Uncategorized

حد الرجم…. د.محمد حبش 2016

يوم للإسلام والحقيقة

ويحق لي أن أسميه كذلك، فقد كان حوارنا في المغرب قوياً ومؤثراً وناجحاً بكل المقاييس، لقد كان أكبر تجمع لخبراء حقوق الإنسان في حوض المتوسط، شارك فيه سفراء حقوق الإنسان في سويسرا والسويد وفنلدا وألمانيا وكذلك في الجزائر وتونس والمغرب، وكانت مناسبة لطرح أكبر قضايانا على الطاولة للنقاش.
المكتبة الوطنية في الرباط احتضنت هذا اللقاء الفريد الذي عقد بمبادرة من المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي ومجلس حقوق الإنسان وهيئات حقوقية وأممية وسياسية مختلفة وعدد من النواب والبرلمانيين من فرنسا وإسبانيا والمغرب العربي.
كانت أنظارهم تتجه بالفعل إلى كلمة سوريا، التي تعيش أعنف مخاض ثوري، في مواجهة حملة بالغة من القتل والعنف والقهر، ولكنهم جميعاً كانوا يطرحون التساؤل المعروف: كأوربيين فإننا لا بد أن نكون مع النظام العلماني، ونحن نخشى من صعود الإسلاميين، وعرض أكثر من متحدث منهم معاناة الشعب الأفغاني والصومالي في مواجهة طالبان والمحاكم الإسلامية، وصوراً في غاية القسوة لنساء يقام عليهن حد الرجم، وآخرين تجز أعناقهم بالسيف، في مشهد يطرح بعنف وقسوة سؤال المرحلة: لماذا يتعين على أوروبا أن تساعد السوريين في الخلاص من هذا النظام العلماني، في حين أن القادم سيكون دموياً وعنيفاً وقاسياً، وبيوريتياً وثيولوجيا وإكليروسياً وغير ذلك من عبارات الخوف من الصعود الإسلامي التي تحظى هذه الأيام بشعبية كبيرة في أوروبا، وتضع الفرامل على توجهات الحكومات الأوروبية في الدفاع عن قيم حقوق الإنسان في العالم.
قتل المرتد، وقتل تارك الصلاة، ورجم الزاني، وقتل المثليين، وقتل الساحر، وقطع السارق، وغير ذلك من العناوين الكبيرة التي تسهم في نشر الاسلاموفوبيا إلى الغاية في اوروبا وغيرها من بلدان العالم المتحضر.
قامت المحاكم الإسلامية برجم امرأة في الصومال بالحجارة حتى الموت، كما قامت طالبان برجم امراة وابنتها، وقد تمت مشاهدة هذا الفيلم على يوتيوب أكثر من مليون ومائة ألف مرة، في إحدى نسخه الكثيرة الموجودة على الموقع، وطارت هذه الأشرطة في أوروبا تصنع الكراهية للإسلام واشتدت حمى الاسلاموفوبيا، وكان لها تاثير واضح على فتور المجتمع الأوروبي في دعم الربيع العربي، فقد تم تصوير هذه السلوكيات على أنها النتيجة الطيعية للصعود الإسلامي وأنها الصورة المنجزة للحاكمية الإلهية التي تنادي بها كثير من الحركات الإسلامية المشاركة في الربيع العربي.
العادة أننا نواجه هذا اللون من الاتهامات بدعوة الغربيين إلى سؤال أهل العلم عن هذه الحدود وحكمتها وعدالتها ورحمانيتها، ولا نكلف أنفسنا في تحمل عناء المواجهة مع التاريخ ورفض مبدأ تعذيب الإنسان بهذا الشكل الوحشي المهين الذي لا نجرؤ حتى على النظر إليه في فيديو، وبدلاً من المواجهة فإننا نختار المجاملة مع التاريخ، والاستخفاف بعقول الناس، وتأكيد انهم لا يفقهون ولا يعقلون ما في هذه الحدود من الرحمة واللطف والإحسان، وهنا أشير إلى بعض الأصدقاء من أصحابنا في مجلس الشعب الذي تولى توضيح عظمة حد الرجم وحكمته وإنسانيته، مشيراً إلى ما دأب عدد من الفقهاء على إثارته وهو أن المرأة حال الرجم يحفر لها حفرة إلى نصفها فتوضع فيها لئلا تنكشف عورتها وتطمر بالتراب إلى منتصفها، بكل تكريم واحترام وتقدير، ثم ترجم حتى الموت تكريماً لها وصيانة ورحمة!!! بخلاف الرجل الذي يرجم بدون أن تحفر له حفرة!!!
على المنصة كنت أعلم أن مثل هذه المزامير لا تطرب عاقلاً، وانها تزيد سخط العالم على الإسلام، ولم يفقد القوم عقولهم حتى يصدقوا وجه العدالة والرحمة في هكذا عقاب همجي بربري في وقت اتفق فيه عقلاء العالم على أن العقوبة يجب أن تهدف إلى الإصلاح وليس إلى الثأر الانتقام.
لقد قلت في نفسي آن لك اليوم أن لا تاخذك في الله لومة لائم، وهذه الملامات القاسية ستتابعونها بعد قليل على الفيس بوك حين يقرأ الظاهرية على صفحتي هذا المقال، وهم سيرون فيه خروجاً على إجماع الأمة، وسيكتبون بكل تأكيد ما يجول بخواطر كثير من الذين لا يزالون يرون في الرجم عدالة ورحمة وكرامة!!!

من الواجب أن يعلم القارئ أن عقوبة الرجم لم ترد أبداً في القرآن الكريم، بل هي ببساطة مناقضة لما في القرآن الكريم، حيث حددت الآية المعروفة في سورية النور عقوبة الزناة: الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين.
كما حددت الآيات عقوبة الزناة من الإماء فقالت إنها نصف عقوبة الحرة، استدلالاً بالآية الكريمة: فإذا أحصن فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب، والمقرر هنا اتفاقاً أنها خمسون جلدة.
ومن الضروري ان أشير هنا إلى أن هذا هو الحد الذي لا يجوز للقضاء تجاوزه بالزيادة عليه، وفقاً للآية الكريمة: تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون، وللقاضي بعدئذ أن يتخير ما شاء من التخفيف استناداً إلى الشبهات التي تدرأ الحد، والظروف المحيطة بالمحدود، ومن التخفيف استبدال الجلد بالنفي أوبالسجن وغير ذلك مما قرره علماء الأصول وهو معروف لديهم.
إن النص الصريح الواضح في عقوبة الرجم هو نص توراتي يهودي ورد في العهد القديم، وصيغته بالنص كما ورد في سفر التثنية: إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من اجل أنها لم تصرخ في المدينة والرجل من أجل انه أذل امرأة صاحبه فتنزع الشر من وسطك.
وهذه واحدة من العقوبات القاسية التي كانت تطبق في العهد القديم، وقد اشتهر رفض السيد المسيح لتطبيق هذه العقوبة بقوله لمن أمر بالرجم: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
وحين بلًغ النبي الكريم عن ربه سورة النور تحددت عقوبة الزناة في حدها الأعلى، وليس في القرآن الكريم ذكر شيء عن الرجم.
وحين واجهت الأمة في تشريعها مسألة حد الرجم وطالب كثير بتطبيق ما ورد في سفر التثنية على أساس أنه شرع من قبلنا أنكر ذلك طائفة من الصحابة، وقد أشارت الروايات الكثيرة أن عمر بن الخطاب واجه هذا اللون من الإنكار على المنبر،مؤكداً قناعته بأن النص في القرآن الكريم ولكنه لم يجده فيه بعد، (كان المصحف آنئذ قد جمع على الرقاع والعسف وورق البردى ولم يكن قد نسخ كاملاً بين دفتين وهو ما تم بعد موته أيام عثمان بن عفان).
ولا نعلم في الحقيقة أسماء الصحابة الذين ذهبوا إلى إنكار قصة الرجم ولكن هذا ما ذكره عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت في الروايات الكثيرة التي تحدثت عن غضب عمر بن الخطاب من إنكار عدد من الصحابة لآية الرجم.
واشتهر بعد ذلك موقف أتقياء الخوارج الذين كانوا لا يرون مكاناً لحد لم يرد في كتاب الله تعالى، واشتهرت القصة بأنها مما ينكره الخوارج، ولم يكن لهذا الإنكار سبب سياسي يتصل بموقف الخوارج بل إنه على خلاف قاعدتهم في كفر مرتكبي الكبائر، مما يعزز الظن بأنهم لم يكونوا يمارسون موقفاً سياسياً في إنكارهم للرجم بقدر ما كانوا يلتزمون بمبدئهم وهو أن لا عقوبة إلا بنص، والنص القرآني ظاهر وليس فيه الرجم ولا القتل.
وظل الفقهاء يكررون ما اتفقوا عليه أن الحدود الشرعية وخاصة ما كانت فيه دماء الناس لا يجوز تقريرها إلا بنص متواتر من سنة أو كتاب، ولأن حادثة الرجم قد وردت في أحاديث آحاد فقد تعرضت للانتقاد من كثير من الصحابة والعلماء منذ أيام الراشدين.
ولكن إصرار بعضهم على تطبيق قاعدة الرجم ذهب بهم إلى الجواب على هذه الأسئلة جميعاً بطريقة غريبة وعجيبة ليس لها نظير، حيث تم تقرير أن هذا الحد قد نزلت به آية قرآنية ولكنها للأسف ضاعت من القرآن، وأنها كانت مما يقرأ في كتاب الله تعالى يوم مات الرسول ونصها قد ورد على ثلاثة أشكال أحدها: والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم.
هكذا إذن فالحد ثابت ليس بالسنة المتواترة وحسب بل بالقرآن الكريم نفسه، ولكن نرجو المعذرة أن هذه الآية دون سواها غير موجودة في الوقت الحالي في القرآن الكريم؟؟؟؟
إن إصرارهم على إثبات حد الرجم دفعهم إلى التنكر لأهم أصل من أصول الشريعة وهو ثبات القرآن الكريم وسلامته، وإجماع الأمة على نصه الكريم، وتم ابتكار لون خاص من النسخ بعنوان المنسوخ تلاوة والباقي حكماً!! وليس لهذا النوع من النسخ أي مثال آخر إلا هذا!!
هكذا إذن إذا أردنا أن نمضي بالاعتراف بحد الرجم كما اختاره فقهاء الشدة فعلينا أن نتنكر لعصمة النص القرآني من التحريف والنقص، وعلينا أن نؤمن بأن نصاً مهماً من القرآن الكريم قد ضاع أو نسيه الحفاظ أو أكلته الداجن!! كما ينقل عدد من الرواة.
والصيغة التي اختارها الرواة قد تم إدراجها في صحيح البخاري بعنوان: خطب عمر بن الخطاب فقال: أيها الناس إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل لا نجد حد الرجم في كتاب الله ، فقد رجم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورجمنا ، والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ” .
وأنا أستميح القارئ الكريم أن أصرح أنني غير مقتنع البتة بهذا النص المنسوب إلى عمر بن الخطاب، وأغلب الظن أن وهم من احد الرواة، وحين يجيب بعضهم بأن النص في البخاري، فنقول ببساطة إن البخاري بشر وقد بذل جهداً عظيماً في تنقية صحيحه ولكن جل من لا يخطئ، وقد تخير في كتابه نحو خمسة آلاف حديث من أصل أكثر من ستمائة ألف حديث، رحمه الله ولعل هذا مما لم يوفق في تمحيصه.
لقد اجمعوا أن البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله، وهو كذلك ولكنه ليس قرآناً وما يضيره ان يكون في كتابه ألف صحيح وعشر غير صحاح!!
والنص فيه عدد من المغالطات لا تستقيم أبداً مع منطق الرواية، ففي الحديث أن عمر أثبت ضياع عدد من آيات القرآن الكريم وهو محال، وفي الحديث إشارة إلى أن عمر كان يخاف من كلام الناس فترك إثبات نص صحيح وصريح في القرآن الكريم خوفاً من كلام الناس وهذا لا يستقيم أبداً مع مكانة عمر بن الخطاب ومنزلته وشخصيته، والنص فيه ايضاً أن عمر يملك الإثبات والحذف في القرآن الكريم، وهذا خلاف العقيدة، فهو في أمر القرآن الكريم متبع لا مبتدع، وحاشا أن يقول سأضيف قرآناً أو أسقط قرآناً.
كما أن النص يستخدم لفظ (الشيخ والشيخة) وهو غير وارد في كلام العرب، حيث تقول العرب عن الرجل الكبير شيخاً وعن المرأة الكبيرة عجوزا، وفي القرآن الكريم: قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً.
وأما ما ورد من أمر رجم ماعز بن مالك الأسلمي والمرأة الغامدية، فيمكن الجواب عنها (إذا صحت الرواية) بانها كانت من باب ما حكم فيه بشرع من قبلنا قبل أن يتنزل القرآن بالحد المبين، وفي صيغة الرواية ما يشير بوضوح إلى كراهية النبي الكريم إقامة هذا الحد فقد جعل يثني ماعزاً عن اعترافه، ويقول لعلك قبَّلت؟ لعلك لامست؟، وجعل يثني المرأة الغامدية عن اعترافها وردها حتى تضع، ثم ردها حتى ترضع وتفطم، وسأل عن ماعز: أبه جنون؟ وذلك كله يشير إلى كراهيته لإقامة هذا اللون من العقوبة، ولكنها كانت العقوبة السائدة عند أهل العلم من أهل الكتاب في ذلك الزمان ولم يكن القرآن قد فصل ذلك بعد.

وأنا لا أجد حرجاً أن أرد تلك الروايات وفق قاعدة الحديث الشاذ الذي درسناه على مقاعد الدرس، فالشاذ هو حديث صحيح يخالف ما هو أصح منه، والقرآن الكريم أصح ثبوتاً من كل هذه الروايات، وما يخالف ثقة فيه الملا فالشاذ، ولا يمكن إنكار أن هذا النص يتناقض تناقضاً حاداً مع النص القرآني الصريح في تحديد عقوبة الزناة، ويتناقض مع القرآن الكريم الذي نص على ان عقوبة الأمة المحصنة نصف عقوبة الحرة المحصنة.
ومن هنا فقد ذهب الشيخ محمد أبو زهرة كما نقله عنه الشيخ يوسف القرضاوي وعدد من الفقهاء إلى أن أمر الرجم كان من شرع من قبلنا وعمل به زمناً ثم نسخته آية الحد المشهورة

قد تبدو هذه الخيارات مجاملة للغرب وسيقول بعض القراء إنكم تروجون للفحشاء، وأنا لا أعتقد ان حماية العفاف تكون برجم الناس بالحجارة حتى الموت، بل تكون بنشر التربية والثقافة والمعرفة والحكمة والخوف من الله تعالى.
ولا أعتقد أن الصحابة الكرام الذين اثاروا هذا الأمر أيام عمر بن الخطاب كانوا يجاملون أمريكا أو أوربا، لقد كانوا يحاربون الرذيلة والفحشاء بوسائل الحكمة والعقل وبضياء القرآن الكريم، دون أن ينسبوا إلى القرآن الكريم ما ليس فيه، ودون أن يوافقوا على عقاب قاس بهذه الوحشية لا يقبله عقل ولا منطق.
لقد قدمت لخبراء حقوق الإنسان الدوليين في لقاء الرباط أن الرجم الذي تمارسه محاكم الصومال وطالبان ليس هو خيار الأمة الإسلامية، وأن الموضوع معلول في سنده ومتنه، وأن العالم الإسلامي كله باستثناء حوادث وقعت في الصومال وأفغانستان، لا يطبق هكذا عقوبات في محاكمه، ولا ينص عليها أصلاً، وأن الأمة صارت إلى خيار العقوبة الإصلاحية، ولم تذهب إلى العقوبة الانتقامية، وأن الثورة في سوريا لا تنادي بمحاكم الصومال ولكنها تطالب بالحرية والكرامة وتعزيز حقوق الإنسان وهذا هو جوهر الرسالة الإسلامية وقيمتها العليا.
كان إلى يميني على المنصة الشيخ عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء الجزائريين، وهي الجمعية الرائدة التي أسسها الشيخ ابن باديس وتضم معظم علماء الجزائر وفقهائها، وكانت أهم مراكز النضال والمواجهة ضد الفرنسيين، وكانت من القوة والتأثير بحيث تعلن قيام حكومة وتسقط حكومة، وهي تقود آمال الجزائريين في الوصول إلى شاطئ الإيمان الذي يهتفون له في كل نضال سياسي يخوضونه.
كان الدكتور الشيخ قسوم أول من صفق في نهاية المحاضرة، ثم أغناها بمواقف متعددة للفقه لاإسلامي المستنير وشاركنا معاً في تقديم صورة الإسلام الصاعد في هذا الربيع العربي، وحتمية اللقاء والوفاق بين قيم الإسلام العليا وقيم الحضارة الإنسانية.

Related posts

د.محمد حبش- الديانة أم الأخلاق

drmohammad

د.محمد حبش-ومن دخل مسجداً أو كنيسة فهو آمن… 7/8/2016

drmohammad

هل اكتمل الإسلام؟

drmohammad

Leave a Comment