مع أن فرحة دخول الشهر الكريم غامرة وغالبة، وتعيشها سوريا كما سائر بلاد المسلمين بالرضا وقرة العين، ولكن هذا الإهلال الذي نشهده كل عام يخفي من ورائه صورة قلقة لاختلاف الأمة في ظاهرة إثبات الأهلة: تصوم بلاد وتفطر بلاد، ويتكرر المشهد المضطرب كل عام، وهكذا تتحول واحدة من أهم معالم الوحدة الإسلامية إلى ظاهرة شتات!! فهل من الصواب القول إنه لا يوجد حل لهكذا مشكلة؟ الأمر بالتماس الهلال صدر عن الرسول الكريم معللاً بقوله: إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته! وهو كلام فطري طبيعي لأمة كانت تعيش ظروف الصحراء وعناءها، ولكن الأمر لم يعد مبرراً في عصر العلم والمعروفة والنور وقد أصبحنا نمتلك من المعارف الفلكية ما نستطيع أن نجزم به ولادة الهلال في الساعة واللحظة، ويتذكر السوريون الكسوف الكلي للشمس قبل عدة أعوام حين كان التلفزيون ينقل لنا بدقة مدهشة مواعيد الكسوف بالدقيقة والثانية وكان ذلك يتحقق في أوانه، ولم يكن ذلك وحياً ولا نبوءة بل كان تطبيقاً لقوانين العلم والمعرفة! من المدهش أن الأمر بالصلاة أيضاً مرتبط في القرآن الكريم بدلوك الشمس وغسق الليل وطلوع الفجر الصادق ولكن هذه الإحداثيات الفلكية يتم تقديرها اليوم بالحساب الفلكي، وتثبت في الروزنامة منذ مطلع العام وهي منقولة بشكل مستمر منذ أكثر من مائة عام، وحين يريد المؤذن الأذان فإنه لا يصعد إلى المئذنة ليراقب دلوك الشمس وغسق الليل وغير ذلك وإنما ينظر في الروزنامة وبناء على ذلك فإنه يقرر وقت الأذان والإقامة وفق الساعات الحديثة بدون أدنى نكير. ليست المسألة نزاعاً في مسائل الفقه، فالأحكام الفقهية مكانها كتب الفقهاء وليس صفحات الجرائد، ولكنها في الواقع صورة لشتات الأمة التي لم تتمكن أن تتجاوز ظاهر النص في مسألة في غاية الأهمية وهي وحدة الأمة وجماعتها. أشعر بالأسى أننا لا نزال تختلف في مواعيد الصوم والفطر مع أن المطالع والمغارب صارت ألف باء علم الفلك الحديث محسومة ومقدرة منذ مئات السنين بدون أدنى شك أو ريب. لا يوجد أي مذهب في الفقه الإسلامي يقر صيام درعا وإفطار الرمثا، أو صيام قطر وإفطار البحرين، أو الصيام في البصرة والعيد في الكويت، وللفقه الإسلامي في هذه المسألة رأي واحد وهو وجوب اعتماد قرار واحد في البلدان المتجاورة مع وارد الاختلاف في الأمصار المتباعدة. إن بذل جهود عربية عبر المفتين والقضاة الشرعيين لتوحيد الأهلة على مستوى الوطن العربي هو أمر حيوي يستجيب لمطالب الفقه الإسلامي في بناء ثقافة الجماعة، وضبط مطالع الأهلة، وهو كذلك فرصة مخبرية رائعة لتحقيق جانب مرغوب من الوحدة العربية يحظى بتأييد الفقه الإسلامي ودعم الشارع العربي.
[ads1]
[ads1]