هل يجوز الإجبار على الصلاة؟؟؟ سؤال لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر….
الحسبة نظام نصيحة وليس نظام قهر…
الجزء الثالث
……….
الحسبة هي الشكل الأصلي لنظام الشرطة، وكانوا يسمونه العسس، وهو شأن من يعس بالليل أي يطوف بالناس على غير ميعاد فيطلع عن قرب على أحوالهم، وقد كان الخليفة يعس بنفسه فلما توسعت الأمصار كتب في كل أفق بصاحب شرطة، وكان صاحب الشرطة يقوم برعاية الناس في الأمور المستعجلة، ويواجه المسائل الراهنة، ويقمع المخالفات من غش واحتكار وتدليس، ويقضي بينهم في الخصومات العاجلة، فإذا رضي الناس حكمه امتثلوه وإن لم يقبلوا لجؤوا إلى القضاء.
أما قيام المحتسبين بإجبار الناس على الصلاة أو الصوم فهذا لا نعرفه في السلف الأول، وأما ما يستدل به بعضهم أن رسول الله قال: “لقد هممت أن آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أخالف إلى بيوت أقوام لا يصلون معنا فأحرق عليهم بيوتهم”، فمن الواضح أن رسول الله ذكر ذلك على سبيل التهديد لقوم مخصوصين، وهم المنافقون من أصحاب مسجد الضرار، ولم تكن المسألة تركهم للصلاة فقد كانوا يصلون في مسجد_الضرار ويتآمرون على النبي وصحبه، وبالفعل فإن الرسول الكريم أرسل سرية فهدموا المسجد الذي كان المنافقون يكيدون فيه للأمة، ولا يعرف أبداً أن رسول الله أو الصحابة من بعده أرغموا أحداً على الصلاة، وإنما كانوا يرونها خيراً موضوعاً، فمن شاء استقل ومن شاء استزاد.
إنه أمر مدهش أن نزاود على الرسول الكريم الذي مات وهو يتلو كلام ربه: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر، وقوله وما أرسلناك عليهم حفيظاً، وما أرسلناك عليهم وكيلاً.
والحسبة في الأصل هي لون من التطوع في خدمة الناس ومطاردة اللصوص والعيارين والشطار، والفقهاء على قولين في مسألة تكليف المحتسب فهل يتعين أن يأذن الإمام للمحتسب أم يحتسب دون تكليف من أحد؟
لقد استقر اجتهاد الفقهاء أن الاحتساب الطوعي لا يشمل أكثر من إنكار المنكر باللسان أو القلب، أما انكاره باليد كما هو نص الحديث فهو مقصور على الإمام أو من يأذن له الإمام، ولا شك أن ذلك كله كان يتم عفواً دون شروط وقيود ونصوص مكتوبة.
ولكن الحضارة الإسلامية أنجزت نجاحاتها وتحول المجتمع الاسلامي من جو البساطة إلى جو القبيلة إلى جو المدينة، ومن العلاقات العفوية الى العلاقات الدستورية، وتحولت سوق المدينة إلى أسواق كثيرة تنتشر في العالم الإسلامي، ولا بد من خطى تتناسب وهذه النقلة الحضارية، على مستوى تطوير جهاز الحسبة.
لقد نجحت بالفعل سائر البلاد الإسلامية في تطوير نظام الحسبة إلى نظام الشرطة بدءاً من العصر العباسي وتحول المحتسبون إلى موظفين رسميين في الدولة يقومون بمهام محددة، ويقوم موظفو الدولة الرسميون المكلفون بالسهر على أمن الناس وراحتهم واستماع الشكاوى من الناس والنظر في جديتها ثم التعامل معها، ولم تعد مسالة الاحتساب مزاجاً يقوم به بعض النشطاء، وإنما مسؤولية حقيقية للدولة المسلمة تضبطها هدايات الوحي وقواعد العقل وتجارب الأمم.
تماماً كما هو الخيل والبغال والحمير المنصوص عليها في القرآن على أنها مراكب الإنسان في سفره وترحاله، ولكن العقل الاسلامي الحضاري تقبل الانتقال من الخيل والبغال والحمير إلى السيارات والطائرات مع أن التنويه القرآني قد ورد في الأولى ولم يرد في الثانية.
ولكن ما هو أعجب من هذا قعودنا عن فهم مقصد الحسبة وغايتها، فقد كانت لوناً من التطوع يمارسه الإنسان لمساعدة الآخرين في معرفة الخير ورد الشر، وأن يتحول الاحتساب إلى جهاز قمع جديد وكأن الناس لا يكفيهم ما يعانون من ظلم النظام وبطشه ومخابراته وشبيحته ليكابد الناس بلاء جديداً يتربص بهم في مفارق الطرق وحروف الواتس آب وصفحات الفيس وأن يجد المرء نفسه مدعواً كل ساعة لتبرير ما يكون من كلام أو شقاق أو خطيئة.
وعادة ما يقول المتحمس للحسبة إن القرآن يأمرنا إذا تمكنَّا في الأرض أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وهكذا يطيرون على دراجاتهم يتجولون في أسواق الناس ويراقبون بيوت الناس ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة، آتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر.. ولكن أين التمكين ؟ فالناس في هذه المناطق يعانون سيلاً من النكبات التي لا تتوقف، وهم يهربون من موت إلى موت ومن حرب إلى جرب، يقصفهم في سمائهم نظام مجرم حاقد وطائرات روسية وصواريخ ايرانية وكتائب طائفية وتحالف دولي، ولم يعد في #سوريا مكان آمن، وهناك من نزح من داره عشر مرات من أرض إلى أرض ومن دار إلى دار ومن بيت إلى بيت، يأتيهم الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غلظ.
الفقهاء الراشدون أفتوا بتعطيل الأحكام الشرعية في حال الحرب، وهذا ما قرروه جزءاً من مسؤولية الدولة المسلمة القائمة والخلافة الراشدة فكيف هي مسؤولية الافراد في ظروف من الحرب والقلق والموت.