مقالات

د.محمد حبش- منبر جديد في قلب القارة العجوز 5/6/2009

على هامش مؤتمر وزارة الأوقاف بالتعاون مع السفارة البريطانية

من وجهة نظري فإن هذا النجاح الذي تكلل به المؤتمر يضاف إلى رصيد وزارة الأوقاف التي سجلت اختراقاً حقيقياً في عمق الثقافة الأوروبية لتقديم صورة صحيحة عن الإسلام رسالة للمحبة والسلام، وذلك عبر المنبر البريطاني وهو منبر بالغ التأثير في الغرب، ومن خلاله سنتمكن من تقديم صورة صحيحة عن الإسلام في منابر الأرض.

ربما كان شكل المؤتمر أكثر إثارة من مضمونه فالحديث عن الإسلام والسلام ليس جديداً، وهو مقصد الإسلام كما عبر عنه سائر الخطباء في المؤتمر، فالإسلام مشتق من السلم والسلام، وتحية المؤمنين السلام واسم ربنا السلام، والجنة دار السلام والكعبة أرض السلام وللروضة المشرفة إلى قبر الرسول باب اسمه باب السلام، وفي القرآن نادى الله سلام على إبراهيم وسلام على نوح وسلام على إلياسين وسلام على موسى وهارون، وفي واحد وثلاثين موضعاً في القرآن الكريم تكررت فيها كلمة السلام والسلم تتجلى حقيقة واحدة وهي أن الإسلام دين السلام ويا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة، ولا تقولوا لمن ألقى عليكم السلام لست مؤمناً، واختار الله تعالى أن تكون تحية المؤمنين في الصلاة السلام عليكم ورحمة الله، وهي تحية المسلم للناس جميعاً، وعبر عنها النبي الكريم بقوله: وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.
وفي الحديث لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.

ولكن شكل المؤتمر هو الذي يجعله أكثر اللقاءات إثارة في الحوار الحضاري في سوريا، فالمؤتمر يجري بالتعاون بين السفارة البريطانية في دمشق وبين وزارة الأوقاف، وهو أمر لا يبدو عادياً، وبريطانيا حكومة صاحبة الجلالة التي مضت قبل تسعين عاماً في تأييد المشروع الصهيوني إلى النهاية تتعاون اليوم مع المؤسسة الدينية الرسمية في تقديم قراءة مختلفة للإسلام تتناقض تماماً مع ما يسعى اللوبي الصهيوني لتقديمه في الغرب عن الإسلام، حيث يتم الترويج للإسلام بخطاب الكراهية دين عنف وإرهاب ومترو الأنفاق وتفجير القطارات وأبو حمزة وأبو قتادة…
سيبدو الإسرائيليون غاضبين حانقين في تحول كهذا، وهو تحول يفسد الصورة اللئيمة التي ظلوا يرسمونها عن الإسلام والمسلمين في الغرب، على أنهم قوم جبارون قساة، أعداء السامية، يرفعون صيحة الجهاد والرباط إلى يوم القيامة حتى يرموا الصهاينة ومن والاهم من إنكليز وإفرنج في البحر!!

الفوبيا التي رسمها الصهاينة عن الإسلام خلال العقود الأخيرة تتكشف اليوم عن ملامح أخرى تتناقض مع الهوى الصهيوني، وتقدم صورة الإسلام في الأرض على لسان علماء الإسلام من عاصمة إسلامية عريقة، تحملها إلى منابر أوروبا عاصمة أوروبية عتيقة رسالة للمحبة والسلام.

البريطانيون جاؤوا إلى سوريا والتقوا برموزها في الدين والسياسة، ووقفوا بجلال أمام يوحنا المعمدان في مسجد بني أمية بدمشق وأمام الخليفة المسلم عمر بن عبد العزيز في دير القديس سمعان بالمعرة، ووقفوا طويلاً تحت الباب الشرقي وتأملوا فيه رؤيا بولس الرسول وخيمة خالد بن الوليد، وتجولوا بين كنيسة الزيتون والنوفرة ومشهد الحسين، وقرأ عليهم تاريخ الإخاء الديني فصوله الكاملة في لوحة المحبة والاحترام التي ترسمها دمشق لكل زوارها.

إنها قراءة مختلفة تلك التي أدركها البريطانيون في مشوارهم الآتي إلى دمشق، وهم ينتقلون من أفق إلى أفق، هناك إسلام آخر في سوريا يختلف عن الإسلام الذي شرحه لهم أبو قتادة وأبو حمزة في الشاشات البريطانية، وأذان مسجد بني أمية الطافح بالمحبة لا يشبه في شيء صيحات الغضب والنقمة التي أطلقها الإرهابيون قبل اقتحام مترو الأنفاق، وإعلان صيحة الموت.

إنه ليس إسلاماً آخر إنه الإسلام نفسه رسالة المحبة التي يتم تشويهها عن عمد وعن جنون على يد عتاة التعصب أو الارتهان للمشروع الصهيوني الذي يقدم ما شئت من كيد وتآمر لتشويه صورة الإسلام في الغرب.
قال أبو حمزة بملئ فمه في الشاشات البريطانية: إننا نسكن هنا في لندن في أرض الكفار مرغمين كارهين، ولا نرى في هذا الغرب الكافر إلا مكاناً لقضاء الحاجة ندخله على مضض، ونقيم في أرض الكفر كارهين إلى حين يمنحنا الله القوة وحينذاك سنقول للبريطانيين بدون مواربة لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون، وأنتم بين واحد من ثلاث خيارات: إما الإسلام أو الجزية أو السيف!!

هكذا بالضبط أراد الصهاينة أن يقولوا للعالم، وفي سبيل فكرة كهذه بذلت أموال روتشيلد الأسطورية لتستأجر الأقلام والصحف والمنابر لصناعة الإسلاموفوبيا، ولكن التعصب الأعمى يقدم هذه الخدمة لهم اليوم بالمجان، تماماً كهدف قاتل يزرعه دفاع فاشل في مرمى قومه في لحظة قاتلة.
ما يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه

وبعيداً عن أجواء المؤتمر فإن الحدث يدعوك إلى تأمل من لون جديد، ويمكن القول إن الحوار مع الغرب يعيش في عصره الذهبي اليوم، مؤتمرات ولقاءات وحوارات وندوات، نحن في العصر الذهبي للحوار مع الآخر، في العصر الذهبي لمؤتمرات حوار الأديان، في العصر الذهبي لمؤتمرات حوار الحضارات، في العصر الذهبي للحديث عن المشترك بين الإسلام والمسيحية والثقافات الإنسانية المختلفة، ولكن ماذا عن الحوار مع الذات؟ وهل تمكنا من رفع الحواجز فيما بيننا، وهل سيجد المسلم الذي جلس إلى المنصة مع نظيره البريطاني وقاسمه همومه وأمانيه، هل سيجد منصة مماثلة يجلس فيها إلى أخيه المسلم الذي يختلف معه في الفكر أو المذهب أو التوجه؟ مع أنه يشاركه في تسعين بالمائة من فقهه وعقيدته وفرائضه وسننه، ويتحد معه في أمانيه لبناء الوطن؟
لقد تعلمنا أن ننظر إلى البريطاني القادم إلى الحوار على أنه شريف حر يكسر الأغلال والحواجز، ويبني على المشترك الإنساني، وقلنا له بملئ الفم: الناس إخوة، كلنا لآدم وآدم من تراب، وخلاف الرأي لا يفسد للود قضية، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، والخلق كلهم عيال الله، وإلهنا وإلهكم واحد، ولله طرائق بعدد أنفاس الخلائق، إلى غير ذلك من شعارات الإخاء.
ولكن هل تعلمنا أن نقول الشيء نفسه لإخوتنا الذين نختلف معهم في الرأي فنرفع في وجههم حينئذ ما تراكم في تراثنا المرير من تسميات لئيمة من طراز زنديق وفاسق ومنحرف وضال ومضل وزائغ القلب؟

إن نظرة واحدة إلى مشهد قلقيلية ووادي سوات والمسجد الأحمر وبعقوبة والمحاكم الإسلامية في مقديشو، وهي نتائج حتمية لجهود لئيمة يبذلها دعاة الطائفية والمذهبية الضيقة في إطار الفكر أولاً لتتحول بعد ذلك إلى حوار بالسيف والسكين والخنجر والقنبلة والحزام الناسف، ولا أعتقد أن إثم الذين كرسوا للكراهية فكراً أقل من إثم الذين اكتووا بنارها وانفجروا في ركامها وأهلكوا الحرث والنسل والله لا يحب الفساد..
الحوار مع الخارج يعيش في عصره الذهبي فهل الحوار مع الداخل كذلك؟

Related posts

د.محمد حبش-الانهيار المصرفي العالمي…قراءة من اليسار الإسلامي 21/11/2008

drmohammad

إرادة الحرب وغرائز السلام – عمر بن عبد العزيز

drmohammad

د.محمد حبش- قرأت الحب في أربعين وجهاً فما رأيت أصدق من وجه أمي 21/3/2008

drmohammad

Leave a Comment