Uncategorized

د.محمد حبش-حرب بلا مفاوضات!! دول اسلامية ضد الراية السوداء

إنها جولة أخرى للعنف والقتال الذي هو أقسى انحرافات ابن آدم على هذا الكوكب، ولكنها تأتي في غمار ملاحم طاحنة اختلفت اسبابها ولكنها اتفقت على رسم مصير أسود لهذه البقعة المعذبة من العالم، وهي إعلان جديد للحرب تقوم بإعلانه بلاد أنهت برامج الحرب فيما بينها واتفقت على حل مشاكلها بلعبة الديمقراطية، ولكنها لا زالت عاجرة عن تقديم هذه الوصفة السحرية للعالم المقهور في بؤرة الصراع في الشرق التعيس.

ومع أنني لا أومن بالعنف كله، وأزداد يقيناً كل يوم أن العنف بكل بنادقه ومدافعه وطائراته ودباباته وراجماته سلوك همجي متوحش لا بد يوماً أن ينقرض من العالم بكل تداعياته كما انقرض الجدري والطاعون وكثير من الآفات التي كنا نظن أنها حتم لازم وقدر لازب.

ولكن بعيداً عن هذه الرؤية السريالية الحالمة للمجتمع الإنساني فإن من حقنا أن نقارب الرؤية في مشهد الكارصة الذي نعيشه اليوم بعد بدء عملية التحالف الدولي في سماء المنطقة.
ولأنني لا أحب أن أقرأ الأمور بشكل مقلوب فإنني أفهم أن التحالف الدولي اليوم واضح الأهداف والأساليب، ومع أن التحالف أمريكي بريطاني فرنسي في المقام الأول ولكن مشاركة الدول العربية والاسلامية فيه حتى في اطارها الرمزي تعني أشياء كثيرة.

نعم يتوحد العالم اليوم ضد سلوك داعش التي لم تترك للصلح ولا للحوار ولا للعقل مطرحاً، وتصر على القتال في أركان الدينا الأربعة، واستباحة الدماء والأعراض والعنف المضاد، وعلى الرغم من أنها تمتلك الروايات الكافية والمعززة بالأسانيد القوية على مشروعية ما تقوم به من حز الرقاب وفرض الجزية وسبي النساء وصلب المخالفين وبتر السارقين، ولكن العالم الإسلامي وثب عن قوس واحدة ضد هذا السلوك الهمجي واعتبره تشويها حقيقياً للدين واستهزاء بالشريعة.

مع أنهم يرفعون راية التوحيد ويقيمون الصلاة ويتحدثون عن الخلافة الإسلامية على منهج النبوة ويقولون انهم قاموا لنصرة الإسلام والمسلمين….. ولكن الشعارات لم تشفع لهم في شيء، وأدرك العالم الإسلامي أنه زمن جديد، وأنه يواجه الراية القديمة للخوارج الذين رفعوا شعاراً لا يقل طهرانية ومجدا عن هذا وهو شعار لا حكم الا لله، وهو شعار جذاب ساحر، اندفع في غماره الألوف من شباب الخوارج الذين سموا أنفسهم الشراة، أي يشرون أنفسهم ابتغاء مرضاة الله، ولكنهم نتيجة قناعاتهم الخاطئة برسالة الجهاد ووجوب قتال المشركين القاعدين عن الجهاد، انصرفوا لقتال الأمة برمتها وكانوا يرون أعظم الجهاد وأفضل القرب البطش بأئمة الإسلام الذين قعدوا عن الجهاد واختاروا الصلح والموادعة، وعلى رأسهم الإمام علي بن أبي طالب، الذي دفع حياته ثمناً لمبادئه في مواجهة التطرف وذلك على يد متشدد طائش، هو عبد الرحمن بن ملجم، وحين طعنه بالخنجر المسموم في قلب المحراب لم يفر من القصاص، وإنما سجد شكرا لله أن مكنه من قتل رأس (المشركين) !!!

وهكذا فقد قدمت العواصم المشاركة في التحالف رسالة واضحة في توحد العالم ضد سياسات القتل الهمجية والاستهتار بالدماء، والعالم الإسلامي نفسه لم تعد تقنعه تلك الروايات المسلسلة بالمسانيد لنقل ثقافة السلف القتالية التي كانت سائدة في القرن السابع إلى عالم القرن الحادي والعشرين، وأصبح يدرك تماماً مبدأ تغير الأحكام بتغير الأزمان ومبدأ الناسخ والمنسوخ في الشريعة، ومبدأ أنتم أعلم بأمور دنياكم، حتى ولو لم يكن يناقش هذه الفلسفات أصولياً على الأرض.

السعودية وتركيا والامارات وقطر ودول إسلامية أخرى وبدفع من علمائها وفقهائها ومجامع الفقه والازهر تشارك في التحالف وتبدو هذه المشاركة منسجمة سياسيا على الاقل مع تعاونها التاريخي مع امريكا والغرب، ويبدو الانخراط في التحالف أيضا منطقياً بالنطر للفتاوى المستفزة التي صدرتها داعش في موقفها من عموم الردة في المسلمين، ورسالتهم المعلنة جئناكم بالذبح، ومشاريعهم لاحتلال مكة والمدينة!!

أما النظام السوري الرسمي الذي يتاجر بعداوته مع الغرب الاستعماري والامبريالية العالمية منذ خمسين عاماً، والذي ظل يعلن أربع سنوات أنه يواجه مؤامرة امريكية فرنسية بريطانية سعودية قطرية تركية، وفجأة وفي يوم واحد أصبح جيشنا العربي السوري على حد تعبير صحيفة الوطن الحكومية في خندق واحد مع واشنطن وحلفائها!!!! على الرغم من رفض التخالف أي حوار معه أو اعتراف بأي دور، في تجارة رخيصة بالمبادئ والشعارات الثورية الهرمة حول المواجهة القدرية الحتمية مع أمريكا الشيطان الأكبر، وحول المقاومة والممانعة والمواجهة مع المشروع الأمريكي في المنظقة، وما رفع خلال هذه المرحلة من شعارات وما كتب من كتب ودراسات حول أبعاد سياسات البنتاغون والاساطير المؤسسة للسياسات الأمريكية في بلاد النفط العربي.

باستثناء موقف النظام السوري الذي يتناقض مع فلسفته وتاريخه، فإننا نشهد بالفعل توحداً إسلامياً دولياً ضد قراءة خاطئة للإسلام، جلبت العار والكارثة للأمة.

وقناعتي أننا يجب أن لا نخشى من أي تعاون دولي مع الأمم التي تحكمها الديمقراطيات، فالقرارات هنا تتخذها الشعوب وهي محكومة بالمصالح العامة وليس المصالح الضيقة، وفي كل مشروع قرار برلماني تعرض الرؤى والرؤى المناقضة، وشروط الأسرة الدولية وميثاق حقوق الإنسان والسيادة الوطنية، وفي النهاية تنتصر إرادة الأغلبيات التي يفترض نظرياً أن تكون أقرب الى العدالة، وأكثر تحقيقاً لمصالح الناس.

لست راغبا هنا في الكتابة في التحليل السياسي للتحالف الدولي، ولكنني معني فقط هنا بالنظر في مسالة التعاون مع الآخر مع الإنسان، مع شريكنا في هذا الكوكب على مواجهة التحديات التي تفرضها ممارسات انفعالية وغرائزية يبدو أنها لا تعيش معنا في هذا الكوكب ولا تنتمي إلى العصر الذي نعيش فيه، وتصر على حمل المنطقة والعالم إلى وادي الكراهية والعنف والدم.

ولكن هذا الفهم للتعاون الدولي لا يعني ضرورة الاتفاق على كل مخرجاته، ولا يعني ضرورة أن الله في جانب وإبليس في الجانب الآخر، إن متابعة المشهد عبر قراءات وطنية مسؤولة هي أمر حيوي ويجب أن لا تتوقف الأقلام التي يثق بها الناس عن نقل مطالب العقل والمنطق إلى الجوانب الخفية في الصراع.

إن من واجب القوى الدولية المشاركة في هذا التحالف أن تترك للصلح مطرحاً وأن توفر سبيل الخلاص من الكارثة بأقل قدر ممكن من الدماء فلا يجب أن نتصور الجميع تحت الراية السوداء بدون عقول ولا ضمائر، ولا شك أن كثيراً منهم تورط في سلوك كهذا نتيجة تحليلات خاطئة وقراءات واهمة وأعتقد ان مساحة للتفاوض يمكنها أن تنقذ كثيراً من الأرواح وتساعد في الكشف عن الحلول المطلوية.

ان الحوارات الاستخباراتية في أبو غريب وغوانتانامو لم تسهم ابداً في تقليل التطرف او في خمود جذوته، ولكن للحوار منابر أخرى يمكن أن تنصبها الارداة الدولية لتوفير افق جديد لكثير من الهائمين الذين وجدوا أنفسهم في حمى الصراع واكتشفوا متأخرين أنهم في الجانب الخطأ من التاريخ، وأن يكون في برنامج التحالف ما يساعد هؤلاء في الخروج من الكارثة بأقل الخسائر وبالتالي يمنع تحولهم إلى قطعان ثائرة لا تحكمها إلا غرائز الموت.

قد يكون المشروع الايديولوجي لقادة التنظيم هو بالفعل الغاية الايديولوجية لدى الطبقة القيادية فيه، ولكن جمهور التنظيم ومقاتليه ليسوا بالضرورة ممن يدرك ذلك، ويجب أن نعلم أن كثيراًمنهم كانوا من جند النظام أو الجيش الحر وتحولوا إلى التنظيم لأسباب مختلفة، وكثير من المحاربين لم يكن في أذهانهم وارد الحرب والقتال أصلاً، وإنما أفلتوا من تحت براميل النظام وقد فقدوا ما يمتلكون وخسروا أحبتهم وأموالهم وبيوتهم عبر سلوك النظام الباطش، وفقدوا أعمالهم وأرزاقهم ومن الطبيعي أن يتحول كثير منهم لسلوك كهذا رغبة في الثأر والخلاص وليس إعجاباً بالايديولوجيا التي يتبناها التنظيم.

لم نسمع حتى الآن في غبار هذه الملحمة الفظيعة التي تقام عند ضفاف دجلة وفق رواية هرمجدون العتيقة، لم نسمع عن مفاوضات تجري، ولم نسمع عن انسحابات معقولة من التنظيم تفرضها تطورات الصراع، ولا أعتقد ان التحالف سيحقق شيئا مفيداً للسوريين إذا كان هدفه هو إبادة الثلاثين الفاً أو يزيدون الذين يتصورون أنهم عموم مقاتلي التنظيم.

مطلوب من المجتمع الدولي أن يكلف دولة ما بالقيام بدور الوسيط والمفارض عبر مستويات مختلفة لتأمين سراديب نجاة لكثير من المتورطين، ويجب أن لا تقبل نطرية الموت الدامي التي يتبناها صقور الناتو على أساس أن الخلاص من هؤلاء أقل تكلفة من إعادة تأهيلهم.

لقد مارس الغرب سياسة القتال حتى الموت مع هؤلاء وامتلأت غوانتامو بالمعتقلين ولا يستطيع أحد أن يقول إن القسوة المفرطة قد جاءت بنتائج مفيدة، وقد تضاعف حجم الإرهاب والكراهية للغرب خلال هذه الفترة إلى حد مذهل، وكان ذلك نتيجة المواجهة الحربية العوراء التي لا تملك أي قاعدة للمواجهة الفكرية والحقوقية.

Related posts

الحدود مرة أخرى.د.محمد حبش 2016

drmohammad

د. محمد حبش- ذكرى وطن…2/7/2016

drmohammad

تبادل المحبة – فرنسا والرسول محمد

drmohammad

Leave a Comment