مقالات

د.محمد حبش- في سبيل الله والمستضعفين في الأرض

هل يوجد من يصغي لخطاب المقاومة في هذا الصخب العربي الهادر الذي يعصف بالمنطقة ويغير كل قواعد اللعبة فيها؟
كانت فرصة طيبة التي وفرت لي فرصة اللقاء مع فتية وفتيات من أبناء سوريا وفلسطين وإلقاء محاضرة فيهم وهم يتدربون على فنون المقاومة، حيث خيار المقاومة هو الخيار الذي يرسم شكل الحاضر والمستقبل في سوريا الأرض التي لم تتقبل على الإطلاق منطق مجاملة المحتل مقابل فتات من الحقوق المجتزأة.
في عيونهم كنت أقرأ بسالة الرعيل الأول من أصحاب النبي الكريم الذين كانوا يحملون على كواهلهم عناء العالمين، ورسالة الإصلاح والتحرر للإنسانية، وحينما أطلقوا شعاراتهم في الأرض كانوا يعلمون أنهم يواجهون قوى عالمية كبرى خضعت لها شعوب الأرض قروناً طويلة وتأسست خلالها الامبراطوريتان العظيمتان فارس والروم، كأنها القدر المحتوم الذي كتبت مرارته على الشرق الأوسط ولا يوجد عنه محيد ولا صارف، وكان على رجال الحق أن يواجهوا أعتى قوى الأرض بإرادة الصمود والتضحية والفداء.
هذي الكماة رجالـك الأخيـــــار حملوا عناء العالمين وساروا
البحر حبـــة خردل في كفهـــم والعشق في أرواحهم إعصار
فعلت كموسى في البحار عصيهم وتراجعت لخطاهم الأنهـــــار

لا شك أن المشروع الصهيوني أعجز وأخذل من المشروع الروماني أو الفارسي الذي فرض أطماعه على العالم القديم، وجاء بجيوشه وخيوله وآلهته ليفرض وجوده على أرض العرب، ومع ذلك فإن رسالة التحرير التي انطلقت مع كفاح النبي من مكة لم تتردد في مواجهة هذا اللون من البغي الرهيب، وبدءاً من مؤتة إلى تبوك إلى البلقاء إلى فتوح فلسطين والشام قدمت الرسالة آلاف الشهداء من أجل تحرير الأرض والإنسان.
بالتأكيد مر في موكب الرسالة رجال يؤثرون السلامة والعافية، وليس في أمانيهم ولا طموحهم أن يركبوا الأهوال، وجاء أعرابي منهم فقال للرسول الكريم : أرأيت إن صليت المكتوبة وصمت رمضان وأحللت الحلال وحرمت الحرام ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة؟؟ وكان جواب النبي بالإيجاب نعم تدخل الجنة، فقال الأعرابي على الفور والله لا أزيد على ذلك شيئاً، وضحك النبي الكريم وقال أفلح الأعرابي إن صدق!!!
ولكن ما قبله النبي من الأعرابي التائه لم يقبله أبداً من الصحابي السابق، ومضى برجاله الكبار يسابق بهم خطوات الرجاء نحو المقاومة والفداء وقدمهم على مراكب الموت شهداء أبرار من أجل الرسالة الخالدة في تجرير الأرض والإنسان.
ما الذي جعل رجلاً مثل أبي أيوب الأنصاري من مواليد المدينة المنورة يرحل بأجله إلى أوربا وقبره اليوم بالقسطنطينية ، أما صفوان بن المعطل فهو من مواليد المدينة المنورة وقبره بأرمينيا، وقثم بن العباس من مواليد مكة المكرمة وقبره بسمرقند، وسمرقند تبعد عن موسكو خمس ساعات بالطائرة النفاثة وموسكو تبعد بدورها عن مكة خمس ساعات أخرى بالطائرة النفاثة، ولكنهم بلغوها تحت الأهوال على ظهور الخيل وهم يحملون رسالة التحرير والفداء، فما الذي جعل رجالاً كهؤلاء يركبون على مراكب الموت وينزرعون في زوايا الأرض شهداء أبراراً.
أم حرام بنت ملحان امرأة من الرعيل الأول حول الرسول محمد، ولكنها استشهدت في قلب أوروبا وقبرها في جزيرة قبرص ، وقد ماتت في رحلة جهاد شريف حملتها إلى قلب البحر المتوسط الذي كان مرتعاً للروم وكان من رسالة المجاهدين الأوائل تحريره من سيطرة الروم ورفع المظالم عن كواهل العباد.

إنها ثقافة في ضمير المؤمن يحمل بها ثقافة المقاومة والفداء في عصر تطرح فيه العولمة سريراً من الرفاهية تزينه أحلام من ورد يفترض أن تطفئ في نفوس الناشئة أي رغبة في المقاومة أو الفداء.

لا يريد الأمريكيون أن يصدقوا أن الشعب الفلسطيني منح أصواته لحركة المقاومة الإسلامية بكامل إرادته رغم معرفته التامة بفداحة الفاتورة الأمريكية المتربصة، ولا يريدون أن يصدقوا أن الانتماء إلى الإسلام هو ما يجعل الشعب يختار درب المقاومة عن بصيرة ويقين، وهم يقولون كالعادة إن انتصار حماس في الانتخابات هو قرار اتخذ في دمشق وأن الشعب الفلسطيني لو ترك حراً فسيختار نعيم الدولة العبرية وسيقبل رجاله العمل فيها كغجر في تل أبيب، وسيختار نساؤه العمل كسريلانكيات في حيفا ويافا، حيث ينعمون إذن بالهدوء والاستقرار والرضا الأمريكي، وأن أوهام المقاومة هذه ما هي إلا نزعات شباب طائش سرعان ما تتبخر إذا وجد الفلسطيني أمامه كأساً وطاساً وسيارة فارهة ورغداً من اللذائذ.
لقد قالت الشعوب كلمتها، وحين أصر النظام المصري على المضي في عكس حركة التاريخ وأسس علاقاته على قاعدة درهم علاقات مع أمريكا خير من قنطار علاقات مع الأمة العربي، واختار أن يبطش بالمقاومة في كل سبيل، وحقق لحكام تل أبيب ما كانوا يأملونه، وراح يفرك يديه بشماتة وقد أودع المقاومين ظلمات السجون وحاصر غزة بسد من حديد، ومنع عليهم طعامهم وشرابهم وأنفاسهم، وقال إني أنا القوي الأمين.
ولكن الشعب الذي صبر على الفقر والجوع لم يصبر أبداً على المهانة وخرج شبابه الواعدون إلى ميدان التحرير، ومعهم صور الأقصى والخليل، وصرخوا في وجه الظالم يا عدو المقاومة!! إن الله يدافع عن الذين آمنوا، ولم تكن له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصراً.
فمتى تدرك قوى الاستكبار العالمي أن المقاومة هي خيار الشعوب وليست قرار الأنظمة، وأن مصالح الدول الحقيقية ليس بالضرورة في الرقص على موسيقى البوب الأمريكي، بل إنه على المستوى البعيد الاستجابة لمطلب الشارع الحقيقي في المنطقة الذي ينعكس إرادة ومقاومة وبالتالي يمارس دوره في تعرية المشروع الأمريكي.

Related posts

الغزوة الشيشانية… نعم لفصل الدين عن جنون الحرب

drmohammad

د.محمد حبش- سوريا نموذجا…….. في بلاد الشرق البعيد 1/8/2008

drmohammad

الدكتور محمد حبش- الفرقان الصريح بين سياسة بوش ورسالة المسيح 18/11/2006

drmohammad

Leave a Comment