المعراج والإسراء اسم لواحد من أكثر أيام الإسلام إلهاماً وإشراقاً، وقد أعاد الأدب العالمي رواية الإسراء والمعراج في رسالة الغفران لأبي العلاء 449 هجرية، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي 426 هجرية، كما أعاد صياغتها في القرن السادس عشر دانتي في الكوميديا الإلهية وكذلك ملتون في الفردوس المفقود.
لا تتسع هذه الزاوية للحديث عن المعراج والإسراء في تفاصيل الحدث الكبيرة، وظروف الإكرام التي وافى الله بها نبيه يوم المعراج، كما لا تتسع للجدل الذي يثار كل عام حول معجزة الإٍسراء والمعرج وهل كانت بالروح والجسد كما هو رأي الجمهور أم كانت مجرد رؤيا منام كما هو رأي عدد من كبار الصحابة فيهم عائشة زوجة الرسول ومعاوية بن أبي سفيان، وهو جدل لا بد من الإشارة إليه.
ولكنني أود التوقف هنا عند موضوع أجمعت كل كتب الرواية على ذكره في رحلة المعراج وهو موقف الرسول أمام الله والحوار القدسي الخالد الذي نقله الرسول، في محاورة الله حين فرض عليه الصلاة، وقد فرضت خمسين صلاة في اليوم والليلة، وفي سياق نص الحديث الشريف فإن النبي الأكرم وقف أمام الله ليبدي وجهة نظره بثقة قائلاً: أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك!! وهنا يخفف الله عن الرسول خمس صلوات فتصبح خمسة وأربعين في اليوم والليلة، ولكن الرسول كمحام بارع ماهر شجاع: يطالب مرة أخرى بتخفيض عدد الصلوات ويتم تخفيفها خمساً وتستمر المطالبة ثم تخفف خمسا فخمساً إلى أن تستقر عند خمس صلوات في اليوم الليلة، يقول فيها الله قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي.
وبعد……… فما معنى هذا الجدل الديني على صفحات بلدنا في أمر جرت أحداثه قبل أربعة عشر قرناً في السماء؟
الواقع أن الموقف النبوي الشجاع يطرح سؤالاً في غاية الأهمية وهو: هل ندرك الأفق الكبير الذي منحه الإسلام للحوار والبرهان، بحيث يتاح لك أن تحاور الله نفسه، وتقدم حجتك ورأيك بالبرهان والتفصيل، ويتم من خلال الحوار تعديل المرسوم الإلهي بما يتفق مع مصالح الإنسان؟
بالتأكيد هو سؤال كبير، ولكننا نضعه في هذا اليوم الشريف أمام الاستبداد الذي قام بقمع الفكر الحر منذ قرون باسم الرب، في حين أنه يقرأ علينا في كل يوم سورة الإسراء وفيها خبر النبي الشجاع العظيم الذي تمسك بمعطفه أمام الله وراح يدافع عن رأيه وحجته إلى النهاية!!
بالتأكيد فإن الله لا يجهل الحجج التي ساقها النبي الأكرم وهو أعلم بعباده، ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ولكنه ببساطة أراد أن يشترك الإنسان في اقتراح الشريعة، وهو بالضبط ما فعله النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، واستجابت له السماء.
مطلوب من المؤمن أن يفكر ويحاور، ولا يوجد في الإسلام تابو في وجه العقل، وليس من الإيمان في شيء أن تسير مغمض العينين، وأن تقفو ما ليس لك به علم، وأن تقول إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون، إنه سلوك مصادم لإرادة الرسول الكريم الذي جاء ليخرج الناس من ضباب الخوارق إلى ضياء السنن، وليقول للعالم هذه رسالة العقل والحجة والبرهان.
أياً كان المعراج، رحلة بالروح والجسد، أو رؤيا حق تعلم منه الإنسان، أواستغراق في غار تأمل، فإنه في النهاية حوار جرى في السماء من أجل أن تتعلم منه الأرض ثقافة العقل والحجة والبرهان.