} ما منعها أن تكون كقولك: (وما يدريك أنه لا يفعل؟) فقال: لا يحسن ذلك في هذا الموضع، إنما قال: {وما يشعركم} ثم ابتدأ فأوجب فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} لو قال: (وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون) كان عذرا لهم، وحجتهم قوله [بعدها]: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة…} إلى قوله: {ما كانوا ليؤمنوا} فأوجب لهم الكفر، وقال: {ونقلـب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} أي إنَّ الآية إن جاءتهم لم يؤمنوا [لما لم يؤمنوا] أول مرَّة.
وقرأ الباقون: {أنها إذا جاءت} بالفتح. قال الخليل: إن معناها: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون. قال وهذا كقولهم: (إيت السوق أنك تشتري لنا شيئاً) أي لعلك.
يروى في التفسير(882) أنهم اقترحوا الآيات وقالوا: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً}(883)… إلى قوله: {حتى تنزَّل علينا كتاباً نقرؤه} فأنزل الله: {قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}(884) أي لعلها إذا جاءت لا يؤمنون على رجاء المؤمنين.
وقال آخرون: بل المعنى: {وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون} فتكون (لا) مؤكدة للجحد كما قال: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} بمعنى: (وحرام عليهم أن يرجعوا). قال الفراء: (سأل الكفار رسول الله أن يأتيهم بالآية التي نزلت في الشعراء {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين}
وقال المؤمنون: يا رسول الله سل ربك أن ينزلها حتى يؤمنوا، فأنزل الله {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} أي {إذا جاءت يؤمنون} و(لا) صلة كقوله: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} أي أن تسجد.
وقرأ حمزة وابن عامر: {إذا جاءت لا تؤمنون} بالتاء.
وحجتهما قوله: {وما يشعركم} قال مجاهد: قوله {وما يشعركم} خطاب للمشركين الذين أقسموا، فقال جل وعز: وما يدريكم أنكم تؤمنون.
وقرأ الباقون: بالياء، إخبار عنهم. وحجتهم قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} ولم يقل (أفئدتكم)(885)
وثمرة الخلاف: أن القراءتين غير متعارضتين في المعنى، وإن أوهم السياق التعارض، وهي على تقدير التقرير، أو المفعولية، تفيد أن المشركين لن يؤمنوا ولو جاءتهم الآيات، وهذا قررته آيات كثيرة:
{ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين}(886)
{ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون}(887)
وفي توكيد المعنى جاءت الآية التالية: {ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله}(888)
وهذا السياق يدفع توهم أن تكون الآية عتابا للمؤمنين كما يشعر به قوله سبحانه: {وما يشعركم}، على قراءة الفتح.
وهكذا فإن جماهير المفسرين متفقون على معنى أن الآيات لن تكون سببا لإسلامهم، فلا تنتظروا دخولهم في الإسلام بها إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون.
وللقرطبي في هذه الآية تعليل لطيف أنقله لك بنصه: قوله تعالى: {قل إنما الآيات عند الله} أي قل يا محمد: الله القادر على الإتيان بها وإنما يأتي بها إذا شاء. {وما يشعركم} أي وما يدريكم أيمانهم، فحذف المفعول. ثم استأنف فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} بكسر إن، وهي قراءة مجاهد وأبي عمرو وابن كثير. ويشهد لهذا قراءة ابن مسعود {وما يشعركم إذا جاءت لا يؤمنون}
وقال مجاهد وابن زيد: المخاطب بها المشركون، وتم الكلام. حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون، وقد أعلمنا في الآية بعد هذه أنهم لا يؤمنون، وهذا التأويل يشبه قراءة من قرأ {تؤمنون}، بالتاء. وقال الفرَّاء وغيره: الخطاب للمؤمنين، لأن المؤمنين قالوا للنبي(يا رسول الله، لو نزلت الآية لعلهم يؤمنون، فقال الله تعالى: {وما يشعركم} أي يعلمكم ويدريكم أيها المؤمنون. {أنها} بالفتح، وهي قراءة أهل المدينة والأعمش وحمزة أي لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، قال الخليل: {أنها} بمعنى لعلها، حكاه عن سيبويه وفي التنزيل: {وما يدريك لعلَّه يزَّكى} أي أنه يزَّكى. وحكي عن العرب:
ايت السوق أنَّك تشتري لنا شيئاً، أي لعلك، وهو اختيار إمام اللغة الخليل بن أحمد الفراهيدي، وقال أبو النجم:
قالت لشيبان ادن من لقـائــه لأن تغـــدي القــوم مــن شوائــــه
وقال عدي بن زيد:
أعازل ما يدريـك أنَّ منيـتـي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
أي لعلني. وقال دريد بن الصمة:
أريني جوادا مات هزلاً لأنني أرى مــا تريـــن أو بخيــلاً مخـلــداً
أي لعلني. وهو في كلام العرب كثير (أنَّ) بمعنى لعلَّ.
وحكــى الكســـائي أنـــه كـذلــك فـي مصحــف أبـي بــن كعــب:
{وما أدراكم لعلها}
وقال الكسائي والفراء: أن (لا) زائدة والمعنى: وما يشعركم أنها ـ أي الآيات ـ إذا جاءت المشركين يؤمنون، زيدت (لا) كما زيدت لا في قوله تعالى:
{وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} لأن المعنى: وحرام على قرية مُهلكة رجوعهم.
وفي قوله: {ما منعك ألا تسجد} والمعنى: ما منعك أن تسجد.
وضَعَّفَ الزجاج والنحاس وغيرهما زيادة (لا) وقالوا: هو غلط وخطأ لأنها إنما تزاد فيما لا يشكل. وقيل: في الكلام حذف، والمعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون، ثم حذف هذا لعلم السامع، ذكروا النحاس وغيره.(889)
ونقل أبو الشيخ(890) عن ابن عباس قال: أنزلت في قريش ومعناها: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بهـا، قـل إنما الآيات عند الله وما يشعـركم يـا معشر المسلمين أنهـا إذا جـاءت لا يؤمنـون إلا أن يشـاء الله فيجبرهم على الإسلام.(891)
————
(882) الكلام هنا نقل عن أبي زرعة في الحجة كما سيأتي.
(883) سورة الإسراء 93
(884) انظر أسباب النزول للجلال السيوطي، سورة الإسراء 93
(885) حجة القراءات ص 265
وانظر سراج القاري ص 213
وعبارة الشاطبي: وحرك وسكن كافياً.. واكسِرْ إنها حمى صوبه بالخلف دراً وأوبلا
(886) سورة الأنعام 6
(887) سورة الحجر 14
(888) سورة الأنعام 109
(889) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي طـ دار الكاتب العربي جـ7 ص 64
(890) هو عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصبهاني 274 هـ ـ 369 هـ، أبو محمد، من حفاظ الحديث العلماء برجاله، يقال له أبو الشيخ، نسبته إلى جده حبان، فيقال له: أبو الشيخ الحباني، له تصانيف منها: طبقات المحدثين بأصبهان، كتاب السنة، كتاب العظمة. اهـ
(891) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي، جـ3 ص 39
المسألة الثالثة
قوله تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قِيَماً ملة إبراهيم حنيفاً}
قرأ نافع و أبو جعفر المدنيان وأبو عمرو البصري: {ديناً قيِّماً ملة إبراهيم حنيفا} أي مستقيماً.
وقرأ الباقون: {ديناً قيماً} بالتخفيف(892)
قال أبو زرعة ديناً قيماً بكسر القاف أي مستقيماً(893)، أي لا عوج فيه(894)، وعلى ذلك جرى أكثر المفسرين أنها لغتان في الكلمة الواحدة، حتى نقل أبو زرعة عن الفراء قوله: في هذه الكلمة لغات العرب تقول: هذا قيَّام أهله، وقوَّام أهله، وقَيِّمُ أهله، وقِيَم أهله.(895)
ونظائر القراءة بالتشديد في الكتاب العزيز قوله تعالى: ذلك دين القيمة، وكذلك قوله سبحانه: فيها كتب قيمة.
وثمرة الخلاف: إنما تظهر من تعقب معاني الكلمتين، فقد رأيت أن عامة المفسرين جزموا بأنهما لغتان من الاستقامة وبذلك تكون ثمرة الخلاف محدودة في إظهار توسع لغوي لأحد الألفاظ العربية.
ولكن رأيت في فتح القدير للشوكاني معنى آخر للقيم بالتشديد حيث قال ما نصه: الدين القيم، الدين المأمور بإقامة الوجه له(896)، فعلى ذلك تكون قراءة التشديد أفادتنا معنى جديدا للفظة المذكورة.
فيكون من دلالة قراءة التخفيف أن الإسلام دين مستقيم لا عوج فيه، ناطق بمراد الله هاد إلى أمره.
ويكون من دلالة قراءة التشديد أن الإسلام هو الدين الذي ينبغي أن تقوم له وجوه الموحدين.
وهما وصفان للإسلام لم نكن لنفهم دلالتهما إلا بالقراءتين جميعاً.
————
(892) قال الشاطبي في الحرز:
وكسر وفتح خف في قيماً ذكا……………………..
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ص 220
(893) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 278
(894) القرطبي. الجامع لأحكام القرآن جـ7 ص 152
(895) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 278
(896) فتح القدير للشوكاني جـ4 ص 224
المسألة الرابعة
قوله تعالى: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت، وردوا إلى الله مولاهم الحق}(897) قرأ حمزة والكسائي وخلف: {هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت} بالتاء
وقرأ الباقون: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت}(898) بالباء وهما معنيان كما ترى، فالقراءة بالتاء إخبار عن حال العباد حينما تبسط الصحف أمامهم يوم القيامة فيقرؤون ما فيها، ونظيرها قول الله عز وجل: {أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}(899)، وقيل: بل معناه تتبع كل نفس ما قدمت في الدنيا، ومنه قول الشاعر:
إن المـريـب يتبـــع المريبـــــا كما رأيت الذيب يتلو الذيبــا(900)
وأما القراءة بالباء فهي من الاختبار والابتلاء أي تختبر ما قدمت من عمل صالح وغيره وتعاين نتيجته، ومنه قوله تعالى: {إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة}(901)، أي اختبرناهم كما اختبرنا أصحاب الجنة.
وثمرة الخلاف: كما ترى في إضافة معنى جديد في تفسير الآية، حيث يلزم الاعتقاد أن العبد يوم القيامة يتلو ما أسلف ويبلو ما أسلف، فيندفع عنه بتلاوة الصحائف توهمه ضياع بعض عمله، ويندفع عنه بابتلاء الصحائف توهمه أنه لم يؤت جزاء ما عمل، وهذه المسألة من الغيبيات التي يكلف المؤمن باعتقادها، وكما ترى فإن كل واحد من المعنيين دلت له قراءة متواترة يتحتم على المسلم تصديقها والتزامها.
————
(897) سورة يونس 30
(898) قال الشاطبي في الحرز إشارة إلى قراءة المرموز لهم بالتاء وهما حمزة والكسائي
………………….. وفي باء تبلو التاء شاع تنزلا
وقال ابن الجزري في الدرة مشيراً إلى اختيار خلف لوجهي حمزة والكسائي:
رم دن سكوناً باء تبلو التاء شفا
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ص 243
(899) سورة الإسراء 13
(900) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ8 ص 334
(901) سورة ن 17
المسألة الخامسة
قوله تعالى: {لا جرم أن لهم النَّار وأنهم مفرطون}(902)
قرأ نافع: {وأنهم مُفْرِطون}
وقرأ أبو جعفر: {وأنهم مُفَرِّطون}
وقرأ الباقون: {وأنهم مُفْرَطون}(903)
والتفريط هو التصنيع، وفرط في الأمر أي قصر فيه وضيعة حتى فات(904)، ومنه قول كعب بن مالك في تخلفه: وتفارط الغزو أي فات وقته(905)، ومثله قول الله سبحانه: {وكان أمره فرطاً}(906) أي متروكاً، ترك فيه الطاعة وغفل عنها.(907)
ودلالة القراءات الثلاث بحسب متعلقاتها، فقراءة نافع على تقدير الفاعلية، وقراءة أبي جعفر على المبالغة فيها، وقراءة الجمهور على تقدير المفعولية، وهذه المعاني جميعاً لازمة المشركين في الآخرة كما دلت القراءة المتواترة.
ونقل الزمخشري وجهاً آخر لأبي جعفر في الكشاف وهو: مفرَّطون(908)، وهو أيضاً صيغة مبالغة من قراءة الجمهور، ولكن هذا النقل عن أبي جعفر لم يبلغ رتبة التواتر فالعهدة فيه على رواته.
وثمرة الخلاف: تظهر لك في التأليف بين المعاني التي دلت لها تلك الوجوه، فالقرآن وصف الكفرة بأنهم مفرطون في حق أنفسهم وفي حق دينهم، ضيعوا فرائض الله وتركوا أوامره، والقراءة الثانية أفادت المبالغة في هذا المعنى، فدلت على عنادهم في التفريط والتهاون لأمر الله ونهيه.
وأخبرت القراءة الثالثة بأن الله سبحانه جازاهم من جنس ما يفعلون، فكما فرطوا في أمر الله وضيعوه، فرط الله في أمرهم وضيعهم، وهو من المشاكلة التي وردت مرارا في القرآن الكريم، ونظائرها: {نسوا الله فنسيهم}(909) {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون}(910) {ومكروا مكر الله والله خير الماكرين}.(911)
ولاشك أن سبيل إدراك هذه المعاني جميعاً من منطوق آية واحدة، إنما هو بتحصيل الوجوه الثلاث من القراءة المتواترة والله أعلم.
————
(902) سورة النحل 62
(903) أخبر ابن الجزري عن مذاهب العشرة في هذه الكلمة بقوله:
…………….. ورا مفرطون اكسر (مداً) واشدد (ثـ) ـرا
وأنقل كذلك سراج القاري لابن القاصح العذري ص 270
وعبارة الشاطبي في الحرز:
ورا مفرطون اكسر أضا………………………
(904) لسان العرب جـ7 ص 360 باب فرط
(905) سيرة رسول الله 320
(906) سورة الكهف 28
(907) لسان العرب جـ7 ص 368 باب فرط
(908) الكشاف للزمخشري جـ2 ص 415
(909) سورة التوبة 67
(910) سورة البقرة 15
(911) سورة آل عمران 54
المسألة السادسة
قوله تعالى: {قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء}(912)
قرأ أبو جعفر المدني: {ما كان ينبغي لنا أن نُتَّخَذَ} بصيغة المبني للمجهول.
وقرأ الباقون: {ما كان ينبغي لنا أن نَتَّخِذ}(913)
ونقل الزمخشري في الكشاف في توجيه قراءة أبي جعفر أن هذا الفعل يعني: (اتخذ) يتعدى إلى مفعول واحد، كقولك اتخذ زيدٌ ولياً، وإلى مفعولين، كقولك اتخذ زيدٌ فلاناً ولياً. أي ما ينبغي لنا أن نُعبَد من دون الله، قال الله تعالى: {أم اتخذوا آلهة من الأرض}، وقال: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً}، فالقراءة الأولى من المتعدي إلى واحد وهو من أولياء، والأصل أن نتخذ أولياء فزيدت من لتأكيد معنى النفي، والثانية من المتعدي إلى مفعولين، فالأول ما بني له الفعل، والثاني من أولياء، ومن للتبعيض، أي لا نتخذ بعض أولياء.(914)
وتبدو قراءة أبي جعفر أوضح في السياق، إذ المطلوب هنا ليس تبرئة المعبودات من عبادة غير الله، بل المطلوب تنزيه المعبود سبحانه من وجود شريك له،
ولكن تكلم النحويون في هذا الوجه، فقال أبو عمرو البصري زبان بن العلاء: لو كانت نتخذ لحذفت (من) الثانية، فتقول: أن نتخذ من دونك أولياء، وبمثل هذا القول قال أبو عبيدة وعيسى بن عمر، وقد قال بردِّ هذه القراءة في اللغة الإمامُ القرطبي في الجامع في نقل عزاه إلى النحاس يطول نقله، ومثل له بقولك: ما اتخذت رجلاً ولياً(915)، وقولك: ما اتخذت من رجل ولياً، وهو يشبه ما قدمته لك من اختيار الزمخشري، إذ لا يحسن أن تقول: ما اتخذت من رجل من ولي:…
وثمرة الخلاف: أن المعبودات من دون الله من أنبياء وصالحين، وكذلك من أحجار ونجوم وأشجار إنما هي موحدة لله عز وجل، على الفطرة التي فطر الله عليها الخلق، إلا ما يكون من أمر الطواغيت والشياطين الذين يدعون الناس إلى عباداتهم، كما قال الله سبحانه حكاية عن فرعون: فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى.
وعليه فإن الآية دلت على أمرين اثنين:
الأول: أن الكائنات جميعا في الأصل موحدة، ما ينبغي أن تتخذ من دون الله من أولياء، وهو ما دلت له قراءة الجمهور.
الثاني: أن بعض المخلوقات عبدت من دون الله على غير إرادة منها، فهي موحدة طائعة، لا تحمل إثم عُبَّادها وزيغهم إذا أقرت بين يدي الله بالتوحيد، كما عبد بعض الكفرة عيسى ابن مريم، وعبد بعضهم عزيزاً، وكلاهما نبي كريم، لا يضره وزر عابديه، إذ كان قد سبق منهم دعوتهم إلى عقيدة التوحيد، وهذا المعنى دلت له قراءة أبي جعفر.
وقد كنت أحب في هذا الباب أن أقف على رأي للإمام اللغوي الحجة أبي زرعه فإن من عاداته أن يبسط القول في مثل هذه المسائل، ولكنه يلتزم في كتابه الحجة الانتصار للسبعة، وليس منهم أبو جعفر، ولم أقف على نقل لأبي زرعة في هذا المقام.
ومع ذلك فإنه لا يخفى أن اعتراض بعضهم على قراءة أبي جعفر محمول على عدم ثبوت تواترها عندهم، ولو ثبت عندهم التواتر لم تكن لهم مندوحة من قبول ذلك في اللغة والاستنباط.
————
(912) سورة الفرقان 18
(913) قال ابن الجزري في الطيبة مشيراً إلى مذهب أبي جعفر في ضم نون نتخذ:
………………………. نتخذ أضممن ثروا
انظر إتحاف البررة ص 242، وانظر تقريب النشر لابن الجزري ص 151
(914) الكشاف للزمخشري جـ3 ص 86
(915) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ13 ص 10
المسألة السابعة
قوله تعالى: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون} النمل ـ82 –
قرأ عاصم وحمزة الكسائي: {أن الناس} بفتح الألف. واحتجوا بقراءة ابن مسعود: {تكلمهم بأن الناس} بالباء، فلما سقطت الباء حكى عليها بالنصب.
وقرأ الباقون: {إن الناس} بالكسر على الاستئناف. جعلوا اللام عند قوله {تكلمهم} تاماً.(916)
وثمرة الخلاف: أن قراءة الجمهور ألزمت المسلم باعتقاد خروج الدابة كشرط من أشراط الساعة، وهو ما دلت عليه نصوص من السنة.
أخرج نعيم بن حماد عن ابن شوذب قال: قال عمر: لا تخرج دابة الأرض حتى لا يبقى في الأرض مؤمن(917)
وعن أ بي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانهم خيراً: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض”(918).
وهذا المعنى دلت له قراءة الكوفيين أيضاً، وزادت عليه بأن ذكرت كلام الدابة {أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون}، فأضافت هذه القراءة معنى جديداً في أشراط الساعة يلزم اعتقاده.
والدابـة التي جـاءت بهـا الآيـة العظيمـة من أظهر علامات الساعـة، وهـي إحـدى الأشـراط الـتي لا يحـل إنكـارها، لأنهـا ورد بهـا الخـبر في القـرآن العظـيم وفي السنـة الصحيحـة، وأكثر الأحاديث بسطاً لخبر الدابـة إنـمـا هـو حديث حذيفة بن أسيـد الغفـاري، وقد خرجه جـمـاعة من أهـل السنن:
“تكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر: فتخرج خرجة من أقصى اليمين حتى ينشر ذكرها في أهل البادية، ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة، ثم تمكث زماناً طويلاً بعد ذلك، ثم تخرج خرجةً أخرى قريباً من مكة فينتشر ذكرها في أهل البادية وينشر ذكرها بمكة، ثم تكمن زماناً طويلاً، ثم بينما الناس يوماً بأعظم المساجد على الله حرمةً وخيرها وأكرمها على الله المسجد الحرام، لم يرعهم إلاَّ وهي في ناحية المسجد ترغو ما بين الركن والمقام إلى باب بني مخزوم على الخارج من المسجد تنفض على رأسها التراب، فارفضَّ الناس عنها شتَّى ومعاً، وتثبت لها عصابة من المؤمنين وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله، فبدت بهم فجلت وجوههم حتى تجعلها كأنها الكواكب الدرية، ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب حتى أن الرجل ليقوم يتعوذ منها بالصلاة فتأتيه من خلفه فتقول يا فلان الآن تصلي؟! فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه ثم تذهب، ويتجاوز الناس في دورهم وفي أسفارهم ويشتركون في الأموال ويصطحبون في الأمصار ويعرف المؤمن من الكافر، حتى أن المؤمن ليقول للكافر يا كافر أقضني حقي، وحتى أن الكافر يقول للمؤمن، يا مؤمن أقضني حقي”(919)
وأقوال المفسرين في وصف الدابة متقاربة، وإنما عمدتهم على النصوص الواردة في وصفها، ولعل أقوى الوجوه في ذلك ما اختاره ابن عمر رضي الله عنه(920) من أنها الجساسة الوارد ذكرها في الصحاح، وقد أتينا على رواية خبرها في باب أسانيد القراءات(921) فارجع إليه تجده مبسوطاً ثمة.
وتجمع آراء المفسرين على أنها حيوان يخرج من بعض أطراف الحجاز(922) ثم تدخل مكة فتكون للناس واعظاً ناطقاً تحدثهم بآيات الله.
وهكذا فإن التواتر المتحقق في القراءتين يلزم المسلم أن يعتقد بخروج الدابة وأن يعتقد بكلامها المذكور في الآية.(923)
وثمة قراءة شاذة منقولة عن بعض السلف وهي: (دابة من الأرض تَكْلِمُهُم)(924) أي تجرحهم، وهي شاذة أريد بها نفي صفة الكلام عن الدابة، وهو خطأ في العقيدة إذ يلزم الاعتقاد أنها تتكلم كما دلت له القراءة المتواترة.
————
(916) حجة القراءات ص 538
وانظر سراج القاري ص 313
وعبارة الشاطبي: ومع فتح أن الناس ما بعد مكرهم لكف وأما يشركون ندٍ حلا
(917) كذا عزاه السيوطي إلى نعيم بن حماد ولم أعثر على إسناده. انظر كنز العمال جـ14 ص 623
(918) أخرجه الإمام مسلم، كتاب الفتن
(919) ذكره السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور جـ5 ص 336
وأورد القرطبي أطرافاً من روايته في جـ13 ص 235
وأخرجه الطبراني عن ابن أسيد الغفاري
وأخرجه الحاكم وعبد بن حميد في تفسيره، انظر كنز العمال جـ14 ص 324
وفي صحيح مسلم قريب من هذه الرواية كتاب الفتن باب 48 باب صفة الدجال وخروجه وحديث الجساسة، رقم الحديث عند مسلم 2054
(920) انظر القرطبي الجامع لأحكام القرآن جـ13 ص 235
(921) انظر ص 102 من هذه الدراسة
(922) تجد من أقوال السلف في مخرج الدابة:
من جبل الصفا بمكة: ابن عمر
تخرج من تهامة: قتادة
تخرج من الطائف: عبد الله بن عمرو
من جبل أحياد: ابن عباس
انظر في استقصاء أقوالهم: الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جـ4 ص 105 وكما رأيت فإن جملة الأقوال في مخرج الدابة لا تبعد عن الحجاز، ولم أشأ الخوض في حجة كل قائل إذ ليس ذلك من شرط هذه الدراسة.
(923) ولا يخرج من هذا الإجماع إلا رأي هزيل لبعض غلاة الشيعة وهو أن الدابة هي علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد روي هذا القول عن عدد من مفسري الشيعة منهم القمي في تفسيره جـ2 ص 130، ومنهم شرف الدين الأسترابادي الغروي في كتابه تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، طـ مؤسسة النشر الإسلامي عام 1409 هـ في ص 401، وقد استقصى فيه تسع روايات عن أئمة الشيعة في إثبات توجيه دلالة الآية إلى الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه، ولكن بعض التأمل في المنهج القرآني في ذكر الصالحين يدفع هذا الوهم الزائغ، إذ شأن العالم الفاضل المرشد أن يسمى إنساناً، ويكرم بلقب إمام أو عالم أو عارف، ولا يسميه: دابة إلا من لا علم له، ولا أدب عنده.
قال القرطبي: وهذا خروج عن عادة الفصحاء، وعن تعظيم العلماء، وليس ذلك دأب العقلاء.
واعتقاد علماء الشيعة في هذه المسألة موافق لمختار الجمهور من الفقهاء والمفسرين، وقد نقله عنهم صاحب التفسير المبين بقوله: ما بين سبحانه حقيقة هذه الدابة في كتابه، ولا ثبت ذلك عندنا في سنة نبيه الكريم، ولا يسوغ الكلام بغير علم، فلم يبق إلا الوقوف عند ظاهر الآية الذي يدل على أن الله سبحانه يخرج من الأرض عند النشر مخلوقاً يعلن أن ما من أحد جحد بالله إلا مع قيام البينات والآيات الواضحات على وجوده تعالى، نقول هذا في تفسير هذه الدابة، ونسكت عما سكت الله عنه. انظر التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية ص 441، وانظر القرطبي الجامع لأحكام القرآن جـ13 ص 235.
(924) نقل هذا القول الطبري في الجامع جـ13 ص 238، والزمخشري في الكشاف جـ3 ص 160
المسألة الثامنة
قوله تعالى: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب} الصافات ـ7 –
قرأ حمزة والكسائي وحفص: {لا يسمَّعون} بالتشديد.
وقرأ الباقون بالتخفيف وحجتهم ما روي عن ابن عباس أنه قرأ:
{لا يَسْمعون} وقال: (هم يَسَّمَّعون ولكن لا يَسْمَعون) [والدليل] على صحة قول ابن عباس أنهم (يَسَّمَّعون ولكن لا يَسْمعون) قوله: {وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً}(925)
وقوله [بعدها]: {إلاَّ من خطف الخطفة…}(926) فعلم بذلك أنهم يقصدون للاستماع ومن حجتهم أيضاً إجماع الجميع على قوله: {إنهم عن السمع لمعزولون}(927) وهو مصدر (سمعت) والقصة واحدة.
وتأويل الكلام: وحفظاً من كل شيطان مارد لئلا يسمعوا، بمعنى أنهم ممنوعون بالحفظ عن السمع. فكفت (لا) من (أن) كما قال: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين، لا يؤمنون به}(928) بمعنى: لئلا يؤمنوا به، فكفت (لا) من (أن) كما
كفت (أن) من (لا) في قوله تعالى: {يبين الله لكم أن تضلوا}(929) فإن قال قائل: فلو كان هذا هو الوجه لم يكن في الكلام (إلى) ولكان الوجه أن يقال: لا يسمعون الملأ الأعلى؟
قلت: العرب تقول: سمعت زيداً وسمعت إلى زيد، فكذلك قوله{لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} وقد قال جل وعز: {وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا}(930) وقال: {ومنهم من يستمع إليك}(931) فيعدّي الفعل مرة بـ(إلى) ومرة باللام كقوله: {وهداه إلى صراط مستقيم}(932) و{الحمد لله الذي هدانا لهذا}(933) {وأوحى ربك إلى النحل}(934) وقال {بأن ربك أوحى لها}(935).
ومن قرأ: {يسمَّعون} فالأصل: (يتسمعون) فأدغم التاء في السين لقرب المخرجين.
وحجتهم في أنهم منعوا من التسمع: الأخبار التي وردت عن أهل التأويل: بأنهم كانوا يتسمعون الوحي، فلما بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رقوا بالشهب ومنعوا فإذا كانوا عن التسمع ممنوعين كانوا عن السمع أشد منعاً وأبعد منه. لأن المتسمع يجوز أن يكون غير سامع، والسامع قد حصل له الفعل، قالوا: فكان هذا الوجه أبلغ في زجرهم لأن الإنسان قد يتسمع ولا يسمع، فإذا نفي التسمع عنه فقد نفى سمعهم من جهة التسمع ومن جهة غيره، فهو أبلغ(936)، وهو ما تدل له قاعدة: زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، فاشتمل نفي التسمّع على نفي السماع وزاد عليه نفي القدرة على السماع ومحاولته.
وثمرة الخلاف: أن اعتقاد المؤمن بوجود الجن لا يجوز أن يحمله على اعتقاد أن الجن تعلم من الغيب شيئاً، فقد أخبر الله عز وجل بصريح النص أن الجن لا يسمعون من خبر الملأ الأعلى شيئاً، وهو ما دلت له قراءة الجمهور. وجاءت قراءة حمزة والكسائي وحفص بنفي الاستماع فضلاً عن السمع {لا يسمَّعون إلى الملأ الأعلى}(937)، ومقتضى القراءتين وجوب اعتقاد المسلم بنفي معرفة الغيب عن الجن كما الإنس، إلا من ارتضى من رسول: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول}(938).
وهذا المعنى هو المنصوص عليه في سورة سبأ: {فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين}.(939)
ومجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في أمر الجن أنهم خلق من خلق الله كالملائكة، لا نعرف من حقيقتهم إلا ما جاءنا عن طريق الخبر الصادق، أي عن طريق كتاب الله وسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقد جاءت النصوص ببيان بعض أوصافهم:
أولاً: أنهم صنف غير صنف الملائكة، مخلوقون من مارج نار.
قال تعالى: {خلــــق الإنســان من صلصــال كالفخــار، وخلـــق الـجـان مـن مـــارج مـن نــار}(940)
ثانياً: انهم مخلوقون قبل الإنس، ودليل ذلك قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون، والجان خلقناه من قبل من نار السموم}.(941)
ثالثاً: أنهم لهم ذرية، قال الله تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلاً}(942)
رابعاً: أنهم يروننا من حيث لا نراهم، قال الله تعالى: {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون}(943)
خامساً: أنهم مخلوقات قابلة للعلم والمعرفة، ذات إرادة واختيار، مكلفون بالإيمان والعبادة، قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطمعون}(944)
سادساً: انهم قسمان: مؤمنون وكافرون، وقد دلت آيات سورة الجن على ذلك وفيها: {وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً، وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً}(945)
سابعاً: أنهم يحاسبون يوم القيامة على ما أسلفوا، قال تعالى: {ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلتنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم}(946)
ثامناً: أن لهم قدرات كبيرة ومهارات صناعية، وقد أخبر الله سبحانه عنهم أنهم أسهموا في عمران مملكة سليمان، وحمل عروش الملوك إليه: {يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور}(947)
وقال: {فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص}(948)
وقال: {قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين}(949)
تاسعاً: أنهم كانوا يستمعون العلم من السماء قبل بعثة النبي – صلى الله عليه وسلم – فلما بعث حجبوا عن خبر السماء، قال تعالى: {وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً، وأن كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً}(950)(951)
وثمة قراءة شاذة منقولة عن بعض السلف وهي: (دابة من الأرض تَكْلِمُهُم)(924) أي تجرحهم، وهي شاذة أريد بها نفي صفة الكلام عن الدابة، وهو خطأ في العقيدة إذ يلزم الاعتقاد أنها تتكلم كما دلت له القراءة المتواترة.
————
(925) سورة الجن (9)
(926) سورة الصافات (10)
(927) سورة الشعراء (200)
(928) سورة الشعراء (200)
(929) النساء (176)
(930) الأعراف (204)
(931) الأنعام (25)
(932) النحل (121)
(933) الأعراف (43)
(934) الزلزلة (5)
(935) حجة القراءات ص 605
وانظر سراج القاري ص 334
وعبارة الشاطبي:
………….. يسمَّعون شذا عَلا
بثقلية…………………….
(936) انظر الحاشية السابقة
(937) سورة الصافات 7
(938) سورة الجن 9
(939) سورة سبأ 14
(940) سورة الرحمن 14
(941) سورة الحجر 27
(942) الكهف 50
(943) سورة الأعراف 27
(944) الذاريات 56
(945) الجن 14
(946) الأنعام 128
(947) سورة سبأ 13
(948) سورة ص 36
(949) سورة النمل 39
(950) سورة الجن 8
(951) انظر العقيدة الإسلامية وأسسها للشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة ص 288
المسألة التاسعة
قوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً، أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون} الزخرف ـ19 –
قرأ نافع وابن عامر وابن كثير: {وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمن} بالنون. وحجتهم قوله {إن الذين عند ربِّك لا يستكبرون عن عبادته}(952).
وقرأ الباقون: {عبادُ الرحمنِ} جمع عبد. وحجتهم قوله: {بل عباد مكرمون}. فقد جاء التنزيل بالأمرين جميعا. وفي قوله: {عند الرحمن} دلالة على فرع المنزلة والتقريب كما قال: {ولا الملائكة المقربون}(953)، وليس من قرب المسافة. وفي قوله: {عبادُ الرحمن} دلالة على تكذيبهم في أنهم إناث كما قال: {أم خلقنا الملائكة إناثاً وهم شاهدون(954)}(955).
وثمرة الخلاف: أن قراءة الشامي والمكي والمدني نصت على الإذن بوصف الملائكة أنهم عند الله، وهذه العندية هنا هي مسألة مكانة لا مسألة مكان، كما
سبق بيانه، ونظيره في التنزيل العزيز: {إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون}(956)
وأفادت قراءة الكوفيين والبصري توكيدا لحقيقة أن الملائكة ليسوا بإناث وهم لا يوصفون كذلك بالذكورة وليس لهم وصفها.
ولا يخفى أن الإنكار الشديد الوارد في الآية متجه إلى ما ظهر من المشركين من فساد اعتقاد في إثبات صفة الأنوثة للملائكة، وليس لمحض التسمية.
قال عبد القاهر الجرجاني في الإعجاز: (فأما قوله تعالى: {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} فإنما جاء على الحقيقة التي وصفتها، وذاك إن المعنى على أنهم أثبتوا للملائكة صفة الإناث، واعتقدوا وجودها فيهم، وعن هذا الاعتقاد صدر عنهم ما صدر من الاسم، أعني إطلاق اسم البنات، وليس المعنى أنهم وضعوا لها لفظ الإناث أو لفظ البنات اسماً من غير اعتقاد معنى وإثبات صفة، هذا محال لا يقوله عاقل)(957).
والخلاصة فإن الآية جاءت في قراءتيها تتضمن التهويل والإنكار على من اعتقد في الملائكة الكرام أوصافاً غير التي أخبر المولى سبحانه عنها، فأخبر عن الملائكة كما في قراءة أهل الشام والحجاز أنهم عنده سبحانه، فجعل من يطعن في كرامتهم واقعاً في المحظور المخالف للعقيدة الإسلامية.
————
(952) سورة الأعراف (206)
(953) سورة النساء (172)
(954) سورة الصافات (150)
(955) حجة القراءات ص 647
(956) سورة الأعراف (206)
(957) دلائل الإعجاز للإمام اللغوي عبد القاهر الجرجاني طــ مكتبة سعد الدين ص 340
المسألة العاشرة
قوله تعالى: {وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين}(958)
قرأ أبو عمرو البصري: {وقد أُخِذ ميثاقكم}
وقرأ الباقون: {وقد أَخَذ ميثاقكم}(959)
وقد اختار أبو عمرو أن يجري الآية على ما لم يُسمَّ فاعله، وقد اتفق سائر القراء على بنائها للمجهول في قوله سبحانه: ألم يؤخذ عليكم ميثاق الكتاب.
وثمرة الخلاف: تظهر في تعظيم أمر الميثاق، فقد نسب أخذ الميثاق في قراءة أبي عمرو إلى ما لم يسم فاعله، وهو يفيد تهويل شأن الميثاق، ثم جاءت القراءة الأخرى بالتصريح أن الميثاق إنما هو مع الله عز وجل فيكون بذلك أوقع في النفوس وأهيب.
وهكذا فليس بين القراءتين تنافر أو تضاد، ولكن قراءة أبي عمرو بالتصريح بعائدية الفاعل أفادت معنى جديداً وهو التصريح بأن الميثاق إنما هو بين الله وبين المؤمنين.
————
(958) سورة الحديد (8)
(959) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 697
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ص 363
وعبارة الشاطبي:
وميثاقكم عنه وكل كفى……………………..
المسألة الحادية عشرة
قوله تعالى: {يوم القيامة يفصل بينكم}(960)
قرأ ابن عامر: {يوم القيامة يُفَصَّل بينكم}
وقرأ عاصم ويعقوب: {يوم القيامة يَفْصِلُ بينكم}
وقرأ الباقون: {يوم القيامة يُفَصِّل بينكم}(961)
ثمرة الخلاف: ليس في هذه الوجوه معنى تستقل به القراءة أي: لا يظهر في غيرها من النصوص، بل هي تدل بمجموعها على بعض أحوال يوم القيامة كما جاءت في وصفها الآيات والسنن الصحاح.
فقد أخبرت الآية بأن الله سبحانه وتعالى يفصل بين العباد، أي يفرق بينهم فيدخل أهل طاعته الجنة وأهل معصيته النار(962)، وهو ما دلت له قراءة الجمهور.
ثم أضافت قراءة عاصم ويعقوب معنى آخر وهو أن الله يفصل بين العباد يوم القيامة بمعنى الحكم والقضاء، فهو يصدر قوله الفصل الذي لا يراجع.
فيما أشارت قراءة ابن عامر إلى التمييز بين العباد منسوباً إلى مالم يسم فاعله وهو لون من التهويل والوعيد.
ولاشك أن الآية بقراءاتها الثلاث أوقع في النفس، وأبعد أثرا، وأبلغ تأثيراً.
ولكن يجب القول أن هذه المعاني ليست مما انفردت به الآية هنا بل وردت المعاني ذاتها في نصوص أخرى، وازدادت هنا وضوحا وتوكيداً.
فمن الآيات التي أخبرت عن التفريق بين الخلائق يوم القيامة: {ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون}(963)
ومن الآيات التي أشارت إلى قضاء الله وفصله بين الخلائق: {قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد}(964)
————
(960) سورة الممتحنة 3
(961) تقريب النشر لابن الجزري ص 180
ونص الشاطبية:
ويفصل فتح الضم نص وصاده بكسر ثوى والثقل شافيه كملا
وانظر سراج القاري لابن القاصح ص 367
(962) فتح القدير للشوكاني جـ5 ص 211
(963) سورة الروم
(964) سورة غافر 48
المسألة الثانية عشرة
قوله تعالى: {وهو الغفور الودودُ * ذو العرش المجيدُ}(965)
قرأ حمزة والكسائي وخلف: {وهو الغفور الودود * ذو العرش المجيدِ}
وقرأ الباقون: {ذو العرش المجيدُ}
فالمجيد على قراءة أهل الكوفة صفة للعرش، وعلى قراءة الجمهور صفة للمولى سبحانه، والمجد هو الشرف، وقد تحير علماء اللغة في الجزم بمرادف واحد للمجد، فتعددت أقوالهم في ذلك(966)، ولكن أكثرهم على ما اختار أبو زرعة أنه الشرف، ويمكن أن يقال: المجد: ذروة كل شيء(967).
وثمرة الخلاف: أن القراءة بالرفع أفادتنا اسماً من أسمائه سبحانه وتعالى وهو المجيد، وهذا الاسم ورد صريحاً في قوله تعالى: {رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد}
وأفادت القراءة بالخفض أن العرش أيضاً يقال له: عرش مجيد، وذلك كله من الغيبيات التي لا سبيل للمرء إلى معرفتها باجتهاد، إنما تعرف بالتواتر النقلي.
وأما تفصيل القول في مسألة العرش فليست من شرط دراستنا في هذا المقام، ولكن نورد في هذا المقام بعض ما أوردته الصحاح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في وصف العرش حيث لا سبيل للجزم بأي من أوصاف العرش الكريم إلا عن طريق النقل:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله، كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة”(968) وكان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – عند الكرب: “لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم”(969)
وقد اشتهر الجدل بين علماء الكلام قديما في طبيعة العرش، وهل هو مكان الله كما يقول بعض أهل التفويض، أم هو اسم لملكوته سبحانه كما يقول أهل التأويل الذين ينزهون الله سبحانه عن المكان(970).
وبسط الأدلة في هذه المسألة يطول حتى يخرج البحث عن وجهته، وأكتفي هنا بإيراد دفع قاضي القضاة عماد الدين عبد الجبار بن أحمد لدلالة هذه الآية على
صفة المكان فقال: ذو العرش المجيد لا يدل على قول المشبهة في أن العرش مكانه(971)، لأن هذه الإضافة تصح في فعله كما تصح في المكان.
ولو شاء الله سبحانه لقطع الجدل في ذلك وجعل الناس أمة واحدة، وأنزل نصوصا لا تقبل التأويل، فالمسألة في النهاية مسألة نصوص، فمن توقف في أمر الجهة فإنه لم يستند إلى هوى بل ثمة نصوص قرآنية كثيرة في ذلك منها على سبيل المثال.
{والله بكل شيء محيط}(972)
{ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا}(973)
{ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون}(974)
{ونحن أقرب إليه من حبل الوريد}(975)
{وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله}(976)
ومن أثبت الجهة فإنه استند إلى نصوص أيضاً منها مثلاً:
{أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}(977)
{يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}(978)
{يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}(979)
وغير ذلك من النصوص.
وليس يهم هنا الانتصار لأحد القولين، وإنما يجب الاعتذار لكلا الفريقين، وبيان أن عمدة الكل في ذلك النصوص، فلا موجب للطعن في عقائد المسلمين وإيمانهم إذا اختاروا القول بالجهة، أو اختاروا غير ذلك.
وما قلناه في الجهة إنما هو أثر تطبيقي لتأويل ما ورد في القرآن الكريم من آيات العرش بين مثبتي الجهة والقائلين بنفيها.
————
(965) سورة البروج 15
(966) تقريب النشر لابن الجزري ص 186
وعبارة طيبة النشر:
محفوظ افرع خفصه اعلم وشفا عكس المجيد قدِّر الخِفُّ رفَا
وانظر حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 757.
(967) في القاموس للفيروزابادي من ذلك:
المجد: نيل الشرف والكرم، والمجيد: الرفيع العالي، والكريم، والشريف الفعال.
(968) أخرجه البخاري في الصحيح عن أبي هريرة، كتاب التوحيد باب 97
وانظر أيضاً فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني جـ13 ص 404
(969) أخرجه البخاري في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه كتاب التوحيد باب 97
وانظر أيضاً فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني جـ13 ص 405
(970) انظر: أثر الحقيقة والمجاز في فهم المحكم والمتشابه. وهي رسالة ماجستير أعدها إبراهيم أحمد مهنا في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية، فقد أفرد للحديث عن العرش فصلاً خاصاً، عناوين مباحثه: معنى الفرش، زنة العرش، اهتزاز العرش، وهو بحث فريد لم يسبق إليه.
(971) تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبار بن أحمد المتوفى عام 415 هـ ص 456
(972) سورة آل عمران 129
(973) سورة المجادلة 7
(974) سورة الواقعة 85
(975) سورة ق 16
(976) سورة الزخرف 84
(977) سورة تبارك 16
(978) سورة النحل 50
(979) سورة السجدة 5
المسألة الثالثة عشرة
قوله تعالى: {بل هو قرآنٌ مجيدٌ * في لوحٍ محفوظٍ}(980)
قرأ نافع: {في لوحٍ محفوظٌ}
وقرأ الباقون: {في لوحٍ محفوظٍ}(981)
ففي قراءة نافع المدني جعله نعتاً للقرآن كأنه قال: بل هو قرآن محفوظ في اللوح، ومعنى الحفظ هنا الأمان من التحريف والتبديل والتغيير.
وعلى قراءة الجمهور فالظاهر أنه صفة للَّوح، والمراد أن اللوح محفوظ من وصول الشياطين إليه.
وقد اعترض بعض من انتصر لقراءة أهل العراق ومكة على اختيار نافع فقالوا إن فيه تقديم الصفة المركبة على المفردة وهو خلاف الأصل(982)، ولكن هذا الاعتراض لا يسقط اعتماد اختيار نافع للوجه المتواتر المذكور، إذا تواتر النقل يدفع كل شبهة، ولكن مع ذلك فإن نظائر هذا في القرآن كثير، فمن ذلك قوله سبحانه في سورة سبأ: {أولئك لهم عذابٌ من رجز أليمٌ}(983) وهي قراءة ابن كثير وحفص
ويعقوب، وكذلك قوله سبحانه في الجاثية: {لهم عذاب من رجز أليم}(984) وهي قراءة ابن كثير وحفص ويعقوب أيضاً.
وثمرة الخلاف: أن من الغيبيات التي يلزم المكلف اعتقادها معرفة اللوح، فاللوح المحفوظ المشهور سجل كتب الله سبحانه فيه أعمال الخلائق وأرزاقها، وفيه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وما تسقط من ورقة ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين.
قال (: “كان الله تبارك وتعالى قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح ذكر كل شيء”.(985)
واللوح مخلوق، والقرآن فيه منذ أن أذن الله عز وجل أن يكون كلامه القديم في ذلك اللوح، وهذا القيد ضروري حتى لا يلتبس على الناس أن حدوث اللوح يلزم منه حدوث القرآن، فالقرآن في علم الله قديم، وهو كلام الله، وهو صفة قديمة قائمة بذاته سبحانه.
وأما وصف اللوح فلم يرد فيه حديث صحيح(986)، وغاية ما أورده المفسرون نقول عن بعض السلف من باب المرسل والمقطوع، وكثير منها إسرائيليات لا يطمئن لها القلب، غاية الأمر أننا نؤمن باللوح على مراد الله وكما قال الله سبحانه، ونكل تفصيل كل ذلك إلى المولى سبحانه وتعالى.
وتُظْهِر دلالة القراءتين أن اللوح محفوظ وأن القرآن محفوظ، أفادت المعنى الأولَ قراءةُ الجمهور، وأفادت المعنى الثاني قراءة نافع، وكلاها حكم غيبي يجب اعتقاده، دلت عليه القراءة المتواترة.
————
(980) سورة البروج 22
(981) سراج القاري لابن القاصح العذري ص 383
وعبارة الشاطبي: ومحفوظٌ اخفض رفعه خص وهو في الـ بمجيد شفا……
(982) انظر الآلوسي في روح المعاني جـ30 ص 94
(983) سورة سبأ (7)
(984) سورة الجاثية (11)
(985) أخرجه الإمام أحمد جـ4 ص 413، وسائر رواته ثقات، وهم من رجال البخاري.
(986) ليس في الكتب الستة ولا في مسند أحمد ولا الموطأ ولا الدارمي من ذكر اللوح إلا هذا الحديث الذي أوردناه، وهو كما ترى في ذكر اللوح لا في وصفه.
المطلب الرابع: في العمل والجزاء
المسألة الأولى
قوله تعالى: {والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً} بالياء.
وحجتهم قوله: {والآخرة خير لمن اتقى} فأخبر عنهم ولم يقل: (خير لكم)، وأن الكلام أيضاً جرى قبل ذلك بلفظ الخبر عنهم فقال: {ألم تر إلى الذين قيل لهم}
وقرأ الباقون {ولا تظلمون} بالتاء، أي أنتم وهم.
وحجتهم قوله: {أينما تكونوا يدرككم الموت}(987)
وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: (الضمير في يظلمون عائد على المذكورين ممن زكى نفسه وممن يزكيه الله عز وجل)(988)
وثمرة الخلاف: أن عمل أهل النفاق لا يحبط بمجرد النفاق، بل قد قال الله عز وجل: {ولا يظلمون فتيلاً} والآية وردت في أهل النفاق، فكانت دليلاً على أنهم مجزيون بإحسانهم، لا يظلمون منه شيئاً.
(966) تقريب النشر لابن الجزري ص 186
ولكن هذا الفهم من قراءة الثلاثة ليس محل اتفاق أيضاً، فقد نقل الآلوسي أن ضمير الغيبة هنا، عائد إلى ظاهر (من) من قوله: {والآخرة خير لمن اتقى ولا يظلمون فتيلاً}، وهو أقرب مذكور، والله أعلم.(989)
————
(987) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 208
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ص 192
وعبارة الشاطبي: وأنث يكن عن دارم تظلمون غيـ ـب شهد دنا إدغم بيت في حلا
(988) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ط دار الكاتب العربي جـ5 ص 248
(989) انظر روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للآلوسي البغدادي ط دار التراث العربي جـ5 ص 86
المسألة الثانية
قوله تعالى: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}
الأنعام ـ159 –
قرأ حمزة والكسائي: {إنَّ الذين فارقوا} بالألف، وفي الروم أيضاً. ومعنى (فارقوا) أي زايلوا. وقد روي أن رجلا قرأ عند علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: {إنّ الذين فرقوا دينهم…} فقال عليّ: (لا والله ما فرَّقوه ولكن فارقوه)(990) ثم قرأ: {إن الذين فارقوا دينهم} أي تركوا دينهم الحق الذي أمرهم الله باتباعه ودعاهم إليه.
وقرأ الباقون: {فرَّقوا دينهم} من التفريق. تقول: فرقت المال تفريقاً وحجتهم قوله (بعد): {وكانوا شيعاً} أي صاروا أحزاباً وفرقاً.
وقد نقل أبو زرعة عن عبد الوارث(991) قوله: وتصديقها قوله: {كل حزب بما لديهم فرحون} يدلك على أنهم صاروا أحزاباً وفرقاً، والمعنيان متقاربان لأنَّهم إذا فرَّقوا الدين فقد فارقوه.(992)
وثمرة الخلاف: بيان شؤم مفارقة الجماعة والتشيع لغير كتاب الله، فقد سمى القرآن هذا السلوك تفريقاً للدين ـ في قراءة ـ ومفارقة للدين ـ في قراءة أخرى ـ فكانت القراءة بالقراءتين جميعاً أوزع في النفوس. وأذهب للهوى، وأدعى إلى اجتماع الشمل، ونبذ التحزب والفرقة.
————
(990) حجة القراءات لأبي زرعة ص 278.
(991) لم أقف على ترجمته فالعهدة فيه على أبي زرعة في الحجة ص 278
(992) حجة القراءات ص 278
وانظر سراج القاري
وعبارة الشاطبي:
……………… فارقوا مع الروم مداه خفيفاً وعدلاً
المسألة الثالثة
قوله تعالى: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها}(993)
قرأ يعقوب: {آَمَرْنا مترفيها} بالمد
وقرأ الباقون: {أَمَرْنا مترفيها}(994)
وقد تواتر إسناد هاتين القراءتين، ولكن ثمة وجه ثالث قرئت به هذه الآية واشتهر عند العلماء، ولكنه لم يتواتر إسناداً، وقد قرأ به ابن عباس وأبو عثمان النهدي وزيد بن علي وأبو العالية وعلي والحسن والباقر ومجاهد بن جعفر ومحمد بن علي(995).
كما نسبت هذه القراءة إلى عاصم وأبي عمرو البصري(996).
وقد أشرت إلى هذه القراءة وهي شاذة إسنادا لاشتهارها بين العلماء، ولأنهم يستأنسون بها في مواضع التفسير، فيكون المعنى أن الله سبحانه وتعالى يسلط شرار القرى على دهمائها فيعصون الله، فإذا فعلوا ذلك أهلكهم الله وذلك منه سبحانه تحذير للأمة أن تجتهد في تولية الأخيار، وصرف الأشرار.
وأما قراءة يعقوب فقد قرأ بها أيضاً جمع عظيم من السلف فهم الحسن وقتادة وأبو حياة الشامي وخارجة(997) عن نافع وحماد بن سلمة عن ابن كثير وعلي وابن عباس(998) وقد قام القرطبي بتوجيه معناها ودلالتها فقال: (آمرنا) بالمد والتخفيف، أي أكثرنا جبابرتها وأمراءها، قاله الكسائي، وقال أبو عبيدة: آمرته بالمد وأمرته، لغتان بمعنى كثرته، ومنه الحديث “خير المال مهرة مأمورة أو سكة مأبورة” أي كثيرة النتاج والنسل(999)
ولكن هذا الذي روي عن أبي عبيدة من أن الوجهين لغتان في معنى واحد غير مُسَلَّم، فقد قال الكسائي: لا يقال من الكثرة إلا آمرنا بالمد(1000).
ولعل صيغة القصر التي تأتي بمعنى التكثير هي التي وردت مكسورة: أَمِرَ، وهي لم ترد في المتواتر، وإنما نسبها الطبري للحسن البصري ويحيى بن عمر وعكرمة وابن عباس(1001).
ومن ذلك قول لبيد:
كـل بـنـي حـرة مصـيـرهـم قــلٌّ. وإن أكثـرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أَمِرُوا يوماً يصيروا للهلك والنكد(1002)
وكذلك ما قاله أبو سفيان لدى خروجه من لدن قيصر: (لقد أَمِر أمرُ ابن أبي كبشة، إنه ليخافه بني الأصفر)(1003) وقد انتصر أبو عبيدة لاختياره بأنها لغات في المعنى الواحد وقال: إنما اخترنا (أمرنا) لأن المعاني الثلاثة تجتمع فيها من الأمر والإمارة والكثرة(1004).
وثمرة الخلاف: إنما تظهر في غير ما اختاره أبو عبيدة، فيكون الجمع بين ذلك بالقول إن قراءة القصر أفادت أن الله سبحانه هو الذي يسبب الأسباب، ويخلق أفعال العباد، ويأمر بما يشاء، فيأمر المترفين بالفساد، أمر إلهام وتيسير، فيفسدوا في القول الأرض فيحق القول على المفسدين.
وفي قراءة المد نفهم أن الله سبحانه وتعالى يكثر المترفين ويزيد فيعددهم إذا أراد إهلاك القرى فيحق عليهم القول بما ظلموا.
فهذان المعنيان يوضحان خفايا التدبير الإلهي في إهلاك القرى، ولا سبيل إلى معرفة هذين المعنيين إلا من خلال تعدد القراءة المتواترة(1005)
وثمة معنى ثالث يفهم من قراءة القصر وهو على تقدير مضمر: (أمرنا مترفيها بالاستقامة ففسقوا فيها فحق عليها القول)، ويقوي هذا المذهب ورود جوابه بفاء العطف التي تفيد العطف والتعقيب مع الفور.
ولا يخفى أن محل الخلاف هنا هو التأويل وليس القراءة.
————
(993) سورة الإسراء 16
(994) تقريب النشر في القراءات العشر ص 133
وعبارة ابن الجزري في طيبة النشر:………… مدَّ أمر ظهر….
(995) انظر معجم القراءات القرآنية جـ3 ص 313
(996) معجم القراءات القرآنية أيضاً جـ3 ص 33 ولكن يجب التسليم بأن الرواية عن عاصم والكسائي هنا غير متواترة، فهي في النقل القرآني شاذة عنهما، فليست الآفة من نقل عاصم والكسائي، إنما الآفة من النقل إليهما.
(997) لسان العرب لابن منظور جـ3 ص 28 عمود أول.
(998) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ10 ص 233
(999) المصدر نفسه جـ10 ص 233
(1000) انظر لسان العرب جـ2 ص 28 مادة أمر
(1001) جامع البيان جـ15 ص 211
(1002) لسان العرب لابن منظور جـ4 ص 28 مادة أمر
وانظر كذلك مجاز القرآن لأبي عبيدة جـ1 ص 373
(1003) حديث صحيح أخرجه البخاري عن ابن عباس ـ كتاب بدء الوحي باب 7
انظر فتح الباري جـ1 ص 31
(1004) مجاز القرآن لأبي عبيدة جـ1 ص 372
وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ10 ص 233
(1005) لا يخفى أن بعض النحاة استنبطوا الوجهين من قراءة القصر وحدها، وقد قدمنا هذا الرأي، واشتهر بالقول به أبو عبيدة.
(فائدة)
اشتهرت في هذه الآية قراءة {أمَّرنا مترفيها}، على معنى أن الله سبحانه وتعالى إذا تعلقت إرادته بإهلاك القرى، يسر للمترفين والمفسدين سبيل تملكها والأمارة عليها، فيكون في ذلك خراب القوى وهلاكها، وهو سبب من الأسباب التي يقدمها الله عز وجل لإنفاذ إرادته.
وهذه القراءة على اشتهارها لم تحظ برتبة التواتر المطلوبة، على الرغم من أنها رويت عن اثنين من أصحاب التواتر وهما: عاصم وأبو عمرو البصري، ولكن من غير طريق الشاطبي وابن الجزري، فلم نتيقن تواترها إلى أحدهما، كما رويت أيضاً عن ابن عباس وأبي عثمان الهندي، وزيد بن علي وأبي العالية والحسن بن علي ومحمد والباقر ومجاهد بن جبر ومحمد بن علي(1006).
ولا شك أن هذا المعنى الذي دلت له هذه القراءة يضيء جانباً من معانيها، وله في الاستدلال المنزلة ذاتها التي للأحاديث الموقوفة على الصحابة، وكذلك ما هو من كلام السلف الصالح في التفسير، ولكن لا يصح اعتقادها قرآنا، لعدم ثبوت التواتر بوجه يقيني.
وقد قدمت طرفاً من توجيه هذه القراءة في صدر هذه المسألة(1007) وقد سبق ورود طرف.
————
(1006) استقصى ذلك معجم القراءات القرآنية جـ3 ص 313
(1007) انظر ص 560
المسألة الرابعة
قوله تعالى: {وجعلنا لمهلكهم موعداً} الكهف ـ59 –
قرأ أبو بكر (شعبة بن عياش راوي عاصم): {وجعلنا لِمَهْلـَكهم موعداً}(1008) بفتح الميم واللام. أي: جعلنا لهلاكهم موعداً. جعله مصدراً (هلك، مَهْلَك، مَهْلَكاً) وكل ما كان على (فعل يفعل) فاسم المكان منه على (مَفْعِل) (والمصدر على مَفْعَلْ) بفتح العين.
وقرأ حفص: {لــِمَهْلـِكِهِم} بفتح الميم وكسر اللام. أي لوقت هلاكهم.
قال الزجاج: (مَهْلِك) اسم للزمان على (هلك يهلك) وهذا زمن مَهْلِك مثل جلس يجلس. فإذا أردت المصدر قلت: (مَهْلَك) بفتح اللام كقولك (مجلس)، فإذا أردت المكان قلت (مجلِس) بكسر اللام. حكى سيبويه عن العرب أنهم يقولون: (أَنَّتِ الناقةُ على مضرِبها) أي على وقت ضِرابها.
وقرأ الباقون: {لِمُهْلـِكِهِمْ} بضم الميم وفتح اللام. أي: جعل لإهلاكنا إياهم موعداً.
قال أهل البصرة: تأويل (المهلك) على ضربين: على المصدر وعلى الوقت. فمعنى المصدر: (لإهلاكهم)، ومعنى الوقت: لوقت إهلاكهم. قالوا: وهو الاختيار، لأن المصدر من (أفْعَل) في المكان والزمان يجيء على (مفعل) كقوله:
{وقل ربِّ أدخلني مُدْخَل صدق وأخرجني مُخرَج صدق}(1009).
وثمرة الخلاف: أن المولى سبحانه أخبر أن هلاك الأمم ووقت هذا الهلاك ومكانه كل ذلك مقرر بأجل مسمى عند الله عز وجل.
وإنما تظهر هذه المعاني من التأليف بين القراءات الثلاث، وهي معاني كمل بعضها بعضاً ـ كما ترى ـ لا تتنافر ولا تتدابر(1010).
————
(1008) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 421
وانظر سراج القاري لابن القاصح ط البابي الحلبي ص 279
وعبارة الشاطبي: لمهلكهم ضموا ومهلك أهله سوى عاصم والكسر في اللام عولا
(1009) سورة الإسراء
(1010) حجة القراءات لأبي زرعة ص 421
المسألة الخامسة
قوله تعالى: {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون}
قرأ حمزة والكسائي {من الذين فارقوا دينهم وكانوا شيعاً}
وقرأ الباقون {من الذين فَرَّقوا دينهم وكانوا شيعاً}
وقد سبق تحرير هذا الخلاف في سورة الأنعام في قوله سبحانه: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} وذلك في المسألة الثانية من هذا المطلب.
وثمرة الخلاف: هي ما بيناه من قبل من بيان شؤم مفارقة الجماعة، والتشيع لغير كتاب الله، فقد اعتبر القرآن الحكيم تفريق الدين بمنزلة مفارقته، وهو تصريح كما ترى شديد في ذم الفرقة والتناحر في الجماعة الإسلامية الواحدة.
وهذه التسوية بين مفارقة الدين وخلق الفرقة بين المسلمين هي المفهومة من اتحاد المآل بالنسبة لكل واحد من الأمرين.
المسألة السادسة
قوله تعالى: {وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصُدَّ عن السبيل، وما كيد فرعون إلا في تباب}(1011)
قرأ الكوفيون ويعقوب: {وصُدَّ عن السبيل} بضم الصاد
وقرأ الباقون: {وصَدَّ عن السبيل} بفتح الصاد(1012)
فتكون قراءة الأولين على ما لم يسم فاعله، فكانت الآية إخبارا عن انحرافه وفجوره، وأن ذلك كان بإرادة الله سبحانه وأمره وقدره، وذلك مثل قوله سبحانه:
{وطُبع على قلوبهم فهم لا يفقهون}(1013)، وحجتهم أن الكلام هنا أتى عقب الخبر من الله. فلفظ ما لم يُسَمَّ فاعله وهو قوله:
{وكذلك زُيِّن لفرعون} فجرى الكلام بعده بترك تسمية الفاعل ليأتلف الكلام على نظام واحد.(1014)
وتكون قراءة الباقين على أساس أن الفاعل هنا مصرح به وهو فرعون، إذ هو الذي يصد عن سبيل الله، ويشهد له قول الله عز جل: {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضلَّ أعمالهم}.(1015)
وثمرة الخلاف: كما قد رأيت في أنه يجوز نسبة الأفعال إلى العباد على سبيل المجاز، وأن الله سبحانه هو المالك المتصرف الأول الآخر، وهذا الاعتقاد نعمة للمتقين، وقرة عين للموحدين، إذ به لا يقنط العبد من رحمة الله ويضرع في رجائه أن يصلح عباده إذ هو سبحانه المتصرف الحق، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وكذلك فإنه لا يكف عن واجب البلاغ والدعوة لسائر الخلق.
————
(1011) سورة غافر
(1012) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 129
وعبارة طيبة النشر:
……………..واضمم صدوا وصد الطول كوف الحضرمي
(1013) سورة التوبة
(1014) حجة القراءات لأبي زرعة ص 633
(1015) سورة محمد 1
المسألة السابعة
قوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءً محياهم ومماتهم….} الجاثية(1016) ـ21 –
قرأ حمزة والكسائي وخلف وحفص {سواءً محياهم} بالنصب، جعلوه المفعول الثاني من (نجعلهم)، الهاء والميم المفعول، وإن جعلت {كالذين آمنوا} المفعول الثاني نصبت (سواءً) على الحال، وترفع (محياهم) بمعنى: استوى محياهم ومماتهم. والمعنى: أحسبوا أن نجعلهم سواءً محياهم ومماتهم، أي أن يعطوا في الآخرة كما أعطوا في الدُّنيا.
وقرأ الباقون: {سواءٌ} بالرفع(1017). جعلوه مبتدأ وما بعده خبراً عنه.
قال مجاهد: قوله: {سواءٌ محياهم ومماتهم} أي يموت المؤمن على إيمانه ويبعث عليه، ويموت الكافر على كفره ويبعث عليه. وهذا التفسير يدل على هذه القراءة(1018).
قال القرطبي: (وقرأ العامة: سواءٌ بالرفع على أنه خبر ابتداء مقدم، أي محياهم ومماتهم سواء، والضمير في (محياهم ومماتهم) يعود على الكفار، أي محياهم سوء ومماتهم كذلك، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش: سواءً، بالنصب).(1019)
واختار أبو عبيدة أي نجعلهم سواء، وقال: تم الكلام عند الصالحات. ثم استأنف فقال: {سواء محياهم ومماتهم} أي سواء حياة الكافر ومماته. هو كافر حياته ومماته، والمؤمن مؤمن حياته ومماته(1020).
وأيا كان المعنى فإن هذه الآية من أكثر الآيات وعيدا، ومنها توجل قلوب المؤمنين، ومن المناسب هنا أن نورد طرفا من أدب السلف الصالح في تلاوة هذه الآية:
قال إبراهيم بن الأشعث: كثيرا ما رأيت الفضيل بن عياض يردد من أول الليل إلى آخره هذه الآية، ثم يقول: ليت شعري من أي الفريقين أنت(1021)؟ وقام بشير مولى الربيع بن هيثم ذات ليلة فقام يصلي فمر بهذه الآية فمكث ليلة حتى أصبح لم يعدها ببكاء شديد(1022).
وثمرة الخلاف: أن الله سبحانه وتعالى أنكر على الفسقة ظنونهم بأنهم ينالون في الآخرة مثل الذي نالوه في الدنيا، وهو ما دلت له قراءة النصب، ونظيره
في التنزيل العزيز قول صاحب الجنة: {ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلبا}(1023)
وكذلك أخبر المولى سبحانه وتعالى أن المرء يبعث على ما مات عليه، وهو ما دلت عليه قراءة الرفع، إذ تم المعنى بنفي المساواة بين المؤمنين والفسقة، ثم استأنف فقال: سواء محياهم ومماتهم، وتمام معنى هذا الوجه ما نقله الطبري عن مجاهد بن جبر قال: المؤمن في الدنيا والآخرة مؤمن، والكافر في الدنيا والآخرة كافر(1024)
وكما ترى فإن المعاني متعاونة، وما كان لنا أن نحيط بها لولا ما أنزل الله عليه هذا الكتاب من قراءات متواترة.
————
(1016) سورة الجاثية
(1017) حجة القراءات ص 661
تقريب النشر ص 173
(1018) نقل هذا القول عن مجاهد شيخ المفسرين كل من:
ابن جرير الطبري في جامع البيان جـ25 ص 90
الجلال السيوطي في الدر المنثور جـ6 ص 34
القرطبي في الجامع لأحكام القرآن جـ16 ص 166
أبو زرعة في حجة القراءات ص 661
(1019) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ16 ص 166
(1020) مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى ص 210
(1021) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جـ6 ص 34
(1022) أورده القرطبي في الجامع دون أن يذكر نسب بشير، ولكن في الدر المنثور تصريح بأنه بشير مولى الربيع بن خيثم، غير أن السيوطي روى القصة عن تميم الداري.
انظر: الدر المنثور للسيوطي جـ6 ص 34
الجامع للقرطبي جـ16 ص 166
(1023) سورة الكهف 36
(1024) جامع البيان للطبري جـ25 ص 90
المسألة الثامنة
قوله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}(1025)
قرأ رويس: {فهل عسيتم إن تُوُلِّيتم} بضم التاء والواو وكسر اللام.
وقرأ الباقون: {فهل عسيتم إن تَوَلَّيتم} بفتح الجميع(1026)
وقد انفرد رويس برواية وجه الضم عن يعقوب في المتواتر، ولكن هذه القراءة اشتهرت لدى الأئمة وأطال المفسرون في توجيهها، وقد روي هذا الوجه عن كثير من الصحابة والتابعين منهم علي بن أبي طالب وأويس القرني وابن أبي إسحاق(1027)، قال المسيب بن شريك: نزلت هذه الآية في بني أمية وبني هاشم، واستدل لهم القرطبي بما روى عبد الله بن مغفل قال:
سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: “{فهل عسيتم إن تُوُلِّيتم أن تفسدوا في الأرض} ثم قال: هم هذا الحي من قريش أخذ الله عليهم إن وَلُوا الناس ألا يفسدوا في الأرض ولا يقطعوا أرحامهم”(1028).
وقال الزمخشري في توجيه قراءة علي رضي الله عنه: أي إن تولاكم ولاة غشمة خرجتم معهم ومشيتم تحت لوائهم وأفسدتم بإفسادهم(1029).ونقل الطبري عن بعض السلف أنه بمعنى الولاية، ونقل ذلك عن الكلبي(1030).
وقال قتادة في توجيه قراءة الفتح: فهل عسيتم إن توليتم عن كتاب الله أن تفسدوا في الأرض بسفك الدم الحرام وتقطعوا أرحامكم(1031).
وروي كذلك وجه ثالث في القراءة، ولكن لم ينسب لأحد، وهو {فهل عسيتم إن وُلِّيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم}(1032) وهو كما ترى في معنى الولاية بحذف تاء المضارعة من (تُوُلِّي).
وثمرة الخلاف: أن الآية العظيمة اشتملت على وعيد شديد في حق المفسدين في الأرض وقاطعي الأرحام، وأشارت إلى أن هذه المفاسد تتحصل عادة من أمرين اثنين:
الأول: هو التولي والإعراض عن كتاب الله وهو ما دلت له قراءة الفتح.
الثاني: هو الولاية على شؤون العباد إذا لم يلتزم الوالي أمر الله ونهيه على قدم الاستقامة، وقد دلت لذلك قراءة الضم.
وهكذا فقد أفاد تعدد القراءة وجهاً جديداً من التحذير والتنبيه لولاة الأمور، إذ أمروا بتقوى الله عز وجل فيما خولهم من أقدار العباد، وفي مثل هذا المعنى تواترت الأخبار عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، من ذلك قوله(: “ما من إمام ولا وال بات ليلة سوداء غاشاً لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة، وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين سنة”(1033)
ومثله قوله(: “إن الولاة يجاء بهم يوم القيامة فيقومون على جسر جهنم، فمن كان مطواعاً لله يناوله الله بيمينه حتى ينجيه، ومن كان عاصياً انخرق به الجسر إلى واد من نار يلتهب التهاباً”(1034)
واشتهر في هذا المعنى قول النبي – صلى الله عليه وسلم – لأبي ذر لما سأله الإمارة: “يا أبا ذر! إنك تسأل الإمارة، وإنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذ بحقها وأدى الذي عليه فيها”(1035)
————
(1025) سورة محمد 23
(1026) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 174
(1027) انظر معجم القراءات القرآنية جـ6 ص 192
(1028) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ16 ص 246
(1029) الكشاف للزمخشري جـ3 ص 536
(1030) جامع البيان للطبري جـ26 ص 36، ولم يذكر الطبري في هذا المقام نسبة القراءة إلى رجل من السلف بعينه.
(1031) الدر المنثور للسيوطي جـ6 ص 64
(1032) ذكر هذا الوجه الزمخشري في الكشاف جـ3 ص 536
وانظر كذلك معجم القراءات القرآنية جـ6 ص 192
(1033) أخرجه الطبراني عن عبد الله بن مغفل، انظر كنز العمال رقم 14643
(1034) أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده عن بشر بن عاصم، انظر كنز العمال رقم 14638
(1035) أخرجه مسلم في الجامع الصحيح كتاب الإمارة باب كراهة الإمارة بغير ضرورة، رقم الحديث 1204
المسألة التاسعة
قوله تعالى: {وإن تطيعوا وتتقوا لا يلتكم من أعمالكم شيئاً}(1036)
قرأ أبو عمرو البصري ويعقوب: {لا يألتكم من أعمالكم شيئاً}(1037)
وقرأ الباقون: {لا يلتكم}(1038)
والوجهان بإثبات الهمزة وإسقاطها في معنى واحد، وهو الإنقاص، أي لا ينقصكم من أعمالكم شيئا، ومثله قوله سبحانه: {وما ألتناهم من عملهم من شيء} (1039) أي ما أنقصناهم من عملهم من شيء.
وألته: حبسه عن وجهه وصرفه مثل لاته يليته وهما لغتان حكاهما اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء، ومنه قول عبد الرحمن بن عوف يوم الشورى: ولا تغمدوا سيوفكم عن أعدائكم فتولتوا أعمالكم، أي تنقصوها(1040).
ولا تجد في مرسوم المصاحف ما يشير إلى اختيار البصريَّيْن: أ ي عمرو ويعقوب، إذا المرسوم المشتهر لا يساعد على تصور إقحام همزة بين الياء واللام، ولم يشر أحد أنها كذلك في المصحف البصري، ولكن يجب القول بأنها كذلك في
أحد المصاحف العثمانية لإطباقهم على تواترها، واتفاقهم أنه لا يجزم بصحة قراءة إلا مع ثبوت التواتر وموافقة أحد المصاحف العثمانية وأحد وجوه النحو(1041).
وقد أوردت لك هذا الوجه مع أنه لا يترتب عليه حكم جديد في مسائل الاعتقاد، ولكن أردت به التنبيه إلى هذا الوجه من لزوم تقدير الهمزة في مرسوم أحد مصاحف الأمصار التزاماً بإجماعهم.
(1018) نقل هذا القول عن مجاهد شيخ المفسرين كل من:
وبالجملة فإنه ليس ثمة ظاهرة لهذا الخلاف لأن الاتفاق منعقد بين المفسرين على توحد المعنى في القراءتين، وأنهما لغتان لمعنى واحد، وقد بسط ابن منظور في اللسان أدلة الفريقين فراجعها.
————
(1036) سورة الحجرات
(1037) لا يخفى أن أبا عمرو البصري على أصله في إبدال الهمزة ألفاً
(1038) تقريب النشر لابن الجزري ص 175
وعبارة طيبة النشر:
…………………. يألتكم البصري………..
(1039) سورة الطور
(1040) لسان العرب لابن منظور جـ2 ص 4 مادة ألت
(1041) انظر زيادة تفصيل لذلك في الفصل الخاص الذي عقدناه لبيان اختلاف مرسوم مصاحف الأمصار
ص 263 من هذا البحث.
المسألة العاشرة
قوله تعالى: {ولا تفرحوا بما آتاكم إن الله لا يحب كل مختال فخور}(1042)
قرأ أبو عمرو البصري: {ولا تفرحوا بما أتاكم }
وقرأ الباقون: {ولا تفرحوا بما آتاكم }(1043)
فدلت قراءة أبي عمرو على النهي عن الفرح بما أتاكم، أي: جاءكم، وهو اسم جامع لكل ما قد يأتيك من المولى سبحانه من صنوف النعم المبهجة، وقد ورد الفرح في القرآن الكريم ممدوحاً وورد مذموماً، فمما أخبر المولى به بصيغة المدح قوله سبحانه: { قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا }.
ومما أخبر به المولى بصيغة الذم قول قوم قارون: { إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين }.
ثم صرحت قراءة الباقين بأن على المؤمن أن لا يفرح فرحاً مبهجاً مطغياً ينسيه واجب الشكر لله سبحانه وتعالى، مع يقينه بأن هذا الآتي من النعيم إنما هو عطية من الله سبحانه وتعالى.
وثمرة الخلاف: تظهر في أننا نهينا عن الفرح بما يأتينا من المسرات فرحاً يشغلنا عن الخلاق سبحانه، وهو ما دلت له قراءة أبي عمرو، وأفادت قراءة الباقين أن هذا النهي عن الفرح يجب أن يدفعنا إلى التوهم أن هذه الأرزاق من رازق غيره سبحانه، بل يجب العلم بأنه سبحانه هو الرزاق وحده، ومع ذلك فينبغي أن لا نفرح فرحاً مطغيا لا نؤدي معه واجب الشكر.
هذا ما أفاده اختلاف القراء في تحقيق المعاني.
وأما دلالة الآية بجملتها فأكثر المفسرين على أن النهي والفرح المنهي عنهما إنما يقتصران على ما كان من أعراض الدنيا الزائلة، وأما ما كان من رحمة الله وقبوله ومغفرته فإنه يستوجب الفرح، وما كان من سخط الله وغضبه فإنه يستلزم الحزن، وفي الحديث: “إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن”(1044).
وروى عكرمة عن ابن عباس: ليس من أحد إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبته صبراً وغنيمته شكراً، والحزن والفرح المنهي عنهما هما اللذان يتعدى فيهما إلى ما لا يجوز(1045).
————
(1042) سورة الحديد
(1043) أخرجه أحمد في مسنده جـ5 ص 251 عن أبي أمامة من طريق زيد بن سلام عن جده، ورواته ثقات.
وأخرجه أيضاً الطبراني والحاكم والضياء عن أبي أمامة انظر كنز العمال جـ1 رقم الحديث 699
(1044) رواه الإمام أحمد في المسند جـ5 ص 251 عن أبي أمامة الباهلي.
(1045) انظر الدر المنثور جـ6 ص 172
الفصل الثاني: الأحكام الفقهية
المبحث الأول: العبادات
المسألة الأولى
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين} ـ المائدة ـ6 –
قال أبو زرعة: قرأ نافع وابن عامر والكسائي وحفص: {وأرجلَكم} بالفتح، وحجتهم أنها معطوفة على الوجوه والأيدي فأوجبوا الغسل عليهما.
عن أبي عبد الرحمن (عبد الله بن عمر) قال: (كنت أقرأ والحسن والحسين قريبـاً مـن علي رضي الله عنه وعنده ناس قد شغلوه فقرأنا {وأرجلَكم} فقال رجل: {وأرجلِكم} بالكسر، فسمع ذلك علي رضي الله عنه فقال: (ليس كما قلت)، ثم تلا: {يا أيها الذين أمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وأرجُلَكم إلى الكعبين وامسحوا برؤوسكم}، هذا من المقدم والمؤخر في الكلام)(1046) قلت: “وفي القرآن الكريم من هذا التقديم والتأخير كثير” قال الله: {اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}(1047) ثم قال
{والمحصنات من المؤمنات}وعطف بــ{المحصنات} على {الطيبات} {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما}(1048) ثم قال: {وأجل مسمَّى} فعطف (الأجل) على (الكلمة) وبينهما كلام، فكذلك ذلك في قوله: {و أرجلكم} عطف بها على الوجوه والأيدي على ما أخبرتك به من التقديم والتأخير.
وأخرى هي صحة الأخبار عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه توضأ فغسل رجليه، وأنه رأى رجلاً يتوضأ وهو يغسل رجليه فقال “بهذا أمرت” وقال – صلى الله عليه وسلم -: “ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار” وعن ابن مسعود قال: (خللوا الأصابع بالماء لا تلحقها النار)(1049)
وقال عبد الملك: قلت لعطاء: (هل علمت أحداً من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مسح على القدمين؟) فقال: (والله ما أعلمه) والأخبار كثيرة في هذا المعنى وقد ذكرنا [ها] في تفسير القرآن وأخرى قال الزجاج: الدليل على أن الغسل هو الواجب في الرجل وأن المسح لا يجوز: تحديد قوله: {إلى الكعبين} كما جاءت في تحديد اليد {إلى المرافق}، ولم يجئ في شيء من المسح تحديد، قال: {فامسحوا برؤوسكم} بغير تحديد في القرآن، قال: ويجوز أن يقرأ {وأرجلِكم} على معنى {واغسلوا} لأن قوله: {إلى الكعبين} دل على ذلك كما وصفنا، وينسق بالغسل على المسح كما قال الشاعر:
يا ليت بعلك قد غدا *متقلداً سيفاً ورمحاً
والمعنى متقلداً سيفاً وحاملاً رمحاً.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر: {وأرجلِكم} خفضاً، عطفاً على الرؤوس وحجتهم في ذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال: (الوضوء غسلتان ومسحتان) وقال الشعبي: نزل جبرائيل بالمسح، ألا ترى أنه أهمل ما كان مسحاً، ومسح ما كان غسلاً في التيمم.
والصواب من القول ما عليه فقهاء الأمصار: أن الغسل هو الواجب في الرجلين، ويجوز أن يكون قوله: {وأرجلِكم} بالخفض حملت على العامل الأقرب للجوار وهي في المعنى الأول، كما يقال: {هذا جحر ضبٍ خرب} فيحمل على الأقرب وهو في المعنى الأول.
قال الفرَّاء: وقد يعطف بالاسم على الاسم ومعناه يختلف كما قال عز وجل: {يطوف عليهم ولدان مخلدون.* بأكواب وأباريق وكأس من معين}(1050) ثم قال: {وحورٌ عين} وهن لا يطاف يهن على أزاوجهن(1051).
وقال ابن الأنباري: لما تأخرت الأرجل بعد الرؤوس نسقت عليها للقرب والجوار(1052).
وقد أخذت عامة الشيعة بأن الآية نص في أن الواجب المسح لا الغسل، وحجتهم في ذلك قراءة الكسر، وهي كما علمت متواترة، وتوجيهها إلى المسح معقول.
ولكن ماذا صنع القوم بقراءة النصب وهي أيضاً متواترة، وهي قراءة عاصم برواية حفص وعامة الشيعة يلتزموها اليوم؟
وجَّه الشيعة استدلالهم إلى أن قراءة النصب أيضاً تفيد المسح لا الغسل، وأن فعل: مسح، قد يتعدى بالباء وقد يتعدى بدون باء، فكأن تقدير العبارة: وامسحوا رؤوسكم وأرجلكم، فلحقت الباء بالرؤوس للإشارة إلى تبعيض المسح وبقيت الأرجل على النصب وهو الأصل، وهذه عبارة المفسر الشيعي الطباطبائي: (وقرئ: وأرجلَكم بالنصب، وأنت إذا تلقيت الكلام مخلَّى الذهن غير مشوب الفهم لم يلبث أن تقضي أن {أرجلَكم} منصوب على موضع {رؤوسِكم} وهو النصب، ـ أي بنزع الخافض ـ وفهمت من الكلام وجوب غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، ولم يخطر ببالك أن ترد {أرجلكم} إلى {وجوهكم} في أول الآية مع انقطاع الحكم في قوله: {فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق} بحكم آخر، وهو قوله: {وامسحوا بوجوهكم} فإن الطبع السليم يأبى حمل الكلام البليغ على ذلك، وكيف يرضى طبع متكلم بليغ أن يقول مثلاً: قبلت وجه زيد ورأسه، ومسحت بكتفه ويده، بنصب يد عطفاً على وجه زيد، مع انقطاع الكلام الأول، وصلاحية قوله: (يده) لأن يعطف على محل المجرور المتصل به، وهو أمر جائز دائر، كثير الورود في كلامهم)(1053)
ثم عطف الطباطبائي بالرد على استدلال أهل السنة والجماعة في قولهم: (إن قراءة الجر وردت على سبيل العطف في اللفظ دون المعنى، وذلك كما ورد في شعر العرب علفتها تبناً وماءً بارداً، فقال: وفيه أن مرجعه إلى تقدير فعل يعمل عملا يوافق إعراب حال العطف، كما يدل عليه ما استشهد به من الشعر، وهذا المقدر في الآية إما {اغسلوا} وهو يتعدى بنفسه لا بحرف الجر، وإما غيره وهو خلاف ظاهر لا دليل عليه من جهة اللفظ البتة، وأيضاً ما استشهد به من الشعر إما من قبيل المجاز العقلي، وإما بتضمين علَّفْتُ معنى أعطيت وأشبعت ونحوهما.
وأيضاً الشعر المستشهد به يفسد معناه لو لم يعالج بتقدير ونحوه، فهناك حاجة إلى العلاج قطيعة، وأما الآية فلا حاجة فيها إلى ذلك من جهة اللفظ)(1054).
وهكذا فقد أورد الطباطبائي حجج الشيعة الإمامية في توجيه الآية إلى معنى المسح دون معنى الغسل، وقد أطلنا في النقل عنهم في هذا الباب لأن المسألة من المسائل التي أطال القوم في بيانها والاستدلال لها.
وهكذا فإن عامة الإمامية قد أخذت بهذه القراءة، وجعلت الواجب مسح الرجلين لا غسلهما، واستدلوا لذلك بما أخرج أبو داود من حديث أوس بن أوس الثقفي أنه رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أتى كظامة قوم بالطائف، فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه(1055)، وبما روي عن علي وابن عباس وأنس، لكن قد ثبت عنهم الرجوع عن ذلك.
قال الشوكاني(1056): وأما الموجبون للمسح، وهم الإمامية، فلم يأتوا مع مخالفتهم الكتاب والسنة المتواترة قولاً وفعلاً بحجة نيرة، وجعلوا قراءة النصب عطفاً على محل قوله: {برؤوسكم} والسبب في ذكر الغسل والمسح في الأرجل بحسب قراءتي النصب والجر، كما ذكر الزمخشري(1057) ـ هو توقي الإسراف ـ لأن الأرجل مظنة لذلك.
ويلاحظ أن الإمامية في إيران اليوم يقرؤون بقراءة عاصم من رواية حفص، وهي في مصاحفهم بالنصب {وأرجلَكم} وهذا يقوي ما نقله بعض الفقهاء من ثبوت رجوعهم عن ذلك.(1058)
وأما الجواب على ما أورده الجعفرية فهو في ثلاث شعب:
الأول: أما قولهم بأن الفصل بين المتعاطفين ضعف في البلاغة، فإنه يرد عليه بما ورد من نظائر كثيرة لذلك التعاطف في الكتاب العزيز، كقوله سبحانه: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى}(1059) فقد كمل الكلام بقوله لكان لزاماً، ثم عطف بقوله وأجل مسمى، وذلك لنكتة بديعة أراد به تهويل أمر الكلمة الإلهية فعجَّل بجوابها، ثم عطف ببيان السبب الثاني وهو الأجل المسمى.
ومثل ذلك قوله سبحانه: {اليوم أحلت لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}(1060) وليس ثمة عاقل يجيز عطف المحصنات هنا على أقرب مذكور، إذ ليست الآية في إباحة أكلهن، بل الآية في إباحة زواجهن، وحمل {المحصنات} على الاستئناف ضعيف، لأنه لابد فيه من تقدير الخبر، وإذا جاز التقدير وعدمه فعدم التقدير أولى اتفاقاً.
الثاني: قال الطباطبائي: (إن حمل مسح الأرجل على الغسل دون مسح الرؤوس ترجيح بلا مرجح، وليت شعري ماذا يمنعه أن يحمل كل ما ورد المسح فيه مطلقاً من كتاب أو سنة على الغسل وبالعكس، وما المانع حينئذ أن يحمل روايات الغسل على المسح، وروايات المسح على الغسل فتعود الأدلة عن آخرها مجملات لا مبين لها؟)(1061).
والجواب أن هذا الحمل لم يتم بدون نص من السنة الصحيحة، وقد قدمنا طرفاً من الأدلة من جهة السنة المطهرة لوجوب الغسل في الرجلين(1062)، وأيضا يشهد لذلك المعقول، فإن الرجلين هما مجتمع الأوساخ والأقذار، وفيهما يرشح ويستقر الأذى والجراثيم، فكان غسلهما وتنظيفهما بالماء هو المطلوب، إلا إذا كان معصومين بالخف، فيمكن حينئذ المسح على الأخفاف كما بينته السنة المطهرة.
الثالث: أما قولهم بأن العطف مع التجاور مفيد للعطف اللفظي والمعنوي لا محالة، فهو أيضاً إلزام بغير ما ملزم، ويرد عليه ما قدمنا من كلام العرب: هذا حجر ضب خرب(1063)، وكذلك ما قدمت في التنزيل العزيز من مثل قوله سبحانه:
{بل هو قرآن مجيدٌ * في لوحٍ محفوظٍ}(1064)
{ذو العرشِ المجيدِ * فعال لما يريد}(1065)
{والذين كفروا لهم عذاب من رجزٍ أليمٍ}(1066)
وكلها قراءات متواترة لا تنكرها عامة الشيعة، ولا يصح حملها إلا على العطف اللفظي دون المعنوي.
وجملة القول أن القوم لا يختلفون في صحة القراءة، ولكن يختلفون في توجيهها، ويمكن القول: إن الغسل مبالغة في المسح، ومتضمن لمعناه، فيكون الخروج من الخلاف بالغسل، أولى من الانفراد بالقول بالمسح، ولو تواردت عليه الأقيسة.
وأيضاً فإنه لما حدد غاية المطلب إلى الكعبين، دل على أنه غسل لا مسح، إذ هو الذي تتبدى آثار غمره بالماء، نظير ما أمر في الأيدي بقوله: {إلى المرافق}.
وأما الحكمة من تخلف التعاقب بين المغسولات، فهي ظاهرة في إفادة الترتيب في الوضوء، فقد أتى سبحانه على ذكر سائر المغسولات والممسوحات في الوجه واليدين والرأس، ثم ببيان الواجب تجاه الرجلين، ومن المعلوم أن عامة الفقهاء جعلوا الترتيب مطلوباً في الوضوء، فاعتبره الشافعية والحنابلة فرضاً، واعتبره الحنفية والمالكية سنة مؤكدة(1067).
ولا مناصَ قبل ذلك كله من قبول القراءتين جميعاً لدى ثبوت تواترهما، وقد يجد القائلون بالمسح وجهاً في قراءة الجر، ولكن لا يمكن أن يجدو وجهاً في قراءة النصب إلا مع التعسف، والله أعلم.
وثمرة الخلاف: أن غسل الرجلين ركن في الوضوء، عملاً بالقراءة المتواترة، وأرجلَكم، ولما ورد في ذلك من النصوص القاطعة الصحيحة.
أخرج أحمد والشيخان عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: “تخلف عنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في سفره، فأدركنا وقد أرهقنا العصر، فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا، قال: فنادى بأعلى صوته: ويل للأعقاب من النار مرتين أو ثلاثا”(1068)
وفي معناه حديث مسلم عن أبي هريرة: “…ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتوضأ”(1069).
وأخرج الدارقطني عن جابر رضي الله عنه قال: “أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا توضأنا للصلاة أن نغسل أرجلنا”(1070).
وعلى هذا أطبق أهل السنة والجماعة، فليس في مذاهبهم من أمر الرجلين إلا الغسل، والله أعلم.
وأما القراءة المتواترة بالخفض وأرجلكم، وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وحمزة وشعبة، فهي محمولة على المسح على الخفين، المأذون به شرعاً، والمروي عن نحو سبعين من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وكذلك فقد نقل عن بعض المفسرين أن الجر هنا محض مجاورة، وهو محمول على العامل الأقرب للجوار، وقد أوردت لك قبل قليل نقل أبي زرعة لهذا القول غير معزو لأحد، واحتجاجه بقول أعرابي: هذا جحر ضب خرب.
————
(1046) أورده السيوطي في الدر المنثور ط دار المعرفة جـ2 ص 262، وفيه زيادة: وكان علي يقضي بين الناس، وعزاه إلى أبي عبد الرحمن السلمي.
(1047) سورة المائدة.
(1048) سورة طه
(1049) أخرجه سعيد بن منصور عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: اجتمع أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على غسل القدمين. انظر الدر المنثور جـ2 ص 263
(1050) سورة الواقعة
(1051) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 222
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 198
وعبارة الشاطبي:…………………. وأرجلكم بالنصب عم رضا علا
(1052) انظر تفسير آيات الأحكام للصابوني ط مؤسسة الغزالي جـ1 ص 536
(1053) تفسير الميزان الجزء الخامس ص 224
(1054) المصدر السابق نفسه.
(1055) سنن أبي داود كتاب الطهارة، باب 62، مسند أحمد بن حنبل جـ1 ص 120 وص 148، وجـ9 ص 10 وص 252.
(1056) فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التنزيل للشوكاني ط دار المعرفة جـ2 ص 18
(1057) الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل للزمخشري ط انتشارات افتاب تهران جـ1 ص 571
(1058) انظر موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته د. وهبة الزحيلي، ط دار الفكر جـ1 ص 224
(1059) سورة طه 132
(1060) سورة المائدة 5
(1061) الميزان للطباطبائي جـ5 ص 224
(1062) انظر ما قدمناه ص 583 وص 584
(1063) أورده بعض النحاة احتجاجاً على الاستدلال بهذه العبارة، وفي ذلك قال سعيد الأفغاني، هذا جملة أولع بها قدماء النحاة ومن بعدهم، ولا حجة فيها من وجهين: الأول أن قائلها ـ إن وجد ـ مجهول. والثاني أن الوقوف على الكلمة الأخيرة بالسكون، إذ العربي لا يقف على متحرك، فمن أين علموا أن قائلها جر: (خربٍ).
ثم توسع الأفغاني في الرد على قاعدة الرد بالجوار عموماً، وأنه لا يجوز إلا في الضرورة الشعرية وهي نادرة، ولكن أوردت لك طرفاً من ورود ذلك يقيناً في القرآن الكريم.
انظر حجة القراءات لأبي زرعة ص 224
(1064) و(1065) سورة البروج
(1066) سورة الجاثية
(1067) الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي جـ1 ص 238
(1068) انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري ط دار المعرفة جـ1 ص 294
(1069) انظر صحيح مسلم ط دار المعرفة جـ1 باب الوضوء ـ غسل الرجلين.
(1070) وفي الدر المنثور: أخرج الدار قطني والبيهقي في سننهما عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه.
المسألة الثالثة
قوله تعالى: {أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا}(1092)
قرأ حمزة والكسائي وخلف: {أو لمستم النساء}
وقرأ الباقون: {أو لامستم النساء}(1093)
وكذلك في سورة المائدة في آية الوضوء: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا والمد والقصر وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين، وإن كنتم جنباً فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم الغائط أو لامستم النساء}(1094)
فقد قرأ الكوفيون إلا عاصماً بالقصر: لمستم، ومرادهم في ذلك أن اللمس هو ما دون الجماع كالقبلة والغمزة واللمس باليد، وهو مذهب ابن عمر وابن مسعود وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وابن شهاب الزهري. وبذلك فإنهم يجعلون الفعل هنا للرجال دون النساء(1095).
وأما اختيار الباقين فإنهم فهموا منه المجامعة، إذ الألف للمفاعلة، والمفاعلة تكون من اثنين، واستدلوا لذلك بما روي في التفسير أن علياً رضي الله عنه قال: ({لامستم النساء}: أي جامعتم، ولكن الله يكني).
وروي أيضاً عن ابن عباس قوله: (هو الغشيان والجماع)(1096).
وعن سعيد بن جبير قال: كنا في حجرة ابن عباس ومعنا عطاء بن أبي رباح ونفر من الموالي، وعبيد بن عمير ونفر من العرب، فتذاكرنا اللماس، فقلت أنا وعطاء والموالي اللماس اللمس باليد، وقال عبيد بن عمير والعرب هو الجماع، فدخلت على ابن عباس فأخبرته، فقال: غلبت الموالي، وأصابت العرب، ثم قال: إن اللمس والمس والمباشرة إلى الجماع ما هو، (أي هي الجماع) ولكن الله يكني ما شاء بما شاء(1097).
وليس في اللغة تفريق بين اللمس والملامسة إلا من جهة ألف المفاعلة فيها، فاللمس ما ظهر من اللامس، والملامسة ما اشترك فيها اثنان، وقال ابن منظور في اللسان: (قال ابن الأعرابي: لمسته لمساً ولامسته ملامسة، ويفرق بينهما فيقال: اللمس قد يكون معرفة الشيء بالشيء، والملامسة أكثر ما جاءت من اثنين)(1098)
وقال: اللمس: كناية عن الجماع، لمسها يلمسها ولامسها، وكذلك الملامسة، وفي التنزيل العزيز: {أو لمستم النساء}، وقرىء: {أو لامستم النساء}(1099) وهكذا فإن النحاة لا يميزون بين اللمس والملامسة من جهة أصل الدلالة، وبذلك
يكون الجدل في دلالة هذه الآية ليس ناشئاً عن خلاف القراءة وإنما عن تعدد التأويل، واعتبار الحقيقة والـمجاز في اللفظ، واحتفاظه بالقرائن.
وثمرة الخلاف: في القراءة لا تعود بنتيجة على التأويل، لأن الذين اعتبروا اللمس باليد ناقضاً تأولوا عليه القراءتين، وكذلك من اعتبر الجماع هو الناقض المقصود، فإنه تأول عليه القراءتين. فلا مطمع إذن في توجيه القراءة لمذهب دون مذهب، والفقهاء يوردون في الاحتجاج في هذا المقام قرائن الأحوال.
فقد اختار الشافعية أن (لمستم) ظاهرة في مجرد اللمس من غير جماع، وأما قراءة {لامستم} فقد جعلوها مبالغة في اللمس، ولم يصرفوها إلى معنى آخر، وقالوا: لما أورد الجماع بقوله: {إلا جنباً}(1100) كان تكرار ذلك غير فصيح(1101)، واستدلوا كذلك بما قدمناه من مذهب ابن مسعود(1102).
واختار الحنيفة أن اللمس والملامسة حقيقة في الجماع، ولكن الله يكني(1103)، وقد استدلوا لذلك بما قدمناه من مذاهب الصحابة كابن عباس وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهما(1104).
وقد توسط المالكية فجعلوا نقض الوضوء بلمس المتوضئ البالغ لشخص يلتذ به عادة، فجعلوا الضابط لنقض الوضوء حصول اللذة، ونصوا على أن القبلة
تنقض الوضوء مطلقاً بين البالغين لأنها مظنَّة الشهوة، وهو شبيه برأي الحنابلة في المشهور(1105).
وهو ما دلت له عبارة ابن العربي المالكي: (راعى مالك في اللمس القصد، وجعله الشافعي ناقضاً للطهارة بصورته كسائر النواقض) ثم أورد دليلا على ما اختاره في قوله: (إن الله تعالى أنزل اللمس المفضي إلى خروج المذي منزلة التقاء الختانين المفضي إلى خروج المني، فأما اللمس المطلق فلا معنى له، وذلك مقرر في مسائل الخلاف)(1106).
قال ابن جرير الطبري: وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: أراد الله بقوله: {أو لامستم النساء} الجماع دون غيره من معاني اللمس لصحة الخبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قبل بعض نسائه ثم صلى، ثم روى عن عائشة قالت: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتوضأ ثم يُقَبِّل، ثم يصلي.
وعن عائشة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قبل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ، قال عروة: قلت من هي إلا أنت، فضحكت(1107).
ويمكن الجمع بين القراءتين أن الله عز وجل أمر بالوضوء من غشيان النساء، وذلك على سبيل الحتم، ثم أمر به من مسهن على سبيل الندب، وإنما صرف المعنى ها هنا من الحتم إلى الندب ثبوت الرواية عن عروة عن عائشة كما أثبتها الطبري ها هنا. وهو ما اختاره الحنابلة على المشهور إذ قالوا: (وإذا لم ينتقض الوضوء بمس أنثى، فإنه يستحب) (1108)
————
(1092) سورة النساء 43
(1093) تقريب النشر لابن الجزري ص 105
وعبارة طيبة النشر:
…………..لامستم قصر معاً شفا……………
وانظر سراج القاري ص 192
(1094) سورة المائدة 6
(1095) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 205
(1096) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جـ2 ص 166
(1097) الدر المنثور في التفسير بالمأثور جـ2 ص 167
(1098) لسان العرب لابن منظور جـ6 ص 409
(1099) المصدر السابق نفسه
(1100) سورة النساء 43
(1101) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 ص 224
(1102) انظر ص 600 من هذا الكتاب
(1103) الدر المنثور للسيوطي جـ2 ص 166
(1104) انظر ص 600 من هذا الكتاب.
(1105) موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته. د. وهبة الزحيلي جـ1 ص 276
(1106) أحكام القرآن لابن العربي المالكي جـ1 ص 445
(1107) جامع البيان في تفسير القرآن للإمام ابن جرير الطبري جـ5 ص 105
(1108) انظر موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته، د. الزحيلي. ط دار الفكر جـ1 ص 275
المسألة الرابعة
قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه…..}(1109)
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو: {ونصفِهِ وثلثِهِ} بالكسر، حملوه على الجار، أي: تقوم أدنى من نصفه ومن ثلثه.
والمعنى في ذلك يكون على تأويل: إن ربك يعلم أنك تقوم أحياناً أدنى من ثلثي الليل، وأحياناً أدنى من نصفه، وأحياناً تقوم أدنى من ثلثه، غير عارف بالمقدار في ذلك التحديد بدلالة قوله (بعدها): {علم أن لن تحصوه} وقوله: {والله يقدر الليل والنهار} فكأنه قال: أنا أعلم من مقادير قيامك بالليل ما لا تعلم من تحديد الساعات من آخر الليل.
قال أبو عبيد: الاختيار الخفض في {نصفِهِ وثلثِهِ} لأن الله تعالى قال: {علم أن لن تحصوه} فكيف يقدر على أن يعرضوا نصفه وثلثه.
وقرأ الباقون: بالنصب، بوقوع الفعل أي يقوم نصفه وثلثه(1110).
وحجتهم في ذلك أن النصب أصح في النظر: قال الله لنبيه – صلى الله عليه وسلم -: {قم الليل إلا قليلاً…}(1111) أي صل الليل إلا شيئاً منه تنام فيه وهو الثلث، والثلث يسير عند الثلثين، ثم قال: {ونصفه أو انقص منه قليلاً} أي من الثلث قليلاً. أي: نصفه أو انقص من النصف قليلاً إلى الثلث، أو زد على النصف إلى الثلثين. فإذا قرأت بالخفض كان معناه أنهم قد كانوا يقومون أقل من الثلث.
وفي هذا مخالفة لما أمروا به لأن الله تعالى قال: {قم الليل إلا قليلا * نصفه أو انقص منه قليلاً} إلى الثلث، أو زد على الثلث، ولم يأمرهم بأن ينقصوا من الثلث شيئاً. وأما قوله: {علم لن تحصوه} أي: لن تطيقوه كما قال – صلى الله عليه وسلم -: “استقيموا ولن تحصوا”(1112) أي: ولن تطيقوا، والله أعلم(1113).
وثمرة الخلاف: أن منطوق الآية نص في أن النبي – صلى الله عليه وسلم – والصحابة الكرام كانوا يقومون أجزاء مختلفة من الليل، فمرة يقوم أدنى من الثلثين، ومرة يقوم نصف الليل، ومرة ثلث الليل، ومرة أدنى من نصف الليل، ومرة أدنى من ثلثه، وهذا ما دلت له القراءتان، فدلت قراءة نافع وابن عامر وأبي عمرو على قيامه(أقل من النصف وأقل من الثلث، فيما دلت قراءة الباقين على قيامه النصف والثلث، وذلك بمجموعه
تيسير للأمة وتخفيف عليها، إذ النبي – صلى الله عليه وسلم – في مقام الأسوة، وإذا صح عنه قيام ذلك من الليل كان ذلك إذناً لأمته، في تخير ما يقدر العبد عليه من أحوال القيام.
وهل القيام في حق النبي – صلى الله عليه وسلم – فريضة كما اختاره الغزالي، أم هو وأمته سواء(1114)؟ وهذا الذي اختاره الغزالي من أن القيام فريضة في حق النبي – صلى الله عليه وسلم – هو ما دل له حديث: “ثلاثة علي فريضة ولأمتي تطوع: قيام الليل والوتر والسواك”(1115) وهذا الحديث لو صح لقطع كل نزاع في أن القيام تعين فريضة في حق النبي – صلى الله عليه وسلم – ولكن معالجة إسناد الحديث كما يظهر لك تكشف أنه لا ينهض مستقلاً في إثبات ذلك.
وقد اختار الآلوسي أن القيام فرض على النبي – صلى الله عليه وسلم – على أمته، فنسخ ذلك في حق أمته (وبقي في حقه (بناء على ما أخرجه ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: نسخ قيام الليل إلا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – (1116).
وقد تأول القائلون بافتراضه عليه(قوله تعالى: {نافلة لك}، أي: كرامة لك، وهو قول مقاتل(1117).
لكن رد القرطبي على ذلك فقال: وفي هذا التأويل بعد لوجهين: أحدهما: تسمية الفرض بالنفل، وذلك مجاز لا حقيقة(1118) وليس ثمة هنا مساغ يبرر العدول عن الحقيقة إلى المجاز.
ثم قال: الثاني: قوله(: “خمس صلوات افترضهن الله على العباد”(1119) وقوله تعالى: (وهي خمس وهن خمسون لا يبدل القول لدي)(1120) وهذا نص، فكيف يقال: افترض عليه صلاة زائدة على الخمس، هذا ما لا يصح(1121).
ثم جزم القرطبي في اختياره أن التهجد نافلة في حق الرسول – صلى الله عليه وسلم – كما في حق أمته فقال: وعلى هذا يكون الأمر بالتنفل على جهة الندب، ويكون الخطاب للنبي(لأنه مغفور له، فهو إذا تطوع بما ليس بواجب عليه كان ذلك زيادة في الدرجات، وغيره من الأمة تطوعهم كفارات وتدراك لخلل يقع في الفرض(1122).
————
(1109) سورة المزمل 2
(1110) حجة القراءات ص 731، وتقريب النشر لابن الجزري ص 184
وعبارة الشاطبي:
وثاث ثلثه فانصب وفا نصفه صلة ميم * وثلثي سكون الضم لاح وجَمَّلا
(1111) المزمل 1
(1112) أخرجه أحمد في مسنده جـ5 ص 277 وكذلك الحاكم في المستدرك والبيهقي عن ثوبان وثمامة: استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
(1113) حجة القراءات ص 731
(1114) أخرج أحمد في مسنده والحاكم عن ابن عباس أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ثلاث هن علي فريضة، وهن لكم تطوع: الوتر، وركعتا الضحى والنحر”
(1115) هذا الحديث أورده القرطبي في الجامع جــ10 ص 308 ولم يشر إلى من خرَّجه وهذه أولى أمارات التضعيف.
وأورده الهندي المباركفوري في كنز العمال جـ7 رقم 19853 وعزاه إلى البخاري ومسلم ثم قال: وضعَّفه عن عائشة!..
وهذه أعجب وأعجب، فليس في البخاري ولا مسلم من ذلك شيء، وغالب الظن أن الحديث من رواية البيهقي، في شعب الإيمان، فذهل المباركفوري أو الطابع فكتب رمز الشيخين مكان رمز البيهقي، إذ رمزهما عنده ق، ورمز البيهقي هق، والرمزان متشابهان، وليس من عادة المباركفوري أن يضعف ما نسب إلى البخاري ومسلم في مقام.
(1116) روح المعاني للآلوسي جـ15 ص 139
(1117) الدر المنثور للسيوطي جـ4 ص 200
(1118) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ10 ص 308
(1119) حديث مشهور، أخرجه أحمد بن حنبل عن عبادة بن الصامت، ورواته ثقات إلا الحسين بن محمد المروزي فهو مجهول، ولكنه وصل من طريق أخرى عن أبي عبد الله الصنابحي.
(1120) رواه مسلم في كتاب الإيمان رقم الحديث 12، باب السؤال عن أركان الإسلام ورواه أيضاً الترمذي والنسائي.
(1121) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ10 ص 308
(1122) المصدر السابق نفسه
المسألة الخامسة
قوله تعالى: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلَّى}(1123)
قرأ ابن عامر ونافع: {واتخَذوا} بفتح الخاء
وقرأ الباقون: {واتخِذوا} بكسر الخاء(1124)
فمؤدى قراءة ابن عامر ونافع الإخبار عن فعل الأولين، فهي محض خبر، وأما قراءة الجمهور فهي في مقام إنشاء الأمر باتخاذ المقام مصلى.
وهذه المسألة من موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أخرج البخاري عن أنس عن عمر بن الخطاب قال: (وافقت ربي في ثلاث، ووافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، وقلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}، واجتمع على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات….فنزلت) (1125)
وثمرة الخلاف: أن مقام إبراهيم عليه السلام لم يزل مصلى، فقد اتخذه بنو إبراهيم بعد أبيهم، وقد أمر الله عز وجل النبي – صلى الله عليه وسلم – وأمته بإقرار ذلك وجعله مصلى، وهذا المعنى بجملته لا يفهم من إحدى القراءتين دون الأخرى، ولا بد من إعمالهما معاً ليتضح ذلك.
وليس لهذا الخلاف ثمرة فقهية ظاهرة، ولكنه أفاد خبراً في أن مقام إبراهيم لم يزل مصلى يتخذه المتحنفون على ملته، فجاءت الشريعة بإقرار ذلك ثم الحث عليه.
وفيه من الفوائد التربوية أن ليس كل قديم ينبذ، وأن اقتفاء الأبناء هدي آبائهم وتراثهم ليس مذموماً على إطلاقه، وأن ركوب أهل الباطل لبعض مراكب الحق لا يشين الحق في ذاته.
————
(1123) سورة البقرة 125
(1124) سراج القاري لابن القاصح العذري ص 157
وعبارة الشاطبي:……………………. واتخذوا بالفتح عم وأوغلا
وانظر حجة القراءات ص 113
(1125) أخرجه البخاري في كتاب المناقب، فضائل عمر بن الخطاب.
وأخرجـه كذلك الترمذي والنسائي وابن ماجة، كما أخرجه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في سننه عن أنـس.
المسألة السادسة
قوله تعالى: {ويسئلونك ماذا ينفقون قل العفو}(1126)
قرأ أبو عمرو البصري: {قل العفوُ} بالرفع
وقرأ الباقون: {قل العفوَ} بالنصب(1127)
ومقتضى قراءة البصري أنه جعلها مبتدءاً في الكلام، فكان المعنى أن المطلوب في الإنفاق هو العفو.
وجعلها الباقون مفعولاً لفعل الأمر: المقدَّر، أي: أنفقوا العفو.
والمعنيان متقاربان من جهة الدلالة، متفاوتان من جهة الأسلوب، والعفو نقيض الجهد(1128)، وهو ما ينفقه المرء دون أن يضيق على نفسه ويقتر على عياله، والجهد: أن ينفق ما يجهده ويستفرغ وسعه، ومنه قولهم: (خذي العفو مني تستديمي مودتي) ويقال للأرض السهلة: العفو(1129).
وأما تشريع صدقة العفو فقد رفع وجوبه وبقي استحبابه، وإنما رفع وجوبه بفرض أنصباء الزكاة ومقاديرها، أخرج ابن إسحاق وابن أبي حاتم أن نفراً من الصحابة حين أمروا بالنفقة في سبيل الله أتوا النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالوا: إنا لا ندري ما هذه
النفقة التي أمرنا بها في أموالنا، فما ننفق منها؟ فأنزل الله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} وكان الرجل قبل ذلك ينفق ماله حتى ما يجد ما يتصدق به، ولا يجد ما يأكل حتى يتصدق عليه(1130).
وأخرج مسلم في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ـ وابدأ بمن تعول”(1131).
واختار ابن جرير الطبري أن العفو هو الفضل عن العيال(1132)، ومثله قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه فإن كان فضلاً فعلى عياله، فإن كان فضلاً فعلى ذي قرابته، فإن كان فضلاً فها هنا وها هنا”(1133).
ثمرة الخلاف: تظهر ثمرة الخلاف في التوكيد على إنفاق العفو من المال، فهو في قراءة الرفع يحتمل الوجوب والاستحباب، وزادت عليه قراءة النصب بوروده بصيغة الأمر أي: أنفقوا العفو والأمر للوجوب، فيمكن القول إن القراءة الأولى أفادت طلب إنفاق العفو على سبيل الاستحباب، فيما أفادت الثانية طلب إنفاق العفو على سبيل الإيجاب.
ولا يخفى أن هذا التحرير محله غياب القرائن والناسخ، وها هنا فإن ناسخ الوجوب قد ورد بتحديد أنصباء الزكاة المفروضة ومقاديرها فيبقى الأمر هنا على الاستحباب، والله أعلم.
————
(1126) سورة البقرة 129
(1127) تقريب النشر في القراءات العشر ص 96
وعبارة طيبة النشر:
…………………………….العفو محنا
(1128) الكشاف للزمخشري جـ1 ص 360
(1129) المصدر السابق نفسه، وانظر كذلك فتح القدير للشوكاني جـ1 ص 222
(1130) فتح القدير للشوكاني جـ1 ص 222
(1131) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة برقم 95 – 97 – 106
(1132) تفسير الطبري جـ2 ص 218
(1133) أخرجه أحمد في مسنده جـ3 ص 305، وابن خزيمة في صحيحه، وأبو عوانه عن جابر. وأخرجه أبو داود في جامعه كتاب العتاق باب 9
المسألة السابعة
قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}(1134)
قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر: {فديةٌ طعامُ مساكين}
وقرأ الباقون: {فديةٌ طعامُ مسكين}(1135)
وكذلك فقد قرأ المدينان وابن ذكوان: {فديةُ طعامِ}(1136)
وحجة نافع وابن عامر في اختيار الجمع دون الإفراد قول الله سبحانه قبل ذلك: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات} قال: إنما عرف عباده حكم من أفطر الأيام التي كتبت عليهم صومها بقوله: {أياماً معدودات}، فإذا كان ذلك كذلك فالواجب أن تكون القراءة في {المساكين} على الجمع لا على التوحيد، وتأويل الآية: {وعلى الذين يطيقونه فدية} أيام يفطر فيها إطعام مساكين، ثم تحذف أياماً وتقيم (الطعام) مكانها.
وحجة الجمهور أن في البيان على حكم الواحد البيان عن حكم جميع أيام الشهر، وليس في البيان عن حكم إفطار جميع الشهر البيان عن حكم إفطار اليوم الواحد.
ثمرة الخلاف: أفادت قراءة الإفراد أن الفدية إطعام مسكين واحد فوجب حملها على الفدية عن كل يوم، وأفادت قراءة الجمع أن الفدية إطعام عدد من المساكين فوجب حملها على تعدد الفدية بتعدد الأيام، ولكن ما الفائدة من تعدد القراءات هنا؟ الجواب أن قراءة الإفراد دلت على وجوب دفع الفدية للمسكين، فربما توهم متوهم بأنه لا يصح توزيع الفديات إذا تعددت الأيام إلا إلى مسكين واحد، فأخبرت قراءة الجمع أن دفع الفديات يصح إلى مسكين واحد، ويصح إلى جماعة من المساكين.
وهذا الذي أدت إليه القراءات المتواترة يميزه البصير العارف، فرب مسكين لا تندفع غائلة الجو عنده بعطية يوم، فتواصل إعطاءه أياماً، ورب مسكين يقع في كرب يوماً فيجد عطيتك له عوناً ومدداً.
وبعد.. فهذا ما ظهر لي من ثمرة في الخلاف، وهي كما يظهر غير كافية، وهي مبلغ علمي، على أنه ينبغي أن توقن أن ثمة أسراراً أخرى مكنونة لاختلاف القراءة، قد يعلمها قوم وتخفى عن آخرين، والله أعلم.
————
(1134) سورة البقرة 184
(1135) تقريب النشر ص 96
وعبارة طيبة النشر:
مسكين فاجمع لا تنوِّن وافتحا عم…………………………
(1136) تقريب النشر لابن الجزري ص 96
وانظر حجة القراءات لأبي زرعة ص 124
المسألة الثامنة
قوله تعالى: {الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}(1137)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأبو جعفر: {فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا جدال} وانفرد أبو جعفر عنهم في رفع: {ولاجدالٌ} أيضاً.
وأما الباقون فقد قرؤوا سائر كلمات الآية نصباً: {فلا رفثَ ولا فسوقَ ولا جدالَ في الحج}(1138)
وذهب أصحاب القراءة الأولى في توجيه قراءتهم إلى أنها واردة على تقدير: لا يكون رفث ولا يكون فسوق، فجعلوها خبراً بمعنى النهي، وإنما تركوا رفع {ولا جدال} على تقدير أنه: لا جدال في ميقات الحج، أي لاشك في الحج ولا اختلاف في أنه في ذي الحجة، لقوله سبحانه: {الحج أشهر معلومات}(1139).
(قال أبو عبيد القاسم بن سلام: وإنما افترقت الحروف عندهم لأنهم جعلوا قوله: {فلا رفث ولا فسوق} بمعنى النهي، أي لا يكون رفث ولا فسوق، وتأولوا قوله: {ولا جدال} أنه لا شك في الحج ولا اختلاف في أنه ذي الحجة)(1140)
وأما أصحاب القراءة الثانية وهم عامة قراء الأمصار إلا من ذكرنا، فقد جعلوها نفياً لجميع جنس الرفث والفسوق والجدال، ويشهد لهم ما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: {ولا جدال في الحج} قال: (لا تمار صاحبك حتى تغضبه، فلم يذهب بها ابن عباس ذلك المذهب، ولكنه جعله نهياً كالحرفين الأولين، وأن حرف النهي دخل في الثلاثة)(1141).
وثمرة الخلاف: أن كلتا القراءتين أفادت النهي عن الرفث والفسوق، فالأولى على تقدير: لا يكون رفث ولا يكون فسوق في الحج والثانية على تقدير: لا تقترفوا رفثاً ولا فسوقاً.
واستقلت الأولى بالنهي عن الرفث والفسوق في جميع الأوقات في الحج.واستقلت الثانية بالنهي عن الرفث والفسوق بجميع أشكاله فيكون تعدد القراءات هنا ضرورياً لتحقيق المعنيين معاً، إذ أفادت الأولى العموم، وأفادت الثانية الإطلاق، والله أعلم.
أخرج الأصبهاني في الترغيب عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول(: “ما من عمل بين السماء والأرض بعد الجهاد في سبيل الله أحب إلى الله من جهاد في سبيله وحجة مبرورة متقبلة، لا رفث ولا فسوق ولا جدال فيها”.(1142)
قال أبو زرعة: (حجة من فتح أن يقول: إنه أبلغ في المقصود، ألا ترى أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق كما أنه إذا قال: لا ريب فيه فقد نفى جميع هذا الجنس، وإذا رفع ونون فكأن النفي لواحد منه، فالفتح أولى لأن النفي به أعم والمعنى عليه لأنه لم يرخص في ضرب من الجدال)(1143) ثم أورد إيضاحاً آخر للمعنى الذي دلت له قراءة النصب فقال: فالفتح جواب قائل: هل من رفث؟ هل من فسوق؟ فـ(من) يدخله للعموم و(لا) أيضاً تدخل لنفي العموم، وإذا قلت: (هل من رجل في الدار) فجوابه (لا رجُلَ في الدار)(1144).
وأما الذين قرؤوا بالرفع فإنهم لم ينكروا هذه الدلالة، ولكن قالوا: (إنها تعرف من فحوى الخطاب ولو قرأت بالرفع، وقد يكون اللفظ واحداً والمراد جميعاً)(1145).
والخلاصة أن القراءتين متكاملتين في الدلالة على المعنى، في وجوب نفي الرفث والفسوق والجدال بشتى أشكاله.
بقي أن نشير إلى معنى الرفث المنهي عنه، وهو إتيان النساء، وقد صرح بذلك من الصحابة ابن مسعود وابن عباس وعبد الله ابن الزبير، وروي عن بعض السلف عن ابن عباس أيضاً أن الرفث هو التعريض بذكر النكاح.
أخرج سفيان بن عينية عن طاووس قال: سألت ابن عباس عن قوله: فلا رفث، قال: الرفث الذي ذكر هنا ليس الرفث الذي ذكر في {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}(1146) ذاك الجماع، وهذا العراب بكلام العرب، والتعريض بذكر النكاح(1147)، وروى عنه ابن المنذر أيضاً قوله: الرفث غشيان النساء والقبل والغمز وأن يعرض لها بالفحش من الكلام.(1148)
————
(1137) سورة البقرة 197
(1138) تقريب النشر لابن الجزري ص 96
وعبارة الشاطبية: وبالرفع نونه فلا رفثٌ ولا فسوقٌ ولا حقاً وزان مجملا
وقد تضمنت الإشارة إلى مذهب أبي عمرو وابن كثير وهما المشار إليهما بـ(حق) واستكمل ابن الجزري بيان مذهب يعقوب وأبي جعفر في الدرة المضية بقوله:
….. وارفع رفث وفسوق مع جدال وخفض في الملائكة اثقلا
(1139) سورة البقرة 197
(1140) حجة القراءات لأبي زرعة ص 124
(1141) المصدر السابق نفسه
(1142) أورده السيوطي في الدر المنثور ط دار المعرفة جـ1 ص 220
(1143) حجة القراءات لأبي زرعة 124
(1144) المصدر السابق نفسه
(1145) المصدر السابق نفسه
(1146) سورة البقرة
(1147) (1148) الدر المنثور للسيوطي جـ1 ص 219
المسألة التاسعة
قوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر}(1149)
انفرد عيسى بن وردان في رواية أبي جعفر في وجه عنه فقرأ: {أجعلتم سقاة الحاج وعمرة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر}(1150)
وهذا الوجه من القراءة لم يشتهر عن أبي جعفر، فقد قرأ راوياه: ابن جماز وعيسى ابن وردان كقراءة الجمهور، ولكن نقل الشطوي عن عيسى بن وردان عن أبي جعفر أنه قرأ بالوجه المذكور(1151)، ولولا أن ابن الجزري أورده في النشر لأعرضنا عنه واكتفينا بما قرأ به الجمهور.
وينشأ من هذه القراءة أيضاً مشكلة في الرسم، إذ لا تستقيم صحة هذه القراءة إلا مع مطابقتها للرسم العثماني في أحد المصاحف كما قدمناه من قبل، ولم أجد أحداً من محققي مصاحف عثمان أشار إلى هذا الوجه في الخلاف(1152)، ولا يتصور إدراج ابن الجزري لهذا الوجه في المتواتر إلا مع تيقنه من مطابقته للرسوم في أحد المصاحف العثمانية، إذ يستفاد من قول ابن الجزري:
وكل ما وافق وجه النحو * وكان للرسم احتمالاً يحوي
وصح إسناداً هو القرآن * فهذه الثلاثة الأركان
وحيثما يختل وجه أثبتِ * شذوذه لو أنه في السبعة(1153)
فيستفاد من ذلك أن ابن الجزري ملتزم بهذه الشروط الثلاثة، فلا يصح إدراجه لهذا الوجه في المتواتر إلا مع الجزم بأنه اطلع على وجه في المرسوم مطابق لما أدى إليه هذا الوجه.
ومؤدى قراءة أهل الأمصار نفي التسوية بين سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام وبين المؤمنين، وهو كما ترى مقابلة بين فعل وذات، وهو ما نجت منه رواية الشطوي عن ابن وردان، إذ جعلت المقابلة بين ذات وذات، بين سقاة الحاج وعُمَّارة المسجد الحرام وبين المؤمنين بالله واليوم الآخر.
ولكن هذا الإنكار على قراءة الجمهور لا محل له ولا داعي إليه، ففي القرآن العظيم من مقابلة الذات بالأفعال كثير، من ذلك: {والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم}(1154).
ففيه عطف الدار وهي ذات على الإيمان وهو معنى، وذلك على قول من قال: إن الإيمان هو العقيدة الموصوفة، إذ جزم كثير من المفسرين أن الإيمان هنا اسم ذات أيضاً، إذ جعلوه اسماً للمدينة المنورة.
وحيث ثبت تواتر قراءة الجمهور وموافقتها للرسم والنحو كان لا مساغ للإنكار، والذي يميل إليه القلب أن المروي عن ابن وردان ليس متواتراً، إذ مع مخالفته لرسم المصحف فإن ابن الجزري نفسه أعرض عنه في الطيبة ولم يشر إليه(1155)، واكتفى بالإشارة إلى هذا الوجه في النشر، وقد أورده محتفاً بقرائن التوهين فقال: انفرد الشطوي عن ابن وردان بذلك، فكأنه جزم أنه ليس في المتواتر من ذلك شيء.
ولكنه كان من قبل قد أوردها في نظم الدرة المضية مشيراً إلى الخلاف فيها أيضاً(1156).
ثمرة الخلاف: إن المعاني التي أدت إليها القراءتان متقاربة فهي أولاً أفادت نفي المماثلة بين سقاية الحاج والإيمان، فكانت على تقدير: لا يستوي من قام بسقاية الحاج ومن آمن بالله واليوم الآخر.
وأفادت ثانياً نفي المماثلة بين سقاة الحاج وعمارة المسجد الحرام وبين المؤمنين، فالمؤدى المفهوم من القراءتين جميعاً، أن الأعمال غير متساوية، والأفراد غير متساوون، إذ لا يقبل الله عملاً يقوم به عامل مع فساد العقيدة، وهو أصل مقرر في فروع الشريعة، وقد دل له قوله سبحانه:
{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً}(1157)
وفي الحديث القدسي:
“إنـي والـجن والإنـس في نبـأ عظيـم، أخـلـق ويعبـد غيري، وأرزق ويشكـر غـيري”(1158)
————
(1149) سورة التوبة
(1150) تقريب النشر لابن الجزري ص 120
وليس في طيبة النشر إشارة إلى ذلك.
لكن أورد ابن الجزري هذا الوجه أيضاً في نظمه: الدرة المضية في القراءات الثلاث تتمة العشرة، وعبارته في ذلك: وقل عمرة معها سقاة الخلاف بن………………………
(1151) تقريب النشر لابن الجزري ص 120
(1152) انظر تفصيل ذلك في باب حصر اختلاف مصاحف الأمصار من هذا الكتاب.
(1153) انظر حجة القراءات ص 11
(1154) سورة الحشر 9
(1155) انظر تقريب النشر ص 120
(1156) انظر إتحاف البررة بالمتون العشرة ص 141
(1157) سورة الفرقان 23
(1158) رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء
المسألة العاشرة
قوله تعالى: {ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم}(1159)
قرأ الكوفيون ويعقوب: {فجزاءٌ مثلُ ما قتل من النعم}
وقرأ الباقون: {فجزاءُ مثلِ ما قتل من النعم}(1160)
فمن رفعهما جميعـاً فرفعه على معنى: فعليه جزاء مثل الذي قتل، فيكون مثل ما نعت الجزاء، ويجوز أن يكون التقدير على أساس أنهما مبتدأ وخبر، فيكون المعنى: فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل.
وعلى ذلك تتوجه قراءة الخفض إلى معنى: فجزاء مثل المقتول واجب عليه، وقد تعددت مذاهب الفقهاء تبعاً لاختلاف الرواية في هذا الموطن، فقالت الحنفية: من قتل الصيد فإنه يقوم الصيد المقتول من الدراهم، ثم يشتري قيمته فداء من النعم ثم يهديه إلى الكعبة لأن المطلوب قيمته، بدليل أن الجزاء أضيف إلى المثل: فجزاء مثل، كما في قراءة الجميع إلا الكوفيين ويعقوب، والشيء لا يضاف إلى مثله، فوجب المصير إلى قيمته، حيث تيقَّـنَّا هنا أن المطلوب ليس المثل، وإنما هو ما يعادله قيمته(1161).
وقد أجرى الحنفية قاعدتهم هذه في كثير من مسائل الكفارات والنذور كما في صدقة الفطر.
ولهذا المذهب تطبيقات كثيرة في التفسير، وهي مسموعة من كلام العرب، كما في قولهم: مثلك من يكرم، ونظيره في القرآن الكريم: {أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلناه له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات} أي كمن هو في الظلمات(1162).
ومن أشهر التطبيقات لهذه القاعدة ما اتفق عليه المفسرون في قوله سبحانه وتعالى: {ليس كمثله شيء}(1163)، فلا بد من المصير في هذا المقام إلى ما فهمته الحنفية، وهو أن {مثل} هنا زائدة، ويمكن القول: إنما تتجه الآية إلى نفي شبيه الشبيه عن المولى سبحانه، وهو زيادة في التنزيه(1164).
فجملة القول أن مختار الحنفية يتجه إلى أن المطلوب إنفاق قيمة ما قتل من الصيد، اعتماداً على القراءة المتواترة إذا الشيء لا يضاف إلى نفسه.
قال أبو حنيفة: تجب القيمة بقتل الصيد أو الدلالة عليه(1165).
واختارت الشافعية: أن المحرم إذا أصاب صيداً في الحرم فقد وجب عليه مثل المقتول إن كان له مثل، فإن لم يكن له مثل…. فلا بد من المصير إلى القيمة(1166).
وتجد أن شقة الخلاف تضيق بين القوم فيما ليس له مثل مشروع من النعم، ويتحدد مناط الخلاف فيما كان له مثل مكافئ من النعم فالحنفية على مذهبهم لزوم القيمة، والإعراض عن كفارة الدم بالدم، والشافعية على مذهبهم في المصير إلى نحر المثل حيث وجد، وإلا فالمطلوب القيمة.
وعبارة الشربيني: في النعامة بدنة، وفي بقر الوحش وحماره بقره، وفي الغزال عنز، وفي الأرنب عنان، وفي اليربوع جفرة، وفي الثعلب شاة، وفي الضب جدي، وما لا نقل فيه يحكم بمثله من النعم عدلان، لقوله تعالى: {يحكم به ذوا عدل منكم}
ويجب في ما لا مثل له مما لا نقل فيه كالجراد وبقية الطيور ماعدا الحمام القيمة، وذلك في موضع الإتلاف والتلف، لا بمكة على الصحيح.
ثم يلزم في الكبير كبير، وفي الذكر ذكر، وفي الأنثى أنثى، وفي الصحيح صحيح، وفي المعيب معيب، اجتهاداً في تحقيق المثلية المنصوص عليها في الكتاب(1167).
وظاهر هنا أن اختيارات كافة الشافعية إنما تجري مع قراءة الرفع: {فجزاءٌ مثلُ ما قتل من النعم} فالمثل هو الخبر المنصوص عليه.
ثمرة الخلاف: تكشف القراءتان عن سعة الفقه الإسلامي ودقته، فبعد أن دلت قراءة أهل الكوفة بالرفع على وجوب المماثلة، تحقيقاً لدقة الجزاء في القضاء، جاءت قراءة الباقين بالخفض إيذاناً بجواز العدول إلى القيمة في الجزاء.
وهذا الاتجاه ينتج عن إعمال القراءتين جميعاً، ويتفق مع مذهب الشافعية في ما كان له مثل، في الشق الأول، وما ليس له مثل في الشق الثاني، فهو اعتمال مركب.
لكن ينطبق على دلالة القراءتين ما اختاره المالكية الذين جعلوا الفداء على سبيل التخيير بين نحر مثل الصيد وبين قيمة الصيد، وخلاصة مذهبهم أن جزاء الصيد أحد ثلاثة أنواع(1168) على التخيير كالفدية وهي: مثل الصيد الذي قتله من النعم، وقيمة الصيد طعاماً، وعدل ذلك الطعام صياماً لكل مد صوم يوم(1169).
وهكذا فإن مختار المالكية أقرب السبل لإعمال القراءتين جميعاً، وهو ما يجب لحظه واعتباره.
————
(1159) سورة التوبة
(1160) تقريب النشر ص 109
وعبارة طيبة النشر: ظهراً ومثل رفع خفضهم وسم والعكس في كفارة طعام (عم)
(1161) حجة القراءات لأبي زرعة ص 237
وانظر كذلك الجامع لأحكام القرآن جـ6 ص 309
(1162) سورة الأنعام 122
(1163) سورة الشورى 11
(1164) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ6 ص 309
(1165) اللباب شرح الكتاب لعبد الغني الغنيمي الميداني جـ1 ص 206
(1166) مغني المحتاج للخطيب الشربيني جـ1 ص 524
(1167) مغني المحتاج للخطيب الشربيني جـ1 ص 528
(1168) لم نعرض هنا لذكر الوجه الثالث، وهو الصيام لعدم صلته بأثر القراءات في اختلاف الحكم الشرعي.
(1169) انظر الشرح الصغير للدردير بحاشية الصاوي ط دار المعارف بمصر جـ2 ص 115
المسألة الحادية عشر
قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}(1170)
قرأ ابن عامر وأبو عمر والبصيري وورش: {ثم لِيقضوا تفثهم}
وروى ابن ذكوان عن ابن عامر الكسر أيضاً في: {وليِوفوا نذورهم ولِيَطَّوفوا}
وقرأ الباقون بإسكان اللام في ذلك جميعاً(1171) {ثم لْيقضوا تفثهم ولْيوفوا نذورهم ولْيطوفوا}
فالذين كسروا اللام أتوا بها على الأصل إذ هي مبتدأة في الكلام والعرب لا تبدأ بساكن، وحق اللام الكسر. وهذا هو التوجيه اللغوي.
ولم أجد في شروح الشاطبية والطيبة، التعرض للتوجيه المعنوي لقراءة الكسر، وظاهر بأن اللام المكسورة هنا تحمل معنى آخر غير الأمر الجلي في قراءة إسكان اللام، ويتجه معنى اللام المكسورة هنا إلى الغاية أي أن من مقاصد حجهم واعتمارهم، ومن غايات ذلك قضاء الثفث ووفاء النذور
والطواف بالبيت، وإنما ذكر الله سبحانه هذه الغايات إلطافاً بالمعتمرين وإيناساً لهم، ودفعاً لاستيحاشهم(1172).
والذين قرؤوا بإسكان اللام حملوا ذلك على الأمر، ويقوي مذهبهم إجماع الجميع على الإسكان في قوله تعالى: {فلْيعمل عملاً صالحاً}(1173)وقوله سبحانه: {ولْيضربن بخمرهن على جيوبهن}(1174) وقـوله سبحــانه: {فلْيتلطف ولا يشعرن بكم أحدا}(1175).
وثمرة الخلاف: أن القرآن قرر أن قضاء التفث مقصد يسعى إليه الحجاج، وذلك قبل أن ينزل فيه تشريع، ثم أمر بذلك، فأصبح قضاء التفث نسكاً شرعياً مأموراً به، زيادة على كونه عادة الحجيج من العرب فيما توارثوه عن إبراهيم.
فكأنما القراءة الأولى جاءت تذكيراً بما تعودته العرب، ثم جاءت الثانية بالتكليف به ليكون الأمر أوقع في النفوس وآنس للاستجابة وأدنى إلى القبول.
وأما تحرير معنى التفث المأمور بقضائه فقد تعددت فيه الأقوال تعدداً كثيراً، ولم يسمع فيه شعر عربي(1176)، ولكن روي في تفسيره نص لو سلم إسناده لقطع كل خلاف وهو ما رواه ابن عمر وابن عباس أن التفث مناسك الحج كلها(1177)، وقال ابن العربي: (1178) لو صح عنهما لكان حجة لشرف الصحبة والإحاطة باللغة، قال: وهذه اللفظة غريبة لم يجر أهل العربية فيها شعراً ولا أحاطوا بها خبراً(1179)، لكني تتبعت التفث لغة فرأيت أبا عبيدة معمر بن المثنى قال: إنه قص الأظافر وأخذ الشارب وكل ما يحرم على المحرم إلا النكاح. قال: ولم يجيء فيه بشعر يحتج به(1180).
وقال صاحب العين: التفث هو الرمي والحلق والتقصير والذبح وقص الأظافر والشارب والإبط.
وذكر الزجاج والفراء نحوه، ولا أراه أخذوه إلا من قول العلماء.
وقال قطرب: تفث الرجل إذا كثر وسخه. قال أمية ابن أبي الصلت:
حفّوا رؤوسهم لم يَحْلقوا تفثاً * ولم يسلّو لهم قملاً وصئباناً
وما أشار إليه قطرب هو الذي قاله ابن وهب بن مالك، وهو الصحيح في التفث وهذه صورة إلقاء التفث لغة، وأما حقيقته الشرعية: فإذا نحر الحاج أو المعتمر هديه وحلق رأسه وأزال وسخه وتطهر وتنقى ولبس فقد أزال تفثه، ووفى نذره، والنذر ما لزم الإنسان والتزمه(1181).
ومن هذه النقول تعلم أن كلمة (التفث) لفظة عربية حوشية، قليلة التردد في كلامهم، ولكنها ليست ابتداعاً اخترعه التنزيل.
وخلاصة اختيارهم في أمر التفث ما رواه ابن وهب عن مالك قال: التفث: حلق الشعر، ولبس الثياب، وما أتبع ذلك مما يحل به المحرم(1182).
————
(1170) سورة الحج
(1171) تقريب النشر ص 145 لابن الجزري
وعبارة الشاطبية: ليوفوا ابن ذكوان ليطوفوا له ليقضوا سوى بزيهم نفر جلا
(1172) قال أبو البقاء الكفوي في الكيات: ولام الأمر يجوز تسكينه بعد واو أو فاء نحو {وليوفوا نذورهم} {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي} ولا يجوز ذلك في لام (كي)، وما يترتب على فعل الفاعل المختار إن كان ترتبه عليه بطريق الاتفاق والإمضاء من غير أن يكون اقتضاء وسببية، وتسمى اللام الداخلة عليه لام الصيرورة وهي العاقبة والمآل.
انظر: الكليات لأبي البقاء أيوب بن موسى الكفري جـ4 ص 143 ط وزارة الثقافة السورية.
(1173) سورة الكهف 110
(1174) سورة النور 31
(1175) سورة الكهف 19
(1176) نقلاً عن أحكام القرآن لابن العربي جـ3 ص 1283، ولكن ستجد بعد قليل أن ثمة شعراً فيه لفظ التفث من كلام أمية بن أبي الصلت، وهو أهل للاحتجاج.
(1177) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ12 ص 49
(1178) انظر أحكام القرآن للقاضي أبي بكر بن العربي جـ3 ص 1283
(1179) قال ابن منظور في لسان العرب مادة (تفث): قال الزجاج: لا يعرف أهل اللغة التفث إلا من التفسير.
كذا نقل ابن العربي عن أبي عبيدة وكذلك نقل القرطبي عن أبي عبيدة، ولدى مطالعة ما دونه أبو عبيدة في كتابه: مجاز القرآن، لم أجد عبارة القرطبي، وإنما تمام ما قاله أبو عبيدة: {ثم ليقضوا تفثهم} وهو الأخذ من الشارب وقص الأظفار والاستحداد وحلق العانة ا.هـ بتمامه.
انظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ط مؤسسة الرسالة جـ2 ص 50
(1180) وقد وَهَمَ القرطبي أيضاً في نقله عن القاضي ابن العربي فزعم أنه قال: “وقال أبو عبيدة: لم يجيء فيه شعر يحتج به”.
والحق أن ابن العربي لم يقل ذلك، وأن أبا عبيدة لم يقل ذلك، وغاية الأمر أن ابن العربي قال: ولم يجيء فيه بشعر يحتج به. وفرق كبير بين عدم إيراد أبي عبيدة لبيت من الشعر، وبين تصريحه بعدم وجود ذلك.
ولست أدري ما الفائدة من إطالة القرطبي في النقل عن ابن العربي، وعدم إعلام القارئ مبتدأ النقل ومنتهاه، إضافة إلى التصرف ببعض المنقول تصرفاً مخلاً كما تجد هنا.
(1181) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ14 ص 50
(1182) أحكام القرآن لابن العربي المالكي جـ3 ص 1282
المبحث الثاني: في المعاملات
المسألة الأولى
قوله تعالى: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}(1183)
قرأ الكوفيون(1184): {والذين عقدت أيمانكم}
وقرأ الباقون: {والذين عاقدت أيمانكم}(1185)
وذهب الكوفيون إلى تقرير أن الأيمان هي التي عقدت بينهم فلا حاجة حينئذ لألف المفاعلة، واستدلوا بما ورد عقب المعاقدة: {أيمانكم} وقالوا: هي حجة على أن أيمان الطائفتين هي التي عقدت ما بينهما، وفي إسناد الفعل إلى الأيمان كفاية من الحجة(1186).
وقد أنكر القرطبي اختيار الكوفيين فقال: المعاقدة لا تكون إلا من اثنين فصاعداً، فبابها: فاعل، ولم يلتفت إلى حجة الكوفيين(1187).
وأما باقي القراء فقد جعلوا حلف المعاقدة ثنوياً، فكان لا بد من ألف المفاعلة، حتى يتحقق اشتراك اثنين، ونقل أبو زرعة أن هذا كان في الجاهلية، يجيء الرجل الذليل إلى العزيز فيحالفه ويعاقده ويقول له: (أنا ابنك، ترثني وأرثك، وحرمتي حرمتك، ودمي دمك، وثأري ثأرك) فأمر الله عز وجل بالوفاء لهم، فهذا العقد لا يكون إلا بين اثنين(1188).
والآية عامة في وجوب إيتاء ذوي العقود حقوقهم فيما عاقدوا فيه، وقد أورد الإمام البخاري توجيهاً لمعنى الآية وفق سبب نزولها: (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس {ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم} قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجريَّ دون ذوي رحمه، للأخوَّة التي كان النبي – صلى الله عليه وسلم – جعلها بينهم، فلما نزلت: {ولكل جعلنا موالي} قال: نسختها {والذين عاقدت أيمانهم}.(1189)
ولا شك أنه قد أثار إشكالك قوله: نسختها {والذين عاقدت إيمانكم} إذ يوهم ظاهر العبارة خلطاً بين الناسخ والمنسوخ.
قال ابن حجر: قال ابن بطال كذا وقع في جميع النسخ: نسختها {والذين عاقدت أيمانكم} والصواب أن المنسوخة والذين عاقدت أيمانكم والناسخة {ولكل جعلنا موالي}
انظر فتح الباري جـ12 ص 29
وكذلك نقل القرطبي كلام ابن بطال في الجزء الخامس ص 166
وجلَّ من لم يختص بالعصمة إلا كتابه سبحانه.
وعلى اختيار البخاري هذا جرى أهل التفسير، فصرحوا بأن هذه الآية منسوخة، ولا نزاع في ذلك بحسب الظاهر، لكن ينبغي أن يحتاط في إطلاق النسخ، فيجب القول هنا إن الآية منسوخة من جهة دلالتها على توريث الإخوة في الدين، ولكنها باقية في الدلالة على نصرتهم وحمايتهم وموالاتهم، إذ النص في الكتاب العزيز لم يحضَّ على إيتاء المال دون سواه، فحيث جاء النسخ على فرد من أفراد المأمور به، تعين أن الحكم باق فيما سواه من أفراده.
وهكذا فإنه لا مساغ للجزم بوجود النسخ، لإمكان الجمع بين النصوص، ولأن دلالات العام هنا كثيرة، وأغلبها باق محكم، كحق المعاقدين في الوفاء بعقودهم من النصرة والولاية والنصيحة والتراحم، خلافاً لما جزم به أبو زرعة في الحجة.(1190).
ثمرة الخلاف: إن حق من تناولهم عقود الأيمان في الوفاء مؤكد بلا ريب كما شملته الآية في حدود ما لم يطله الناسخ.
ولكن: هل يثبت هذا الحق لمن انعقد حلفه بيمين العاقد وحده دون الحاجة لتحرير إقرار المعقود له؟ أم لابد من تعاقد بين طرفين؟.
دلت قراءة الجمهور أن المطلوب لجريان أحكام التعاقد أن يشترك في إقراره المتعاقدان، بقرينة ألف المفاعلة التي هي نتيجة اشتراك إرادتين، ويشهد له اختيار أبي عبيدة: عاقده حالفه.(1191) فيما دلت قراءة أهل الكوفة أن المطلوب هو يمين الغارم دون إقرار الغريم، بقرينة أن الفاعل هنا هو أيمان المؤمنين وحدها.
والجمع بين القراءتين ممكن، فيكون إعمال القراءتين دليلاً على وجوب انعقاد العقد في الحالين، بالمشاركة أو المبادرة الفردية، وفي الحالين فإن الوفاء ملزم، ففي المشاركة لأنها إرادة الفريقين، وفي المبادرة الفردية لأنها تفترض إقرار المعقود له(1192).
(فائدة)
ولا بد من الإشارة هنا إلى طبيعة هذا الإخاء العجيب الذي عقده النبي – صلى الله عليه وسلم – بين الصحابة الكرام، وحل محل أخوة النسب والدم، حتى أصبح الأخ يرث أخاه في الدين دون أرحامه ومواليه، وهو أمر لا تقدر على فرضه أشد القوانين صرامة وحزماً، ولكن شرعه الإسلام وطبقه حباً وعدلاً وإحساناً.
وبمقارنة بسيطة ندرك أي منزلة سامية بوَّأها النبي – صلى الله عليه وسلم – لأصحابه في الحب والإيثار.
————
(1183) سورة النساء 33
(1184) وهم عاصم وحمزة والكسائي وخلف
(1185) تقريب النشر لابن الجزري ص 105
وعبارة طيبة النشر:
كالحج عاقدت لكوف قصرا……………………..
وانظر السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 233
(1186) حجة القراءات لأبي زرعة ص 202
(1187) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 ص 166
(1188) حجة القراءات ص 202
(1189) البخاري في الصحيح، انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري ط دار المعرفة جـ12 ص 29
(1190) انظر حجة القراءات لأبي زرعة ص 202
(1191) مجاز القرآن لأبي عبيدة تحقيق فؤاد سزكين ط مؤسسة الرسالة جـ1 ص 125
(1192) وثمة فائدة هامة أخرى نبهني إليها أستاذي الدكتور وهبة الزحيلي، وهي أن قراءة {عاقدت} تؤكد قول الفقهاء من ضرورة تعدد العاقد في سائر العقود، ذلك أن ألف المفاعلة هنا لا يستقيم فهمها إلا مع تصور تعدد العاقدين. وهذا المفهوم من إشارة النص لا يتعارض مع المنصوص قَبْلاً في عبارته.
المسألة الثانية
قوله تعالى: {وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله}(1193)
قرأ ابن كثير: {وما أتيتم من رباً} من غير مد، أي ما جئتم.
وقرأ الباقون: {وما آتيتم من رباً}(1194) أي: ما أعطيتم، من قوله: {فآتاهم الله ثواب الدنيا} أي: أعطاهم.
قال عكرمة: هما رِبَوان: أحدهما حلال والآخر حرام، فأما الحلال فالرجل يعطي أخاه هدية ليكافئه المهدى إليه بأضعافه، لا لأنه يهدي ابتغاء وجه الله، فهذا حلال علينا وحرام على النبي – صلى الله عليه وسلم -، وأما الحرام فهو أن يعطي الرجل ديناراً على أن يأخذ أزيد منه.(1195)
وثمرة الخلاف: أن قراءة الجمهور جاءت بالنص على ذم إيتاء الربا، وبيان أنه كاسد عند الله، فكان أخذ الربا بمنزلة المسكوت عنه، فجاءت قراءة ابن كثير بذم إتيان الربا كله، أخذاً وعطاءاً، وكما ترى فإن المعاني تتكامل بالقراءات، وتبقى قراءة الجمهور كالنص على تغليظ الزجر على المرابي، وقراءة ابن كثير على تغليظ الزجر على عموم الربا كله.
ولم تستقل هذه الآية بهذا البيان، إذا جاءت نصوص القرآن والسنة متضافرة على توكيد هذا المعنى.
وفي الحديث: لعن الله الربا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده(1196)…
وفي الحديث أيضاً: ليأتين على الناس زمان لا يبقى منهم أحد إلا أكل الربا، فإن لم يأكله أصابه من غباره.(1197)
————
(1193) سورة الروم 39
(1194) تقريب النشر لابن الجزري ص 159، ولم أجده أشار إليها في الطيبة.
(1195) حجة القراءات ص 558
(1196) رواه الطبراني عن ابن مسعود.
(1197) رواه أبو داود وابن ماجة والطبراني في الكبير والبيهقي عن أبي هريرة.
المسألة الثالثة
قوله تعالى: {وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس}.(1198)
قرأ نافع وأبو جعفر ويعقوب: {لــِـتُرْبو في أموال الناس}
وقرأ الباقون: {لِــِيَرْبو في أموال الناس}.(1199)
فيكون الفاعل في قراءة أهل المدينة وحضرموت هو آكل الربا والمتَّجر فيه، فيما يكون الفاعل في قراءة الجمهور هو الربا نفسه.
وقد لخص ابن العربي مذاهب السلف في المراد بهذه الآية على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه الرجل يهب هبة يطلب أفضل منها، قاله ابن عباس
الثاني: أنه الرجل في السفر يصحبه رجل يخدمه ويعينه، فيجعل المخدوم له بعض الربح جزاء خدمته، لا لوجه الله، قاله الشعبي.
الثالث: الرجل يصل قرابته، يطلب بذلك كونه غنياً لا صلة لوجه الله، قاله إبراهيم النخعي.
وبالجملة فإن الآية متجهة إلى التحذير من الربا بالقصد الظاهر أو بغير القصد الظاهر.
وهذه الآية حلقة من أربع حلقات تم فيها تحريم الربا، إذ تدرج حكم الربا في التحريم على أربع مراحل:
الأولى: نزل قول الله عز وجل: {وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}.(1200)
فأخبر سبحانه أن مصير الربا إلى تلف، وأن المرابي يهدم ما يبنيه من حيث يريد أو لا يريد.
الثانية: قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.(1201)
وفي هذه الآية تنفير شديد من الربا، ومقارنة للمرابي بفاقد العقل، الذي ركبه الصرع فأتلفه.
الثالثة: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون}.(1202)
وهي صريحة في تحريم أنواع مخصوصة من الربا تمهيداً للتحريم النهائي.
الرابعة: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}(1203)
وهي قاطعة في تحريم سائر أنواع الربا.
والآيات الأربع محكمة، لا مساغ للقول بنسخ بعضها لبعض، إذ الجمع ممكن، والدلالات متعاونة، والمعنى متكامل.
ثمرة الخلاف: دلت قراءة المدنيين والحضرمي على تحريم الربا لدى قصد المرابي إيقاعه، فيما دلت قراءة الباقين على تحريمه مطلقاً(1204) ولو لم يظهر قصد المرابي بيِّناً.
والقراءتان كما ترى تتعاونان على هدم عقود الربا والسبل الموصلة إليها، ذلك أن الاحتيال على الشريعة في مسألة الربا درب ينتهجه الفساق في كل حين، فناسب أن يتكرر النهي عنه بوجوه متعددة، وهذا أظهر دلالات تعدد القراءة في هذا المقام.
ولم أجد في عبارات المفسرين مما اطلعت عليه من أشار إلى دلالة جلية لتعدد القراءة في هذه الآية، مع أن سائر المفسرين أوردوا هذا التخالف.
————
(1198) سورة الروم 39
(1199) تقريب النشر لابن الجزري ص 159
……………………………………. تربو ظما
(1200) سورة الروم 39
(1201) سورة البقرة 273
(1202) سورة آل عمران 130
(1203) سورة البقرة 287
(1204) يناسب أن يقال هنا أن دلالة الآية تقتصر على نفي زيادة المال عند الله عن طريق الربا، وليس التحريم، إذ نزول هذه الآية متقدم على تحريم الربا، ولكن السياق هنا تابع للمآل الذي قرر المولى سبحانه حكمه من التحريم في الآيات التالية نزولاً.
الباب الثالث: أثر القراءات في الأحكام الشرعية.
الفصل الثاني: الأحكام الفقهية.
المبحث الثالث: في النكاح.
المبحث الثالث: في النكاح
المسألة الأولى
قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله}(1205) البقرة ـ229 –
قرأ حمزة وأبو جعفر ويعقوب: {إلا أن يُخافا} بضم الياء، وحجته قوله بعدها {فإن خفتم} فجعل الخوف لغيرهما، ولم يقل: {فإن خافا}.
وقرأ الباقون {إلا أن يَخافا}(1206) وحجتهم ماجاء في التفسير: {إلا أن يخافا} أي: إلا أن يخاف الزوج والمرأة ألا يقيما حدود الله فيما يجب لكل واحد منهما على صاحبه من الحق والعشرة.(1207)
وثمرة الخلاف: أن قراءة حمزة يحتج بها من جعل الخلع إلى السلطان، فقد جعل الله أمر المخالعة مقيداً بمعرفة السلطان أن الزوجين يمكن أن يتجاوزا حدود الله بنشوز أو شذوذ، تَحمِل عليه الكراهيةُ، من دون أن يتوصلا إلى اتفاق حول المخالعة، فَيُطَلِّق عليهما السلطان استناداً إلى قراءة حمزة.
أما قراءة الجمهور فإنها تجعل الخوف خوفهما، فينقطع بذلك سبيل التطليق على الزوجين بدون إرادتهما.
وهذه عبارة القرطبي في ذلك: (حرم الله تعالى في هذه الآية ألا يأخذ إلا بعد الخوف ألا يقيما حدود الله، وأكد التحريم بالوعيد تعدى الحد، والمعنى أن يظن كل واحد منهما بنفسه ألا يقيم حق النكاح لصاحبه حسب ما يجب له فيه لكراهة يعتقدها، فلا حرج على المرأة أن تفتدي، ولا حرج على الزوج أن يأخذ، والخطاب للزوجين، والضمير في {أن يخافا} لهما، و {ألا يقيما} مفعول به و (خفت) يتعدى إلى مفعول واحد، ثم قيل: هذا الخوف هو بمعنى العلم، أي أن يعلما ألا يقيما حدود الله، وهو من الخوف الحقيقي، وهو الإشفاق من وقوع المكروه، وهو قريب من معنى الظن، ثم قيل: {إلاّ أن يخافا} استثناء منقطع، أي لكن إن كان منه نشوز فلا جناح عليكم في أخذ الفدية وقرأ حمزة: {إلاّ أن يُخافا} بضم الياء على ما لم يسمّ فاعله، والفاعل محذوف وهو الولاة والحكام، واختاره أبو عبيد.
قال: لقوله عز وجل {فإن خفتم} قال: فجعل الخوف لغير الزوجين، ولو أراد الزوجين لقال: فإن خافا، وفي هذا حجة لمن جعل الخلع إلى السلطان. قلت: وهو قول سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين. وقال شعبة: قلت لقتادة: عمّن أخذ الحسن الخلع إلى السلطان؟ قال: عن زياد، وكان والياً لعمر وعلي قال النحاس: وهذا معروف عن زياد، ولا معنى لهذا القول لأنّ الرجل إذا خالع امرأته فإنما هو على ما يتراضيان به، ولا يجبره السلطان على ذلك، ولا معنى لقول من قال: هذا إلى السلطان. وقد أُنْكر اختيار أبو عبيد ورُدّ، وما علمت من اختياره شيئاً أبعد من هذا الحرف، لأنه لا يوجبه الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى، أما الإعراب فإن عبد الله بن مسعود قرأ {إلاّ أن يخافا} تخافوا، فهذا في العربية إذا ردّ إلى ما لم يُسَمَّ فاعله قيل: إلاّ أن يخاف وأما اللفظ فإن كان على لفظ {يخافا}وجب أن يقال: فإن خيف. وإن كان على لفظ {فإن خفتم} وجب أن يقال: إلاّ أن تخافوا.
وأما المعنى فإنه يبعد أن يقال: لا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموه وهو شيئاً، إلا أن يخافا غيركم ولم يقل جل وعزّ: فلا جناح عليكم أن تأخذوا له منها فدية، فيكون الخلع إلى السلطان.قال الطحاوي: وقد صحّ عن عمر وعثمان جوازه دون السلطان.
وكما جاز الطلاق والنكاح دون السلطان فكذلك الخلع، وهو قول الجمهور من العلماء(1208).
ومع تقرير النحاس في إعراب القرآن أن هذا الوجه لا يوجبه الإعراب ولا اللفظ ولا المعنى مع موافقة القرطبي له في ذلك، غير أن ذلك لإهلاكهم عدم وجوبه، فقد أوجبته ثلاثة أشياء: ثبوت التواتر وموافقة الرسم وموافقة وجه من العربية، وحيث تم ذلك كله كما حققه ابن مجاهد في السبعة(1209) والجزري في النشر(1210) وجب المصير إليه والتماس تأويله.
ولعل أقرب الوجوه إلى الدلالة على إسناد {يُخافا} إلى الغيبة، هو ما عطفت به الآية في قوله سبحانه: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله} والخطاب كما ترى للحكام والمتوسطين في هذا الأمر إن لم يكن حاكماً، وقد سمَّى حسن العشرة {حدود الله} إعظاما لها أن تهجر أو تهمل.
ويجب التنويه هنا إلى أن الخلع لا يحتاج إلى قاض في إيقاعه(1211)، فإذا اتفق الزوجان على المخالعة لم يكن للقضاء أن يقبل أو يرفض، ولكن: هل يمكن القاضي الخلع على الزوج إن طلبت الزوجة ورفض الزوج؟.
هذا ماختاره الحسن البصري وسعيد بن جبير وابن سيرين، ودليلهم على ذلك قراءة حمزة وأبي جعفر ويعقوب، وكذلك حمل الأحاديث الواردة في معنى المخالعة على ذلك إذ ليس في سائرها توضيح لإقرار الزوج بإيقاع المخالعة، بل ورد فيها أمره (للزوج بإجراء المخالعة.
(عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “أتردين عليه حديقته؟” قالت: نعم، قال: رسول (: ” اقبل الحديقة وطلقها تطليقة”(1212)
————
(1205) سورة البقرة 229
(1206) انظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 162
وعبارة الشاطبي:
وضم يخافا فاز والكل أدغموا تضارر وضم الراء حق وذو جلا
وعبارة ابن الجزري في ضم جعفر ويعقوب في الدرة المضية:
……. واضمم أن يخافا حـــلا أب……………………………..
وانظر كذلك: تقريب النشر لابن الجزري ص 96
(1207) حجة القراءات لأبي زرعة ص 135
(1208) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ط دار الكاتب العربي القاهرة جـ3 ص 138 – ص 139 وانظر أيضاً الدر المنثور للسيوطي ط دار المعرفة جـ1 ص 286 وفيه عن عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، قال: هذا لهما، فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله، قال: هذا لولاة الأمر فلا جناح عليها فيما افتدت به، قال: إذا كان النشوز والظلم من قبل المرأة فقد أحل الله له منها الفدية، ولا يجوز خلع إلا عند سلطان، فأما إذا كانت راضية مغتبطة بجناحه مطيعة لأمره، فلا يحل له أن يأخذ مما آتاها شيئاً.
وتخريج قتادة هذا جامع لمعنى القراءتين على فرش قراءة واحدة.
(1209) تقريب النشر لابن الجزري ص 96
(1210) السبعة في القراءات لابن مجاهد ص 182
(1211) هذا الذي ذكرناه هو المشهور من فعل الصحابة والسلف، وقد ترجم الإمام البخاري لباب الخلع بقوله:
وأجاز عمر الخلع دون السلطان. (انظر الجامع الصحيح للبخاري كتاب الطلاق 12/باب الخلع)
لكن نقل ابن حجر في الفتح عن الحسن البصري قال: (لا يجوز الخلع دون السلطان) أي دون إذنه، وأغلب الظن أن هذا سوء نقل لمذهب الحسن البصري المشهور الذي قدمناه آنفاً من جواز إيقاع الخلع من قبل السلطان
انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري جـ9 ص 394 الحديث رقم 5273
(1212) الجامع الصحيح للإمام البخاري، كتاب الطلاق ـ باب 12/الخلع، رقم الحديث 5273، وانظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري جـ9 ص 395
المسألة الثانية
قوله تعالى: {لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده}(1213)
قرأ ابن كثير وأبو عمر ويعقوب: {لا تضارُّ والدة بولدها}
وقرأ الباقون: {لا تضارَّ والدة بولدها}(1214)
فتكون قراءة المكي والبصريين(1215) على إفادة الخبر، وأنه معنى تكويني، إذ ليس من شأن المرأة أن تضار زوجها الذي طلقها بالتغالي في أجر الرضاع عليه لأن في ذلـك ضـرراً بهـا أيضـاً حيـث تـحرم من متعـة الإرضـاع، وضـرراً بالرضيـع أيضـاً، ولا يتصـور في الأم الـرؤوم أن تسعـى إلى الإضـرار بـولـدها ونفسهـا ابتغاء عرض من المال.
وعلى هذا فالآية هنا تشير إلى حكم تكويني بحسب هذه القراءة.
وأمـا قـراءة البـاقـيـن بفتـح الـراء، فـإنهـا عـلى النـهي، وأصـلهـا بـراءيـن {لا تضارر} فلما اجتمعت الراءان أدغمت الأولى في الثانية وفتحت الثانية لالتقاء الساكنين، وقد قرأها بلا إدغام {لا تضارر} كل من الحسن البصري وابن مسعود وعمر بن الخطاب وأبان بن عثمان بن عفان(1216).
فعلى هذا الوجه فإن الآية هنا اشتملت على حكم تكليفي.
ولكن لا يعني اختيار الأولين أن الآية لا تشتمل على معنى التكليف، فقد ورد في القرآن العظيم كثير من الخبر مشتملاً على التكليف إضافة لما أفاده من الخبر التكويني، مثال ذلك قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن}(1217) فهو خبر أفاد معنى: (تربصن أيها المطلقات)، ومثله قوله سبحانه {لا تَظلمون ولا تُظلمون}(1218) أفاد معنى: (لا تَظلموا ولا تُظلموا).
ثمرة الخلاف: لا شك أن معنى النهي عن المضارة موجود في كلا القراءتين، على أساس أنه في قراءة النصب نهي محض، وفي قراءة الرفع خبر أفاد معنى النهي، وهذا المعنى تتحد به القراءتان.
ولكن تزيد قراءة الرفع معنى جديداً، وهو إثارة الباعث الإنساني لدى المرأة، التي قد تدفعها أزمة الطلاق إلى إيذاء نفسها وولدها مضارة بالزوج، فأخبرت الآية أن هذا ليس شأن المرأة العاقلة الصالحة.
وكما نرى فليس بين الآيتين تعارض، بل تتكامل فيهما المعاني للدلالة على مقاصد بديعة.
————
(1213) سورة البقرة 233
(1214) تقريب النشر لابن الجزري ص 96
وعبارة طيبة النشر:
………………………. خفف الخلف ثدق
مع لا يضار، وأتيتم قصره كأول الروم دنا فقدره
(1215) المكي هو ابن كثير: والبصريان هما أبو عمرو ويعقوب.
(1216) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 178
(1217) سورة البقرة 228
(1218) سورة البقرة 233
المسألة الثالثة
قوله تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}(1219)
قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي وخلف وابن ذكوان وحفص: {ومتعوهن على الموسع قَدَرُه وعلى المقتر قَدَرُه} بالفتح فيهما
وقرأ الباقون: {ومتعوهن على الموسع قَدْره وعلى المقتر قَدْره} بالسكون فيهما(1220)
فتكون قراءة الأولين بالإسكان إتباعاً لصيغة بناء المصادر المشتهرة: (القدر) مثل (الوسع) بقرينة ترادفهما.
وتكون قراءة الآخرين بالفتح على أساس أن المصدر التقدير، (1221)ويقوي هذا المذهب قول الله عز وجل: {فسالت أوديةٌ بقدرها}(1222).
وقد اختار أكثر النحاة أنهما لغتان في معنى واحد، نقل ذلك عن الفراء(1223)، وعن الكسائي(1224) وأبي زيد(1225).
ثمرة الخلاف: لم أجد أحداً من أهل التفسير ممن قرأت لهم أشار إلى ثمرة لهذا التعدد في القراءة، وأكثرهم كما رأيت يجزم أنهما لغتان في معنى واحد.
ولكن إعراضهم عن ذكر ثمرة لا ينفي وجود ثمرة أو ثمرات من تعدد القراءات، إذا سلمنا بأن التعدد إرادة من العليم الحكيم، وهو ما حشدنا له الأدلة المتضافرة في مطلع البحث.
وقد رأيت أن قراءة الفتح أشارت إلى معنى الوسع والطاقة، أي على الموسع قدر طاقته وعلى المقتر قدر طاقته.
ويمكن أن تفيد قراءة الإسكان معنى آخر هو المنزلة، فيكون المعنى على الموسع بما يناسب قدره ومنزلته وعلى المقتر كذلك.
ويقوي ذلك ما أخرجه البخاري في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها في ذكر ما كانت تلعب به من عرائس، ثم قالت: (فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن تسمع اللهو)(1226)
وهكذا فإن المطَلِّق مأمور أن يمتع المطلقةَ قدر استطاعته ووسعه، ثم ليعلم أن هذه المتعة إنما تعبر عن قدره ومنزلته، فهي مقياس أخلاقي إضافة لكونها التزاماً شرعياً.
————
(1219) سورة البقرة 237
(1220) تقريب النشر في القراءات العشر ص 97
وعبارة الطيبة:……………………………….. وقدره
حرك معاً من صحب ثابت وفا…………………..
(1221) انظر لسان العرب مادة (قدر) جـ5 ص 76، وكذلك حجة القراءات ص 137
(1222) سورة الرعد 17
(1223) كما روى عنه أبو زرعة في الحجة ص 137
(1224) كما رواه عنه ابن منظور في اللسان جـ5 ص 76 مادة (قدر)
(1225) كما رواه عنه القرطبي في الجامع جـ3 ص 203
(1226) رواه البخاري في الصحيح كتاب النكاح، باب 82
انظر فتح الباري جـ9 ص 255
المسألة الرابعة
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً}
النساء ـ 19 ـ
قرأ حمزة والكسائي: {أن ترثوا كرها} بالضم.
وقرأ الباقون بالنصب. واختلف الناس في الضم والفتح. فقال ابن عباس: (من قرأ { كُــرْهاً} بالضم أي بمشقة ومن قرأ { كَـرْهاً} بالفتح أي إجباراً أي أجبر عليه، جعل ابن عباس (الكُره) فعل الإنسان و(الكَره) ما أكره عليه صاحبه(1227) تقول: (كرهت الشيء كرهاً، وأكرهت على الشيء كرها) قال أبو عمرو (الكره ما كرهته والكره ما استكرهت عليه) ويحتج في ذلك في قول الله جل وعز: {كتب عليكم القتال وهو كُــره لكم}(1228)ونقل القرطبي في الجامع لأحكام القرآن أنهما لغتان، ثم قال: الكَره بالفتح الإكراه، والكُره بالضم المشقة(1229)
وثمرة الخلاف: تحريم وراثة النساء كرهاً أو كرهاً، فلا يحل إجبار الأرملة على نكاح من لا تريد، ولا يحل أيضاً إلجاؤها إلى ذلك بعضل الزواج عنها ولو كان ذلك من غير إجبارها على شخص بعينيه.
وهو مقتضى ما قرره اللغويون من الفارق بين الكَره والكُره
وروى البخاري وأبو داوود والنسائي عن ابن عباس قال: كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته. إن شاء بعضهم تزوجها. وإن شاؤوا زوجوها. فهم أحق بها من أهلها، فنزلت هذه الآية(1230).
وأخرج ابن جرير الطبري بسنده عن أبي أمامة سهل بن حنيف قال: لما توفي أبو قيس بن الأسلت، أراد ابنه أن يتزوج امرأته وكان لهم ذلك في الجاهلية فأنزل الله {لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرهاً}(1231).
قال المفسرون: كان أهل المدينة في الجاهلية وفي أول الإسلام إذا مات الرجل وله امرأة جاء ابنه من غيرها أو قرابته من عصبته، فألقى ثوبة على تلك المرأة(1232).
فكان إلقاؤه الثوب عليها، أمارة أنه اصطفاها لنفسه فلم يكن لغيره أن يخطبها، ولم يكن لها أن ترده عنها.
————
(1227) فيكون قد جعل الكُره اسم معنى، والكَره اسم ذات، فتقول الدواء كَره وشربه كُره.
ونص عبارة ابن عباس كما أوردها السيوطي في الدر المنثور جـ2 ص 131:
(كان الرجل يرث امرأة ذي قرابته فيعضلها حتى تموت أو ترد إليه صداقها، فأحكم الله عن ذلك، أي نهى عن ذلك).
(1228) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 195
وانظر سراج القاري ط البابي الحلبي ص 191
وعبارة الشاطبي:
وضم هنا كرهاً وعند براءة شهاب وفي الأحقاف ثبت معقلا
(1229) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ط دار الكاتب العربي جـ5 ص 95
(1230) أخرجه البخاري في كتاب التفسير عن ابن عباس سورة النساء، ومسلم في كتاب التفسير أيضاً في سورة النساء وأبو داود في كتاب النكاح باب 22
(1231) تفسير ابن جرير الطبري جامع البيان جـ4 ص 211
(1232) الجامع لأحكام القرآن جـ5 ص 95
المسألة الخامسة
قوله تعالى: {ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبيّنة}(1233) النساء ـ 19 ـ
قرأ ابن كثير وأبو بكر (شعبة راوية عاصم): {بفاحشة مبيَّنة}، بفتح الياء.
وقرأ الباقون بكسر الياء: {مبيِّنة}. فمن قرأ بالكسر أراد اسم الفاعل، ومن قرأ بالفتح أراد اسم المفعول(1234).
ففي هذه الآية استثنى الله تعالى حالة واحدة يجوز فيها العضل أي الحبس والتضيق وهي حالة إتيان الفاحشة المبينة كالزنى والسرقة والنشوز عن الطاعة، ونحو ذلك من الأمور الممقوتة شرعاً وعرفاً، ففي هذه الحال يجوز العضل لاسترداد ما أعطوه من صداق وغيره من المال لأن الإساءة من جانبها، واشتراط كون الفاحشة مبينة أي ظاهرة ثابتة إنما هو لمنع عضلها بمجرد سوء الظن بسبب غيرة الرجل الشديدة وتسرعه في الحكم على الزوجة البريئة أو المرأة العفيفة، فيقع الرجل في الظلم حينئذ.
ثمرة الخلاف: أن من قرأ بالفتح: {مبيَّنة} فمعناها: مكشوفة مظهرة أي أوضح أمرها، ومن قرأ بالكسر: {مبيِّنة} فمعناها: كاشفة ظاهرة، فهي حال الكسر اسمُ فاعل، وحال الفتح اسمُ مفعول.
ودلت القراءتان على أن عضل المرأة جائز إذا ظهرت منها الفاحشة سواء كانت مبيَّنة أو مبيِّنة.
————
(1233) سورة النساء 19
(1234) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 197
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 190
وعبارة الشاطبي:
وفي الكل فافتح يا مبينة دنا صحيحاً وكسر الجمع كم شرفاً علا
وانظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ط دار المعرفة جـ5 ص 96
المسألة السادسة
قوله تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله}(1235)
قرأ أبو جعفر: {حافظات للغيب بما حفظ اللهَ} بنصب لفظ الجلالة
وقرأ الباقون: {حافظات للغيب بما حفظ اللهُ}(1236) برفع لفظ الجلالة
فعلى قراءة الجمهور فإن المرأة الصالحة قانتة حافظة لغيب زوجها بتوفيق الله وحفظه، وحفظها هنا مجاز، إذ حقيقة الحفظ من الله، والله خير حافظاً، فاشتملت الآية على الحقيقة والمجاز في آن معاً، وخير تفسير للآية قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “ألا أخبرك بخير ما يكنزه المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله”.(1237)وفي رواية: “خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك”.(1238)
أما توجيه قراءة النصب فإنها على معنى: يحفظن الله، أي يحفظن أمره ونهيه، فالتقدير: حافظات للغيب بما حفظ مرضاة الله، فحذف المضاف، ونصب لفظ الجلالة بنزع الخافض.
ثمرة الخلاف: أفادت قراءة العامة أن الحافظ الحق هو الله عز وجل، وأن المرأة الصالحة مأمورة أن تبذل الجهد في حفظ زوجها في غيبته في نفسها وماله.وأفادت القراءة الثانية بالنصب، أن المرأة الصالحة مأمورة أن تحافظ على مرضاة الله، وتحقق أمره ونهيه في القيام بما يأمرها به زوجها في غيبته.
وهكذا فإن دلالة القراءتين متشابهة وقد ألقت القراءات المتعددة معاني من هيبة الله وجلاله على المرأة المسلمة في حفظها لغيب زوجها، لم نكن نعرفها لولا ورود القراءة المتواترة.
————
(1235) سورة النساء
(1236) تقريب النشر في القراءات العشر ص 105
وعبارة طيبة النشر:
…………………………….. ونصبُ رفعِ حفظ اللهُ ثرا
(1237) أخرجه أبو داود عن عمر بن الخطاب ورجاله ثقات، وانظر كذلك جامع الأصول لابن الأثير الجزري جـ11 ص 426
(1238) أخرجه النسائي وأحمد عن أبي هريرة وإسناده صحيح. وانظر سبل السلام جـ3 ص 111 وأخرجه الطيالسي عن أبي هريرة.
المسألة السابعة
قوله تعالى: {ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن… أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال}.(1239)
قرأ ابن عامر وشعبة عن عاصم وأبو جعفر: {غيرَ أولي الإربة} نصباً وقرأ الباقون: {غيرِ أولي الإربة} بالخفض(1240)
وتوجيه قراءة ابن عامر وشعبة على وجهين:
الأول: الاستثناء، فيكون معنى الآية: (ولا يبدين زينتهن إلا للتابعين إلا أولي الإربة فلا يبدين زينتهن لهم) وهكذا فبتكرر الاستثناء عاد الحكم إلى الأول، ولما فتح تكرير الاستثناء بـ (إلا) ورد الاستثناء بـ (غير).
الثاني: الحال، فيكون المعنى: (ولا يبدين زينتهن إلا للتابعين حال كونهم غير أصحاب أرب في النساء)
وتوجيه قراءة الباقين أن {غير}: صفة، والمعنى: لا يبدين زينتهن إلا للتابعين الذين لا إرب لهم في النساء).ويشكل في توجيه هذه القراءة أن {غير} إنما توصف بها النكرات، كما في قوله تعالى: {وادٍ غيرِ ذي زرع}(1241)
وكذلك قوله: {من ماءٍ غيرِ آسن}(1242) وقوله: {بيوتاً غيرَ مسكونة}(1243) فكيف ساغ أن تأتي في هذا المقام وصفا لمعرفة؟.
وقد أجاب الزجاج عن ذلك بقوله: وجاز وصف التابعين بـ (غير) وإن كانت (غير) يوصف بها النكرة، فإن التابعين ها هنا ليس بمقصود به إلى قوم بأعيانهم، إنما معناه لكل تابع غير ذي إربة.(1244)
وفي سياق ما أورده الزجاج نورد قول الله عز وجل: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر}(1245) وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وحمزة ويعقوب، فقد جاءت وصفاً لمرفوع وهو {القاعدون} فرفعت مثله.وذلك لأنهم غير مقصودين بأعيانهم فكانوا بمنزلة النكرة في هذا المقام.
واختلف الناس في معنى قوله: {أو التابعين غير أولي الإربة} فقيل هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء. وقيل: الأبله وقيل: الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ويرتفق بهم، وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولايَشتهيهن، قيل: العنين. وقيل المخنث. وقيل الشيخ الكبير والصبي الذي لم يدرك. وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى ويجتمع فيمن: لا فهم له ولا همة ينتبه بها إلى أمر النساء.(1246)
قال الشوكاني: لا وجه لتخصيص بعينه، بل المراد بالآية ظاهرها، وهم من يتبع أهل البيت، ولا حاجة له في النساء.(1247)
وأكثر المفسرين على أن هذه الآية جاءت تقريراً لواقعة هيت المخنث، وهي التي أخرجها مسلم وأبو داود وغيرهم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رجل يدخل على أزواج النبي – صلى الله عليه وسلم – مخنث، وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو ينعت امرأة يقول: إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ألا لا أرى هذا يعلم ما ههنا، لا يدخلن عليكن” فأخرجه من المنزل.
وتمام الرواية كما في البخاري: عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب ابنة أبي سلمة عن أمها رضي الله عنها قالت: (دخل علي (وعندي مخنث، فسمعته يقول لعبد الله بن أمية: يا عبد الله أرأيت إن فتح الله عليكم في الطائف غداً فعليك بابنة غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “لا يدخلن هؤلاء عليكن”.قال ابن عينية وابن جريج: المخنث هيت).(1248)
ثمرة الخلاف: لا خلاف أن القراءتين متجهتان إلى وجوب منع التابعين من أولي الإربة من الدخول على النساء، أو تمكينه من النظر في زينتهن.
فيكون الإذن الأول في صدر الآية لهؤلاء التابعين بغشيان مجالس النساء إذا بدت زينتهن مقيداً بأن لا يكون هؤلاء التابعين من أولي الإربة.
فأشارت قراءة النصب أولاً إلى وجوب منعهم من خلطة النساء حال كونهم يأزرون إلى النظر إلى النساء، ويمكن أن يفهم الإذن لهم بخلطة النساء إذا لم يلحظ منهم ذلك الأرب في أحد الأحوال.
وجاءت القراءة الثانية أشد إغلاقاً، فنهت عن خلطتهم بالنساء طالما وصفوا بأنهم ذوي إربة، وذلك في سائر الأحوال.
وهكذا فقد وردت القراءة بالنص على قيد توافر الإرب بطريقتين: الأولى: التقييد بالوصف، وهو ما دلت له قراءة الخفض. الثانية: التقييد بالاستثناء وهو ما دلت له قراءة النصب.
————
(1239) سورة النور 31
(1240) تقريب النشر في القراءات العشر ص 149
وعبارة طيبة النشر:
……….. وغير انصب صبا كم ثــاب…………….
(1241) سورة إبراهيم 37
(1242) سورة محمد 15
(1243) سورة النور 29
(1244) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 496
(1245) سورة النساء 95
(1246) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ12 ص 234
(1247) فتح القدير للشوكاني جـ4 ص 24
(1248) رواه الإمام البخاري في الجامع الصحيح. كتاب المغازي باب 56
انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري جـ8 ص 43 رقم الحديث 4324
المسألة الثامنة
قوله تعالى: {وقرن في بيوتكن}(1249) الأحزاب ـ 33 ـ
قرأ نافع وعاصم: {وقرن في بيوتكن} بفتح القاف، وهذا لا يغير من (الوقار)، إنما هو من (الاستقرار).
قال الكسائي: العرب تقول (قررت بالمكان أستقر فيه) لغتان بكسر الراء (وفتحها).
(وأصله) واقررن مثل (اعضضن)، فحذفوا الراء الأولى لثقل التضعيف، وحولوا فتحتها إلى القاف، وحذفوا الألف أيضاً لأن القاف تحركت فصار (وقرن) كما قال: (هل أحست صاحبك) أي (هل رأيت)، والأصل: هل أحسست.
وقرأ الباقون: {وَقِرْن} بكسر القاف(1250). احتمل أن يكون من (الوقار) تقول: (وقر يقر (والأمر منه قِروا) وللنساء: (قِرْنَ) مثل: (عِدنَ، وكِلْنَ) مما تحذف منه الفاء وهي واو، فيبقى من الكلمة: (عِلْنَ) وإن كان من (القرار) فيكون الأمر: (اقررنَ) فيبدل من العين الياء كراهة التضعيف، كما أبدل في (قيراط) و(دينار)،
فتضمر لها حركة الحرف المبدل منه، ثم تلقي الحركة على الفاء فتسقط همزة الوصل لتحرك ماقبلها فنقول (قِرْنَ)، كما يقال من (وصل يصل): صِلْنَ. والأصل (اِوْقرنَ) فحذفت الواو لأنها وقعت بين كسرتين، واستغني عن الألف لتحرك القاف، فصار: قرن على وزن (عِلْنَ). ويحتمل أن يكون من (قَرَرْتُ في المكان أقِرُّ) وإذا أمرت من هذا قلت: (واقرِرْنَ) بكسر الراء الأولى فالكسر من وجهين: على أنه (الوقار) ومن (القرار) جميعاً.(1251)
وثمرة الخلاف: أن الآية العظيمة أمرت نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – بأمرين اثنين:
1 – الوقار في البيوت، وهو لزوم السكينة والأدب، وهو ما دلت له قراءة الجمهور بالكسر.
2 – الاستقرار في البيوت، وعدم الخروج منها إلا لضرورة أو عذر، وهو ما دلت له قـراءة المدني وعاصم.
وبالجملة فكلاهما مطلوب من نساء النبي – صلى الله عليه وسلم – بدلالة القرآن الكريم.
ولا ريب أن ذلك في حق نساء النبي بمنزلة الوجوب لأنه أمرٌ لهنّ، وهو من نساء المؤمنين من بعدهن بمنزلة المندوب.
ولا يخفى أن ذلك كله مقيد بما دون الضرورة، وإلا فلا خلاف أنهن لاحرج عليهن في الخروج من البيوت إذا دعت إلى ذلك مصلحة ضرورية لهن أو للأمة، وعلى ذلك يحمل خروج السيدة عائشة رضي الله عنها حين خرجت للثأر من قتلة عثمان رضي الله عنه.
————
(1249) سورة الأحزاب
(1250) وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 328
وعبارة الشاطبي:
وقرنَ افتحِ إذ نصُّوا يكونُ له ثوَى يحلُّ سوى البصرة………………
(1251) حجة القراءات لأبي زرعة ص 577
الباب الثالث: أثر القراءات في الأحكام الشرعية.
الفصل الثاني: الأحكام الفقهية.
المبحث الرابع: في الحدود
المسألة الأولى
قوله تعالى: {يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}(1252)
قرأ حمزة والكسائي: {قل فيهما إثمٌ كثير}
وقرأ الباقون: {قل فيهما إثمٌ كبير}(1253)
وليس يحتاج المتأمل كثير نظر ليدرك أن القراءتين متوجهتان من جهة المعنى والرسم واللغة والتواتر ففي الخمر والميسر إثم كثير وإثم كبير.
وفي السياق: وإثمهما أكبر من نفعهما، وإجماع الكل على أنها بالباء، ثم إن الذنب يوصف إذا كان موبقاً بأنه كبيرة، وفي ذلك قول الله عز وجل: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش}(1254) وقوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}(1255) وأورد أبو زرعة حجة لجمهور القراء، وهي إن الإثم واحد
يراد به الآثام، فوحد في اللفظ ومعناه الجمع، والذي يدل عليه {ومنافع للناس} فعودل الإثم بالمنافع، فلما عودل بها حسن أن يوصف بالكثير(1256).
ولا يخفى أن هذه التعاليل ليست أكثر من وجوه للتفسير، ولا يستلزم انتصار إمام لقراءته تنكُّره لقراءة غيره بعد أن ثبت التواتر في كلٍ.
والآية تكشف عن حكمة التدرج في تشريع الأحكام، وسنأتي على تفصيل ذلك قريباً، فمع بداية الدعوة الإسلامية بقي الخمر على إباحته، حيث كان اهتمام الدعوة مركزاً على تثبيت دعائم الإيمان في النفوس.. من وحدانية وتصديق بالرسالة والرسول واليوم الآخر.
وبعد ذلك كان للأخلاق الدرجة الثانية من الاهتمام، فنزلت الآيات في فضيلة الصدق والصبر، والأمانة والوفاء، حتى إذا اكتمل مجتمع الإسلام، عقيدة وأخلاقاً، وتوضحت القيم، والمثل العليا في السلوك، بدأ تشريع الأحكام، وذلك مع أول العهد المدني.
تم ذلك كله والخمرة ما تزال على إباحتها، يتداولها الصحابة في مجالس أسمارهم من غير حرج ولا نكير، إلا شيئاً بدؤوا يجدونه في قلوبهم من الريبة في أمرها، دفعهم أن يستبينوا أمرها مرة بعد مرة.
والحكيم العليم سبحانه وتعالى أدرى بنفوس خلقه وطبائع عباده…
ولا شك أن سلامة الاعتقاد وحسن الأخلاق تقود تلقائياً إلى سلامة الطبائع فصارت نفوسهم تشعر بالفضائل وتتجه نحو الكمالات، فأصبحت تعرف الرذائل والنقائص، وتعمل على اجتنابها وتحاشيها، فبدافع ذاتي بدأوا يشعرون بأن
الخمر منقصة ورذيلة.. فصار الناضجون إيماناً منهم، لا يكتمون شوقهم وتمنيهم لحكم سماوي يحرم الخمر.. بعد أن ظهر تحريمها من نداءات الفطرة السليمة، التي كشف الإسلام الركام عنها في نفوسهم، ومن مستلزمات الطباع القويمة التي صقلها الإيمان في أعماقهم.
وهذه الآية حلقة في سلسلة من التنزيل تعاقبت لبيان حرمة الخمر، وإنما استأنى بهم المولى سبحانه لإلفهم وعادتهم وكلفهم به، فلو أنه جزم في تحريمه مرة واحدة لشق ذلك عليهم، فكان أول ما نزل من ذلك قول الله عز وجل:
{ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً}(1257) فقال بعض الصحابة: لو كانت الخمرة رزقاً حسناً لما أفردها الله عنه بالذكر.
ثم نزل قوله سبحانه: {يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس}(1258) فقال بعضهم: يا رسول الله ننتفع بها ونشربها(1259)، وقال بعضهم: بل نعرض عنها، ثم نزل قول الله عز وجل:
{يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ماتقولون}(1260) فشربها من شربها منهم وتركها من تركها، وجعلوا يتقونها عند الصلاة، حتى شربها رجل يقال له أبو القموص، فجعل ينشد شعراً، يذكر فيه قتلى بدر يرثيهم، وقال في النبي والأصحاب هجراً، فبلغ ذلك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فجاء فزعاً يجر رداءه من الفزع، حتى انتهى إليه، فلما عاينه الرجل، فرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – شيئاً كان بيده ليضربه، فقال الرجل: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، والله لا أطعمها أبداً، فأنزل الله سبحانه:
{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجز من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون}(1261).
فقال عمر بن الخطاب: انتهينا.. انتهينا(1262)
وروي في أسباب النزول قصص مشابهة عن حمزة وعن علي رضي الله عنها، فالله أعلم أي ذلك كان.
وهكذا فإن هذه الآية كانت بمثابة إيحاء للناس بكراهية الخمر والميسر، وتهيىء لنفوسهم للابتعاد عنها.. بما تكشف لهم من جوانب الشر في هذين الوبائين.
فالإسلام بما هو خطاب للإنسان، بكل غرائزه وميوله وواقعه، كان منسجماً مع ذلك كله، يأمر بما يقتضي الحال، وبلغ أن يطاع، حينما أمر بالمستطاع.
فلم يكن تحريم الخمر أمراً سهلاً في مجتمع الجاهلية، الذي لم يكن يفرق بين حاجته إلى الماء وحاجته إلى الخمر، وفي بلد كان الخمر فيه ثروة قومية أساسية،
ربما أوصل إتلافه إلى كارثة اقتصادية، وفي مجتمع لم يكن يحسن التفريق بين وحي السماء، ووحي سدنة الوثن.
فبدأ تحريم الخمر ببناء قدسية وحي السماء في نفوس الناس، ثم التمهيد لهذا التحريم بحيث أن رؤوس الأموال المرصودة له تتحول تدريجاً عنه، ثم الكشف عن أضراره وأخطاره في البدن والعقل، حتى صار تحريمه مطلباً اجتماعياً، يسعى إليه العاقلون.
وهذا هو المقصود بهذه الآية التي جاءت قبل آية التحريم القاطع، فالخمر والميسر فيهما إثم كبير ومنافع للناس، ولا ريب أن المنافع المقصودة هنا هي تلك الأرباح التجارية التي يجنيها عاصر الخمر ومعتصره، وهو من حيث الواقع ربح حقيقي مؤكد، ولكن القرآن لا يترك الأمر على عواهنه، بل يقرر فوراً أن الإثم الذي يصيبك من جراء ذلك أكبر بكثير من النفع المادي الذي يحصله الإنسان، إن على سبيل الفرد، أو على سبيل الجماعة.
وبمقارنة بسيطة يدرك الإنسان، روعة التشريع الإلهي، وهيمنته على قضاياه، فها هي المجتمعات الأوربية اليوم في محاولاتها لتحريم الخمور، فإنها رغم ما للعلم وللعقل من تقديس واحترام في مناهج الغرب وتشريعاته، ورغم ما أكده العلم من أضرار الخمر على الجسم، ومن هدر للمال، ومن منافاة للذوق السليم. ورغم نداءات وتحذيرات رجال العلم والطب والأدب عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. ورغم تدخل الدولة أحياناً بقوانينها وتشريعاتها وعقوباتها وسجونها، لم يستطيعوا أن يحدوا من ارتفاع نسبة المدمنين والمدخنين، ناهيك عن تحريمها أو تخفيضها، أو منع الأطباء منها..
ففي أمريكا مثلاً وعلى إثر حملات مكثفة للمؤسسات العلمية الأمريكية التي فضحت مضار الخمر المحققة، قام الكونغرس الأمريكي بإصدار قانون عام 1919 يحرم صناعة الخمر سراً وجهراً، ويمنع بيعها وتصديرها واستيرادها ونقلها وحيازتها، ويفرض العقوبات الشديدة بحق المخالفين، إما بالسجن أو الغرامة أو كليهما.. ووضعت الحكومة لتنفيذ قانون التحريم إمكانات عظيمة، فأنفقت على الدعاية لتوعية الناس بكل الوسائل الإعلامية والتعليمية ما يزيد عن 60 مليون دولار، ونشرت من الكتب والنشرات ما يزيد عن عشرة ملايين صحيفة، وأنفقت لتنفيذ القانون /250/ مليون جنيه، وكانت النتيجة بعد تطبيق القانون أربعة عشر عاماً ما يلي: انتشار آلاف الحانات السرية، وازدياد عدد شاربي الخمر أضعافاً، وسجن حوالي نصف مليون شخص لمخالفتهم القانونية، وصدر حكم الإعدام بـ /200/ شخص من المجرمين بسبب الخمر، وانتشرت الخمور الرديئة التي زادت في الأضرار الصحية فأدت لهلاك /7500/ شخص وإصابة /1100/ شخص بأمراض صعبة، وذلك في عام واحد، كما ارتفعت نسبة جرائم القتل إلى 300%، وكل هذا دفع الحكومة لإعادة النظر في قانونها، وقرر الكونغرس عام 1933 ميلادي إلغاء قرار حظر الإباحة وذلك بسبب الفشل الذريع، كما قال صوئيل في كتابه (قراءة حول الغول): (إن القرار قد ألغي على أساس واقعي هو أن المنع قد فشل)(1263).
أما في التشريع الإسلامي، فإن الأمر كان أهون من ذلك بكثير، وما هو إلا أن اطمأنت نفوسهم بالإيمان، وسكنت إلى الله قلوبهم حتى صاروا في مراد الله أرغب منهم إلى مرادهم، ولأمره أطوع منهم لأوامر أنفسهم، وبعد مرحلة من التدرج الحكيم، نزلت آية واحدة في القرآن، قصمت ظهر أم الخبائث إلى الأبد:
{يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه}(1264)
وقد نزلت الآية وإن الرجل قد أدنى كوزه إلى فيه ليشرب منه، فما يبتل منه ريقه، وإن الدنان العظام لم توكأ بعد حتى أكفئت في طرقات المدينة، حتى سارت طرقات المدينة بالخمر، ولم يعرف منذ ذلك التاريخ، أي أزمة في المجتمع الإسلامي بسبب الخمر، ولا أي مطالبة بإلغاء التشريع الذي قضى على تقليد جاهلي كان في نفوسهم وسلوكهم أرسخ من أي تقليد، حتى إن بابه في الأدب العربي أوسع الأبواب وأغزرها.
إنه الفارق الواضح بين تشريع الله وتشريع الإنسان..
وثمرة الخلاف: تظهر في المبالغة في التنفير من الخمر والميسر في صورهما كافة، فدلت قراءة الكوفيين إلا عاصماً على أن فيها إثم كثير من تعطيل العقل، وهدر الجهد، وتسلّط الشيطان، وإثارة العداوة والبغضاء.
ثم وصف هذا الإثم الكثير بأنه كبير أيضاً لئلا يتوهم الغافل أن إثم هذه الفواحش يدرج في الصغائر، فجاء النص على أنها كبيرة من الكبائر، يلزم منها وصف فاعلها بالفسق.
وقد تذرع بعض الجهلة فزعموا أن الآية نص على وجود منافع في الخمر، وأن الله لا يحرم ما أخبر عن منفعته وفائدته.
ولا شك أن ذلك التفاف خبيث على مقصد الآية التي جاءت أساساً للتنفير من الخمر، وبيان أن المنافع المادية التي تحصل من تجارة الخمر، لا تعدل الإثم
الكبير الذي يلحقه الخمر بالإيمان والأبدان، وهو ما صرحت به الآية ذاتها: {وإثمهما أكبر من نفعهما}(1265).
ولا مبرر للقول بأن هذا النص الإلهي منسوخ، إذ سائر دلالاته باقية، فقد قررت الآية الإثم وقررت المنفعة، وبينت أن الإثم أكبر من المنفعة، وأن المرابح المالية تحصل من تجارة الخمر ولكنها أرزاق سحت بلا شك.
————
(1252) سورة البقرة
(1253) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 98
وعبارة الشاطبي: وإثم كبير شاع بالثا مثلثاً وغيرها بالباء نقطة أسفلا
(1254) سورة الشورى
(1255) سورة النساء
(1256) حجة القراءات لأبي زرعة ص 132
(1257) سورة النحل 67
(1258) سورة البقرة 219
(1259) جامع البيان للطبري جـ2 ص 212
(1260) سورة النساء 43
(1261) سورة المائدة 90
(1262) جامع البيان تفسير الطبري جـ2 ص 212
(1263) استطلاع نشرته مجلة حضارة الإسلام في عدد شوال 1382 هـ
(1264) سورة المائدة 90
(1265) سورة البقرة 219
المسألة الثانية
قوله تعالى: {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}(1266)
قرأ الكوفيين إلا حفصاً: {فإذا أَحْصَنَّ} بفتح الألف والصاد
وقرأ الباقون: {فإذا أُحْصِنَّ}(1267) بضم الهمزة وكسر الصاد
قال القرطبي: أَحْصَنَّ بالفتح أسلمن، وبالضم: تزوجن(1268)
ولكن لا يعرف في اللغة هذا التفريق لوجه ضم أو فتح، فأهل اللغة على أن الإحصان في الأصل المنع(1269)، وقد ورد في التنزيل بعدة معان، فجاء بمعنى المنع من الأذى: {لتحصنكم من بأسكم}(1270)، وجاء بمعنى العفاف كما في قوله تعالى:
{والتي أحصنت فرجها}(1271)، وجاء بمعنى الزواج قال تعالى: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم}(1272)، وجاء بمعنى الحرية كما في قوله تعالى: {فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب}(1273).
تدور معاني الإحصان كلها حول مسألة المنع والحجز، فالإسلام حجز عن الكفر، والزواج حجز عن الفتنة، والعفاف حجز عن الفواحش، والحرية حجز عن الاستذلال.
وإنما مدار هذه المعاني على سياق ورود الكلمة في العبارة، واحتفافها بالقرائن، لا على أساس بناء الفعل للمعلوم أو المجهول.
قال ابن منظور: (وأصل الإحصان المنع، والمرأة تكون محصنة بالإسلام، والعفاف، والحرية، والتزويج)(1274).
وحيث لم يرد في اللغة العربية قيد يحدد دلالة اللفظة على أحد مترادفاتها دون سواه من خلال تركيب الكلمة، فإن الواجب يقضي اللجوء إلى القرائن وعبارات علماء التفسير في ذلك، وظاهر قول الله عز وجل يقتضي ألاَّ حدَّ على أمة وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج، إذ هو الغالب في استعمال الإحصان، والمقام ثمة مقام الحديث عن الفتيات المؤمنات في صدر الآية، فدل على أن {أحصن} يراد منها معنى آخر غير معنى الإسلام، إذ توضح معنى الإسلام بقوله سبحانه: {من فتياتكم المؤمنات} فتكرر ذلك عبث ولبس، يتنزه عنه الحكيم سبحانه.
وهو ظاهر ما روي عن ابن عباس قال: (لا تجلد إذا زنت حتى تتزوج)(1275).
ولكن ثمة مذهب آخر روي عن ابن مسعود إذ كان يقول: (إذا أسلمت وزنت جلدت وإن لم تتزوج)(1276) ونقله القرطبي عن ابن مسعود والشعبي والزهري وغيرهم(1277).
وينبغي التنويه هنا إلى أنهم لم يرفعوا الحد عن الأمة بالتزوج دون الإسلام وهم يريدون تهوين أمر الزنا، بل هو إطلاق ليد الإمام ليعاقبهما بما يردعهما، أما الحد فهو من خصائص المحصنات.
وقد ورد حديث في الباب لو صح إسناده لقطع كل جدل، وهو ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في قوله: “من أشرك بالله فليس بمحصن”(1278)
ويمكن إجمال مذاهب الفقهاء إلى مذهبين اثنين:
الأول: مذهب ابن عباس وهو أن الإحصان في هذه الآية هو التزوج(1279)
الثاني: مذهب ابن مسعود وهو أن الإحصان في هذه الآية هو الإسلام(1280).
وقد أخذت الحنفية والمالكية بقول ابن مسعود، فنصوا على أن الإحصان لا يتم إلا بالإسلام، لأن الحد تطهير، والكافر ليس من أهل التطهير، ولا تحصن الذمية مسلماً لقوله(لكعب بن مالك حين أراد أن يتزوج باليهودية. دعها فإنها لا تحصنك(1281).
أما رجمه(لليهوديين(1282) فقد أجابوا عنه أن ذلك بحكم التوراة قبل نزول الحكم في القرآن الكريم(1283).
وكذلك فإن الحدود كفارات لأهلها، وليس الكافر أهلاً لذلك.
ونص عبارة الحنفية: شرائط إحصان الرجم: الحرية والتكليف والإسلام والوطء بنكاح صحيح بصفة الإحصان(1284)
وأخذت الشافعية بقول عبد الله بن عباس فقالوا: ليس الإسلام من شروط إحصان الرجم، في حد الذمي إذ ترافع إلينا، ولعموم قوله(: “الثيب بالثيب رمياً
بالحجارة”(1285) واستدلوا بأن الأديان كلها تحرم الزنا، وأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أتى برجلين زانيين فرجمهما(1286).
ويتلخص هنا بأن للأَمَة عادة أربعة أحوال:
1 – أمَةٌ كافرة غير متزوجة
2 – أمَةٌ كافرة متزوجة
3 – أمَةٌ مسلمة غير متزوجة
4 – أمَةٌ مسلمة متزوجة
وقد اتفقوا على حد الأمة المسلمة المتزوجة، وقد علمت مذاهبهم في رجم الكافرات، فلم تبق إلا مسألة واحدة وهي الأمة المسلمة لم تتزوج.
ظاهر دلالة الآية أنه لا حد عليهن إذا لم يتزوجن، وذلك عند من ذهب أن {أحصن} معناها تزوجن، وعلى هذا القول سعيد بن جبير والحسن وقتادة وأبو الدرداء وابن عباس(1287).
ولكن هؤلاء محجوجون بصريح ما ورد في الخبر الصحيح: عن أبي هريرة وزيد بن خالد رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سئل عن الأمة إذا زنت ولم تحصن قال: “إذا زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم إن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير”(1288).
وفي رواية النسائي عن ابن عينية: سئل عن الأمة تزني قبل أن تحصن(1289)
وحيث ثبت هذا النص في الصحيح وجب المصير إليه، وسبيل الجمع بين الآية والحديث متيسر، فالآية نص في حد الأمة المحصنة، والحديث نص في الأمة الغير محصنة، وفي كل فإن عليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، وهو كما قال الزهري: المتزوجة محدودة بالقرآن، والمسلمة الغير متزوجة محدودة بالحديث(1290).
قال القرطبي: والأمر عندنا أن الأمة إذا زنت وقد أحصنت مجلودة بكتاب الله، وإذا زنت ولم تحصن مجلودة بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا رجم عليها لأن الرجم لا يتنصف.(1291)
ثـمرة الخلاف: على الرغم مـما قدمنا، من مذاهبهم في تأويل الإحصان فلا يبدو هنا أن لاختلاف القراءة أثراً في الحكم الشرعي، إذا مدار الخلاف على التأويل تأويل كلمة الإحصان لا على القراءة.
وتبقى ثمرة الخلاف في القراءة على مذهب من قال: إن أحصن بالفتح: أسلمن، وبالضم: تزوجن، وهو مذهب احتج به أبو زرعة للقراء(1292)، وأورده القرطبي بلا عزو لأحد(1293)، وقد رأيت ضعفه وارتجاله فيما بيناه.
وعلى كل فإن الجمع بين القراءتين وفق هذا الاستدلال ينتج عنه اشتراط التزوج والإسلام جميعاً في المحدودة، ويحمل حينئذ حديث البخاري الذي قدمناه على أنه أمر بالجلد على سبيل التعزير لا على سبيل الحد المقرر والله أعلم.
————
(1266) سورة النساء 25
(1267) تقريب النشر لابن الجزري ص 105
وعبارة طيبة النشر:
………………………… أحصن ضم اكسر على كهف سما
(1268) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 ص 143
(1269) استقراءً من معاجم اللغة الآتية: مجاز القرآن لأبي عبيدة جـ1 وجـ2 مواضع الإحصان، القاموس المحيط للفيروزأبادي مادة حصن، لسان العرب لابن منظور مادة حصن.
(1270) سورة الأنبياء 80
(1271) سورة الأنبياء 91
(1272) سورة النساء 23
(1273) سورة النساء 25
(1274) لسان العرب لابن منظور جـ13 ص 120 مادة حصن.
(1275) حجة القراءات لأبي زرعة ص 198
(1276) حجة القراءات لأبي زرعة ص 198
(1277) الجامع للقرطبي جـ5 ص 143
(1278) روي مرفوعاً من طريق إسحاق بن راهويه وموقوفاً عليه، وقد رواه الدارقطني في سننه، ثم قال: لم يرفعه غير إسحاق، ويقال: إنه رجع عن ذلك والصواب أنه موقوف. نصب الراية للزيلعي جـ3 ص 327
(1279) حجة القراءات لأبي زرعة ص 198
(1280) المصدر السابق نفسه.
(1281) قال الزيلعي: (روى هذا الحديث ابن أبي شيبة والطبراني في المعجم والدار قطني في السنن من حديث أبي بكر بن أبي مريم، ونقل عن الدار قطني قوله: أبو بكر بن أبي مريم ضعيف.
نصب الراية للزيلعي جـ3 ص 328
(1282) حديث رجم اليهوديين بالغ الاستفاضة أخرجه الستة فهو متفق عليه.
أخرجه البخاري في كتاب الحدود، وعنون له في باب 37 بقوله: باب أحكام أهل الذمة وإحصانهم إذا زنوا ورفعوا إلى الإمام. انظر فتح الباري جـ12 ص 166
(1283) رد المحتار على الدر المختار جـ3 ص 163
(1284) رد المحتار على الدر المختار جـ4 ص 18 وأورد نظماً لطيفاً لشرائط الإحصان:
شروط الإحصان أتت ستة فخذها عن النص مستفهماً
بلـــــوغ وعقـــل وحريـــة ورابعهـــــا كونـــه مسلماً
وعقد صحيح ووطء مبـاح متى اختل شرط فـلا يرجما
(1285) أخرجه أحمد عن عبادة بن الصامت جـ5 ص 317
(1286) انظر مغني المحتاج جـ4 ص 147
(1287) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 ص 143
(1288) أخرجه البخاري في كتاب الحدود باب 37 رقم الحديث 6841
وانظر فتح الباري جـ12 ص 166
(1289) انظر فتح الباري جـ12 ص 166
(1290) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 ص 143
(1291) المصدر السابق نفسه
(1292) حجة القراءات لأبي زرعة ص 198
(1293) الجامع للقرطبي جـ5 ص 143
المسألة الثالثة
قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص}(1294)
قرأ الكسائي: {والعينُ بالعين والأنفُ بالأنف والأذنُ بالأذن والسنُ بالسن والجروحُ قصاص} ووافقه في لفظة والجروح ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر حيث قرؤوا بالرفع في {والجروحُ قصاص} فقط، وقرأ الباقون ذلك كله بالنصب(1295).
فيكون توجيه قراءة الجميع من حيث اللغة واحداً، فمن نصب على إضمار (أن) بين المتعاطفات، وهو مذهب الأخفش وسيبويه، وهو نسق على قوله:
{أن النفسَ بالنفس}، وذلك حيثما نصب(1296).
ومـن رفـع فـإنه رفـع علـى الابتداء حيثمـا رفـع واعتـبر المعنـى منقطعـاً قبلـه.
والمعنى ظاهر في انقطاع الكلام قبل {والجروح قصاص}، وذلك ظاهر في عدم تشابه الأخبار، إذ خبر الأول كالثاني وكالثالث والرابع والخامس ثم لـم يشبهه خبر: {والجروح قصاص}.
ولكن معنى عدول الكسائي عن النصب من مطلع الآية غير جلي، ولكنه أجاب كما نقل عنه أبو زرعة بقوله: حجة الكسائي في ذلك صحة الخبر عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قرأ: {والعينُ بالعينُ والأنفُ بالأنفُ}، ونقل عن الزجاج قوله: (رفعه على وجهين: على العطف على موضع {النفس بالنفس} والعامل فيها المعنى {وكتبنا عليهم النفس} أي قلنا لهم النفس.
ونقل عن الفراء كذلك قوله: (إن الرفع أجود الوجهين وذلك لمجيء الاسم الثاني بعد تمام الخبر الأول وذلك مثل قولك: (إن عبد الله قائم وزيد قاعد)(1297).
وأشبه ما في القرآن من مذهب الكسائي قوله سبحانه: {إن الأرضَ لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبةُ للمتقين}(1298) وقد أجمعوا على رفع {العاقبةُ} على الاستئناف رغم إمكان عطفها على اسم إن.
وإنما بسطنا القول في تأويله من جهة اللغة لنحقق المقاصد التي فهمها القراء لكل وجه من هذه الوجوه.
ولا شك أن دلالات الآية، وهي أصل في أحكام القصاص في الفقه الإسلامي، يستدعي بسط القول في أحكامها إطالة لا تناسب هذه الدراسة، وإنما نجتزئ منها مسألة واحدة: هل تقتل النفس بالنفس، وفق ما أدى إليه عموم الآية، فتشمل بذلك قتل المسلم بالذمي، والرجل بالمرأة، والحر بالعبد؟ أم تختص هذه الآية بشرع من قبلنا؟
أما الذي يتصل في هذا المقام فهو مسألة فرعية أخرى، وهي: هل يلزم القاضي الحكم بأن العين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص على أساس أنه شرع لنا؟ وهو ما دلت له قراءة الرفع، أم يستأنس به في القضاء استئناساً على أساس أنه شرع من قبلنا على مذاهبهم في ذلك؟ وهو ما دلت له قراءة النصب.
فأما المسألة الأولى وهي لا علاقة لها باختلاف القراءة فقد اعتمدها الحنفية أصلاً في تكافؤ الدماء بين الناس، فلم يشترطوا التكافؤ في الحرية والدين، وإنما يكتفى بالتساوي في الإنسانية، وأمارتها نفخ الروح، وكذلك فإن النصوص العامة لم تفرق بين مسلم وذمي{كتب عليكم القصاص في القتلى}(1299) وقوله تعالى: {وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس}(1300) فلو لم يجب قتل المسلم بالذمي لكان في ذلك إغراء بإهراق الدماء لما بين الفريقين من العداوة في الدين(1301).
واستدلوا كذلك بما رواه الدار قطني أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أقاد مؤمناً بكافر، وقال: أنا أحق من وفى بذمته(1302).
وقد مضى جمهور الفقهاء إلى رد اختيار الحنفية، وشرطوا الإسلام في المقتول لإقامة حد القصاص، إذ الكفر شبهة تنفي المساواة، والحدود تدرأ بالشبهات، ولا قصاص مع الشبهة.
ورد الجمهور على حديث الدارقطني بأنه ضعيف، وقد يحمل على أنه كان قبل تقرير النبي – صلى الله عليه وسلم -: لا يقتل مسلم بكافر(1303).
وقد تأول الحنفية حديث: لا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد في عهده، بأنه خاص بالكافر الحربي، وهو محل إجماع بين الفقهاء(1304).
وأما الآية فقد قال جمهور المفسرين أنها شرع من قبلنا، وهو لا يلزمنا، ولكن الحنفية مضوا على إعماله وفق قاعدتهم في اعتبار شرع من قبلنا مصدراً تشريعاً، وهو خلاف أصولي مشهور بين علماء الأصول(1305).
وقد أورد المرغيناني من علماء الحنفية بياناً مفصلاً لمذهب الحنفية في قتل المسلم بالذمي استناداً لعموم هذه الآية ومناقشاً لما ذهب إليه الشافعية: (ويقتل المسلم بالذمي، خلافـاً للشافعي رحمه الله، له قوله عليه الصلاة والسلام: “لا يقتل مؤمن بكافر” ولأنه لا مساواة بينهما وقت الجناية، وكذا الكفر مبيح فيورث الشبهة، ولنا ماروي أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قتل مسلماً بذمي، ولأن المساواة في العصمة ثابتة نظراً إلى التكليف أو الدار، والمبيح كفر المحارب دون المسالم، والقتل بمثله يؤذن بانتفاء الشبهة، والمراد بما روى الحربي لسياقه، ولا ذو عهد في عهده والعطف للمغايرة)(1306).
وهكذا فإن أظهر التطبيقات العلمية لهذا الاختلاف، ما أخذ به أبو حنيفة إذ قال: يقتل المسلم بالذمي لأنه نفس بنفس، وتدل لهم الآية الصريحة ولكن التأمل في الأدلة يقف بنا عند قول الجمهور، إذ الآية ليست أكثر من حكم عام، ومع أن أبا حنيفة شديد في الأخذ بعموم النص، ولكن ليس لأحد أن يتنكب عن المخصّص إذا ما صح إسناده وتبينت دلالته(1307).
ومع ذلك فإن تقرير هذه المسألة من جهة الاستنباط لا يحول دون نظر الأمة في المصالح المرعية، وقد يجد الإمام أن الناس يجترئون على أهل الذمة إذا فهموا درء الحد باختلاف الدين، فينقضون بذلك ذمة المسلمين العامة، فتقضي المصلحة هنا أن يتشدد الإمام في الحد، استدلالاً بما ذهبت إليه الحنفية، على أن ذلك لا يلزم منه لزوم الأخذ به قضاء، إذ يمكن القضاء أن يدرأ الحد بالشبهة، وفساد العقيدة شبهة تدرأ الحد، ولكن لو رأى القضاء في الجناية وجهاً ظاهراً في العمد والاستهتار بحياة الناس، أو القصد الدنيء، فإن المصير إلى اختيار الحنفية هنا أولى، وهذا المعنى هو الذي ذهبت إليه القوانين الجنائية في البلدان العربية، بل هو ما قرره المشرع في السودان لدى إقراره القانون الجنائي الإسلامي.(1308)
وهذا الذي اخترناه موافق لما أفتى به مالك بن أنس رضي الله عنه في الموطأ: (الأمر عندنا أن لا يقتل مسلم بكافر إلا أن يقتله مسلم قتل غيلة، فيقتل به(1309) وقتل الغيلة أن يضجعه فيذبحه، وبخاصة على ماله.
وهكذا فإن ملاحظة دناءة المقصد في القتل، واعتباره قرينة تدفع إلى تغليظ العقوبة منهج فقهي اعتمده الإمام مالك والليث بن سعد، وكلاهما من الجمهور، وذلك خلافاً لقاعدة تهم في اشتراط تكافؤ الدين بين القاتل والمقتول.
فقد أخرج أبو داوود والترمذي والنسائي عن علي رضي الله عنه أنه سئل: هل خصك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بشيء؟ فقال: لا، إلا ما في هذا، وأخرج كتاباً من قراب سيفه، وإذا فيه (المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ولا يقتل مسلم بكافر، ولا ذو عهد بعهده).
وقد عرض القاضي ابن العربي لهذه المسألة فقال: قوله تعالى:
{والعين بالعين} قرئت بالرفع والنصب، فالنصب اتباع للفظه ومعناه، والرفع فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون عطفاً على حال النفس قبل دخول أن ـ والثاني: أن يكون استئناف كلام، ولم يكن هذا مما كتب في التوراة، والأول أصح (1310).
وكان ابن العربي قد بسط القول في رد اختيار الحنفية بشأن قتل المسلم بالكافر فقال: تعلق أبو حنيفة وغيره بهذه الآية، فقال: يقتل المسلم بالذمي لأنه نفس بنفس قالت الشافعية: هذا خبر عن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا.
وقلنا نحن له: هذه الآية، إنما جاءت للرد على اليهود في المفاصلة بين القبائل وأخذهم من قبيلة رجلاً برجل، ونفساً بنفس، وأخذهم من قبيلة أخرى نفس بنفس فأما اعتبار أحوال النفس الواحدة بالنفس الواحدة فليس له تعرض في ذلك، ولا سيقت الآية له. وإنما تحمل الألفاظ على المقاصد)(1311).
وأجاب كذلك بجوابين آخرين سبق ورودهما، أولهما الأحاديث المخصصة، وهي كما رأيت في أعلى درج الصحيح، وثانيهما انتفاء المماثلة بين نفس تطهرت بالإيمان وتزكت بالتوحيد ونفس راتعة في الكفر المبيح للدم.
واتفق الفقهاء فيما عدا ذلك على أنه يقتل الرجل بالأنثى، والكبير بالصغير، والعاقل بالمجنون، والعالم بالجاهل، والشريف بالوضيع، وسليم الأعضاء بمقطوعها وبالأشل، أي أنه لا يشترط التكافؤ في الجنس والعقل والبلوغ والفضيلة وكمال الذات أو سلامة الأعضاء(1312).
فهذه باختصار خلاصة مذاهبهم في قتل المسلم بالذمي، وهي مسألة لا تتصل باختلاف القراءات، لكن تتصل في الاحتجاج بشرع من قبلنا، وهي المسألة التي عليها مدار خلافهم في قراءة النصب.
وكذلك فإن اختلافهم في اشتراط التكافؤ في القصاص من الجاني على النفس هو في اشتراط التكافؤ في القصاص من الجاني على مادون النفس.
أما ما يتصل باختلاف القراءات فهي أحكام الجناية على ما دون النفس الإنسانية، وهي الأحكام التي تناولتها الآية بدءاً من قوله سبحانه وتعالى:
{والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص}
فقد قرىء ذلك كله كما علمت بالنصب والرفع، وقد صاروا إلى توجيهه على ثلاثة أقوال:
الأول: القراءة بالنصب على أنها من شرع من قبلنا.
الثاني: القراءة بالرفع بالعطف على المعنى، على أنها شرع من قبلنا.
الثالث: القراءة بالرفع على أنها ابتداء كلام، حكم في المسلمين(1313).
وقد تحدثنا بالتفصيل عن مذاهب النحاة في توجيه اختياراتهم(1314)، ولم يبق إلا أن نشير إلى أثر القراءة في الحكم الشرعي.
قال ابن المنذر: ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام، حكم في المسلمين(1315)، وهذا أصح القولين، وذلك أنها قراءة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – {والعين بالعين} وكذا ما بعده. والخطاب للمسلمين، وقد أمروا بهذا(1316).
فيتعين ثبوت الحكم في حق من يرى أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد فيه ناسخ، وهم الحنابلة والحنفية، وذلك سواء قرؤوا بالرفع أو بالنصب، على التعليل الذي قدمناه.
ولا يتعين ثبوت الحكم في حق من قرأ بالنصب إذا كان لا يرى الأخذ بشرع من قبلنا، وهم الشافعية، الذين استدلوا بقول الله عز وجل: {لكل جعلنا منكم شرعه ومنهاجاً}(1317).
ولكن كيف يتوجه عندهم تواتر قراءة الرفع، وهو تواتر ملزم كما علمت؟ الجواب أنهم يجعلونه عطفاً على المعنى كما قدمناه، فلا يلزمهم حينئذ حكم القصاص، ويكون فهمهم للآية مغايراً لما أوردناه عن ابن المنذر بقوله: هذا حكم في المسلمين، غاية الأمر أنهم جعلوا العطف هنا على المعنى، فاتصلت العبارات من جهة المعنى، وانفصلت من جهة الإتباع الإعرابي.
لكن هذه الحجة التي فصلناها لهم لم ترد في كتب الشافعية، فهي تخريج على أصولهم ولكن لم يجدوا الحاجة للاستدلال بها كونهم لم يخالفوا في مثلية القصاص في عموم قوله سبحانه: {وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}(1318) وقوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}(1319).
كذلك فإنهم لم ينازعوا فيما حكاه ابن المنذر، فيمكن القول حينئذ أن الكافة متفقون على دلالة الآية على مشروعية التماثل في القصاص فيما دون النفس(1320) ولم ينازع في سائر دلالات الآية إلا أبا حنيفة في مسألة واحدة، وهو قياس محض، ذلك أنه قال: إن مقتضى التماثل أن يتحقق التماثل في الأرشين، فلا يقتص لامرأة من رجل، ولا لعبد من حر، لعدم التساوي في الإرث والأرش والبدلية(1321)، وهو قياس محض أعرض عنه جمهور الفقهاء لأنه قياس في مصادمة النص.
وثمرة الخلاف: أن الآية العظيمة نص في مشروعية القصاص في عقوبة الجناية على مادون النفس الإنسانية، وقد أتت الآية على تشريع ذلك وفق أسلوبين اثنين:
الأول: إيراد الخبر بأن هذا التشريع مكتوب في التوراة، وقد أمر به أهل الكتاب، وهو ما دلت له قراءة النصب، وفهمه كذلك من قرأ بالرفع وأجرى السياق على أنه عطف بالمعنى.
الثاني: الإخبار بأنه أمر الله على المسلمين، وهو ما دلت له قراءة الرفع على أساس الاستئناف.
وهكذا فإن ورود التنزيل الإلهي في تشريع هذا الحكم بأسلوبين اثنين مشتمل على زيادة في معنى تشريع هذه العقوبة، وبيان بأنها إرادة المولى سبحانه وتعالى في قصم ظهر الجريمة.
وهذه المعاني محل اتفاق بين الفقهاء من حيث المآل(1322)، وإن اختلفت سبلهم في تأصيل الاستنباط من النص المذكور.
————
(1294) سورة المائدة 45
(1295) تقريب النشر في القراءات العشر ص 107
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ص 199
وعبارة الشاطبي:
….. والعين فارفع وعطفها رضىً والجروح ارفع رضى نفر حلا
(1296) حجة القراءات لأبي زرعة ص 226
(1297) حجة القراءات لأبي زرعة ص 223
(1298) سورة الأعراف 128
(1299) سورة البقرة 181
(1300) سورة المائدة 45
(1301) انظر بدائع الصنائع للكاساني جـ7 ص 237
(1302) في إسناده عبد الرحمن بن البَيْلَساني /بفتح فسكون/ مولى عمر/ مدني نزل حران ـ ضعيف وروي مرسلاً عند محمد بن الحسن. انظر تقريب التهذيب جـ1 ص 474
(1303) رواه أحمد والنسائي وأبو داود، وتمام الحديث في الصفحة الآتية
(1304) انظر الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور الزحيلي جـ6 ص 269
(1305) أنقل هنا هذه الأبيات لبيان مذهب الفقهاء في الاحتجاج بشرع من قبلنا، وهي من منظومة من نحو سبعمائة بيت في الأصول، نظمتها بتوفيق الله عام 1402 هـ
واختلفوا في شرعة الذين * من قبلنا ملغية أم دينا
فاتفقوا في الأخذ بالأحكام * مما أقر الدين كالصيام
واتفقوا في نسخ ما قد نسخا * في ديننا كالقطع مما اتسخا
واختلفوا في كل ما قد وردا * ولم ينسَّخ ثم لم يؤيَّدا
كالنفس بالنفس وشرب محتضر * فالحنفي والحنبلي والبعض قر
ودلَّلوا بوحدة الشرائع * والرجم واقتده.. لكل سامع
والشافعي أنكر استدلالهم * بأن لكل أمة منها جهم
(1306) انظر الهداية شرح بداية المبتدي للمرغيناني الحنفي جـ4 ص 161
(1307) انظر بدائع الصنائع للكاساني جـ7 ص 237 وص 252، وانظر رد المحتار على الدر المختار ص 378.
(1308) انظر التشريع الجزائري المقارن للدكتور عبود السراج ط جامعة دمشق 1980 م ص 334 وما بعدها.
(1309) موطأ مالك ص 483 طـ دار الكتب العلمية بيروت.
(1310) تفسير أحكام القرآن للقاضي ابن العربي المالكي جـ2 ص 627 ط دار المعرفة
(1311) المصدر نفسه.
(1312) انظر بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد المالكي جـ2 ص 393، وانظر كذلك موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي جـ6 ص 269.
(1313) هذه الوجوه الثلاثة هي خلاصة ما حكاه الطبري والقرطبي من مذاهب السلف.
(1314) انظر ص 642 من هذه الرسالة.
(1315) كذا في القرطبي، وقد أورد الآلوسي العبارة بقوله: أي بيان حكم جديد في المسلمين
(1316) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ6 ص 193
(1317) سورة المائدة 48
(1318) سورة النحل 126
(1319) سورة البقرة 193
(1320) انظر موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي جـ6 ص 339
(1321) بدائع الصنائع للكاساني جـ7 ص 297
(1322) نورد هنا مرة أخرى ما نقلناه عن بدائع الصنائع للكاساني جـ7 ص 297 من مذهب الحنفية في اشتراط التماثل في الأرشين لإجراء القصاص على ما دون النفس، وهو ما يحول دون إجراء القصاص بين الرجل والمرأة، وبين الحر والعبد.
المسألة الرابعة
قوله تعالى: {والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} النور 9
قرأ نافع: (أن خفيفة)، (غضبَ) بكسر الضاد وفتح الباء، (الله) فاعل (غضب) فعل ماض.
قال سيبويه: ها هنا هاء مضمرة و (أن) خفيفة من الثقيلة، المعنى: (أنه غضب الله عليها) قال الشاعر:
في فتية كسيوف الهند قد علموا أنْ هالكٌ كل مَنْ يحفى وينتعلُ(1323)
وقرأ الباقون: {أنَّ غَصَبَ الله عليها}(1324)
وثمرة الخلاف: أن الملاعِنَةَ مأمورةٌ بأن تذكر الصيغتين في المُلاعَنَة الخامسة فتقول: غضب الله علي إن كان (زوجي) من الصادقين، وإن غضب الله علي إن كان (زوجي) من الصادقين.
ومع ثبوت القراءتين تواتراً فقد أمر الفقهاء بأن تنطق إحدى الصيغتين لأنها تدل على أختها وتجزئ عنها. وبذلك فإن تعدد القراءتين بمنزلة تعدد الآيات بمنزلة تكرير الأمر به من المولى سبحانه.
ومن الفائدة في تعدد القراءة تحقيق الترهيب للملاعنة، إذ اشتملت قراءة تشديد (إن) على التوكيد بوقوع الغضب، كما جاءت قراءة (تخفيف إن) لتفيد تعجيل العقوبة على الملاعنة الكاذبة، فأخبرت بأن الله قد غضب عليها فور افترائها على زوجها بدون إبطاء.
وإنما فرق بين المتلاعنَين في الصيغة، فذكَّر الملاعِنَ باللعنة، وذكَّر الملاعنة بالغضب، لأن المرأة هنا هي سبب الفجور ومنبعه، بإطماعها الرجل في نفسها(1324)، وغضب الله والعياذ بالله أشد نقمة من اللعنة أعاذنا الله منها جميعاً.
————
(1323) الشاعر هو الأعشى ميمون بين قيس البكري، من شعراء الجاهلية المجيدين، هم أن يدخل في الإسلام فثنته قريش عن عزمه، ومات كافراً عام 7 هـ.
(1324) انظر حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 498
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 302
وعبارة الشاطبي:
صحاب وغير الخفض خامسة الأخيـ ـر أن غضب التخفيف والكسر أدخلا
(1324) التفسير المنير للزحيلي جـ18 ص 157
المبحث الخامس: في الجهاد
المسألة الأولى
قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}(1325).
قرأ الكوفيون إلا عاصماً(1326) {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه، فإن قتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين} فحذفوا سائر ألفات المفاعلة في الآية.
وقرأ الجمهور بإثبات ألفات المفاعلة الثلاث كما قدمنا(1327).
وتوجيه قراءة الجمهور أن الخطاب في بيان المقاتلة وليس في بيان القتل، ويدل لهم قوله سبحانه: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم}(1328) وكذلك قوله سبحانه: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}(1329).
وكذلك فإن قالوا: إن القتال إنما يؤمر به الأحياء، فأما المقتولون فإنهم لا يقتلون فيؤمروا به، فلو قرىء بدون ألف المفاعلة كان ظاهره أمراً للمقتول بقتل قاتليه، وهو محال إذا حمل على ظاهره، فلا يستقيم معناه إلا بالتقدير، وإذا جاز التقدير وعدمه فعدم التقدير أولى(1330).
وأما قراءة الكسائي وحمزة وخلف فإنها متجهة إلى أن وصف المؤمنين بالقتل في سبيل الله أبلغ من وصفهم بالقتال، وفي ذلك زيادة مدح وثناء، فكأن المعنى قوله: (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوا بعضكم، فإن قتلوا بعضكم فاقتلوهم)(1331).
لكن قال الطبري في التفسير: (وأولى هاتين القراءتين بالصواب قراءة من قرأ: {ولا تقاتلوهم} لأن الله تعالى ذكره لم يأمر نبيه – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه في حال إذا قاتلهم المشركون بالاستسلام لهم)(1332).
وقد أوردنا هذا القول للطبري لنلفت الانتباه إلى ما قد يتبادر إلى الذهن من أن شيخ المفسرين كان يرى صحة قراءة وبطلان قراءة من المتواتر، وهو ما توهمه عبارته هذه، وأشباهها كثير في جامع البيان، وعند القرطبي أيضاً، وهي محمولة على عدم ثبوت التواتر عنده، أما إذا ثبت لديه التواتر فلا يتصور من شيخ المفسرين أن يجزم ببطلان قراءة متواترة، وعلى ذلك يجب حمل سائر ما روي من كلام أئمة التفسير في رد قراءة متواترة.
ويمكن التوفيق بين القراءتين على قول من قال: يقتلوكم أي يبدؤوكم بالقتل، وأجود الأقوال أن قراءة الجمهور جاءت بعد عزيمة سابقة، وهي المنع من مقاتلة المشركين في الحرم حتى يصيبوا واحداً منا، ثم جاءت الرخصة بمشروعية قتال المشركين في الحرم بمجرد مقاتلتهم إيّانا ولو لم يصيبوا منا أحداً.
وقد أورد القاضي ابن العربي توفيقاً لطيفاً بين القراءتين على هيئة حكاية وقعت له في بيت المقدس أنقلها لك عنه بنصها: قال القاضي أبو بكر بن العربي: وقد حضرت في بيت المقدس طهّره الله بمدرسة أبي عتبة الحنفي والقاضي الريحاني يلقي علينا الدرس في يوم جمعة، فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رجل بهي المنظر على ظهره أطماره، فسلم سلام العلماء، وتصدَّر في صدر المجلس بمدارع الرِّعاء فقال له الريحاني: من السيد؟ فقال له: رجل سلبه الشطّار أمس. وكان مقصدي هذا الحرم المقدّس، وأنا رجل من أهل صاغان من طلبة العلم، فقال القاضي مبادراً: سلوه، على العادة في إكرام العلماء بمبادرة سؤالهم، ووقعت القرعة على مسألة الكافر إذا التجأ إلى الحرم، هل يقتل أو لا؟ فأفتى بأنه لا يقتل، فسئل عن الدليل، فقال: قوله تعالى {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه(1333)}(1334) قرىء: ولاتقتلوهم ولا تقاتلوهم، فإن قرىء ولا تقتلوهم فالمسألة نَصُّ، وإن قرىء ولا تقاتلوهم فهو تنبيه لأنه إذا نهى عن القتال الذي هو سبب القتل كانَ دليلاً بينّاً ظاهراً على النهي عن القتل.
فاعترض عليه القاضي الرِّيحاني منتصراً للشافعي ومالك وإن لم ير مذهبهما على العادة فقال: هذه الآية منسوخة بقوله تعالى:
{فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}
فقال له الصاغاني: هذا لا يليق بمنصب القاضي وعلمه، فإن هذه الآية التي اعترضت بها علىَّ عامة في الأماكن، والآية التي احتججت بها خاصة ولا يجوز لأحد أن يقول إنَّ العام ينسخ الخاص، فأبهت(1335) القاضي الريحاني وهذا من بديع الكلام(1336).
ثمرة الخلاف: دلت القراءة بإثبات ألفات المفاعلة على جواز المقاتلة عند المسجد الحرام عندما يعرض للمسلمين الاعتداء من عدوهم ولو لم يصب العدو أحداً من المسلمين، إذ ليس المطلوب هنا أن ننتظر حتى يقتل المشركون بعض المسلمين في الحرم لنرد عليهم، فإن دم المسلم عزيز، ومجرد بدء المقاتلة من المشركين يتضمن إذناً بإراقة دمهم في المسجد الحرام.
ومن فائدة القراءة بحذف الألفات تذكير المسلمين برحمة الله فيهم إذ رفع عنهم سبحانه الحرج في رد العدوان في المسجد الحرام، بعد أن كانت القراءة تنهى عن رد العدوان حتى تزهق أرواح بعض المسلمين.
وفي تعـدد القـراءات هنـا فائـدة أخـرى، وهـي إظهـار كرامـة المسـلم على الله، وحـرمة دمـه، حتى أن الآية جعلت حرمـة دم المسلم أعظم من حرمة المسجــد الحـرام.
وقد دلت على هذا المعنى نصوص كثيرة من السنة وفي الحديث، قام النبي – صلى الله عليه وسلم – قبل الكعبة فقال: “ما أعظمك وأعظم حرمتك غير أن المؤمن أعظم عند الله حرمة منك”(1337)
وسيأتي الحديث عن تحرير طبيعة الجهاد في الإسلام وعلة المقاتلة، عند حديثنا عن قول الله عز وجل: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا}(1338)
————
(1325) سورة البقرة 191
(1326) أي حمزة والكسائي وخلف
(1327) تقريب النشر لابن الجزري ص 96، وانظر سراج القاري لابن القاصح ص 161
وعبارة طيبة النشر:
لا تقتلوهم ومعاً بعد (شفا) فاقصر………………….
وعبارة الشاطبية: ولا تقتلوهم بعده يقتلوكم فإن قتلوكم قصرها شاع وانجلا
(1328) سورة البقرة 190
(1329) سورة البقرة 193
(1330) حجة القراءات لأبي زرعة ص 127
(1331) روي هذا المعنى في التفسير عن قتادة انظر تفسير الطبري جـ2 ص 193
(1332) تفسير الطبري ط دار المعارف جـ2 ص 193
(1333) سورة البقرة 191
(1334) تفسير أحكام القرآن لابن العربي جـ1 ص 107
(1335) في التنزيل العزيز: فبهت الذي كفر، ثلاثي، لكن قال في اللسان: بهتُّ الرجل أبهته بهتاً إذا قابلته بالكذب. ولو أتى بالصيغة القرآنية لكان أبلغ وأحكم.
(1336) تفسير أحكام القرآن للقاضي ابن العربي المالكي جـ1 ص 107
(1337) رواه الترمذي في كتاب البر، رقم 85، ورواه كذلك ابن ماجة في كتاب الفتن جـ2 ص 60.
(1338) سورة الحج 39
المسألة الثانية
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}(1339)
قرأ نافع وابن كثير والكسائي وأبو جعفر: {في السَّلم} بالفتح
وقرأ الباقون: {في السِّلم} بالكسر(1340)
واختار أبو زرعة في تأويل السّلم بالفتح ما روي عن قتادة من التابعين وهو أن السَّلم: الموادعة والمسالمة والمصالحة.
ثم أجرى تأويل قراءة الباقين بالكسر على أنها الإسلام(1341).
واختيار أبي زرعة هذا في تأويل السَّلم والسِّلم ليس محل اتفاق بين النحـويـيـن، بل اختـار ابن منظـور في اللسـان عكسـه فقـال: ادخلوا في السَّلم كافـة عنى به الإسلام وشـرائعه كلها، ثم نقل عن أبي عمرو البصري: ادخلوا في السِّلم كافــة، يذهب بمعنـاهــا إلى الإســلام فكـان مقتضى اختيـاره أنـهـا بـمعنـى واحد خفضاً ونصباً(1342).
ثم قال بعد شواهد عدة: والسَّلم: الاستخذاء والانقياد والاستسلام، وهو عكس ما اختاره أبو زرعة.
وقال ابن جرير الطبري في جامع البيان: فأما الذين فتحوا السين فإنهم وجهوا تأويلها إلى المسالمة بمعنى ادخلوا في الصلح والمسالمة وترك الحرب وإعطاء الجزية، وأما الذين قرؤوا ذلك بكسر السين فإنهم مختلفون في تأويله فمنهم من يوجهه إلى الإسلام بمعنى ادخلوا في الإسلام كافة، ومنهم من يوجهه إلى الصلح بمعنى ادخلوا في الصلح.ومن ذلك قول زهير بن أبي سلمى:
وقد قلتما إن ندرك السِّلم واسعاً بمال ومعروف من الأمر نسلم(1343)
ثمرة الخلاف: إن الله سبحانه أمرنا بالدخول في الإسلام، وهو ما دلت له قراءة الكسر كما حرره أبو عمرو البصري، فكان أبو عمرو يقرأ السلم حيث وردت في القرآن الكريم بالفتح إلا في هذا الموطن فإنها يقرؤها بالكسر ليشير إلى أن المراد هو الدخول في الإسلام(1344).
كذلك فإن الله سبحانه أمرنا بالسعي إلى الموادعة والمسالمة والمصالحة، وهو ما دلت له قراءة الفتح كما اختار قتادة وجمع من السلف، وهذا مبدأ رئيس في الإسلام، يتوكد به سعيه في حقن الدماء ونشر الإسلام، وهي قراءة أهل المدينة ومكة والكسائي والكوفيين.
وليس بين القراءتين أدنى تعارض، بل إن تحقيق السلام في الأرض من أعظم مقاصد الإسلام، فتكون الآية هنا بمنزلة الآيتين، عملاً بقاعدة: تعدد القراءات ينزل منزلة الآيات، وهي مسألة حررناها في الباب الأول من هذه الدراسة.
وثمة سؤال آخر يرد في هذا المقام على من تأول السلم بمعنى الدخول في الإسلام، وهو: كيف يرد الأمر على الدخول في الإسلام، وإن المخاطبين بذلك مؤمنون، فكيف يقال للمؤمن آمن، أو للمسلم أسلم؟..
الجواب أن الإسلام منازل: أدناه قول الإعراب:
{قــالــت الأعـراب آمنــا قـل لـــم تؤمنــوا ولكــن قولوا أسلمنــا ولمــا يدخــل الإيـمــان في قــلــوبـكم}(1345)
وأعلاها قول الله عز وجل على لسان إبراهيم خليل الرحمن:
{ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}(1346).
————
(1339) سورة البقرة 208
(1340) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 94
وعبارة طيبة النشر:
……………………………… وفتح السلم حرم رشفا
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ص 161
(1341) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 130
(1342) لسان العرب لابن منظور /مادة سلم/ جـ12 ص 295 طبعة دار صادر
(1343) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري جـ2 ص 189
(1344) انظر تحرير ابن مجاهد لاختيارات أبي عمرو في هذه المراجع في كتابه: السبعة في القراءات
(1345) سورة الحجرات 14
(1346) سورة البقرة 128
المسألة الثالثة
قوله تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً}(1347)
قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو: {لا يَضِرْكم كيدهم شيئاً}
وقرأ الباقون: {لا يضرُّ كم كيدهم شيئاً}(1348)
وتتجه قراءة الحجازيين وأبي عمرو إلى أن الأصل: {لا يضيرُكم} فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت كسرة الياء إلى الضاد فصارت {لا يضيرُكم} ثـم دخــل الجــزم علــى الــراء، فــالـتـقـى سـاكنــان، فحـذفت اليـاء، فصـارت {لا يضِرْكم}(1349).
وبهذا المعنى فإن لا هنا نافية للضير، وليست نافية للضرر، وهي مشابهة لما ورد في قوله سبحانه على لسان المؤمنين من السحرة من آل فرعون:
{قالوا لاضير إنا إلى ربنا منقلبون}(1350)
وتتجه قراءة الجمهور إلى أن (لا) نافية للضرر، وعندهم أن ورود الضرر في القرآن أكثر من ورود الضير، فالمصير إليه أقرب.
ويرد ثمة سؤال: كيف ساغ أن يأتي المضارع مرفوعاً مع أن حقه الجزم لأنه جواب طلب؟ ويجاب عن ذلك بأن الأصل (لا يضررْكم) فلما أرادوا الإدغام سكنوا الراء ونقلوا الضمة التي كانت على الضاد فصارت {لا يضركم} قال أبو زرعة: فهذه الضمة ضمة إتباع(1351).
وقد اختصت هذه الآية بورود المدغم والمظهر في صيغة الفعل ذاته:
{إن تمسسكم} مظهرة غير مدغمة. {لا يضرْكم} مدغمة غير مظهرة.
ثمرة الخلاف: جاءت الآية العظيمة في الحث على الصبر والتقوى، وهو مقصد قرآني تواترت فيه الإشارات والأوامر الإلهية.
ووعد المولى سبحانه وتعالى الصابرين بعاقبتين عظيمتين:
الأولى: نفي الضير، وهو المظلمة والأذية.
الثانية: نفي الضرر عنهم(1352)، وهو عكس المنافع.
وكما ترى فإن المعاني متكاملة، لا يناقض بعضها بعضاً، وتعدد القراءة لها أثر عظيم في تثبيت المؤمن وتقوية عزيمته، بعد أن وعده الله سبحانه بكشف الضر والضير عنه.
————
(1347) سورة آل عمران
(1348) تقريب النشر لابن الجزري ص 102
وعبارة الطيبة:
…………………….. يضركم اكسرا جزم أوصلا
(1349) حجة القراءات لأبي زرعة ص 171
(1350) سورة الشعراء 50
(1351) حجة القراءات لأبي زرعة ص 171
(1352) لسان العرب لابن منظور ط دار صادر جـ4 ص 494 مادة ضير ومادة ضرر
المسألة الرابعة
قوله تعالى: {يا أيها الذين إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً}(1353)
قرأ المدنيان وابن عامر وحمزة وخلف: {لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً}
وقرأ الباقون: {لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}(1354)
فتوجه القراءة الأولى بحذف الألف إلى الاستسلام والانقياد، قال في اللسان: السلم: الاستسلام، والتسالم: التصالح، والمسالمة: المصالحة، وقال الخطابي: إنه السَّلَم، بفتح السين، الاستسلام والإذعان والانقياد، وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع(1355).
وتتوجه قراءة الباقين (السلام) إلى التحية المشروعة، ويكون من دلالتها أن المرء معصوم الدم إذا ألقى التحية الإسلامية، حتى يتبين أمره، أي قوله: السلام عليكم، لأن سلامه بتحية الإسلام مؤذن بطاعته وانقياده.(1356)
ولكن خالف في ذلك البخاري بقوله: (السَّلَمُ والسلامُ والسِّلْمُ واحد)، مع أنه أورد عبارته هذه في رأس حديث الأعرابي الذي قال: السلام عليكم(1357)
وقد قرئت أيضاً: (السِّلْم) على تأويل المسالمة والمصالحة، وقد روي هذا الوجه في غير المتواتر من عاصم وأبان بن زيد وأبي رجاء والبخاري(1358).
وأخرج البخاري في سبب نزول هذا الحديث عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رجل في غنيمة له، فلحقه المسلمون، فقال: السلام عليكم، فقتلوه وأخذوا غنيمته، فأنزل الله في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً تبتغون عرض الحياة الدنيا}
قال عطاء(1359): قرأ ابن عباس: {السلام}(1360)
قال ابن حجر في الفتح فمن قرأ {السلام} فمن التحية، وأما ما عداه فمن الانقياد(1361).
وأورد ابن حجر في الفتح أطرافاً أخرى لهذا الحديث، أرتبها لك كالآتي: (مر رجل من بني سليم بنفر من الصحابة وهو يسوق غنماً له فسلم عليهم فقتلوه، وأخذوا غنيمته… الحديث)(1362)
{ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك}(1346).
(بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – سرية فيها المقداد، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا وبقي رجل له مال كثير فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم -: كيف بلا إله إلا الله غداً)(1363)
(1339) سورة البقرة 208
(بعثنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في نفر من المسلمين، فيهم أبو قتادة ومحلم بن جثامة، فمر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي فسلم علينا، فحمل عليه محلم فقتله، فلما قدمنا على النبي – صلى الله عليه وسلم – وأخبرناه الخبر نزل القرآن)(1364)
وثمة طرق أخرى للحديث لا تخرج بمجملها عن هذه الدلالة.
……………………………… وفتح السلم حرم رشفا
ولدى التأليف بين الروايات يظهر لك أن القاتل هو المقداد بن عمرو في رواية، وأسامة بن زيد في رواية، ومحلم بن جثامة في رواية، ولا يضر تعدد الأسماء فقد تتعدد الأسباب والنازل واحد.
(1341) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 130
وكذلك فإن تعدد الروايات في النازل أفادنا مزيداً في التوكيد على حرمة الدماء في الإسلام، والترهيب من استباحتها بغير حقها.
قال القرطبي: قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لأسامة بن زيد:
“أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا”(1365)
أي تنظر أصادق في قوله أم كاذب، وذلك لا يمكن، فلم يبق إلا أن يبين عنه لسانه، وفي هذا من الفقه باب عظيم، وهو أن الأحكام تناط بالمكان والظواهر، لإبراهيم القطع واطلاع السرائر(1366).
ثمرة الخلاف: إن الله سبحانه جعل استسلام الخصوم وانقيادهم عصمة لدمائهم، إذا انقادوا لحكم المسلمين، وهو ما دلت عليه قراءة نافع وابن عامر وحمزة.
ويدل ذلك ما رواه البخاري في الصحيح: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دمائهم”(1367) فها هنا يكون السلم بمعنى الإسلام كما اختاره البخاري، أو الاستسلام كما نقلناه عن القرطبي.
ولكن الاستسلام والخضوع وكذلك الدخول في الإسلام لا يتبين بسهولة ويسر، وقد يراق دم المرء قبل أن يقدم لقاتله الدليل على انقياده أو إسلامه، لذلك فقد تكلفت القراءة الثانية بعصمة دم المرء إذا كان مجهول الحال بمجرد أن يقول (السلام عليكم)، وهو كما ترى احتراز ضروري، ورحمة إلهية ظاهرة بعبادة.
ويجب التحفظ هنا، فلا نحكم بإسلامه بمجرد إلقاء السلام، بل نعصم دمه إلى أن يتبين حله، كما قال الإمام مالك رضي الله عنه في الكافر يوجد فيقول: جئت مستأمناً طالباً الأمان: هذه أمور مشكلة وأرى أن يرد إلى مأمنه ولا يحكم له بحكم الإسلام حتى يتكلم بالكلمة العاصمة التي علق النبي – صلى الله عليه وسلم – الحكم عليها في قوله:
“أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله”(1368).
————
(1353) سورة النساء 94
(1354) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 106
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ص 193
وعبارة الشاطبية: وعم فتى قصر السلام مؤخراً……………………………
(1355) لسان العرب لابن منظور جـ12 ص 293 مادة سلم
(1356) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 ص 328
(1357) الجامع الصحيح للإمام البخاري كتاب التفسير باب 17 رقم الحديث 4591 وانظر فتح الباري جـ8 ص 258.
(1358) انظر معجم القراءات القرآنية جـ2 ص 154
(1359) ليس في نص الحديث في البخاري قال عطاء، بل (قال قرأ ابن عباس السلام)
ولكن السياق يكشف عن ذلك، وقد صرح ابن حجر بذلك في الشرح انظر فتح الباري جـ8 ص 259 سطر 8.
(1360) الجامع الصحيح للبخاري كتاب التفسير باب 17 رقم الحديث 4591
(1361) فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني جـ8 ص 259
(1362) أخرجه أحمد والترمذي وحسنه الحاكم وصححه.
(1363) رواه البزار من طريق حبيب بن عمرة عن سعيد بن جبير
(1364) رواه ابن اسحق في المغازي، وأحمد عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي وهذه الثلاثة على عهدة ابن حجر في الفتح انظر جـ8 ص 260
(1365) أخبر القرطبي هنا أن الحديث قد (أخرجه مسلم)، ولم أعثر على الحديث عن مسلم، والذي عند مسلم في كتاب التفسير باب (11) حديث رقم 2133، نفس رواية البخاري المتقدمة، وليس فيها ذكر القائل، والله أعلم.
(1366) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 ص 339
(1367) وأخرجه أيضاً الإمام مسلم في كتاب الإيمان باب، حديث رقم 4، ص 13
(1368) أحكام القرآن لابن العربي جـ1 ص 482
المسألة الخامسة
قوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا}(1369)
قرأ نافع وابن عامر وحفص: {أذن للذين يُقَاتَلُون بأنهم ظلموا}
على المبني للمجهول.
وقرأ الباقون: {أذن للذين يُقَاتــِلُون بأنهم ظلموا}(1370)
بكسر التاء على معلوم الفاعل.
وقد احتج قراء المدينة والشام وحفص بما ورد بعده، حيث اتفقوا على البناء للمجهول في قوله عز وجل: {بأنهم ظُلموا}(1371)
قال عاصم: لو كانت {يقاتِلون} بكسر التاء فبم أذن لهم، فكأنهم ذهبوا إلى أن المشركين قد كانوا بدؤوهم بالقتال، فأذن الله لهم حين قوتلوا أن يقاتلوا من قاتلهم.
قال أبو زرعة: وهو وجه حسن لأن المشركين قد كانوا يقتلون أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وكان المؤمنين ممسكين عن القتال لأنهم لم يؤمروا به، فأذن الله لهم أن يقاتلوا من قاتلهم(1372).
وتوجيه قراءة الباقين على أنها قراءة المضارع في معنى المستقبل، وذلك بمنزلة قوله: أذن للذين سيقاتلون، أو سيؤمروا بالقتال بأنهم ظلموا، فهم يقتلون عدوهم الظالمين لهم بإخراجهم من ديارهم.
قال ابن العربي: والأقوى عندي قراءة كسر التاء، لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد وقوع العفو والصفح عما فعلوا أذن الله لهم في القتال عند استقراره في المدينة، فأخرج البعوث ثم خرج بنفسه، حتى أظهره الله يوم بدر، وذلك قوله تعالى: {وإن الله على نصرهم لقدير}(1373)، ويفهم من اختيار ابن العربي هنا أنه لا يجعل هذه الآية أول ما نزل في أمر القتال.
وقد رجح ابن العربي قراءة الكسر، مع أنه يقرأ كأهل بلده قراءة نافع بفتح التاء، وهذا دليل على حيرته وتجرده للحقيقة العلمية.
وينشأ عن اختلاف القراءات المتواترة في هذه الآية مسألة من أكثر المسائل التي تكلم فيها الفقهاء وهي: تحرير علة المقاتلة في الإسلام.
وقد انقسم الفقهاء في هذه المسألة إلى فريقين، قال الأولون: إن علة المقاتلة هي رد العدوان، وقال الآخرون إن علة المقاتلة هي الكفر، ولو لم يظهر من الكفار اعتداء.
وقد أخذ فقهاء الحنفية والمالكية بالقول الأول، فيما أخذ الشافعية وغالب الحنابلة بالقول الثاني.
وتعريف الجهاد عند عامة الفقهاء يتجه إلى أن علة الجهاد هي نصرة الإسلام، وهو تعليل يقوي مذهب الحنفية والمالكية.
نقل ابن عابدين من متأخري الحنفية تعريف الجهاد بأنه: الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله بالمال والنفس(1374).
وتعريف الشافعية للجهاد: (هو قتال الكفار لنصرة الإسلام)(1375).
وقد قرر جمهور الفقهاء من مالكية وحنفية وبعض الحنابلة(1376) أن مناط القتال هو الحرابة والمقاتلة والاعتداء، وليس محض الكفر(1377)، فلا يقتل شخص لمخالفته للإسلام أو لكفره، وإنما يقتل لاعتدائه على الإسلام، فغير المقاتل لا يجوز قتاله، وإنما يلتزم معه جانب السلم، يدل لذلك نصوص الكتاب والسنة والاعتبار(1378). وأظهر الأدلة على ذلك من الكتاب قوله سبحانه:
{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}(1379)
وقد عقد ابن تيمية وهو من فقهاء الحنابلة فصلاً للرد على من قال بأن الكفر موجب لشن الحرب، فقال في معرض الرد على الشافعية في احتجاجهم بحديث: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله”(1380). قال: (هذا الحديث ذكر للغاية التي يباح قتالهم إليها، بحيث إذا فعلوها حرم قتالهم، والمعنى أني لم أومر بقتالهم إلا إلى هذه الغاية، فإن هذا خلاف النص والإجماع، فإنه(لم يفعل هذا قط، بل كانت سيرته أن من سالمه لم يقاتله)(1381)
وقد ثبت بالنص والإجماع أن أهل الكتاب والمجوس مع أنهم ليسوا أهل كتاب إذا أدوا الجزية حرم قتالهم(1382).
وكذلك فإنه لو كان الكفر علة الجهاد ما أمرنا بالكف عن المرأة والشيخ الكبير من المشركين، وهو ما دلت له نصوص كثيرة منها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانيا ولا طفلاً، ولا امرأة”(1383)
واختار الشافعية ومتقدمي الحنابلة أن المبيح للقتل هو الكفر وليس الحرابة، واستدلوا لذلك بعموم قوله سبحانه: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}(1384).
قال ابن قدامة: (مسألة: قال: ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويقتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا)(1385)
وقد اتفق الشافعية والحنابلة في هذه المسألة، فجعلوا أهل الكتاب مستثنين من عموم قوله سبحانه: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}(1386)
ونقل ابن قدامة عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب، ثم قال: وهو مذهب أبي حنيفة لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق فيقرون ببذل الجزية كالمجوس(1387).
وهكذا فإن ابن قدامة هنا وافق الشافعية، وأشار إلى أن الإمام أحمد اختار رأياً وسطاً بين الشافعية والحنفية، فقال بوجوب قتال عبدة الأوثان من العرب والكف عمن سواهم حتى ظهور الحرابة منهم(1388).
ثم قال في الاستدلال لاختياره موافقاً الشافعية: (ولنا عموم قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين}(1389) وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله” خص منهم أهل الكتاب بقوله: “حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون”
وقوله(في المجوس: “سنوا بهم سنة أهل الكتاب”(1390) فمن عداهما(1391) يبقى على مقتضى العموم، ولأن الصحابة رضي الله عنهم توفقوا في أخذ الجزية من المجوس، ولم يأخذ عمر منهم الجزية، حتى روى له عبد الرحمن بن عوف أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “سنوا بهم سنة أهل الكتاب”(1392) وثبت عندهم أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أخذ الجزية من مجوس هجر، وهذا يدل على أنهم لم يأخذوها من غيرهم ولأن قول النبي – صلى الله عليه وسلم -:
“سنوا بهم سنة أهل الكتاب” يدل على اختصاص أهل الكتاب بإضافتها إليهم، ولأنهم تغلظ كفرهم لكفرهم بالله وجميع كتبه ورسله(1393)
وقد أطلنا في النقل عن ابن قدامة لأنه أورد معظم أدلة القائلين بأن الكفر هو علة المقاتلة، وثمة دليل آخر يورده الشافعية أيضاً وهو ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – بقوله: (اقتلوا شيوخ المشركين وأبقوا شرخهم)(1394)
فهذه بالجملة أدلة القائلين بأن علة المقاتلة هي الكفر وحده، بدون اشتراط ظهور الحرابة.
وقد لخص صاحب كتاب (آثار الحرب في الفقه الإسلامي)(1395) ردود العلماء على ذلك فقال: (يجاب عن ذلك بأن قوله تعالى:
{اقتلوا المشركين}(1396) عام مخصوص بالذمي والنساء والصبيان، وحديث:
“اقتلوا شيوخ المشركين”(1397) ضعيف بالانقطاع، وبالحجاج بن أرطأة(1398) فلا يصلح للمعارضة، ولو سلمت صحته فيجب تخصيصه بحسب أصول الشافعي.
ويرد على الشافعي أيضاً بأنه لو كان مجرد الكفر مبيحاً (للقتل) لما نزل النبي – صلى الله عليه وسلم – بني قريظة على حكم سعد بن معاذ فيهم، ولو حكم فيهم بغير القتل لنفذ حكمه…
ومن ناحية النصوص القرآنية فهناك نصوص قطعية لا تقبل التأويل يرد بها على الشافعي مثل قوله تعالى:
{وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}(1399)
ثم قال: (وهذا الموقف الدفاعي هو الذي سار عليه النبي – صلى الله عليه وسلم – والمسلمون من بعده، فلم يقتل النبي كفار قريش وهوازن، وما استباح الخلفاء يوماً دم أحد من غير المسلمين في غير الحرب)(1400).
ثم فصل القول في الرد على من زعم نسخ هذه الآية، وتوجيه تعليل القتال بالحرابة، وجملة رده في ثلاثة اعتراضات:
الأول: إن النسخ لا بد له من دليل، ولا دليل يدل على النسخ أو التخصيص.
الثاني: إن ما تضمنته الآية معاني لا تقبل النسخ، فقد تضمنت النهي عن الاعتداء، والاعتداء ظلم، والظلم من المعاني المحرمة في كل الشرائع وفي أحكام العقول، والله لا يبيح الظلم قط.
الثالث: لو كان القتل للكفر جائزاً، وأن آية منع الاعتداء منسوخة لكان الإكراه على الدين جائزاً، لقوله تعالى: {لا إكراه في الدين}(1401)
وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم أسر من المشركين أسرى، فمنهم من قتله، ومنهم من فداه، ومنهم من أطلق سراحه، ولم يكره أحداً منهم على الإسلام، ولو كان القتال لأجل الكفر ما كان لهؤلاء إلا السيف(1402).
————
(1369) سورة الحج 39
(1370) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 145
وعبارة طيبة النشر:
………… يقاتلون عف عم افتح التا………….
(1371) سورة الحج 39
(1372) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 478
(1373) أحكام القرآن لابن العربي المالكي جـ3 ص 1279
(1374) حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين جـ4 ص 121
وانظر الدر المختار جـ3 ص 238
(1375) حاشية الشرقاوي جـ2 ص 391
وانظر آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ص 33
(1376) اختلفت عن أحمد الرواية، واختار ابن قدامة أن علة الجهاد هي الكفر كما سيأتي، وعاد ابن تيمية إلى أن علة الجهاد هي الحرابة، وعزا القول إلى أحمد. وسيأتي تفصيل ذلك.
(1377) استدلوا بقوله تعالى: لا إكراه في الدين.
(1378) لكن نقل ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد إجماعاً غريباً فقال تحت عنوان:
الفصل الثاني في معرفة الذين يحاربون
فأما الذين يحاربون فاتفقوا على أنهم جميع المشركين لقوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله} إلا ما روي عن مالك أنه قال: لا يجوز ابتداء الحبشة ولا الترك بالحرب.
انظر بداية المجتهد لابن رشد جـ1 ص 369
(1379) سورة البقرة 192
(1380) رواه البخاري في كتاب الإيمان، ورواه مسلم في باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا… رقم (22)
(1381) رسالة القتال لابن تيمية ص 117
(1382) المصدر السابق نفسه
(1383) رواه أبو داود في كتاب الجهاد، برقم 82.
(1384) سورة التوبة
(1385) المغني لابن قدامة جـ8 ص 361
(1386) سورة التوبة 28
(1387) المغني لابن قدامة جـ8 ص 361
(1388) المصدر السابق نفسه
(1389) سورة التوبة 5
(1390) رواه ابن أبي شيبة، انظر الكنز 11490
(1391) في الأصل: فمن عداها، ولا يخفى أنه تحريف.
إذ صوابه كما أثبتناه، انظر المغني لابن قدامة جـ8 ص 363 سطر 11
(1392) مر تخريجه قبل قليل
(1393) المغني لابن قدامة جـ8 ص 361
(1394) رواه أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي عن سمرة بن جندب، انظر مسند أحمد جـ5 ص 9 وهو منقطع فيه الحجاج بن أرطأة، قال عنه ابن حجر في التقريب: صدوق، كثير الخطأ والتدليس.
انظر تقريب التهذيب جـ1 ص 153.
(1395) للدكتور وهبة الزحيلي ص 110.
(1396) سورة التوبة 5
(1397) مر تخريجه قبل قليل
(1398) الحجاج بن أرطأة قاضٍ من البصرة، توفي عام 147 هـ، ومر بك قبل قليل ما قاله في ابن حجر العسقلاني في تقريب التهذيب جـ1 ص 153
(1399) سورة البقرة 190
(1400) آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ص 110
(1401) سورة البقرة 256
(1402) انظر: آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ص 111 وما بعدها
(فائدة)
اختلف الفقهاء في تحرير طبيعة الجهاد في الإسلام، أهو حرب دفاعية أم حرب هجومية، وقد أكثروا من الاستدلال لما ذهبوا إليه، وأورد كل منهم رأيه، منتصراً له بالأدلة، وسأورد في هذا المقام نقلاً لما قدمه كل فريق من الاستدلال ثم أعطف بتحرير ما أعتقده الحق في هذه المسألة والله أعلم.
قال ابن قدامة في المغني: (قال أحمد: إن الدعوة قد بلغت وانتشرت، ولكن إن جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك على هذه الصفة لم يجز قتالهم قبل الدعوة، وذلك لما روى بريدة قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا بعث أميراً على سرية أو جيش أمره بتقوى الله في خاصته وبمن معه من المسلمين وقال: “إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم
وكف عنهم: ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فادعهم إلى إعطاء الجزية، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم” رواه أبو داود ومسلم، وهذا يحتمل أنه كان في بدء الأمر قبل انتشار الدعوة وظهور الإسلام، فأما اليوم فقد انتشرت الدعوة فاستغنى بذلك عن الدعاء عند القتال، قال أحمد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يدعو إلى الإسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين وعلا الإسلام ولا أعرف اليوم أحداً يُدعى، قد بلغت الدعوة كل أحد، فالروم قد بلغتهم الدعوة وعلموا ما يراد منهم، وإنما كانت الدعوة في أول الإسلام، وإن دعا فلا بأس، وقد روى ابن عمر رضي الله عنه أن “النبي – صلى الله عليه وسلم – أغار على بني المصطلق وهم غارون آمنون وإبلهم تسقى على الماء فقتل المقاتلة وسبى الذرية” متفق عليه، وعن الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسأل عن الديار من ديار المشركين يبيتون، فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال: “هم منهم” متفق عليه، وقال سلمة بن الأكوع: “أَمَّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أبا بكر فغزونا ناساً من المشركين فبيَّتْناهم” رواه أبو داود. ويحتمل أن يحمل الأمر بالدعوة في حديث بريدة على الاستحباب، فإنها مستحبة في كل حال، وقد روى “أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر علياً حين أعطاه الراية يوم خيبر وبعثه إلى قتالهم أن يدعوهم وهم ممن بلغتهم الدعوة” رواه البخاري، ودعا خالد بن الوليد طليحة الأسدي حين تنبأ، فلم يرجع فأظهره الله عليه، ودعا سلمان أهل فارس. فإذا ثبت هذا فإن كان المدعو من أهل الكتاب أو مجوساً دعاهم إلى الإسلام، فإن أبوا دعاهم إلى إعطاء الجزية، فإن أبوا قاتلهم، وإن كانوا من غيرهم دعاهم إلى الإسلام، فإن أبوا قاتلهم، ومن قتل منهم قبل الدعاء لم يضمن، لأنه لا إيمان له ولا أمان، فلم يضمن كنساء من بلغته الدعوة وصبيانهم.
ثم استأنف ابن قدامة فقال: (ويقاتل أهل الكتاب والمجوس حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، ويقاتل من سواهم من الكفار حتى يسلموا) وجملته أن الكفار ثلاثة أقسام: (قسم) أهل كتاب وهم اليهود والنصارى ومن اتخذ التوراة والإنجيل كتاباً، كالسامرة والفرنج ونحوهم، فهؤلاء تقبل منهم الجزية ويقرون على دينهم إذا بذلوها، لقول الله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} (وقسم) لهم شبهة كتاب وهم المجوس، فحكمهم حكم أهل الكتاب في قبول الجزية منهم وإقرارهم بها، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “سنوا بهم سنة أهل الكتاب”، ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في هذين القسمين، (وقسم) لا كتاب لهم ولا شبهة كتاب، وهو من عدا هذين القسمين من عبدة الأوثان ومن عبد ما استحسن وسائر الكفار، فلا تقبل منهم الجزية ولا يقبل منهم سوى الإسلام، هذا ظاهر المذهب وهو مذهب الشافعي. وروى عن أحمد أن الجزية تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب. وهو مذهب أبي حنيفة لأنهم يقرون على دينهم بالاسترقاق فيقرون ببذل الجزية كالمجوس، وحكي عن مالك أنها تقبل من جميع الكفار إلا كفار قريش لحديث بريدة الذي في المسألة قبل هذه وهو عام ولأنهم كفار فأشبهوا المجوس.
ولنا عموم قوله تعالى: {اقتلوا المشركين} وقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله”)(1403)
وفي هذا المعنى يعرف الحنفية الجهاد بقولهم: هو الدعاء إلى الدين الحق وقتال من لم يقبله.(1404)
وقال الغنيمي الحنفي في اللباب: قتال الكفار واجب وإن لم يبدؤونا(1405)
وهذا الرأي لاشك يندرج في الآراء التي تجعل الحرب في الإسلام هجومية، بمعنى أن المبادرة فيها بيد الجماعة المسلمة، إذ هي التي تعلن الحرب لا بقصد رد العدوان، بل بقصد تحقيق استعلاء دين الحق في الأرض.
وفي مقابل ذلك فقد اختار بعض الفقهاء أن الحرب في الإسلام دفاعية بمعنى أن الحاكم المسلم لا يخول بإعلان حالة الحرب إلا حين وجود الحرابة من المشركين، أو التمهيد للعدوان والأذية.
وقد نقل القرطبي هذا القول عن محمد بن عبد العزيز وابن عباس ومجاهد، وذلك في معرض تصريحهم بأن آية {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم} غير منسوخة.(1406)
ويدل على ذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة التي دلت على استبقاء كثير من المشركين من أهل الكتاب وغيرهم، فمن الكتاب قوله سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون}(1407)
وقوله سبحانه وهو آخر ما نزل في أمر الجهاد: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه}(1408) الآية.
وقد روى الإمام أحمد بسنده عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: قدمت أمي وهي مشركة فأتيت النبي – صلى الله عليه وسلم – فقلت يا رسول الله، إنّ أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: “نعم صلي أمك”(1409)
وروي من حديث عبد الله بن الزبير قال: قدمت قتيلةُ بنتُ عبد العزّى على بنتها أسماء بنت أبي بكر بهدايا وثياب وسمن وأقط. فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها، فسألت عائشة لها النبي – صلى الله عليه وسلم – عن ذلك، فتلا عليها قول الله عز وجل: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم، إنّ الله يحب المقسطين}(1410)
وأظهر الأدلة على ذلك ما أخرجه الإمام البخاري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مات ودرعه مرهونة عند يهودي بصاع من شعير.(1411)
وقد نهج صاحب كتاب آثار الحرب في الفقه الإسلامي منهجاً متفرداً في تحرير هذه المسألة، فبعد أن فصل القول في اختيار القائلين بالدفاع والقائلين بالهجوم، انتهى إلى تقرير تفرد المنهج الإسلامي في تحرير طبيعة الجهاد وذلك بقوله:
(أما أن الجهاد: هل هو عمل دفاعي أو هجومي؟ فهذا تقسيم لا ينطبق على نظام الجهاد الإسلامي، لأن الإسلام لا يؤمن بالحروب الحديثة، حروب المطامع البشرية، التي أملت هذا التقسيم، ولا يصح أن يوصف الجهاد بأنه هجومي لأن الهجوم يعني الظلم، والجهاد عدل في الواقع، وقد يكون الجهاد مطلوباً إذا استبد الحكام بمصالح رعاياهم، وهنا يظهر المسلمون بأنهم دعاة إصلاح عام، وجند رسالة يبلغونها للناس على بينة وهدى، رغم معاندة بعض الظالمين، وقد يلتزم المسلمون جانب الدفاع فقط دون التقيد بحدود جغرافية مصطنعة، فالإسلام لا تحده حدود..)(1412)
ثم خلص إلى القول: (إن الجهاد الإسلامي من نوع خاص، ليس هجومياً ظالماً للعالم، وليس مجرد دفاع عن حدود الوطن والمصالح، فهو بكلمة موجزة: وسيلة في يد ولي الأمر لحماية نشر الدعوة، أو للدفاع عن المسلمين)(1413).
والذي أراه والله أعلم أن منشأ الخلاف هو عدم اتفاقهم على تحديد معنى الدفاع والهجوم، فالهجوم بمعنى البغي والعدوان لم يقره أحد، قال الله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلوكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}(1414)
والدفاع بمعنى الانتظار المحض حتى ينال العدو منا، لم يقل به أحداً أيضاً، قال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً}(1415).
فليس معنى الدفاع أن تقاتل بترس دون سيف، أو تنتظر غارة العدو، حتى يجتاح أرض الوطن، ويهلك الحرث والنسل ونحن غارون غافلون، نحسن الظن بالعدو ونلتمس له المعاذير.!
بل مقتضى الدفاع أن تقدم ساعة الإقدام وتحجم ساعة الإحجام، وتدرس نوايا عدوك، وتكشف طواياه وتدبيره، ففي عمل الدفاع كر وفر، ومصاولة ومنازلة، وإقحام وإحجام، ودرع وسيف، وحراب ورماح، وكل ذلك مقرر لدى الأمم كلها في نشاطها العسكري الدفاعي.
ففي كل وزارة دفاع في العالم دائرة عمليات واستطلاع وتجسس ومداهمة واقتحام، وكل ذلك يسمى نشاطاً دفاعياً.
وإذا تقرر ذلك فإني أعتقد أن سائر صنوف الجهاد في الإسلام، تندرج تحت إطار العمل الدفاعي بعد تحرير مناطه وتقرير مناشطه.
ففي بدر خرج النبي – صلى الله عليه وسلم – يريد عير قريش، وهو منطق دفاعي مبرر، إذ الأموال التي نتجتها القافلة هي متاع المسلمين
المهاجرين في مكة، ومن حقهم أن يحصلوا عليها بأي ثمن، ولما فرت القافلة حضرت قريش في جيش قوامه ثلاثة أضعاف جيش النبي – صلى الله عليه وسلم – وألجأته إلى حرب لم يكن قد قصدها ولا سعى إليها، ونذكر بهذه المناسبة أن بدر تبعد عن المدينة نحو 180 كم فيما تبعد عن مكة 260 كم، وذلك كله يكشف لك من هو الطرف الغازي في هاتين الجهتين.
وفي أحد اعتصم رسول الله بمدينته، ثم خرج إلى جبل أحد على بعد نحو أربعة أميال من المدينة يدفع عنها غارة قريش والأحابيش.
وفي الخندق اعتصم النبي – صلى الله عليه وسلم – في مدينته وخندق على نفسه، ولم يلق أذناً لاستفزاز قريش ولا لحماسة الشباب من أصحابه في عمل دفاعي صريح، استمر نحو أربعين يوماً، حتى رد الله الذين كفروا بغيظهم وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قوياً عزيزاً.
ولعل ما يشكل في هذا الباب هو خروجه (إلى حنين والطائف لملاقاة ثقيف وهوازن، ولكن قراءة سريعة لهاتين الغزوتين تظهر أن ثقيف وهوازن كانت قد جمعت حشوداً هائلة بغرض غزو مكة وإخراج النبي – صلى الله عليه وسلم -، حتى أصبح في وادي حنين ثلاثون ألفا من الحلفاء، كلهم مستعد للإغارة على مكة، فكان مقتضى الدفاع حينئذ أن يخرج إليهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بغارة الله فيصبحهم بعذاب وساء صباح المنذرين(1416).
وهكذا فإن استقراء فصول جهاد النبي – صلى الله عليه وسلم – يكشف لك أنه لم يخرج في سائر غزواته(1417) إلا في هذا الإطار الدفاعي كما اصطلح عليه أهل الخبرة، وهذا يقوي ما ذهب إليه النووي في شرح صحيح مسلم من تحديد علة القتال في الإسلام بظهور الحرابة من العدو.
ثمرة الخلاف: أطلنا في هذه المسألة من نقل الأقوال والاختيارات من السلف والخلف في تحرير علة الجهاد ومناطه، ولا شك أن هذه النقول والاستدلالات قد كشفت لك عن كثير من ثمرات تعدد القراءة.
وأشير في هذا المجال أيضاً إلى أن ورود القراءة بالكسر والفتح {يقاتِلون} و{يقاتَلون} أفادنا معنىً جديداً، وهو أن المقاتِل قد يكون مظلوماً أيضاً، كما هو الحال في (المقاتَل)، وهكذا فإنه ليس ثمة صورة واحدة لطبيعة الحرب في الإسلام، إذ الأمور بمقاصدها، وسواء كان الرجل مقاتِلاً أو مقاتَلاً، فإن تقرير كونه ظالماً أو مظلوماً، يحدد بدوافعه إلى القتال والظروف التي أحاطت به.
وهذا يقوي ما ذهب إليه أستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي أن الجهاد في الإسلام لا يوصف بأنه دفاعي ولا هجومي، بل هو من نوع خاص، ليس هجومياً ظالماً للعالم، وليس مجرد دفاع عن حدود الوطن والمصالح(1418).
وكذلك فإن الإذن بالقتال للمقاتلين مقيد بكونهم ظلموا: {بأنهم ظلموا}، وهذا يقوي أيضاً ما أورده الدكتور وهبة الزحيلي من أن علة المقاتلة إنما هي ظهور الحرابة والظلم من العدو(1419).
————
(1403) المغني لابن قدامة جـ8 ص 362
(1404) رد المحتار على الدر المختار جـ4 ص 120، وقال في الحاشية (الصفحة نفسها): الحدود إخلاء عن الفسق، والجهاد إخلاء عن الكفر.
(1405) اللباب في شرح الكتاب جـ4 ص 115، وقال في الحاشية بعد ذلك: للنصوص العامة.
(1406) تفسير الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ4 ص 348.
(1407) سورة الممتحنة، الآية 8.
(1408) سورة التوبة، الآية 6، انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ8 ص 77
(1409) رواه أحمد في مسنده عن أسماء بنت أبي بكر جـ6 ص 344، وسائر رواته ثقات، على شرط البخاري
(1410) سورة الممتحنة (8)، والحديث برواية الحاكم في المستدرك كتاب التفسير، سورة الممتحنة.
(1411) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 89، انظر فتح الباري جـ1 ص 99. ورقم الحديث في البخاري 2916.
(1412) آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ص 124
(1413) المصدر السابق نفسه والصفحة نفسها.
(1414) سورة البقرة 191
(1415) سورة النساء
(1416) انظر سيرة ابن هشام وبحاشيتها الروض الأنف ج 3 ص 29
(1417) انظر سيرة ابن هشام وبحاشيتها الروض الأنف ج 3 ص 29
(1418) انظر آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ص 124
(1419) المصدر السابق نفسه والصفحة نفسها.
المسألة السادسة
قوله تعالى: {فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون} التوبة ـ12 –
قرأ ابن عامر: {إنهم لا إيمان لهم} بكسر الألف أي لا إسلام ولا دين لهم.
وقال آخرون: معناه لا أمان لهم مصدر (آمنته إيماناً) المعنى: إذا كنتم أنتم آمنتموهم فنقضوا هم عهدهم فقد بطل الأمان الذي أعطيتموهم.
وقرأ الباقون: {لا أيمان لهم} بالفتح جمع يمين.
وحجتهم قوله: {اتخذوا أيمانكم جنة}(1420) وهو الاختيار، لأنه في التفسير لا عهود لهم ولا ميثاق ولا حلف، فقد وصفهم بالنكث في العهود(1421).
وثمرة الخلاف: أن علة مقاتلة المشركين هي الكفر كما قررتها قراءة ابن عامر، وهي متواترة.
وقد بينت قراءة الجمهور معنى آخر لقتال المشركين وهو أنهم لا أيمان لهم ولا عهود ولا ميثاق ولا حلف
والجمع بين القراءتين أن قراءة ابن عامر تقرير لعلة القتال(1422)، فيما كانت قراءة الجمهور وصفاً لأحوال المشركين حين قتالهم، أو حين الأمر بقتالهم، والله أعلم
————
(1420) سورة المنافقون ـ3 –
(1421) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 365، وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 236. وعبارة الشاطبي: ويكسر لا إيمان عند ابن عامر………….
(1422) انظر ما أوردناه في مبحث علة القتال ص 714
المسألة السابعة
قوله تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا} الأنفال ـ72 –
قرأ حمزة: {ما لكم من وِلايتهم} بكسر الواو، وهي مصدر (وليت الشيء ولايةً، ووالٍ حسن الولاية. قال الفراء: {ما لكم من ولايتهم} يريد: من ميراثهم، وكسر الواو في الولاية أعجب إليَّ من فتحها، لأنها إنما يفتح أكثر ذلك إذا كان في معنى (نصرة) قال: فكان الكسائي يفتحها ويذهب بها إلى النصرة ولا أراه علم التفسير ويختارون في (ولَّيته ولاية) الكسر.
وقرأ الباقون: {من وَلايتهم} بالفتح أي: من نصرهم.
والعرب تقول: (نحن لكم على بني فلان ولاية) أي أنصار(1423).
وثمرة الخلاف: أن الآية نفت عن المسلمين وجوب النصرة لمن آمن ولم يهاجر، ونفت عنهم أيضاً حق الإرث فيهم، فكأنها قالت: ما لهم عليكم نصرة، وما لكم فيهم من ميراث، ولا يؤخذ هذان الحكمان من قراءة واحدة بل من القراءتين معاً.
وقد أُحْكِمتْ قراءة الجمهور، فيما نسخ حكم قراءة حمزة بعد أن عمل بها المسلمون زمناً حين أنزل الله توريث ذوي الأرحام.
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، فآخى بين حمزة بن عبد المطلب وبين زيد بن حارثة، وبين عمر بن الخطاب ومعاذ بن عفراء، وبين الزبير بن العوام وعبد الله بن مسعود، وبين أبي بكر الصديق وطلحة بن عبيد الله، وبين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، وقال لسائر أصحابه تآخوا وهذا أخي يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: فأقام المسلمون على ذلك حتى نزلت سورة الأنفال، وكان مما شدّد الله به عقد نبييه (قول الله تعالى: {إن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا} إلى قوله: {لهم مغفرة ورزق كريم}
فأحكم الله تعالى بهذه الآيات العقد الذي عقد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أصحابه من المهاجرين والأنصار يتوارث الذين تآخوا دون من كان مقيماً بمكة من ذوي الأرحام والقرابات فمكث الناس على ذلك العقد ما شاء الله.
ثم أنزل الله الآية الأخرى. فنسخت ما كان قبلها فقال: {والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} رجع كل رَجُلٍ إلى نسبه ورحمه وانقطعت تلك الوراثة.(1424)
والخلاصة أن الآية يفهم منها معنيان:
الأول: الميراث هو قراءة الكسر.
الثاني: النصرة وهو قراءة الخفض.
فالأول باقٍ تلاوة منسوخ حكماً والثاني باقٍ تلاوة وحكماً.
وهذا القول بأن الولاية بالكسر محمولة على الميراث، هو الذي دل عليه السياق واختاره جماهير المفسرين والنحاة، كما نقلنا عن الفراء لكن نقل القرطبي هذه القراءة وعزاها إلى يحيى بن وثاب والأعمش أيضاً ثم قال: قيل هي لغة في الولاية، ثم قال: والفتح في هذا أبين وأحسن، لأنه بمعنى النصرة والنسب، وقد تطلق الولاية بمعنى الإمارة(1425).
وكذلك فإن القاضي ابن العربي نقل المعنيين جميعاً من قراءة واحدة وهي قراءة الفتح فقال: مالكم من ولايتهم من شيء: قبل من النصرة لبعد دارهم، وقيل: من الميراث لانقطاع ولايتهم.
وللإمام الرازي الجصاص تحرير لطيف في هذه المسألة لكنه لم يتطرق فيه لأمر القراءة كأنه كان يرى أنهما لغتان في معنى التوارث، وهاك نصه:
اختلف السلف في أن التوارث كان ثابتاً بينهم بالهجرة والأخوة التي آخى بها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعينهم دون الأرحام، وأن ذلك مراد هذه الآية، وأن قوله تعالى: {أولئك بعضهم أولياء بعض}(1426) قد أريد به إيجاب التوارث بينهم، وأن قوله:
{ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}(1427) وقد نفى إثبات التوارث بينهم بنفيه المولاة بينهم، وفي هذا دلالة على أن إطلاق لفظ المولاة يوجب التوارث وإن كان قد يختص به بعضهم دون جميعهم، على حسب وجود الأسباب المؤكدة له، كما أن النسب سبب يستحق به الميراث، وإن كان بعض ذوي الأنساب أولى به في بعض الأحوال لتأكد سببه، وفي هذا دليل على أن قوله تعالى {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً} (1428) موجب لإثبات القود لسائر ورثته وأن النساء والرجال في ذلك سواء لتساويهم في كونهم من مستحقي ميراثه، ويدل أيضاً على أن الولاية في النكاح مستحقة بالميراث، وإن قوله (: “لا نكاح إلا بولي”(1429) مثبت للولاية لجميع من كان من أهل الميراث على حسب القرب وتأكيد السبب وأنه جائز للأم تزويج أولادها الصّغار إذا لم يكن أب، على ما يذهب إليه أبو حنيفة إذ كانت من أهل الولاية في الميراث.
وقد كانت الهجرة فرضاً حين هاجر النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى أن فتح النبي – صلى الله عليه وسلم – مكة فقال: “لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية”(1430) فنسخ التوارث بالهجرة بسقوط فرض الهجرة وأثبت التوارث بالنسب بقوله تعالى:
{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}(1431) قال الحسن(1432): كان المسلمون يتوارثون بالهجرة حتى كثر المسلمون فأنزل الله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض}(1433) فتوارثوا بالأرحام(1434).
————
(1423) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 314
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 236
وعبارة الشاطبي:
ولا يتهم بالكسر فز وبكهفه شفا……………….
(1424) انظر الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي ط دار المعرفة جـ3 ص 205
ورواه كذلك ابن جرير الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ومن طريق قتادة، وانظر كذلك فتح الباري للحافظ ابن حجر جـ8 ص 249
(1425) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ8 ص 56
(1426) سورة الأنفال 75
(1427) سورة الأنفال 72
(1428) سورة الإسراء 33
(1429) أخرجه أحمد عن عمران بن حصين مرفوعاً، ورواه أحمد وأصحاب السنن أيضاً عن أبي موسى الأشعري، وصححه الترمذي وابن حبان بلفظ: “لا نكاح إلا بولي”. كشف الخفاء جـ2 ص 369
(1430) أخرجه أبو نعيم في الحلية، وتمامه: لا هجرة بعد الفتح إنما هو الإيمان والنية والجهاد، متعة النساء حرام، متعة النساء حرام، متعة النساء حرام. انظر كنز العمال جـ10 ص 500
(1431) سورة الأنفال 75
(1432) هو الحسن البصري، الإمام التابعي المشهور، سبقت ترجمته.
(1433) سورة الأنفال 75
(1434) أحكام القرآن للرازي الجصاص جـ3 ص 75
المسألة الثامنة
قوله تعالى: {وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً}
النساء ـ135 –
قرأ حمزة وابن عامر: {وإن تَلُوا أو تعرضوا} بضم اللام.
وقرأ الباقون {وإن تَلْوُوا} بواوين من (لويت فلانا حقَّه ليَّا) أي دافعته وماطلته. يقال لوى فلاناً غريمه.
قال أبو عبيدة: يقال: (رجل ليان وامرأة ليانة) أي مماطلة. فمعنى {تلووا} تدافعوا وتمطلوا.
وحجتهم في ذلك ما جاء في التفسير: (إن لوى الحاكم في قضيته فإن الله كان بما تعملون خبيراً) وأخرى: روى ابن جريح عن مجاهد(1435): {وإن تلووا} أي تبدلوا الشهادة {أو تعرضوا} أي تكتموها.
فذهب مجاهد: أنّ هذا الخطاب من الله جل وعز للشهداء لا للحكام.
وأصل الكلمة: (تلويوا) فاستثقلوا الضمة على الياء فحذفوها، وحذفت الياء لالتقاء الساكنين. ثم ضموا الواو لمجاورتها الثانية.
ومـن قـرأ بـواو واحـدة ففيـه وجهــان:
أحدهما: أن يكون أصله (تَلْوُوا) فأبدل من الواو المضمومة همزة فصار (تلؤوا) بإسكان اللام، ثم طرحت الهمزة وطرحت حركتها على اللام فصار (تَلُوْا) ويجوز أن يكون من (الولاية) من قولك (وليت الحكم والقضاء بين الرجلين) أي: (إن قمتم بالأمر أو أعرضتم فإن الله كان بما تعملون خبيراً)
والأصــل (تُـوْلِيُــوا) فحـذفت الـواو كمـا حذفنـا مـن (يعـد) وكان أصلها (يوعد) فصـار (تَلِيـوُا) ثـم حذفنـا اليـاء ونقلنـا الضمـة إلى اللام فصـار (تلُـوا)(1436).
ثمرة الخلاف: أن الله خبير يحاسب العباد إذا ظهر منهم اللَّيُّ وهو المماطلة، أو الإعراض وهو إنكار الدين بالكلية، وهو ما دلت عليه قراءة الجمهور.
وهو كذلك خبير يحاسب الخلق إن ولوا شيئاً من أمر المسلمين، أو أعرضوا عن أداء واجبهم في الولاية، وهو ما دلت عليه قراءة حمزة وابن عامر.
لكن نقل القرطبي عن النحاس أن القراءتين وجهان لمعنى واحد، وعبارته: (ليس يلزم هذا (أي تفاوت المعاني أو إنكار إحدى القراءتين) ولكن تكون (تلوا)
بمعنى (تلووا) وذلك أن أصله (تلووا) فاستثقلت الضمة على الواو، بعدها واو أخرى، فألقيت الحركة على اللام وحذفت إحدى الواوين لالتقاء الساكين، وهي كالقراءة بإسكان اللام وواوين)(1437)
ومذهب النحاس هذا نقله القرطبي أيضاً عن ابن العربي وعن مكي، وهو شبيه بما قدمناه نقلاً عن أبي زرعة(1438).
————
(1435) انظر الدر المنثور للسيوطي ط دار المعرفة جـ2 ص 234
وفيه أيضاً: قال ابن عباس: هي أن تلوي لسانك بغير الحق وهي اللجلجة، فلا يقيم الشهادة على وجهها، والإعراض الترك.
(1436) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ط مؤسسة الرسالة ص 216
وانظر سراج القاري لابن القاصح العذري ط البابي الحلبي ص 195
وعبارة الشاطبي: وتلووا بحذف الواو الأولى ولامه فضم سكوناً لست فيه مجهَّلا
(1437) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ط دار الكاتب العربي جـ5 ص 414
(1438) المصدر السابق نفسه.
المسألة التاسعة
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء}(1439)
قرأ أبو عمرو ويعقوب والكسائي: {والكفارِ أولياء} بخفض الراء
وقرأ الباقون: {والكفارَ أولياء} بفتح الراء(1440)
فتكون قراءة الأولين بالخفض على تقدير (من) عاطفة، أي من الذين أوتوا الكتاب ومن الكفار.
وتكون قراءة الباقين بالفتح على أن (الكفار) معمول(لا تتخذوا) فتنصب به في محل المفعولية(1441).
ومؤدى قراءة أبو عمرو والكسائي أن كلاً من أهل الكتاب والكفار قد اتخذوا الدين هزواً ولعباً، فيما تدل قراءة الباقين أن المتصف بذلك هم أهل الكتاب وحدهم مع اشتراك القراءتين في التحذير من اتخاذ أي من الفريقين أولياء من دون المؤمنين.
ثمرة الخلاف: تبدو دلالة العبارة متحدة في كلا القراءتين، إذ مؤداهما إلى النهي عن موالاة الكفار واحد، إذا اتخذوا ديننا هزواً ولعباً.
ولكن دلالة الإشارة تختلف في الخبر، إذ تجعل الأولى (بالخفض) فريقاً من الكفار منهياً عن موالاته وهم الذين اتخذوا ديننا هزواً ولعباً، فيما تجعل الثانية (بالنصب) سائر الكفار منهياً عن موالاتهم، ولو لم يظهر منهم هزؤ ولعب بديننا وشريعتنا.
ولا شك أن هذا الاختصاص قيمته في التوكيد والتنبيه ليس إلا، وقد جاء التنزيل العزيز بالنهي عن موالاة سائر اليهود والنصارى وسائر المشركين في مقام آخر، قال الله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء، بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}(1442)
————
(1439) سورة المائدة ـ57 –
(1440) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 18
وعبارة طيبة النشر:
……………………….. وخفض والكفار ميم حما عبد
(1441) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة 230
(1442) سورة المائدة 51
(فائدة)
يتحدث بعض المؤلفين عن الولاء والعداء وكأنهما مفهومين متناقضين، بحيث لا يتصور اجتماعهما، ولا يتصور ارتفاعهما، على قواعد النقيض في المنطق، فمن لم يكن ولياً كان عدواً، ومن لم يكن عدواً كان ولياً(1443).
والحق إن إطلاق مثل هذا الفهم من غير تمييز فيه إجحاف لما فصل فيه القرآن القول، إذ يظهر لك من استقراء الآيات في القرآن الكريم أن مفهوم العداء والولاء من باب الضد وليس من باب النقيض، فالضدان لا يتصور اجتماعهما، ولكن يتصور ارتفاعهما، بخلاف النقيضين اللذين لا يتصور اجتماعهما ولا ارتفاعهما.
وهكذا فإنه لا يمكن أن يجتمع العداء والولاء لأنهما ضدان، ولكن يمكن أن يرتفعا جميعاً، فهناك ولي، وهناك عدو، وهناك من لا يوصف بأنه ولي ولكن لا يوصف أيضاً بأنه عدو.
ففي الولاء قال الله عز وجل:
{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}(1444).
وفي العداء قال الله عز وجل:
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}(1445)
{يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء }(1446)
وثمة فريق ليسوا أولياء ولا أعداء، فليس أهل الكتاب سواء في عقائدهم وسلوكهم وحربهم على الإسلام، وفي التنزيل العزيز:
{ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين}(1447).
فالفريق الأول أهل الولاء تتأسس علاقتنا بهم على أساس الولاء والنصرة.
والفريق الثاني أهل العداء تتأسس علاقتنا بهم على أساس العداء.
وأما الفريق الثالث فتتأسس علاقتنا بهم على أساس البر والقسط، كما قال الله سبحانه: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}(1448).
————
(1443) انظر مثلاً كتاب: العداء والولاء لعبد الله بن إبراهيم الطريقي، إصدار معهد العلوم الإسلامية والعربية في واشنطن ـ أمريكا.
(1444) سورة التوبة 71
(1445) سورة الممتحنة ـ1 –
(1446) سورة المائدة ـ51 –
(1447) سورة آل عمران 109
(1448) سورة الممتحنة ـ6 -
المسألة العاشرة
قوله تعالى: {والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}(1449)
قرأ حمزة: {مالكم من وِلايتهم من شيء}
وقرأ الباقون: {مالكم من وَلايتهم من شيء}(1450)
وتتجه قراءة حمزة بكسر الواو إلى معنى الميراث، أي ليس لكم من ميراثهم شيء حتى يهاجروا، وقد صرح بذلك الفراء (1451)، وأنكر الكسائي ما ذهب إليه من تأويل قراءة الفتح بالنصرة، وكان يقول: ولا أراه علم التفسير.
ذلك أن سائر المفسرين تأولوا الآية على أنها الميراث وهو إنما يقال له وِلاية وليس وَلاية، أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله تعالى:
{ والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا}، قال: نزلت هذه الآية فتوارثت المسلمون بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من المهاجر المسلم شيئاً، حتى نسخ بعد في سورة الأحزاب:
{وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} الأنفال ـ75 – فخلط الله بعضهم ببعض، وصارت المواريث بالملل(1452).
وبمثل هذه الرواية جمع السيوطي في الدر المنثور روايات عن أبي حاتم وابن مردويه وأبي عبيدة وأبي داود وابن أبي حاتم(1453).
وأما القراءة بالفتح فإن الغالب ورودها بمعنى النصرة، ولكن جمهور المفسرين اختاروا أنها بمعنى الإرث لوجوه ثلاثة:
أولها: أن سياق الآيات إنما هو في قضايا تتصل بالإرث، وقد جاءت الآية الخاتمة في السورة برد الإرث إلى أولي الأرحام، بقوله تعالى:
{وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}(1454)
ثانيها: لو كانت الآية بمعنى النصرة لوجب أن تكون:
{والذين آمنوا ولم يهاجروا مالهم من ولايتكم من شيء} إذ هي خطاب تكليفي للمؤمنين، فلما جاءت الصيغة عكس ذلك، دل على أنها في غير النصرة، {مالكم من ولايتهم من شيء}
ثالثها: الرواية عن الصحابة، وقد قدمت لك طرفاً مما جمعه السيوطي في ذلك(1455)، وأنها نزلت فيما كان من التوارث بين المؤمنين، فنسخ برد المواريث إلى القرابات.
ومع ذلك فقد اختار أبو بكر الأصم أن الآية محكمة غير منسوخة، وأن المراد بالولاية النصرة والمظاهرة(1456).
ونقل القرطبي نقلا غير معزو لأحد أنه ليس في الآية نسخ، إنما هي بمعنى النصرة والمعونة(1457).
وثمرة الخلاف: وتظهر ثمرة الخلاف في أن الله عز وجل أسقط على المسلم الذي لم يهاجر حق النصرة وحق الميراث، فمن جزم أن الكسر يدل على الميراث وجبه أن يقبل الفتح أيضاً دليلاً على النصرة لثبوت التواتر، وهكذا فلا مناص للقول بأن الآية في نفي التوارث فقط بدليل قراءة الكسر، بل لا بد من نفي النصرة أيضاً بدليل قراءة الفتح المتواترة.
وأما من جعلهما لغتين في النصرة كأبي حاتم الأصم وابن بري ومن قبلهم سيبويه الذي قال: الولاية بالفتح المصدر، وبالكسر الاسم، مثل الإمارة والنقابة(1458)، فإن مذهبهم هذا يجعل الخلاف هنا بلا ثمرة لأنهما لغتان في معنى واحد.
وأظهر تطبيقات ثمرة الخلاف هنا إلزام الكسائي بقبول دلالة الآية على نفي التوارث لأنه كان يجزم بالنصب على معنى النصرة، فحيث ثبت التواتر في قراءة الكسر وجب إلزامه بها أيضاً.
قال الفراء: مالكم من ولايتهم من شيء، أي مالكم من مواريثهم من شيء، فكسر الواو هنا أعجب إلي من فتحها، لأنها إنما تفتح أكثر ذلك إذا أريد بها النصرة، وقال: كان الكسائي يفتحها ويذهب بها إلى النصرة، وقال الأزهري: ولا أظنه علم التفسير أي الروايات(1459).
————
(1449) سورة الأنفال 72
(1450) شرح ابن القاصح على الشاطبية ص 236 المسمى سراج القاري
وعبارة الشاطبية: ولايتهم بالكسر فز وبكهفه شفا ومعاً إني بياءين أقبلا
(1551) لسان العرب لابن منظور جـ15 ص 407 مادة ولي، وانظر حجة القراء لأبي زرعة بن زنجلة ص 314
(1452) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جـ3 ص 206، وأراد بقوله الملل أن لا يرث كافر مسلماً.
(1453) المصدر السابق نفسه
(1454) سورة الأنفال
(1455) الدر المنثور في التفسير بالمأثور جـ3 ص 206
(1456) التفسير المنير للدكتور الزحيلي جـ10 ص 82
(1457) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ8 ص 56
(1458) لسان العرب لابن منظور جـ15 ص 407 مادة ولي.
(1459) المصدر السابق نفسه.
المسألة الحادية عشرة
قوله تعالى: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون}(1460)
قرأ حمزة وشعبة وخلف: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السِّلم} بكسر السين
وقرأ الباقون: {فلا تهنوا وتدعوا إلى السَّلم} بفتح السين(1461)
وأهل التأويل متفقون في هذا الموطن على أنهما لغتان لمعنى واحد وهو الاستخذاء والاستسلام والانقياد(1462)، وإن اختلفوا في غيره من المواطن(1463).
فقد مر بك في تأويلهم لقوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}(1464) أن تعدد القراءات هنا يلزم منه تعدد المعاني، فهي في البقرة دعوة إلى الدخول في الإسلام وإلى الدخول في المصالحة(1465)، كل قراءة أدت معنى منهما.
وهكذا فإن اتفاقهم في هذا الموطن على توحيد معنى السلم بالكسر والفتح يجعل تعدد القراءات هنا بغير ثمرة ظاهرة من جهة تحرير الحكم الشرعي.
ولكنني أوردت هذه الآية لأنبه إلى أمرين اثنين:
الأول: نقل أبو زرعة في حجة القراءات أن {السلم} بالكسر الإسلام(1466)، وأشار إلى تواتر هذه القراءة!..
وهذا النقل من أبي زرعة عجيب، إذ يكون مؤدى الآية حينئذ النهي عن الدعوة إلى الإسلام، وهو قول غريب لا يمكن أن يصدر عن أحد من أهل العلم.
وقد تلمست معرفة سبب ذلك النقل ومصدره، فلم أجد في ذلك إشارة لسابق أو تبريراً للأحق، وتلمست له تأويلاً بجعل الواو هنا حالية لا عاطفة على معنى: {فلا تهنوا وأنتم تدعون إلى السلم} ولكن ذلك لا يستقيم مع الجزم في (وتدعوا) الذي هو قراءة سائر العلماء والقراء..!.
وبعد بحث استغرق وقتاً طويلاً فإني أقول في هذا المقام، تبارك الذي لم يكتب العصمة إلا لكتابه، وجل من لا يسهو ولا ينسى، وهذا أبو زرعة على جلالة علمه وعظيم تحصيله وقع في خطأ يتنزه عنه صغار الطلبة(1467)، فيجب التنبيه إلى ذلك، والكامل الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الثاني: هل يلزم من هذه الآية النهي عن السلم مطلقاً بحيث تحرم المهادنة بين المسلمين والمشركين في كل حال، فتكون هذه الآية ناسخة لآية البقرة الداعية إلى الدخول في السلم كافة؟
أم هل تكون آية البقرة الداعية إلى الدخول في السلم ناسخة لهذه الآية في دلالتها على تحريم الدعوة إلى السلم؟
الجواب على ذلك وبالله التوفيق أن النسخ هنا غير متوجه، إذ لم تكتمل آلته وشروطه، فمن شرط النسخ معرفة المتقدم، وعدم إمكان الجمع بين النصين.
وها هنا فإن معرفة المتقدم والمتأخر من النصين غير متحققة بيقين، أما الجمع بين النصين فهو ممكن غير متعذر، وقد تكفل أستاذنا الزحيلي في التفسير المنير ببيانه حيث قال: لا تجوز الدعوة إلى السلم والمصالحة أو المهادنة تذللاً وإظهاراً للضعف ما دام المسلمون أقوياء، وإن حدثت الغلبة من الأعداء في الظاهر في بعض الأحوال، فإن الله ناصر المؤمنين، ولن ينقصهم شيئاً من أعمالهم.
فإذا عجز المسلمون لضعفهم عن مقاومة الأعداء جازت مهادنة الكفار عند الضرورة.
وكذلك إذا رأى الإمام مصلحة في المهادنة، فله أن يفعل ذلك، كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – في صلح الحديبية مع المشركين مدة عشر سنين.
إما إن طلب المشركون الصلح بحسن نية من غير خداع فلا بأس بإجابتهم، لقوله تعالى: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله}. وعلى هذا يكون كل من الآيتين: {فلا تهنوا} {وإن جنحوا للسلم} محكمة وغير منسوخ إحداهما بالأخرى كما قال بعضهم، فهما نزلتا في وقتين مختلفي الحال، فالأولى في حال قوة المسلمين، والثانية حال طلب الأعداء للصلح}.(1468)
وشبيه بهذا الرأي ما حرره الشوكاني في فتح القدير بقوله: (فلا يخفاك أنه لا مقتضى للقول بالنسخ، فإن الله سبحانه نهى المسلمين في هذه الآية عن أن يدعوا إلى السلم ابتداء، ولم ينه عن قبول السلم إذا جنح إليه المشركون، فالآيتان محكمتان ولم يتواردا على محل واحد حتى يحتاج إلى دعوى النسخ أو التخصيص}.(1469)
————
(1460) سورة محمد ـ35 –
(1461) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 174
وعبارة طيبة النشر:
……………………….. وفتح السلم حرم رشفا
عكس القتال………………………………….
فقد أخبر ابن الجزري أن القراء قرؤوا في البقرة بالفتح، وعكسوا في سورة القتال ـ أي سورة محمد – صلى الله عليه وسلم – (1462) لسان العرب لابن منظور جـ12 ص 293 مادة سلم.
وانظر الكشاف للزمخشري جـ3 ص 539
(1463) انظر ص 692 من هذا البحث، حيث حررنا اختلافهم في تحديد معنى السلم في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة}
(1464) المصدر نفسه، والصفحة نفسها.
(1465) وهو اختيار قتادة من التابعين كما قدمناه.
(1466) حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة ص 670
(1467) أغلب الظن أن ذلك خطأ من الناسخ، إذ كتب الإسلام بدلاً من الاستسلام. ولكن وهـل عنـه الـمحــقـق أيضاً.
(1468) التفسير المنير للدكتور الزحيلي جـ26 ص 135
(1469) فتح القدير للشوكاني جـ5 ص 41
المبحث السادس: في الأَيمان
المسألة الأولى
قوله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام}(1470)
قرأ حمزة: {والأرحامِ} بالخفض
وقرأ الباقون: {والأرحامَ} بالنصب(1471)
وتتجه قراءة حمزة إلى العطف على تقدير الخافض أي: تسألون به وبالأرحام، فيما يرى سائر القرار لزوم النصب على تقدير: واتقوا الله ـ أن تعصوه واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
وقد ثار خلاف قديم حول قراءة حمزة قبل ثبوت تواترها، فأنكرها جماعة من المفسرين والنحاة.
قال الزجاج: الخفض في {الأرحام} خطأ في العربية، لا يجوز إلا في اضطرار الشعر، وخطأ في الدين لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا تحلفوا بآبائكم” (1472)، ثم ناقش الأمر من جهة اللغة فقال: أما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الخفض إلا بإظهار الخافض، فلا تقول: مررت به وزيد، ومررت بك وزيد، إلا مع إظهار الخافض: مررت بك وبزيد(1473).
وقال المازني: الثاني في العطف شريك الأول، فإن كان الأول يصلح أن يكون شريكاً للثاني، وإلا لم يصلح أن يكون الثاني شريكاً له، فكما لا تقول: (مررت بزيد وكَ) فكذلك لا تقول: (مررت بك وزيد)(1474).
وقد اشتد قوم في إنكار قراءة حمزة، حتى قال المبرد: (لو صليت خلف إمام يقرأ: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحامِ} لأخذت نعلي ومضيت)(1475)
ولا يخفى أن هذا الإنكار إنما يسمع قبل ثبوت التواتر، أما بعد ثبوته فإن أعظم حجة في العربية إنما هو ورودها في التنزيل وقراءة النبي – صلى الله عليه وسلم – لها.
وقد احتج من قرأ بالخفض بتواتر الإسناد وهو أقوى الأدلة بلا مراد، وكذلك احتجوا بأن عبد الله بن مسعود كان يقرؤها: {واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام}(1476) على سبيل التفسير والإيضاح.
كذلك فإن إنكار عطف الظاهر على المضمر ليس في مطلق الأحوال، وإنما ينكر عطف الظاهر على المضمر إذا لم يجر له ذكر، فتقول: (مررت به وزيد) فذلك غير مستقيم، أما إن تقدم للهاء ذكر فهو حسن، وذلك مثل: (عمرو مررت به وزيد) فكذلك الهاء في قوله: {تساءلون به} تقدم ذكرها وهو قوله تعالى:
{واتقوا الله}(1477).
وأما ورود ذلك في الشعر فهو غير منكر مطلقاً كقول الأعشى:
فاليوم أصبحت تهجونا وتشتمنا فاذهب.. فما بك والأيام من عجب(1478)
ويجاب أيضاً عن دعوى ردّ قراءة حمزة، بأن تحريم الحلف بغير الله ليس محل إجماع، بل الإجماع أنه لا ينعقد (1479)، وعدم انعقاده شيء، ومنع التلفظ به شيء آخر، وفرق كبير بين المسألتين.
إلى ذلك فقد روى الشيخان وأحمد عن طلحة بن عبيد الله أن النبي – صلى الله عليه وسلم -: أتاه أعرابي فسأله مسائل.. فلما انصرف قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (أفلح وأبيه إن صدق)(1480).
واستدلوا لذلك بما جاء في القرآن من قسم بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في قوله سبحانه:
{لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون}(1481)
وكذلك في قوله: {والقرآن الحكيم}(1482)
{والصافات صفاً * والزاجرات زجزاً * فالتاليات ذكراً}(1483)
{والذاريات ذرواً * فالحاملات وقراً * فالجاريات يسراً}(1484)
{والتين والزيتون * وطور سينين *وهذا البلد الأمين}(1485)
ومثل ذلك في القرآن كثير، ولم يرد مخصص ظاهر في هذا السبيل.
وفي حديث أبي العشراء قال (: “وأبيك.. لو طعنت في فخذها لأجزأك”(1486).
ولكن الفقهاء يرون أن المخصِّص هو السنة، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أدرك عمر بن الخطاب في ركب، وعمر يحلف بأبيه، فناداهم رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت”(1487) وهذا حصر في عدم الحلف بكل شيء سوى الله تعالى وأسمائه وصفاته.
وأجابوا عن قوله (: “أفلح وأبيه إن صدق” بأنه ورد قبل النهي عن الحلف بالآباء، وكذلك حديث أبي العشراء(1488).
وهذا النهي يؤدي بالإجماع إلى عدم انعقاد اليمين، ولكن هل يدل على تحريمه؟
لا خلاف إن قصد تعظيم المحلوف وتقديسه وإحلاله محل الله عز وجل فهو شرك وكفر، وعليه تحمل الأحاديث الشديدة في ذلك(1489): “من حلف بغير الله فقد أشرك”(1490) “لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت”(1491)
أما إن كان مما يجري به اللسان، ولا يقصد المرء إيقاعه، فغاية القول فيه أن لا ينعقد، وقد كرهه الفقهاء، وقال الشافعي أخشى أن يكون معصية، ولا يجب عليه كفارة(1492).
ونقل الزحيلي الإجماع على عدم انعقاده بقوله: (إذا حلف الإنسان بغير الله تعالى كالإسلام أو بأنبياء الله تعالى أو بملائكته… أو بالصحابة أو بالسماء أو بالأرض أو بالشمس أو بالقمر والنجوم ونحوها مثل: لعمرك وحياتك وحقك فلا يكون يميناً بإجماع العلماء وهو مكروه)(1493).
واختار الشافعية كذلك المنع من الحلف بغير الله، قال السيد البكري: (لا ينعقد اليمين إلا باسم خاص بالله تعالى أو صفاته؟: والله والرحمن والإله ورب العالمين وخالق الخلق).
ثم قال: (فإذا قصد تعظيم المحلوف به فقد كفر لخبر: “من حلف بغي الله فقد كفر)(1494) فإن لم يقصد ذلك أثم أكثر العلماء أي تبعاً لنص الشافعي الصريح فيه (1495)، كذا قاله بعض شراح المنهاج(1496)، والذي في شرح مسلم(1497) عن أكثر أصحاب الشافعي الكراهة، وهو المعتمد، وإن كان الدليل ظاهراً في الإثم، قال بعضهم: وهو الذي ينبغي العمل به في غالب الأعصار)(1498).
وكذلك فقد رد الشافعية على من استدل بما في القرآن من القسم بالمخلوقين، قال البكري: (ولا يرد على ذلك أنه ورد في القرآن الحلف بغير الله تعالى، كقوله تعالى: والشمس، والضحى، لأنه على حذف مضاف، أي: ورب الشمس مثلاً، وإن ذلك خاص به تعالى، فإذا أراد سبحانه تعظيم شيء من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك)(1499).
واكتفى الحنفية بأن نصوا على عدم انعقاد اليمين بغير الله، من دون إشارة إلى التأثيم في ذلك، قال القدوري الحنفي في الكتاب: (ومن حلف بغير الله لم يكن حالفاً، كالنبي والقرآن والكعبة)(1500).
وقال ابن قدامة في المغني: ولا تنعقد اليمين بالحلف بمخلوق كالكعبة والأنبياء وسائر المخلوقات، ولا تجب الكفارة بالحنث(1501).
وردّ ابن قدامة على استدلال الأولين بالأيمان في القرآن بقوله: (فأما قسم الله بمصنوعاته فإنما أقسم به دلالة على قدرته وعظمته، ولله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه، ولا وجه للقياس على إقسامه. وقد قيل: إن في إقسامه إضمار القسم برب هذه المخلوقات، فقوله: {والضحى} أي ورب الضحى.
وأما قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “أفلح وأبيه إن صدق” فقال ابن عبد البر هذه اللفظة غير محفوظة من وجه صحيح، فقد رواها مالك وغيره من الحفاظ فلم يقولوها فيه، وحديث أبي العشراء قد قال أحمد: لو كان يثبت، ولهذا لم يعمل به الفقهاء في إباحة الذبح في الفخذ، ثم لو ثبت فالظاهر أن النهي بعده لأن عمر قد كان يحلف بها كما قد حلف بها النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم نهى عنها، ولم يرد بعد النبي إباحته(1502).
ولكن سائر ما قدمه المعترضون لا ينهض حجة في وجه القراءة المتواترة، إذ هي أقوى دليلاً من ذلك كله، وبها يستدل لا عليها، إذ قد ثبت قطعا تواترها إلى المعصوم – صلى الله عليه وسلم – إلى الروح الأمين، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
وأجود الأقوال في الجمع بين النصوص قول من قال: إن الآية لم تأت في القسم بغير الله وإنما أتت في التساؤل بغير الله، والتساؤل غير القسم، وهو كقولهم: أسألك بالله وبالرحم، فهي استعطاف وليس يميناً(1503).
وقد وردت هذه الأقوال عن ابن عباس ومجاهد وإبراهيم النخعي والحسن البصري، كما حرر أقوالهم السيوطي في الدر المنثور(1504).
قال القشيري في الإنكار على من رد قراءة حمزة: (ومثل هذا الكلام مردود عند أئمة الدين، لأن القراءات التي قرأ بها أئمة القراء ثبتت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – تواتراً يعرفه أهل الصنعة، وإذا ثبت شيء عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فمن رد على ذلك رد على النبي – صلى الله عليه وسلم – واستقبح ما قرأ به، وهذا مقام محذور ولا يقلد فيه أئمة اللغة والنحو، فإن العربية تتلقى من النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا يشك أحد في فصاحته.. ثم إن النهي إنما جاء في الحلف بغير الله، وهذا توسل إلى الغير بحق الرحمن فلا نهي فيه)(1505).
ثمرة الخلاف: إن كلا من القراءتين المتواترتين أفاد حكماً جديداً جديراً بالاعتبار.
فقراءة حمزة أفادت جواز التساؤل بالرحم، والاستعطاف بالآباء، وهو قول مروي عن ابن عباس ومجاهد بن جبر وإبراهيم النخعي والحسن البصري وغيرهم. وهو معنى يتصل بتعظيم الرحم والنهي عن قطيعتها.
وقراءة الجمهور أفادت وجوب تقوى الله في صلة الأرحام، وهو أصل من أصول الدين تضافرت في الدلالة عليه الآيات والآثار.
وهل جواز التساؤل بغير الله والاستعطاف بالآباء والأرحام أمر تكويني أم أمر تكليفي؟..
ظاهر الآية أنه تكويني، ولكن لما لم يرد عليه حظر دل على أنه من باب ما أقره الشارع، إذ الدواعي متوافرة لإنكاره لو كان يستوجب الإنكار.
ولم يتعرض الإمامان الجليلان الرازي الجصاص وابن العربي إلى اختلاف القراءة في هذه الآية، وقد أوردا أحكامها وفق قراءة النصب لا غير.(1506)
————
(1470) سورة النساء ـ1 –
(1471) سراج القاري لابن القاصح العذري ص 188
وعبارة الشاطبية: وكوفيهم تساءلون مخففاً وحمزة والأرحام بالخفض جملا
(1472) أخرجه الجماعة عن ابن عمر إلا النسائي، وتمامه: “ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، ومن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت” وهو صحيح، انظر نيل الأوطار للشوكاني جـ8 ص 227
(1473) حجة القراءات لأبي زرعة ص 188
وتتجه قراءة حمزة إلى العطف على تقدير الخافض أي: تسألون به وبالأرحام، فيما يرى سائر القرار لزوم النصب على تقدير: واتقوا الله ـ أن تعصوه واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
(1474) حجة القراءات لأبي زرعة ص 188
(1475) كذا نقله القرطبي في الجامع جـ5 ص 3
(1476) معجم القراءات القرآنية جـ2 ص 104
وانظر الإملاء للعكبري جـ1 ص 96، والجامع لأحكام القرآن جـ5 ص 5، والكشاف للزمخشري جـ1 ص 241
(1477) حجة القراءات لأبي زرعة ص 188
(1478) المصدر نفسه، وفي الحاشية قال سعيد الأفغاني، اختلف في قائل البيت بين الأعشى (وليس في ديوانه) وعمرو بن معد يكرب وخفاف بن ندبة.
(1479) انظر موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور الزحيلي جـ3 ص 387
(1480) أخرجه مسلم في كتاب الأيمان، الباب الثامن، حديث (9)، وهو في طبعة دار المعرفة جـ5 ص 80، وكذلك أخرجه أحمد في مسنده جـ1 ص 162
(1481) سورة الحجر
(1482) سورة يس ـ1 –
(1483) سورة الصافات ـ1 –
(1484) سورة الذاريات ـ1 –
(1485) سورة التين ـ1 –
(1486) رواه أحمد بن حنبل جـ4 ص 334، وأورده من رواية حماد بن سلمة بدون لفظ وأبيك، في الصفحة نفسها.
(1487) حديث صحيح أخرجه الجماعة إلا النسائي عن ابن عمر
انظر نيل الأوطار للشوكاني جـ8 ص 277
(1488) انظر المغني لابن قدامة جـ8 ص 678
(1489) انظر موسوعة الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي جـ3 ص 388 الحاشية.
(1490) رواه أحمد عن ابن عمر، وهو حسن، انظر سبل السلام جـ2 ص 167، ولم يبلغ الحديث رتبة الصحيح التي تستقل بتشريع الأحكام.
(1491) رواه مسلم برقم 1648 في كتاب الأيمان بصيغة: “لا تحلفوا بالطواغيت ولا بآبائكم” وفي رواية النسائي “لا تحلفوا بآبائكم ولا بالطواغيت”
انظر جامع الأصول جـ12 ص 655
(1492) مغني المحتاج جـ4 ص 320
وانظر كذلك إعانة الطالبين للسيد البكري جـ4 ص 313
(1493) الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور الزحيلي جـ3 ص 288
(1494) انظر تخريجه في الصفحة السالفة نقلاً عن سبل السلام للصنعاني جـ2 ص 167
(1495) انظر الحاشية رقم 7 الصفحة السالفة
(1496) أي منهاج الطالبين
(1497) أي شرح الإمام النووي على صحيح مسلم
(1498) فتح المعين للسيد البكري جـ4 ص 313 حاشية
(1499) إعانة الطالبين على فتح المعين جـ4 ص 313
(1500) الكتاب للقدوري الحنفي، وهو مطبوع متنـاً في رأس: اللباب في شرح الكتاب جـ4 ص 5
(1501) المغني لابن قدامة جـ8 ص 704
(1502) المغني لابن قدامة جـ8 ص 678
(1503) ومثل ذلك حديث عمرو بن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقول إذا قضى صلاته: “اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك”
قال الديلمي: عمرو بن عطية العوفي ضعفه الدارقطني. انظر كنز العمال جـ2 ص 642
(1504) الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي جـ2 ص 117
(1505) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 ص 3
(1506) انظر ـ أحكام القرآن للرازي الجصاص جـ1 ص 307
المسألة الثانية
قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}(1507)
قرأت على ثلاثة أوجه: عقَّدتم وعقَدْتم وعاقدتم
قرأ حمزة والكسائي وخلف وشعبة: {عَقَدْتم الأيمان}
وقرأ ابن ذكوان: {عاقدتم الأيمان}
وقرأ الباقون: {عقَّدتم الأيمان}(1508)
والقراءات الثلاث تتجه إلى تقرير عدم المؤاخذة بيمين اللغو، وقصر المؤاخذة على اليمين المعقودة، وهي المعبر عنها بالصيغ الثلاث الآنفة.
فتكون رواية ابن ذكوان عن ابن عامر على جهة أن اليمين المنعقدة هي التي تكون من اثنين، دلت لذلك ألف المفاعلة في قراءتهم {عاقدتم الأيمان} ولا خلاف بين الأئمة في قبول مدلول هذه القراءة، ولكن يلزم ابن عامر أن يقبل مدلول قراءة الآخرين لثبوت التواتر.
وتكون قراءة أهل الكوفة بالتخفيف دالة على أن الكفارة تلزم الحانث إذا عقد يميناً بحلف مرة واحدة، وهذا الحكم محل إجماع من الأمة بلا خلاف، إلا قولاً روي عن ابن عمر، وتسابق النقاد إلى إنكار نسبته إليه(1509).
وأما قراءة أهل الكوفة بالتشديد فلا ينبغي أن تتجه إلى تكرار اليمين كما نقله أبو زرعة (1510)، فهذا خلاف المجمع عليه من الفقهاء أن اليمين تنعقد بمرة واحدة كما في قراءة عَقَدْتم بالتخفيف، ولا حاجة لترديدها المرة بعد المرة.
فينبغي إذن أن يكون معنى التشديد في هذا المقام هو التوكيد، وهذا التوكيد يكون بجزم القلب كما يعرف من أمارات ذلك، قال الله عز وجل:
{ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها}(1511).
ولو سلمنا بأن التشديد هنا يفيد تكرار اليمين المرة بعد المرة، فإن ذلك لا يسقط وجوب الكفارة في اليمين المنعقدة إذا لم تكرر، إذ إن ذلك دلت له القراءة المتواترة بالتخفيف التي يلزم قبولها عند سائر الأئمة.
كما يمكن أن يكون التشديد في هذا المقام زيادة مبنى، وهو إشارة إلى زيادة المعنى، على وفق قاعدة الأصوليون: زيادة المعنى تدل على زيادة المبنى، فمقتضى قراءة التخفيف عقد اليمين الذي هو قصد القلب، وتحقق النية، وتكون دلالة قراءة التشديد في التوكيد على حصول هذا القصد جزماً، وتحققه يقيناً.
واختار الرازي الجصاص كذلك إعمال القراءات جميعاً فنص على أن قراءة التخفيف {عقَدْتم} محمولة على إقرار اللسان بما عقده القلب، ثم أشار أن الإعمال للظاهر، وهو لفظ اللسان لا قصد القلب، وأما قراءة {عَقَّدتم} بالتشديد فقد أشار أنها أفادت حكماً جديداً وهو أنه متى أعاد اليمين على وجه التكرار لا تلزمه إلا كفارة واحدة، وأما قراءة {عاقدتم} فقد أشار إليها ولم يعلق عليها، وفيما يلي عبارة الرازي رحمه الله:
(وقد قرىء قوله تعالى: {بما عقدتم} على ثلاثة أوجه:
{عقدَّتم} بالتشديد قد قرأه جماعة و{عَقَدْتم} خفيفة {وعَاقدتم} فقوله تعالى {عَقَّدتم} بالتشديد كان أبو الحسن يقول لا يحتمل إلاَّ عقد قول{وعقدتم} بالتخفيف يحتمل عقد القلب، وهو العزيمة والقصد إلى القول، ويحتمل عقد اليمين قولاً، ومتى احتمل إحدى القراءتين القول واعتقاد القلب ولم يحتمل الأخرى إلا عقد اليمين قولاً وجب حمل ما يحتمل وجهين على ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً، فيحصل المعنى من القراءتين عقد اليمين قولاً، ويكون حكم إيجاب الكفارة مقصوراً على هذا الضرب من الأيمان، وهو أن تكون مقصودة، ولا تجب في اليمين على الماضي لأنها غير مقصودة، وإنما هو خبر عن ماض، والخبر عن الماضي ليس بعقد سواء كان صدقاً أو كذباً. فإن قال قائل إذا كان قوله تعالى: {عقدتم} بالتخفيف يحتمل اعتقاد القلب ويحتمل عقد اليمين فهلا حملته على المعنيين إذ ليسا متنافيين، وكذلك قوله تعالى {بما عَقَّدتم} بالتشديد محمول على عقد اليمين فلا ينفي ذلك استعمال اللفظ في القصد إلى اليمين فيكون عموماً في سائر الأيمان، قيل له: لو سلم لك ما ادعيت من الاحتمال لما جاز استعماله فيما ذكرت، ولكانت دلالة الإجماع مانعة من حمله على ما وصفت، وذلك أنّه لا خلاف أن القصد إلى اليمين لا يتعلق به وجوب الكفارة، وإن حكم إيجابها متعلق باللفظ دون القصد في الأيمان التي يتعلق بها وجوب الكفارة، فبطل بذلك تأويل من تأول اللفظ على قصد القلب في حكم الكفارة وثبت أن المراد بالقراءتين جميعاً في إيجاب الكفارة هو اليمين المعقودة على المستقبل، فإن قال قائل قوله {عَقَّدتم} بالتشديد يقتضي التكرار، والمؤاخذة تلزم من غير تكرار فما وجه اللفظ المقتضي للتكرار مع وجوب الكفارة في وجودها على غير وجه التكرار؟. قيل له قد يكون تعقيد اليمين بأن يعقدها في قلبه ولفظه، ولو عقد عليها في أحدهما دون الآخر لم يكن تعقيداً، إذ هو كالتعظيم الذي يكون تارة بتكرير الفعل والتضعيف، وتارة بعظم المنزلة، وأيضاً فإن في قراءة التشديد إفادة حكم ليس في غيره، وهو أنه متى أعاد اليمين على وجه التكرار أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة، وكذلك قال أصحابنا فيمن حلف على شيء ثم حلف عليه في ذلك المجلس أو غيره، وأراد به التكرار لا يلزمه إلاّ كفارة واحدة. فإن قيل قوله{بما عَقَدتم} بالتخفيف يفيد أيضاً إيجاب الكفارة باليمين الواحدة. قيل له: القراءتان والتكرار جميعاً مستعملتان على وصفنا، ولكل واحدة منهما فائدة مجددة(1512)).
وكذلك فإن العلامة ابن العربي المالكي أورد القراءات الثلاث محتجاً بها جميعاً، وأشار إلى ضعف قراءة التخفيف على عادته في توهين ما انفرد بروايته الكوفيون، ثم اتخذ من التأويل سبيلاً لإعمال سائر المروي في ذلك وعبارته: قوله تعالى: {عقدتم الأيمان} فيه ثلاث قراءات: عَقَّدتم بتشديد القاف، وعقدتم بتخفيف القاف، وعاقدتم بالألف، فأما التخفيف فهو أضعفها رواية وأقواها معنى، لأنه فعلتم من العقد وهو المطلوب. وإذا قرىء عاقدتم فهو فاعلتم، وذلك يكون من اثنين، وقد يكون الثاني من حلف لأجله في كلام وقع معه، وقد يعود ذلك إلى المحلوف عليه فإنه ربط به اليمين، وقد يكون فاعل بمعنى فعل، كقولك: طارق النمل، وعاقب اللص في أحد الوجهين في اللص خاصته.
وإذا قرىء عَقَّدتم بتشديد القاف فقد اختلف العلماء في تأويله على أربعة أقوال:
الأول: قال مجاهد: تعمدتم.
الثاني: قال الحسن: معناه ما تعمدت به المأثم فعليك فيه الكفارة.
الثالث: قال ابن عمر: التشديد يقتضي التكرار، فلا تجب عليه الكفارة إلا إذا كرر اليمين.
الرابع: قال مجاهد: التشديد للتأكيد، وهو قوله: والله الذي لا إله إلا هو.
قال ابن العربي: أما قول مجاهد: ما تعمدتم فهو صحيح، يعني ما قصدتم إليه احترزاً من اللغو. وأما قول الحسن: ما تعمدتم فيه المأثم فيعني به مخالفة اليمين (الحنث)، فحينئذ تكون الكفارة، وهذان القولان حسنان يفتقران إلى تحقيق. وهو بيان وجه التشديد، فإن ابن عمر حمله على التكرار. وهو قول لم يصح عنه عندي لضعفه. فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلاّ أتيت الذي هو خير وكفّرت عن يميني(1513). فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر.
وأما قول مجاهد: إن التشديد في التأكيد محمول على تكرار الصفات. فإن قولنا: (والله) يقتضي جميع أسماء الله الحسنى وصفاته العليا، فإذا ذكر شيئاً من ذلك فقد تضمنه قوله والله.
فإن قيل فما فائدة التغليظ بالألفاظ؟ قلنا: لا تغليظ عندنا بالألفاظ وقد تقدم بيانه. وإن غلظنا فليس على معنى أنّ ما ليس بمغلظ ليس بيمين، ولكن على معنى الإرهاب على الحالف. فإنه كلما ذكر بلسانه الله تعالى حدث له غلبة حال من الخوف. وربما اقتضت له رعدة، وقد يرهب بها على المحلوف له، كقوله (لليهود: والله الذي لا إله إلاَّ هو، فأرهب عليهم بالتوحيد، لاعتقادهم أن عزيزاً ابن الله.
والذي يتحصل من ذلك أنّ التشديد على وجه صحيح، فإن المرء يعقد على المعنى بالقصد إليه، ثم يؤكد الحلف بقصد آخر، فهذا هو العقد الثاني الذي حصل به التكرار أو التأكيد، بخلاف اللغو فإنه قصد اليمين وفاته التأكيد بالقصد الصحيح إلى المحلوف عليه(1514)).
وثمرة الخلاف: تظهر في إعمال القراءات المتواترة الثلاثة إذ لا يجوز إهمال أيٍ منها، فيثبت بذلك أن المؤاخذة تكون من الله عز وجل في الأيمان المنعقدة، سواء عقدها الحالف مرة واحدة، وهو مقتضى قراءة التخفيف، أو كررها ووكدها، وهو مقتضى قراءة التضعيف، أو تواثق بها مع شركائه ونظرائه، فكان عقدها اشتراكاً بين اثنين، وهي قراءة عاقدتم.
ففي كلٍ كفارة على الحانث، وتأثيم على الناكث، إلا إلى معروف(1515).
لكن روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن التشديد يقتضي التكرار، فلا تجب الكفارة إلا إذا كرر. وهذا يرده قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: “إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأجد غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير، وكفرت عن يميني” فذكر وجوب الكفارة في اليمين التي لم تتكرر(1516).
ولكن لا حاجة إلى الاستدلال بذلك بعد ثبوت تواتر القراءة، إلا لمن لم يفهم معنى التكرار من تضعيف الفعل في هذا المقام.
كما إن رفع القول هذا إلى ابن عمر محل ريبة، فقد قال ابن العربي المالكي: (ما روي عن ابن عمر أنه محمول على التكرار قول لم يصح عندي لضعفه) ثم أورد الحديث السالف في الرد على الرواية.(1517)
————
(1507) سورة المائدة 95
(1508) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 108، وفيه أن الذي قرأ بألف المفاعلة ابن ذكوان وحده عن ابن عامر، وهو المحفوظ الذي دلت عليه الطيبة، ولكن في حجة القراءات لأبي زرعة بن زنجلة أن ابن عامر قرأ بذلك، ومنه يفهم أن راويي ابن عامر على ذلك.
وعبارة الطيبة: عقدتم المد منا وخففا من صحبة جزاء تنوين كفا
(1509) انظر فقرة ثمرة الخلاف بعد صفحتين
(1510) انظر حجة القراءات لأبي زرعة ص 234
(1511) سورة النحل 91
(1512) أحكام القرآن ـ الجصاص جـ2 ص 455
(1513) رواه البخاري في كتاب الأيمان باب قوله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم} ورواه مسلم رقم 1649 في الأيمان باب من حلف يميناً فرأى غيرها خيراً منها، ورواه كذلك أبو داود والنسائي.
(1514) أحكام القرآن ابن العربي جـ2 ص 643
(1515) الاستثناء هنا لآخر مذكور.
(1516) أخرجه البخاري، كتاب الأيمان، باب 31، وأحمد في مسنده جـ4 ص 398، وأخرجه الإمام مسلم في كتاب الأيمان باب 7
(1517) أحكام القرآن لابن العربي المالكي جـ2 ص 644
المبحث السابع: في الأقضية
المسألة الأولى
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}(1518)
قرأ حمزة والكسائي وخلف: {فتثبتوا}
وقرأ الباقون: {فتبينوا}(1519)
وبمثل ذلك قرؤوا في سورة النساء في قوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا} (1520)، وقد قدمنا طرفاً من تأويل هذه الآية في مطلب الجهاد(1521).
وأما آية الحجرات هذه فقد أخرج ابن جرير الطبري في سبب نزولها عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: بعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رجلاً في صدقات بني المصطلق بعد الوقعة، فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أي خرجوا لاستقباله في موكب مهيب، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فرجع إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم!… فغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فبلغوا القوم رجوعه فأتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رسولك فسررنا بذلك وقرت به أعيننا، ثم أنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضباً من الله ومن رسوله، فما زالوا يكلمونه حتى جاء بلال وأذن بصلاة العصر، ونزلت: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}(1522)
ولا شك أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وفي ذلك قال الحسن البصري رضي الله عنه: (فوالله لئن كانت نزلت في هؤلاء القوم خاصة، إنها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء)(1523).
والتثبت والتبين معنيان متقاربان في المرادف اللغوي، ولكن غلب إطلاق الأول على التحقق من الذوات والشخوص، وغلب إطلاق الثاني على التحقق من الأحداث والفعال، وكلاهما من مهمة القاضي العادل.
وقد كان لهذه التوجيهات أعظم الأثر في إصلاح النظام القضائي، وإيجاد قضاء عادل حر نزيه في المجتمع الإسلامي.
وأورد لك فيما يلي طرفاً من التوجيهات النبوية التي جاءت مؤكدة لمسؤولية القاضي في التحقق والتثبت والحكم بالعدل.
أخرج الترمذي عن عبد الله بن أبي أوفى قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله مع القاضي ما لم يجر، فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان”(1524)
وأخرج أبو داوود في سننه عن بريدة بن الحصيب أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار”(1525).
وفي بيان عظيم مسؤولية القاضي قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “من جعل قاضياً بين الناس، فقد ذبح بغير سكين”(1526)
ثمرة الخلاف: أفادت قراءة حمزة والكسائي وجوب التثبت على القاضي العادل، وهو كما قدمنا معنى يغلب في التحقق من الذوات والشخوص والأعيان، وفي ذلك تقرير لجانب مهم من أصول التقاضي، إذ ينبغي التحقق من شخصية المتخاصمين ومداركهم العقلية والاجتماعية وصلاحيتهم للأهلية والتزام التكاليف.
كما دلت قراءة الباقين على وجوب التحقق من الأحداث والوقائع، لئلا يأخذ القاضي أحداً بجريرة أحد، وهو ما دلت له قراءة {فتبينوا}.
ومن نافلة القول هنا أن نشير إلى أن القراءتين متواتران إسناداً، موافقتان للرسم العثماني قبل النقط، موافقتان للعربية.
————
(1518) سورة الحجرات ـ6 –
(1519) تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري ص 107
وعبارة الطيبة:……………………… تثبتوا شفا من الثبت معا
مع حجرات ومن البيــــــــان………..
(1520) سورة النساء ـ94 –
(1521) انظر ص 695 من هذا الكتاب
(1522) جامع البيان للطبري جـ26 ص 76
(1523) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ16 ص 320
(1524) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب، ورقمه في كتابه 1330 كتاب الأحكام، ورواه كذلك الطبراني عن ابن مسعود، قال الأرناؤوط إسناده ضعيف، انظر جامع الأصول جـ10 ص 170
(1525) أخرجه أبو داود في كتاب الأقضية برقم 3573 باب القاضي يخطئ، وهو حديث صحيح
(1526) رواه أبو داود برقم 3571 و 3572 في كتاب الأقضية، والترمذي في كتاب الأحكام برقم 1325، وهو حديث صحيح. انظر جامع الأصول جـ10 ص 166
الباب الرابع: الخاتمة والملاحق
خاتمـــة
نقدم فيما يلي عرضا مجملاً لأهم النتائج العلمية التي قادنا إليها هذا البحث في مجال القراءات القرآنية وأثرها في الحكم الشرعي والرسم القرآني:
1 – إن الوحي هو المصدر الوحيد للقراءات المتواترة على اختلاف وجوهها، وليس للأئمة القراء أدنى اجتهاد في اختراع أي وجه، أو ترجيح متواتر على متواتر.
2 – إن تعدد القراءات عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم – حفظ كثيراً من اللهجات العربية التي أوشكت أن تندثر في ذلك الحين، كما أنه مظهر سعة وثراء في إيراد أكثر من وجه للكلمة العربية الواحدة.
3 – تحليل رأي الخليل بن أحمد الفراهيدي في علاقة الأحرف السبعة بالقراءات المتواترة، ودفع الإشكالات الناتجة عن ذلك، وتقديم الحجج والأدلة الموضحة لمختار الأمة في هذه المسألة.
4 – تحليل رأي ابن جرير الطبري في مسألة نسخ الأحرف السبعة، وتقديم الأدلة على أن الخلاف بينه وبين مختار الأئمة لا يتعدى الشكل، مع الاتفاق من حيث النتيجة.
5 – النبي – صلى الله عليه وسلم – أول شيخ إقراء، وسائر هذا المتواتر بين أيدي الناس اليوم كما حققه ابن الجزري إنما هو في الأصل قراءة أقرأ بها النبي – صلى الله عليه وسلم – جماعة من الأصحاب.
6 – تفصيل الدور الكبير الذي قام به أهم رجال هذا العلم تاريخياً وهم أربعة: ابن مجاهد وأبو عمرو الداني والقاسم بن فيرة الشاطبي ومحمد بن الجزري.
7 – بسط أسانيد القراءات العشر، وتقديم الأدلة الكافية التي تثبت أنها بلغت مبلغ التواتر جميعاً.
8 – تقديم جداول إيضاحية للأسانيد والطرق التي حملت عبرها هذه القراءات المتواترة.
9 – مناقشة الاصطلاح الشائع حول التصنيف الثلاثي للقراءات: متواتر وآحاد وشاذ، وتقديم الأدلة والحجج على وجوب المصير إلى تسمية ثنائية وهي: متواتر وشاذ فقط.
10 – دفع التوهم الشائع بأن علم القراءات علم مغلق، لا يطلع عليه إلا أهل الاختصاص، ولا ينال إلا بتقضي الأعمار، وتقديم مختصرين اثنين لطريقتين مختلفتين في إتقان القراءات المتواترة، يتمكن الراغب بواسطة إحداهما من الاطلاع الوافي على وجوه القراءات المتواترة كافة في الأصول والفرش.
11 – دفع توهم التناقض بين الرسم القرآني العثماني وبين الفرشيات المختلفة (الكلمات التي قرأت على غير مثال ولا تنتمي إلى أصول قواعدية) الواردة بالتواتر، والتي يلزم التسليم بثبوتها عن المعصوم – صلى الله عليه وسلم -.
12 – إجراء مسح دقيق للمواضع التي اختلفت فيها المصاحف التي وزعها عثمان رضي الله عنه في الأمصار، وتحقيق ضبط عددها بتسعة وأربعين موضعاً، وإظهار أهمية معرفتها وحصرها.
13 – تقديم دراسة مفصلة حول مناهج القراء في جمع القراءات، وسبل الجمع، ومصادر الإقراء في زماننا، وانتشار القراءات اليوم، وأهم المؤلفات في القراءات، وهي دراسة ميدانية قمت بها، مع إجراء مقارنة لواقع ذلك كله تاريخياً.
14 – إثبات وجود علاقة تناوبية بين القراءات والرسم، فقد خدم كل منهما الآخر، واتكأ عليه.
15 – إن مرحلة استنساخ المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه، على عظيم أهميتها أدت إلى غياب بعض المتواتر عن نسخ الأمصار، وهو أول مسؤولية مستقلة تلقى على كاهل الرواة ليصبحوا أمناء على الرسم الغائب.
16 – إن الرسم الغائب الذي كان في المصاحف العثمانية محدداً بتسعة وأربعين موضعاً، قد تضاعف عقب الشكل والنقط، إذ كل شكل أثبته النسّاخ وفق متواتر له وجهان أدى إلى غياب الوجه الثاني من المتواتر، وهو ما زاد من مسؤولية رجال الرواية لضبط الرسم الغائب وحفظه. والأمر نفسه تكرر عند النقط، إذ كلما كانت الكلمة المراد نقطها لها وجهان في المتواتر فقد ظهر في النسخة وجه وغاب وجه يقيناً.
17 – إن تحسينات الرسم القرآني على أهميتها وخطرها قد نتج عنها أيضاً غياب وجوه مأذون بها من المتواتر فرشاً وأصولاً، وقد أتينا على استعراض ذلك في إثبات الألف الخنجرية والهمزات وعلامات المد وعلامات الصلة وعلامات الإدغام والإخفاء والإظهار، وجملة وجوه أخرى.
18 – بسط نماذج من أقوال الأئمة المتقدمين في إنكار بعض المتواتر من القراءات وتوهينهم إياه بالرأي، وتقديم الأدلة والبراهين على وجوب حمل مذهبهم هذا على عدم ثبوت التواتر لديهم.
19 – تفصيل أثر اختلاف القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية الاعتقادية، واستعراض أربع وأربعين مسألة اعتقادية أثمر اختلاف القراءات المتواترة فيها عن أحكام وفوائد جديدة، وهي تتوزع في أربعة مطالب:
الإلهيات: ثلاث عشرة مسألة
النبوات: سبع عشرة مسألة
الغيبيات: ثلاث عشرة مسألة
العمل والجزاء: إحدى عشرة مسألة.
مع التوكيد بالأدلة والبراهين أن تعدد المتواتر لا يؤدي إلى هدر بعضه بعضاً، ولا يلجئ إلى اختيار أحد المتواترين دون أخيه، بل يتكامل بعضه ببعض، ويسهم متضامناً في إضاءة النصوص وكشف دلالاتها.
20 – تفصيل أثر اختلاف القراءات المتواترة في الأحكام الشرعية العملية (الفقهية)، واستعراض تسع وثلاثين مسألة فقهية أثمر اختلاف القراءات المتواترة فيها عن أحكام وفوائد جديدة، وهي تتوزع في سبعة مطالب:
العبادات: إحدى عشرة مسألة
المعاملات: ثلاث مسائل
النكاح: سبع مسائل
الحدود: أربع مسائل
الجهاد: إحدى عشرة مسألة
الكفارات والأيمان: مسألتان
القضاء: مسألة واحدة
مع استعراض مذاهب الفقهاء في كل مسألة، وبيان أدلتهم لاختيار بعض المتواتر وترك بعضه، وتقديم الأدلة والبراهين على وجوب قبول المتواتر جميعا، وأن قبوله جميعاً لا يلزم منه التناقض، إذ إمكان الجمع وارد ومتحقق في ذلك كله.
اقتراحات
وبعد..
فقد استوفيت بعون الله ما كنت أؤمله من بيان أثر القراءات المتواترة في الرسم القرآني والأحكام الشرعية، وهي كما رأيت آثار تتصل بتقرير الحكم الشرعي، وتضيء معاني النصوص، وتشتمل على فوائد جمة في الفقه والرسم.
وقد رأيت في هذه الخاتمة أن أتقدم بجملة من الاقتراحات التي تتصل بخدمة القراءات القرآنية، وتبسيطها للناس، وحفظها للأجيال القادمة.
خاتمـــة.
أولاً: الجمع الصوتي للقرآن الكريم.
يسَّر الله سبحانه للناس في هذا القرن وسائل تسجيل الصوت وتقويته وضبطه، وذلك من خلال أشرطة التسجيل وأجهزة العرض الصوتية، ولا شك أنه تم تسخير هذه الوسائل لخدمة القرآن الكريم منذ عشرات السنين، وتنتشر في العالم الإسلامي تلاوات وتفاسير مختلفة لأفضل القراء والحفاظ في البلدان الإسلامية.
ولكن الأمل الذي نطمح إليه أن يستفاد من هذه الوسائل في توثيق القراءات المتواترة، وحفظها للناس، وذلك من خلال قيام جهة مرجعية في العالم الإسلامي باستيفاد كبار القراء في العالم الإسلامي، ليقرؤوا المتواتر من القرآن، بوجوهه المأذون بها جميعاً، ليصبح فيما بعد، وثيقة للتاريخ تعرف به الأمة ما أذن به وما لم يؤذن به من قراءة التنزيل.
وتظهر أهمية هذه الفكرة نظراً لطبيعة أداء هذه القراءات المتواترة، إذ إن غالبها لا يضبطه الكتاب على وجهه، ولا بد فيه من ضبط الشفاه، وهذا بدوره لا يتوفر إلا عند أهل الاختصاص، وهم نخبة محدودة، لا يملك سائر الناس سبل الوصول إليهم وتحصيل المعرفة عنهم.
أما وسائل التسجيل فيمكن أن تكون في كل مكتبة إسلامية يطّلع عليها من شاء، وينقطع عندها سبيل التزيّد والانحراف عن القراءة المتواترة التي أذن بها المعصوم – صلى الله عليه وسلم -.
ثانياً: مشروع إصدار مصحف القراءات
لم يعد ثمة مندوحة من القول بأن ثمة رسماً متواتراً غائباً لا يمكن تحصيله من مصحف حفص الشائع في العالم الإسلامي اليوم، إذ هو يدل لقراءة واحدة، بل لرواية واحدة من المتواتر، وهي التي تبلغ عشرين رواية متواترة كما قدمنا ذلك بالأدلة الإسنادية القاطعة.
وإذا كانت مسائل الأداء لا تتغير بها الأحكام فإنه لا بد على الأقل من ضبط الفرشيات المأذون بها تواتراً في الكتاب العزيز، وهذا أمر لا يعسر تحقيقه، بل يمكن ضبطه من خلال كتابة جدول صغير على هامش المصحف لبيان الوجوه الغائبة، وهي لا تتجاوز في تقديري ست كلمات وسطياً في الصفحة الواحدة، ولكنها تعود بفوائد جمة على القارىء والمفسر جميعاً.
وليست هذه الفكرة جديدة بل هي فكرة قديمة قام بتحقيقها عدد من المشتغلين بخدمة القرآن الكريم في أجيال متعاقبة، ولكنها لم تجد سبيلها بعد للتوثيق عن طريق هيئة مرجعية لخدمة القرآن الكريم في العالم الإسلامي. وتجب الإشارة هنا إلى جهد قام به ناشر سعودي هو السيد علوي بلفقيه حيث قام بجمع وجوه القراءات المتواترة من فرش وأداء على هوامش الصفحات، وهي بلا ريب خطوة جيدة، ولكنها تفتقر إلى مراجعة علمية، حيث وقعت فيها على أخطاء كثيرة، إضافة إلى وجوب تجريد الفرش عن الأداء، وحتمية صدورها عن هيئة مرجعية إسلامية عامة.
ثالثاً: مشروع كتابة مصحف عثمان
إن المصحف العثماني هو الوثيقة الأم التي انبثقت عنها سائر القراءات المتواترة، وقامت عليها الجهود المتعاقبة للوقوف على أصل التنزيل من الذكر الحكيم.
والمصحف العثماني وثيقة من أهم وثائق تاريخ العرب إن لم نقل إنها أهمها على الإطلاق، حيث قامت عليها ألوف الدراسات والبحوث خلال التاريخ الإسلامي.
وقد كتب عثمان ستة مصاحف وزعها في الأمصار واحتفظ لنفسه بمصحف واحد منها، وهو الذي كان بيده عند استشهاده.
ولكن هذا المصحف وقرناءه من المصاحف الستة غير موجودة بأيدي الناس اليوم، ويتنازع شرف الانتساب إليها ثلاثة مصاحف(1527):
1 – مصحف المشهد الحسيني بمصر بالقاهرة، وهو الذي نقل إلى المشهد المذكور عام 1304 هجري.
2 – مصحف استنبول بتركيا، وهو محفوظ في متحف طوب قابوسراي، وهو مكتوب على الرق، وعليه قطرات حمراء.
3 – مصحف طشقند في أوزبكستان، وهو موجود بحوزة الإدارة الدينية بطشقند، مكتوب على الرق، عدد ورقاته 353 ورقة، بقياس 68 53 سم وقد نقل إلى طشقند عام 1869 م.
وليس هذا محل مناقشة ثبوت هذه المصاحف، والاستدلال والتأريخ لها، فقد تكفلت بذلك دراسات عديدة، يمكن مراجعتها.
ولكن الذي أقترحه في هذا السبيل هو إصدار مصحف عثمان مرة أخرى إما استنساخاً(1528) عن أحد هذه المصاحف، أو استكتاباً عنها وفق ما قرره علماء الرسم في مصنفاتهم، بدون نقط ولا شكل، وفق الكتبة الأولى، وإتاحة ذلك لعامة المتعلمين والمشتغلين بخدمة القرآن الكريم.
وهكذا فإن توفير هذه النسخ بين أيدي الباحثين يخفف عنهم عناءً كبيراً في تحقيق النصوص، ويساعدهم على تصور الكتبة الأولى، وما نشأ عليها من خدمات، وهذا بلا شك تقدم كبير، نتجاوز به الدور التراثي والجمالي المحدود، التي تقدمه مصاحف القاهرة واستنبول وطشقند، إن صحت نسبتها إلى العهد العثماني.
ولا نحتاج بعدئذ إلا إلى إضافة ملحق من صفحة واحدة، يتضمن المواضع التسعة والأربعين التي اختلفت فيها مصاحف الأمصار، تحقق ذلك في هذه الدراسة، ونكون حينئذ قد وفرنا بين أيدي الباحثين الوثائق الأمّ التي لا غنى لباحث عنها، والتي تقطع بكل توكيد ذلك الجدل المستمر حول موافقة أو مخالفة الرسم لاتجاه معين في الأداء.
ولن يكون لهذا العمل فائدة حقيقة إلا إذا صدر عن جهة مرجعية مختصة بخدمة القرآن الكريم، ولست أرى هذه الخصائص تتوفر في جهة إسلامية كتوفرها في جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية التي أشرف برفع هذه المذكرة إليها.
رابعاً: مشروع إحياء الروم في النطق العربي
سبق أن عرضنا في حديث في باب قواعد القراء لمبحث الروم(1529)، والروم هو الإتيان ببعض الحركة عند الوقوف للدلالة عليها، والقاعدة العامة لاتكون إلا فيما حقه الضم أو الخفض إذا وقفت عليه بالسكون.
فتروم في مثل: نستعينُ ـ المجيدِ
ولا تروم في مثل: المستقيمَ
ولا وجه للروم في الساكن سكوناً أصلياً كما في: قم فأنذرْ
وقد نص في الشاطبية على أن الروم مذهب أبي عمرو وعاصم وحمزة والكسائي ولكن المختار أنه مذهب عام لجميع القراء على سبيل التخيير(1530).
والواقع أن هذا اللون من الأداء مهجور تماماً في صنيع القراء والنحاة اليوم، ولست أدري لذلك سبباً بعينه، غاية الأمر أنهم اكتفوا بعبارة: العرب لا تقف على متحرك، فألزموا الوقف بالسكون، وهي قاعدة ليست صحيحة على إطلاقها، فثمة ثمانية أشكال من الوقف عند العرب، سبق أن بسطت القول فيها، في قاعدة الروم والإشمام عند القراء(1531).
والحق أن النطق بالروم يعود بفوائد مؤكدة في النطق، سيما إذا كانت فيه تجلية مشتبه، أو كشف مهم.فمن ذلك في القرآن الكريم:
{يا مريم إن الله اصطفاكِ وطهركِ واصطفاكِ}(1532) وذلك إن وقفت على أحد هذه الكافات الثلاث.
{فلما جاءت قبل أهكذا عرشكِ}
{الذي خلقني فهو يهدينِ * والذي هو يطعمني ويسقينِ * وإذا مرضت فهو يشفينِ * والذي يميتني ثم يحيينِ} وذلك إن وقفت على واحد من رؤوس الآي هنا.
وظاهرٌ أن الوقف بالروم يجلي المعنى المقصود، الذي سيكون مبهماً إن وقفت بالسكون المحض، ففي الآيتين الأوليين، كشف أن المخاطب امرأة، ولو سكنت سكوناً محضاً لم يتبدَّ لك ذلك، وفي الآية الثالثة كشف لك عن ياء المتكلم المحذوفة اتباعاً لقافية الآية.
وفي أداء المذيعين والمتحدثين اليوم، فإن معاني كثيرة يؤدي السكون المحض إلى إبهامها وضياع رونقها، لاحظ مثلاً هجنة الخطاب وغربته في الصيغ الآتية إذا وقفت بالسكون المحض وأنت تخاطب امرأة:
ما اسمُكْ؟ متى رجَعْتْ؟
ما دراستُكْ؟ متى حضَرْتْ؟
ما هي بلدُكْ؟
هل هو حقاً يحبُّكْ؟
ثم لاحظ بعدئذ كم يضيء الرُّوم من دلالتها ومعناها لدى النطق به وفق قاعدته. (اقرأها بالروم)
وهكذا فإن في الرَّوم فائدة حقيقية في تصويب النطق العربي، سيما في المظان التي يكون الإسكان المحض مدعاة إشكال.
ولست أدري لم يتحرج النحاة من الفتوى بذلك، وهو كما رأيت مذهب البصريين (أبي عمرو) والكوفيين (عاصم وحمزة والكسائي) وإنما البصرة والكوفة للنحو كالأم والأب، فقد ولد النحو بالبصرة وشب في الكوفة، ثم هو من بعد مذهب سائر القراء كما حققه ابن الجزري.
وقد قدمنا بالأدلة والحجج تواتر الإسناد في أداء هذه الوجوه إلى المعصوم – صلى الله عليه وسلم – وهو أفصح من نطق بالضاد، وزيادة على ذلك فإن هذا الأداء إنما هو وحي من الله عز وجل تلقاه النبي – صلى الله عليه وسلم – من أمين الوحي جبريل.
والعجب بعدئذ من رجل يحتكم إلى شطر من شعر أعرابي، لا يعرف له اسماً، ولا يحفظ عنه إسناداً، ثم هو يرتاب في الأخذ بوجه من الأداء القرآني، أطبق عليه أهل الأداء، وقدموا بين أيديهم إسناده ورجاله، ثم هم أهل الفصاحة واللسن والبيان.
ولا يختلف الكوفيون في أن القراءات محل احتجاج في اللغة، إن ثبتَتْ رواية، ولكن دأب بعض نحاة البصرة على رفض الاستشهاد بالقراءات، ولكني أعتقد أنهم في مثل هذه المسألة لا يخالفون، لإطباق القراء على جواز القراءة بها أولاً، ولأنها صيغة أداء، لا وجه نحو، وقد علمت مبلغ ما بذله أئمة القراءة لضبط صيغة الأداء، وهو ما لم يتحصل جزء جزئه لرواة الشعر وغيره إجماعاً.
وقد اشتد ابن حزم في إنكار مذهب من لم ير الاحتجاج بالقراءات بقوله: (من النحاة من ينتزع من المقدار الذي يقف عليه من كلام العرب حكماً لفظياً ويتخذه مذهباً، ثم تعرض له الآية على خلاف ذلك الحكم، فيأخذ في صرف الآية عن وجهها).
وقال في موضع آخر:
(ولا عجب أعجب ممن إن وجد لامرئ القيس أو لزهير أو لحطيئة أو الطرماح، أو لأعرابي أسدي أو سلمي أو تميمي أو من سائر أبناء العرب لفظاً من شعر أو نثر جعله في اللغة، وقطع به، ولم يعترض فيه، ثم إذا وجد لله تعالى خالق اللغات وأهلها كلاماً لم يلتفت إليه، ولا جعله حجة، وجعل يصرفه عن وجهه، ويحرفه عن موضعه)(1533)
وبناء على ما تقدم، فإني أدعو أصحاب البيان والقلم، إلى إحياء منهج الروم في النطق العربي حال الوقف، لما في ذلك من كشف المبهم، وتجلية الغامض، وهذا سيعكس بلا ريب جمال العربية، وحسن الأداء فيها، وأتمنى على جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية أن تسهم في عقد ندوة إعلامية لإحياء هذا الوجه من النطق العربي السليم.
————
(1527) انظر مصحف عثمان ورحلته شرقاً وغرباً، تأليف د. سحر عبد العزيز السالم
إصدار مؤسسة شباب الجامعة ـ إسكندرية.
انظر ص 118 وما بعدها.
(1528) أردت بالاستنساخ تصوير أحد هذه المصاحف عن طريق آلة التصوير.
وأردت بالاستكتاب العهدة إلى أحد الخطاطين المهرة إعادة كتابة المصحف وفق الكتبة العثمانية نفسها.
(1529) انظر فصل قواعد القراء من هذا الكتاب.
(1530) قال ابن الجزري في المقدمة: وحاذر الوقف لكل الحركة إلا إذا رمت فبعض الحركة
إلا بفتح أو بنصب وأشــم إشارة بالضم في رفع وضم
المقدمة الجزرية في علم التجويد، رقم الآيات: 104 – 105
(1531) انظر المبحث الخاص بهذه القاعدة من هذا الكتاب
(1532) سورة آل عمران 42
(1533) معجم القراءات القرآنية جـ1 ص 102
الباب الرابع: الخاتمة والملاحق.
ملاحق.
ملحق 1
صورة إجازة المؤلف بإقراء القرآن الكريم من الفتوى العامة في سوريا، ومشيخة قراء بلاد الشام، وهي متضمنة للإسناد المتصل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
ملحق 2
صفحة من مخطوط منسوب إلى سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهو يتضمن خمس آيات من سورة النحل 36 – 41، أولها: {أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}.
إن نسبة هذا المصحف إلى الإمام علي كرم الله وجهه موضع شك، وقد شككت إدارة مكتبة مشهد التي تحوي هذا المخطوط بذلك.
على كل حال فإنه لا شك أن التحسينات الطارئة عليه من عمل المتأخرين، وأقدم توقيع على هذا المخطوط يعود إلى عام 1008 هـ حيث وقفه عباس الصفوي شاه إيران إلى مسجد الإمام علي الرضا بمشهد.
ملحق 3
صورة لمخطوط ينسب إلى الإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما.
يتضمن بعض آيات من سورة يس: {ضلال مبين * ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون * فلا يستطيعون}.
يلاحظ في المصحف شيوع توزيع الكلمة الواحدة على سطرين اثنين وعدم اكتمال عملية الشكل والنقط.
المخطوط محفوظ في مكتبة مشهد برقم (12)، وفهرس المكتبة يشير إلى أنه من أعمال القرن الثالث الهجري.
ملحق 4
قطعة من مخطوط لمصحف شريف يبدأ بقوله تعالى:
{وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً} سورة الكهف 78.
لاحظ أن جهودهم في النقط والشكل لم تكن قد استوفيت بعد.
المصحف منسوب إلى سيدنا الحسين بن علي عليهما رضوان الله، فهو بذلك من مصاحف القرن الأول الهجري، وهو موجود في مكتبة مشهد برقم 16، ولكن هيئة إدارة المكتبة تجزم أن تاريخه ليس أسبق من القرن الثالث الهجري.
ملحق 5
صورة من مخطوط مصحف شريف من آخر القرن الأول الهجري.
وهو يتضمن الآيات من 12 – 21 من سورة النور.
ينسب هذا المصحف إلى الإمام علي زين العابدين بن الحسين 38 – 94 هـ وهو محفوظ في مكتبة مشهد بإيران برقم (16).
وإذا صحت نسبة هذا المصحف الشريف إلى زين العابدين، فإنه دليل واضح على بكور عهد الزخرفة بالمصاحف.
ويلاحظ أن حركات الإعراب والإعجام كانت جميعاً على شكل دوائر مطموسة.
ملحق 6
صفحة من مخطوط قرآني من القرن الثاني الهجري.
وهو يتضمن آخر سورة النور، من قوله سبحانه: {أن يذهبوا حتى يستأذنوه} إلى قوله: {إن الله بكل شيء عليم}
إن الكتبة العثمانية كانت لا تزال غالبة بالرسم الكوفي، وقد أدرجت التحسينات من نقط وشكل على هيئة دوائر مطموسة بألوان زاهية تمييزاً له عن الأصل العثماني بالخط الأسود.
المصحف محفوظ في خزانة مكتبة مشهد بإيران برقم (1586) وهو منسوب إلى علي الرضا بن موسى، ثامن الأئمة الإثني عشرية، وقد عاش من 153 – 203 هـ.
ملحق 7
صورة لصفحة من مخطوط غير مؤرخ محفوظ في مكتبة مشهد يقدر تاريخه بالقرن الرابع الهجري.
ظهرت فيه رؤوس الآي، ولكن النقط والشكل لا زالا على شكل دوائر مطموسة.
ملحق 8
مصحف من القرن الرابع الهجري منسوب إلى القاسم بن منصور بن محمد بن كثير المتوفى 393 هـ.
إنها المرة الأولى التي نلاحظ فيها تحول علامات الإعراب إلى حركات على الحروف فيما بقيت علامات الإعجام دوائر مطموسة.
المصحف في خزانة مشهد برقم 96.
ملحق 9.
مخطوطة لمصحف شريف مكتوب برواية حفص عن عاصم في ستين صفحة، كل صفحة نصف جزء، وأصله مخطوطة من خزانة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور، أحتفظ بصورة كاملة عنها.
ملحق 10
مخطوطة لمصحف شريف مكتوب بالخط العربي القديم، موافق لرواية حفص عن عاصم، وهو يدل على شيوع هذه الرواية في المغرب العربي، حتى إن الرواية تم تخطيطها بهذا الخط الزخرفي، وهو غير مستعمل لدى العامة، والمخطوط بكامله مصور ومحفوظ لدي.
ملحق 11
صورة مصحف يعود إلى القرن الخامس الهجري منسوب إلى أبي البركات آزادي 421 هجري.
إنه يكشف لك ـ على الرغم من رداءة خط كاتبه ـ عن استقرار علامات الشكل على المصحف على وجهها المعهود اليوم.
ولعل هذه النسخة أقدم النسخ التي جرت على تمييز لفظ الجلالة في المصاحف باللون الأحمر.
ملحق 12
صورة من مخطوط منسوب إلى السيد عثمان بن حسين الوراق ومؤرخ 466 هـ، وهو في خزانة مشهد برقم 70.
إضافة إلى الزخارف المضمَّنة كلاماً، فإن التطور الذي طرأ على النص القرآني هو إثبات الهمزات، وإثبات المد على ما بعده همز، وهي القواعد ذاتها التي لا تزال ترسم بها المصاحف اليوم.
ملحق 13
الصفحة الأخيرة من المخطوط الذي أوردناه برقم 12 ص 751
لقد تمت كتابة المصحف بالكوفي القديم فيما كتبت إكمالاته بخط الثلث، وهو يعكس وعياً لدى الوراقين بوجوب تمييز كلم النص القرآني عن كلام الناس.
تاريخ المخطوط كما ترى عام 466 هـ.
ملحق 14
مصحف من القرن السادس الهجري مؤرخ في 535 هـ.
كان أمراً شائعاً أن تكتب المصاحف في مجلدتين، لكل خمسة عشر جزءاً مجلدة، وهذه آخر صفحة من المجلدة الأولى.
إن طرو صيغة (صدق الله العظيم) على متن المصحف ليس أمراً مألوفاً من قبل، وهو يدل أيضاً على أن صيغة: (صدق الله العلي العظيم) الشائعة اليوم لدى الشيعة حديثة العهد.
ملحق 15
مصحف من القرن السادس الهجري مؤرخ في 565 هـ.
إنه يؤكد ما قدمناه من شيوع عادة تقسيم المصحف الشريف إلى مجلدتين، وهو يكشف أيضاً رسوخ الاعتناء بالنقط وتهميش صيغة الشكل التي لا زالت تلتزم الطريقة القديمة على شكل دوائر مطموسة رغم أن مصاحف أقدم من هذا بقرنين اثنين قد استبدلت نقط حركات الإعراب بالشكل.
ملحق 16
صفحة من مخطوطة مصحف شريف برواية ورش عن نافع، وفق الخط المغربي وراموزاته من الرقم.
لاحظ تميز المغاربة بخط نقطة الفاء تحتها، وانفراد القاف بنقطة واحدة فوقها، وجريان قاعدة فك الإدغامات وتركيبها وفق ما حررناه، واعتماد القوم على أن إدغام الياء في النون: (أن يَّضرب) يجري مجرى الإدغام الكامل وهو خلاف المصاحف الشائعة برواية حفص عن عاصم.
لاحظ أيضاً استواء الياء الأصلية مع ياء بدل الصلة في الرسم: (ويهدي به كثيراً) المخطوطة لمصحف كامل، صورته محفوظة لدي.
ملحق 17
صفحة أخرى من المخطوطة السابقة برواية ورش عن نافع وفق الخط المغربي وراموزاته من الرقم.
المخطوطة لمصحف كامل صورته محفوظة لدي.
ملحق 18
مصحف مذهَّب من القرن السادس الهجري مؤرخ في 573 هـ.
إنه يكشف لك عراقة ما اعتاده الناس من تسمية السور، وحصر عدة آيات كل سورة في رأسها، وكذلك تزيين رؤوس الآي بالجماليات الفنية.
إن كاتبه أحمد بن علي المقري يجتهد في إيضاح الخط واثبات علامات الإعراب والإعجام من غير أن يتحول عن الخط الكوفي الذي تمت على أساسه الكتبة الأولى.
ملحق 19
مصحف منسوب للقرن السابع الهجري بخط علي بن محمد بن محمد 620 هـ.
لقد تم تطوير الخط حتى خرج عن أن يكون كوفياً ملتزماً، وتلاحظ هنا بداية تدوين علامات الإدغام المتماثل على غير قاعدة: قارن: (ومنهم مَّن ـ يتولوا وَهم) فيما لم تظهر بعد علامات الإدغام التام: (ائذنْ لِي) وعلامات الإقلاب: (عليمٌ بالمتقين).
ملحق 20
مصحف منسوب إلى محمد بابر شاه سلطان المغول الذي تولى حكم الهند من (932 – 937)هـ. وهو مؤسس أسرة تيمور في الهند.
لقد كتب هذا المصحف بخط اختراعي على غير مثال، وهو في الحقيقة مجموعة رموز لا تنمى إلى لغة ولا قاعدة أراد به ناسخه التميز في الكتابة وتعويق الفهم.
إن أسلوب هذا المصحف لا يمكن أن يصنف في تاريخ الرسم القرآني إلا على أنه لون من العبث الذي ينبغي أن يتنزه عنه الكلام المعصوم، المنزل على الناس مفصلاً مبيناً.
ملحق 21
سورة الفاتحة من مخطوطة للمصحف الشريف بالخط الكوفي المغربي وعلى هامش المخطوطة تعليقات لبعض الفضلاء حول خصائص سورة الفاتحة وبركاتها المرجوَّة.
المخطوط محفوظ لديَّ
ملحق 22
صورة لمخطوطة لمصحف مرسوم بالخط الكوفي المغربي.
لاحظ حرص الرسام على تحري الخط العثماني وتمييزه من التحسينات الطارئة عليه.
المخطوط موجود بحوزتي ويعود تاريخه إلى القرن الماضي.
ملحق 23
مصحف مكتوب بالخط الكوفي المغربي، وعلى حواشيه تعقيبات لبعض الفضلاء.
لقد كتبت سائر التحسينات الطارئة على المصحف باللون الأحمر، ـ وهو لا يظهر في الفوتوكوبي هنا ـ وذلك حرصاً من الناسخ على المحافظة على الأصل العثماني.
المخطوط محفوظ لدي، وهو شائع في المغرب العربي اليوم.
ملحق 24
الصفحة قبل الأخيرة من المصحف الشريف، وقد كتبت بالخط الكوفي المغربي القديم، وحرص الناسخ على تمييز سائر التحسينات الطارئة على مصحف عثمان باللون الأحمر ـ وهو لا يظهر هنا بالفوتوكوبي ـ وذلك حرصاً من الناسخ على المحافظة على الأصل العثماني.
المخطوط محفوظ لدي، وهو شائع في المغرب العربي اليوم.
ملحق 25
آخر صفحــة مـن مصحـف مكتـوب بالـخط الكـوفـي المغـربي، وعلـى حواشيـه تعقيبــات لبعـض الفضـلاء.
لقد كتبت سائر التحسينات الطارئة على المصحف باللون الأحمر ـ وهو لا يظهر في الفوتوكوبي هنا ـ وذلك حرصاً من الناسخ على المحافظة على الأصل العثماني.
المخطوط محفوظ لدي، وهو شائع في المغرب العربي اليوم.
ملحق 26
الصفحة الأولى من مخطوط مصحف كتبه عبد الله بن بشير بن مسعود العوامري الحضرمي سنة 1157 هـ، وهو محفوظ لدي.
إنها تجربة مبكرة في إدراج سائر القراءات المتواترة على هامش المصحف الشريف.
ملحق 27
الصفحة الثانية من مخطوط مصحف كتبه عبد الله بن بشير بن مسعود العوامري الحضرمي سنة 1157 هـ. وهو محفوظ لدي.
لاحظ تزاحم المعلومات التي أراد بها الناسخ بسط القراءات السبع أصولاً وفرشاً، وهو ما جعل الفائدة من هذا العمل متعسرة ومضنية.
ملحق 28
صفحة من سورة الكهف من مخطوط لمصحف كتبه عبد الله بن بشير بن مسعود العوامري الحضرمي سنة 1157 هـ. وهو مخطوط لدي.
إن اعتماد الناسخ مبدأ الإفراط في التوضيح أدى إلى ضياع الفائدة من هذا العمل الجليل.
ملحق 30
صورة لمخطوطة تتضمن شرحاً لطيفاً لطيبة النشر لمؤلف مجهول، تم نسخها قبل نحو تسعين عاماً، وهي تمتاز بالشرح المبسط على المتن المذكور، وقد اشتملت على بسط القول فيما ورد من اختلاف مصاحف الأمصار كلما ورد.
ناسخها محمد توفيق بن محمد راغب، وقد استكمل نسخها في شعبان 1330 هـ. المخطوطة محفوظة بكاملها لدي.
ملحق 31
صورة أخرى للمخطوطة السابقة وهي شرح فريد لطيبة النشر التي نظمها الإمام ابن الجزري، لمؤلف مجهول.
المخطوطة محفوظة بكاملها لدي.
ملحق 32
صورة لصفحة من مصحف القراءات الذي أصدرته دار المهاجر في جدة.
إن تزاحم الأصول والفرشيات والتنبيهات في صفحة واحدة لا يعود بفائدة على القارئ، ناهيك عن التشويش الذي يدركه خلالئذ، مع أن الفرشيات الضرورية هنا لا تزيد عن خمسة مواضع.
ملحق 18
مراجع البحث
اعتمدت في البحث العلمي ثلاثة أنواع من المراجع، وهي المشافهات والمخطوطات والمطبوعات.
فسائر ما أنقله من المشافهات فإنما هو عن أستاذي الشيخ محمد سكر شيخ القراء المشارك في الديار الشامية، وقد قدَّمت لك إسنادي عنه متصلاً إلى المعصوم – صلى الله عليه وسلم – 1534) (، وترجمت لسائر رجال الإسناد، وفيه ترجمته أيضاً.
ولا يعدو نقلي عنه واحداً من أمرين:
الأول: ما نقلته عنه من وجه أو تعليل ولم أجده مدوَّناً عند أئمة هذا الفن، وهو مسألتان فقط(1535)، فاكتفيت ثمة بأن أشير إلى ما أخبرنيه، وأعزو إليه، فالعهدة هنا على الإسناد، والثقة بالله.
الثاني: ما أخبرنيه أو أقرأنيه وهو جملة مسائل هذا الفن، فوجدته مدوناً عند أحد من أئمة هذا الفن، فأنا أعزو إلى الكتاب، مع الإقرار ضمناً بأنه مما أقرأنيه جزاه الله خيراً، ولكن لا أشير إليه في ذلك اختصاراً ودفعاً للسآمة.
وأما المراجع من المخطوطات والمطبوعات فيأتي بسطها، وقد أشرت إلى كلٍ منها في الهامش لدى استشهادي به في صفحات الكتاب، ولكن موضع وجود المخطوط، والدار الطابعة والناشرة للمطبوع لم تذكر في الهوامش، واكتفيت بإيرادها هنا في القوائم، فسائر ما تقرؤه في الهوامش محال على هذه القائمة من حيث بيان مظنة وجود المخطوط أو المطبوع.
————
(1534) انظر الملحق رقم (1).
(1535) انظر ص 136 وص 143 من هذا البحث
المراجع من المخطوطات:
1 – مصحف مخطوط بقراءة أبي عمرو البصري، يعود تاريخه إلى عام 963 هـ، وهو محفوظ لدي.
2 – مصحف مخطوط مكتوب بالخط المغربي القديم برواية حفص عن عاصم يعود إلى القرن الحادي عشر الهجري. وهو محفوظ لدي. انظر ملحق 9 و 10
3 – مصحف مخطوط مكتوب بالخط المغربي القديم برواية ورش عن نافع يعود إلى القرن الثالث عشر الهجري. وهو محفوظ لدي. انظر ملحق 16 و 17
4 – مصحف مخطوط بالخط الكوفي بما يوافق قراءة أبي عمرو البصري، وعليه حواشي هامة حول خصائص السور وهو محفوظ لدي. انظر ملحق 21 و 22
5 – مصحف مخطوط بالخط الكوفي القديم بما يوافق قراءة أبي عمرو البصري، وعليه تحسينات الخط من نقط وشكل وفواصل آي. وهو محفوظ لدي. انظر ملحق 23 و 24 و 25
6 – مصحف مخطوط كتبه عبد الله بن بشير العامري الحضرمي، يعود تاريخه إلى 1175 هـ. يتضمن سائر القراءات المتواترة على حواشيه، كما أُلحقت به مجموعة فوائد في عدد الآيات والكلمات والحروف في القرآن، وهو بكامله محفوظ لدي. انظر ملاحق 26 و 27 و 28 و 29
7 – مخطوطة لمؤلف مجهول أرجّح أنه من القرن الحادي عشر الهجري تضمنت شرحاً لطيفاً لطيبة النشر لابن الجزري، تقع المخطوطة في 283 صفحة، مكتوبة بخط رقعي مقروء جيد، وهي بكاملها محفوظة لدي.
انظر ملاحق 30 و 31
8 – إجازة بالسند المتصل تتضمن إجازة شيخ قراء الشام الشيخ محمد سكر للمؤلف بإقراء القرآن الكريم، وفيها رجال الإسناد، وقد قدمنا ترجمة لكل منهم. انظر ملحق 1.
9 – المصاحف المخطوطة في مكتبة مشهد، وعدتها (213) مصحفاً، ولدي صورة فوتوغرافية لصفحتين من كلٍ منها، مع تعريف بالتطور الذي تم على الرسم القرآني عبر التاريخ.
انظر ملاحق 2 – 3 – 4 – 5 – 6 – 7 – 8 – 11 – 12 – 13 – 14 – 15 – 18 – 19 – 20
المراجع من المطبوعات (وهي مرتبة موضوعياً ثم وفق التسلسل الزمني)
أولاً: كتب علم القراءات:
1 – المصاحف للسجستاني: أبو داود ت 316 هـ ط دار الكتب العلمية 1985 م
2 – السبعة في القراءات لابن مجاهد: أحمد بن موسى بن مجاهد ت 320 هـ ط دار المعارف 1980 م
3 – حجة القراءات لابن زنجلة: أبي زرعة ت 382 هـ ط مؤسسة الرسالة 1979 م
4 – إدغام القراء للسيرافي: أبي سعيد ت 386 هـ ط دار أسامة كرم ـ دمشق 1986 م
5 – التذكرة في القراءات الثمان لابن غلبون: طاهر ت 399 هـ، تحقيق أيمن رشدي سويد ط جماعة من حفاظ القرآن ـ جدة
6 – الإبانة عن معاني القراءات للقيسي: مكي بن أبي طالب ت 437 هـ ط دار المأمون للتراث 1979 م
7 – المقنع في معرفة مرسوم مصاحف للداني: أبي عمرو ت 444 هـ أهل الأمصار ط دار الفكر بدمشق 1983 م
8 – النقط للداني أبي عمرو ط (بذيل كتاب المقنع)
9 – التيسير للداني أيضاً ط
10 – قراءات القراء المعروفين بروايات الرواة المشهورين الأندرابي: أحمد بن عمر ت 470 هـ ط مؤسسة الرسالة 1985 م
11 – التلخيص في القراءات الثمان الطبري: أبي معشر القارئ ـ ت 478 هـ ط جماعة تحفيظ القرآن ـ جدة
12 – حرز الأماني ووجه التهاني الشاطبي: القاسم بن فيرة ت 590 هـ ط البابي الحلبي ـ القاهرة 1949 م
13 – عنوان الدليل على مرسوم خط التنزيل المراكشي: أبي العباس بن البنا ت 721 هـ ط دار التراث الإسلامي
14 – شرح تلخيص الفوائد وتقريب المتباعد العذري: أبو البقاء علي ابن القاصح ت 801 هـ ط البابي الحلبي 1949 م
15 – تذكرة المقرئ المبتدئ وتذكار القارئ المنتهي المسمَّى سراج القاري لابن القاصح ط البابي الحلبي 1954 م
16 – تقريب النشر في القراءات العشر لابن الجزري: ت 833 هـ ط البابي الحلبي 1961 م
17 – طيبة النشر في القراءات العشر ط البابي الحلبي 1950 م
18 – شرح الجزرية المسمَّى (الدقائق المحكمة في شرح المقدمة) الأنصاري: الشيخ زكريا ت 926 هـ ط مكتبة القطر المصري 1960 م
19 – غيث النفع في القراءات السبع بذيل سراج القاري السابق. للصفاقسي: ولي الله علي النوري ت 1323 هـ
20 – مورد الظمآن في فن الرسم والضبط وفق قراءة نافع للشريشي: محمد بن محمد ت 1325 هـ ط المارغني ـ تونس 1907 م
21 – دليل الحيران على مورد الظمآن في فن الرسم المارغني: إبراهيم بن أحمد ت 1325 هـ ط المارغني ـ تونس 1925 م
22 – تقريب النفع في القراءات السبع الصباغ: الشيخ محمد علي ت 1374 هـ ط البابي الحلبي ـ القاهرة 1954 م
23 – مختصر بلوغ الأمنية بذيل سراج القاري ط البابي الحلبي 1954 م
إن تزاحم الأصول والفرشيات والتنبيهات في صفحة واحدة لا يعود بفائدة على القارئ، ناهيك عن التشويش الذي يدركه خلالئذ، مع أن الفرشيات الضرورية هنا لا تزيد عن خمسة مواضع.
24 – إتحاف البررة بالمتون العشرة في القراءات والرسم والآي. ط البابي الحلبي 1935 م
25 – البحث والاستقراء في تراجم القراء قمحاوي: محمد صادق ـ معاصر ط مكتبة الكليات الأزهرية 1981 م
26 – طلائع البشر في توجيه القراءات العشر لمحمد الصادق قمحاوي ط مطبعة النصر
27 – معجم القراءات القرآنية د. أحمد مختار عمر ود. عبد العالم سالم مكرم ط انتشارات أسوة ـ طهران 1981 م
28 – البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة القاضي: عبد الفتاح ط مكتبة الدار 1983 م
29 – القراءات بأفريقية شلبي: د. هند ط الدار العربية للكتاب ـ مصر 1983 م
30 – القراءات القرآنية في بلاد الشام عطوان: د. حسين ط دار الجيل ـ بيروت 1982
31 – منظومات في مسائل قرآنية التليلي: الشيخ محمد الطاهر بلقاسم ط المؤسسة الوطنية للكتاب 1986 م
32 – حجة القراءات في منهج النحاة سلطاني: د. محمد علي ط جامعة محمد بن سعود 1987 م
33 – تحفة العصر في القراءات العشر لحفي: شكري ط مكتبة البيروتي ـ دمشق 1992 م
34 – الوافي في شرح الشاطبية القاضي: عبد الفتاح ط مكتبة عبد الرحمن ـ مصر
35 – النطق بالقرآن العظيم الجماس: د. ضياء الدين ط مركز نور الشام 1993 م
36 – الأحرف السبعة والقراءات السبعة خماسي: فتحي بن الطيب ط دار المعرفة 1995 م
ثانياً: كتب التفسير وعلوم القرآن
1 – أحكام القرآن الرازي الجصاص: ت 305 هـ ط دار الكتاب العربي ـ بيروت
2 – جامع البيان في تفسير القرآن الطبري: ابن جرير ت 310 هـ ط دار المعرفة ـ بيروت 1971 م
3 – الكشاف الزمخشري: جار الله محمود بن عمر ت 538 هـ ط انتشارات آفتاب ـ طهران
4 – أحكام القرآن ـ تحقيق علي محمد البجاوي ابن العربي: القاضي المالكي ت 543 هـ ط دار المعرفة ـ بيروت
5 – الجامع لأحكام القرآن القرطبي: محمد بن أحمد الأنصاري ت 671 هـ ط دار الكتاب العربي
6 – التبيان في آداب حملة القرآن النووي: يحيى بن شرف ت 677 هـ ط مؤسسة الرسالة
7 – البرهان في علوم القرآن ـ تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم الزركشي: بدر الدين ت 722 هـ ط دار المعرفة ـ لبنان
8 – الإتقان في علوم القرآن السيوطي: جلال الدين ت 910 هـ ط دار الندوة الجديدة
9 – الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي أيضاً ط دار المعرفة ـ بيروت
10 – أسباب النزول للسيوطي ط دار قتيبة ـ دمشق
11 – فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من التفسير الشوكاني: محمد بن علي ت 1250 هـ ط دار المعرفة
12 – روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني الآلوسي: شهاب الدين البغدادي ت 1270 هـ ط دار إحياء التراث ـ بيروت
13 – مناهل العرفان في علوم القرآن الزرقاني: د. محمد عبد العظيم 1943 ط دار إحياء الكتب العربية
14 – تفسير الميزان لمحمد حسين الطباطبائي: مؤسسة الأعلي للمطبوعات ـ بيروت ـ لبنان ـ ط 5 1983 م.
15 – التفسير المنير الزحيلي: د. وهبة ـ معاصر ط دار الفكر ـ دمشق 1995 م
ثالثاً: كتب الفقه الإسلامي
1 – المنتقى شرح الموطأ الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف ت 474 هـ ط دار المعارف ـ مصر
2 – بداية المجتهد ونهاية المقتصد ابن رشد: المالكي القرطبي ت 520 هـ ط المكتبة التجارية الكبرى ـ مصر
3 – الهداية شرح بداية المبتدي المرغيناني: علي بن أبي بكر ت 593 هـ ط المكتبة الإسلامية
4 – المغني ابن قدامة المقدسي ت 620 هـ ط مكتبة الرياض الحديثة
5 – مجموع الفتاوى لابن تيمية: ت 726 هـ ـ جمع عبد الرحمن بن قاسم ط مكتبة المعارف ـ الرباط
6 – مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج الخطيب الشربيني ت 977 هـ ط مكتبة الرياض الحديثة 1981 م
7 – حاشية رد المحتار على الدر المختار عابدين: محمد أمين بن عمر ت 1252 هـ ط دار الفكر 1979 م
8 – اللباب في شرح الكتاب الغنيمي: عبد الغني الميداني ت 1298 هـ ط دار الحديث ـ حمص
9 – إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين للسيد البكري ت 1300 هـ ط دار إحياء التراث العربي
10 – أصول الفقه الإسلامي الزحيلي: د. وهبة: معاصر ط دار الفكر 1986 م
11 – الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي ط 2 دار الفكر 1985 م
12 – آثار الحرب في الفقه الإسلامي للدكتور وهبة الزحيلي ط 4 دار الفكر 1992 م
رابعاً: كتب العقيدة الإسلامية
1 – تنزيه القرآن عن المطاعن لعبد الجبار: القاضي عبد الجبار بن أحمد ت 415 هـ ط دار النهضة الحديثة
2 – دلائل النبوة للأصبهاني: أبو نعيم ت 430 هـ ط دار ابن كثير ـ دمشق
3 – اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ابن تيمية: أحمد ابن تيمية الحراني ت 726 هـ ط مكتبة التراث ـ جدة
4 – شرح جوهرة التوحيد الباجوري: الشيخ إبراهيم ت 1277 هـ ط عبد الكريم ثتان
5 – شرح العقيدة الطحاوية الميداني: عبد الغني الغنيمي ت 1298 هـ ط دار الفكر ـ دمشق 1982 م
24 – إتحاف البررة بالمتون العشرة في القراءات والرسم والآي. ط البابي الحلبي 1935 م
خامساً: كتب اللغة العربية
1 – مجاز القرآن لأبي عبيدة: معمر بن المثنى ت 209 هـ ط مؤسسة الرسالة
2 – دلائل الإعجاز للجرجاني: الإمام عبد القاهر ت 471 هـ ط مكتبة سعد الدين
3 – لسان العرب لابن منظور: ت 711 هـ ط دار صادر
4 – القاموس المحيط للفيروز آبادي ت 729 هـ ط دار المعرفة
5 – الكليات لأبي البقاء الكفوي ت 1094 هـ ط وزارة الثقافة ـ دمشق
[نهاية الكتاب]
انتهى الكتاب لمشروع المحدّث، ولله تعالى الحمد والمنة
تحميل الملف القراءات المتواترة