مقالات

د.محمد حبش- عزيزتي اليزابيث 24/6/2007

لست أدري إن كان يسوغ لي أن أخاطبك بهذه الطريقة، متجاوزاً الأعراف والتقاليد البريطانية الصارمة التي تفترض أن لا يذكر اسمك إلا مقروناً بألقاب المجد التي استقرت في العرف البريطاني منذ كانت المملكة التي لا تغيب عنها الشمس، وهي الألقاب التي حملها ألقابك وأجدادك الكبار من دهاقنة السياسة البريطانية في التاريخ.

لقد تلقيت دعوة سفير صاحبة الجلالة بدمشق للاحتفاء بيوم ميلادك، ومع أنه كان لي ألف ملاحظة على خطايا رئيس وزارتك ولكنني كنت أقول إنه رجل يغرد خارج التقاليد البريطانية المجيدة، وليس من اللياقة أن نحملك أوزار خطاياه في العراق، ومن العقل أن تكون هناك مسافة بينك وبين الرجل المكلف برعاية تاجك الذهبي في أطراف المعمورة.
وحين تلقيت الدعوة وجدتني مسروراً، فأنا أحمل لك المودة منذ أن وقف نجلك العزيز تشارلز في كامبردج يتحدث بإنصاف عن العرب والمسلمين ويتمنى على بريطانيا أن تعزز الحوار من أجل استقدام القيم الإسلامية التي لا يزال الله حياً فيها – وفق تعبير الأمير تشارلز- وهو الموقف الذي عزز فرص الحوار بين الإسلام والغرب.
وحين كان كثيرون في العواصم الإسلامية ينتظرون عيد ميلادك ليقوموا بالمجاملة اللائقة لك عبر سفير صاحبة الجلالة في عواصم البلاد الإسلامية، فوجئ العالم بموقفك الغريب بتكريم سلمان رشدي الرجل الذي وجه أبلغ الإساءات للعالم الإسلامي وللرسول الكريم عن عمد وسبق إصرار وترصد وتصميم!!
لماذا أيتها السيدة الوقورة؟؟
ما الذي تستفيده بريطانيا من استفزاز مليار ونصف مليار مسلم في الأرض، يفترض أنهم لا يحملون الكراهية للتاج البريطاني ، وهم يتعلمون لغة بلادك بشغف ويجتهدون أن يعلموها أبناءهم، خاصة وأن نحو أربعة ملايين مسلم يحمل الجنسية البريطانية وأكثر من سبعمائة مليون مسلم يعيشون تحت لواء الكومنولث ويفرحون بشكل ما بعلاقتهم بالتاج البريطاني.

سيدتي لقد ألغيت موعدي في دار السفير البريطاني بدمشق، وأخبرت أصدقائي أنني لن أتمكن من الحضور وكتبت إليه موقفي الذي شاركني فيه علماء الشريعة في الشام، ليس رغبة في التقاطع والتدابر، وأنا من أمة قال لها نبيها في وصيته الأخيرة: أيها الناس لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا يغتب بعضكم بعضاً وكونوا عباد الله إخواناً، الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
عزيزتي
هل يعقل أنك لا تعرفين من هو سلمان رشدي؟ وهل يسوغ القول بأن مستشاريك قد خدعوك؟ لا أعتقد ذلك فالأمر أكبر من أن تلقى فيه المسؤولية على المستشارين.
لقد قال حكيم بريطانيا الكبير إسحق نيوتن: إن الإنسان بنى كثيراً من الجدران وقليلاً من الجسور، ولكن عزيزتي هل تعلمين ماذا صنع سلمان رشدي؟ لقد حطم عن عمد وتصميم كثيراً من الجسور التي نصبها الحكماء بين الإسلام والغرب، وآياته الشيطانية لا تزال تلعن بيننا كل وصال، وتمزق كل حبل تلاق، وتحطم كل مائدة حوار.
من أجل ذلك عزيزتي لن أوقد الشموع في حفل عيد ميلادك، وسأعود إلى حجرتي الهادئة لأصلي وأقرأ فيها مزمور داود الخامس من الكتاب المقدس الذي ترأسين أنت تاجه الكنسي الإنغليكاني: ياربّ، إنّك إلهٌ لا يسرّ بالشّرّ. وليس للشّرّير أن يقيم في حضرتك، لا يمثل المتغطرسون أمامك، فإنّك تبغض جميع فاعلي الإثم، وتهلك النّاطقين بالكذب، إذ ليس في أفواههم صدقٌ وداخلهم مفاسد، حناجرهم قبورٌ مفتوحةٌ وألسنتهم أدواتٌ للمكر لأنّك تمقت سافك الدّماء والماكر أمّا أنا فبفضل رحمتك العظيمة أدخل بيتك. أسجد في خشوع ورعدة في هيكلك المقدّس.
أليس هذا هو بالضبط موقف الرب من سلمان رشدي؟ فهل يرضيك أيتها العزيزة أن تزرعي وساماً على صدر أولئك الذين يلعنون الأنبياء؟؟

Related posts

حتى لا نكرر المأساة… مواجهة مع ثقافة الدَّم

drmohammad

د.محمد حبش- كيوتو… صخب في مؤتمر الأديان العالمي في اليابان 1/9/2006

drmohammad

البابا في العراق – الأسئلة الغائبة

drmohammad

Leave a Comment