مقالات

بنات الأنبياء…المرأة في عصر الرشد 1/3/2007

ربما لا يوجد في العالم جدل يتصل بالإسلام أكثر من الجدل في مسألتي الإرهاب وحقوق المرأة، ومن يراقب صورة المسلمين في الأرض فيما يتصل بهذين الأمرين فإنه لا بد أن يصاب بالحيرة من إخفاقنا في تقديم خطاب مقنع للعالم لإظهار تسامح الإسلام، وجديته في معالجة حقوق المرأة.
مشهد المرأة المسلمة اليوم يتم تقديمه في الغرب فقط من خلال الشادور الأفغاني، والمعاناة التي تكابدها المرأة المسلمة الصابرة في دار فور، وتقدم لنا موسوعة إنكارتا إحصائية ذات دلالة عن نسبة الأمية بين المسلمات حيث بلغت في اليمن 75% فيما وصلت في أفغانستان إلى 78% ولكنها تبلغ في الصومال نحو 90% من النساء!! وعن عمد يتم تغييب المرأة المسلمة التي أصبحنا نألفها كاتبة ومذيعة ووزيرة وفقيهة وباحثة، ويزيد الأمر إشكالاً قيام الخطاب الإعلامي العربي اليوم بنقل أشد الفتاوى التاريخية قسوة في حق المرأة، على أساس أنها الخيار الإسلامي الوحيد في ما يتصل بحياة المرأة وسلوكها.
ولكن الجواب هذه المرة قادم من إيطاليا من إيللي غارنر وهي كاتبة ونائبة شهيرة سرعان ما تجاوزت الأفق الإقليمي الإيطالي، وحققت شهرة واسعة في القارة العجوز، ووصلت إلى البرلمان الأوروبي تحمل رسالة التواصل مع العالم الإسلامي.

هذه السيدة الإيطالية لم تلتفت إلى الصورة القاتمة التي يرسمها واقع المسلمين اليوم، وإنما ركبت قطار الزمن وعادت مباشرة إلى عصر النبوة وكما لو كانت خريجة معهد شرعي دمشقي، فتحت الكتب الصفراء وبعملية انتقائية عاقلة تمكنت من استحضار عشرات الأمثلة عن واقع المرأة في عصر الرسالة وهو واقع لا يشبه في شيء شكل المرأة المائتة المسحوقة المغيبة التي قدمها عصر الحرملك رمزاً للمرأة المسلمة.

كانت سيدات بيت النبوة حول النبي الكريم  في حياته الطاهرة يملأن الحياة من حوله بالبشارة والإرادة، وتمضي غارنر في حديثها عن أم عمارة التي وقفت ذات يوم أمام صاحب الشريعة فقالت: يا رسول الله مالي أرى الرجال يذكرون في القرآن ولا أرى النساء يذكرن؟ فأنزل الله تعالى قوله: إن المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات، في بيان سماوي يشرح مشهد المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الإسلام.
وفي موقف آخر جاءته خنساء بنت خدام قائلة: يا رسول الله إن أبي زوجني من ابن أخ له ليرفع بي خسيسته، وفي رواية ليقضي دينه، فماذا تأمرني، فجعل النبي  الأمر إليها، فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكنني أردت أن تعلم النساء أن ليس للآباء من الأمر شيء! أي من أمر الخطوبة!
وتنقل غارنر موقف الأئمة الحفاظ من رواية النساء، حيث لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبراً لكونه خبر امرأة، ومن طريف الرواية عن النساء ما أورده الحافظ الذهبي بقوله: لم يؤثر عن امرأة أنها كذبت في حديث، وهو موقف هام في التوثيق إذ يصدر عن الذهبي وهو من أشد رجال النقد الحديثي دقة وصرامة.
ومع أن غارنر في دراستها تنطلق من الثقافة الأوروبية ولكنها توقن أن الإسلام ليس ثقافة وافدة يمكن التماسها من كتابات المستشرقين فهذا الإسلام له مصادره ومنابعه ومنابته، وبالعودة إلى عائشة فإن هذه المرأة وقفت لترد بوضوح على أهم الصحابة حين كانت تجد أن خياراتهم لا تتفق مع ما تعلمه من مقاصد الإسٍلام في العدل والإحسان، وهكذا فإنها وقفت بكل شجاعة ترد على كبار الصحابة الذين خالفوها الرأي وقد جمع الإمام الزركشي كتاباً خاصاً حول مواقف عائشة التي انفردت بها في السياسة والفتيا أسماه (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)
وقد بلغ عدد الذين استدركت عليهم عائشة فردت أقوالهم أو فتاويهم أو مروياتهم ثلاثة وعشرين من أعلام الصحابة فيهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس وذلك في تسع وخمسين مسألة مختلفة.
ويعكس ذلك قوة شخصية المرأة المسلمة إلى جانب علمها الوفير، كما يعكس هامش حرية الرأي في عصر المجد الإسلامي حيث كان يتاح للفرد أن يرد على رأي الخلفاء والصحابة الكبار دون خشية من ألوان البطش الفكري وأشكاله.
وأنا أضيف لما كتبته غارنر هذه الإحصائية السريعة لدور بعض نساء الصحابة في التصدر للتعليم وفق ما نقله عنهن أئمة السنن في الكتب التسعة:
عائشة بنت أبي بكر: تلامذتها 299 تلميذاً منهم 67 امرأة و232 رجلاً.
أم سلمة بنت أبي أمية: تلامذتها 101تلميذاً منهم 23 امرأة و78 رجلاً.
حفصة بنت عمر: تلامذتها 20 تلميذاً منهم 3 نساء و17 رجلاً.
أسماء بنت أبي بكر: تلامذتها 21 تلميذاً منهم امرأتان و19رجلاً.
هجيمة الوصابية: تلامذتها 22 تلميذاً كلهم رجال.
أسماء بنت عميس: تلامذتها 13 تلميذاً منهم امرأتان و 11 رجلاً.
رملة بنت أبي سفيان: تلامذتها 21 تلميذاً منهم 3 نساء و18 رجلاً.
فاطمة بنت قيس: تلامذتها 11 تلميذاً كلهم رجال.
وكذلك نشير هنا إلى أن عدداً من الأئمة الفقهاء حصلوا جانباً هاماً من علمهم عن طرق النساء، ومن هؤلاء الإمام الشافعي الذي اشتهرت تلمذته للسيدة نفيسة في مصر.

غارنر مضت في بحث أحفوري يمتد بعيداً عنها آلاف الأميال، وبعيداً عن عصرها ومصرها وحاجاتها آلاف السنين، ولكنها أرادت أن تقدم للمسلمة في أوروبا خدمة خاصة حين تبسط بين يديها ملامح التسامح من عصر النبوة الأولى عصر الرسول الأكرم  حين كانت المرأة حاضرة في كفاح الأنبياء.

ما كتبته إيللي غارنر باللغة الإنكليزية يمكن قراءته في لحظة واحدة من خلال لغة العالم، الصورة التي رسمتها الكاتبة النرويجية آن صوفي لورين على غلاف كتابها الإسلام والمرأة في أوروبا، حين اختارت على غلاف كتابها صورة اثنتين من المسلمات في السويد يركبن على الدراجة في حديقة اسكندنافية خضراء، وتشرقان بالبهجة والأمل، وعلى شفتيهما ابتسامة عذبة بريئة، في إشارة واضحة إلى أن العفاف الإسلامي ليس شيئاً موجهاً ضد الروح والحياة، ولا هو دعوة للخروج من العالم بقدر ما هو دعوة للحفاظ على تماسك الأسرة وقيمها.
قبل سنوات صليت المغرب في مسجد في أورلاندو بولاية فلوريدا، وحين خرجت من باب المسجد تلقاني باهتمام شاب مغربي ومعه فتاة أمريكية بارعة الجمال، وكانت ترتدي حجاباً إسلامياً جميلاً يزيد في وقارها وجمالها، وتحدثت إلي بفرح وسرور عن الأداء الذي قدمته في المحاضرة وعن الروحانية التي غمرت صلاة المغرب التي أديناها في المسجد، قلت لها متسائلاً: أهلاً بك دعيني أتعرف عليك ومتى أسلمت قالت لي: أنا لست مسلمة!! قلت لها غريب!! ولكن حجابك هذا هو الذي ترتديه النساء في عواصم الإسلام كافة!! قالت: بالفعل أنا لست مسلمة ولكن يعجبني من دينكم هذا الحجاب، إنه الطريقة الوحيدة هنا ليعرف المجتمع الأمريكي من حولي أنني امرأة أفكر جدياً ببناء أسرة وليس بقضاء شهوة!!

Related posts

د. محمد حبش- إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها 17/2/2006

drmohammad

اقتضاء الصراط المستقيم

drmohammad

الإمارات في المريخ

drmohammad

Leave a Comment