مقالات

د.محمد حبش- فرصتك للخلاص من التدخين 29/9/2006

الحديث عن رمضان لا ينبغي أن يقتصر على بيان أحكام الصوم والفطر والسحور والتراويح، بل لا بد من الحديث عن استثمار الرافعة الروحية التي يكرمك بها رمضان في توليد طاقة الإرادة والصبر.
ورمضان في جوهره معركة مع النفس الأمارة بالسوء وصراع مع الهوى، ورغبة حقيقية في بناء الإنسان من لون آخر وروح آخر، وهو ما نتمنى أن نرى أثره كل يوم في نفحات رمضان الكبيرة.
رمضان في ضمير المسلم مواجهة مع آفات اجتماعية ونفسية كثيرة ولعل من أبرزها اليوم آفة التدخين التي تعصف بالشباب والشيب في مجتمعنا سائر العام، وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها المراكز العلمية والبحثية والإعلامية لإقناع الناس بشرور التدخين ومفاسده فإن الإدمان على التدخين لم يتوقف قط، والجيل الحالي ليس أقل شرهاً للتدخين من الجيل السابق، وهذه الحقيقة محنة للعقل الذي يفترض أن يكون في صعود وترقي ولكن على ما يبدو فإن كثيراً من الناس غير راغبين بالتخلي عن أهوائهم لمجرد مثل أخلاقية!!
من نافلة القول أن التدخين لم يرد فيه نص من كتاب أو سنة، ولذلك تعددت فيه أقوال أهل العلم، وقد شاع أمر التدخين في زمن الشيخ عبد الغني النابلسي(1050-1143) حيث صنف كتاباً بعنوان: الصلح بين الإخوان في حكم شرب الدخان، كما صنف الشيخ محمد بن علان المكي رسالة في حكم الدخان بعنوان تنبيه ذوي الإدراك بحرمة تناول التنباك، وللشيخ شعبان بن إسحق الشهير بابن حافي المتطبب رسالة في بيان مضاره وللشيخ علي بن محمد الأجهوري المالكي المتوفى 1066 رسالة بعنوان غاية البيان لحل شرب ما لا يغيب العقل من الدخان، وللشيخ ابراهيم اللقاني صاحب جوهرة التوحيد المتوفى 1046 رسالة بعنوان نصيحة الإخوان باجتناب الدخان.
ولم يكن لدى الأمة خلال القرون الأربعة السابقة ما يكفي من الأدلة للجزم بتحريم الدخان، وكان فيهم من يستدل بعموم الآية المبيحة للمطاعم والمشارب فكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً، وأن المحرمات مذكورة بالنص بقوله تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم، وقالوا لو كان حراماً لفصله الله، ولكن مع تقدم العلم واكتشاف الآثار المميتة للتدخين وتأكد العواقب السرطانية للمدخنين أصبح الاجتهاد هذا بحاجة إلى إعادة نظر الأمر الذي دفع كثيراً من العلماء إلى الجزم بأن الدخان حرام.
ويجد القارئ الكريم في باب الفتاوى أدلة كافية من الشرع للقول بتحريم الدخان، ولا أعتقد أننا نحتاج إلى مزيد من أدلة الشرع على ترجيح القول بحرمة التدخين شراء وبيعاً واستعمالاً، ولكننا نفتقر إلى الإرادة الصحيحة لمحاربة هذه الآفة المؤذية التي تسلطت على الأمة برمتها.
وهنا فإنني أقول لقد منحك رمضان نصف الطريق، ومنحك الإرادة للتخلي عن التدخين سائر النهار فاتق الله في الليل، ولا تجعل للتدخين إليك سبيلاً.
أعرف شباباً بالعشرات تخلصوا من آفة التدخين من خلال شهر رمضان، حيث وجدوا الإرادة الحقيقية التي تقويهم على ترك التدخين.
من المستحيل أن يستطيع حامل السيجارة إقناع أبنائه بأن التدخين ضرر وشر، وهو يشرع سيجارته، وستكون نصائحه كلها سبباً ليس في انجراف الأولاد إلى التدخين فحسب بل في ضياع احترامهم لآبائهم أيضاً.
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقامة والضنى كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تنفح بالرشاد عقولنا أبداً وأنت من الرشاد عديم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
إبدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
وفي مثل ذلك قال أبو العلاء المعري
رويدك قد غررت وأنت حر بصاحب حيلة يعظ النساء
يحرم فيكم الصهباء صبحاً ويشربها على عمد مساء
إذا فعل الفتى ما عنه ينهى فمن جهتين لا جهة أساء
إن أكبر الجهود العالمية تبذل اليوم من أجل محاربة التلوث البيئي وتنفق الدول الملايين من أجل تجنيب شعوبها شرور التلوث البيئي، وفي دمشق مثلاً نقلت معامل بحالها بتكاليف باهظة من مراكزها إلى أماكن بعيدة من أجل الحفاظ على بيئة سليمة، ونتحدث بغضب عن سيارات المازوت ووجوب منعها من دخول المدينة، وارتفاع نسبة الإصابة بالسرطان ارتفاعاً مخيفاً بسبب التلوث البيئي، فكيف يمكن التهاون مع أكبر تلوث في البيئة ترسله بنفسك مباشرة إلى رئتيك في مشروع موت بطيء أصبح اليوم بدون شك أكبر أسباب الموت في الأرض على الإطلاق!!
قال تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وقال: إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون.
فهل تستطيع أن تقول ذات يوم، لقد ساعدني رمضان 1427 على الانتصار على آفة التدخين وأعاد إلى الحياة والعافية، وشرح لي صدري ورئتي من البلاء الذي أنقض ظهري، ومنحني أياماً جديدة بيضاء سأقول ما حييت إنها بركة رمضان؟
وهل سيتمكن المدخن منا من امتلاك الإرادة القوية وتجنيب أبنائه هذا السم الزعاف، ويقول لأبنائه بجرأة ما قاله لهم نزار قباني ذات يوم: نحن آباؤكم فلا تشبهونا، نحن أصنامكم فلا تعبدونا.
سؤال برسم الآباء والأمهات الذين يؤمنون أن أبناءهم هم أكبادهم تمشي على الأرض.

Related posts

د.محمد الحبش- الوسطية…كفاح من أجل النهضة والتسامح 7/12/2007

drmohammad

د. محمد الحبش- صناعة الجهاد .. في سبيل الله والمستضعفين في الأرض…18/8/2006

drmohammad

كفتارو – رائد إخاء الأديان

drmohammad

Leave a Comment