Uncategorized

د.محمد حبش- ثوار حرية .. لا ثوار حوريات…14/8/2016

قد لا أكون الشحص المناسب للحديث عن مقاصد الثوار فأنا رجل أقف في الطريق الثالث منذ بداية الثورة، وحاولت منع الوصول إلى الكارثة، ولا زلت أطالب بالخلاص ووقف الحرب والحل السلمي، ولم أومن يوماً بالحل عبر البارود.
ولكنني أعلم حق اليقين أن هذه الثورة انطلقت من حناجر السوريين وقلوبهم، وأنها تعكس أنبل ما في الإنسان من رغبة في الخلاص والتحرر، والعدالة والكرامة، وأن هؤلاء الثوار هم أبناء الأرض وعشاق الحياة، أعرف وجوههم الطيبة الكريمة هي وجوه الريف الشمالي في سوريا، وجوههم ولحاهم وكلابياتهم هي تقاليد الريف الشمالي، غضبهم ونزقهم هو طبعهم الذي جبلوا عليه، تماماً ككرمهم وفرحتهم وتهللهم للضيف، إنها الطباع السورية المشهودة للشعب الذي عاش تاريخه كله بسلام وحب، مساجد وكنائس، وشيوخاً وقساوسة، وأبرار وفجار، ومتقين وتائهين، على الرغم من محطات الحرب التي فرضت عليه وأظهر فيها قسوة وعناداً وبأساً وصرامة.
إنها وجوه السوريين الذين لا يريد النظام أن يعترف بهم، ويصر أن يراهم غرباء إرهابيين جاءت بهم نزعات الغنائم من السبي والرقيق، ولا يريد أن يصدق يوماً إنهم أبناء ريفنا الجميل وأن رباطهم بالارض هو جوهر ما يدعوهم للجهاد والثورة، وأن دعوتهم إلى الإسلام ليست إلا حباً بارضهم ووطنهم وتاريخهم، ورغبة في الخلاص من عبادة الطواغيت التي هي الاستبداد والظلم بكل أشكاله، وهو بالضبط ما تعلموه من مقاومة المستعمر وأذنابه سواء كان الاستعمار فرنسيا أو روسياً أو إيرانياً.
والآن من حقي أن أتساءل كسوري من هم أولئك الذين يطلقون بيانات التهديد الجوفاء ضد الناس في حلب ويتوعدونهم بحل طائفي قمعي مقيت، ويقومون عن عمد بتقديم الثورة السورية كخيار متوحش يقوده مهووسون بالنساء والجنس وانفعاليون غرائزيون لا أرب لهم إلا نزعة الانتقام؟
من هو المسؤول عن تسويق خطابات المحيسني الغبية التي تقدم ألف دليل على أن المجاهدين لا يفهمون معنى ثورة الحرية والكرامة، وأنها مشروع سعودي ماكر يهدف إلى تمزيق الدولة السورية وفرض حكم وهابي متشدد على الناس باسم حاكمية الشريعة؟
ولا بد من التحفظ هنا على كون الرجل سعودياً فهو لا يعبر عن خطة بلاده وموقفها السياسي أبداً، وهو لا يختلف عن المجاهد الشيشاني الروسي الذي يظهر تعصباً وغباء مماثلاً، وكلاهما مارق من نظامه تنتظره السجون في بلاده ولا يمثل الأول رغبة السعودية كما لا يمثل الثاني رغبة الروس.
من المسؤول عن طرح هدف طائفي على أنبل مشروع للخلاص والحرية، وتحويله من كفاح أبيض إلى ثأر أسود، من الذي يريد ان يعيد إلى الأذهان حادث كلية المدفعية كيوم مجيد في حين أنه كان أشد أيام الطائفية السوداء غدراً ودموية وطائفية، وكان سبباً في استشراس قوة النظام وبطشه لعدة عقود تالية؟
ما أعلمه أن هذا المحيسني ليس قيادياً في أي فصيل، وأنه يتصرف كظاهرة صوتية طائشة يتم استغلالها أبشع استغلال ضد أماني الثورة والثوار.
وأعلم بيقين أن آلاف الثوار ينظرون إلى بياناته الطائشة نظرة سوء وريبة ويخجلون من زجهم في أطماع انتهازية جنسية اعترض عليها أول ما اعترض نص القرآن الكريم الذي فضح هذا السلوك الانتهازي الغبي في سورة الفتح: سيقول المخلفون من الأعراب إذا انطلقتم إلى مغانم كثيرة لتأخذوها ذرونا نتبعكم فل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل.
وبأمانة فإن من يقرأ بيان الثوار حين نجحوا في فك الحصار يقرأ لغة أخرى لا تشبه لغة هؤلاء في شيء، لغة حرية وكرامة، وهو طافح بالحديث عن رسالة الثورة في الانتصار للحرية وإنهاء الاستبداد وبناء الوطن على اساس القيم المشتركة بين أهله وهو ما يعتقد الثوار جازمين أنه جوهر الرسالة الإسلامية.
من دخل داره فهو آمن، ومن دخل مسجداً فهو آمن، ومن دخل كنيسة فهو آمن، ومن ألقى سلاحه فهو آمن!!
يحق للسوري أن يفخر بخطاب كهذا يعلنه ثوار مظلومون مقهورون، ولكنهم في النهاية يتبعون هدي نبي الرحمة، ويترسمون خطاه يوم الفتح المبين.
من المؤكد أن هذا البيان لم يصدر عن مهووسين متطرفين، يقاتلون بحقد طائفي، ولم يصدر عن جهاديين أتوا من الآفاق عبر تجنيد القاعدة وتنظيم داعش، يريدون هدم المعابد الشركية والمساجد الصوفية والقباب الخضراء والتراث الإنساني وقتل الكفار والمشركين وكسر الصليب.
ومن المؤكد أن هذا النوع من الناس وهم موجودون بالتأكيد في صفوف الثوار راحوا ينكرون على هذا البيان أنه أحدث بدعة في الدين لم تكن على عهد السلف وأن فيه زيادة في النص لم ترد في البخاري فالنص في البخاري ذكر المسجد ولم يذكر الكنيسة، فمالكم كيف تفترون؟
وسيعتبر هؤلاء المهووسون بالقتل والدم موقفاً كهذا ارتكاساً إلى الباطل وركوناً للذين ظلموا وأن واجبنا كمجاهدين هو الإثخان في الأرض وإدارة التوحش والتنكيل بالأعداء نشرد بهم من خلفهم لعلهم يتقون، وليس مصانعة المشركين ومداهنة الكفار ومؤاخاة العلمانيين.

البيان لم يقل إننا جئنا للثار والانتقام وإنما قال جئنا للخلاص وفك الحصار وغوث أهلنا ومواطنينا، وبناء بلدنا بعيداً عن جور الروسي وتسلط الإيراني وظلم النظام.
لست واهماً في شيء ولا أريد أن اقدم الثوار قديسين زاهدين فالحرب هي الحرب، بجنونها وقهرها وانفعالها وثأرها، ويؤلمني أنني سأواجه في الأيام التالية تجاوزات مريرة في الثأر والانتقام كما جرى في الماضي لا يمكن السكوت عليها، وسيذكرني كثير من القراء بكلامي هذا، ولكننا نكتب من أجل تعزيز خطاب الوعي والحرية والخلاص ومن أجل مقاومة خطاب الكراهية والطائفية والثأر.
من حقنا أن نشير إلى البيان الذي يمثل الثوار بأنه بيان نبيل يفهم أوجاع الناس وهمهم ولا يختلف عن السياق الذي تكتب به بيانات ثورات التحرر التي حظيت باحترام العالم وتقديره.
ومن حقنا أن نطالب الثوار بالحفاظ على هذا الخطاب المتوازن، وأن نطالبهم بتنفيذ وصايا الإسلام في الغفران والرحمة والعفو، وهي نفسها قيم العدالة الانتقالية التي تعرفها الثورات جميعاً، وأن لا تخرجهم سلوكيات الجاهلية عن موقفهم الرباني.

Related posts

صادق جلال العظم… دعوة إلى الإنصاف في ذكرى رحيله الخامسة

drmohammad

د.محمد حبش-مانديلا.وديكليرك.إذهبوا فأنتم الطلقاء

drmohammad

سؤال الإسلام العلماني.. وختم النبوة عند محمد إقبال……

drmohammad

Leave a Comment