قراءة في الخطاب الطالباني الذي نكرره كلَّ يوم
طالبان تمنع النساء مجدداً من التعليم وتغلق مدارس النساء، وتعود إلى تطبيق قاعدة لا تعلموا النساء الكتابة وعلموهنَّ المغزل وألزموهنَّ الغرف!
الشعوب الإسلامية ستستنكر هذا السلوك، وكذلك الحكومات، ولكن دعك من طالبان وبرامجها الواضحة، ولنتذكر معاً ما نسمعه كل يوم من ثقافةٍ ذكوريةٍ تمييزيةٍ ضدَّ المرأة تقدِّمها الفضائيات وتنشرها هيئات تعلمية وتربوية ودينية باسم الإسلام نسمعها كل يوم:
المتعطرة زانية، والنامصة ملعونة، والواشمة ملعونة، والمتنمصة ملعونة، والمستوشمة ملعونة، والمرأة تلبس البنطال ملعونة، والمرأة تخالط الرجال ملعونة، والمرأة يدعوها زوجها لحاجته فلا تستجيب فيلعنها الله والملائكة حتى تصبح! وخير أحوال المرأة ألَّا ترى الرجال ولا يراها الرجال، وهكذا يصبح بدهياً أن نقرأ النهايات الأليمة لثقافة كهذه وهي أن المرأة الصالحة لا تخرج من بيتها إلا مرتين مرة من بيت أهلها إلى بيت الزوج، وأخرى من بيت الزوج إلى القبر!
من المؤسف أن هذه الروايات الاتهامية لجنس النساء التي تجعلهن أكثر أهل النار، هي أكثر النصوص التي يروج لها الخطباء على المنابر والقنوات الفضائية الدينية وتنشرها بوسائل متعددة مؤسسات التعليم الديني، ويكفي أن تختار أي كلمة من هذا الذي سقناه وتطلبها صورة على غوغل لتجدها منشورة بمئات الصيغ وبألوان شتَّى ومن مراكز لا تحصى، ومضافاً إليها مقاطع يوتيوبية وتيكتوكية وانستغرامية وكلها تحذر من المرأة وتعدها بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا فكرت أن تعيش طرفاً من حريتها وجمالها وفطرتها التي خلق الله الناس عليها.
ولكن… كيف تجرؤ أن تردَّ هذه اللعنات المتراصفة في النامصة والواشمة والمخالطة للرجال، وهي أحاديث نبوية، رواها المحدثون بأسانيد قوية؟
لقد كتبت في ذلك دراسات كثيرة وأصدرت كتابي «المرأة بين الشريعة والحياة» قبل ثلاثة وعشرين عاماً في هذه المسائل، وثار جدل كبير آنذاك، وأعلن بعضهم أنها ردة عن الدين أن تنكر هذه الأحاديث القوية، ودفعت ثمناً غالياً آنذاك في الدفاع عن قناعتي وموقفي.
وفي الواقع فإن ردي لهذه الأحاديث ورفضها بالمطلق ليس إلا تطبيقاً لقواعد علم الحديث التي اختارها الفقهاء في عصر السلف، فالسلف هم من قرر أن الحديث الصحيح بإسناده يحكم عليه بالشذوذ إذا خالف ما هو أوثق منه، ويحكم عليه بالشذوذ إذا رتب عقاباً عظيماً على إثم صغير أو إذا رتب ثواباً عظيماً على عمل يسير، وهذه الحقائق بقدر ما هي قواعد علم المصلح فهي أيضاً قواعد علم العقل، ولا يختلف عليها العقلاء في كل مكان في العالم.
وعلماء الرواية كتبوا مبكراً في نقد السند ونقد المتن، وقال الإمام محمد عبده: ولو قام المسلمون بنقد المتن كما صنعوا في السند لعادت كثير من المتون على رواتها بالبطلان، ولكان كثير مما نرويه اليوم على أنه من السنن الصحيحة باطلاً ومحكوماً بالشذوذ والعلة القادحة.
ولكن الكارثة أنهم وقفوا بنقد المتن عند (تابو) الممنوعات، وهم لا يريدون منك تطبيق هذه القواعد المجيدة؛ بل المطلوب أن تتبع السلف في ترجيحها وتضعيفها وتقويتها، فقد استعمل السلف عقولهم وكفونا المؤونة، ولم يعد هناك أي حاجة لاستعمال العقول من جديد!
فالحديث الصيح ما صححه الأولون، والضعيف ما ضعفوه، والقوي ما قووه، والضعيف ما ضعفوه، وليس لنا إلا السمع والطاعة!
هذا بالضبط ما يطالبك به الخطاب التقليدي: قف على ما وقف عليه الأولون فإنهم عن علم وقفوا، وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في اتباع من خلف، ولو كان خيراً لسبقونا إليه!
لن أقف على ما وقف عليه الأولون، ولن أعيش في جلباب أبي، ولن أقبل للحظة واحدة أن الله الذي خلق الرجال والنساء انحاز للرجال وحكم على النساء بنقص العقل والدين وحكم أنهن أكثر أهل النار، وأنهن مصدر الشقاء في الدنيا والعذاب في الآخرة، ولن أكرر المفهوم التوراتي للمرأة الذي يجعلها سبب الغواية والخطيئة والسقوط؛ بل سأنظر وفق المنظور القرآني بالضبط الذي يعزز المساواة التامَّة بين الرجل والمرأة في المسؤولية المدنية والجزائية والأخلاقية: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله.
وبوضوح تام فهذا طرف من قواعد نقد المتن عند علماء الرواية ويجب تطبيقه على كل حديث حتى لو كان من رواية البخاري ومسلم:
- كل حديث يناقض صريح العقل مردود
- كل حديث يناقض مقاصد القرآن في الحرية والعدالة مردود.
- كل حديث يناقض ما هو أوثق منه فهو مردود.
- كل حديث يرتب ثواباً عظيماً على أمر يسير أو عقابا عظيماً على عمل صغير فهو باطل.
- كل حديث يسيء للذات الإليهة فيصور الله باطشاً أو غاشماً أو ظالماً أو لا مبالياً فهو حديث باطل مردود.
- كل حديث يناقض قيم العدالة والحرية والمساواة التي أكدها القرآن الكريم فهو باطل ومردود.
سيكون جواب أصدقائنا إذن أنت تنكر نصف الإسلام، ويا له من جواب مرٍّ! يظنون بالله غير الحق ظنَّ الجاهلية، وكأنه يقول لك إن الإسلام دين غير عقلاني، وإنه غير معنيٍّ بهذه القيم والفضائل والأخلاقيات، وأنه محض سلوكيات وممارسات تعبدية لا يتعقل معناها فمن أخذ بها فهو المسلم ومن أنكرها فهو غير المسلم.
سأكتب في ردٍّ هذه الأوهام وأعتبر هذا الجدل جهاداً مقدساً؛ لأنه لا شيء أرضى عند الله تعالى من مقارعة الظلام بالنور والباطل بالبرهان والظلم بالعدالة.
وأقول لحواء اعتزي بعفافك وطهارتك، ولكن تعلمي أيتها المرأة واقتحمي حصون المعرفة وتعطري وتزيني والبسي ما تحبين من لباس التقوى، وتحدثي بنعمة الله عليك إذ حباك الجمال والنعمة، ونافسي الرجال وتمكني من حقوقك شريكاً كاملاً في الحياة، فقد اقام الله هذا العالم على التكامل بين النساء والرجال ومنح المرأة الولاية الكاملة على نفسها وعلى من تعول كما منحها للرجل: والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.