أعتقد أن هذا المصطلح سيتخذ مكانه في الخطاب السياسي المعاصر، بعد أن دخلنا مرحلة جنون المصطلحات التي تجعل الحليم حيراناً، وقد التبست المشاهد على كل مراقب، وأصبح لليسار أيضاً فقهاؤه ووعاظه، وتراتيلهم ومزاميرهم، ولم يعد ينقصهم سوى العمائم والجلابيب بنكهة يساريه حمراء.
وقد افتتح هذا المهرجان التكفيري الأحول الكاتب اليساري المخضرم عبد الرزاق عيد… وأعلن في مقال صريح وعلني نشره على موقع الحوار المتمدن وافتتحه بقوله الدعوة إلى ( هدر دم كل معارض مفاوض، يعترف بشرعية عصابات الميليشية الأسدية كحكومة شرعية ) !!!؟؟ فليذهب (الشيخان معاذ وحبش) وراقصاتهم (القبيسيات ) إلى موسكو، ويرقصوا بالكرملين أو بجامع ( ابولؤلؤة في طهران) … اعترافا بشرعية حكومة الأسد!!
ومع أن فتاوى التكفير والقتل وهدر الدم باتت من اختصاص المتشددين الإسلاميين تقليدياً، ولكنها هذه المرة تأتي من فقيه مختلف، ليس له لحية طويلة ولا ثوب قصير، ولكن من قال إن التطرف ثوب ومظهر، وقد يكون لدى لابسي الكرافتات الحليقة ذقونهم الهتلرية شنباتهم الماركسية أفكارهم من التطرف والحقد ما يبازون به أقرانهم من دعاة الغزو والسلب والسبي الهاتفين: بالذبج جيناكم.
والفتوى بهدر الدم التي يقدمها الكاتب العلماني اليساري الديمقراطي الثوري تشبه فتوى القتل ركلاً التي قدمها الدواعش في حق ثلاثة من عناصر الحيش الذين وقعوا في قبضتهم حيث جمعوا الناس في ساحة عامة في الرقة وألقوا وسطهم الجنود البائسين مقيدين، وطلبوا إليهم ركلهم وقتلهم حتى الموت، بوصفهم مهدوري الدم، وكانت ساعة فاجرة انتهكت فيها قيم الإنسانية وتحول الشر إلى قطيع من ذوات الأنياب والمخالب، مزقت أجساد المنكوبين الثلاثة شر ممزق، ثم طاف الأشرار بهم يجرونهم في شوارع الرقة المنكوبة.
وهدر الدم يختلف عن المطالبة بالقتل، قالمطالبة بالقتل يتوجه بها المرء عادة للدولة أو لهيئة قضاء محددة، أما هدر الدم فيكون دعوة مباشرة للجمهور ليقتل أنى شاء بما شاء وكيف شاء…
ولا أريد ان أسترسل في شخصنة الموضوع وهو شخصي بكل تأكيد، ولست جزعاً من الموت فهذا قدر كتبه الله على كل الناس، والأعمار بيد الله الذي ينكرونه ولكنهم سيؤمنون به يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا ، أقول لا أود الاسترسال ولكنني أود التنبيه إلى هذا النمط الجديد من التفكير الوحشي الهمجي الذي يتبناه كاتب أكاديمي علماني يففترض أنه يدرك تماما رسالة الكلمة وأبعادها…
وإذا كان حكمهم فيمن يخالف رأيهم هدر الدم، فلماذا ثاروا على النظام إذن، وهو على همجيته وقسوته لم يكن ليعلن ما يعلنوه بحق مخالفيه، وكان لديه خيارات أخرى، وهي خيارات لئيمة بكل تأكيد من السجن والاعتقال والتعذيب والقتل، ولكنه لا يحكم مباشرة ضد مخالفيه بهدر الدم، إذن لكان عيد قد قضى في باحات السجون التي استضافته، وهي سجون كثيرة ومتنوعة وتتوفر فيها تقنيات الموت كافة، وليس عليها كما سائر موازنات المخابرات حسيب ولا رقيب.
فما الذي أصاب خطاب الحرية والثورة حتى اتخذ هذا الطابع الداعشي المباشر في مواجهة خصومه، مع أن السبب الذي أوجب إهدار الدم عند الفقيه اليساري السلفي ليس إلا موقفا ً سياسياً محضاً لم يقترن بحمل سلاح ضد أحد، وهو لا يعني على الإطلاق ما فهمه الكاتب الموتور.
لقد كنت معجباً بالفعل بالصمود والصلابة التي أظهرها عبد الرزاق عيد في وجه المخابرات في الداخل حين أصر على بنود إعلان دمشق ولم يتخل عنها ودفع ثمناً غالياً حين كنا نختار الحكمة والمجاملة وسد الذرائع، ومع أننا اليوم نحترم موقفهم أكثر مما نحترم موقفنا ولكن ذلك لا يمنحهم حصانة ثورية يخوضون فيها في الدماء، بدون دليل ولا برهان.
وفي سياق آخر فمن الواجب أن أبين بعض الحقائق في خضم هذا الجدل الذي أثاره الكاتب الماركسي وزملاء آخرون له في السياق ذاته حول مبادرة الشيخ معاذ خطيب.
وكما هو معلوم فقد ذهب الشيخ معاذ إلى موسكو بدعوة من الخارجية الروسية واشترك معه في الزيارة بعض العسكريين والدبلوماسيين من المعارضة بهدف التعاون مع الروس لرعاية حوار وطني سوري ينهي مرحلة الحرب ويطلق فرصة السلام، وهو جهد يتتابع حالياً عبر نخب من المعارضة السورية التي باتت تصل إلى موسكو كل يوم.
وللأمانة فيجب أن أقول إنني لست جزءاً من هذا الحراك ولم أكن في وفد موسكو ولم أشارك فيه… ولكنني من الناظرين إليه بإحسان….
والزج باسمي في هذه المبادرة ليس بريئاً ولا مفيداً للمبادرة، فأنا رجل لا أحظى بالإعجاب عند الأطراف المتحاربة.. لقد قلت بوضوح كلمتي وأعلنت أنني ضد الرصاص وضد العنف ولا شرف لبندقية…. وكل قتل حرام…
وهذا الموقف لا يرضي بالتأكيد أصحاب البندقية… وأعتقد ان المقاتلين من كل الأطراف غاضبون مني….في حين أن الشيخ معاذ دافع عنهم أمام العالم.. كمقاتلين من أجل الحرية…. وأعتقد أنهم يحتفطون له باحترام كبير يؤهله لقيادة مبادرة سياسية يكون فيها طرفاً مؤثراً.
متى نتعلم أن نتخلى عن حظوظ أنفسنا ونعمل على تشجيع كل جهد بناء وكل رسالة سلام…. بغض النظر عن دورنا فيها…..
تقضي الرجولة أن نمد جسومنا … جسراً فقل لرفاقنا أن يعبروا
هناك كثير من الأسماء الوطنية السورية التي تحظى باحترام المتحاربين من الطرفين وهي جديرة أن تدعى إلى لقاءات كهذه ولا شك ان تأثيرها سيكون كبيراً، وهذا أفضل للمبادرة من الاعتماد على أسماء مستهلكة ربما ليس لديها ما تقدمه في هذا السبيل.
وأما مؤتمر أمريكا الذي يشير إليه عيد في مقاله فلم أشارك فيه أيضاً، وهو في سياق آخر تماما، وقد شاركت فيه زوجتي أسماء كفتارو بوصفها من دعاة السلام واللاعنف…. كما شارك فيه الدكتور رياض نعسان آغا، وهو قامة علمية سورية كبيرة، ولا خير في أمة لا تعترف بخبراتها ورجالها، ومن المؤسف ان يكون في المعارضة من يريد أن يدين جيلاً كاملاً لمجرد انهم عاشوا في أيام عصيبة مريرة واستطاعوا أن يحققوا بعض النجاح.
ومع أنني حرصت أن أبقى بعيداً عن الشخصانية ولكنني مضطر لطرح سؤال محدد على الكاتب عيد: إذا كان حبش قادراً على عقد مؤتمرين اثنين في أسبوع واحد في موسكو وواشنطن، وتمكن من إقناع أمريكا وروسيا باعتماد سياسة جديدة فكم هو هائل هذا الحبش؟؟؟؟ ولكن لماذا يدعو لبشار ؟؟ لم لا يدعو لنفسه وليذهب الآخرون إلى الجحيم؟؟؟؟
رحمة بعقولنا يا سادة، العقل زينة….