على هامش المؤتمر الدولي للدفاع عن القضية الفلسطينية
جاء انعقاد المؤتمر الدولي لنصرة القضية الفلسطينية الأسبوع الماضي في طهران في وقت دقيق فمن الواضح أن هذا اللون من اللقاء أصبح محرماً أمريكياً، وبالتالي وللأسف فإن عدداً غير قليل من الأنظمة العربية استجابت مباشرة بالحاسة السادسة للاستجابة للمطلب الأمريكي، حتى قبل أن يصلهم أي خطاب أو إشارة من السيد الأمريكي.
كانت كلمتي في المؤتمر وفق ما طلبته اللجنة المنظمة للمؤتمر حول الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني، وكان علي أن أتعامل بدقة وحذر مع ركام من النصوص التي مضى الإسرائيليون لفرضها على المنطقة، عن طريق قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
بداية أود أن أقول لكم بوضوح وصراحة إنني لا أملك الرغبة للخوض في دلالات الكتب المقدسة، وأحب أن أقرأها تماماً كما يقرؤها الناس بلا أسرار، في سياق المكان والزمان الذي نزلت فيه، ولكن هذه الرغبة أو النزعة العقلية لا يمكنها أن تفسر ما يجري على أرض الواقع في فلسطين حين تكرس الصهيونية خطابها مباشرة لتبرير سلسلة من المظالم التي ترتكب في المنطقة استناداً إلى أوهام توراتية، ثم لا تبالي بعدئذ في ركوب سائر المآثم والمظالم للوصول إلى هذه الأهداف الشريرة.
وما يتم ترويجه على المستوى الإسرائيلي قد يكون مفهوماً في إطار دولة دينية تكرس التأويل الديني وتدين له كواحد من أهم أسباب قيام دولتهم وككيانهم، ولكن ما يستعصي على الفهم هنا هو أن تتبنى هذه التأويلات العنصرية دولة كبرى تقود النظام العالمي، على أساس من القانون الدولي، ولكنها تمارس في الوقت إياه من حيث تريد أو لا تريد ثقافة البطش بالآخر على أساس النبوءات التوراتية!!
لست أزعم بأن الأساطير هي التي تقود السياسة الأمريكية ولكنني أجزم أن جزءاً من المشاعر التي تحرك المقاتل الأمريكي ولنقل إنها عشرين بالمائة إنما تستند إلى التأويل اللاهوتي لتنفيذ وعود العهد القديم، وهي تأويلات تستدعي الماضي لتفسير الحاضر، وهي بالتأكيد ما كان يقصده بات روبنسون (الموجه الروحي للرئيس بوش، والمرتل (الخاشع) للكتاب المقدس في البيت الأبيض) عندما أعلن بعد مرض شارون بأن الرب غاضب على شارون لأنه سلم جزءاً من أرض الميعاد (للكفار) الفلسطينيين!!.
ومرة أخرى فإنه ليس لدي حماس للكتابة أو الخطابة في إثبات تحريف الكتب الأولى بل إني أنظر إليها باحترام كما يحملها أصحابها بدون تحفظ، ولكنني مقتنع تماماً بأن تأويل هذه النصوص إنما يتصل بتاريخ نزولها وورودها، ووفق ذلك التأويل فإنه لا يمكن القول بأن دلالاتها باقية أو مستمرة، بل هي جزء من التاريخ ويتعين دراسته في سياق التاريخ بدون أي دلالة سرمدية، وهكذا فإن معركتي في الحوار محلها التأويل وليس التنزيل.
وإذ أقاوم التأويل الصهيوني لهذه النصوص فإنني متمسك بموقفي هذا في سائر الكتب المقدسة وحين يقوم أحد بتأويل القرآن الكريم نفسه تأولاً يؤدي إلى إلحاق المظالم بالآخرين فإنني بكل تأكيد سأقاومه بكل ضراوة، ولن أصدق أبداً أن النص الإلهي يمكن أن يشرع المظالم على الأرض.
إنها لكارثة حقيقية أن تتبنى أكبر دولة في العالم تأويلاً أسطورياً للحياة بحيث يكون الرب يزور البيت الأبيض باستمرار ويأمر بإشعال الحرب هنا والضرب هناك!! أنا لا أشك أبداً أن بوش المصلي الخاشع مسكون بهواجس هذه الأساطير، لقد تم إقناع الرئيس بوش بأنك الآن يذكر مع الرؤساء الأمريكيين مع كلينتون وكيندي وفورد، ولكن لديك فرصة أخرى أن تذكر مع الأنبياء!! مع داود وسليمان وإبراهيم، لو تمكنت من إنجاز النبوءات التوراتية التي تبدأ من معركة هرمجدون الدامية على شواطئ النهر العظيم وتنتهي في فلسطين، أنا لا أشك أن لهذه الأساطير تأثيراً في ذهن الرجل، وبكل مرارة فإن التأويل الأسطوري للعهد القديم هو جزء من بواعث القرار الأمريكي على مستوى المنطقة!!
في مستوطنة بيت شلومو بفلسطين توجد الآن مزرعة أبقار، وفي هذه المزرعة معهد للتجارب، يشرف عليه يسرائيل أريئيل، ووظيفة هذا المعهد إجراء البحوث الوراثية التي من شأنها التوصل إلى إنتاج بقرة حمراء “لاشية فيها ” لاستخدام رمادها في تطهير جبل الهيكل (الأرض التي بني عليها الأقصى) قبل إعادة بناء الهيكل، وفي لويزيانا بالولايات المتحدة الأميركية يجري الآن أعداد قطيع من الأبقار الحمر جاهز للنقل الفوري إلى إسرائيل جوا، وتنكب عائلة نتيف في القدس على إنتاج أدوات العبادة، وتقوم أسرة ألفي بإعداد كسارة الحجارة التي تملكها في جنوب البلاد لإنتاج مواد بناء الهيكل من عناصر طبيعية لم تمسسها مطرقة أو أزميل، وأنجز بعض العاملين في مصانع البحر الميت طرازا مثيرا لمذبح جبل الهيكل. وخاطت أسرة تسورفيم أدوات الهيكل القماشية من نوع واحد، ويعرض “معهد أبحاث الهيكل” الذي يديره يسرائيل أريئيل، والموجود في شارع مسغاف لداخ في الحي اليهودي في القدس قبالة حائط البراق، مجسما للهيكل ولأدوات العبادة وملابس الحاخامات وصور ذبح القرابين وبوق المناداة. والجولة تكلف 12 شيكلا أو نحو ثلاثة دولارات. وجلبت حركة أمناء جبل الهيكل في تشرين الأول 1997 صخرة كبيرة لم تمسسها مطرقة أو إزميل ووزنها نحو أربعة أطنان استعدادا لصنع العرش، وفي عام 2003 طاف المستوطنون بها حول الأقصى أمام وسائل الإعلام من أجل التذكير بما سيفعلونه في المستقبل القريب، وتحولت مستوطنة يتزهار إلى مركز روحي للخلاص اليهودي حيث تحتل مسألة بناء الهيكل المكانة الأولى في تفكير المستوطنين فيها.
لقد تم الآن إنجاز بناء هيكل سليمان وهو موجود الآن بالكامل في مستوطنة أدوميم، بانتظار نقله إلى القدس، على هيئة الأبنية المسبقة الصنع، ويحتاج بناؤه وتركيبه فقط إلى خمسة عشر يوماً، بعد هدم الأقصى، وكذلك فقد أعدت الألبسة التي سيرتديها الحاخامون والمذبح الذي سيقفون عليه والشمعدان الذي سيوقدونه وكل شيء يحتاجه الهيكل بلا استثناء، ويمكن متابعة كافة التفاصيل ورؤية الصور الواضحة لها على الموقع الإلكتروني الخاص بالبقرة الحمراء:
http://us.f1.yahoofs.com وكذلك موقع www.haydid.org/redcow.htm
ليس مستبعدا أو غريبا أو غير متوقع، أن يأتي يوم نسمع فيه ان أحد “المجانين” اليهود نسف المسجد الأقصى وسوف تستنكر حكومة “إسرائيل” هذا العمل وستحاكم الشخص الذي أقدم عليه، لكنها ستشرع فورا في جرف الركام، وبعد ذلك لن يرى العالم المسجد الأقصى مرة أخرى.
إن النوايا واضحة وهي هدم الأقصى وإشادة الهيكل مكانه ولكن الجديد في الأمر أن ذلك كله يتم يوماً فيوماً طبقاً لنبوءات توراتية تفصيلية، وهي واردة في العهد القديم على هيئة الرمز ولكن بإمكانك أن تؤولها كما تشاء فالنهر العظيم الذي تجري عليه معركة أرمجدو أو هرمجدون هو اليوم نهر الفرات، وكان قبل عقود يرمز إلى نهر الأردن ، تماماً على حد المثل العربي (الفواخيري يضع أذن الجرة حيث شاء) ومن قبل استعاره الأمريكيون رمزاً لنهر المسيسيبي عندما كان المطلوب تجييش المشاعر الدينية من أجل جمع المهاجرين في العالم الجديد وتخليص أرض الميعاد التي كانت آنذاك (أمريكا) من شرور الكفار (الكنعانيين) الذين كانوا يومذاك هم الهنود الحمر!!
أشعر بالمرارة إذ كرست جزءاً من وقتكم الثمين لقراءة هذه الأساطير التي تمجد الظلم والقهر باسم الرب، ولكنني أشعر بمرارة أكبر إذ أقف بكم أمام الحقيقة الموجعة وهي أن هذه الأساطير تسكن بشكل أو بآخر وبنسب متفاوتة في ضمير سادة البيت الأبيض هذه الأيام، وأحيل هنا لقراءة المأساة كاملة إلى ما كتبه الدكتور فؤاد شعبان في كتابه: من أجل صهيون.