مقالات

محمد حبش- الإعلام الإسلامي…رحلة بين المئذنة والميديا 2/5/2008

الإسلام رسالة إعلامية، ومنذ أمر النبي الأكرم بالأذان خمس مرات كل يوم فإن رسالة الإعلام تحولت إلى نسك ديني، وقيم الإسلام كاملة تم اختصارها في سبع كلمات يؤديها الأندى صوتاً في كل مكان في الأرض وتصل إلى مسامع الناس، وهي بكل تأكيد إجمال لرسالة الإسلام في نشر الفضيلة والهدى في العالم.

والإعلام في الإسلام مهنة ورسالة ولا يمكن أبداً أن تنفك رسالته عن وسائله، وباختصار فإن ثقافة الأدب والإعلام التي كانت سائدة قبل الإسلام: أعذب الشعر أكذبه، تم إصلاحها إسلامياً على حد قول حسان بن ثابت: وإن أشعر بيت أنت قائله بيت يقال إذا أنشدته صدقا.
ولكن إلى جانب الحديث عن القيم والمثل الإعلامية في الإسلام فإن هناك أكثر من تساؤل حول حجم الإعلام العربي وقوة تأثيره في الفضاء الإعلامي في الغرب خصوصاً.
هل نملك نحن في الواقع اليوم التأثير الكافي في زحمة التنافس الإعلامي الصاخب؟
الإعلام العربي سابح في هذا الفضاء الذي خلقه الله، وهو مسموع مقروء هنا وهناك ولكن هل نستطيع القول أنه أصبح فاعلاً في معركة التفاعل الحضاري، هل أصبح مؤثراً بالفعل في الخطاب الإعلامي في العالم؟

تبدو لغة الأرقام في هذه الجانب حساسة وبليغة ومؤثرة ولا أعتقد أننا نستطيع تجاوزها هنا، وبإمكان الحاسوب أن يقدم لنا من الأرقام ما يكفي للحجة والبرهان، فالأرقام محايدة وبإمكانها أن تقدم الإجابات بشكل لا جدل فيه.
على الرغم من كل النجاحات التي تكللت بها المسيرة الإعلامية لعدد من المؤسسات الإعلامية العربية، ولكن من الغرور القول بأننا قد أصبحنا اليوم مؤثرين على مستوى الخطاب الإعلامي العالمي، وفي إطلالة سريعة لمعرفة حجمنا الإعلامي الحقيقي في العالم، فأنا أدعوك لقراءة هذه الأرقام:
قناة الجزيرة ربما كانت أبرز نجاح إعلامي عربي مرئي، وقد سجلت ظاهرة مثيرة على الواقع العربي وطرحت أكبر الأسئلة، وتوازيها في التأثير والمنزلة قناة العربية، وعلى الرغم من الإمكانات المادية الهائلة المرصودة لنجاح هاتين لمحطتين فمن حقنا اليوم بعد نحو عشر سنوات من المسيرة الإعلامية لقناة الجزيرة أن نتساءل عن الدور الإعلامي على مستوى العالم الذي حققته الجزيرة في الحقل الإعلامي على الأقل؟
يقدم محرك البحث الجبار غوغل إجابات حاسمة خلال ثوان قليلة لأكثر الأسئلة دقة وصعوبة، وفي قراءة سريعة أجريتها صباح 22/2/2008 تجد أن قناة الجزيرة على سبيل المثال باسمها الانكليزي aljazeera ورد في موقع غوغل العالمي 2.8 مليون مرة فإن قناة cnn وردت في المحرك نفسه 82.8 مليون مرة، وكذلك فإن كلمة bbc وردت 145 مليون مرة، في حين أن اسم العربية al-arabiya قد ورد 337000 مرة.
ومعنى ذلك أن قناة السي إن إن لا تزال مصدر معلومات يروى عنها في العالم الأخضر أكثر من الجزيرة بنحو ثلاثين مرة وأن قناة البي بي سي لا تزال مصدراً للأخبار أقوى من الجزيرة بنحو خمسين مرة على الأقل.
أما على صعيد الصحافة فإن صحيفة الشرق الأوسط العربية أوسع الصحف انتشاراً وهي تطبع في عدد من العواصم العالمية في وقت واحد وتتلقى دعماً خيالياً لتحافظ على موقعها كأبرز صحيفة عربية وأشهرها، ولكن مع ذلك فإن تأثيرها في الثقافة الغربية والصحافة العالمية لا يزال جد محدود، وحتى الآن فإن اسم الشرق الأوسط بصيغته في الصحيفة alsharq al awsat تكرر في موقع غوغل 3540 مرة في حين يتكرر اسم الغارديان guardian وهي صحيفة بريطانية هامة ليست الأكبر أو الأشهر بالطبع ولكنها ذكرت في محرك غوغل نحو 67.000.000 مرة.

ويتكرر اسم القاهرة Cairo في محرك البحث 28 مليون مرة في حين أن كلمة لندن London تتكرر 602 مليون مرة، وتتكرر كلمة باريس Paris 597 مليون مرة، ويرد اسم سوريا Syria 60 مليون مرة، في حين يتكرر ذكر فنلندا Finland 217 مليون مرة، ويتكرر اسم فلوريدا Florida وهي ولاية واحدة في أمريكا نحو 633 مليون مرة.
إن متابعة سريعة لهذه الأرقام ستجعلنا ندرك أننا لا زلنا شاطئاً رمادياً في هذا العالم إن لم نقل إننا لا زلنا في الأرض المجهولة المنطفئة النور، ومن المؤلم القول بأن هذه المواقع تذكرنا عادة بالمعنى السلبي وليس بالمعنى الإيجابي، وبوسع كل أحد أن يراقب بالطبع هذه النتائج ويتأكد منها بل ويضيف عليها ويستخلص النتائج والعبر.
حقق الشيخ القرضاوي على سبيل المثال أعلى شهرة بين الدعاة الإسلاميين، ونال عن كفاءة واقتدار موقع المرجعية الفقهية لمعظم أبناء الأمة الإسلامية، وأسهم في ذلك بالطبع حضوره المباشر على الفضائيات، ولكن الصورة ليست كذلك في حجم التأثير على المشاهد الغربي الذي لا يتقن العربية، ففي المواقع الإنكليزية التي يستخدمها اليوم أكثر من نصف سكان الأرض, فإن اسم شيخ الأزهر Tantawi ” قد تكرر في الحاسوب نحو 203.000 مرة في حين أن جيري فالويل “jerry falwell” وهو واعظ أمريكي من مواليد 1933، وهو رائد المسيحيين المتصهينين، وأحد أبرز المبشرين بمشروع أرض الميعاد ومسؤولية أمريكا في حماية إسرائيل وتنفيذ نبوءات العهد القديم في إقامة إسرائيل ودعمها، يتكرر اسمه أكثر من 1.510.000 مرة.
أما البابا الألماني الجنسية بيندكت السادس عشر فعلى الرغم من أن عمره الإعلامي لا يزيد عن ثلاث سنوات فإن اسمه يتكرر في الويب 3.630.000 مرة أما البابا السابق فقد تكرر اسمه 11.200.000 مرة!!
وهكذا فإنه ببساطة يحضر البابا السابق على الأنترنت أكثر من شيخ الأزهر بخمس وخمسين مرة أما البابا الحالي فقد تجاوز شيخ الأزهر بثمان عشرة مرة!! أما الواعظ الأمريكي جيري فالويل فقد ورد أكثر من شيخ الأزهر بنحو ثمان مرات!!
ليست هذه الأرقام مقدودة على نسق إحباطنا بل هي في الواقع نتيجة حتمية لبحث رقمي أصم لا مجال فيه للعاطفة البشرية وإنما هي معطيات وأرقام يجمعها الحاسوب دون أي خلفية دينية أو تبشيرية!!
إن هذه الأرقام التي يوفرها الحاسوب تدعونا لإعادة النظر في مشروعنا الإعلامي، فإلى أي مدى تمكنا من شرح أنفسنا للعالم؟ وهل عرفنا العالم كما ينبغي، وهل تمكن الإعلام من المواجهة في عصر العولمة؟
الرقم الآن يتجاوز خمسمائة محطة عربية على الفضاء وهناك عدد مماثل على المحطات الأرضية ولكن إلى أي مدى تقوم هذه المحطات بممارسة دور حواري وحضاري للتواصل مع العالم، يبدو أننا لن نبالغ في شيء إذا قلنا إننا لا نزال نخاطب أنفسنا، حتى تلك المحطات التي تتكلم الإنكليزية فإنها تزحم الفضاء بقضايا جدل الحجاز ونجد وصنعاء ولكن بلسان إنكليزي، وهذا يؤكد غيابنا عن المسرح الإعلامي الحقيقي الذي يرسم صورة العالم وشكله.

إنها محض إشارات حاسوبية ولكنها ستساعدنا في اكتشاف حجم الرسالة الإعلامية المطلوبة، وتكشف في الوقت نفسه حجم الغرور الذي نعيش فيه، نسمع الجعجعة ولا نرى الطحين، ولا نزال منذ عقود نخاطب أنفسنا ونغني في حماماتنا وندور في رحانا ونمجد ألقابنا، ونحن ننتظر أن يأتينا أباطرة الأرض ليعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.

أمام حقائق كهذه فإنه يسوغ السؤال هل نمتلك بالفعل القوة والتأثير لإيصال رسالتنا للعالم؟ ومواجهة الإسلاموفوبيا التي تشوه حضارتنا وتاريخنا كل يوم؟
إنها معاناة من داخل الذات ولكن الأمر مرتبط أيضاً بالقدرة على الوصول إلى المنابر الغربية للتصحيح والتصويب ورفع الشبهات ولكن إلى أي مدى تمكن الخطاب الإسلامي من الوصول إلى المنابر الغربية؟

ربما يبدو للبعض أن أفضل السبل للهروب من الكارثة هو في تلفزيون الواقع وهو اسم ذكي لإعلام عابث، وهو نمط من الإعلام العربي حول البيوت إلى كبريهات، وتعامل مع الإنسان العربي على أنه كتلة من الغرائز لا يزال يسيل لعابه لكل هز ولز، ولا أعتقد أننا نحتاج لنكرر السؤال: هل يمكن أن تقدم مصانع روتانا جيلاً مقاوماً؟ وبالطبع فليس لي طمع السؤال عن المقاومة الجهادية والفدائية!! فقط أنا أتساءل هنا عن المقاومة الفكرية والاجتماعية، عن موقف إنساني مسؤول لمواجهة تداعيات العولمة، وحماية الذات العربية التي حملت إلى العالم ذات يوم تراث الأنبياء.

Related posts

د.محمد حبش- عروبة الأنبياء… رسالة نور للعالم بلسان عربي مبين 2008

drmohammad

العلماني والإسلامي في سوريا الجديدة

drmohammad

د.محمد حبش- حوار فنلندا: من احتكار الخلاص إلى احتكار الحياة 8/12/2006

drmohammad

Leave a Comment