مقالات

ماكرون في بيت فيروز

ماكرون في بيت فيروز

أحكام الموسيقا والغناء في الفقه الإسلامي

أثارت زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للسيدة فيروز عاصفة من الدهشة، وكتبت فيها سيناريوهات بالمئات، ولكن القدر الذي اتفقت عليه معظم التلعيقات أن السيدة تستحق الاحترام والتقدير وأنها غدت عنواناً لوطن يحلم به اللبناني ويحلم به كذلك كل عربي في الوطن والمهاجر والمنافي.. وأنها فرضت احترام الفن الأصيل.


ولكن ما آلمني هو أصوات غاضبة من خارج التاريخ، لا تزال ترى في الفن والموسيقا حرامأً يجب التحذير منه، وأن الشرائع جاءت بتحريم الغناء!! ولشد ما شعرت بالأسى أن يكون في شعبنا من لا يزال يحارب الفن الذي هو في جوهره سمو روحي وصلاة، ومزامير داود، وغناء الطير وحداء الملائكة.


ومع أنني أعلم أنها ليست صحيفة فقه وتفسير ولكنني اخترتها منبراً أقدم فيه قراءتي لموقف الإسلام من الفنون والموسيقا والحب والجمال، وقدمت الأدلة هذه المرة من مصادر الحديث والفقه.

فهل جاء الإسلام حرباً على الجمال والفن؟ وهل تحريم المعازف والموسيقا هو إجماع الفقهاء الذي لا يجوز خلافه؟

أشعر بالحرج وأنا أناقش موضوعاً كهذا ونحن في القرن الحادي والعشرين، ومن المؤلم ان بعض الأصدقاء يحرمون الموسيقا والغناء رغم ورود 97 حديثاً أن رسول الله نفسه قد استمع لغناء الرجال والنساء وأثنى على الصوت الجميل واعتبره من نعم الله السابغة، وأما بنعمة ربك فحدث وغرد..

سيفاجأ القارئ الكريم حين يعلم أن أكبر علماء الإسلام تصدوا لهذه الحقيقة منذ زمن بعيد، وأعلنوا احترام الإسلام للفنون الجميلة، وأن الغناء والموسيقا والمعازف كانت صورة واضحة من ملامح المجتمع الإسلامي في أيام المجد، وأن الفقهاء والعلماء كانوا يألفون ذلك ولا يجدون فيه حرجاً كما يحاول أن يصوره اليوم فقهاء الشدة.

أما الدراسة التراثية فقد كفانيها واحد من أكبر المحققين في التراث الإسلامي وهو العلامة ابن حزم الظاهري الذي تصدى ببسالة من رياض الأندلس الحضارية لدعاوى تحريم ما أحل الله، وتناول باستفاضة وتفصيل تلك الروايات التي يتخذها أعداء الفن وناقش أسانيدها ومتونها[1]، وحين انتهى من تحرير دراسته نشرها في المحلى في واحد وعشرين صفحة استقصى فيها بالتفصيل الممل كل رواية وردت في تحريم الموسيقى والغناء، وجزم بآلة علم الاصطلاح التقليدية بطلان هذه الروايات، وأشار إلى ضعفها وتهافتها من جهة الإسناد، وأكد أن معظمها من باب الموضوع المفترى الذي لا تقوم به حجة في حلال ولا حرام. وقبل أن يمضي لإعداد كتابه الجميل طوق الحمامة في أخبار الإلف والإيلاف، كتب عبارته الجامعة المانعة فيما يتصل بالفنون، وهي فتوى لا تحتاج اليوم لأدنى تعديل نظراً لارتباطها بالمقاصد، وتحميل الإنسان المسؤولية الكاملة عن اختياره الفني، وموقفه الذوقي الجمالي، وهذا نصها:

فَجَوَابُنَا – وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: ” إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ نَوَى بِاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ عَوْنًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ فَاسِقٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الْغِنَاءِ، وَمَنْ نَوَى بِهِ تَرْوِيحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيُنَشِّطَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْبِرِّ فَهُوَ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً وَلا مَعْصِيَةً، فَهُوَ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَخُرُوجِ الإِنْسَانِ إلَى بُسْتَانِهِ مُتَنَزِّهًا، وَقُعُودِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مُتَفَرِّجًا وَصِبَاغِهِ ثَوْبَهُ لازَوَرْدِيًّا أَوْ أَخْضَرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَدِّ سَاقِهِ وَقَبْضِهَا وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ – فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ بُطْلانًا مُتَيَقَّنًا – وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ؛ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.[2]

ويمكن مطالعة ما كتبه الإمام المحقق ابن حزم الأندلسي في هذا المعنى في كتابه المحلى بالآثار، ولا نزيد عليه في أمر المناقشة الإسنادية شيئاً.

وبعيداً عن جدل الرواية فإنني أحب أن أقترب أكثر من القيم الإسلامية التي حققت رعاية الجمال والفن، وأحيت علاقة الإنسان بالحياة على أساس وجداني وروحي عميق، يشد الإنسان من مشاعره العميقة ليمنحه عذوبة الفن والشوق والتوق، والوجد والكلف، ويمنحه فرصة النظر من علٍ للعالم الأسمى الطافح بالمشاعر وخفق القلوب.

استمع النبي الكريم لغناء الجواري، والحديث في البخاري ومسلم، تكرر ست مرات، في أبواب العيدين والنكاح، ومن المدهش أن موقف النبي صلى الله عليه كان يثير استهجان الصحابة الذين افترضوا فيه الصلابة والترفع عن الفنون والمعازف، واشتغاله بالقيم العليا وفق منطق قوله: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله.

وهنا يقدم النبي نفسه ذلك الرسول الإنسان الذي يشرق من ساحة العناء بآفاق الرجاء، ويعلم الإنسان كيف يكافح وهو يبتسم.

في أشهر الروايات في البخاري أن الرسول الكريم كان متكئاً في بيته وعنده جوار يغنين، بغناء يوم بعاث، وهي أغان كانت تذكرهم بالحنين إلى الأيام الخوالي، وحين دخل أبو بكر دهش لمرأى الجواري في بيت النبوة وهن يغنين ويدففن بالمزهر والخلخال وهذه كانت أدوات الموسيقى السائدة آنذاك، فقال مغضباً: أمزمارة الشيطان في بيت رسول الله؟!!! ولكن النبي الكريم التفت إليه في نظرة حانية وقال دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد.[3]…

وأخذت الجواري الصبايا حماسة كبيرة حين رأين انتصار النبي الكريم لهن، وأضافت إحداهن ثناء خاصاً للنبي الكريم، وقالت: وفينا نبي يعلم ما في غد…..

هنا فقط قطع رسول الله عليهن غناءهن ورفع يده وقال: لا يعلم الغيب إلا الله…. دعي هذا وقولي ما كنت تقولين….

كانت ساعة وصال وصفاء، قدم فيها أهل المدينة أروع فنونهم أمام النبي الكريم ونالوا ثناءه ومحبته، ووقفوا عند حدود ما أمرهم به من عدم مدح الإنسان بما ليس فيه.

في رواية أخرى أشد طرافة يشير بريدة بن الحصيب إلى موقف شاهده بنفسه حين جاءت جارية سوداء خرجت فيمن خرج لاستقبال النبي من بعض مغازيه فقالت إني نذرت لئن عدت سالماً لأضربن لك بالدف، ثم قامت بين يديه فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف[4]

وليس في الحديث ما يتوهمه الناس من تفضيل عمر على النبي الكريم، فقد كان الرسول في معرض التعليم والإرشاد، وكان عمر في مقام الاختيار الشخصي، وكان رسول الله يعجب بشدة عمر لأنها ضرورة لهيبة الدولة، ولكنه في الوقت نفسه كان حريصاً على نشر ثقافة الفرح والفن والجمال في حياة الأمة.

وقد اشتهر عمر بشدته، وكان إذا قال أسمع وإذا أطعم أشبع وإذا مشى أسرع وإذا التفت أفزع وسبحان من أقام العباد فيما أراد وهو المراد فيما يريد.

نحن نعمر الحياة بالعلم، ولكننا نزينها بالفن، وركن الحياة العقل ولكن مدادها القلب، والنجاح في بناء الحياة على أساس من العقل والعمل ينتطر أن يزينه الفن البريء فتندفع إليه النفس بفطرتها باحثة عن الجمال، وتكون الحياة أبهى وأجمل عندما تنسكب فيها عواطف الأذواق وملامح الإشراق.

في مقام آخر أقر رسول الله الفنون حين كان يدعو أنجشة الحادي أن يغني في طريق السفر، كانت ألحانه الحزينة تنهمر على مسامع المسافرين، وكان رسول الله تدمع عيناه عندما يذكر أنجشة مرابع مكة ووديانها وشعابها، تلك المرابع التي منعته قريش أن يراها لسنين طويلة، وكانت هذه الأغاني الباكية تستنفر المدامع من أهل القافلة ومن بعيرها أيضاً حتى قالوا كانت الإبل تعنق لحدائه، والمعنى أنها تشد أعناقها لاستماع هذا الحداء[5]

ولكن ما اندفع في خده من مدامع الرجال وهو الزعيم الصلب تفجر في نساء الصحابة بكاء ونحيبا، ولا تملك النساء ما يملكه الرجال من صبر، وكان رسول الله إذا رأى تحدر المدامع على وجوه الصحابيات يقول لأنجشة ارفق ارفق…. يا أنجشة رفقاً بالقوارير…..

وفي رواية النسائي كان يقول له: رويدك يا أنجشة.. لا تكسر القوارير من ضعفة النساء..!!

إنها عبارة لا تشبه في شيء خطاب القسوة والشدة الذي يرفض بقسوة حضور المرأة في الحياة العامة، ومشاركتها في والعمل ناهيك عن التفكير بمشاركتها في الفن والغناء سماعاً أو انفعالاً أو غناء.

كان الصحابة يعلمون أن الخطاب الدافئ الطافح بالعاطفة الذي يقدمه رسول الله يختلف عن أعراف العرب القاسية، ولن يتقبله العربي الذي يرى في المرأة مجرد متعة خاصة لا يليق الحديث عن عواطفها الدافئة مع الغرباء، وفي ذلك قال أبو قلابة: تكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم بكلمة لو تكلم بها بعضكم لعبتموها عليه يعني قوله رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير[6]

كان الأعرابي يعبر عن المرأة بمصطلحات كناية غليظة قاسية، فهي نعجتي حيناً ومتاعي حيناً وامرأتي في أحسن الأحوال، وكان ربما كنى وشرق وغرب فقال أحبرتني التي عندي، أو التي في داري أو التي أنا بعلها.. يريد أن يصرف الأذهان عن أي شائبة تذكر الناس بلطفها أو رقتها، أما الحديث عن قارورتي الرقيقة وشقائق النعمان وحبيبة رسول الله فقد كان يبدو في غير وارد الأعرابي الجافي ولكنه كان جزءاً أصيلاً من خطاب النبوة.

تحتاج إلى شجاعة فريدة حين تتحدث من أفق النبوة، فالرسول الذي يفترضه محبوه أزهد الناس في متع الدنيا وطيبها ورغدها يفاجئ العالم بقوله حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة، أن يكون حبه للمرأة عنواناً يرفعه وغاية يتوسمها فهذا أكثر من محض بيان شمائل، إنه منهج حياة، موقف نبي كريم يريد الخير والسعادة للناس.

ولكن الجانب الأكثر دلالة في حياته الكريمة هو مهرجاناته التي كانت طافحة بالفرح والعاطفة وكانت مناسبة للقلوب السعيدة لصناعة البسمة وأنس القلوب.

ذات ليلة تعود عائشة من حفل زفاف للفارعة بنت أسعد بن زرارة، على ثبيط بن جابر الأنصاري وحين يتلقاها النبي الكريم يلتفت إليها بوجه باسم، ويخاطبها بوصفه معلما للفرح والحياة ويقول: هل أهديتم لها شيئاً؟؟ قالت عائشة لقد سلمنا ودعونا الله بالبركة ثم انصرفنا.

وهنا يتدخل النبي الكريم معاتباً، فهذه اليتيمة بنت رجل من أهم رجال المدينة، وهو أسعد بن زرارة، وهو من احتضن مصعب بن عمير في داره قبل الهجرة، وفي داره أقيمت أول صلاة جمعة، وربما لم تكن تفاصيل السيرة كلها على النحو الذي تعرفه لولا هذا الرجل، ويتدخل النبي الكريم، مطالباً بجوقة فرح فنية مناسبة وفاء للرجل الكبير في فرح ابنته، ومن المدهش أن النبي الكريم اقترح الجوقة والكلمات المناسبة لفرح كهذا وقال: يا عائشة إن الأنصار قوم فيهم غزل، فهل أَرْسَلْتُمْ مَنْ يُغَنِّى؟ ». قَالَتْ : لاَ. قَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- :« فهلا بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني؟؟

وتدهش السيدة عائشة من الروح الفنية للرسول الكريم، وعهدها بأبيها أبي بكر لا يرضى بالمعازف والمزامير، قالت: يا رسول الله ماذا نقول: وعلى الفور كان الرسول الكريم قد استحسن أغنية عذبة يستحضر كلماتها تليق بفرح اليتيمة سليلة المجد، وراح يعلم عائشة وصويحباتها فقال قولي: أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ ، ولولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم، ولولا الحنطة السمراء لم تسمن عذاريكم …

كان يريد لهذه الفارعة أن تنتقل إلى دار عز، وأن يعلم أحماؤها أنها من رسول الله بمكان، فهي الذهب الأحمر يثرى به واديهم، وهي العذراء الممتلئة بالجمال والأنوثة.

من المؤكد أن هذا الوصف لسلوك النبي الكريم لن يرضي أولئك الذين يرونه فظاً غليظ القلب، لا يروى عنه إلا خبر النار وسعيرها وجهنم وسقرها وعضب الجبار ومقته، ولا يرون فيه باب رحمة للعالمين وغفران للشاردين.

ولكن أجمل مهرجاناته الخالدة هو تلك الأغنية العذبة التي غنتها صبايا المدينة العذارى يوم وصل الرسول إلى مكة، وهي الأغنية التي يمكن القول إنها أشهر أغاني التاريخ على الإطلاق فهي نشيد المسلمين في كل أرض، ينشدونها في بلاد العرب والعحم والهند والملايو وأوروبا وأمريكا بلسان عربي مبين، لا يترجم إلى لغات الأرض، بل يحافظ على ذلك المعنى الأول الذي وردت فيه الكلمات العذبة:

طلع البدر علينا … من ثنيبات الوداع

وجب الشكر علينا …. ما دعا لله داع

أيها المبعوث فينا … جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينة … مرحبا يا خير داع

قد لبسنا ثوب عز …. بعد تمزيق الرقاع[7]

من المدهش انه لا يعرف صاحب هذه الكلمات، مع أنها رويت كما في المكتبة الشاملة في 55 مصدراً من كتب الرواية، ويمكن القول إنه أشهر كلام في العالم لا يعرف له قائل، ولكن من المؤكد أنها قدمت لصبايا المدينة يغنينها عند إطلالة وجه الرسول الكريم، فيكون هذا المهرحان الفني الرائع بفقراته المتعددة إيذاناً بانطلاق أول يوم من أيام الإسلام، وإعلاناً بان هذه الشريعة تلامس دوماً أرق المشاعر والأشواق.

وفي فقرة أخرى من هذا المهرجان الفني الرائع قامت نساء بني النجار يعزفن أغنية خاصة بهن، وفيها”

نحن جوار بني النجار …. يا حبذا محمد من دار

وحين رأى النبي الكريم نساء بني النجار حانت منه اليهن التفاتة كريمة ثم أقبل عليهن بوجهه وقال: أتحبنني؟ قلن أي والله يا رسول الله، فسر وجهه واستنار كأنه قطعة قمر، ثم قال لهن: وأنا والله أحبكن… قالها ثلاثا….

وفي مقام آخر يصف أنس بن مالك مهرجان الفرح بقوله: لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أضاء منها كل شيء وصعدت ذوات الخدور على الأجاجير: أي الأسطحة عند قدومه يعلنّ بقولهن: طلع البدر علينا من ثنيات الوداع…

كان إذن مهرجان لقاء فريد تشارك فيه المرأة بانوثتها وصوتها العذب ويشارك الرجل ببريق سيفه في يوم الإسلام الأول، لترسم تلازم العمل والفن، والقوة والجمال، والعقل والعاطفة في دولة الرسول.

سيكون لهذه السياقات بكل تأكيد ردود قاسية، فبعض أصحابنا لا يريد أبداً أن يرى الرسول الإنسان، ويريد أن يراه كما اعتاد قراءته في صورة النبي المفارق، يترفع عن رغائب الدنيا يصوم فلا يفطر ويقوم فلا ينام، وتسبح بيمينه الحصا ويظلله الغمام، وتأتيه الأشجار ساجدة تمشي إليه على ساق بلا قدم!!

الروايات التي تحدّثت عن استماع الرسول لغناء النساء، ومعهن كل أشكال الموسيقا التي كانت سائدة في عهده، تزيد في الموسوعة الشاملة عن 97 موضعاً في كتب السنة والسيرة والشمائل، ومثل هذا العدد من المرويات لا يمكن أن ينشأ عن وضع أو افتراء، بل هو الصورة الصحيحة لنبي كريم كان يقدم للعالم بكل شجاعة وبصيرة صورة الرسول الإنسان الذي يعيش مع الناس في حزنهم وفرحهم وحدائهم ونشيدهم، وكان يتذوق الجمال ويطربه الحداء وتدمعه العواطف البريئة ويدرك تماماً كيف يكون الفن جمالاً للحياة وكيف يمكن أن نتوضأ للحياة بمدامع الأشواق وبصائر الأذواق.
……………………………………………..

[1] انظر المحلى بالآثار شرح المحلى بالآثار للامام ابن حزم من صفحة 478 الى ص 506 من الجزء السابع

[2] المصدر نفسه

[3] رواه البخاري ومسلم وهو في البخاري ج 2 ص 11

[4] رواه الترمذي ج5 ص 292

[5] صحيح مسلم ج 4 ص 1811

[6] مسند أحمد ج2 ص 186

[7] وردت الأبيات في قصة الهجرة وفي قصة عودته من تبوك، وقد أوردتها معظم كتب السيرة ومنها سيرة ابن كثير وابن حبان وزاد المعاد لابن القيم والسيرة الحلبية والسيرة الشامية.

Related posts

يستتاب وإلا قتل!!

drmohammad

الإمارات في المريخ

drmohammad

د.محمد حبش- البرلمان الإسلامي…. حقيقة أم وهم…. وإن هذه أمتكم واحدة 1/2/2008

drmohammad