مقالات

د. محمد حبش- محمد في ضمير العالم 14/4/2006

أما ما لم يقله الإعلام العالمي بعد هذه الإساءات المتكررة للرسول الكريم فهو مواقف العلماء والحكماء من مختلف بقاع الأرض في بيان رسالة النبي الكريم وعطائه وكفاحه وجهاده وما أنجزه للبشرية من خير وفضل.
وربما لا يتعين علينا انتظار ذلك فالإعلام الغربي عموماً مبني على الإثارة ولأجل ذلك فإنه لا يبدي اهتماماً كافياً بالقضايا الوقورة الهادئة التي لا تصلح للمانشيتات العريضة المثيرة على صفحات الجرائد الأولى.
ربما كان تفسير ذلك ما نراه في هذا الموسم بالذات من شهر المولد بحيث تزدان الشوارع والساحات كما لم يكن من قبل، وتشهد المدن السورية على سبيل المثال عرساً حقيقياً من الزينة والبهجة والمحبة، في رغبة مباشرة بالإعلان عن الوفاء للنبي الكريم وإعلان مزيد من الحب في مواجهة ما تنشره الصحافة الغربية من الإسلاموفوبيا.
كثيرون تحدثوا في الغرب عن النبي الكريم وفاء لجهاده وكفاحه، وفي قائمة طويلة يمكنك أن تقرأ لتولستوي وبرناردشو ونلسون مانديلا وغوته وتوينبي ولا مارتين وفولتير وتوينبي وغوستاف لوبون وبوشكين مواقف كثيرة في ذكر مجد النبي الكريم.
يقول تولستوي الحكيم والشاعر الروسي الكبير: ” يكفي محمدا فخرا انه خلص أمة من مخالب شياطين العادات الذميمة وفتح على وجوههم طريق الرقي والتقدم، وان شريعة محمد ستسود العالم لانسجامها مع العقل والحكمة “
ويقول جوته الفيلسوف الالماني وأبرز شعرائها : ” إننا أهل أوروبا بجميع مفاهيمنا لم نصل بعد إلى ما وصل إليه محمد وسوف لا يتقدم عليه احد، وقد بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان فوجدته في النبي محمد.
أما الفيلسوف البريطاني جورج برنادشو فقد تحدث بإكبار عن النبي الكريم فقال “لقد درست محمداً باعتباره رجلاً مدهشاً ، فرأيته بعيداً عن مخاصمة المسيح ، بل يجب أن يدعى منقذ الإنسانية ، وأوربة بدأت في العصر الراهن تفهم عقيدة التوحيد ، وربما ذهبت إلى أبعد من ذلك ، فتعترف بقدرة هذه العقيدة على حل مشكلاتها بطريقة تجلب السلام والسعادة ! فبهذه الروح يجب أن تفهموا نبوءتي”
“إذا حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس ، قلنا إن محمداً رسول المسلمين أعظم عظماء التاريخ ، فقد كبح جماح التعصب والخرافات ، وأقام ديناً واضحاً قوياً ، استطاع أن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم”
“لم يسجل التاريخ أن رجلاً واحداً، سوى محمد، كان صاحب رسالة وباني أمة ، ومؤسس دولة … هذه الثلاثة التي قام بها محمد، كانت وحدة متلاحمة، وكان الدين هو القوة التي توحدها على مدى التاريخ”
وفي الولايات المتحدة الأمريكية كتب مايكل هارت كتابه الشهير: المائة الأوائل وتحدث فيه عن أهم مائة رجل في التاريخ، في قائمة تضم علماء وخبراء وفلاسفة وأنبياء وفاتحين وأباطرة وحين قصد ترتيب الأسماء اختار داروين في المرتبة العشرين وأينشتاين في المرتبة العاشرة ولاو تسي مكتشف الورق في السابعة وجوتنبرج مخترع الطباعة في السادسة وكونفوشيوس حكيم الصين في الخامسة وبوذا حكيم الهند في الرابعة والسيد المسيح في الثالثة ونيوتن مكتشف الجاذبية عماد الفيزياء الحديثة في المرتبة الثانية، ولكنه لم يتردد أبداً في منح المرتبة الأولى بين سائر رجال التاريخ للنبي محمد 
ولم يكن موقفه هذا تعصباُ لجماعة أو تاريخ أو ملة أو سواها وإنما كان تكريساً لحقيقة تاريخية سيدركها كل من درس بحياد تاريخ البشرية.
ولكن صيحة مايكل هارت مجرد نشاط فردي، ومع دخول العالم الأخضر فإن إمكانية إحراء استفتاء جماعي أصبحت أقرب منالاً، وهنا أود أن أضيف تجربة فريدة قام بها السيد بيل غيتس، من منا لم يسمع ببيل غيتس الذي يتربع منذ نحو عشر سنوات على قمة أغنياء العالم ومشاهيره، وهو بكل تأكيد غير متهم بالانحياز إلى القيم الروحية وهو عاكف في أسواق البزنس والتنافس المحموم فيها.
في يوم 1/1/2000 ومع دخول الألفية الجديدة كتب بيل غيتس سؤالاً واضحاً على موقعه الالكترونيmsnbc وكانت صيغة السؤال: من هو أهم رجل في التاريخ؟ ووضع بيل غيتس ثلاثين اسماً ليختار القراء منها اسماً واحداً.
كان الموقع باللغة الانكليزية وفي موقع أمريكي إعلامي وتجاري، في وقت لم يكن الانترنت قد أصبح شائعاً في البلاد العربية والإسلامية مما يعني أن معظم المشاركين في زيارته والتصويت فيه كانوا من الغربيين أو الصينيين واليابانيين، ولا شك أن قلة من العرب هي التي كانت قد دخلت عالم الانترنت، فماذا كانت النتيجة؟
ظل السؤال مطروحاً على الموقع إلى غاية 1/4/2001 وبعد ستة عشر شهراً كانت النتيجة مفاجئة للمراقبين إذ اختار 84% من الملايين الذين دخلوا التصويت أن يقولوا إن أهم رجل في التاريخ هو محمد 
لم تقم بهذه الدراسة رابطة العالم الإسلامي ولا الأزهر الشريف ولا مركز الدراسات الإسلامية إنها بامتياز جهود أمريكية محضة، وغالب المشاركين فيها من غير العرب والمسلمين، ولكن بدون أدنى شك فإن ما أدى إليه اجتهادهم لا يختلف في شيء عما يؤدي إليه أي بحث سليم عن الحقيقة.
هذا العالم مليء بالنوايا الطيبة، والشرفاء في الأرض من كل ملة ودين ولون يدركون تماماً ما الذي أنجزه النبي الكريم في الأرض، وما معنى رسالته الكبيرة: الخلق كلهم عيال الله وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله.
في زيارة للأسقف الأمريكي بول شتيرن إلى دمشق مطلع التسعينات، التقيناه في مسجد أبي النور حيث قال: لقد تحدثت للأمريكيين مطولاً عن الرسول الكريم محمد، وقلت لهم: إننا نؤمن بأنبياء كثيرين آمن على أيديهم قرية أو قبيلة أو أسرة واحدة، وأنبياء آمن على أيديهم عشرة أشخاص أو خمسة، وأنبياء لم يؤمن على أيديهم أحد، فإذا كان محمد الذي أنقذ ملياراً ونصف مليار من عبادة الحجر إلى عبادة الله ليس بنبي، فمن هو النبي إذن؟؟؟
هناك طريقتان لتقديم الإسلام للعالم: الأولى أن تقدمه على هيئة جيوش وخيول تثير نقع غبار الأرض، وتحمل صيحات المواجهة وتستدعي للنزال والسنان، وترى في العالم عدوا مفترضاً تتعين مواجهته، ولا نحتاج إلى كبير ذكاء حتى ندرك كيف ستكون ردة فعل العالم تجاه تهديد من هذا النوع، وهناك طريقة أخرى شرحها القرآن الكريم بقوله تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وهي بكل تأكيد استطاعت أن تفعل الأعاجيب في عصر السيف والغزو والفتوح فما بالك بعصر الكلمة والموعظة الحسنة ووسائل الإعلام المذهلة، ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم.
هناك رسالة أخرى للمولد النبوي وهي اكتشاف أصدقائنا في العالم، فهل نمتلك البرنامج المناسب لاكتشاف هذا الرصيد الهائل من الحب لرسول الله في العالم؟ وتوظيفه بالتالي لصناعة الإخاء الإنساني وإصلاح ما بين العرب وبين العالم؟

Related posts

د.محمد حبش- عزيزتي اليزابيث 24/6/2007

drmohammad

العلماني والإسلامي في سوريا الجديدة

drmohammad

الدكتور محمد حبش- المواطنة في الإسلام 2004

drmohammad

Leave a Comment